نقض الوشيعة

السيّد محسن الأمين العاملي

نقض الوشيعة

المؤلف:

السيّد محسن الأمين العاملي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤١٦

تفرقهم عن مسلم بن عقيل فلا تزيد حالهم عن حال المسلمين الذين فروا يوم أحد وحنين وجبنوا يوم الخندق.

(ثانيا) : اذا كان شيعة الكوفة قد اسلموه فغيرهم من المسلمين قد خذلوه ولم ينصروه واذا كان الشيعة غير معذورين في عدم نصرهم فالأمة جمعاء التي يتغنى موسى جار الله دائما بذكرها ويدعي عصمتها اقل عذرا بتمكينها يزيد الخمير السكير من الخلافة الاسلامية حتى تمكن من قتل الحسين وفعلها اشنع وافحش فكيف كان ذنب خذلانه على الشيعة دون غيرهم واذا فات غيرهم نصره فلم لم يأخذوا بثأره ولم لم يخلعوا يزيد وهم يرون قبيح افعاله ولم لم ينتصروا لآل الحسين وهم يساقون سبايا الى الكوفة والشام وهل كان لهم عذر في ذلك عنده دون الشيعة وقد قال اهل الشام ليزيد لما استشارهم فيها يصنع بهم لا تتخذن من كلب سوء جروا.

(ثالثا) : قوله بكل اهانة سوء أدب منه فما قتل الحسين عليه‌السلام إلا قتلة عز وشرف ومجد .. وهو الذي اختار موت العز على عيش الذل فلا يسوغ القائل ان يقول في حقه بكل اهانة مهما قصد ومهما اراد.

(رابعا) : تعبيره بجيش الدولة الإسلامية وقوة الدولة الإسلامية غير صواب فالاسلام بريء من هذه الدولة المؤسسة على الفجور وشرب الخمور واللعب بالطنبور وانكار البعث والنشور والانتقام للشرك من الاسلام والأخذ بثأر من قتل على الشرك يوم بدر. نعم كان ذلك بجيش دولة تنتسب الى الإسلام وليست منه في شيء.

(خامسا) قوله قتله جيش الدولة الإسلامية الخ. وقوة الدولة الإسلامية هي التي قتلته «الخ» مع كون جيش الدولة وقوتها هو جيش الأمة وقوتها يناقض ما يأتي منه ومن ان الأمة معصومة قد بلغت رشدها.

(سادسا) : قوله دعوى الشيعة مثل دعوة الكوفة «الخ» خداع منه وإرادة لعيب الشيعة بالباطل فدعوى الشيعة مبنية على الدليل والبرهان لا يشوبها نفاق ولا خداع ولا خذلان. اما دعواه هو فليس مثلها دعوى في ظهور البطلان وعدم استنادها الى دليل أو برهان.

والدعاوي ما لم تقيموا عليها

بينات ابناؤها ادعياء

ونعيد له هنا ما مر من ان عمدة الخلاف بيننا في امور محصورة معلومة فإن

١٠١

قدرت ان تثبت لنا ان الحق فيها معك نكون لك من الشاكرين ، واما هذه الدعاوي الفارغة والكلمات الخشنة فليس فيها إلا الضرر ودعوة الكوفة قد عرفت حالها فهذا التشبيه منه محض عداوة وسوء قول بالباطل وتفريق للكلمة.

(سابعا) : قوله أنا لا اكفر يزيد ولا ألعنه ، وتعليله بما ذكره تحذلق بارد فلا شيء اشنع وافحش من الكفر واسلام الشيعة الذي يقوله قد عرفت حاله. وقائد الجيش اذا كان فعله اشنع وافحش من كفر يزيد اضعافا مضاعفة فما يصنع بما في تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٤٥٠ عمر بن سعد بن أبي وقاص قال العجلي كان يروي عن ابيه احاديث روى الناس عنه وهو تابعي ثقة وهو الذي قتل الحسين ا ه. أفهذا من جملة نقد الأمة الأحاديث الذي يدعيه فيما يأتي؟

(ثامنا) : ان قتل الحسين لم يحصل بفعل ذلك الجيش وحده وقائديه بل هو مسبب عن افعال تقدمته :

سهم اصاب وراميه بذي سلم

من بالعراق لقد ابعدت مرماك

اصابك النفر الماضي بما فعلوا

وما المسبب لو لم ينجح السبب

تالله ما كربلاء لو لا السوابق وال

اقوام تعلم لو لا النار ما الحطب

(تاسعا) : قوله وان قال قائل «الخ» يتلخص في ان الشيعة تقول ان الحسين قتل في حرب أثارها هو وهو يقول انه قتل في حرب اثارتها الشيعة التي دعته ثم خذلته وكلا القولين تبرئة ليزيد اذا فرأيه المصيب ان تبعة قتل الحسين انما هي على الشيعة ويزيد بريء من تبعته فليهنأ هذا العصر الذي ظهر فيه موسى التركستاني بهذه الآراء الصائبة التي ادت به الى تبرئة يزيد من قتل الحسين. اما ان الشيعة دعته ثم خذلته فقد مر الكلام فيه فلا نعيده ، واما ان الشيعة تقول ان الحسين قتل في حرب أثارها هو فيكذبه قول امام علماء الشيعة الشريف المرتضى في كتابه تنزيه الأنبياء والأئمة ، ان سيدنا أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام لم يسر طالبا للكوفة إلا بعد ان توثق من القوم وبعد ان كاتبوه طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين وبذلوا له الطاعة وكرروا الطلب والرغبة ورأى من قوتهم على واليهم وضعفه عنهم ما قوى في ظنه ان المسير هو الواجب ، ولم يكن في حسابه ان القوم يغدر بعضهم ويضعف أهل الحق عن نصرته

١٠٢

وأسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة والاتفاق عكس الأمر وقلبه فأين قوله وافتراؤه ان الشيعة تقول ان الحسين قتل في حرب أثارها هو؟.

