نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

وختم كلامه ص ٨٥ بقوله : هذه جمل غثها وسمينها للشيعة في التقية كلمات بعضها حق وكلها اريد بها باطل وادعي انا ـ احتراما لكل امام ـ ان جميعها موضوع على لسان الصادق والباقر.

(ونقول) قد افرط هذا الرجل في تعنته وتعصبه وعناده واساءة القول ولم يأت بشيء يصح ان يقال عنه انه دليل او شبه دليل.

والعجب منه ومن امثاله في عيبهم الشيعة بالتقية وقد نطق بها القرآن الكريم وجوزها الشارع الحكيم في افظع واعظم شيء يتصور في موالاة الكفار واظهار كلمة الكفر ومدح الاصنام وسب الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ستعرف وعيب التقية ليس على الشيعة الذين حفظوا بها دماءهم واموالهم واعراضهم بل عارها وشنارها ووبالها على من اضطر الشيعة إليها.

معنى التقية

(التقية) لغة الحذر وشرعا اظهار خلاف الواقع في الامور الدينية بقول او فعل خوفا وحذرا على النفس او المال او العرض المعبر عنه في هذا الزمان بالشرف على نفسه او على غيره.

حكم التقية

(وحكمها) انها واجبة عند حصول هذا الخوف محرمة عند عدمه قال الامام الرازي في تفسير سورة آل عمران : التقية انما تجوز فيما يتعلق باظهار الموالاة والمعاداة وقد تجوز فيما يتعلق باظهار الدين فاما ما يرجع ضرره الى الغير كالقتل فذلك غير جائز البتة ومذهب الشافعي ان التقية بين المسلمين اذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس. والتقية جائزة لصون النفس وهل هي جائزة لصون المال يحتمل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرمة مال المسلم كحرمة دمه ولقوله من قتل دون ماله فهو شهيد والماء اذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء فكيف لا يجوز هنا ا ه.

١٨١

وقال الباقر عليه‌السلام فيما رواه الكليني في اصول الكافي : انما حلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية.

وحكى الامام الرازي عن مجاهد : الحكم ـ يعني في التقية ـ بالجواز كان ثابتا في اوّل الاسلام فاما بعد قوة دولة الاسلام فلا. قال وروى عوف عن الحسن ان التقية جائزة للمؤمنين الى يوم القيامة وهذا القول اولى لان دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان ا ه.

دليل التقية

(والدليل عليها) العقل والنقل فقد قضى العقل بجواز دفع الضرر بها بل بلزومه واتفق عليها جميع العقلاء ونص عليها الكتاب العزيز والسنة المطهرة. فمن الكتاب آيات (منها) قوله تعالى في سورة آل عمران ٢٨ (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) الآية ومهما اختلف المفسرون في سبب النزول وفي معنى التولي للكافرين فالآية صريحة في النهي عن اتخاذهم اولياء وفي تهديد الفاعل لذلك بانه ليس من الله في شيء بقطع العلقة بينه وبين الله تعالى وذلك تهديد عظيم وذم كبير ليس اكبر ولا اعظم منه ومع ذلك فقد رخص الله فيه وفي اظهاره عند الخوف والتقية. فهل يبقى بعد ذلك مجال للوم الشيعة على التقية لحفظ دمائهم واموالهم واعراضهم. وهل يبقى مجال لتشدق موسى جار الله واضرابه.

(ومنها) قوله تعالى في سورة النحل ١٠٦ (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) قال الرازي في تفسير هذه الآية : روي ان ناسا من اهل مكه فتنوا فارتدوا عن الاسلام وفيهم من اكره فاجرى كلمة الكفر على لسانه مع انه كان بقلبه مصرا على الايمان. منهم عمار وابواه ياسر وسمية وصهيب وبلال عذبوا فقتل ياسر وسمية واما عمار فقد اعطاهم ما ارادوا بلسانه مكرها فقيل يا رسول الله ان عمارا كفر فقال كلا ان عمارا ملئ ايمانا من فرقه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه فاتى عمار

١٨٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عينيه ويقول مالك ان عادوا لك فعد لهم بما قلت ا ه ـ. وفي مجمع البيان عن ابن عباس وقتادة نزلت في جماعة اكرهوا وهم عمار وابوه وسمية أمه وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل ابو عمار وأمه واعطاهم عمار بلسانه ما ارادوا منه ثم اخبر سبحانه بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال قوم كفر عمار فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلا ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه وجاء عمار الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي فقال ما وراءك فقال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهم بخير فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عينيه ويقول ان عادوا لك فعدلهم بما قلت فنزلت الآية ا ه.

واخرج الحاكم في المستدرك بسنده عن ابي عبيدة عن محمد ابن عمار بن ياسر عن ابيه قال اخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما اتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له ما وراءك قال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال كيف تجد قلبك قال مطمئن بالايمان قال ان عادوا فعد (قال الحاكم) : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ـ البخاري ومسلم ـ ولم يخرجاه ا ه. وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك معترفا بانه صحيح على شرطهما.

وروى الكليني في الكافي انه قيل لابي عبد الله ان الناس يروون ان عليا قال على منبر الكوفة ايها الناس انكم ستدعون الى سبي فسبوني ثم تدعون الى البراءة مني فلا تتبرءوا مني قال ما اكثر ما يكذب الناس على علي انما قال انكم ستدعون الى سبي فسبوني ثم ستدعون الى البراءة مني واني لعلى دين محمد ولم يقل فلا تتبرءوا مني فقال له السائل أرأيت ان اختار القتل دون البراءة فقال والله ما ذلك عليه وما له الا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه اهل مكة وقلبه مطمئن بالايمان فانزل الله عزوجل فيه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها باعمار ان عادوا فعد فقد انزل الله عذرك وامرك ان تعود ان عادوا ا ه.

(ومنها) قوله تعالى في سورة المؤمن ٢٨ وقال رجل من آل فرعون يكتم ايمانه فهل كان يكتم ايمانه الا وهو يتقي.

