نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

كسابقه تمويه وتلبيس فإنه لو صدق قول موسى تركستان هذا لا نتفت فضيلة الجهاد ولما كان للأمر به والحث عليه معنى إذ الله تعالى هو الذي ينجز وعده وينصر عبده ويهزم الأحزاب وحده فالمجاهد والقاعد سواء وهو رد للقرآن الكريم الذي فضل المجاهدين على القاعدين. انجز وعده لنبيه ونصر عبده بوليه وهزم به الأحزاب يوم الخندق بقتله عمرو بن عبد ود والأثر في ذلك لله وحده فهو مسبب الأسباب وخالق القدرة فيمن هزم الأحزاب ومجري الأسباب على أيدي عباده وهذا لا يبطل فضل من أجريت على يده ولا يمنع من قولنا لو لا ضربة علي لما هزمت الأحزاب والفئة لا تغني شيئا ولو كثرت إذا لم يكتب الله لها النصر والتوفيق وهذا ليس معناه أنه ليس للفئة فضل في جهادها ولا يمنع من القول أنه لولاها لما كان كذا.

استشهاده بأدب اليهود وكلام التوراة

ذكر في صفحة (ر) تحت عنوان (عظيم أدب اليهود) ما حاصله : أن اليهود في حرب العمالقة وكانوا قدر مليونين ما أسندوا الغلبة إلى أنفسهم بل بأدبهم اسندوا الغلبة إلى صلاة موسى واستشهد لذلك بكلام للتوراة في سفر الخروج. ثم ذكر أن يوشع كان نبيا بطلا قويا وأطال في مدحه وقال أنه ذكر في العاشر من سفره : (وأخذ يشوع جميع أولئك الملوك وأرضهم دفعة واحدة لأن الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل) وقال صفحة (ش) لا شبهة أن الغلب كان له أسباب عادية إلا أن أدب البطل النبي وأدب كتبة اليهود يوحي أن الرب إله إسرائيل هو الذي حارب عن إسرائيل والغلب من الله بنصر الله لا بقوة أحد. ثم نقل عن نص تثنيه التوراة في الفصل التاسع أن الأمة قوتها وبقاؤها بنبيها وبركته ولولاه لما بقي لها أثر وأن قوة النبي بالله وعونه لا بعونها ولا بسيف فرد منها.

ثم قال ما معناه أن الفصل التاسع من التوراة يشبه قوله تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ـ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ). قال وكل ذلك يدل على أن الله في إقامة دينه غني عن قوة الأمة وعن سيف الافراد ولا يتعلق نجاح دين الله على حياة أحد من عباده وليس الغلب بقوة أحد وإنما هو بنصر الله. ثم استشهد بآيات لا شاهد فيها فقال وهذا الأدب أدب قديم في كل الكتب

١٢١

السماوية وفي القرآن الكريم ومن عظيم أدب القرآن الكريم (١) أن ينسب العبد كل ما له إلى الله. وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله (٢) أن ينسب الله جل جلاله الخير والثواب وكل ما يناله الانسان في حياته إلى الانسان. جزاء بما كنتم تعملون. بما أسلفتم في الأيام الخالية. جمع القرآن هاتين النسبتين إلى أدب البيان وإلى أدب السعي والاجتهاد. وعاد إلى ذلك في صفحة (ث) فانكر وعاب وتحذلق.

(ونقول) : ما لنا وللتوراة المحرفة وأدب اليهود الذي هو مشغوف بالاستشهاد به كثيرا. يكفينا القرآن الكريم وأدب الاسلام فنحن في غنى بهما عن التوراة وأدب اليهود. قال الله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. ولكن هذا لا ينفي فضل الرامي ولا يمنع أن نقول لو لا رميه لما كان كذا. وهو في هذا المقام قد أجاب نفسه بنفسه فاعترف بأن الغلب له أسباب عادية وأن الله تعالى لا يوقع الغلب بقوته القاهرة الخارجة عن العادة وحينئذ فمن جرى الغلب على يده مثل يوشع وصي موسى وعلي وصي رسول الله صلّى الله عليهم وطالوت يكون له المقام الاسمي والميزة على غيره ويكون الغلب بجهاده فيوشع عليه‌السلام بقتاله العمالقة له فضل الجهاد وشرف الشجاعة. والقول بأن الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل لا ينافي القول بأن يوشع عليه‌السلام حارب عن إسرائيل وانتصر على العمالقة ولو لا يوشع وحربه لما انتصر إسرائيل على العمالقة لأن مشيئته تعالى اقتضت أن يكون انتصاره عليهم على يد يوشع ولو لا جهاده لما حصل ذلك الانتصار. والقول بأن إله إسرائيل حارب عن إسرائيل معناه أن الله تعالى هو الذي أوجد يوشع عليه‌السلام وجعل فيه القوة والقدرة وأمره بجهاد العمالقة فانتصر عليهم ولو لا يوشع لما كان هذا النصر لأنه تعالى شاء أن يكون هذا النصر بجهاده وعلى يده تكريما له ورفعا لشأنه مع قدرته تعالى أن يهلك العمالقة بغير واسطة يوشع لكن حكمته اقتضت أن تجري الأشياء بأسبابها العادية. والله تعالى قد مدح طالوت في كتابه العزيز وقال أنه بعثه ملكا على بني إسرائيل ليقتل جالوت فقتله فاستحق المدح والثناء وصح أن يقال لو لا طالوت لما قتل جالوت فقوله والغلب من الله بنصر الله صحيح ، وقوله لا بقوة أحد غير صحيح فالله تعالى كثيرا ما يجعله بقوة آحاد. وفيما نقله عن تثنية التوراة قد أجاب نفسه ورد عليها بنفسه فإذا ساغ أن نقول الأمة قوتها وبقاؤها بنبيها وبركته ولولاه لما بقي لها أثر وقوة النبي