(عاشرا) : تسويته بين الأمرين قتل الخليفة الثالث وقتل الحسين غير صواب فالخليفة الثالث قتل في سبيل امور نقمت عليه وكان مروان يفسد اموره والحسين قتل في سبيل العز والشرف والإسلام. قتل في سبيل عدم مبايعته لكفور فاسق فاجر مسرف مفسد ماجن وشتان ما بينهما.

(حادي عشر) قوله لم يكن البكاء على الشهداء «الخ» هذه العبارة مع عجمتها وعدم وضوح جميع المراد منها اشبه بكلام المبرسمين فالبكاء على شهداء كربلاء ـ الذين يغلب على الظن انه ارادهم ـ كان حبا وولاء واقتفاء واقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي بكى عليهم قبل قتلهم في جماعة اصحابه فيما رواه الماوردي الشافعي في اعلام النبوة وبأئمة أهل البيت الذين فعلوا ذلك وامروا به شيعتهم ومواليهم كما اوضحناه في كتاب اقناع اللائم ولم يكن احتيالا لشيء ولا مكرا ودهاء وتقية كما صورت له مخيلته ودين الأمة لا يمكن ان يكون ارفع مما فعله أهل بيته وامروا به.

قال صفحة (ل) في الوافي عن الكافي عن الصادق ان الوصية نزلت على محمد كتابا مختوما بخواتيم من ذهب دفعه الى علي فتح علي الخاتم الأول وعمل بما فيه والحسن فتح الثاني ومضى لما فيه فلما فتح الحسين الثالث وجد قاتل واقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك.

قال : ولا أرى إلا ان الشيعة لم تضع على لسان الصادق هذا الحديث إلا احتيالا الى التخلص من خزي الخذلان المخزي ولا خلاص ولات حين مناص لأن خروج الإمام الحسين عليه‌السلام لو كان بكتاب من الله مختوم بذهب لاستعدّ له عملا بقول الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) الآية ولرفع الراية وحولها قوته على حد قول الله : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) لأن الأمر الإلهي لا يكون إلا بالتأييد وعلى حد قوله (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) الآية ، ولكان جواب الإمام لشيعة الكوفة «فأعرض عنهم» لأن شيعة الكوفة قد جربها ابوه واخوه وما كان الحسين لينسى قول ابيه في الشيعة الذليل من نصرتموه «الخ» ولو صح نهج البلاغة لكان يعلمه الحسين واكثر خطبة

١٠٣

شكوى ولعنة وهل كان يخذل عليا إلا شيعته ولعلي كلمات مرة خطابا للشيعة وهي كلها صادقة اخفها واحقها ما في ص ١٨٣ ج ٢ شرح ابن أبي الحديد. وقال صفحة (س د) وقلما خلت خطبة من ذم لشيعته وشكوى.

(ونقول) تكذيبه ان ينزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصية فيها ما يجب ان يعمله آله بعد موته لا يستند الى دليل سوى الاستبعاد الناشئ عن جهله بمقام أهل البيت وعظيم قدرهم اتباعا لما اعتاده والفه. ورأيه ان الشيعة وضعت هذا الحديث على لسان الصادق احتيالا الى التخلص من خزي الخذل رأي أفين (أولا) لأن الشيعة ليس من دأبها الوضع ولا العمل بالموضوع ـ وان زعم المفترون ـ ولا تأخذ إلا بما رواه الثقات عن الثقات كما يعلم ذلك من مراجعة كتب الدراية وكتب اصول الفقه لها (ثانيا) رواة هذا الحديث متأخرون عن قتل الحسين عليه‌السلام بمئات السنين وهم لم يخذلوا الحسين ليحتالوا الى التخلص من خزي خذله (ثالثا) ان خزي الخذل المخزي لا يلحق بالشيعة وهم بريئون منه كما اوضحناه فيما سبق. وإنما خزي الخذل المخزي هو على الأمة المعصومة عند التركستاني التي خذلت ابن بنت رسول الله ومكنت يزيد الفاجر من قتله كما خذلت اباه واخاه من قبل كما قال المعري :

أرى الأيام تفعل كل نكر

فما انا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسينا

وكان على خلافتكم يزيد

(قوله) لو كان خروج الحسين بكتاب من الله لاستعدّ له الخ ، فيه أنه استعد لذلك جهده فكاتب أهل البصرة وكاتبه أهل الكوفة وارسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل اوثق اهل بيته في نفسه ولم يدع وسيلة ممكنة من وسائل الاستعداد إلا استعملها.

(قوله) لأن الأمر الإلهي لا يكون إلا بالتأييد غير سديد فالله تعالى قد امر انبياءه بالدعوة وكثير منهم كذب وطرد بعضهم قتل وبعضهم أيد وبنو اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيا ورأس يحيى بن زكريا أهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل. والله تعالى امر بالجهاد فهل كل جهاد كان معه التأييد والنصر والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارسل جيشا الى مؤتة فقتل قواده وامراؤه وعاد مهزوما وكانوا ثلاثة آلاف

١٠٤

مقابل مائتي الف من الروم والعرب فهل كان النبي (ص) ارسل ذلك الجيش من غير امر الله. والجهاد لا تنحصر فائدته في النصر الحاضر. والحسين عليه‌السلام ان خذل فقتل يوم كربلاء فقد احرز نصرا باهرا على اعدائه فقد كان قتله مقوضا لأركان دولتهم مظهرا لفضائحهم محييا لدين جده الذي حاول بنو أمية قلعه من اساسه.

