نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

١
٢

الكتاب ومؤلفه

قال الدكتور حكمت هاشم رئيس جامعة دمشق الاسبق وهو يتحدث عن مؤلف الكتاب ومؤلفاته في خطاب له امام اعضاء المجمع العلمي العربي نأخذ منه ما يلي.

واحب ان اقدم الكلام على آخر هذه الكتب عهدا في تاريخ حياته اعني كتاب «نقض الوشيعة» ، لما خاض موسى جار الله التركستاني في «نقد عقائد الشيعة» ، برز له ـ رحمه‌الله ـ يدرأ مطاعنه الجارحة ، والحق ان ذلك الكتاب ليروع قارئه بايمان المؤلف وسعة احاطته وقوة حجته ودامغ برهانه. حتى انه ربما قاده لاعادة النظر في مواقف كان في نفسه منها شيء كأمر «التلاعن والتطاعن» و «عصمة الامام» «والتقية» و «نكاح المتعة» وما الى ذلك.

واشهد ان المرء ، في كثير من المواضع التي يبدو عليها ان ظاهر الحق في جانب الخصم ، لا يلبث ان يخرج ميالا الى العكس بعد سماع الرد.

وبعد ، ايها السادة ، فإن أسفي شديد لأني لم اسعد بلقاء «السيد» والتعرف عليه عن قرب حتى أجلو لكم خصائص خلقه وشخصيته ، ولكن أصدقاءه وتلامذته يرسمون له صورة تستهوي الافئدة في بساطتها وسموها على السواء.

لقد أشادوا بما عرفوا فيه من تواضع وزهد بالجاء وعزوف عن المنزلة واحتقار للمظاهر الباطلة الغرارة. ذكروا انه ما بالى قط متاع الحياة الدنيا فاجتزأ بما يسد البلغة ويقوم بالأود ، كان يسعى لشأنه بنفسه ، ويباشر بيده تهيئة طعامه غير حافل برفاهية مأكل او مشرب ، ولا ملتفت الى زينة في شارة او كسوة ..... كذلك شأن العظماء ينكرون ما اسماه نيتشه «فلسفة الخياطين» فلا يؤمنون ان الثوب يخلق الراهب ، ولا ان الزنار المفضض خير من الذكر الحسن! ..

٣

ولقد صوروا ما رأوا فيه من ورع وتقوى وعفة يد ولسان ، وشهدوا ان «الآلاف ذهبا كانت ترد عليه فما يمسها ويحولها للحال الى وجوه الخير» بل ربما انفق ماله على تأسيس المدارس ووقفها في عصر اذل فيه الحرص اعناق الرجال .... كذلك شأن الزاهدين الأصفياء اذكياء النفوس يحقرون الاستكثار ويأنفون من التكالب على الرزق ، لأنهم لا يقيسون الفضل بذلك المقياس العجيب الذي حدثنا عنه يوما احد عمداء العلم واسماه «مقياس عدد الاصفار»!

ثم هم اطبقوا على جودة رأيه وشجاعة قلبه وثبات جنانه وتحرره من العصبية والجمود ونهوضه بما يعتقد انه حق ... كذلك شأن الروحانيين المخلصين لا يدارون في فكرتهم ولا يداجون ولا يصانعون ولا يتلمسون مجدا رخيصا قائما على تملق العامة واسترضاء الدهماء. ذلك بأنهم ادركوا سر تلك الحكمة العسجدية المنقوشة في صدر تريستان وايزولت والتي تصلح شعارا للمثاليين جميعا من كل جلدة : «ما لا يقدر عليه السحرة ، فباستطاعة القلب ان يأتي به بقوة الحب والبطولة»!

الناشر

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين وسلم تسليما.

(وبعد) فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد عبد الكريم الحسيني العاملي : أنه لا يمضي يوم إلا ويطلع علينا من زوايا التعصب وحب التفريق بين المسلمين ونبش الدفائن وتهييج الضغائن رسائل وكتب ومؤلفات ينتقد بها أصحابها أهل مذهبنا بمر الانتقاد وسيء القول من دون أن يسلكوا في ذلك طريقة أهل العلم ويتأدبوا بآداب المناظرة ويبنوا أقوالهم على الدليل والمنطق الصرف وكثير منهم يتجاوزون ذلك إلى الشتم والذم والسباب والنبز بالألقاب المنهي عنه في السنة والكتاب مع إنه لا يلجأ إلى ذلك إلا العاجز عن الحجة والبرهان فإن فيهما كفاية لإسكات الخصم ولا يبالي هؤلاء أن يفتروا علينا الأكاذيب ويختلقوا المعايب بشتى الأساليب يفرقون بذلك كلمة المسلمين ويوغرون الصدور ويهيجون كوامن الضغائن والأحقاد في زمان قد وصلت فيه حالة المسلمين إلى ما وصلت إليه وهم إلى الوئام والائتلاف وجمع الكلمة والوفاق أحوج منهم إلى النزاع والاختلاف والشقاق. ونحن هم أهل دين واحد ونبي واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة نشهد. جميعا لله تعالى بالوحدانية ولنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة ونؤمن بكل ما جاء به من عند ربه نحل حلاله ونحرم حرامه نقيم الصلوات الخمس ونؤتي الزكاة ونصوم شهر رمضان ونحج البيت الحرام ونعظم شعائر الاسلام ونعترف بالبعث والنشور