١٢٢

مستمدة من الله وعونه ، ساغ أن نقول أن قوة الاسلام بسيف الوصي ولو لا سيفه لما قوي الاسلام وقوة الوصي مستمدة من الله وعونه أما أن قوة النبي ليست بعون الأمة ولا بسيف فرد منها فخطأ ظاهر إذ لا شك أن معاوية الأمة للنبي تجعل له قوة وسيف فرد منها أو سيوف أفراد تجعل للنبي قوة كما أنه لا شك أن سيف علي بن أبي طالب قوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يشك في ذلك فهذا الكلام إن صح أنه من كلام التوراة وليس محرفا ولم يكن من كلامه فهو محمول على مثل ما مر من أن المؤثر الحقيقي في قوة النبي هو الله تعالى الذي سخر أفراد الأمة وسيوفها لمعونته والدفاع عنه. وإذا كانت قوة النبي ليست بعون الأمة ولا بسيف فرد منها فلما ذا يقول موسى عليه‌السلام : واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري واشركه في أمري ولما ذا قال الله تعالى سنشد عضدك بأخيك. ولما ذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض وهل هذا إلا كقولنا لو لا سيف علي لم يظهر الاسلام ، لو لا العصبية وقلة الانصاف فهو في معنى لو لا هذه العصابة لم تعبد في الأرض وغنى الله تعالى في إقامة دينه وفي كل شيء عن قوة الأمة وسيف الأفراد ثابت لا يشك فيه مؤمن بالله ولا يحتاج إلى الاستشهاد بالآيات ولا بالتوراة أما أن نجاح دين الله لا يتعلق على حياة أحد وليس الغلب بقوة أحد فباطل لأن الله شاء أن يكون نجاح دينه بالأسباب العادية لا بالقدرة الإلهية فقط لذلك جاز أن يعلق نجاح دينه على حياة شخص وجهاده ونصره كما علقه على حياة يوشع وطالوت وعلي بن أبي طالب وغيرهم وهذا لا ينافي غناه تعالى عن قوة الأمة وسيف الأفراد ولا يقتضي افتقاره إلى ذلك كما هو واضح وكون الغلب بنصره تعالى مسلم لكنه بجهاد وليه. وإذا كان نجاح الدين لا يتعلق على حياة أحد فلما ذا قال الله تعالى مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ولما ذا لم يقتصر على التأييد بنصره. والهداية في قوله تعالى (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) هي إراءة الطريق وهي من الله تعالى فليس في الآية إلا بيان الواقع لا تعليم الأدب والآيتان حث على العمل والطاعة ولا ربط لذلك بالأدب فما قاله مع عدم ارتباطه بالمطلوب تطويل بلا طائل وفلسفة باردة وقد علم بما مر أن إنكاره وتحذلقه في صفحة (ث) ليس له محل ولا معنى.

١٢٣

أول من وضع بذر التشيع

وقال صفحة (مه) فيما انتقده على كتاب أصل الشيعة : أما ما يقوله شيخ الشيعة في كتابه أصل الشيعة أن أول من وضع بذر التشيع في حقل الاسلام هو نفس صاحب الشريعة الاسلامية فمغالطة فاحشة خرجت عن حدود كل أدب وابتهار وافتراء على النبي وتحريف للآيات أي حبة بذر النبي حتى أنبتت سنابل اللعن وعقيدة التحريف وان وفاق الأمة ضلال وان الرشاد في خلافها حتى توارت العقيدة الحقة في لج من ضلال الشيعة جم. والشيعة زمن النبي والعترة هم الذين هاجروا معه ونصروه في كل أموره وفيهم نزل (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).

(ونقول) المذكور في كتاب أصل الشيعة دليلا لكون أول من وضع بذر التشيع في حقل الاسلام هو صاحب الشريعة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيما رواه السيوطي في الدر المنثور في تفسير أولئك هم خير البرية ـ في علي : والذي نفسي بيده أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية. وفي الدر المنثور من إخراج ابن عدي عن ابن عباس : لما نزلت ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي أنت وشيعتك يوم القيامة راضون مرضيون. وفيه من إخراج ابن مردويه عن علي قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألم تسمع قول الله ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ا ه.

قال وروى بعضها ابن حجر في صواعقه عن الدارقطني قال وحدث أيضا عن أم سلمة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي أنت وشيعتك في الجنة ، وقال ابن الأثير في النهاية في حديث علي عليه‌السلام قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين.

قال وروى الزمخشري في ربيع الأبرار : يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله تعالى وأخذت أنت بحجزتي وأخذ ولدك بحجزتك وأخذ شيعة ولدك بحجزهم فترى إلى أين يؤمر بنا إلى آخر ما ذكره وكل هذه الروايات مصرحة بشيعة

١٢٤

علي وشيعة ولده والروايات الأولى مصرحة بأن الآية نزلت فيهم فحمله لها على أنها نزلت في الذين هاجروا مع الرسول ونصروه وأنهم هم الشيعة زمن النبي وهم العترة مغالطة فاحشة خرجت عن حدود كل أدب وابتهار وافتراء على النبي وتحريف للآيات ولم يعبر في تلك الروايات بالشيعة حتى يحمل على من ذكره وإنما عبر بشيعة علي وشيعة ولده. وحبة ذلك البذر لم تنبت سنابل اللعن وإنما انبتت سنابله حبة البذر التي مكنت بني أمية من لعن الوصي والسبطين وحبر الأمة ولم تنبت عقيدة التحريف كما سنبينه عند تعرضه له. ووفاق الأمة عندنا هو الرشاد وخلافها هو الضلال إذا لم يخرج عنها سادتها وقادتها أهل البيت الطاهر أحد الثقلين ومثل باب حطة وسفينة نوح. وانما نرجح الحديث الموافق لهم على المخالف عند التعارض لأن الموافق لهم أقرب إلى الصواب كما يأتي عند تعرضه لذلك. والعقيدة الحقة لم تتوار في ضلال الشيعة. وهيهات أن يكون ضالا من اقتدى باهل بيت نبيه الذين لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم واتبع طريقتهم المثلى

حكاية رفع الستار

قال صفحة (كد) : وأجل فرح حصل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر ساعة من حياته إذ رفع الستار فرأى جميع أصحابه يصلون جماعة خلف خليفته الذي أقامه إماما لأمته في دينها ودنياها.

