نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

لحديث غدير خم ويكون الحديث اسمى شرف لعلي ولأولاده لا يوازيه شرف وعنده ينقطع الخصام.

وقال صفحة ١٩١ : والامام والامة يقوم مقام النبي في هذه الوظيفة ومن تدين ما يقوت به عياله ومات فالدين على الله وعلى رسوله كان على الامام وعلى الامة قضاؤه. روى كتب الشيعة ان النبي قال ايما مؤمن مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا اسراف فعلى الامام قضاؤه فان لم يقضه فعليه اثمه ووزره والله قد جعل للغارم سهما في آية الصدقات.

ثم اعاد ذلك صفحة ٢٤٩ على عادته في التكرير بغير جدوى فقال. من اقوم ما استجدته واستحسنته ما وافقت فيه كتب الشيعة كتب الامة صادق الموافقة في معنى الولاية في قول الله : النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم فقد روت كتب الشيعة ان النبي كان يقول انا اولى بالمؤمنين من انفسهم فمن ترك دينا او كلا فعلي ومن ترك ما لا فلورثته ، وروى الصادق ان النبي قال ايما مسلم مات وترك دينا ولم يكن في فساد ولا اسراف فعلى الامام ان يقضيه وهذا المعنى اعلى واجمع تفسير للولاية واشرف وظيفة اجتماعية للنبي وعلى الامام بعده وهذا هو الذي اراد الشارع في حديث غدير خم اذ قال ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه وهذا شرف لعلي ولكل امام بعده لا يوازيه ولا يقاربه شرف اما غير هذا المعنى فلم يرده النبي الكريم ولا ادعاه الامام علي ولا امام بعده ولم يجيء في عرف الكتاب وعرف السنة المولى بمعنى الرئاسة وكل مؤمن مولى مؤمن. ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم.

(ونقول) : اعتاد مقابلة الشيعة بالامة لحاجة في نفسه. وقوله تعالى : النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم ولاية عامة لكل شيء ليس فوقها ولاية وليست دونها مرتبة الخلافة والامامة وقد ثبتت لعلي بحديث الغدير حيث قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألست اولى بكم من انفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه هذا نص الآية والحديث لا يحتاج الى تأويل او تفسير ، اما هذه التمحلات التي تمحلها ليخرج الحديث عن منصوصه وزعمه انها تقطع الخصام وذلك بحمل انه اولى بالمؤمنين من انفسهم على ان من مات وترك دينا فعليه دينه وزعمه ان هذا البيان اتفقت عليه كتب الفريقين وانه احسن بيان

١٤١

للآية واسمى معنى للولاية واشرف وظيفة اجتماعية للنبي وعلى الامام بعده واصوب تفسير لحديث الغدير وان الحديث يكون اسمى شرف لعلي واولاده الى آخر هذه الثرثرات والتزويقات فمهما لا يجدي نفعا فعموم اولى بالمؤمنين من انفسهم ظاهر وثابت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآية واجماع الامة وقد ثبت مثل ذلك لعلي بحديث الغدير. وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انا اولى بكل مؤمن من نفسه ومن ترك كذا او كذا فالي وعلي لا يخصص الولاية بذلك لانه انما ذكر شيئا من متفرعاتها وهي باقية على عمومها ولا يجوز تفسير الولاية بما يتفرع عليها. وقول ائمة اهل البيت : من مات وترك دينا فعلينا دينه وإلينا عياله لا يدل على تخصيص ولايتهم بذلك بل هذا بعض لوازم الولاية العامة ومن ادلتها على انه اذا كان قضاء الدين على النبي وعلى الامام وعلى الامة فاي شرف للنبي في ذلك وللامام ولعلي وولده فهم في ذلك كسائر افراد الامة واذا كان ذلك عاما لكل امام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكل الامة يكون قوله في حديث الغدير من كنت مولاه فعلي مولاه لغوا وعبثا بل كذبا فكان اللازم ان يقول من كنت مولاه فهذا علي وكل امام مولاه وكل فرد من الامة مولاه واذا كان كذلك فما وجه هذا الاهتمام وجمع الناس في الصحراء والرمضاء قبل ان يتفرقوا الى بلادهم وهل يزيد هذا الامر على حكم فقهي كسائر الاحكام الفقهية هذه تأويلات موسى جار الله وهذه تمحلاته مع ان كون ذلك على النبي والامام لان بيده بيت المال وهو معد لمصالح المسلمين ومن جملتها قضاء دين الغارم وفيه الزكاة ومن مصارفها قضاء دين الغارم كما تضمنته آية الصدقات اما انه على الامة فلا وجه له ولا دليل يدل عليه ولكنه قد شغف بذكر الامة المعصومة عنده فهو يدخلها في كل شيء على ان الذي بيده بيت المال هو النبي والخليفة بعده وعلي عنده ليس بخليفة بعده ولا اولاده خلفاء فمن اين صارت هذه الوظيفة لهم وهذا التكليف عليهم واذا كان الحديث يدل على ان هذه الوظيفة لهم مع انها للامام والخليفة الذي بيده بيت المال فقد دل الحديث على ثبوت الخلافة لهم واذا لم يكن بيدهم بيت المال فمن اين يقضون ديون الغارمين من كافة المسلمين فالذي اراده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث غدير خم هو الولاية العامة الثابتة له في حياته ولعلي والائمة من ولده بعد مماته وبذلك تكون الولاية اشرف وظيفة للنبي وللامام بعده وشرفا لا يوازيه ولا يقاربه شرف وتخصيصها بقضاء دين الغارم افتراء على النبي وعلى حديثه وزعمه

١٤٢

انه لم يجيء في عرف الكتاب والسنة المولى بمعنى الرئاسة افتراء على الكتاب والسنة فقوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) لم لا يكون معناه انه اولى بهم وقد نص الكتاب والسنة في حديث الغدير على ان المولى بمعنى الاولى بالمؤمنين من انفسهم واي معنى للرئاسة اعلى من ذلك واذا كان نصا فلا يقال انه محل النزاع واذا استعمل المولى في موضع بغير هذا المعنى فلا يلزم ان يكون في كل موضع كذلك ولا يكون ذلك عرفا للكتاب والسنة.