١٨٣

ومما يدل على جواز التقية بل وجوبها مضافا الى ما سبق عموم قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ما جعل عليكم في الدين من حرج. لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها. ومما يرشد الى التقية قوله تعالى ولا تسبوا الذين كفروا فيسبوا الله عدوا بغير علم. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثت بالحنيفية السمحة السهلة. وروى ابن سعد في الطبقات الكبير بسنده ان أبا بكر كان ردف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين مكة والمدينة وكان ابو بكر يختلف الى الشام فكان يعرف وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعرف فكانوا يقولون يا أبا بكر من هذا الغلام بين يديك فيقول هذا يهديني السبيل. وبسنده ركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراء ابي بكر ناقته فكلما لقبه انسان قال من انت قال باغ ابغي قال من هذا وراءك قال هاد يهديني فقد ورى ابو بكر بما يظهر منه انه يفتش على ضائع ضاع له وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل يدله على الطريق وهذا نوع من الكذب لاجل الخوف اقره عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينهه عنه. والتورية لا ترفع الكذب ولهذا لا تجوز في اليمين لفصل الخصومة. وحكى اليعقوبي في تاريخ وغيره انه لما جاء بسر بن ابي أرطاة بجيشه الى المدينة وطلب جابر بن عبد الله قال جابر لام سلمة اني خشيت ان اقتل وهذه بيعة ضلال فقالت اذا تبايع فان التقية حملت اصحاب الكهف على ان كانوا يلبسون الصلب ويحضرون الاعياد مع قومهم. وفي ميزان الاعتدال : قال مصعب عن الدراوردي لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر امر بني العباس. فلما ذا لم يرو مالك امام المذهب عن جعفر الصادق في ملك بني امية وكتم علمه الذي يرويه عن جعفر حتى ظهر امر بني العباس هل كان داعيه الى ذلك الا الخوف والتقية فهل كان مالك اخوف على نفسه من بني امية وهو لا يظهر عداءهم ولا يظهرون عداءه من الباقر الذي يعادونه ويسبون جده على المنابر وقد قال ابراهيم عليه‌السلام لقومه اني سقيم ولم يكن سقيما وامر يوسف فنودي ايتها العير انكم لسارقون ولم يكونوا سارقين وقالوا نفقد صواع الملك ولم يفقدوه فاذا جاز الكذب لانبياء الله تعالى لمصلحة لا تبلغ حفظ النفس أفلا يجوز الكذب بعمل او قول تقية لحفظ النفس ولما عزز الله رسولي عيسى الى اهل انطاكية بشمعون الصفا اظهر شمعون أولا انه منهم حتى توصل الى مراده. والحاصل ان الاضطرار يبيح الحرمات بضرورة شرع الاسلام فيحل للمضطر اكل

١٨٤

الميتة لحفظ حياته ويحل لمس بدن الاجنبية لانقاذها من الغرق ويسوغ الكذب وهو من الكبائر لمصلحة لا تبلغ الاضطرار كالاصلاح بين الناس ويجب لحفظ نفس محترمة الى غير ذلك مما لا يحصى وليست التقية الا نوعا من الضرورات لحفظ الدم والمال والعرض. ومن العجيب ان خصومنا يتقون اذا ابتلوا بما دون الخوف على النفس ويشنعون علينا اذا اتقينا عند الخوف على انفسنا.

وقد اجاب عن الاستدلال بالآية الاخيرة فقال ص (٨٠) قيل عند الباقر ان الحسن البصري يزعم ان الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم اهل النار فقال الباقر فهلك اذا مؤمن آل فرعون. ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا فليذهب الحسن يمينا وشمالا لا يوجد العلم الا هاهنا ـ واشار الى صدره (١) امام الائمة الحسن البصري يقول ان النبي لم يترك لامته سوى ما في ايدي الناس. وقد كذب كذبا من يدعي ان عنده من علوم النبي واسراره ما ليس في ايدي الناس وكذلك يكذب من يدعي انه يظهر من ذلك ما يشاء ويكتم ما يشاء. واراد الباقر ان يرد قول الحسن البصري بان الكتمان عند التقية طريقة مستمرة من زمن نوح الى الآن وان مؤمن آل فرعون قد كتم بنص القرآن الكريم ويدعي الباقر ان اكثر المعارف والشرائع لا يوجد الا في صدره وان التقية والكتمان من دينه ودأبه ولا أرى الا ان ما اسند الى الباقر موضوع. ولم يضعه الا جاهل لان مؤمن آل فرعون لم يكتم العلم وانما كتم ايمانه وبث علمه بتفصيل ذكره القرآن الكريم في آية ١٨ من سورة غافر والآيات ظاهرة في رد ما يدعيه الباقر وتدل على بطلان التقية دلالة قطعية والآية الاخيرة (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) نص في انه ما نجا الا بتركه التقية ولو اتقى لكان اوّل ما دخل في قول الله وحاق بآل فرعون سوء العذاب.

وقال ص ٨١ عجيب مستبعد ان كتب الشيعة ترفع الى اعلم الائمة قولا لا يمكن صدوره الا من اجهل جاهل ثم تفتخر ومؤمن آل فرعون اذ يكتم ايمانه من آل فرعون لا يتقي بالكتم بل يقتوي به الى سماع كلماته الناصحة الهادية ولو اظهر لكان قولا من عدو يدعوهم الى تبديل الدين او ان يظهر في الارض الفساد فالكتم في مثله

__________________

(١) واشار الى صدره ليس في الرواية ـ المؤلف ـ.

١٨٥

اقتواء وليس باتقاء.

(ونقول) الحسن البصري كان ـ كما وصفه بعض ائمة اهل البيت ـ يجاري كل فرقة ويتصنع للرئاسة والامام الباقر لما علم انه كان يرى نفسه في غنى عن علم اهل البيت رد قوله هذا باقوى حجة فانه لما اطلق ذم كاتم العلم مع الخوف وعدمه رد عليه بكتمان مؤمن آل فرعون ايمانه فاذا عذر كاتم الايمان لخوفه فبالحري ان يعذر كاتم العلم مع ان كتمان الايمان لا يتم الا باظهار الكفر بخلاف كتمان العلم فانه يكفي فيه السكوت وستعرف ان كتمان الايمان يلزمه كتمان العلم وبين انه وان ادعى الاستغناء عن علم اهل البيت فلن يجد العلم الا عند اهل البيت ورثة علوم جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحق له ان يقول ذلك وقد سماه جده الرسول باقر العلم فليذهب الحسن البصري ـ سواء أأسماه امام الائمة أم لا ـ وغير الحسن البصري وموسى جار الله وراءهم يمينا وشمالا وشرقا وغربا وبرا وبحرا واين شاءوا فلن يجدوا العلم الصحيح الا عند ائمة اهل البيت مفاتيح باب مدينة العلم ووارثي علم جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يستحق احد ان يسمى امام الائمة غيرهم على انه قد حكى فيما مر عن السرخسي عن الحسن البصري ان التقية جائزة الى يوم القيامة فكيف يستشهد بكلامه هنا على نفي التقية.