(ونقول) : فضل الخليفة لا ينكر ولا نراه يرضى أن ينسب إليه الفضائل المختلقة ما لنا ولحديث رفع الستار المختلق الذي لم يروه محدث معتمد لا منا ولا منكم ولنرجع إلى ما اتفقنا عليه نحن وأنتم ولندع ما اختلفنا فيه أليس قد اتفقنا على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وهو مريض لا يستقل من المرض يتوكأ على الفضل بن العباس ورجل آخر لم تشأ أن تسميه أم المؤمنين فأتى المسجد والخليفة قد سبق إلى الصلاة بالناس قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس ولندع ما اختلفنا فيه من أنه أخره عن المحراب وابتدأ الصلاة من أولها ولم يبن على صلاته أو أنه كان النبي أمام الخليفة والخليفة إمام الناس لندع هذا كله ولنرجع إلى أمر واحد يكون بيننا وبينكم لننظر ولنتأمل ما الذي دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الخروج للصلاة وهو مريض لا يستقل من المرض يتوكأ على رجلين وقد أوذن

١٢٥

بالصلاة قبل ذلك فلم يخرج ونحن نروي أنه قال إني مشغول بنفسي ليصل بالناس بعضهم وأنتم تروون أنه قال مروا فلانا فليصل بالناس. ما الذي دعاه إلى الخروج في هذه الحالة بعد ما أؤذن فلم يخرج وبعد ما أمر الخليفة بالصلاة بالناس ، أهو قصد تأييد الخليفة أم توهين أمره فإن كان الأول فخروجه قد أتى بضد المطلوب لأنه قد جعل مجالا للظن بأنه إنما خرج ليبطل ما قد يسبق إلى الأذهان من أن التقدم إلى الصلاة كان عن أمره. فلو لم يخرج لكان أبلغ في التأييد فيكون فعله ناقضا لغرضه وحاشاه من ذلك. ثم ان رفع الستار وهذا الفرح العظيم الذي حصل له لا بد أن يكون قبل خروجه إذ بعد خروجه تمت الصلاة ولا محل لرفع الستار وإذا كان قد حصل مراده ومتمناه وما أوجب حصول أجل فرح له فما سبب هذا الخروج وما المقصود منه ، والحق أن أعظم كرب حصل للنبي (ص) في آخر ساعة من حياته حين أمرهم باحضار الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا فلم يفعلوا ولست أدري كيف يكون الأمر بالصلاة لو صح دليلا على الإمامة في الدين والدنيا عند من يجوز الصلاة خلف البر والفاجر.

(نسبته سوء الأدب الى موسى والحسد إلى يونس (ع) وحاشاهما)

قال صفحة (جم) : عبرة بعبرة. العجب أن اليهود كانت تأتي بكل أمر منكر.

وذكر مذام كثيرة لليهود وقال أنها عبدت العجل وموسى وهارون ويوشع بن نون في قيد الحياة. ومع ذلك كانت اليهود تقدس أمة اليهود وتحترمها حتى أن أنبياء اليهود كانوا يلومون الله ويغاضبونه إذا بدا لهم من الله تقصير في أمر اليهود وقد حكى الله في القرآن شيئا من ذلك في موسى إذ يقول (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ). وهذا لوم بليغ عذر الله نجيه فيه لأنه صدر عن حب وفرط من شفقة للسبعين وحبه لأمته وصدق احترامه لليهود في كل أمورها وقد حكى الله أعظم من ذلك في يونس (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) وعذره الله في ذلك حيث لم يكن غضبه إلا لأجل أن يختص الله بهدايته اليهود والحسد وان كان أكبر كبيره عفاه الله عن ذي النون لأنه تمنى به امتياز اليهود بين الأمم بفضل الله وهدايته.

١٢٦

(ونقول) في اعترافه بأن اليهود عبدت العجل وانبياؤها إحياء ، اعتراف بوقوع نظير ذلك في هذه الأمة ـ المعصومة عنده ـ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتتبعن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه. ثم انظر وتأمل في قوله أنبياء اليهود كانوا يلومون الله ويغاضبونه إذا بدا لهم من الله تقصير في أمر اليهود هل يليق أن يقال مثل هذا الكلام في حق الله تعالى وأنبيائه. الله تعالى يقصر في حق اليهود والأنبياء إذا بدا لهم هذا التقصير يلومون الله تعالى ويغاضبونه على تقصيره كما يلوم الرجل ولده أو خادمه أو نظيره ويغاضبه عند تقصيره وأي جاهل ينسب إلى الأنبياء أنهم يظنون أو يعتقدون حصول التقصير من الله تعالى في حق اليهود فيلومونه ويغاضبونه لأجل ذلك والتقصير إذا نسب إلى عبد من عباد الله يكون ذما له فكيف بالله جل جلاله وهل يكون اللوم إلا على فعل غير لائق والمغاضبة إلا على فعل قبيح. ولكن هذا الرجل لا يدري ما يقول أو لا يبالي ما يقول وإذا كان هذا قوله في حق الله تعالى وأنبيائه فلا عجب مما صدر منه في حق الباقر والصادق في مقام آخر. ولا شيء أعجب من نسبة أكبر كبيرة إلى يونس (ع) وهي الحسد وأن الله تعالى عفا عنه ذلك لأنه تمنى بحسده امتياز اليهود بفضل الله وهدايته. فهذا الحسد الذي زعمه إن لم يكن معصية لم يجز نعته بأنه أكبر كبيرة ولم يحتج إلى العفو وإن كان معصية لم يجز صدوره من الأنبياء المعصومين من الذنوب سواء أتمنى به امتياز اليهود أم لا. والحاصل ان الأنبياء بعصمتهم الثابتة بالعقل والنقل منزهون عن أن يسندوا إلى الله فعلا قبيحا غير لائق فيلومونه عليه أو يغاضبونه لأجله ومنزهون عن كل ما ينافي العصمة ويوجب نسبة الذنب ، وإذا ورد في ظاهر النقل ما يوهم ذلك وجب تأويله لأن الحكم المستفاد من العقل قطعي وهو موجب للقطع بعدم إرادة ظاهر اللفظ المخالف له فلا لوم من موسى بن عمران عليه‌السلام لربه وان زعم ذلك موسى تركستان لا بليغ ولا غير بليغ وإنما صدر منه التأسف على ما أصاب قومه والعذر الذي اعتذره موسى عن موسى عليه‌السلام اقبح من الذنب الذي نسبه إليه فإن الشفقة للسبعين وحبه أمته واحترامه لليهود لا يسوغ له نسبة القبيح إليه تعالى وهو نبي من أولي العزم. وأما يونس عليه‌السلام فلما تأخر نزول العذاب على قومه حسبما كان أخبرهم تألم لذلك وتركهم شبه المغاضب الظان عدم القدرة عليه فالكلام مجاز نظير زيد أسد