(قوله) لأن شيعة العراق قد جربها ابوه واخوه. نعم قد جرباها فلم ينصرهما غيرها. ولكن هل يعتقد موسى جار الله ان العراق في عهد ابيه واخيه كان كل اهله او جلهم شيعة لهما او ان الغالب من اهلها على خلاف ذلك واذا كان يعتقد الأول فلما ذا حاربه أهل البصرة يوم الجمل ويوم ابن الحضرمي ولما ذا قصد اصحاب الجمل البصرة دون غيرها من البلدان وكيف يكون ذلك وجل اهلها عثمانية. ولما ذا قعد عنه اهل الكوفة يوم الجمل في اوّل الأمر وقد ارسل ولده الحسن وعمار بن ياسر يستنجدهم فلم ينجدوه ومالوا الى تخذيل ابي موسى. ولما ذا لم يتمكن من عزل شريح القاضي ومن ابطال الجماعة في نافلة شهر رمضان حتى كانوا ينادون في مسجد الكوفة وا سنة فلاناه وغير ذلك مما لم يمكنه ابطاله. وقد كان في الكوفة الأشعث ابن قيس رئيس كندة من اكبر عشائر الكوفة ـ وعشيرته تبع لأمره ـ وهو ألد اعداء علي امير المؤمنين وكان يفسد عليه اموره وله الضلع الأكبر في خذلان علي يوم رفع المصاحف ويوم الحكمين وفي جميع ادوار إمارة امير المؤمنين عليه‌السلام وله الضلع الأكبر في قتله وهو الذي افسد عليه أمر الخوارج لما اراد استصلاحهم وابنه محمد اعان على قتل هانئ ومسلم بن عقيل بالكوفة وخرج هو واخوه قيس لحرب الحسين وكان قيس ممن كاتبه وسلب قيس قطيفة الحسين. وجل عشائر العراق انما كانت تتبع رؤساءها واطماعها ولم تكن أهل دين ولا تشيع خلا نادر منها كهمدان وعبد القيس وغيرهما.

أما ما زعم انه قول ابيه في الشيعة فهو افتراء فالشيعة لم يكونوا ليعصوا له امرا أو يخالفوا نهيا أو يحيدوا عن اوامره ونواهيه قيد شعرة ولكن هؤلاء كانوا اقلاء. وانما قاله فيمن كانوا معه وتحت حكمه من الناس وكان فيهم أو الغالب عليهم ما قدمناه.

(قوله) وما كان لينسى قول ابيه في الشيعة «الخ» قد عرفت ان هذا ليس قول ابيه فيهم بل في عامة الناس الذين ان لم يكن الشيعة فيهم اقلية فليسوا بأكثرية. واذا

١٠٥

كان الحسين لم ينس قول ابيه فيهم فما باله خرج إليهم ولم يكن مغفلا ولا قليل تجربة فقد ناقض هذا الرجل نفسه واستدل بما يثبت خلاف مطلوبه.

نهج البلاغة

(قوله) ولو صح نهج البلاغة الخ. نهج البلاغة صحيح وان حاول المحاولون ابطاله وقدحوا فيه عند كل مناسبة لغرض في نفوسهم كما قدح القادحون في القرآن وقالوا انه كلام ساحر وكلام شاعر فلم يضره ذلك وشهدت بلاغته وفصاحته وعجز الناس عن معارضته بصحته كما شهدت بلاغة نهج البلاغة ـ الذي هو بعد الكلام النبوي فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ـ وفصاحته وعجز الفصحاء والبلغاء عن الإتيان بمثله بصحته فشرحه الشارحون شروحا لا تحصى وحفظه الخطباء والوعاظ واستمدوا منه واشتهر في جميع الأقطار والاعصار ولم يستطع ان يشق له غبار.

(قوله) واكثر خطبه شكوى ولعنة وقلما خلت خطبة من ذم لشيعته وشكوى وهل كان يخذل عليا إلا شيعته (وتقول) شكوى ولكن ممن ولعنة ولكن على من؟ وذم ولكن لمن؟ انظره وانظر كلامه واشعاره تجد ان اكثر خطبه وكلامه مدح وثناء على رؤساء اصحابه من الشيعة كالأشتر والأحنف وقيس بن سعد وسعيد بن قيس وعمار وابن التيهان وابناء صوحان والحصين بن المنذر ومحمد بن ابي بكر وامثالهم وذم لعامة اصحابه الذين لم يكونوا كذلك وشكوى من اعدائه وفي كلامه وشعره المدح العظيم لهمدان وربيعة حتى قال :

لو كنت بوابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وقال :

ربيعة اعني انهم اهل نجدة

وبأس اذا لا قوا خميسا عرمرما

وحاشا شيعته ان يخذلوا وانما كان يخذله من عرفت وقد دفع عنه الاحنف يوم الجمل مائة الف سيف من بني تميم كانوا على رأي اصحاب الجمل فاعتزل بهم ويوم

١٠٦

الحكمين بذل غاية جهده في عزل ابي موسى والأشتر ابى التحكيم اباء شديدا وكذا غيره من خلص شيعته ولكن المنافقين امثال الأشعث والجامدين من القراء الذين لم يكونوا يعرفون لأمير المؤمنين حقه هم الذين خذلوه ومن الخطل المشين عدهم من شيعته من ابوا إلا التحكيم وإلا أبا موسى المعلوم حاله.