٥

والحساب والعقاب والثواب والجنة والنار وبكل ما ثبت في دين الاسلام وليس بيننا وبينهم نزاع ولا خلاف إلا في أمور يسيرة لا يوجب الخطأ فيها ـ إن كان ـ خروجا عن الاسلام أهمها مسألة الخلافة التي لم يبق لها اليوم أثر يذكر لكن قوما لا يروق لهم اتحاد المسلمين واتفاقهم فيعمدون إلى ما يهدم ذلك فيودعونه مؤلفاتهم ويطبعونه وينشرونه على الملأ تقليدا لغيرهم واتباعا لما غرسته العصبية العمياء في نفوسهم فحالت بينها وبين النظر إلى الأمور بعين البصيرة والانصاف واتباع الحقائق وغفلة عن أن هذه النزاعات والأقوال السيئة ما كان باعثها إلا السياسة بما أسسه علماء السوء تبعا لأهواء الظلمة من الملوك والامراء وطمعا في دنياهم وقد زال باعثها اليوم وصارت السياسة تبعث على ضدها ولو أن هؤلاء قرعوا الحجة بالحجة والدليل بالدليل وتركوا سوء القول لهان أمرهم وكان خيرا لنا ولهم ولكنهم لم يفعلوا من ذلك شيئا. ونحن ما زلنا نسعى في جمع الكلمة جهدنا وفي تأليف القلوب بكل ما في طاقتنا ووسعنا ولكن ما نصنع بهؤلاء الذين ذكرناهم إلا أن نرد غائلتهم وندفعهم عنا ونبرئ أنفسنا من افترائهم علينا بالباطل ونفند أقوالهم بالحجة والبرهان فمن ذلك كتاب أطلعنا عليه في هذه الأيام يسمى الوشيعة في نقد عقائد الشيعة ليس في اسمه مناسبة سوى مراعاة السجع تأليف رجل اسمى نفسه موسى جار الله ابن فاطمة ـ كما ذكر فيه ـ مطبوع بمصر سنة ١٣٥٥ ه‍ ـ فوجدناه قد جرى في سبيل هؤلاء الذين أشرنا إليهم ونهج في منهاجهم وزاد عليهم بأمور خالف فيها إجماع المسلمين (١) ولم نجد في وشيعته شيئا يصح أن يسمى علما بل ليس فيها إلا دعاوى مجردة عن الدليل ودعاوى متناقضة وعبارات منمقة مزخرفة لا طائل تحتها وأمورا أكل الدهر عليها وشرب وافتراءات وفلسفات باردة وتأويلات فاسدة وسخافات وآراء كاسدة وتمحلات عن الحق حائدة وتفسيرات معوجة ومصادمات للبديهة ومخالفات لإجماع المسلمين وضرورة الدين وحمل للآيات على ما لا مساس لها به وسباب وبث سموم كل هذا مع التكرير والتطويل بلا طائل وإعادة الكلام الواحد مرارا ومرارا كما ستطلع على ذلك كله. ولقد كانت بالاعراض عنها أحق لو لا انتشارها وأضرارها فاضطرتنا الحال إلى نقضها وبيان ما فيها من الخلل والفساد. ومن العجيب أنه كتب على ظهرها : هي أول تدبير

__________________

(١) مثل توريثه ابن الابن مع الابن وغير ذلك كما ستطلع عليه.

٦

في تأليف قلوب الأمة الشيعة وأهل السنة والجماعة ، هذا عذري في تأليف الكتاب لتأليف القلوب وفي طبعه ونشره خالصا لوجه الله. مع أنها أول تدبير وآخره في تنفير القلوب وأعظم تدمير وتخريب لما بناه ويبنيه المصلحون. يؤلف هذه الوشيعة المخربة المدمرة ويطبعها له بعض الكتبيين المرتزقين في مصر وينشرها طمعا بثمن بخس دراهم معدودة يبيع بها ائتلاف المسلمين ويوقد به نار العداوة بينهم ويجرح به عواطف مائة مليون من الشيعة بغير حق ويشتري به سخط الله وسخط عقلاء الأمة غير متأثم ولا متحرج ثم يقول المؤلف إنه أول تدبير في تأليف قلوب الامة وانه كتبها لتأليف القلوب وطبعها ونشرها لوجه الله

ورب سودا واسمها فضة

وكم تسمى عبد سوء سرور

ولو كان هؤلاء الأقوام المتحرشون بنا من بعيد عارفين قدر أنفسهم وواثقين بقوة حجتهم ومخلصين في نواياهم لدعونا إلى ميدان المناظرة وقرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل فيعرف حينئذ الهجان من الهجين والغث من السمين والمحق من المبطل ولو فعلوا لوجدونا سراعا إلى إجابة دعوتهم ولكنهم يرمون بالغيب من مكان سحيق ويصح فيهم قول المتنبي :

وإذا ما خلا الجبان بارض

طلب الطعن وحده والنزالا

وكانت قد وردتنا من العراق أسئلة موجهة من هذا الرجل ـ إذ كان نزيل دار السلام بغداد ـ لعلماء النجف الأشرف بتاريخ ٢١ ذي القعدة سنة ١٣٥٣ ه‍ و ٢٥ فبراير سنة ١٩٣٥ م ثم أرسل هذه الأسئلة بعينها إلى علماء الكاظمية بتاريخ ٢٨ ذي القعدة سنة ١٣٥٣ ه‍ و ٣ مارس سنة ١٩٣٥ م وهي عشرون سؤالا وطلب إلينا جماعة من فضلاء البلدين الجواب عنها فحررنا أجوبتها وأرسلناها إليهم من دمشق بتاريخ ٢٣ من المحرم سنة ١٣٥٤ ه‍ ولما أطلعنا على الوشيعة وجدناه قد أدرج فيه مضامين تلك الأسئلة دون أن يذكرها بعنوان السؤال فلم نجد بدا من نقض وشيعته والجواب عما فيها من نقده معتمدين في ذلك على الأدلة الصحيحة والبراهين الجلية لئلا يغتر بوشيعته بعض من ينظر إليها فيتوهم صحة ما فيها فتتسع شقة الخلاف التي نسعى في كل مواقفنا ومؤلفاتنا إلى تضييقها وبالآخرة إلى محوها وإبادتها. وأدرجنا في هذا النقض أجوبة تلك المسائل التي كنا حررناها كما أدرج هو مسائله في وشيعته. هذا