وقد كذب كذبا من يدعي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يترك لامته سوى ما في ايدي الناس الذين اخذوا بآراء الرجال التي تخطىء وتصيب وبالمقاييس واعرضوا عن علوم آل محمد الذين جعلوا شركاء القرآن واحد الثقلين لا يضل المتمسك بهم ومثل باب حطة وسفينة نوح والذين امروا بان يتعلموا منهم ولا يعلموهم وان لا يتقدموهم ولا يتأخروا عنهم والذين قولهم وحديثهم (روى جدنا عن جبرئيل عن الباري). ولا نظن ان نسبة هذا الكلام الى الحسن البصري صحيحة فهو في علمه ومعرفته لم يكن لينكر ان اهل البيت اعلم الناس في زمانهم وان عندهم ما ليس عند الناس وان نسب إليه الانحراف عن علي عليه‌السلام وحكي عنه انكار ذلك. وكيف كان فكلامه ليس وحيا لا سيما ان خالف المنقول والمشاهد. وبما ذا علم موسى جار الله ان علوم النبي واسراره احاط بها من عدا اهل البيت ولم ينفرد اهل البيت بشيء منها ما هو الا التخرص على الغيب وعدم انزال اهل البيت بالمنزلة التي انزلهم الله بها.

١٨٦

واما قوله ويكذب كذبا من يدعي انه يظهر من ذلك ما يشاء ويكتم منه ما يشاء فليس احد احق بالكذب والافتراء منه في هذا القول. فلا يكتم الا ما يخاف من اظهاره يكتمه عمن يعلم انه لا يقبله او يخاف شره على نفسه ولا يكتمه عمن يقبله من اصحابه واتباعه.

واذا اراد الباقر ان يرد قول الحسن البصري بما ذكره فما اتى الا بواضح البرهان وشاهد القرآن ومن هو وارث علم الأنبياء غيره وغير اهل بيته.

واذا ادعى الباقر ان اكثر المعارف والشرائع لا يوجد الا عنده فحق له ذلك فهو باقر علوم جده الرسول ومفتاح باب مدينة العلم وامام من امرنا بان نتعلم منهم ولا نعلمهم. وابن من قال سلوني قبل ان تفقدوني. وابن من قال لو ثنيت لي الوسادة. وابن من قيل فيه لو لا علي. قضية ولا ابو حسن لها فقد ورث علوم اجداده خلفا عن سلف فهذا الثمر من ذلك الشجر وهذا السيل من ذلك المطر شاء موسى جار الله واضرابه او ابوا.

واذا كانت التقية والكتمان لعلمه ممن يخاف شرهم ولا يأمن ضرهم من دينه ودأبه فما فعل الا ما اوجبه العقل والدين والشرع وما امر به الله ورسوله فزعم موسى جار الله انه موضوع لم يضعه الا جاهل جهل.

وتعليله ذلك بان مؤمن آل فرعون لم يكتم العلم وانما كتم ايمانه وبث علمه تعليل فاسد فهل كان حبيب النجار يظهر انه على دين قوم فرعون فان لم يكن يظهر ذلك لم يكن قد كتم ايمانه واذا كان يعلم ان فرعون وكل بني آدم لا يستحق واحد منهم ان يكون إله وان ما عليه فرعون وقومه باطل وكتم ذلك واظهر خلافه أفليس يكون قد كتم علما واظهر باطلا وهل يصح ان يقال في حقه انه لم يكتم العلم واما انه بث علمه بما حكته آيات سورة غافر فانما يكون ردا على من يقول انه لا يجوز لاحد كتم شيء من علمه خوفا ان يظهر غيره ولو كان لا يخاف من اظهاره او ان من كتم علما خوفا ثم أمن لا يجوز له اظهاره بعد الأمن فمؤمن آل فرعون صرح القرآن الكريم انه كان يكتم ايمانه وكتمان الايمان يلزمه كتمان العلم ثم صرح القرآن بانه اظهر شيئا من علمه بقوله : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ

١٨٧

كَذَّابٌ) الى قوله (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) وهي الآيات التي حكى الله تعالى فيها قوله لقومه فاما ان يكون خائفا من اظهار ايمانه آمنا من عاقبة ما قاله لقومه او يكون خائفا أولا ثم آمن وعلى كل حال فهو قد كتم ايمانه يقينا وكتمانه كتمان للعلم وبذلك يظهر ان هذا التعليل الذي علل به فاسد عليل وان دعواه ان تلك الآيات ظاهرة في رد ما يدعيه الباقر ودالة على بطلان التقية دلالة قطعية باطلة بطلانا قطعيا ودالة على جهله وسوء ادبه دلالة جلية وكيف يقول هنا انها دالة على بطلان التقية وهو قد قال فيما مر التقية بمعنى وقاية النفس من اللائمة والعقوبة هي من الدين ولكنه لا يبالي بتناقض اقواله.

وقوله : الآية الاخيرة نص في انه ما نجا الا بترك التقية نقول على الله وآياته فليس في الآية الا انه كانت عاقبته ان وقاه الله سيئات ما مكروا اما كون ذلك بسبب التقية فلا تدل عليه بنص ولا ظهور ولا ربط لها بذلك ولا يبعد ان يكون الله تعالى وقاه سيئات ما مكروا باستعماله التقية في اوّل الامر بكتمان ايمانه ولو اظهره أولا لقتل ولكنه اتقى فكتم ايمانه واظهر انه مثلهم فوقاه الله سيئات ما مكروا.

وقوله : لو اتقى لدخل في وحاق بآل فرعون سوء العذاب طريف جدا فهل كان سبب حوق سوء العذاب بآل فرعون اتقاؤهم.

وقوله : عجيب مستبعد «الخ» هو عجيب لكنه غير مستبعد ان يصدر من هذا الرجل ما لا يمكن صدوره الا من اجهل جاهل بعد ما تكرر منه صدور امثال ذلك ثم يفتخر بانه اهتدى الى ما لم يهتد إليه الامام الباقر ويقول مؤمن آل فرعون اذ يكتم ايمانه لا يتقي بالكتم بل يقتوى به مع ان الكتم سواء اقتوى به أم لا فهو تقية اذ لو كان لا يخاف فلما ذا يكتم فان قال انه لا يخاف من القتل لكن يخاف من عدم قبول قوله قلنا هذا نوع من الخوف اظهر خلاف الواقع بسببه والامام الباقر اذ يكتم بعض علمه المتضمن انه امام من بني امية وبني العباس لا يتقي بالكتم ـ ان صح ان لا يسمى ذلك اتقاء ـ بل يقتوي به الى اسماع كلماته الناصحة الهادية وبث احكام جده الصحيحة العادلة حتى ملأ ذلك منه بطون الكتب والدفاتر ولو اظهر كل ما عنده من علم لجميع الناس لكان قولا من عدو يدعوهم الى خلع طاعة من لا يستحق الخلافة او ان يظهر في الارض الفساد فلا يتوقفون عن قتله او سجنه كما فعلوا بجماعة من

١٨٨

اهل بيته فيكون الكتم في مثله اقتواء وليس باتقاء والصواب انه اتقاء واقتواء في آن واحد

فظهر بما تلوناه عليك ان التقية مما قضى به العقل وفعله كافة العقلاء واجازه وامر به النقل حتى في افظع الافعال والاقوال واشنعها وان في تركها مخالفة لقوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة وانها نوع من انواع الضرورات التي تباح لا جلها المحذورات وبذلك تعلم ان جميع ما اتى به سخف باطل ومماحكة ومراء وتعصب وعناد لا نصيب له من الصحة وهو يتلخص في امور.