١٢٧

أو المراد ـ وهو الأظهر المروي من طريق أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ـ فذهب مغاضبا لقومه فظن أن لن نقدر عليه رزقه. وأما امتحانه بابتلاع الحوت فلتركه الأولى من التريث والتأني في أمر قومه كما ابتلي يعقوب بفراق ابنه لتركه الأولى من البحث عن جاره الفقير ، وقوله أني كنت من الظالمين جار هذا المجرى ولم يكن ظالما حقيقة وأجهل الجاهلين لا يمكن أن يظن عدم قدرة الله عليه فضلا عن النبي المرسل. قال المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه الأنبياء : من ظن أن يونس عليه‌السلام خرج مغاضبا لربه من حيث لم ينزل بقومه العذاب فقد خرج عن الايمان في الافتراء على الأنبياء عليهم‌السلام وسوء الظن بهم. وليس يجوز أن يغاضب ربه إلا من كان معاديا له وجاهلا بأن الحكمة في سائر أفعاله وهذا لا يليق باتباع الأنبياء من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله تعالى ورفع درجته. وأقبح من ذلك ظن الجهال وإضافتهم إليه عليه‌السلام أنه ظن أن ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي يصح بها الفعل ويكاد يخرج عندنا من ظن بالأنبياء عليهم‌السلام مثل ذلك عن باب التمييز والتكليف وإنما كان غضبه على قومه لمقامهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من اقلاعهم وتوبتهم فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل العذاب بهم وهو مقيم بينهم فأما قوله تعالى فظن أن لن نقدر عليه فمعناه أن لن نضيق عليه المسلك ، قال الله تعالى : ومن قدر عليه رزقه أي ضيق. الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يوسع ويضيق. فأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه. وإنما لم يخرج من أول الأمر لأن تزول العذاب كان له أجل مضروب فكان يعلم بعدم نزوله قبل الأجل ا ه ومما مر يظهر أن في حالات هذا الرجل عبرا وعبرا لمن اعتبر.

لعن الأموية عليا عليه‌السلام

قال ص (مه) : اللعنات بدعة فاحشة منكرة أحدثتها بيوت متعادية ولعنت الأموية الإمام عليا مدة ولا نشك في أن عليا رابع الأمة أعلم الصحابة فلو لعن علوي أمويا لأمكن أنه من باب (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ).

(ونقول) اللعنات فاحشة منكرة على غير مستحقيها فقد لعن القرآن الكاذبين والظالمين وهذه البيوتات المتعادية كان العداء فيها بين الاسلام والكفر والحق والباطل

١٢٨

وإذا كان علي رابع الأمة واعلم الصحابة فما قولنا فيمن لعنه على المنابر ومعه الحسن والحسين وابن عباس واتخذ ذلك ديدنا واتبعه بنو أبيه عليه أعواما متطاولة نحو سبعين عاما وهم يحملون لقب إمارة المؤمنين واثنان منهم من الصحابة وإذا كان علي رابع الأمة واعلم الصحابة فما قولنا في لعنه معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى بعد وقعة الحكمين وكلهم صحابة وهو يعلم أنهم لا بد أن يقابلوه بالمثل ولم يكن غرا ولا مغفلا وهل تقبل عقولنا أن نحمل ذلك على الاجتهاد فنقول :

ونعرض عن ذكر الصحابة فالذي

جرى بينهم كان اجتهادا مجردا

ونراه فيما سبق يقول وهل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش المسلمين وأفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة رابع الصحابة وهنا يعترف بأنه اعلم الصحابة. وإذا كانت اللعنات بدعة فاحشة منكرة فما بال الأمة المعصومة عنده بين فاعل وساكت.

أصول الدين

قال ص (مه) : اصول الدين وأركانه. جعل القرآن الكريم اصول الدين وأركانه ثلاثة. الإيمان بالله وباليوم الآخر. والعمل الصالح من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا. ثم قال صفحة (وم) وفصل العمل الصالح في القرآن تفصيلات وافية بينة. إلى أن قال صفحة (حم) : وكتب الكلام لها في بيان أصول الإيمان طرق وأساليب تختلف على حسب اختلاف المذاهب. والشيعة الامامية التي أخذت على نفسها أن تعلم الله بدينها والتي تتخذ إيمان المؤمن وسيلة إلى أغراضها واهوائها تقول أصول الايمان ثلاثة (١) التصديق بتوحيد الله في ذاته وصفاته وبالعدل في أفعاله (٢) التصديق بنبوة الأنبياء (٣) التصديق بامامة الأئمة المعصومين ثم لا يكتفون بذلك بل يقولون الايمان هو الولاية لولينا والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا وانتظار قائمنا ثم الاجتهاد والورع ويقولون إنا في الاسلام ثلاثة الصلاة والزكاة والولاية والولاية هي أصل الأركان وأفضل الأركان وفي كل الأركان رخصة لا يوجب تركها الكفر أما الولاية فلا رخصة فيها وتركها في أي حال كفر.

١٢٩

(ونقول) الشيعة الإمامية تؤمن بالله وكتبه ورسله وبكل ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند ربه ولا تعلم الله بدينها كما زعم بل لا تأخذ دينها إلا عن كتاب ربها وسنة نبيها وطريقة أهل بيت نبيها شركاء القرآن ومعادن العلم والحكمة ولا تتخذ إيمان المؤمن وسيلة إلى أغراضها وأهوائها كما افترى بل لا تتبع إلا الدليل والبرهان وهو وسيلتها إلى أغراضها وحاشاها من اتباع الأهواء ولو اتسع لنا المجال لبينا له من هو متبع الأهواء والأغراض وأصول الدين وأركانه لا تقتصر على الثلاثة التي ذكرها بل يضاف إليها الإقرار بالنبوة. والآية التي ذكرها ليست بصدد الحصر كما لا يخفى. أما أصول الدين وأركانه التي يلزم الاعتقاد بها ويتوقف عليها الاسلام عند الشيعة الامامية فثلاثة. التوحيد ، والنبوة ، والمعاد. مع اشتراط عدم إنكار شيء من ضروريات الدين الذي يؤول إلى إنكار أحد الثلاثة فتحقق هذه الثلاثة كاف في ترتب جميع أحكام الاسلام وفقد واحد منها مخل بثبوت الاسلام. أما ما يلزم الاعتقاد به ولكن فقده لا يخل بالاسلام فالعدل والامامة. ولهم في إثبات إمامة الأئمة المعصومين أدلة وبراهين مذكورة في كتبهم الكلامية فإن كان يستطيع نقضها وإبطالها فله الفلج فإذا ثبتت إمامتهم كان التصديق بها من العمل الصالح أو من شروطه ومقوماته وكذلك الولاية لوليهم والبراءة من عدوهم والتسليم لأمرهم وانتظار قائمهم ، والورع والاجتهاد لب العمل الصالح. فبان أن قول صاحب الوشيعة الذي أخذ على نفسه ان يعلم الله بدينه وأن لا يكون في وشيعته شيء من الحق ـ : أن ترك الولاية في أي حال كان كفر عند الشيعة الامامية كذب وافتراء. فترك الولاية لا يوجب الكفر عند أحد من الشيعة ومن مسلمات مذهب الشيعة أن الاسلام يكفي فيه الاقرار بالشهادتين وعدم انكار شيء من ضروريات الدين وليست الولاية من ضرورياته بالبداهة والاتفاق إذ الضروري ما يكون ضروريا عند جميع المسلمين. والاسلام بهذا المعنى هو الذي يكون به التوارث والتناكح وتثبت به جميع أحكام الاسلام عند الشيعة الامامية.