حديث جمع النبوة والامامة لاهل البيت

قال صفحة (د ن) ان الصديق والفاروق رويا حديث ان الله ابى ان يجمع لاهل البيت بين النبوة والخلافة وتلقته الامة بالقبول فان لم تقبله الشيعة فحديث المنزلة في معناه. قال وادخال علي في الشورى لا ينافي لان عدم استحقاق علي بالارث لا ينافي الاستحقاق بانتخاب الامة واختيارها.

(ونقول) أولا انهما لم يرويا ذلك حديثا وانما قال الفاروق وحده لابن عباس كما يأتي قريبا كرهت قريش ان تجتمع لكم النبوة والخلافة فقريش هي التي كرهت ذلك ما كرهت النبوة حسدا حتى جاء امر الله وهم كارهون اما الصديق فلم ينقل عنه ذلك لا حديثا ولا غيره فيما علمناه.

(ثانيا) قبول الاخبار وعدمه ليس وساقة عرب اذا لم يقبل خصمنا خبرنا لم نقبل خبره. فحديث المنزلة اتفقنا نحن وانت على صحته فيلزمك قبوله وحديث الاباء ـ ان صح تسميته حديثا ـ اختلفنا فيه فلا يلزمنا قبوله وزعمك ان الامة تلقته بالقبول مع عدم قبول اهل البيت خيار الامة واتباعهم له جزاف من القول.

(ثالثا) اعتذاره عن ادخال علي في الشورى بان عدم الاستحقاق بالنسب لا ينافي الاستحقاق بالانتخاب فيه ان حديث الاباء ـ ان صح ـ ليس فيه تقييد بالنسب بل هو عام للنسب والانتخاب فاذا كان الله يأبى ان يجعل لهم الخلافة فكيف تنتخبهم الامة لها وتفعل ما يأباه الله وهي معصومة عندك وكيف جعلت الامة الخلافة لعلي بعد عثمان وللحسن بعد علي وخالفت الله تعالى الذي ابى ان يجمع لهم النبوة والخلافة مع قبولها لما رواه الصديق والفاروق.

١٤٣

زعمه لم يول النبي ولا الصديق والفاروق هاشميا

قال صفحة (د ن) كل قرابة النبي كانت مصروفة زمن النبي عن كل ولاية وعن كل رئاسة ولم يستعمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احدا من بني هاشم أيام حياته وطلب عمه العباس ولاية فقال يا عم نفس تحييها خير من ولاية لا تحصيها ولم يكن في اعمال الصديق والفاروق هاشمي لان القرابة قد صرفت عن امر الرئاسة والولاية ولم يكن يعتبر في الاستعمال والولاية الا الكفاءة والغناء وقد كان يقدم في كبار الاعمال بني امية عملا بالعدل وابتعادا عن التهمة وتنزيها لحرم النبوة وقال صفحة (ن ه) ان في ذلك رعاية قوة الدولة الاسلامية لانها في اوّل الاسلام كانت في قريش وكانت قريش تكره ان تجتمع في بني هاشم النبوة والخلافة واستشهد بقول عمر لابن عباس انتم اهل النبي فما تقول منع قومكم منكم قال لا ادري والله ما اضمرنا الا خيرا قال كرهت قريش ان تجتمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا في السماء بذخا وشمخا ولو لا رأي ابي بكر في لجعل لكم نصيبا من الامر ولو فعل ما هنأكم قومكم انهم ينظرون إليكم نظر الثور الى جازره. وقال صفحة (ون) فراعى شرع الاسلام الذي جاء بالمساواة المطلقة هذه الجهة السياسية فقطع كل القطع حق البيت الهاشمي بالارث فلم يبق له حق الا مثل حق كل فرد من الامة.

(ونقول) يكذب قوله ان النبي لم يستعمل احدا من بني هاشم انه ولى عليا على اليمن ايام حياته وجعل إليه قضاءها وولاه على الجيش المرسل إليها وعلى الجيش المرسل الى ذات السلاسل وولى اخاه جعفرا رئاسة المهاجرين الى الحبشة وولاه أيضا على جيش مؤتة وإمارة الجيوش اهم أمارة واذا كان لم يول عمه العباس ـ ان صح ذلك ـ على ولاية رأى انه لا يحصيها فليس معناه انه صرف كل ولاية عن بني هاشم. واما الصديق والفاروق فنحتاج الى الاعتذار عنهما في عدم تولية بني هاشم ولم يأت هو بعذر مقبول واذا كان الصديق والفاروق لم يوليا هاشميا فقد ولاهم امير المؤمنين علي بن ابي طالب ولى عبد الله بن العباس البصرة واخاه قتما مكة واخاهما عبيد الله اليمن وتماما اخاهم المدينة لما خرج لحرب الجمل فهل كان مخطئا في ذلك وغيره مصيبا؟!.

١٤٤

(ثانيا) قوله لم يكن يعتبر في الاستعمال الا الكفاءة مناقض لقوله ان القرابة قد صرفت عن امر الرئاسة والولاية اذ معناه انها قد صرفت وان كان فيها كفاءة وغناء للعلة المتقدمة ولو كانت الكفاءة هي المدار لم يكن في الناس كفوء لعلي بن ابي طالب الذي شهد له الخليفة بانه ان وليهم ليحملنهم على المحجة البيضاء والطريق الواضح ولا لعبد الله بن عباس.

(ثالثا) قوله وقد كان يقدم في كبار الاعمال بني امية عملا بالعدل «الخ» فيه ان تأخير غيرهم خلاف العدل وليسوا في الكفاءة فوق غيرهم ولا مثلهم اللهم الا ان يكون الوليد بن عقبة الذي ولى الكوفة في عهد الخلافة الراشدة وشرب الخمر وصلى الصبح بالناس في مسجد الكوفة وهو سكران ثلاث ركعات وتقيأ الخمر في محراب المسجد فكان في توليته وامثاله عمل بالعدل وابتعاد عن التهمة وتنزيه لحرم الاسلام واي تنزيه. وتولية بني امية كبار الاعمال نجم عنها مفاسد عظيمة في الاسلام منها حرب صفين وشق عصى المسلمين وتفريق كلمتهم وغير ذلك مما استطار شرره وبقي اثره الى آخر الدهر. وتولية الاكفاء ليس فيه تهمة ولا ما ينافي تنزيه حرم النبوة من اي قبيلة كانوا وكان الاولى به ترك هذه التعليلات العليلة السخيفة وعدم اشغالنا وتضييع وقتنا يردها وعدم اضطرارنا الى كشف ما لا نود كشفه.