(الاول) ما ذكره في معنى التقية ومحلها وهو لا يفترق عما نقوله شيئا فهو يقول انها واجبة على كل احد في حفظ حياته وشرفه وماله وحماية حقه فهل بلغه ان الشيعة تجيز التقية في غير هذه المواضع الاربعة كلا ومن زعم غير ذلك فقد كذب وافترى. ويقول انها وقاية النفس من اللائمة والعقوبة وانها بهذا المعنى من الدين وهذا هو الذي نقول به والذي امرنا به ائمتنا لا نحيد عنه قيد شعرة واذا كانت عنده جائزة في كل شيء فما باله خصصها بغير العبادة والرواية وما دليل هذا التخصيص. ولسنا ندري ما يريد بقوله مكروهة حيث يخاف الالتباس على العوام وفي اي مكان وجده بل هي واجبة عند الضرر حرام عند عدمه لا غير او مباحة اذا لم يكن فيها اغراء بالجهل ولا ندري مبلغ صحة هذا النقل انها واجبة ومحرمة ومكروهة والذي يظهر انحصارها في واجبة ومحرمة وما حكاه عن الحسن البصري والسرخسي لا يخرج عن التقية التي تقول بها الشيعة واباء بعض اهل العلم ذلك جمود وجهل ولو ابتلي هذا البعض ببعض ما يسوغ التقية لما توقف عنها ومنع التقية في النقل ما هو الا جهل فلا يجب على الانسان ان يسلم نفسه للقتل او ما دونه تجنبا عن نقل كاذب وليس هو باعظم من اظهار الكفر وشيوع الشبهة ودخولها في الادلة ممنوع فللشبهة ما يرفعها من ادلة العقل والنقل ولو اسلم فليس باعظم من شيوع الكفر.

(الثاني) التقية في الجمع بين الخبرين المتعارضين ، زعم ان الشيعة لها غرام بحيلة التقية شغفها حبا حيلة التقية وفرع عليه انه اذا روى امام حديثا يوافق ما عليه الامة ترده على انها تقية.

وكذب في عبارته الاولى التي تفاصح بها بالحيلة والحيلة فالشيعة اتبعت ما امر

١٨٩

الله به في كتابه من التقية وجاءت به سنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واوصت به ائمة اهل البيت احد الثقلين وشركاء القرآن وفعله عامة العقلاء ففعلتها ـ حيث تفعلها ـ كارهة لها صابرة على مضضها حسبة لله تعالى حافظة بها دماءها واموالها واعراضها من طواغيت الظلمة. وانما هو قد شغفه حب المراء والعداء وتفريق الكلمة ومصادمة البديهة فجاء بما جاء ونطق بما نطق كما كذب في عبارته الثانية تمسكا بعصبية باطلة قاده إليها العداء ما ردت الشيعة حديثا ولا عملا لانه يوافق ما عليه الامة ولا هذا رأيها ولا اعتقادها وجل الاحاديث والاعمال التي تأخذ بها الشيعة وتقتدي بالأئمة فيها موافق لعمل من يسميهم الامة وانما ترجح احد الحديثين المتعارضين عند فقد جميع المرجحات في السند والدلالة بموافقته لفتوى ائمة اهل البيت كما مر آنفا في موافقة الامة ومخالفة الامة وهذا بعيد عما يزعمه بعد المشرق عن المغرب واذا كان يجل الائمة ويحترم اهل البيت ويرى من عزة الامام واعظم شرفه ان يكون من الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا الا الله ومن الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم فهل كان الائمة ـ وهو لا يراهم بالعين التي تراهم بها الشيعة ـ اعظم عنده من موسى كليم الله وهو نبي من اولي العزم حين قال ففررت منكم لما خفتكم وحين خرج من مصر خائفا يترقب ، او اعظم من نبي الله شعيب حين قال لو ان لي بكم قوة او آوي الى ركن شديد ، او اعظم من هارون وزير موسى وشريكه في الرسالة حين قال ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلما ذا لم يكلفوا ان يجاهدوا اعداءهم ولا يخافوهم ويخشوا الله ولا يخشوا احدا الا هو ، او اعظم من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين كان يعبد ربه سرا في اوّل الرسالة وحين اختفى ثلاثا في الغار ثم فر هاربا الى المدينة مستخفيا فلما ذا لم يكلف ان يجاهد المشركين يومئذ ولا يخافهم ويخشى الله ولا يخشى غيره.

وقوله اسوأ التقية في رواية الاخبار هو من أسوإ الاقوال وفقيه الشيعة يمنعه ورعه وتقواه عن ان يقول فيما اختلف من اخبار اهل البيت الا بما ثبت عنده من الحق الصريح من الترجيح بالمرجحات في السند والدلالة وموافقة الكتاب والسنة وعند فقد جميع ذلك يرجح بموافقة فتاوى ائمة اهل البيت لانها اقرب الى الحق كما مر آنفا ولكن هذا الرجل يقول ولا يتقي ان ما اختلفت من اخبار اهل البيت فهو التقية عند فقيه

١٩٠

الشيعة ولا شك ان التقية رحمة للشيعة حفظت بها دماءها واموالها واعراضها ولولاها لما بقي واحد منها. وهو يشك في ذلك وقد جاءنا من اقاصي الارض ينابذ الشيعة ويخاصمهم ويوري نار العداء لهم بغير حق وقد بلغت حالة المسلمين ما بلغت من وهن سنيهم وشيعيهم والتقية اولى ان تكون رحمة من اختلاف الامة المدعي انه رحمة المستلزم كون اتفاقها نقمة.

والشيعي ان اخذ بقول الامام الصادر تقية ولم يتنبه ـ وهو اقل قليل ـ كان معذورا كما يعذر من يأخذ بأقوال اهل المذاهب المختلفة الذي عد اختلافها رحمة ولا يمكن ان يكون كلها قول رسول الله (ص) لان قوله واحد وشرعه واحد انما يعذر من يخالفه باجتهاده. وكون كل مجتهد مصيب قد بين مفاده في الاصول انما كل مجتهد معذور مع عدم تقصيره ومقلده معذور كما يعذر الذي يأخذ بما رواه الراوي كذبا وهو لا يعلم كذبه. وقد كثرت عليه الكذابة في حياته فضلا عما بعد وفاته.