اما ما حكاه عن شرح نهج البلاغة فهو يشير الى خطبة يتذمر فيها امير المؤمنين عليه‌السلام من اصحابه ويذمهم على عدم اطاعتهم له. ولا يخفى ـ كما مر ـ ان جميع اصحابه ورعيته لم يكونوا شيعة له عارفين بحقه بل كان جلهم ـ إلا النادر ـ على خلاف ذلك وقد ابان هذا المعنى ابن ابي الحديد في شرح النهج عند شرحه لهذه الخطبة ج ٢ ص ١٨٤ ، فقال : من تأمل احواله عليه‌السلام في خلافته علم انه كان كالمحجور عليه لا يتمكن من بلوغ ما في نفسه. وذلك لأن العارفين بحقيقة ماله كانوا قليلين وكان السواد الأعظم لا يعتقدون فيه الأمر الذي يجب اعتقاده فيه ـ الى ان قال ـ : واكثرهم انما يحارب معه بالحمية والنخوة العربية لا بالدين والعقيدة الى آخر كلامه الذي ذكره في شرح هذه الخطبة ولا شك ان صاحب الوشيعة قد رآه وقرأه وقد كان فيه ردع له عما قاله لو كان عنده شيء من الانصاف وكان قصده تحري الحقيقة فبان ان زعمه كون هذه الخطبة في ذم الشيعة زعم فاسد ورأي كاسد فالشيعة في اصحابه لم يكونوا إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض واذا كان نهج البلاغة لم يصح عنده فما باله يستشهد به لمزاعمه.

قال صفحة (م) (١) : ومهما يختلق للثانية ـ اي شهادة الحسين ـ مختلق من وجه سياسي فإن الأولى لن يجد وجها لها نفس واجد الا توجيهات صوفية للثانية ذكر بعضها مؤلف سر الشهادتين واذ لم اقنع بها توهمت وقلت انما هي فتنة جاءت من عفاريت اليهود وشياطين الفرس لعبت بغفلة الشيعة للنيل من دين الاسلام ومن

__________________

(١) اعلم ان لهذا الرجل ميلا الى الشذوذ حتى في وضع العدد لصفحات كتابه وضع العدد في اوّل الكتاب بالحروف الا بجدية لكن على غير الطرز المتعارف الى غاية ٣٦ ورقة ثم وضعها بالأرقام الهندية الى نهاية الكتاب وصفحة (م) قد تكررت في كلامه والتي هنا هي الأولى فتنبه ـ المؤلف ـ.

١٠٧

دولته هذه اوهامي في توجيه الأمر او الأمرين ولا علم عندي في وجه الأمرين غير ذلك وان كنت قد احطت بما في كتب الشهادتين.

(ونقول) عبارته هذه الممجوجة في الاسماع والقلوب بقوله فيها لن يجد وجها لها نفس واجد ، وقوله إلا توجيهات صوفية للثانية الذي اوجب استثنائه هذا فيها خللا في نظم الكلام وغير ذلك فيه ان الثانية لا تحتاج الى ان يختلق لها مختلق وجها سياسيا مهما اطال هذا الرجل وكرر هذه الترهات فليس وجهها إلا ما اعلن به فأعلنها على رءوس الملأ بقوله :

ليت اشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

لست من خندف ان لم انتقم

من بني احمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

وكما قلت :

ثارات بدر ادركت في كربلاء

لبني أمية من بني الزهراء

وقد ساقته اوهامه في توجيه الأمر او الأمرين مع احاطته بما في كتب الشهادتين الى ان هذه الفتنة جاءت من عفاريت اليهود وشياطين الفرس. وينبغي لسامع هذا الكلام ان يقهقه وان كان ثاكلا ولسامعته ان تضحك وان كانت ثكلى. فتنة قتل الخليفة الثالث وفتنة قتل السبط الشهيد جاءتا من عفاريت اليهود وشياطين الفرس (اما الأولى) فيقول المقريزي في خططه أثارها عبد الله بن سبأ اليهودي ومشى خلفه موسى جار الله وأثارها الفرس الذين دخلوا في الإسلام واظهروا التشيع للانتقام من الاسلام كلمة قالها شخص وتبعه من بعده لأنها وافقت هواهم ولكنا لا ندري متى اظهر الفرس التشيع انتقاما من الاسلام وجميع بلاد الفرس في الدولة الإسلامية من اولها اهلها سنيون إلا ما ندر وجميع اجلاء علمائهم ومحدثيهم هم سنيون الا ما شذ. كالبخاري وابن ماجة القزويني وابو زرعة الرازي والكياالهراسي والنسائي وغيرهم

١٠٨

ممن يضيق عنهم نطاق الاحصاء ولم ينتشر التشيع في بلاد الفرس إلا في عهد الصفوية وهم من نسل الإمام الكاظم وليسوا فرسا فمن هم الذين اظهروا التشيع من الفرس انتقاما من الاسلام وفي اي زمان وجدوا؟ (واما الثانية) فلا ندري ولا المنجم يدري ما علاقتها باليهود والفرس (والصواب) ان الأولى جاءت ممن كان يخرج قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول ما هو مشهور معروف ويأمر بقتل عثمان ويلقبه بلقب مشهور ويقول ما هو معروف مشهور. وممن صلّى بالناس صلاة الصبح ثلاث ركعات في مسجد الكوفة وهو سكران وتقيأ الخمر في محراب المسجد وممن كان يكتب الكتب عن لسانه ويختمها بخاتمه ويرسلها مع غلامه على راحلته ولا يعلم هو بذلك. ومن كان كلما وعد احدا بازالة شكايته افسد عليه ذلك. وممن تركه محصورا بعد ما هيج الناس عليه وخرج من المدينة الى مكة. وممن استنجد به فلم ينجده بل ارسل قوما لنجدته وامرهم بالمقام بوادي القرى دون المدينة حتى قتل هؤلاء الذين جاءت منهم الفتنة الأولى مع انضمام اسباب أخر لا من عفاريت اليهود كابن سبأ وغيره فإنه اقل واذل من ذلك ولا من شياطين الفرس واين كان الفرس عن هذه الفتن ليكون لهم اثر فيها وهل ترك عفاريت العرب وشياطينهم مجالا لعفاريت اليهود وشياطين الفرس في ذلك. واذا استطاع ابن سبأ اليهودي الملحد ان يؤثر على المسلمين وفيهم جمهور الصحابة الكرام واهل الحل والعقد ـ وهم امة معصومة قد بلغت رشدها ـ فيوقعهم في فتنة عمياء تؤدي الى قتل خليفتهم وتشعب امرهم وتشوب الفتن بينهم وهم لا يشعرون فأي ذم لهم يكون اكبر من ذلك. هذا ما لا يرتضونه لأنفسهم ولا يرتضيه لهم المقريزي ولا موسى جار الله ولا احد من المسلمين (والصواب) ان الثانية جاءت من يوم بدر ومن غلبة الاسلام على الكفر كما مر.