٧

وقد وجدنا جماعة من فضلاء إخواننا السنيين ساخطين على وشيعته ناقمين على خطته فيها شافهنا بعضهم بذلك مشافهة وراسلنا بعضهم مراسلة. فجاء نقضنا هذا بحمده تعالى كتابا وافيا باثبات الحق في جل المسائل الخلافية وأهمها مع تفصيلها ـ وتفصيل أدلة الطرفين فيها والله تعالى هو المستعان وعليه التكلان ومنه التوفيق والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وقبل الشروع في نقض الوشيعة نقدم مقدمة نذكر فيها ما وصل إلينا من أحوال مؤلفها.

من هو موسى جار الله مؤلف الوشيعة

هو رجل من أهل تركستان من بلاد روسيا يعبر عن نفسه في كتاباته وو شيعته تارة بموسى جار الله وأخرى بموسى جار الله ابن فاطمة. ولا ندري وجه تلقيبه نفسه بجار الله أو تلقيب أبيه به ولا وجه اختياره الانتساب إلى أمه والله تعالى يقول ادعوهم لآبائهم. وصرح في الوشيعة بأنه من متصوفة الاسلام ويظهر من ملامحه حينما زارنا بمنزلنا في الكوفة أواخر عام ١٣٥٢ أنه تجاوز الستين من عمره يلبس اللباس الافرنجي وعلى رأسه قلنسوة من المخمل الأسود وهو كثير شعر الرأس واللحية قد وخطه الشيب يحسن العربية الفصحى والفارسية والتركية ولا بدّ أن يكون يحسن غيرها من اللغات الفرنجية وقد حضر المؤتمر الاسلامي المنعقد في القدس عام ١٣٥١ ه‍ ـ ثم جاء إلى العراق عام ١٣٥٢ ثم ذهب إلى إيران عام ١٣٥٣ ثم عاد إلى العراق في تلك السنة ووجه الأسئلة المشار إليها إلى علماء النجف والكاظمية ثم سافر إلى مصر وألف فيها وشيعته وطبعها عام ١٣٥٥ وهو باق في مصر إلى الآن عام ١٣٥٩ ولسنا نعلم تفصيل أحواله ولكننا نذكر شيئا منها مما أدرجه في أوائل الوشيعة وما جرى لنا معه في الكوفة وطهران.

قال في أوائل الوشيعة : هاجرت بيتي ووطني في نهاية سنة ١٩٣٠ م هجرة اضطرارية وكانت قد سدت علي كل طرق النجاة حتى آثرت مضطرا أوعر الطرق

٨

وأصعبها وأطولها فساقتني الأقدار من طريق التركستان الغربي إلى الأقطار الاسلامية إلى التركستان الشرقي الصيني فالبامير فافغانستان وبقيت أربعة أشهر وزيادة على متون الخيول حتى وصلت إلى كابل ورأيت من كل عجائب الطبيعة وأعاجيب الأمم والأحوال ما كان ينسيني الصعوبات التي كنت ألقاها أو أتورط فيها. وأصعب عذاب لا أكاد أنساه هو أني بأيدي حرس كانت ترقبني ولا تتركني على اختياري في البحث وفي الاقامة حيث أريد ـ وهذا يدل على أنه نفي من بلاده لأمور لعلها سياسية ـ وكان الأولى به بعد ما رأى ما حل بالاسلام والمسلمين وما حل به نفسه أن لا يسعى بما يثير الفتن بينهم ويوغر الصدور وأن لا يدفن المحاسن ويجتهد في اختلاق المعايب والتعصب بالباطل قال؟ أقمت بكابل في الانتظار أربعين يوما ضيفا عند حكومتها الكريمة ثم فتح الله جل جلاله على وجهي أبواب السفر بإشارة من جلالة الملك أعلى حضرت نادر شاه فانتهزت ضرورة الاغتراب في اختيار السياحة بالبلاد الاسلامية وقد كنت سحت من قبل في الهند وجزيرة العرب ومصر وكل بلاد تركيا وكل التركستان الغربي إذ أنا طالب صغير قد فرغ من درس العلوم المعروفة في المدارس الثانوية والمدارس الدينية ودامت سياحتي في تلك المرة ستة أعوام كنت فيها في مختلف الأقطار الاسلامية إلا العراق وإلا الايران (كذا) وفي هذه المرة الأخيرة أعدت سياحتي في كل الأقطار الاسلامية التي كنت فيها من قبل. أما سياحتي في البلاد العراقية والإيرانية فقد دامت سنة وزيادة وكانت صعبة شديدة ثم قال ذهبت في نهاية سنة ١٩٢٠ م إلى بخارى بعد ما استولت عليها البلاشفة بقوة عسكرية من ابنائنا ـ وهذا يدل على أنه من بلاد تركستان الروسية ـ ثم في سنة ١٩٢٧ م زرت المدينة المنورة وأقمت بالحرم النبوي عشرين يوما ثم قال جلت في بلاد الشيعة طولا وعرضا سبعة أشهر وزيادة وكنت أمكث في كل عواصمها أياما وأسابيع وأزور معابدها ومشاهدها ومدارسها وأحضر محافلها وحفلاتها في العزاء والمآتم وحلقات الدروس وكنت أستمع ولا أتكلم بكلمة ا ه ـ وهذا يدل على أن دأبه كان التجسس وتطلب العورات ولم تكن نيته خالصة ولا كان طالبا للحق وإلا لتكلم وباحث وحقق معهم ودقق فأما أن يخصموه أو يخصمهم ولكنه كان ينظرهم بعين السخط التي لا تبدي إلا المساوئ فأخطأ نظره في كثير من الأمور التي رآها واعتقدها وخالف اعتقاده الحقيقة فيها.