وفقيه الشيعة لا يحمل الرواية على التقية بمجرد كون رجال السند ممن تسموا بالسنيين او الزيدية ـ كما افتراه هذا الرجل ـ فالشيعة عملت بروايات الثقات من السنيين والزيدية كما عملت بروايات جميع من خالفها في العقيدة من الثقات كالفطحية والناووسية والواقفة وغيرهم وردت احاديث الشيعة انفسهم ان لم يكونوا ثقات ومنه تعلم ان قوله هذه حيلة الشيعة «الخ» زور وبهتان وتعصب بجهل وحيلة للرد على الشيعة وانما رد غيرها السنن الثابتة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته احد الثقلين وشركاء القرآن بقول صحابي يعترفون بعدم عصمته كما يعلم مما يأتي في المتعة والعول والاذان والاقامة وغيرهما.

(الثالث) التقية في العبادة والرواية فمنع منهما بقوله اما التقية بالعبادة والتقية بالتبليغ «الخ» وقوله لا كلام لنا الا في هاتين الصورتين. وهو يناقض قوله التقية في سبيل حفظ حياته وشرفه وماله وحقه واجبة على كل احد إماما او غيره فاذا توقف حفظ احد الاربعة على التقية في احد الامرين فان قال بوجوبها ناقض ذلك منعه لها في الامرين وان قال بالعدم ناقض ايجابه لها لحفظ احد الاربعة وان خص ايجابها لحفظ احد الاربعة بغير العبادة والرواية سألناه عن المخصص وان انكر توقف حفظ احدها على التقية في احدهما خالف البديهة. وما نقله عن الامامين الشافعي والسرخسي

١٩١

مقتضاه العموم. واذا رخص الله تعالى عمارا في افحش الاشياء واقبحها للتقية أفلا يرخص في اظهار الموافقة في عبادة او فتوى لحفظ احد الاربعة ، أفما فعله عمار اعظم أم المسح على الخف وغسل الرجلين في الوضوء وافتاء السائل بما يوافق مذهبه واي شيء يبقي بعد ما فعله عمار لا تجوز فيه التقية لو لا العصبية وقلة الانصاف. وقوله : لم يقصد به وجه الله ثم تفريعه ان ما لم يقصد به وجه الله باطل وشرك وان قصد النفاق طريف جدا فاذا حفظ به احد الاربعة الواجب عليه حفظها مطيعا امر الله له بالتقية كما امر عمارا ونهي الله عن الالقاء باليد الى التهلكة فلم لا يكون قاصدا وجه الله واي عمل يتقرب به الى الله خير من ذلك بل عمله من اعظم القربات. وذكره الوهم مع الخوف لا يظهر له وجه سوى الوهم. وقوله لا تقع ابدا من احد له دين ويمتنع صدورها من امام له عصمة ، قول لا يقع مثله ابدا من احد له دين وانصاف فقد بان انه ليس في وقوعها شيء ينافي الدين والعصمة عند من له انصاف ودين وقد وقع اعظم منها لمن ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه واقره عليه الرسول الاعظم وامره بالعود إليه اذا عادوا بل يمتنع صدور غيرها من امام له عصمة ولو صدر غيرها لكان طعنا على عصمته ودينه لانه يكون مخالفا لامر ربه بها وملقيا بيده الى التهلكة وكيف يقصد به النفاق ليكون شركا وكيف لا يعتقده قربة وهو من اعظم القربات. وما ادعاءه انه يقصد به النفاق الا نوع من النفاق.

واذا كانت الرواية امانة والتقية فيها افتراء على الشارع وكيدا للامة وكل سامع ـ كما يقول ـ فالشهادة بالوحدانية والرسالة ونبذ الاصنام أليس هو امانة والتقية فيها باظهار انكار الوحدانية ومدح الاصنام التي جعلت شركاء لله تعالى وسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واظهار ان ذلك هو الحق الذي يجب اتباعه وترك ما عداه أليست هي افتراء على الشارع وكيدا للامة وكل سامع فكيف رخص فيه وفي الدوام عليه لعمار الذي ملئ ايمانا من فرقه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه ولم يرخص لغيره فيما هو اهون منه. ولسنا ندري ما يريد بالكلمات التي يزعم انه لا يوجد بينها ان إماما كان يتقي في عبادته او روايته أهي كلمات ائمة اهل البيت أم كلمات غيرهم فان اراد الاولى فانا نحن شيعتهم واتباعهم قد وجدنا بين كلماتهم ما يثبت ذلك رواه لنا الثقات عن الثقات بالطرق الصحيحة فاتبعناهم واقتدينا بهم ـ ونعم القدوة

١٩٢

هم ـ وان اراد الثانية لم يكن ذلك دليلا على انتفائه والامام لا يضع حديثا يراه باطلا ـ كما زعم ـ بل يستفتى فيفتي بخلاف رأيه حفظا لنفسه من اذى الظالمين فهل ذلك اعظم مما فعله عمار حتى يكون ذلك جائزا وهذا نفاقا لو لا النفاق وعدم الانصاف.

واما تمويهه بان خلاف الرواية السكوت والساكت آمن فيرده ان التقية بالرواية تكون عند السؤال ومعه قد لا يمكن السكوت وقد يكون السؤال من نوع التجسس وهذا واضح لكل احد ولكن عناد هذا الرجل يدعوه الى التمحل والتعسف ولو انصف قليلا لعلم ان من يكون مثل ائمة اهل البيت في اشتهارهم بالعلم والفضل عند الخاص والعام لا يمكنه السكوت في كل مقام ولا يتيسر له ولا يقبل منه

(الرابع) تشدد الصادقين في امر التقية نقل ما روي عنهما فيها في معرض النقد والاستنكار.