(وأما قوله) لعبت بغفلة الشيعة «الخ» فقد علمت مما مر أن لا شيء من ذلك لعب بغفلة الشيعة للنيل من دين الاسلام ومن دولته وإنما نال من دين الإسلام ومن دولته من أثار تلك الفتن حبا بالدنيا وأعراضا عن الآخرة وطمعا في الأمرة وحسدا وبغيا وانتقاما للكفر من الإسلام والغفلة التي نسبها إلى الشيعة لم تكن إلا فيه بتقليده من تقدمه وغفلته عن الحق. (قوله) هذه أوهامي «الخ» قد ظهر أنها أوهام فاسدة وتخرصات واهية باردة. والعجب منه كيف يقول لا علم عندي في وجه

١٠٩

الأمرين غير ذلك مع إحاطتي بما في كتب الشهادتين. والوجه فيهما باد كالشمس الضاحية.

قال ص (أن) : وقد كشف الغطاء عن وجه الأمرين الامام المجتهد النجفي جعفر ابن الشيخ خضر في كتابه كشف الغطاء وهو كتاب يعتمد عليه شيعة اليوم حيث ذكر فيه ما يفهم منه رضا علي بقتل عثمان الذي قتله المهاجرون والأنصار (إلى أن قال) فكشف بمثل هذا التحقيق كل الغطاء عن وجه الشهادتين فهل بعد ذلك يمكن أن يقال إن مطالبة معاوية عليا بدم عثمان كان بغيا وهل يمكن لوم يزيد ولعنه لأجل قتله الحسين وأهل بيته وعثمان أسود أموي ومعاوية ويزيد أحق أموي بمطالبته دمه وأقوى أموي يستوفي حقوق بني أمية من أعدائها ولا لوم إلا على من فتح باب الفتنة بقتل أسود أموي بعد ما ذهب الاسلام بجذور الفتن ولا لوم إلا على شيعة الكوفة التي خدمت يزيد فدعت الحسين نفاقا ثم باعت دينها بدنيا يزيد فخذلت الحسين وأسلمته إلى يزيد لا لوم إلا على من كان يخذل عليا في حياته وسعى في قتل أولاده بعد مماته ا ه باختصار.

(ونقول) الشيعة لا تتوقف عن مخالفة الشيخ جعفر في هذا الرأي سواء أوصف بالإمام المجتهد أم لم يوصف فهو ليس بمعصوم من الخطأ في آرائه. وأما كتابه فكسائر الكتب يعتمد عليه شيعة اليوم وقبل اليوم فيما أصاب فيه ويردونه فيما أخطأ فيه ولا يمكن أن يجعل معبرا عن رأي عموم الشيعة ولا عن رأي فرد منهم سواه. ولا يشك أحد من الشيعة في براءة علي من دم عثمان. لا سيما بعد أن تبرأ منه في عدة مواضع فالتفريع الذي فرعه عليه في حق معاوية ويزيد خطأ ما عليه من مزيد ـ وإن أراد ستره بقوله وفعله أكبر وأفحش الخ ـ ولكن قد سبق منه أن قال : قتل الإمام وقوة الدولة هم الأنصار والمهاجرون ـ وعلي على رأسهم ـ بالمدينة وكليمة همس منه تكفي في طرد الفئة الثائرة. لم أجد في هذا الأمر عذرا لاحد. شهادة خليفة الإسلام وقوة الدولة الإسلامية حاضرة قوية كانت متمكنة من دفعها ولم تدفع ولم تدافع. وهذا يلزم منه عين ما عابه على الشيخ جعفر لا في حق علي وحده بل في حق جميع المهاجرين والأنصار الموجودين يومئذ.

١١٠

ثم إن التي يجب أن نأخذ ثلثي ديننا عنها وحواري رسول الله ومن هم من العشرة المبشرة وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وغيرهما ومعاوية ومن معه من الصحابة العدول كلهم قد اجتهدوا فاعتقدوا خطأ أن عليا قتل عثمان فقاموا يطلبون بدمه ويقاتلون عليا يوم الجمل وصفين حتى قتلت عشرات الألوف من المسلمين بسبب هذا الاجتهاد المخطئ والقاتل والمقتول في الجنة وللمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد. وهؤلاء كلهم كانوا معاصرين للخليفة مطلعين على ظاهر أمره وباطنه وقتل وهم أحياء قريبين منه لا يخفى عليهم شيء من أمر قتله وتأتيهم أخباره بكرة وعشية ومع ذلك فقد اعتقدوا خطأ أن عليا قتله فإذا اعتقد الشيخ جعفر بعد ألف ومئات من السنين خطأ رضا علي بقتل عثمان فليس ذلك بالأمر الغريب ويكون معذورا في اجتهاده الذي اخطأ فيه واعذر من الذين كانوا في ذلك العصر فأخطئوا وعذروا وأثيبوا. على أن خطأ الشيخ جعفر لم يترتب عليه من المفاسد ما ترتب على خطأ أولئك من إراقة الدماء الكثيرة وتشتيت كلمة المسلمين واستحكام العداوة والشحناء بينهم إلى اليوم.