كتب الكلام

قال صفحة (م ط) كتب الكلام قد اطالت الكلام في الامامة من غير فهم ومن غير اهتداء. والشيعة الامامية هي اطول الفرق كلاما في الامامة ولها فيها كتب

١٣٠

مثل غاية المرام في تعيين الامام وكتاب الألفين في الفرق بين الصدق والمين اعدها عارا وسبة للشيعة الامامية مثل كتاب فصل الخطاب في تحريف كلام رب الارباب وهذا الاخير سبة فاحشة للشيعة وان كان له قيمة عندها.

(ونقول) كتب الكلام عند المسلمين قد اطالت الكلام في الامامة من غير فهم ومن غير اهتداء حتى جاءت التوبة إليه ففهم ما لم يفهموه واهتدى الى ما لم يهتدوا إليه فسبحان الله القادر الذي خلق في آخر الزمان من أهل تركستان من فهم واهتدى ما لم يفهمه ولم يهتد إليه فحول علماء الاسلام من أهل علم الكلام امثال القاضي الباقلاني وابن قبة والخواجة نصير الدين الطوسي صاحب التجريد والقوشجي شارحه والعلامة الحلي واصحاب المواقف والمراصد والعقائد النسفية وشراح هذه الكتب ومحشيها وغيرهم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فكان من نتائج هذا الفهم والاهتداء ان اطال الكلام في وشيعته بتكراراته الكثيرة وتعسفاته البعيدة وتمحلاته الكريهة اطالة ممقوتة مملة منفذة للصبر والجلد لم يسبق لها مثيل من غير فهم ومن غير اهتداء. اما عده كتاب غاية المرام وكتاب الألفين عارا وسبة على الشيعة فهو اعظم عار وسبة عليه فغاية المرام كتاب ضخم جمع فيه مؤلفه الأحاديث الواردة من طرق من تسموا بأهل السنة من مشاهير كتبهم ومن طرق من عرفوا بالشيعة في فضل علي امير المؤمنين عليه‌السلام واثبات إمامته وكتاب الألفين فيه الفا دليل على إمامته فأي سبة وعار في ذلك ان لم يكن موضع الفخر. واما فصل الخطاب فلا قيمة له عند الشيعة وقد كتبوا ردا عليه في حياة مؤلفه وستعرف عند التكلم على مسألة التحريف ان ما فيه باطل عند الشيعة وهو يفتري ويقول له قيمة عندها.

حديث المنزلة

قال صفحة (م ط) : منزلة هارون من موسى لما عزم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الخروج الى تبوك استخلف عليا على المدينة وعلى اهله فقال علي ما كنت اوثر ان تخرج في وجه إلا وأنا معك فقال أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي : تقول الشيعة وكتب الكلام ان عموم المنزلة يقتضي المساواة ولا ريب ان

١٣١

هارون لو بقي بعد موسى لم يتقدم عليه احد. سند الحديث ثابت والامة والشيعة قد اتفقت على هذا الحديث.

وقال صفحة (ن) حديث المنزلة ثابت صحيح تلقته الشيعة والامة بالقبول.

ثم قال صفحة (ن) وهذه المنزلة هي الخلافة عند غيبته القصيرة في امر جزئي وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي واصلح الآية. ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي اضطراب الامور في خلافته القصيرة حتى القى الالواح واخذ برأس اخيه يجره إليه ، وللامام علي في خلافته بعد الثلاثة من هذا الشبه حظ عظيم لم يستقم له امر كما لم يستقم لهارون في خلافته القصيرة امر بني اسرائيل حتى عبدوا العجل الذي تسند التوراة صوغه الى هارون نفسه والقرآن قد برأ هارون وان كان لعلي عند ادعياء الشيعة نصيب من هذه المنزلة التي ابتهرها اليهود على هارون. ثم نقل صفحة (ن) وصفحة (ان) وصفحة (ب ن) عن التوراة ما حاصله : ان هارون وكل بنيه لم يكن لهم نصيب في ارض اسرائيل ولم يكن لكاهن ولا لاوي حظ في الرئاسة لم يكن لهم الا خدمة خيمة الاجتماع لم يكن لموسى وهارون ولا لا بنائه شيء من الدنيا وانما لهم الله وكل ما في السماء ، وقال انها عبارة سماوية يعجبني غاية الاعجاب بلاغتها وعلو معناها وهي تحقيق لقول كل رسول لكل امة وما اسألكم عليه من اجر ان اجري الا على رب العالمين. وفي التوراة ان موسى قد حرم ان يرى شيئا من الرئاسة وانه قد خلع ثياب هارون المقدسة وصار هارون محروما من كل حق له ولو بقي بعد موسى لما كان له شيء وان يوشع صار قائدا لا بالاستخلاف بل تنازل له موسى عن كل حقوقه وعزل لاجله هارون بعد ان حرم الله موسى وهارون من حق العبور وكل ذلك مفصل في الخروج والعدد والتثنية من اسفار التوراة فقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاخيه علي أما ترضى ان تكون الخ يدل دلالة قطعية على ان عشيرة النبي وعليا واهل البيت ليس لهم نصيب وسط الامة وليس لاحد منهم لا لعلي ولا لأولاده ولا لعباس ولا لأولاده حق من جهة النسب لم يكن لاهل البيت نصيب الله هو نصيبهم. وهذا ليس بحرمان وانما هو رفع لعظيم اقدارهم وشريعة مقدسة في كل رسالة. وقال في صفحة (ن) لم يكن لاحد من عشيرة النبي حق في

١٣٢

الخلافة نعتقد ان الله صرف الدنيا والخلافة عن اهل البيت اكراما لاهل البيت وتبرئة للنبوة ولبيت النبوة (الى ان قال) وكل من نال خطا من الملك والرئاسة من بيوت العرب في تاريخ الاسلام قد صدق فيهم قول القرآن الكريم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) وهذه الآية اتى تأويلها في البيت الاموي والعباسي في افجع صورة ومن حام حول الحمى اوشك ان يقع فيه فلاجل ذلك صرف الله الخلافة عن عشيرة النبي وابنائه تبرئه لنبيه عن ابعد التهم ورفعا لقدر ابنائه اختارهم واصطفاهم لنفسه والله وحده وعرشه هو نصيب اهل البيت في الدنيا.