(رابعا) قوله ان في ذلك رعاية قوة الدولة الاسلامية لأنها في أول الاسلام كانت في قريش فيه ان قوتها لم تكن في أول الإسلام في قريش بل في الأنصار أو فيهم وفي المهاجرين.

(خامسا) قوله كانت قريش تكره ان تجتمع في بني هاشم النبوة والخلافة فيه ان قريشا وفي اولهم بنو امية كانوا يكرهون نبوة بني هاشم لا اجتماع النبوة والخلافة فيهم فقط واذا كانت الخلافة كالنبوة بامر إلهي لا باختيار الامة لاشتراطها بالعصمة التي لا يعلمها الا الله. لا ينال عهدي الظالمين. والعاصي ظالم لنفسه كما فصل في محله وليس لرضا قريش عدم رضاها اثر في ذلك قال الشاعر :

زعمت سخينة ان ستغلب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب

فاذا كانت قريش تكره ان تجتمع لبني هاشم النبوة والخلافة حسدا وبغضا لانهم قاتلوهم على الاسلام فصاروا ينظرون إليهم نظر الثور الى جازره لم يكن ذلك مانعا لهم من استحقاق الخلافة ويكون الوزر في تأخيرهم عنها على قريش وهذا

١٤٥

اعتراف بان تأخيرهم عن الخلافة كان حسدا وبغضا وان كونهم اهل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من موجبات استحقاقهم لها.

(سادسا) كلام الخليفة لابن عباس الذي استشهد به هنا يدل على ان ذلك من كلام الخليفة وهو الصواب وهو قد جعله سابقا حديثا.

(سابعا) قوله فراعى شرع الاسلام «الخ» افتراء منه على الشرع الاسلامي كما يعلم مما مر مع انه مناف لقوله السابق ان الله صرف الدنيا والخلافة عنهم اكراما لهم وتبرئة للنبوة واذا كان الشرع الاسلامي جاء بالمساواة المطلقة فلما ذا حصر الامامة في قريش واحتج به المهاجرون على الانصار يوم السقيفة وهل حصرها في قريش الا كحصرها في بني هاشم او في علي وولده ، والخلافة لم يقل احد من المسلمين انها بالارث ولكنه يخبط خبط عشواء.

وقال ص ٢٢٥ ما حاصله : وكذلك الشأن في الشرائع السابقة فان موسى حرم كل اقاربه من ميراثه في حقوقه ووظائفه وورثه فتاه يوشع بن نون. ودعا سليمان ـ بلسان شريعة التوراة ـ رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. لم يكن هذا الملك ينبغي لاحد من ورثته بالنسب. ودعا زكريا فقال : فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا. ومعلوم ان إرث نبي الامة وارث كل الامة لا يكون بنسب الابدان بل بنسب الارواح. ثم لما عاين ما لمريم من عند الله زاد رجاؤه هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء كل هذه بنسب الارواح لا مجرد نسب الابدان. وقال ص ٢٢٦ فيا ليت لو ان السادة الشيعة قبلت اليوم الحق الذي وقع بإرادة الله ورضى نبيه والا يجب ان يكون شأن النبي وشأن دينه الحكيم اقل واهون عند الله من شأن زكريا ودعائه وان يكون شأن اهل البيت في الارث بعد النبي اقل واذل من شأن غلام زكريا في إرثه اياه وآل يعقوب.

(ونقول) هذا الرجل قال فيما يأتي في حرمان الزوجة من الارض ان الشيعة انتحلت ذلك من الاناجيل والتوراة وبينا هناك بطلان قوله ونراه لا يزال ينتحل من الاناجيل والتوراة ويستند الى شريعتهما ويستشهد باحكامهما كما فعله هنا ولا يبالي بالتناقض في كلامه. وهذه النغمة في حرمان اهل البيت من خلافة جدهم كما حرم

١٤٦

ذرية موسى واقاربه قد تكررت منه على عادته بغير فائدة وفندناها فيما سبق.

(ونقول) هنا ان الله تعالى قد جعل هارون وزيرا لاخيه موسى وشد به ازره واشركه معه في النبوة ولو بقي بعده لكان نبيا كما مر في حديث المنزلة. وهو يبطل زعمه ان اقارب الأنبياء وعشائرهم محرومة من حقوق نبوتهم وسليمان طلب ملكا لا ينبغي لاحد من بعده لا من ذريته ولا من غيرهم لا بالنسب ولا بالروح فلا ربط له بما اراده. وزكريا هل كان وليه الذي سأله ولدا بنسب الارواح لا بنسب الابدان وهل كانت الذرية التي طلبها روحية فقط لا بدنية وكونه لما رأى ما لمريم من عند الله زاد رجاؤه لا يجعل ابنه يحيى وليا بنسب الارواح لا الابدان. وهكذا كل ادلة هذا الرجل تكون عليه لا له. ومن الطريف قوله معلوم ان إرث نبي الامة وكل الامة بنسب الارواح لا الابدان فان كونه بنسب الارواح لا يمنع ان يجتمع معه نسب الابدان على ان الشرف الحاصل بنسب الابدان وطهارة الطينة والاصل له كل المدخلية في هذا الارث. مع انه اذا انحصر إرث نبي الامة بنسب الارواح فكيف انحصر إرث الامة بذلك. واطرف من ذلك قوله وكل هذه نسب الارواح لا مجرد نسب الابدان فمتى قلنا او قال احد في الكون ان آل محمد «ع» ليس بينه وبينهم الا نسب الابدان كلا بل هم اشبه الخلق به هديا وطريقة وخلقا وفي جميع اطواره واحواله واخلاقه وافعاله فقد جمعوا نسب الابدان ونسب الارواح على اكمل وجوههما كما جمعها يحيى بن زكريا ولا ندري ولا المنجم يدري لما ذا يلزم ان يكون شأن النبي ودينه اهون عند الله من شأن زكريا ودعائه الى آخر ما لفقه اذا لم تقبل الشيعة بما زعم انه وقع بإرادة الله ورضا نبيه ـ وهما بريئان منه ـ وقد عرفت ان استشهاده بامر زكريا عليه لا له.

من الذي قدمه النبي (ص) بعده

قال صفحة (ون) لم يتول الامر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا عمه وكان اعقل قريش واسودها ولا ابناء عمه وكل قد كان كفؤا واهلا فكان هذا برهانا على انه لم يكن

١٤٧

يطلب ملكا حيث لم يقدم بعده احدا بقرب نسب بل انما قدم من قدم بالايمان والتقوى والكمال والغناء.