٩

ما جرى لنا معه في الكوفة

زارنا بمنزلنا في الكوفة من أرض العراق أواخر عام ١٣٥٢ حينما تشرفنا بزيارة المشاهد الشريفة وذلك بعد ما جاء من المؤتمر الاسلامي بالقدس. دخل علينا فسلم فرددنا عليه‌السلام ورحبنا به وقلنا له هل أنت مسلم فقال أو ما يكفي لبيان اسلامي السلام فقلنا له قد يسلم غير المسلمين وكانت هيأته في لباسه الافرنجي ولباس رأسه وطول شعره كما قدمنا يظن منها أنه موسوي غير مسلم ثم قال إني وردت النجف وسمعت بكم فجئت لزيارتكم فشكرناه على ذلك وسألناه من أي بلد هو فقال إنه مسلم يتوطن بلاد الافرنج ثم انه رأى في كتاب عندنا بيتين قديمين في الجاحظ وهما.

لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا

ما كان إلا دون مسخ الجاحظ

رجل ينوب عن الجحيم بوجهه

وهو القذى في عين كل ملاحظ

فاعتاظ لذلك فقلنا له هذا شعر قديم قد قيل في الجاحظ وأودع في الكتب وطبع وانتشر وتبعته ليست علينا وكان في مجلسنا سيد فاضل يساعدنا في الكتابة فأراد أن يجيبه فانتهره وأظهر الغضب فاحتملنا له ذلك لأنه ضيف وأخبرنا أن له مؤلفات غابت عن ذاكرتنا اسماؤها ثم سألنا سؤالين.

(السؤال الأول) ما سبب قول الشيعة وعملهم بالتقية. فقلنا له التقية لا تختص بالشيعة بل هي عامة عندهم وعند غيرهم من المسلمين بل عند جميع العقلاء لأنها عبارة عن إظهار خلاف المعتقد بقول أو عمل عند الخوف على النفس أو العرض أو المال وهذا مما قضى به العقل وحكم بجوازه الشرع حتى جوز إظهار الكفر بقوله تعالى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ، إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً. وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ. وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وإنما اشتهر الشيعة بالتقية دون غيرهم لكثرة ما جرى عليهم من الظلم والاضطهاد وحصل لهم من الخوف فكثر عندهم استعمال التقية واشتهروا بها دون غيرهم.

(السؤال الثاني) ما دليل حلية المتعة فقلنا له الدليل عليها أنها كانت مشروعة بإجماع المسلمين ونزل بها القرآن الكريم بقوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) حتى أن ابن مسعود كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى رواه

١٠

الطبري في تفسيره وغيره وعمل بها في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد الخليفة الأول وبعض مدة الخليفة الثاني حتى حرمها لمصلحة رآها فقال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أحرمهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء فقد ثبتت شرعيتها ولم يثبت نسخها. فقال هكذا أجابني بعض علماء النجف عن السؤالين وسكت ولم يبد اعتراضا وكان عليه أن يبدي اعتراضه إن كان عنده اعتراض لنا وللعالم النجفي لينظر ما عندنا في ذلك فإن كان حقا قلبه وإن كان باطلا رده علينا لا أن يسكت في الحضور ثم يقذف بكلامه في المغيب من مكان سحيق.

وحضر وقت الغداء فدعوناه إلى أن يتغدى معنا فلم يقبل وألححنا عليه فأبى وودعنا وشيعناه ومضى.

ما جرى لنا معه في طهران

ثم رأيناه في طهران عاصمة إيران سنة ١٣٥٣ وكنا نصلي جماعة في مسجد يسمى مسجد الجمعة فحضر ذات ليلة وصلّى معنا ولما فرغنا من الصلاة رأيناه فسلمنا عليه وتحدثنا معه وكان من حديثه معنا أن قال أنا احترم جميع المذاهب ولا اتعصب فشكرنا له ذلك ثم صعد الخطيب المنبر ليخطب بما جرت به عادته كل ليلة بعد انقضاء الصلاة وهو أشهر خطيب في طهران ويسمى الميرزا عبد الله الطهراني وكان خطابه يطول أكثر من ساعة وهو بالفارسية فجلس يستمع إليه فقلنا له هل تحسن الفارسية فقال نعم ثم قام وقال أريد أن أجلس قريبا من المنبر حتى لا يفوتني شيء من الخطاب واستمر على ذلك ليلتين ثم زارنا في منزلنا بطهران فسألناه عن منزله لنرد له الزيارة فقال انه نازل عند امرأة أرمنية ثم لم يتسع لنا المجال لزيارته ثم أرسل إلينا في اليوم الثالث انتقادات ينتقد بها خطباء طهران وعلماءها وقد أدرجها في وشيعته هذا ما جرى لنا معه في العراق وإيران ثم لم نره بعد ذلك وقد بلغنا أنه توفي.

ونحن نشرع في نقض هذه الوشيعة متوكلين عليه تعالى سائلين من فضله وكرمه أن يلهمنا الصواب ويوفقنا لسلوك نهج السداد والرشاد.