واذا نظرنا الى ما جرى على ائمة اهل البيت الطاهر واتباعهم وسائر افراد البيت العلوي في الدولتين الاموية والعباسية بل واكثر الدول الاسلامية من سلاطين الجور الحاملين لقب إمارة المؤمنين واعوانهم ومن عاصرهم او تأخر عنهم مما شاع وذاع وتواترت به الاخبار وتكفلت بنقله كتب الآثار من الظلم والاضطهاد الباعث لأشد الخوف بالالقاء في السجون والقتل بالسم والسيف والتشريد عن الاوطان وبناء الحيطان عليهم احياء ودفنهم احياء ومنع الحقوق والتخليد في المطامير وايقاع كل مكروه بهم مما هو معلوم معروف. وقد كان العلم او الظن او التهمة بان الرجل من اتباع اهل البيت كافيا في ايصال انواع الاذى والضرر إليه بالقتل فما دونه. علمنا ان الباقر والصادق عليهما‌السلام مصيبان كل الاصابة في تشديدهما الامر بالتقية في دولة الباطل ووصفهما تاركها بانه لم يرض بقضاء الله وخالف امر الله وضيع المصلحة التي اختارها الله لعباده ، وفي قولهما التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له وان التقية كانت واجبة عليهم بكل انواعها وانهم كانوا معذورين فيها وان تركها لو تركوها كان مخلا بديانتهم وعصمتهم وحكمتهم وانه لولاها لما بقي لهم ولا لشيعتهم واتباعهم اثر وكانت المفسدة اعظم واضر. قال القاضي ابن ابي جرادة الحلبي في شرح قصيدة ابي فراس الميمية : لما عزم المنصور على الحج في العام الذي توفي فيه وهو عام

١٩٣

١٥٨ دعا ريطة ابنة اخيه السفاح وهي زوجة ابنه محمد واعطاها مفاتيح واحلفها بأوكد الايمان ان لا تفتح بها خزائن عرفها اياها ولا تطلع عليها احدا ولا ابنه المهدي حتى يصح عندهما موته فيجتمعان وليس معهما ثالث على فتحها فلما بلغ ابنه موته وولي الخلافة فتح تلك الابواب ومعه ريطة فاذا ازج عظيم فيه قتلى الطالبيين وفي آذانهم رقاع فيها انسابهم منهم المشايخ والشباب والاطفال فلما رأى ذلك المهدي ارتاع وامر فحفرت لهم حفيرة ودفنوا فيها ا ه.

وما جرى عليهم في عهد الملك العضوض والعصرين الاموي والعباسي المشئومين كله سلسلة مظالم قادحة وحلقات فظائع مفجعة ، وشي الى الرشيد بان علي ابن يقطين احد وزرائه شيعي فامر بالتجسس عليه في عبادته فامره الكاظم بالتقية فاخبر الرشيد بعبادته فسلم وعاقب الواشي واستمر ذلك في اعصار كثيرة وبقي شرره يتطاير الى اليوم ومع ذلك يلام اتباع اهل البيت ويندد بهم وينسبون الى النفاق والحيلة اذا اتقوا دفعا للضرر وبعدا عن الخطر أفيقع ذلك ممن عنده ذرة من انصاف وحسبك ان يجيء موسى جار الله بعد الف ومئات من السنين من اقاصي تركستان وآخر ما عمر الله الى هذه البلاد في هذا الزمان الذي لم يبق فيه للاسلام دولة ولا صولة وقد ملكت عليهم بلادهم واصبحوا غرباء في اوطانهم وبدلت شرائع دينهم يضرم نار الخلاف ويهدم بنيان الوفاق بكلماته هذه التي يقطر السم والشر من جوانبها وينتقد ائمة اهل البيت واتباعهم بمر الانتقاد بغير حق ويسيء الادب في حق ائمة اهل البيت الطاهر وان اراد ستر ذلك بان ما اسند إليهم موضوع.

والتقية من دين الله في كل ملة كما قال الامام الصادق فقد كان مؤمن آل فرعون يكتم ايمانه وكان اهل الكهف يتقون وما هربوا ودخلوا الكهف الا خوفا وتقية ولما افاقوا بعد ثلاثمائة وتسع سنين قالوا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) الآية فاوصوه بالاستخفاء والتقية خوفا من القتل او الفتنة عن الدين ، قال الرازي في تفسيره عن ابن عباس (فلينظر ايها ازكى طعاما) يريد ما حل من الذبائح لان عامة اهل بلدهم كانوا مجوسا وفيهم قوم يخفون ايمانهم ا ه. فهل كانوا يخفونه الا تقية فبان بذلك صدق قول الامام الصادق : التقية

١٩٤

من دين الله في كل ملة في الاقوال والافعال والسكوت عن الحق حفظا للنفس والمال وابقاء للدين ولو لا التقية لبطل دين الله وانقرض اهله.

وقوله : التقية على ما عليه الشيعة غش في الدين هو عين الغش في الدين فقد بان ان التقية على ما عليه الشيعة هي عين ما اعترف به في كلامه وعين ما نقله عن السرخسي وهي عين ما امر الله به في كتابه وعلى لسان نبيه واوصيائه وقضى به العقل ولا نختلف عما يفعله هو واهل نحلته وجميع الناس عند خوفهم شيئا وهي عين النصح والنصيحة. وتركها غش في الدين لانه ايقاع للنفس في الضرر وفي التهلكة. والامام لا يسلك الا طريق صح ولذلك امر شيعته واتباعه بالتقية ليحفظوا نفوسهم من القتل والاذى واموالهم من السلب والنهب واعراضهم من الانتهاك ولو امرهم بترك التقية لكان قد غشهم ولم يكن احد من الائمة يسلك طريق الغش ولكن هذا الرجل يأبى الا المراء والعناد وسلوك طريق الغش. وكل يعلم ان من اظهر بلسانه ما لم يعتقده بقلبه تقية وحفظا لدمه وماله وعرضه مأجور مثاب ثواب الصابرين داخل في قوله تعالى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) مشارك لعمار الذي رخصه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اظهار كلمة الكفر للتقية فجعل هذا الرجل ذلك كذبا ونفاقا هو من الشقاق والنفاق ومرض القلب. ويزعم ان الشيعة تجيزه لغرض عدائي ـ وكذب ـ لا تجيزه الا حفظا للنفس او المال او العرض كما اجازه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في افظع الامور تقية ولكن هذه المماحكات منه ما هي الا لغرض عدائي. واذا كان لا يظن ان الائمة كانوا يعلمون الشيعة التقية التي يسميها تقية الخداع في الاخبار والنفاق في الاحكام جهلا منه او خداعا ونفاقا فنحن نعلم ولا نظن انهم كانوا يعلمونهم ما يفعله كل عاقل وذي دين وما امر الله به في كتابه وما فعله عمار فيفعلونه مكرهين مرغمين صابرين على مضضه وبلائه كما صبر عمار مكرها مرغما وحاشاهم من الخداع والنفاق ومن رماهم بذلك هو احق واولى به منهم وقد اتضح مما مر وضوح الشمس الضاحية ان نسبته الى الشيعة الاتقاء في طفائف الامور والاعمال النفاقية بوضع الاخبار على وجه التقية والمجاهرة بأسوإ الكبائر «الخ» نسبة كاذبة باطلة وعمل من الاعمال الشقاقية النفاقية ومجاهرة بأسوإ الكبائر. فالشيعة لا تأخذ الاحكام جزافا ولا تتبع الا ما رسمه لها الدليل في امر التقية سواء في ذلك طفائف

١٩٥

الامور وعظامها وان كلامه هذا روحه النفاق والشقاق لله ولرسوله وثمرته كفر التهود قالوا سمعنا وعصينا سمع قول الله تعالى الا من اكره الا ان تتقوا وعصاه وعاب من اطاعه ونحن سمعناه واطعناه فاي الفريقين احق ان يدخل تحت هذه الآية.