ثم إنا نراه قد أقام نفسه محاميا ومدافعا عن يزيد وأبيه بما لا يرضيانه ولا يشكرانه عليه فالأب قد قال حين دخل الكوفة بعد صلح الحسن عليه‌السلام فيما رواه أبو الفرج الأصبهاني في المقاتل ورواه أيضا عن المدائني : إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا أنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون والابن قد قال فيما رواه سبط ابن الجوزي عن الشعبي :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

فهما قد دافعا عن أنفسهما وأبانا عما في ضمائرهما فلا يحتاجان إلى مدافعته ومماحكته هذه. وقد عرفت مما سبق من هو الذي فتح باب الفتن وسبب قتل أسود أموي ثم قام يطلب بثأره. والإسلام إن كان ذهب بجذور الفتن ـ كما يدعي ـ فالمسلمون والأمة المعصومة ـ عنده ـ قد أعادوا هذه الجذور وسقوها بمياه التمويه

١١١

والخداع حتى نمت واستطالت وامتدت فروعها فبلغت أداني بلاد الإسلام وأقاصيها وبقيت تلك الفروع باسقة مستطيلة إلى اليوم وهو يتمسك بفروعها وأغصانها. قوله لا لوم إلا على شيعة الكوفة الخ. نعم لا لوم إلا عليها عنده أما سائر الأمة فلا لوم عليها أبدا بخذلانها ابن بنت نبيها وتمكينها ليزيد من قتله بل تستحق على ذلك المدح والثناء. وقد عرفت فيما مضى من الجواب عن مثل هذا الكلام أنه عار عن التحصيل فلا نعيد.

قال صفحة (ن) : وانطلق قلم الشيخ ـ صاحب كشف الغطاء ـ فأخذ يبث ما في قلبه من العلوم والعقائد وطفق يستدل على فضل علي بحديث لا يجوز على الصراط إلا من كان بيده جواز من ولاية علي. بخبر لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي في وقعة أحد بحديث رد الشمس عليه مرة أو مرتين أو ستين مرة.

(ونقول) : نقله ما ذكره الشيخ جعفر من فضائل علي عليه‌السلام بعبارة الاستهزاء يوجب الهزء بعلمه وعقله ففضائل علي قد ملأت الخافقين ووصلت إلى أسماع الجن والإنس والمستهزئ بها عار من العلم والعقل (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) ونراه اقتصر على الدعاوى المجردة كعادته.

(أما حديث لا يجوز على الصراط الخ) فقد رواه أبو المؤيد موفق بن أحمد من أعيان علماء من تسموا بأهل السنة باسناده من طريقين في كتب فضائل أمير المؤمنين (ع) ورواه أبو الحسن علي بن محمد الخطيب المعروف بابن المغازلي الشافعي في المناقب من ثلاثة طرق وأكثر ورواه إبراهيم بن محمد الحموئي من أعيان علماء السنيين بسنده. ورواه ابن شيرويه الديلمي من أعيان علماء السنيين في كتاب الفردوس في باب الحاء ولكن بلفظ حب علي براءة من النار ورواه غيرهم أيضا وهذه الأحاديث بألفاظها وأسانيدها مذكورة في غاية المرام وروي من طريف الشيعة بسبعة طرق مذكورة في غاية المرام أيضا.

(وأما حديث لا سيف إلا ذو الفقار) فرواه الطبري وابن الأثير وغيرهما ونظمه الشعراء وأودعه العلماء مؤلفاتهم فهل يمكنه إنكاره أو لا يجده فضيلة ليقل ما شاء.

(وأما حديث رد الشمس لعلي عليه‌السلام) فقد رواه من غير الشيعة ابن

١١٢

المغازلي الفقيه الشافعي بسنده عن أسماء بنت عميس كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوحي إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن عليا كان على طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت. ورواه ابن المغازلي الشافعي أيضا بسند آخر عن أبي رافع نحوه. ورواه موفق بن أحمد بطريقين في حديث احتجاج علي على أهل الشورى فكان فيما قال : أمنكم أحد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتى صلّى صلاة العصر غيري قالوا لا. ورواه موفق أيضا بسنده عن أسماء بنت عميس نحوه. ورواه موفق أيضا بسند آخر عن أسماء بنت عميس. ورواه إبراهيم بن محمد الحموئي بسنده عن أسماء بنت عميس وهذه الأحاديث كلها بأسانيدها ومتونها مذكورة في غاية المرام للسيد هاشم البحراني. وذكر ابن حجر الهيتمي في الفصل الرابع من الباب التاسع من صواعقه المعقود لذكر نبذ من كرامات علي ما لفظه : ومن كراماته الباهرة أن الشمس ردت عليه لما كان رأس النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم في حجره والوحي ينزل عليه وعلي لم يصل العصر فما سري عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا وقد غربت الشمس فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم انه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فطلعت بعد ما غربت قال وحديث ردها صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء وحسنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره وردوا على جميع من قالوا أنه موضوع. فهذا هو حديث رد الشمس الذي حكاه بعبارة الاستهزاء بقوله مرة أو مرتين أو ستين مرة. وهذه عصبيته التي أدت به إلى الاستهزاء بالحديث النبوي فما ذا يكون منه بعد هذا.