١١

ونعتذر إلى من يقرأ كتابنا هذا من أهل العلم والفضل عما قد يبدر منا من خشونة في قول فإنه قد يدعونا إلى ذلك ما في كلامه مما لا تحتمله الطباع وربما اقتضت الحكمة ذلك.

ولا خير في حلم إذا لم يكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

* * *

وللحلم أوقات وللجهل مثلها

ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب

ولما كان كلامه مشتملا على تكرير كثير وكان يعيد في مواضع متعددة ما ذكره قبل ذلك ويضع أشياء في غير محلها ويدخل مبحثا في مبحث رأينا أن نجمع مكرراته في مكان واحد مهما أمكن روما للاختصار وليستوفي الناظر معرفة ما ذكرناه فيه ولا ينتقل من مكان لآخر وأن نذكر كل شيء مع ما يناسبه فاقتضى ذلك أحيانا تقديم ما أخر وتأخير ما قدم وجمع ما فرق وتفريق ما جمع فلينتبه لذلك ولا يتوهم أنا تركنا الرد على بعض ما في الكتاب حين يصل القارئ إلى محله فلا يجد ردا عليه فإن الرد عليه يكون متقدما أو متأخرا وقد نغفل أشياء من كلامه لا نرى فائدة في نقلها ونقضها. وعلى الله نتوكل وبه نستعين.

ما قاله عن وشيعته

كتب على ظهرها أنه جمع فيها من كتب الشيعة عقائد لها لا تتحملها الأمة والعقل وأدبها ودعوى الائتلاف وأن تلك العقائد في القلوب توري نيران الشحناء وليست إلا أهوية تنفخ في ضرام العداء وأن كلمة التوحيد توجب اليوم على مجتهدي الشيعة نزع تلك العقائد من الكتب وإلا فإن الكلمات هراء هواء وأثر المؤتمرات عداء ، وكتب على ظهرها أيضا هذين البيتين وختمها بهما.

ما مشكل أن القيو

د تكون غل الأرجل

إن القيود على العقو

ل فذاك كل المشكل

«محمد الهراوي»

ودعا في خطبة وشيعته بأدعية كثيرة ثم قال كأني سمعت أن الله قال : قد أوتيت سؤلك يا موسى وقال صفحة (ج) الله يعلم وإني أشهد الله إني لم أعمل عملا إلا في

١٢

الله وقد انفقت كل أعماري وشريت نفسي ونسلي ابتغاء مرضاة الله وكنت في كل ذلك مخلصا لوجه الله ثم أورد في صفحة (د) هذا البيت :

أيا رب أني لم أرد بالذي به

كتبت كتابي غير وجهك فاقبل

قال ص ١٧ كانت ـ أي الوشيعة ـ رسالة صغيرة جمعت فيها مسائل من امهات الكتب المعتمدة للشيعة الإمامية ثم قدمتها لمجتهدي عالم الشيعة وشيوخها عملا بأدب الكتاب الكريم (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) واليوم بعد أن انتظرت سنة وزيادة انشرها لتنظر فيها الأمة الاسلامية والشيعة الامامية الاثنا عشرية موسى جار الله ـ ابن فاطمة. وقال فيما وجهه إلى علماء النجف بالتاريخ المتقدم بعد مقدمة طويلة لم نر فائدة في نقلها قال في جملتها ص ١٨ و ١٩ أقدم هذه المسائل رغبة في تأليف قلوب عالمي الاسلام الشيعة الامامية الطائفة المحقة وعامة الأمة أهل السنة والجماعة ثم قال إنه يحترم كل المذاهب الاسلامية خصوصا مذهب الشيعة الإمامية.

وأنه كان يعرف أصول الشيعة الامامية من الكتب الكلامية وأنه كان في مكتبته الغنية كثير من كتب الشيعة الامامية الفقهية درسها واستفاد منها واستحسن الكثير من مسائلها وأحكامها.

ولكنه قال ص ٢٠ أن في هذه الكتب أمورا لا تتحملها الأمة ولا يرتضيها الأئمة ولا تقتضيها مصلحة الاسلام ثم هي جازفت في مسائل مستبعدة ما كان ينبغي وجودها ولا أظن أن الأئمة كانت تدين بها هم أرفع وأجل من أمثال هذه المسائل علما ودينا وعقلا وأدبا ا ه.

(ونقول) المسلمون متفقون بطبيعة الحال ليس بينهم عند التحقيق خصام ولا جدال فيما هو روح الاسلام ولبه وجوهره ألا وهو الشهادتان والالتزام باحكام الدين التي أسسها ضرورية أو إجماعية وعليها يتوقف صدق اسم الاسلام وجريان أحكامه سواء في ذلك سنيهم وشيعيهم فالجميع معترفون بها فالرب واحد والنبي واحد والكتاب واحد والعبادة واحدة والقبلة واحدة ولا خلاف بينهم إلا في بعض الفروع وبعض العقائد المعلومة التي اختلف فيها الأشاعرة مع الشيعة والمعتزلة وكلها ليست من أسس الاسلام وإلا في أمر الخلافة الذي لا يخرج الخلاف فيه عن حظيرة الاسلام باتفاق الجميع وإنما أضرمت نار الخلاف السياسة ونفخ في ضرامها الجاهلون وجاء