واي شيء اعظم في تقرير التقية ادبا دينيا من القرآن. وقلب كل شيعي خال من كل شائبة مطمئن بامتثال ما امره به ربه في امر التقية ولكن قلب هذا الرجل في غلاف العداء والمراء مستور عن رؤية الحق واذا كان لا يبقى لقول مستعمل التقية قيمة ولا لعمله صدق ولا لوعده وعهده وفاء يكون اعتراضه متوجها الى الله تعالى لانه رخص للصحابة في اظهار كلمة الكفر تقية ولجميع المسلمين في جميع انواع التقية فعرضهم لأن لا يكون لأقوالهم قيمة ولا لعملهم صدق ولا لوعدهم وعهدهم وفاء. واولى بالانطباق عليه من الآية التي استشهد بها قوله تعالى (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ).

وما استشهد به من تقسيم الامام العبادة الى اقسامها الثلاثة لا شاهد فيه فعبادة الامام التي يأتي بها لحفظ دمه وماله وعرضه هي من اخلص العبادات وافضلها وهي من عبادة الاحرار اتي بها اطاعة للامر بالتقية والنهي عن الالقاء باليد الى التهلكة وحبا لله تعالى. وقوله فكيف يكون حال امام معصوم «الخ» يقال له كيف يكون حال نبي مرسل خاتم الأنبياء وافضلهم يجيز لعمار النطق بكلمة الكفر وسب النبي وانكار الوحدانية والنبوة والاعتراف بأن الاصنام يحق لها العبادة وانها تقرب الى الله زلفى حفظا لنفسه ولا يجيز الاتيان بعبادة او فتوى حفظا للنفس فاي الامرين افظع واشنع عند الله وعند العقلاء ، وبذلك يظهر هذره في قوله وهما في خوفه (الخ) فالامام المعصوم لا يأتي بالعبادة عند الجائر وهما في خوفه ولا طمعا في رضاه ولا سعيا لا رضاء هوى باطل وليس هو ضالا ينافق في تظاهره بالوفاق للعامة بل للضال والمنافق من ينسب إليه الضلال والنفاق. واما ما حكاه عن طومار الباقر وقد مر له حكاية نظيره فانا نسأله كيف الجمع بين ما في هذه الطومار والطومار المنزل من عنده تعالى وفيه ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة. ونحن معاشر شيعة اهل البيت الذين هم اعلم الناس بسنة جدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبرئ كل مؤمن ومؤمنة لهما ادب من كل ما يعاب ولكنه اساء فهما فأساء اجابه.

١٩٦

والجمل التي قال ان غثها وسمينها للشيعة ليس فيها غث وكلها حق بما مر من الادلة لكن عناده وتعسفه وشدة تحامله يأبى له الا ان يجعل فيها غثا بغير دليل ولا برهان. وقوله كلها اريد بها باطل هو عين الباطل وانما جمله وكلماته هذه كلها باطل اريد بها باطل واذا كان بعضها حقا فكيف حكم بانه موضوع على لسان الامامين هل هذا الا سوء ظن وتهجم بسوء القول من غير دليل.

ادب التقية

قال ص ٨١ اصابت اصول الكافي اذ تروي اذا حضرت البلية فاجعلوا اموالكم دون انفسكم واذا نزلت نازلة فاجعلوا انفسكم دون دينكم هذا هو ادب التقية بذل النفيس في حفظ النفس وبذل النفس في حفظ الدين.

التوكل واليقين

قال ص ٨٢ ثبت عند الشيعة حديث حد التوكل اليقين وحد اليقين ان لا تخاف مع الله شيئا.

(ونقول) ما زعمه ادب التقية الظاهر انه لا ربط له بالتقية بل المراد بالحديثين انه اذا دار الامر بين حفظ النفس وحفظ المال فحفظ النفس مقدم واذا خيف على الدين وجب الجهاد وجعل النفس دون الدين.

وحديث التوكل أيضا لا يرتبط بالتقية وليس فيه منافاة لرأينا في التقية الذي سلف ولا لغيره ولو جربنا على ظاهره لبطلت التقية من رأس بل هذا الحديث اذا صح جار مجرى كلام اهل العرفان والمتصوفة الذين ينتسب إليهم كما جاء في بعض كلامه وما هو في هذه الاستشهادات الا كحاطب ليل.

الحرية في الفكر والقول والعمل

قال ص ٨٢ لم تكن المباحثة والمذاكرة في عصر من العصور توجب خيفة على النفس والنفيس والمجتهد كان حرا في فكره وقوله وعمله ثم نشره.

١٩٧

وقال ص ٨٤ لم يكن في عصر من العصور الاسلامية قتل شيعي وعقابه اذا اعلن وتجاهر بعقيدته لم يكن البتة شيء من ذلك وكل ما روي في ذلك فهو من اوضاع الشيعة.

(ونقول) امر هذا الرجل من غرائب الامور فهو يأبى دائما الا مصادمة البديهة والا العناد ومخالفة الضرورة وانكار المسلمات كان الله لم يخلقه الا لذلك يزعم حرية الفكر والقول والعمل والنشر في جميع الاعصار والحال انه لم يكن احد في عصر من العصور حرا في فكره وقوله وعمله ولا في نشره وكانت المباحثة والمذاكرة في جميع العصور توجب خيفة على النفس والنفيس فقد اخفى ابن عباس القول بعدم العول ايام الخليفة واظهره بعده وقال هبته وكان امرا مهيبا. ونفي سعد الى حوران ولم يكن حرا في فكره ونفي ابو ذر ولم يكن حرا في فكره. وقتل حجر بن عدي الكندي وكل هؤلاء من خيار الصحابة وقتل مع حجر نحو من سبعة احدهم ابنه وكلهم لم يكونوا احرارا في افكارهم واقوالهم واعمالهم ولم يكن في دولة بني امية احد يجسر ان يروي فضيلة لعلي بن ابي طالب ولا ان يسمي باسمه ولا يكتني بكنيته ولما دخل علي بن عبد الله بن العباس على عبد الملك بن مروان سأله عن اسمه وكنيته فقال علي ابو الحسن فقال لست احتملهما لك فغير كنيته وتكنى بابي العباس قاله ابو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء فلم يكن المرء حرا حتى في اسمه وكنيته. ولما قتل الحسين عليه‌السلام لم يجسر احد على رثائه. والامام احمد بن حنبل ضرب وحبس لانه قال بعدم خلق القرآن وضرب غيره وحبس لانه قال بذلك أفكان هذا من آثار حرية الفكر والقول والعمل عند موسى جار الله وربما كان للناس بعض الحرية والمذاكرة حتى الدهريين والملحدين الا فيما يرجع الى فضل اهل البيت ونصرة التشيع فقد كان ذلك ممنوعا منعا باتا ولم يكن جزاء مرتكب هذه الجريمة غير القتل والحبس والنفي والحرمان.