(ونقول) بل قدم بعده من قدمه يوم الغدير ويوم نزلت وانذر عشيرتك الاقربين فجمعهم وقال لعلي انت اخي ووصيي وخليفتي فيهم رواه الطبري باسناده في التفسير والتاريخ ورواه غيره ومن لا يوازيه عمه في فضل ولا يدانيه سواء أكان اسود قريش واعقلها أم لم يكن واذا قدم من هو اهل للتقديم لم يدل ذلك على انه يطلب ملكا سواء أكان ذا نسب قريب أم لا واصحابك يقولون انه لم يقدم احدا وانما اختارت الامة لنفسها فكيف تقول انما قدم من قدم واذا كان التقديم بما ذكرت من الصفات فليس احق بها ممن قدمه يوم الغدير ويوم انذر عشيرته الاقربين.

ما ذكره من فضائل الصديق

قال صفحة (ز ن) ان للصديق فضائل في الجاهلية. له عشيرة تحميه. ومال. كان محبوبا. وفي الاسلام بالسبق الى امور. الاسلام. الانفاق. الجهاد. عتق العبيد. بناء المساجد. الهجرة. تزويج ابنته. جمع القرآن. الذي يؤتي ماله يتزكى. العلم باحوال العرب وانسابها. خدمة النبي. آمن الناس عند النبي. الحزم والفراسة به صار وزيرا للنبي في كل اموره.

(ونقول) كان الأولى به ذكر فضائل الصديق الحقيقة اما اضافة فضائل إليه لا حقيقة لها فذلك مما لا يرضي الصديق بل يغضبه فالعشيرة والمال مع كثرة المشاركين فيهما لا ينبغي ان يحسبا من الفضائل مع ان المال لم يتحقق فان المنقول انه كان في الجاهلية ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان باجرة. والسبق الى الاسلام لعلي وحده اسلم ولم يكن يصلي لله تعالى على وجه الارض غير ثلاثة هو احدهم والآخران الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة. والانفاق كان لخديجة وبعد موتها من مالها الموروث. والجهاد الكامل كان لعلي وحده في كل موقف ولم يسمع عن الصديق انه قتل احدا وهجرته كانت في استخفاء مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغلام ابي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم المستأجر عبد الله بن اريقط الليثي وهو مشرك ولما لحقهم سراقة بن مالك وهم أربعة احدهم

١٤٨

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى ابو بكر فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لك تبكي قال ما على نفسي ابكي ولكن عليك يا رسول الله قال لا عليك فدعا على سراقة فغاصت قوائم فرسه في الارض فطلب ان يدعو له بخلاصه فدعا له فرجع. وعلي كانت هجرته بالفواطم ظاهرا ومعه ابو واقد الليثي وايمن ابن أمّ ايمن فلحقهم ثمانية فوارس فقتل علي مقدمهم وعاد عنه الباقون. وتزويج ابنته هو الذي قلنا عنه انه لا يرضي الصديق عده من فضائله فقد تزوج النبي بنت حيي بن اخطب. وافضل منه تزويج ابنته التي رد عنها غيره ولم يكن لها كفوء سواه. والقرآن جمعه مع تأويله علي بن ابي طالب. والعلم باحوال العرب وانسابها علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في من رآه في المسجد في حلقة وقيل عنه انه علامة لعلمه بذلك ونحوه. وخدمة النبي لم يكن اقوم بها من علي الذي لازمه صغيرا وكبيرا وربي في حجره. وآمن الناس عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي ادى اماناته يوم الهجرة كما اوصاه اقام مناديا بالابطح إلا من كانت له امانة عند محمد فليأت تؤد إليه امانته وأتمنه على الفواطم فهاجر بهن من مكة الى المدينة ولم يأتمن على ذلك غيره وأتمنه على اداء سورة براءة. والوزارة في كل أموره ليست لسوى علي بنص حديث المنزلة الذي اعترف بصحته وآية واجعل لي وزيرا من اهلي وباقي ما ذكره اما مشارك فيه مع زيادة او ليس له كثير اهمية.

وبعد ما ذكر في ص ٤١ احاديث نقلها عن الوافي لا يعلم مقدار صحة اسانيدها وضعفها عند الشيعة لا ترتبط بالعقيدة فلا نطيل بنقلها والكلام عليها واحاديث تتعلق بيومي الغدير والغار لا يعلم أيضا مبلغ صحتها وضعفها وليس كل ما في الكتب سواء أكانت من الامهات أم غيرها يمكن الجزم بصحته. وهل يمكن لأية فرقة ان تجزم بصحة جميع اخبار كتبها والعهد بعيد والرواة انما يعتمد في توثيقهم وتعديلهم على الظنون التي كثيرا ما تخطىء وعلى اقوال اقوام يجوز عليهم الخطأ والاشتباه. تكلم بعد ذلك في ص ٤٣ على آية الغار فقال : ان كان الله ثالث الاثنين فالى اين تبلغ رتبة الاول. فان كان ارتعد خوفا على حياة النبي فان كان انزل سكينة الله على هذا الاول وأيد الله هذا الاول ونبيه بجنود لم يرها احد من قريش غير الاول فهل نال احد من خلق الله مثل هذا الشرف وهذا الثناء الجليل.

(ونقول) : كان عليه ان يقتصر على فضائل الصديق المسلمة ولا يستدل عليها

١٤٩

بما لا دلالة فيه مما لا يرضى به الصديق فان كون الله تعالى ثالث الاثنين لا يستدل به على فضل واحد من الاثنين فقد قال الله تعالى (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) الى قوله (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) فهذا يشمل كل متناجين مهما كانت صفتهم وكون الله معهم لا يدل على فضيلتهم وقوله ان الله معنا دال على انه لا يصل إليهما سوء من الذين قصدوهما وانما قصدهم الاصلي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سواه فالله قد اخبر انه سيدفع الضرر منهم عن النبي ومن معه مهما كانت صفته وكون السكينة انزلها الله على الصديق غير ظاهر من اللفظ ان لم يظهر خلافه وهو اختصاصها بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكون الرسول غير محتاج إليها وانما احتاج إليها من ارتعد ينافيه قوله في مقام آخر (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) مما دل على ان النبي محتاج الى انزال السكينة عليه وليس مقام ادعى الى الخوف والاضطراب من مقام الغار فاذا احتاج الى انزال السكينة عليه في غيره فهو فيه إليها احوج وقوله وايده الله ونبيه ينافيه افراد الضمير ولو اراد ذلك لقال وايدهما وقوله لم يرها احد من قريش غيره حاشية للقرآن الكريم ليست فيه.