١٣

صاحبنا اليوم يريد النفخ في إضرامها باسم الاصلاح وتأليف القلوب ويهول بهذه الألفاظ الفارغة ويزعم أن للشيعة عقائد لا تتحملها الأمة «الخ» وعقيدة الشيعة كما مر لا تختلف في شيء عن عقيدة من تسموا بأهل السنة فيما هو لب الاسلام وجوهره وغيره لا يؤبه له سواء أتحملته الأمة أم لم تتحمله لكن صاحبنا لا يرضيه ذلك ولا يأتلف مع الشيعة إلا أن يتركوا جميع عقائدهم وإلا فإن الكلمات هراء هواء وأثر المؤتمرات عداء فلله دره من مصلح ماهر :

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا تورد يا سعد الابل

المرء يترك رأيه بالحجة والبرهان لا بقول هذا لا تتحمله الأمة والعقل والأدب ولا بالتهجين والتشهير. المسلمون يجب دعوتهم إلى ترك العداء والأذى بينهم لأن ذلك يضعفهم ويوهن شوكتهم وأن يرجعوا فيما اختلفوا فيه إلى الحجة والبرهان والجدال بالتي هي أحسن. وعند قراءة بيتي الهراوي جرى على اللسان هذان البيتان :

كل يخال بان في

ه العقل من قيد خلي

لكن علما بالقيو

د نراه كل المشكل

والمتأمل فيما جاء في وشيعته يعلم أن الله لم يقل له ما تخيله وأن الذي خاطبه بذلك غير الله.

وقد زكى نفسه بأنه لم يعمل عملا إلا لله مخلصا لوجه الله وانفق اعماره ـ ولم يقل عمره على المتعارف حبا بالشذوذ ـ ابتغاء مرضاة الله. والله تعالى يقول : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ. فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) وكان عليه بدلا من أن يشهد لنفسه هذه الشهادة أن يتهمها في تعصباته وإثارته الفتن والضغائن وتفريقه بين المسلمين وإيقاده نار العداء بينهم وتحامله على أهل البيت وشيعتهم بالباطل ومخالفته إجماع المسلمين في عدة آراء رآها فدخل في قوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وأن يخاف أن يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا وعلى ذكر البيت الذي اقتبسه من قول السيد الحميري الذي هو صادق في قوله لكونه في دولة اعداء أهل البيت :

١٤

أيا رب أني لم أرد بالذي به

مدحت عليا غير وجهك فارحم

جرى على اللسان هذان البيتان :

أتزعم وجه الله فيما كتبته

أردت ووجه الله عنك بمعزل

وكم فاعل فعلا يظن بفعله

ثوابا ومنه الله لم يتقبل

وأما مسائله التي أشار إليها فقد ذكرنا في صدر الكتاب أنه وردتنا نسختان من هذه المسائل من النجف والكاظمية وكتبنا جواباتها وأرسلناها إلى مرسليها ولا ندري أأرسلت إليه أم لا؟ وذكر هو في وشيعته أنه جاءته أجوبة مطولة من عالم بالبصرة وهو يقول : واليوم بعد أن انتظرت سنة وزيادة انشرها. فكيف نشرها ولم ينشر جوابات العالم البصري التي جاءته فذلك يجعلنا نرتاب في خلوص نيته ثم هو كان في النجف وبقي فيها مدة كما مر فلما ذا لم يباحث علماءها في تلك المسائل بكل ما لديه من قوة وتحرر ابحاثه وأبحاثهم وتطبع وتنشر لتنظر فيها الأمة الاسلامية في أقطار الأرض وتعرف لمن الفلج فلو خلصت نيته أو عرف من نفسه القدرة لفعل ذلك لكنه نأى وجعل يقذف بالقول من مكان سحيق ، وادعى أنه يحترم كل المذاهب الاسلامية خصوصا مذهب الشيعة لكننا نراه سلك غير الطريق التي يجب أن تسلك في تأليف القلوب فافتتح كلامه بالغمز واللمز بقوله : الطائفة المحقة الذي لا محمل له إلا ذلك كأنه لم يعلم أن كل طائفة ترى نفسها المحقة والحكم الدليل ، وأخذ في انتقاد أحد الخصمين بمر الانتقاد واغمض عما يجب أن ينتقد به خصمه فعمد إلى بعض كتب الشيعة التي فيها الغث والسمين والحق والباطل شأن كتب كل فرقة والى روايات فيها الصحيح والضعيف والشيعة لا تعتقد بكل ما فيها بل تبحث في كتب الرجال والفقه عن أسانيدها وعن الجمع بينها وبين ما يعارضها فتطرح ما ضعف سنده أو عارضه ما هو أقوى منه أو خالف الكتاب أو السنة أو الاجماع أو ما ثبت من أصول العقائد ولو صح سنده فجعل ذلك معتمده ومحط نظره ولو كان كل ما سطر في الكتب أو جاءت به رواية حقا للزم الهرج والمرج والتناقض المحال. وغض النظر عما في بعض كتب غير الشيعة مما لا تتحمله الأمة ولا يرتضيه الأئمة ولا تقتضيه مصلحة الاسلام وعن المجازفات التي فيها في مسائل مستبعدة ما كان ينبغي وجودها وغاب عن نظره كتاب

١٥

ابن تيمية وكتاب ابن حزم وامثالهما. وما حكاه ابن قتيبة في كتابه الاختلاف في اللفظ كما يأتي نقلة عند ذكر محبته أهل البيت إنشاء الله تعالى.