(ونقول) في كلامه هذا العريض الطويل الخالي عن التحصيل مواقع للعجب والرد (أولا) انه لما عزم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على غزاة تبوك خلف عليا عليه‌السلام على المدينة لانه علم بالوحي انه لا يكون في هذه الغزاة حرب والا لم يخلفه ولم يكن به غناء عنه في جميع غزواته ولا سد احد مسده في بدر وأحد والخندق وخيبر وغيرها فقال المنافقون انما خلفه استثقالا به فشكا ذلك علي الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي. وهو اختصر الكلام مقدمة لتصغير امر المنزلة وتهوينه بانها امر جزئي بمدة قصيرة.

(ثانيا) تكرر منه مقابلة الامة بالشيعة وليس له في ذلك معذرة مسموعة وما دعاه إليه الا حاله المعلومة وامة يخرج منها اهل البيت وشيعتهم ليست بامة.

(ثالثا) حديث المنزلة الذي اعترف بصحة سنده واتفاق جميع المسلمين عليه دال دلالة واضحة على عموم المنزلة بقرينة الاستثناء فانه اخراج ما لولاه لدخل كما ذكره اهل العربية فلو لم يدل على العموم لما احتيج الى الاستثناء ولما صح الاستثناء فلما استثنيت النبوة بقي ما عداها على العموم فيما عدى المستثنى ولكنه نسي ذلك او تناساه وهارون كان شريكا لموسى عليهما‌السلام في النبوة ولو بقي بعد موسى لكان نبيا لكنه مات في حياة موسى فلو لم تستثن النبوة لكان علي شريك محمد فيها وببقائه بعده يكون نبيا بعده وخليفته في امته فلما استثنيت النبوة علمنا انه ليس بنبي وبقي ما عدا ذلك على العموم ومنه خلافته بعده المجردة عن النبوة ولو لم يكن عموم المنزلة دالا

١٣٣

على ان عليا له منزلة هارون بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما احتيج الى استثناء النبوة بعده وهذا بمكان من الوضوح فاستثناء النبوة بعده يدل على عموم المنزلة وتخصيصها بالخلافة القصيرة عند غيبته وباضطراب الامر عليه تخصيص بلا مخصص وثبوت ذلك له لا ينفي ما عداه

(رابعا) زعمه ان لعلي ادعياء الشيعة نصيب من منزلة هارون التي ابتهرتها اليهود عليه من صوغ العجل افتراء وبهتان وهو اولى بان يكون دعي المسلمين.

(خامسا) قد اولع بالاستشهاد لدعاويه بكلام التوراة كما فعل هنا وفي عدة مواضع فهل ندع كلام القرآن ونصوصه ونتبع عبارات ينقلها هو عن التوراة المنسوخة المحرفة لا نعلم صحتها : ولا نفهم دلالتها. يقول الله تعالى في سورة طه حكاية عن موسى عليه‌السلام لما اراد ارساله الى فرعون (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فاجابه الله تعالى بقوله (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) الى ان قال (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) الى ان قال (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) دلت هذه الآيات الكريمة على ان هارون الذي هو اخو موسى ومن اهله ونسبه وزير لموسى وناصر شاد لازره وشريك له في النبوة والرسالة ولو بقي بعده لكان نبيا ودل قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي الذي اعترف المؤلف بصحته أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي على ان لعلي من الرسول هذه المنزلة التي كانت لهارون من موسى وهي انه اخوه ووزيره من اهله وناصره وشاد ازره وشريكه في امره وقد كان علي كذلك فهو ان لم يكن اخا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النسب فهو اخوه بالمؤاخاة وهو وزيره بنص القرآن لا من تدعى له الوزارة غيره وشاد ازره وناصره نصرا لا يبلغه نصر هارون لموسى وشد ازره وشريكه في امره فهذا النبي وهذا الوصي بعده وهذا الداعي الى الحنيفية وهذا داعم دعوته بسيفه وجهاده ولم يستثنى من هذه المنزلة الا النبوة بعده كما مر في الامر الثالث.

(سادسا) هذه العبارة التي اعجبته غاية الاعجاب بلاغتها وعلو معناها وزعم انها تحقيق لقول وما اسألكم عليه من اجر «الخ» كلامه فيه كرحى تطحن قرونا

١٣٤

جعجعة بلا طحن فهذا الذي استشهد به من كلام التوراة وزعم انه محقق لعدم سؤال الاجر لا مساس له بالموضوع فاذا كان هارون وابناؤه ليس لهم نصيب في ارض اسرائيل وليس لهم شيء من الدنيا وكانوا زاهدين فيها قانعين فهل يدل ذلك على انه ليس لهم شيء من النبوة والخلافة والامامة حتى نقيس عليهم عشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونقول ليس لهم حق في الخلافة والامامة لان عليا بمنزلة هارون بل زهدهم في الدنيا وكونهم ليس لهم شيء منها يحقق إمامتهم وخلافتهم فما زال انبياء الله واوصياؤهم زاهدين في الدنيا راغبين عنها فهارون شريك موسى في النبوة مع كونه ليس له شيء من الدنيا فاذا كان اهل البيت ليس لهم شيء من الدنيا هل يقتضي ذلك ان لا يكون لهم خلافة وإمامة والامامة والخلافة باعتقادنا منصب ورئاسة في امور الدين والدنيا من الله تعالى وليست ملكا وسلطنة فسواء أكان لصاحبها نصيب في حطام الدنيا أم لم يكن لا يخل ذلك بامامته والتوراة بنقل المؤلف تقول انه ليس لموسى وهارون وابنائه شيء من الدنيا وانما لهم الله وكل ما في السماء. وموسى عليه‌السلام كان نبيا من اولي العزم وهارون شريكه في نبوته ومع ذلك حكمت التوراة انه ليس له ولا لهارون شيء من الدنيا فهل الخلافة والامامة اعلى درجة من النبوة حتى يمتنع ان يكون الامام ليس له شيء من الدنيا. هذه هي العبارة التي اعجبته غاية الاعجاب بلاغتها وعلو معناها وقال انها تحقيق لقول (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) وكونها تحقيقا لهذا القول يثبت انه ليس لها ولا لهذا القول مساس بالموضوع فهل كون علي واولاده لهم الخلافة والامامة من الله بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل الرسول سائلا على رسالته من الناس اجرا ويكون اجره عليهم لا على رب العالمين.