قال صفحة (ز ن) : والنبي وادع امته في حجة الوداع وكانت الصحابة تسأله عن كل حال ثم لم يسأله احد عمن يخلفه بعده لان الخليفة بعده كان معلوما عند كل احد منهم.

(ونقول) ان كانوا لم يسألوه فهو قد ابتدأهم واخبرهم عمن يخلفه بعده يوم نزلت وانذر عشيرتك الاقربين ثم يوم الغدير ثم في مرض موته حين قال آتوني بدواة وكتف اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا فقال بعضهم حسبنا كتاب ربنا وقال انه يهجر قد غلبه المرض وهذا ينافي ان يكون الخليفة معلوما عند كل احد او يدل على انه غير من يريدونه واذا كان الخليفة معلوما عند كل احد فما بال الاجتماع في سقيفة بني ساعدة وقول الانصار او بعض الانصار لا نبايع الا عليا فيما رواه الطبري ثم قولهم منا امير ومنكم امير واحتجاج المهاجرين عليهم بانهم عشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقومه وكان يلزم ان يقولوا لهم ان الخليفة معلوم عند كل احد واجتماع بني هاشم ومعهم الزبير في بيت فاطمة وضرب سيف الزبير بالحائط وكسره ونفي سعد الى حوران. هذا يدل اما على

١٥٠

انه لم يكن معلوما عند كل احد او كان معلوما وخولف وهذا ينافي ما يدعيه من عصمة الامة او عدالتها على الاقل.

قال صفحة (ز ن) فقد ارشد امته الى اختيار الاحق من غير ان يحرم الامة من حقوق انتخابها إمامها فقدمت الامة خليفة رسول الله تقديم اجماع.

ونقول (أولا) كونه ارشد امته الى اختيار الاحق وكونه كما مر قدم من قدم بالايمان والتقوى وكون الخليفة كان معلوما عند كل احد يناقض عدم حرمان الامة من حق الانتخاب مناقضة ظاهرة فاذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم شخصا معينا معلوما عند كل احد انه الخليفة وجب التسليم لامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يجز انتخاب غير من قدمه وعينه وذلك حرمان للامة من حق انتخاب إمامها.

(ثانيا) الله تعالى ورسوله اعلم بمن يصلح للخلافة أم الامة الثاني باطل قطعا فان كان الاول لزم ان يرشد الله تعالى الامة رحمة بها بواسطة نبيه الى من يصلح للخلافة ويعينه لها ولا يوكل امر انتخابه إليها في تشتت اهوائها واختلاف نزعاتها وهل وقعت الحروب والفتن والمفاسد في الاسلام الا من هذه الانتخابات.

(ثالثا) كيف يكون اجماعا من خرج منه بنو هاشم كافة والزبير وسعد بن عبادة ومن تابعه من الانصار هذا ان لم نعتد برأي سائر المسلمين خارج المدينة الذين لم يؤخذ رأيهم ولا يمكنهم الخلاف بعد انعقاد الامر ولله در مهيار حيث يقول :

وكيف صيرتم الاجماع حجتكم

والناس ما اتفقوا طوعا ولا اجتمعوا

امر علي بعيد عن مشورته

مستكره فيه والعباس يمتنع

وتدعيه قريش بالقرابة والأ

نصار لا خفض فيه ولا رفع

فاي خلف كخلف كان بينكم

لو لا تلفق اخبار وتصطنع

زعمه عدم النص على الامام

قال صفحة (ح ن) : ولو فرض محالا وجود نص بالامامة لحرم على من له النص ان لا يقوم بها ولامتنع امتناعا عاديا خفاء هذا النص على احد. وعلي ترك الامامة والامام الحسن تركها وكل امام بعد الحسين تركها وكله يبطل دعوى وجود النص لعلي واولاده من السيدة فاطمة.

١٥١

(ونقول) الواجب على من له النص القيام بالامامة حسب جهده وطاقته وهذا قد حصل اما القيام بها على كل حال فلو حرم على من له النص ان لا يقوم بها مع خوفه لحرم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التخفي بعبادة ربه في اوّل البعثة احيانا. ولحرم على هارون ان يقول ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ولحرم على لوط ان يقول لو ان لي بكم قوة او آوي الى ركن شديد. واما هذا النص فلم يخف على احد وعلي وولده لم يتركوا الامامة فهم ائمة اطيعوا أم عصوا والأنبياء التي كذبتها اممها ولم يتبعها الا قليل منها لا يقال انها تركت نبوتها وليست الامامة هي الحكم والسلطنة.

ما ذكره من فضائل الفاروق

ذكر في صفحة (ن ط) فضائل الفاروق فلم يقتصر على فضائله الحقيقة بل اضاف إليها ما اعترف الفاروق نفسه بنفيها عنه كما فعل عند ذكر فضائل الصديق. مثل انه كان يرى رأيا فيقبله النبي ويوافقه الله من فوق عرشه مع ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقبل رأيه في اسارى بدر وفي الصلاة على ابن أبي وفي بعض من رأى قتلهم كما فصلته كتب التواريخ والآثار ومثل كونه افقه الصحابة واعلم الصحابة في زمنه وهو يقول كل الناس افقه منك حتى المخدرات ويقول لو لا علي لهلك عمر. ثم قال ان الصديق استخلفه بعهد منه. وهذا حرمان للامة من حق انتخابها أمامها وقد سبق منه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشأ ان يحرم الامة من حقوق انتخابها إمامها فكيف خالفه الصديق.

زعمه عصمة الخلافة الراشدة

قال صفحة (س) نحن فقهاء اهل السنة والجماعة نعتبر سيرة الشيخين اصولا تعادل سنن النبي الشارع في اثبات الاحكام الشرعية ونقول الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة المعصومة.

(ونقول) (أو لا) ادخاله نفسه في فقهاء من تسموا باهل السنة والجماعة وفقهه هذا المزعوم ادى به الى مخالفة اجماع المسلمين في عدة مواضع اشرنا الى بعضها فيما

١٥٢

مضى والى بعضها فيما يأتي من هذا الكتاب منها تشريك ولد الولد مع الولد في الميراث.