أباطيل بزعمه في كتب الشيعة

قال ص ٢٢٨ رويت في صحائف هذا الكتاب أباطيل كثيرة كبيرة من أمهات كتب الشيعة وكنت أعرف أنه :

في كل جيل أباطيل يدان بها

وما تفرد يوما بالهدى جيل

إلا أنه فرق بين باطل وباطل فإذا سمعنا شيعيا يؤله عليا فانا لا نشهد الزور وإذا مررنا باللغو نمر كراما أما إذا رأينا امهات كتب الشيعة تقول في الصحابة وفي العصر الأول وفي أم المؤمنين تدعي تحريف القرآن فهذان خصمان اختصموا عند ربهم لننزع ما في صدورنا من غل إخوانا على سرر متقابلين وأشهد الله وأقسم بصدق القرآن أن هذا هو المقصد الذي كتبت كتابي له :

أيا رب أني لم أرد بالذي له

كتبت كتابي غير وجهك فارحم

ونقول (أولا) أنه لا يعرف الحق من الأباطيل إلا بالدليل لا بالتهويل ومجرد الأقاويل.

في كل جيل ديانات يدان بها

حقا يظنونها وهي الأباطيل

(ثانيا) لا يوجد شيعي ـ ممن يريد نقد عقائدهم ـ يؤله عليا بل الشيعة تكفر من يعتقد ألوهية علي أو أحدا من البشر ولكن الذي يعامل الصحابة معاملة الآلهة هو من يأخذ بأقوالهم ويترك قول القرآن ومتواتر السنة كما يأتي منه ، والعجب أنه نقل في ص ٢٢٢ قول الصدوق في رسالة عقائد الشيعة : اعتقادنا في الغلاة والمفوضة انهم كفار بالله «إلخ» ونسبه إلى القساوة والجفاء في البيان. وهنا يقول : إذا سمعنا شيعيا يؤله عليا ولكن لا عجب منه فالمناقضات في كلامه لا حصر لها وقد بينا فيما يأتي من هم الذين اكفروا الصحابة. والعصر الأول كان فيه الصالح والطالح والمؤمن والمنافق فلا يعقل أن تلعنه الشيعة كما يأتي.

١٦

وبينا فيما يأتي مفصلا عقيدتنا في أمهات المؤمنين عامة وخاصة كما بينا فيما يأتي أن نسبة القول بتحريف القرآن إلينا زور وبهتان. وبمثل هذه الأساليب نريد أن ننزع الغل من الصدور وإذا كان هذا هو المقصد الذي كتب وشيعته له فكان عليه سلوك غير هذا الطريق الوعر الخشن وتحري الحقائق ونزع عوامل التقليد من نفسه. أما نحن فنستشهد ببيت السيد الحميري ـ الذي غيره هنا وفي ما مر على ظهر الوشيعة ـ بدون أن نغير منه شيئا :

أيا رب أني لم أرد بالذي به

مدحت عليا غير وجهك فارحم

مسائل فقهية في كتب الشيعة

قال ص ٢٢٩ كنت أرى في كتب الشيعة مسائل فقهية اجتماعية استحسنها باعجاب نقلت في هذا الكتاب البعض بالنقد والبعض بالرد إذ كنت أرى للشيعة شدة التقليد باخبار الأئمة تحت رايات دعاوي الاجتهاد.

(ونقول) (أولا) المسائل الفقهية اجتماعية كانت أو غيرها إنما تؤخذ من الأدلة الشرعية ، الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، ودليل العقل ، وليس لآراء الرجال فيها مدخل ولا يعرف أسرارها وحكمتها على التمام إلا علام الغيوب الذي أحاط بكل شيء علما. فقول : استحسن مسائل كذا باعجاب أولا استحسن لغو من القول متى وجد الدليل ليس لأحد أن يقول لا استحسن ومتى فقد ليس لأحد أن يقول استحسن. «ثانيا» بينا هو يستحسنها باعجاب إذا به يردها وينتقدها بعصب وعناد فناقض آخر كلامه أوله «ثالثا» الشيعة قالوا بالاجتهاد وعملوا به وبذلوا الوسع في تحصيله وحافظوا على شروطه واصوله ولم يأخذ مجتهدوهم الحكم إلا من دليله من أحد الأدلة الأربعة المار ذكرها فسبيل الأحكام عندهم التوقيف والنص من الشارع المقدس فيستنبطون الحكم من الدليل ويرجحون دليلا على دليل ولا يأخذون بالرأي والاستحسان والقياس والمصالح المرسلة كما هو عند غيرهم فأيهما أحق بالعذر وبصحة الاجتهاد (رابعا) إذا كانت الشيعة تقلد باخبار الأئمة تحت رايات دعاوى الاجتهاد وهؤلاء الأئمة اخذوا أخبارهم عن جدهم الرسول والرسول جعلهم احد الثقلين الكتاب والعترة وبمنزلة باب حطة وسفينة نوح فأيهما اعذر؟ من يقلد من هذه صفته وهو لا يقصر في

١٧

علمه وفقهه عمن تقلده أنت أن لم يزد عليه أم من يقلد من يأخذ برأيه واجتهاده ويجوز عليه الخطأ ويدعي أنه أصاب بذلك شاكلة الصواب سواء كان ذلك اجتهادا أم تقليدا تحت رايات دعاوى الاجتهاد كما يقول.

وفي صفحة (ط) : ولما وردت طهران زرت بعض كبار مجتهدي الشيعة وكنت أحضر حفلات العزاء ومجلس الوعظ وكان فيها في تلك الأيام أمام مجتهدي الشيعة السيد المحسن الأمين ضيفا وكان يؤم الجماعة في صلاة المغرب والعشاء جمعا وكنت زرت حضرة السيد العاملي مرة بالكوفة وجرى في تلك المرة بيننا كلام يسير فزرته في جامع طهران مرة ثانية وصلينا الصلاتين ثم كتبت على ورقة صغيرة وقدمتها بيد السيد المحسن الأمين لمجتهدي طهران وقلت وذكر المسائل الآتية.