(سابعا) قوله ان في التوراة ان موسى قد حرم ان يرى شيئا من الرئاسة هو من غرائب الاقوال واي رئاسة اعلى واعظم من النبوة نبوة اولي العزم وان اريد السلطنة والملك والاحتواء على حطام الدنيا فهذا كما لا يضر بالنبوة لا يضر بالخلافة والامامة بل يحققهما ويؤكدهما والامامة فرع النبوة والفرع لا يزيد على اصله.

(ثامنا) قوله ان موسى قد خلع ثياب هارون المقدسة وصار هارون محروما من كل حق له ولو بقي بعد موسى لما كان له شيء هو كسابقه فهل النبوة رئاسة بلدية من

١٣٥

قبل الحاكم لصاحبها شارة وثياب مقدسة وينعزل صاحبها بالعزل وتخلع عنه شارتها وثيابها المقدسة. مع ان هذا يكذبه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا انه لا نبي بعدي الذي اعترف المؤلف بالاتفاق على صحته فانه لو لم يكن هارون اذا بقي بعد موسى يكون نبيا لم يكن لهذا الاستثناء معنى كما مر. ومثله قوله ان يوشع تنازل له موسى عن كل حقوقه وعزل لأجله هارون فهل حقوق النبوة تسقط بالاستعفاء والتنازل والأنبياء يعزلون ويعين مكانهم غيرهم هذه نتيجة اعراضه عن آيات الذكر الحكيم وتمسكه بالمترجم والمحرف والمنسوخ.

(تاسعا) ظهر مما مر ان حديث المنزلة يدل دلالة قطعية على ان عليا احق بالخلافة والامامة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كل احد وان من الواضح انه لا دلالة له على ما ادعاه من حرمان عشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الطالبيين والعباسيين وابنائهم من حق الخلافة لا بدلالة قطعية ولا ظنية وان دعواه ان ذلك شريعة مقدسة في كل رسالة افتراء على الشرائع المقدسة والرسالات المطهرة.

(عاشرا) قوله ليس لاحد منهم حق من جهة النسب ليس بصواب فان اراد به مجرد النسب فلم يقل احد ان استحقاق الخلافة يكون بمجرد النسب فنحن نقول انه بالفضل والوحي الإلهي وغيرنا يقول انه باختيار الامة وان اراد انه ليس للنسب مدخل في ذلك فليس بصحيح للاتفاق من الكل على ان للنسب مدخلا فنحن نقول بانحصارها في علي وولده وانتم تقولون بانحصارها في قريش وقد احتج المهاجرون على الانصار يوم السقيفة بانهم عشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولذلك قال امير المؤمنين علي عليه‌السلام لما بلغه ذلك ما معناه :

ان تكن الخلافة بالقرابة فالحجة لنا

والا فالانصار على دعواهم

وقال :

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى وليت عليهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وجاء في الحديث المتفق عليه الائمة من قريش.

(حادي عشر) اذا لم يكن لهارون وابنائه شيء من الدنيا وانما لهم الله واذا كان

١٣٦

هارون صار محروما من كل حق له بعد موسى ومعزولا. وعلي بمنزلة فكيف صار رابع الخلفاء وكيف صار ولده الحسن خليفة بعده وكيف ادخله الخليفة الثاني في الشورى وكيف طالب بالخلافة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيف امتنع عن مبايعة الخليفة الاول مدة هذا يكذب ان منزلة علي منزلة هارون.

(ثاني عشر) قوله هذا ليس بحرمان وانما هو رفع لعظيم اقدارهم دعوى غريبة ومهزلة في بابها عجيبة حرمانهم من الإمامة التي هي رئاسة عامة في امور الدين والدنيا ليس بحرمان بل رفع لعظيم اقدارهم واي رفع لعظيم اقدارهم اعظم من ان يكونوا محكومين لا حاكمين ومأمورين لا آمرين يحكم فيهم من لا يساوي شسع نعالهم ويضطهدهم ويغصب حقوقهم من لا يماثل تراب اقدامهم امثال زياد وابنه الدعيين.

محلئون فاصفى وردهم وشل

عند الورود واوفى وردهم لمم

(ثالث عشر) اذا كان الله قد صرف الدنيا والخلافة عن اهل البيت اكراما لهم وتبرئه لنبيه ولبيت النبوة عن ابعد التهم ولان من حام حول الحمى اوشك ان يقع فيه فيلزم ان تولي من تولى الخلافة من الخلفاء الراشدين كان اهانة لهم فانه اذا كان صرف الخلافة عن شخص اكراما له كان صرفها الى غيره اهانة له بالبداهة وعلي سيد أهل البيت فكيف ولي الخلافة ولم تصرف عنه اكراما له وتبرئة من التهمة وكذلك ولده الحسن منطق معكوس وحجة تثبت ضد المطلوب. اذا كان اهل البيت اهلا للخلافة ـ وهم أهل ـ لم يكن في خلافتهم وصمة على النبوة ولا على بيت النبوة ليكون صرفها تبرئة لهم بل كان صرفها عنهم وصمة وعارا.

(رابع عشر) اذا كان الله تعالى قد اختار اهل البيت واصطفاهم لنفسه فمن هو احق منهم بمنصب الامامة والخلافة ولم حرمهم الله منها وهم خيرته واصفياؤه وهل ذلك يوجب حرمانهم منها كلا الا عند موسى جار الله الذي تثبت مقدماته دائما ضد مطلوبه.

(خامس عشر) اذا كان كل من نال ملكا ورئاسة من بيوت العرب في

١٣٧

الاسلام صدق فيهم آية فهل عسيتم «الخ» شمل ذلك كل من تسمى باسم الخلافة اذ لا رئاسة ولا ملك اعلى منها والآية خطاب لجميع الامة لا تختص بالبيت الاموي والعباسي ، واذا كان تأويل هذه الآية اتى في البيت الاموي والعباسي في افجع صورة وقد دامت الدولتان ما يزيد على ستمائة سنة الاموية نحو (٩١) سنة والعباسية نحو (٥١٨) سنة فاين كانت الامة المعصومة على رأي موسى جار الله طيلة هذه المدة وكيف مكنت لهاتين الدولتين من الفساد في الارض في افجع صورة وهل كان ذلك من آثار عصمة الامة ونزاهتها وما هو مقدار الزمان الذي تبلغ الامة فيه رشدها عند موسى جار الله الا يكفي فيه ٦٠٠ سنة. وما ذا يقول فيمن ولي الخلافة من البيت الاموي وهو صحابي مقدس.