(ثانيا) كون سيرة الشيخين تعادل سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكون الخلافة الراشدة معصومة يحتاج الى اثبات ولم يأت عليه بدليل سوى مجرد الدعوى. نعم اذا ادعي ذلك في حق علي بن ابي طالب كان له وجه لآية الطهارة وقول النبي اللهم ادر الحق معه كيفما دار ، علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار وحديث الثقلين وقول علي سلوني قبل ان تفقدوني «الخ» ولم يستطع احد ان يرد عليه.

(ثالثا) نسبته ذلك الى جميع فقهائهم لم نجد له موافقا عليه

(رابعا) هذه الدعوى لم يدعها اصحاب الخلافة الراشدة انفسهم فقال احدهم ان لي شيطانا يعتريني وقال الآخر كل الناس افقه منك ولو لا علي لهلكت وكل ذلك اعتراف بعدم العصمة.

(خامسا) جعله سيرة الشيخين كسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يناقض جعل الخلافة الراشدة معصومة كعصمة الرسالة فان الخلافة الراشدة يراد بها خلافة الخلفاء الاربعة فاذا الخلفاء الاربعة كلهم معصومون واحدهم علي بن ابي طالب وهو لم يرض ان يبايعه عبد الرحمن بن عوف على الكتاب والسنة وسيرة الشيخين بل على الكتاب والسنة فقط فإذا عصمة الخلافة الراشدة تثبت عدم عصمة الخلافة الراشدة.

(سادسا) الناس قد شككوا في عصمة الأنبياء فكيف بالخلافة الراشدة.

ما جرى بين الصحابة

قال صفحة (ا س) : ونعد من لغو الكلام وسقطة القول الكلام فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة.

(ونقول) ان لزمنا الاعراض عما جرى بين الصحابة لم يختص ذلك بزمن الخلافة الراشدة كما ادعاه فان العدالة والاجتهاد قد ادعيا لجميعهم حتى قال القائل :

ونعرض عن ذكر الصحابة فالذي

جرى بينهم كان اجتهادا مجردا

١٥٣

ولكننا نود أن يرشدنا الى الدليل الذي سبب هذا الحجر على العقول والألسنة والأقلام. ونرى الصحابة انفسها لم تعرض عن الخوض فيما جرى بينها وهم قدوة بأيهم اقتدينا اهتدينا. وهو نفسه لم يعرض عن القول فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الرادة فلام عليا والمهاجرين والأنصار في مقتل عثمان ولام أبا ذر في سلوكه مع عثمان كما مر ويأتي.

الشورى

قال صفحة (ا س) عثمان اوّل خليفة انتخب بعد مشاورة تامة واستقصاء آراء من حضر بالمدينة. وقد كان العباس قال لعلي لا تدخل في الشورى ان اعتزلت قدموك وان ساويتهم تقدموك ولم يقبله وان كان العباس انفذ نظرا واقوى حدسا يرى الامور من وراء الستور. وكان علي يعلم انه لا يستحق الامر بالارث فدخل لعله يناله بالانتخاب وكاد ينتخب لو انه قبل الشرط الذي عرضه له ابن عوف والشرط كان معقولا به يندفع خوف قريش من البيت الهاشمي على العرب والا فلم يكن احد ينكر فضل علي وكفاءته لكل امر عظيم.

(ونقول) (أوّلا) المشاورة لم تكن الا بين هؤلاء الستة وسائر من بالمدينة لم تؤخذ آراؤهم انما حضر مع الستة بعضهم وليس له رأي ، نعم يقال ان عبد الرحمن شاور اهل المدينة ولكن من الذي يضمن لنا انه اخذ بما اشاروا به او ان آراءهم لم تكن متناقضة.

(ثانيا) المتأمل في امر الشورى اذا جرد نفسه من التقليد يعلم انه لم يكن المقصود من الشورى الشورى بل تثبيت خلافة عثمان بطريق قانوني محكم. فالشورى جعلت بين ستة علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف. وقال الخليفة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وهو عنهم راض ثم ذكر لكل واحد منهم عيبا فقال لعلي ما معناه انه ان وليهم ليحملنهم على الطريق الواضح والمحجة البيضاء الا ان فيه دعابة ، وقال لعثمان ان وليهم ليحملن آل ابي معيط على رقاب الناس. وجعل العبرة باكثرية الاصوات فان تساوت رجح الفريق الذي فيه عبد الرحمن بن عوف فان اتفق الاكثر او من فيهم عبد الرحمن على واحد وخالف الباقون قتل المخالف وان مضت ثلاثة ايام ولم يتفقوا على واحد قتل الستة وترك المسلمون

١٥٤

يختارون لانفسهم ولسنا بصدد نقد الشورى من جميع نواحيها بل بصدد بيان ان المقصود منها تثبيت خلافة عثمان بوجه قانوني فانه كان من المعلوم ان عليا لا تكون معه الاكثرية بل اما ان يكون معه صوتان فقط او نصف الاصوات لان المتقين ان من يكون معه هو الزبير وحده او شخص آخر فقط ومعلوم ان عبد الرحمن هواه مع عثمان فلا يمكن ان يختار عليا عند تساوي الاصوات ورجوع الامر إليه ثم لما رجع الامر إليه اراد عليا ان يبايعه على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين فلم يقبل علي الا على كتاب الله وسنة رسوله وقبل عثمان فهل كان ابن عوف يرتاب في أن عليا لا يقبل إلا بالكتاب والسنة فقط وهل كان يشك في ان عثمان لا يمتنع من قبول سيرة الشيخين هذه هي الشورى.

(ثالثا) كون العباس انفذ نظرا واقوى حدسا من علي ليس بصواب. ان نسب الى علي انه قال عنه انه يرى الأمور من وراء الستور ، وقوله وان اعتزلت قدموك يصعب التصديق بانه رأي مصيب فكيف يقدمونه مع الاعتزال ولا يقدمونه مع الدخول بل الحق انه مع الاعتزال مقطوع بعدم تقديمه اما مع الدخول فمحتمل.

(رابعا) لم يقل احد ولم يتوهم احد ان عليا كان يستحق الامر بالارث وقد كرره في كلامه في عدة مواضع وهو من لغو الكلام وانما كان يعلم انه يستحقه بالنص عليه وانما دخل لان للمرء ان يتوصل الى حقه بكل وسيلة.