وحكى صفحة (ع) عن صاحب كشف الغطاء أنه عقد بابا للمثالب ذكر فيه رواية البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر قام النبي خطيبا فأشار نحو مسكن أم المؤمنين وقال الفتنة تطلع من هاهنا ثلاثا من حيث يطلع قرن الشمس. ثم قال هذه شواهد تدل على قدر الإيمان والأدب والأمانة لأقلام مجتهدي الشيعة.

(ونقول) : خوض الناس في المثالب والمناقب ليس من مخترعات صاحب كشف الغطاء فقد جرى البحث والجدال في ذلك في الأعصار السالفة واللاحقة وابتدأ ذلك من عصر الصحابة كما يظهر بأدنى تتبع وتناظر فيه العلماء في كل عصر وقد صنف فيه

١١٣

إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي صاحب المغازي المتوفى سنة ٢٨٣ كتابه المعروف وحلف أن لا يرويه إلا بأصفهان التي كان أهلها في ذلك الوقت أبعد الناس عن أهل البيت فانتقل إليها ورواه بها ثقة منه بصحة ما رواه في ذلك وتناظر فيه المرتضى وقاضي القضاة الباقلاني فألف الباقلاني كتاب المغني ونقضه المرتضى بكتاب الشافي المطبوع وتناظر فيه قبل المرتضى ابن قبة مع بعض علماء ما وراء النهر نقضا وابراما بكتب عدة حتى مات أحدهما. وما زالت المناظرة شائعة بين العلماء في كل عصر وزمان. وغير المعصوم لا يمتنع أن يوجد له مناقب ومثالب وما دام المتبع هو الدليل والبرهان فليس لأحد أن يغضب أو يعيب إلا بدليل وبرهان. أما إيمان مجتهدي الشيعة فيوازي الجبال الرواسي. وأما الأدب فليس في نقل ما يرويه العلماء منافاة للأدب. وأما الأمانة فهل رأى أن ما حكاه عن صحيح البخاري ليس موجودا فيه أو أن فيه شيئا من التحريف. ولو اتسع لنا المجال لبينا له أين موضع الأدب والأمانة وقد ظهر من تضاعيف ما ذكرناه أنه في وشيعته بعيد عنهما.

نقده لكتاب أصل الشيعة

انتقد كتاب أصل الشيعة في عدة مواضع فرقها في كتابه ونحن ذكرناها متتالية.

قال صفحة (ف) : امام مجتهدي الشيعة اليوم محمد الحسين آل كاشف الغطاء رأيته أول مرة بالقدس ثم زرته في بيته بالنجف الأشرف فأعطاني كتابه «أصل الشيعة» وقال طالعه تجد فيه حقائق كثيرة قد استحسنه علماء الغرب حتى قرضوه أو قرضه البعض احطت بما في أصل الشيعة في جلسة. وقد وقفت مطي أفكاري وقفة طويلة عند قوله : أم امام الشيعة علي بن أبي طالب الذي يشهد الثقلان أنه لو لا سيفه ومواقفه في بدر وأحد وحنين والأحزاب ونظائرها لما اخضر للاسلام عود وما قام له عمود حتى كان أقل ما قيل في ذلك ما قاله أحد علماء السنة.

الا انما الاسلام لو لا حسامه

كعفطة عنز أو قلامة ظافر

ثم أخذ في تهجين الاستشهاد بالبيت فقال : دين أنزله الله إلى سيد المرسلين وخاتم النبيين ليكون دينا للعالمين إلى يوم الدين في كتاب لئن اجتمعت الجن والانس

١١٤

على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا كيف يقول فيه قائل له عقل ان أقل ما يقال فيه أنه عفطة عنز أو قلامة ظافر أو ضرطة عنز بذي الجحفة فإن كان معتزلي اعتزل دينه شبه الاسلام بذلك فقد كان أجهل الناس بالاسلام وأبعد الناس عن الإيمان وشر منه قول من جعل قول المعتزل أقل ما يقال فيه فأي شيء بقي أقل من ذلك. جيء به ترفضا وتشيعا حتى تكون أبلغ بليغ.

فإن كنت تخفي بغض حيدر خيفة

فبح لأن منه بالذي أنت بائح

فقل الآن أي شيء بعد قولك هذا أكثر ما يقال فيه. ثم عاد إلى ذلك في صفحة (ت) فانكر وعاب ما شاء.

(ونقول) لا يشك من عنده أدنى معرفة وأنصاف في أنه لو لا سيف علي بن أبى طالب لما اخضر للاسلام عود ولا قام له عمود. ويكفي شاهد واحد على ذلك ضربته يوم الخندق عمرو بن عبد ود بعد ما جبن عنه الناس جميعا وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ : برز الاسلام كله إلى الشرك كله (١) لمبارزة علي لعمر ويوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة (٢) اليوم نغزوهم ولا يغزوننا (٣).

أما الاستشهاد بالبيت فلا يوجب كل هذا الاستنكار والتهويل والتهجين والازباد والارعاد ووقوف مطي الأفكار وقفة طويلة أو قصيرة فالبيت جار على عادة الشعراء في مبالغاتهم وهب أن فيه سوء أدب بالنسبة إلى الاسلام فسوء الأدب يغتفر إذا علم أن فاعله لم يقصد سوءا وقد اغتفرت نسبة الهجر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعض أكابر الصحابة حين طلب الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا لما علم أنه لم يقصد بها سوء والبيت جيء فيه بلو لا التي هي للامتناع والنفي فلا وجه لقوله أنه قال فيه أنه عفطة عنز أو قلامة ظافر وأنه شبه الاسلام بذلك والله تعالى يقول في الكتاب العزيز. ولو لا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا. ولو لا فضل الله

__________________

(١) ابن ابي الحديد في شح النهج ناسبا له الى الحديث المرفوع.

(٢) الحاكم في المستدرك.

(٣) المفيد في الارشاد وغيره. المؤلف.