ما جرى بعد حجة الوداع

قال صفحة (ب ن) تقول تثنية التوراة : دعا موسى يوشع وقال له امام اعين جميع اسرائيل تشدد وتشجع لانك انت تدخل مع هذا الشعب الارض التي كتب الله لكم وانت تقسمها لهم والرب سائر إمامك لا يهملك ولا يتركك. وسار سيرة صاحب التوراة هذه صاحب القرآن في آخر ايام حياته فبعد حجة الوداع جهز جيشا الى الشام يزيد على ثلاثة آلاف فيهم اعيان الصحابة من المهاجرين والانصار بقيادة اسامة وقال سر الى مقتل ابيك بمؤتة بمشارف الشام واشتد مرض النبي في اوّل ربيع الاول وامر الصديق بالصلاة وبتنفيذ جيش اسامة وقال تشددوا وتشجعوا لا تخافوا ولا ترهبوا ان الله معكم فالصديق في امة محمد مثل يوشع في امة موسى. وقال صفحة (ز ن) واذا اشتد مرضه امر الصديق ان يصلي بالناس وبتنفيذ جيش اسامة واذ وجد قوة ونشاطا خرج وجلس عن يمين الصديق مقتديا بصلاته وفي سائر الايام كان يصلي داخل البيت مقتديا به.

(ونقول) ـ أوّلا ـ الصواب ان يقال سار سيرة صاحب التوراة هذه صاحب القرآن في آخر ايام حياته بعد حجة الوداع لما انزل عليه (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)

١٣٨

فنزل بمكان يدعى غدير خم بين مكة والمدينة وهو اذ ذاك ليس بموضع يصلح للنزول لعدم الماء والكلأ فيه وجمع الناس في حر الظهيرة قبل ان يتفرقوا الى بلادهم وصعد على منبر من الاحجار فوقها الاحداج ومعه علي واخذ بضبعيه ورفعهما ليراه الناس ويتحققوه وقال امام اعين جميع من حضر وهم ألوف ألست اولى بكم من انفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار فقال له بعض اكابر الصحابة بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ثم افرد له خيمة وامر الناس ان يدخلوا عليه فيبايعوه بامرة المؤمنين فبايعه الناس رجالا ونساء وبايعه ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستأذن حسان بن ثابت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يقول في ذلك شيئا فاذن له فوقف على نشز من الارض وقال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم واسمع بالنبي مناديا

فقال ومن مولاكم ووليكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وانت ولينا

ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فانني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له اتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

وفي ذلك يقول ابو تمام الطائي :

ويوم الغدير استوضح الحق اهله

بفيحاء ما فيها حجاب ولا ستر

اقام رسول الله يدعوهم بها

ليقربهم عرف وينآهم نكر

يمد بضبعيه ويعلم انه

ولي ومولاكم فهل لكم خبر

وفي ذلك يقول ابو فراس الحمداني :

قام النبي بها يوم الغدير لهم

والله يشهد والاملاك والامم

(ثانيا) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جهز جيشا بعد رجوعه من حجة الوداع لما احس بالمرض بقيادة اسامة الشاب وامره على وجوه المهاجرين والانصار ومنهم الصديق وقال سر الى

١٣٩

مقتل ابيك بمؤتة وكان يأمر وقد اشتد به المرض بتجهيز جيش اسامة ويذم من تخلف عنه ولكن الجيش لم يجهز ولم ينفذ وبقي معسكرا بالجرف حتى توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ذا لم يجهز ولم ينفذ فهو قد اخطأ في تمثيل الصديق بيوشع لان يوشع كان مؤمرا على الجيش والصديق لم يكن مؤمرا بل كان اسامة مؤمرا عليه وجيش يوشع جهز ونفذ وجيش اسامة لم يجهز ولم ينفذ بل الصواب ان عليا في امة محمد مثل يوشع في امة موسى فكما اقام موسى يوشع لاسرائيل بعده اقام محمد عليا يوم الغدير إماما لامته بعده وكما حاربت يوشع زوجة موسى بعده حاربت عليا زوجة محمد بعده.

(ثالثا) الصواب انه لم يأمر احدا بعينه بالصلاة وانه لما أؤذن بالصلاة قال اني مشغول بنفسي فليصل بالناس بعضهم فطلبت كلتا زوجتيه ان يأمروا اباها بالصلاة فلما سمع ذلك تحامل وخرج الى المسجد متوكئا على علي والفضل بن العباس ورجلاه تخطان الارض وهذا يدل على انه خرج في شدة المرض لا انه وجد خفة فوجده قد ابتدأ الصلاة فنحاه عن المحراب وصلّى بالناس جالسا ولم يبن على ما مضى من صلاته وبعضهم اراد الاعتذار عن ذلك فقال انه كان مؤتما بالنبي وسائر الناس به مع ان مثل ذلك لم يشرع في الاسلام اما انه اقتدى بالصديق في صلاته واقتدى به وهو في حجرته فمن الاكاذيب الملفقة والنبي افضل الخلق لا يقتدي باحد والصديق اعظم ادبا من ان يقبل ذلك.

(رابعا) لينظر الناظر وليتأمل المتأمل ما الذي دعاه الى تجهيز الجيوش وهو مريض مشغول بنفسه عن تجهيز الجيوش.

تأويله حديث الغدير بتأويل فاسد

ذكر في صفحة ١٩٠ آية النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم ثم قال روت كتب الشيعة عن ائمة اهل البيت : من مات وترك دينا فعلينا دينه وإلينا عياله ومن مات وترك مالا فلورثته. وروت كتب الامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انا اولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك ما لا فلورثته ومن ترك كلا دينا او ضياعا فالي وعلي وهذا البيان في معنى الولاية اتفقت عليه كتب الشيعة وكتب الامة وهذا احسن بيان للآية واسمى معنى للولاية واشرف وظيفة للنبي وعلى الامام بعده وعلى الامة. ثم هذا اصوب تفسير

١٤٠