(خامسا) عقل علي بن ابي طالب كان اكبر من عقله وكان يعلم ان هذا الشرط غير معقول ولا يمكنه الاخذ به لأن سيرة الشيخين ان وافقت الكتاب والسنة اغنيا عنها وان خالفتهما قدما عليها وان كانت فيما لم يرد فيه شيء في الكتاب والسنة كان باب مدينة العلم اعرف بوجوه استنباط حكمه منهما ولذلك اضاف إليهما ـ كما في بعض الروايات ـ واجتهاد رأيي.

(سادسا) ان قريشا لم تكن تخاف من البيت الهاشمي على العرب ولا على العجم وانما كانت تحسد البيت الهاشمي وتعاديه وهذا الذي دعاها الى صرف الامر عنه مع كونها تعرف فضل علي وكفاءته لكل امر عظيم وكيف تخاف قريش ممن

١٥٥

يقول : والله لو اعطيت الاقاليم السبع بما تحت افلاكها على ان اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت ، نعم ربما كانت تخاف عدله ومساواته.

زعمه لم يكن في القرن الاول

من يقدم عليا في الخلافة

قال صفحة (ب س) لم يكن في القرن الاول احد يدعي ان عليا اولى بالخلافة والامر ولم يدع علي لنفسه الاولوية وتقديم بيت النبوة دعوى دخيلة ادخلها اهل المكر الذين تظاهروا بالاهتداء كيدا ولم يكن احد وصيا لنبي في امته.

(ونقول) ما اكثر القائلين بذلك والمدعين له. منهم الصديق الذي قال اقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ، ومنهم بنو هاشم كافة ومنهم الاثنا عشر الذين خالفوا يوم السقيفة ذكرهم الطبرسي في الاحتجاج ومن جملتهم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ومن قوله :

ما كنت احسب ان الامر منصرف

عن هاشم ثم منها عن ابي حسن

أليس اوّل من صلّى لقبلتكم

واعلم الناس بالقرآن والسنن

واقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

ما ذا الذي ردهم عنه فنعلمه

ها ان ذا غبن من اعظم الغبن

وفي جملتهم سلمان الفارسي الذي قال (كرديد ونكرديد) ومن جملتهم ابو الهيثم ابن التيهان وكان بدريا كان يقول يوم الجمل كما في شرح النهج لابن ابي الحديد :

قل للزبير وقل لطلحة اننا

نحن الذين شعارنا الانصار

ان الوصي إمامنا وولينا

برح الخفاء وباحت الاسرار

ومنهم الانصار او بعض الانصار قال الطبري في تاريخه قالت الانصار او بعض الانصار لا نبايع الا عليا ومنهم الزبير الذي كان مع علي حتى شب ابنه عبد الله. وقال ابن ابي الحديد في اوائل شرح نهج البلاغة : ان القول بتفضيل علي قول قديم وقد قال به كثير من الصحابة والتابعين. فمن الصحابة : عمار والمقداد

١٥٦

وابو ذر وسلمان وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وحذيفة وبريدة وابو أيوب وسهل وعثمان ابنا حنيف وابو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وابو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة وكان الزبير من القائلين به في بدء الامر. وكان من بني امية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص ومنهم عمر بن عبد العزيز ا ه.

(اما) علي فقد بلغت دعواه للاولوية عنان السماء وملأت شكواه الفضاء. وحسبك بالخطبة الشقشقية التي لاجلها انكر نهج البلاغة كله او بعضه وكيف لا يدعي لنفسه الاولوية وهو لم يبايع الا بعد وفاة الزهراء. (واما) تقديم بيت النبوة فقد علم مما مر انها دعوى قديمة صحيحة اصيلة لا دخيلة ادعاها جمع من اكابر الصحابة والتابعين. وان دعوى كونها دخيلة ادخلها اهل المكر كيدا هي دعوى دخيلة ادخلها اهل المكر وعلماء السوء كيدا لاهل البيت واتباعهم فزعموا ان اصلها من الفرس الذين دخلوا في الاسلام بقصد الكيد للاسلام الذي ثل عروش ملكهم. وهذا الزعم واضح الفساد فهي موجودة في صدر الاسلام من اكابر المسلمين قبل ان يدخل الفرس في دين الاسلام. والفرس وغيرهم من العجم الذين دخلوا في الاسلام كان دخولهم فيه عن بصيرة ومعرفة وصدق نية وجل علماء من تسموا باهل السنة في كل فن هم من العجم فمن هم من غير العرب الذين دخلوا في الاسلام واظهروا التشيع كيدا للاسلام نبؤنا بهم ان كنتم صادقين.

(اما) نفي الوصاية عن جميع الأنبياء فلم يأت عليها بدليل فهي مردودة عليه بل لكل نبي وصي بالنقل والعقل (اما النقل) فروى ابن بابويه في كتاب اكمال الدين بسنده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث قال اوحى الله الى آدم ان اوص الى شيث فاوصى إليه وهو ابنه هبة الله واوصى شيث الى ابنه مسبان ومسبان الى محليث ومحليث الى محوق ومحوق الى غشميشا وغشميشا الى اخنوخ وهو ادريس وادريس الى ناحور ودفعها ناحور الى نوح واوصى نوح الى سام وسام الى عثامر وعثامر الى برعيثاشا وبرعيثاشا الى يافث ويافث الى برة وبرة الى حقيبة وحقيبة الى عمران وعمران الى ابراهيم الخليل وابراهيم الى ابنه اسماعيل واسماعيل الى إسحاق وإسحاق الى يعقوب ويعقوب الى يوسف ويوسف الى بثريا وبثريا الى شعيب. وشعيب الى موسى وموسى الى يوشع بن

١٥٧

نون ويوشع الى داود وداود الى سليمان وسليمان الى آصف بن برخيا وآصف الى زكريا ودفعها زكريا الى عيسى بن مريم واوصى عيسى الى شمعون بن حمون الصفا وشمعون الى يحيى بن زكريا ويحيى الى منذر ومنذر الى سليمة وسليمة الى بردة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفعها الى بردة الحديث. والمراد في هذا الحديث والله اعلم ان كل نبي كان يوصي الي من بعده فقد يكون من بعده نبيا مثله وقد يكون وصيا والوصي قد يوصي الى نبي بعده اي يرشد الناس الى نبوته. ولا ينافي ايصاء شعيب الى موسى ان موسى جاءته النبوة بعد مفارقة شعيب فهو كان أولا وصيا ثم صار نبيا (والحاصل) ان الارض لا تخلو من حجة منصوب من الله تعالى اما نبي او وصي واذا كان صاحب الوشيعة لا يصدق بهذا الحديث فليس له ان يكذبه ويجزم بان الأنبياء ليس لهم اوصياء ويقول بما لا يعلم (واما العقل) فاذا كان الله تعالى قد امر بالوصية من يخلف مائة درهم مثلا أفلا يأمر بالوصية من يخلف امة عظيمة ان هذا لو صح لكان قدحا في حكمة الله وانبيائه عليهم‌السلام ولله در القائل :

أنبي بلا وصي تعالى الل

ه عما يقوله سفهاها

كيف تخلو من حجة والى من

ترجع الناس في اختلاف نهاها

قال صفحة (ه س) : لو صدق كليمة من اقاويل الشيعة لكان النبي يجهل شيئا يعلمه كل احد في زمنه ولكان الله جاهلا في كل افعاله وكاذبا في اكثر اقواله.