واغرب من ذلك ـ ولا غرابة في امر هذا الرجل ـ قوله : لم يكن في عصر من العصور قتل شيعي وعقابه لمجاهرته بعقيدته وزعمه ان كل ما روي في ذلك من اوضاع الشيعة. فان هذا يدل على جهله بالتاريخ او على تعصبه وعناده الذي ادى به الى انكار المسلمات او على كليهما والافراد والجماعات الذين قتلوا على التشيع او اوذوا

١٩٨

في سبيله في كل عصر من العصور لا يمكن احصاؤهم. وكان يكفي لإيذاء الرجل وطرده وحرمانه بل قتله في دولة بني امية ان يقال عنه انه ترابي حتى ان جبل ابي قبيس لما استولى عليه الحجاج في حرب ابن الزبير وجاء الخبر بذلك الى الشام قال الشاميون لا نرضى حتى يؤتى بهذا الترابي الخبيث الى الشام ـ ظانين ان أبا قبيس رجل وكان الرجل اذا نسب الى الالحاد والزندقة اهون من ان ينسب الى التشيع وكان الرجل في عهد بني امية يتقي من زوجته وخادمه ولا يجسر احد ان يروي حديث علي ، وكم نهبت وهدمت الدور وقطعت الايدي والارجل والعراقيب وصلب قوم على جذوع النخل وفعلت الافاعيل في ذلك العصر على التشيع. جيء بحجر بن عدي واصحابه وهم نحو أربعة عشر رجلا من الكوفة الى الشام مكبلين بالحديد لانكارهم سب علي بن ابي طالب وعدم براءتهم منه فقتل نحو من نصفهم بمرج عذرا ، قال ابن الاثير طلب اثنان من اصحاب حجر ان يرسلوهما الى معاوية فقال لاحدهما ما تقول في علي قال اقول فيه قولك قال تبرأ من دينه الذي يدين الله به فسكت فتشنع فيه بعض الحاضرين فنفاه الى الموصل فمات بها وقال للآخر ما تقول في علي قال دعني لا تسألني فهو خير لك قال والله لا ادعك قال اشهد انه كان من الذاكرين الله كثيرا من الآمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس (الى ان قال معاوية) قتلت نفسك قال بل اياك قتلت فرده الى زياد وامره ان يقتله شر قتلة فدفنه زياد حيا وقتل دعي بني امية زياد بن سمية الملحق بابي سفيان بشهادة ابي مريم الخمار انه زني بامه وهي تحت عبيد رشيد الهجري على التشيع قطع يديه ورجليه ولسانه وصلبه وقتل هذا الدعي أيضا جويرية بن مسهر العبدي على التشيع قطع يده ورجله وصلبه الى جذع ابن معكبر وقتل ابنه الدعي ابن الدعي عبيد الله ميثما التمار على التشيع صلبه وطعنه في اليوم الثالث بحربة فقتله. وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة مصدع المعرقب انما قيل له المعرقب لان الحجاج او بشر بن مروان عرض عليه سب علي فابى فقطع عرقوبه ، قال ابن المديني فقلت للراوي في اي شيء عرقب قال في التشيع ا ه. وقتل الحجاج الطاغية عامل عتاة بني امية فيمن قتل من شيعة علي عليه‌السلام كميل ابن زياد النخعي على التشيع امر به فضربت عنقه وقتل هذا الطاغية أيضا قنبرا مولى علي عليه‌السلام بعد ما عرض عليه البراءة من دين علي فلم يفعل فامر به فذبح. ولم

١٩٩

يكن العصر العباسي اقل بلاء على الشيعة من ذلك العصر فكم قتل ملوك بني العباس قوما من الشعراء لمدحهم آل علي وقطعوا لسان بعضهم واحرقوا ديوانه وبعضهم نبشوه بعد موته واحرقوه. قال ابن شهرآشوب في المعالم : علي بن محمد بن عمار البرقي احرقوا ديوانه وقطعوا لسانه. وابو الحسن علي بن وصيف الناشي المتكلم بغدادي من باب الطاق حرقوه. ابن مدلل او مدرك الحسيني نفي من الموصل. منصور بن الزبرقان النمري نبشوا قبره ا ه. هذه هي العصور التي يتشدق موسى جار الله بحرية الفكر والقول والعمل فيها ويقول بلا خجل ولا استحياء لم يكن في عصر من العصور الاسلامية قتل شيعي وعقابه لمجاهرته بعقيدته البتة وكل ما روي في ذلك من وضع الشيعة. وما ذكرناه هو غيض من فيض وقطرة من بحر مما وقع من الظلم والاضطهاد لائمة اهل البيت وشيعتهم في الدولتين الاموية والعباسية وبعدهما وكتب السير والاخبار حافلة بذلك. ومن الجماعات الذين قتلوا بالالوف على التشيع شيعة افريقية الذين قتلوا في عهد المعز بن باديس سنة ٤٠٧ كما ذكره ابن الاثير (ومنهم) شيعة حلب الذين قتلوا قتلا عاما فيما بعد المائة السادسة وكان جل أهلها شيعة (وممن) قتل بعد المائة السابعة على التشيع من اعاظم علماء الشيعة محمد بن مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الاول الذي قتل بالسيف ثم صلب ثم احرق برحبة قلعة دمشق والشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني المقتول قرب استانبول والقاضي نور الله التستري المقتول ببلاد الهند والقاضي شمس الدين محمد بن يوسف الدمشقي الذي قتل شر قتلة على التشيع واحرق تحت قلعة دمشق وقتل معه حسين البقسماطي راجع شذرات الذهب في حوادث سنة ٩٤٢ ج ٨ ص ٢٤٩ والسيد نصر الله الحائري المقتول في استانبول على التشيع حين ارسله نادر شاه سفيرا الى الدولة العثمانية للاعتراف بالمذهب الجعفري فكان جزاؤه القتل وقد ذكر القصة الشيخ عبد الله السويدي البغدادي في بعض رسائله المطبوعة بمصر وعندي نسخة مخطوطة من هذه الرسالة رواها الشيخ محمد السويدي عن والده الشيخ عبد الله وقال ان والده ذكر القصة في النفحة المسكية في الرحلة المكية وقال في آخرها ان هذا الخطيب ـ يعني السيد نصر الله الحائري ـ قتل شر قتلة بسبب شيعي فكان للوالد في اجر قتله سبب

٢٠٠