(ونقول) أرسل إلينا ونحن بطهران شيئا من هذه المسائل في ورقة فوجدناها مسائل تافهة عن أمور غير واقعة فلم نشغل أنفسنا يومئذ بالجواب عنها وحيث أدرجها في وشيعته ونشرها فلا بد لنا من الجواب عنها وكلها مذكورة في صفحة (ط) قال أرى المساجد في بلاد الشيعة متروكة مهملة وصلاة الجماعة فيها غير قائمة وهو في ذلك كاذب.

(المساجد)

فبلاد الشيعة التي رآها هي العراق وإيران كما صرح به في مقدمة كتابه صفحة (ه) فالمساجد في كلا البلادين معتنى بها أشد الاعتناء معمورة بالمصلين في كل بلدة وقصبة ومدينة وقرية تقام فيها الصلوات الخمس ويزدحم فيها ألوف المصلين وقد رأى هو ذلك بام العين في مسجد الجمعة الذي كنا نصلي فيه في طهران فقد كان يغص بالمصلين على سعته. وكل مسجد في تلك البلاد له أمام يقيم فيه الجماعة في الصلوات الخمس فما معنى أنها متروكة مهملة والجماعة فيها غير قائمة وقد اعترف كما مر بانا كنا نؤم الجماعة في جامع طهران ويأتم هو بنا وهنا يقول المساجد متروكة مهملة وصلاة الجماعة فيها غير قائمة فهل هذا إلا تناقض لكنه لا يبالي بالتناقض في كلامه كما بيناه مرارا.

الأوقات والجمع بين الصلاتين

قال : الأوقات غير مرعية. والظاهر أنه يريد به الجمع بين الظهرين والعشاءين في

١٨

غير سفر ولا مطر. وهذا أمر قد قامت الأدلة عندهم على جوازه مع كون التفريق أفضل فلا مجال للنقد فإن كان في وسعه إقامة البرهان على خطئهم في ذلك كان نقده صحيحا وإلا فليس لأحد أن ينتقد غيره بأن اجتهادك مخالف لاجتهادي ولا هذا من دأب العلماء.

دليل جواز الجمع في غير سفر ولا مطر

روى الإمامان مسلم والبخاري في صحيحيهما ما يدل على جواز الجمع في الحضر بغير مرض ولا مطر ولا خوف. قال الامام مسلم في صحيحه ج ٣ ص ٤١٦ بهامش ارشاد الساري : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ما قالا حدثنا أبو معاوية «ح» وحدثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا وكيع كلاهما عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. في حديث وكيع قلت لابن عباس : ما أراد إلى ذلك قال أراد أن لا يحرج امته. وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس : صليت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا الحديث. حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وحدثنا أبو الربيع الزهراني : حدثنا حماد عن الزبير بن الخريت عن عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة فجاء رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم لك ، ثم قال رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء فاتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته. وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا وكيع حدثنا عمران ابن حديد عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال قال رجل لابن عباس الصلاة فسكت ثم قال الصلاة فسكت ثم قال لا أم لك أتعلمنا بالصلاة كنا نجمع بين الصلاتين على

١٩

عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وروى الامام البخاري في صحيحه في آخر باب صلاة العصر بالاسناد عن أبي أمامة : صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي كنا نصلي معه ا ه. ومن أراد زيادة بيان فليرجع إلى ما كتبناه في هذه المسألة في كتابنا معادن الجواهر (١ : ٣٥٣ ـ ٣٦٠) وقال الشهيد في الذكرى أن جواز الجمع في الحضر من غير خوف ولا سفر ولا مطر رواه العامة عن علي وابن عباس وابن عمر وأبي موسى وجابر وسعد بن أبي وقاص ا ه.

صلاة الجمعة

قال والجمعة متروكة تماما وفي صفحة (ح) ما حاصله : انكر شيء رأيته في بلاد الشيعة اني لم أر جماعة صلت صلاة الجمعة إلا في بوشهر رأيت طائفة صلت جمعة شيعية وخطب خطيبها خطبة شيعية ولم ازل اتعجب كيف امكن ان هوى مذهبيا او اجتهاد فرد يرسخ فتمكنا في قلوب امة حتى تجمع على ترك نصوص الكتاب.

(ونقول) ان فقهاء المسلمين من غير الشيعة ومن الشيعة متفقون على وجوب صلاة الجمعة باصل الشرع وعلى ان لها شروطا للوجوب وللصحة. فمن شروط الوجوب عند بعض فقهاء الشيعة اذن السلطان العادل فتجب عينا مع اذنه ويسقط وجوبها العيني والتخييري مع عدم اذنه وقالت طائفة تجب عينا ولا يشترط في وجوبها اذنه وقالت طائفة وهو الاصح تجب عينا مع اذنه وتخييرا بينها وبين الظهر مع عدم اذنه وقال الشافعي ومالك واحمد بن حنبل تصح اقامتها بغير اذن السلطان ويستحب استئذانه ، وقال ابو حنيفة لا تنعقد الا باذنه ولا تصح الا في مصر جامع لهم سلطان ذكر ذلك الشعراني في ميزانه.

فقد وافق الشافعي ومالك واحمد من قال من الشيعة بعدم اشتراط اذن السلطان ووافق أبا حنيفة من قال منهم باشتراط اذنه وبذلك ظهر ان قول الشيعة في الجمعة لا يخرج عن المذاهب الأربعة ، وان قوله انكر شيء رأيته «الخ» هو من انكر الامور وصادر عن حدة وعصبية وقلة تدبر كقوله ان هوى مذهبيا او اجتهاد فرد يرسخ في قلوب امة

٢٠