دعها سماوية تجري على قدر

لا تفسدنها برأي منك منكوس

(ونقول) هل يليق برجل ينتسب الى العلم ان يتفوه بمثل هذه الكلمات في حق الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولو علقها على محال بزعمه

وهل يمكن ان يقول ذو ادب

ان كان الامر الفلاني حقا فأمه زانية او زوجته كذا ولو علقه على امر هو غير واقع بزعمه. ولكن هذا الرجل شاذ في جميع اطواره

وقد بينا غير مرة ان الذي تختلف فيه الشيعة عن الاشاعرة الذين تسموا باهل السنة هي مسائل معدودة فان كان باستطاعته ان يبين لنا بالحجة والبرهان ان الحق فيها معه فهو الرجل كل الرجل اما هذه الدعاوى الفارغة والهذيان والعبارات الطويلة

١٥٨

العريضة التي لم يدعمها بحجة ولا برهان والشتائم البذيئة فلا تفيد الا جهل قائلها.

الشيعة اقوالها مدعومة بالحجج والبراهين القاطعة لا تقول الا بالحق ولا تتمسك الا بالصدق بين لنا هذه الأقوال التي تستلزم جهل النبي وجهل الله وكذبه ـ والعياذ بالله ـ ان كنت من الصادقين.

دع عنك تلك الدعاوى لا دليل لها

مثل الجسوم بلا روح ولا روس

وابغ الحقيقة في قول وفي عمل

لا تفسدنها برأي منك معكوس

ثم ذكر الانقلابات في الخلافة الاسلامية وغاية الادارة في الشرع الاسلامي والحكومة التؤقراتية في الاسلام والعقل والنقل واطال في ذلك كله بما استغرق ٢٤ صفحة شنع فيها ما شاء بدعاوى لا يرافقها دليل مما تعرف نماذجه من كلامه السابق والآتي ولا يتعلق غرضنا بالكلام عليه صح أم فسد.

عدم تحريف القرآن

قال صفحة ٢٣ القول بتحريف القرآن الكريم باسقاط كلمات وآيات وتغيير ترتيب الكلمات اجمع عليه كتب الشيعة واخف ما رأيت للشيعة في القرآن الكريم ان جميع ما بين الدفتين في المصحف كلام الله الا انه بعض ما نزل والباقي مما نزل عند المستحفظ لم يضع منه شيء واذا قام القائم يقرؤه للناس كما انزله الله على ما جمعه امير المؤمنين علي واخبار التحريف مثل اخبار الامامة متواترة عند الشيعة من رد اخبار التحريف أو أولها يلزم عليه رد أخبار الامامة والولاية ونسب في صفحة ٦٢ ـ ٦٣ الى المجلسي وصاحب الوافي ان اخبار التحريف متواترة مثل اخبار الولاية واخبار الرجعة ، ثم تعرض في ص ٤٤ لذكر تحريف القرآن واساء القول وجاء بأخشن الكلام على عادته وأساء الأدب الى الغاية في حق امير المؤمنين علي عليه‌السلام وان ابرزه بصورة التعليق مثل قوله ان صح كذا فعلي هو الزنديق أو اذل منافق الى غير ذلك من أمثال هذه العبارات التي اعتادها بحسن أدبه والتي لا يليق ذكرها ولو معلقة على فرض غير صحيح.

١٥٩

(ونقول) : دعوى اجماع كتب الشيعة على ذلك زور وبهتان بل كتب المحققين ومن يعتني بقولهم من علماء الشيعة مجمعة على عدم وقوع تحريف في القرآن لا بزيادة ولا نقصان : وتفصيل الكلام في ذلك انه اتفق المسلمون كافة على عدم الزيادة في القرآن واتفق المحققون واهل النظر ومن يعتد بقوله من الشيعيين والسنيين على عدم وقوع النقص ووردت روايات شاذة من طريق السنيين ومن بعض طرق الشيعة تدل على وقوع النقص ردها المحققون من الفريقين واعترفوا ببطلان ما فيها وسبقها الاجماع على عدم النقص ولحقها فلم يبق لها قيمة وأليك ما قاله رؤساء علماء الشيعة ومحققوهم في هذا الشأن.

كلام الصدوق

قال الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق وبرئيس المحدثين في رسالته في اعتقادات الشيعة الامامية المطبوعة اعتقادنا في القرآن انه ما بين الدفتين وهو ما في ايدي الناس وليس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا إنّا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب ا ه. فهو ينفي وقوع النقصان وينسب عدم وقوعه الى اعتقاد جميع الامامية ويكذب من ينسبه إليهم تكذيبا باتا وإنما لم يقل ولا أقل لأن الزيادة مقطوع بعدمها وليست محل كلام. وصاحب الوشيعة قد رأى رسالة الاعتقادات هذه وقرأها ونقل عنها في آخر صفحة من كتابه ص ١٣٢ فقال : يقول الصدوق محمد بن بابويه في رسالة العقائد : اعتقادنا في الغلاة والمفوضة انهم كفار بالله أضل من جميع أهل الأهواء المضلة وانه ما صغر الله احد تصغيرهم بشيء والأئمة بريئة كل البراءة من اباطيلهم ا ه. ومع ذلك يقول اجمعت كتب الشيعة على تحريف القرآن فكيف لنا ان نطمئن الى شيء من انقاله بعد هذا؟

كلام الشيخ الطوسي

وقال الشيخ محمد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي وبشيخ الطائفة في اوّل كتابه التبيان في تفسير القرآن : اما الكلام في زيادة القرآن ونقصه فمما

١٦٠