١١٥

عليكم ورحمته لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا. ويقول مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. وسواء أكان في نظم البيت والاستشهاد به سوء أدب أم لم يكن فليس ذلك بمهم إنما المهم تحقيق أنه لو لا سيف علي لما اخضر للاسلام عود ولا قام له عمود ولم يأت في نفيه بشيء. والظاهر أنه غاظه المبالغة في فضل علي ولم يطقها سمعه ولم تحتملها نفسه ولم يشأ أن يظهر أن غضبه لذلك فاظهر أن غضبه غيرة على الاسلام وخرجت به الحدة والغضب إلى أن اخرج ابن أبي الحديد المعتزلي ناظم البيت عن الدين وجعله اجهل الناس بالاسلام وأبعدهم عن الإيمان وجعل قول المستشهد بالبيت شرا منه وزاد به هيجان عاصفة الغضب بلا سبب فلجأ إلى السلاح المعهود النبز بالرفض والتشيع وفاه بكلمة الفحش مضافة إلى العنز. مهلا أيها الرجل خفف من غلوائك. أن فضل علي بن أبي طالب أعظم مما تظن ومناقبه أكثر مما تتصور وحقا لو لا سيفه لما اخضر للاسلام عود ولا قام له عمود.

فما أبغض الاسلام ذاكر فضله

ولكن دليل الحب من ذاك لائح

فإن كنت تخفي بغض حيدر خيفة

فبح لأن منه بالذي أنت بائح

وكون الاسلام دينا أنزله الله إلى سيد المرسلين ليكون دينا إلى يوم الدين لا ينافي أن يقيض الله له من ينصره بسبعة بل لازمه ذلك ليبقى إلى يوم الدين ويصحح ان يقال فيه ما قيل.

قال صفحة (ص) : وهل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش المسلمين. ولو لا الاسلام لما كان لعلي ولا لعرب الحجاز ذكر (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً. يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) الآية. ومن كان له أدب فليس من دأبه أن يمن على الله بشيء من عمله قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان. وقال صفحة (ق) وامام الأئمة علي أول من يتبرأ من مثل هذا الكلام ـ أي مضمون البيت ـ وأفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة رابع الصحابة. وقد جعله الله كذلك ورضي هو في حياته بذلك وقد كان يقول دنياكم عندي كعفطة عنز في فلاة ومثل هذا الكلام في مثل هذا المقام له وقع وله بلاغة. أما

١١٦

انتحاله في الاسلام لو لا سيف علي فلم ولن يرتكبه أحد إذ لا شرف لعلي وسيفه إلا بإسلامه والاسلام في شرفه غني عن العالمين غنى الله منه بدأ وإليه يعود. ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا.

وقال صفحة (ص) لو صدق قول امام الشيعة لو لا سيف علي «الخ» لكان النبي في قوله انجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده كاذبا كذب كفران ولكان قول الله جل جلاله : (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ) باطلا بطلان عدوان.

(ونقول) من ادهى مصائب الزمان أن يقول رجل مثل موسى تركستان : وهل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش المسلمين (لقد هزلت) نعم لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة ـ والاستدلال على ذلك كالاستدلال على الشمس الضاحية ـ وانكاره كانكارها.

تريد على مكارمنا دليلا

متى احتاج النهار إلى دليل

فهو أعلم الصحابة وأشجعهم وأزهدهم وأعبدهم وأفصحهم وأشدهم سياسة وأرجحهم عقلا وكياسة وأسدهم رأيا وأولهم اسلاما وأكثرهم جهادا وأجمعهم لصنوف الفضائل. لم يكن علي صحابيا كسائر الصحابة بل امتاز عنهم بفضائل لم يشاركه فيها أحد كما قال خزيمة بن ثابت :

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

سبقهم جميعا إلى الاسلام وعبد الله وليس في الأرض من يعبده إلا ثلاثة هو أحدهم والآخران رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وسبق الناس إلى الجهاد في سبيل الله وحامى عن دين الله وقاتل أعداء الله في كل يوم عصيب وواسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفداه بنفسه وشاركه في كل شدة ومحنة من طفولته إلى وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقام الاسلام بسيفه ـ وإن غاظ ذلك موسى جار الله ـ فكان ينيمه أبوه في مضجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيام حصار الشعب ليكون فداء له إن رام أحد الفتك به. وكان أطفال قريش يؤذون النبي (ص) في أول البعثة فقال له إذا خرجت فاخرجني معك فكان يحمل عليهم ويقضمهم فيرجعون إلى أهلهم باكين ويقولون قضمنا علي بن أبي طالب وبات على فراشه ليلة الغار وأدى أماناته وحمل الفواطم إلى المدينة وهزم الذين حاولوا إرجاعه وقتل مقدمهم وكان عليه

١١٧

المدار يوم بدر وأحد والخندق وخيبر وغيرها ولا موقف من مواقف النبي (ص) إلا وله فيه موقف مشهود ومقام معدود كما قال الرضي :

ومن قبل ما أبلى ببدر وغيرها

ولا موقف إلا له فيه موقف

ولم يسمع لسواه ممن يريدهم التركستاني بقتيل ولا جريح في موقف من المواقف. وكان نفس النبي (ص) بنص آية المباهلة واختاره أخا لنفسه لما آخى بين أصحابه قال الصفي الحلي :

لو رأى مثلك النبي لأخا

ه والا فأخطأ الانتقاد

ولم يعمل بآية النجوى غيره.

وهو ثاني ذوي الكسا ولعمري

أفضل الخلق من حواه الكساء

وكان منه بمنزلة هارون من موسى وأولى بالمؤمنين من أنفسهم وولي كل مؤمن ومؤمنة ، وهو باب مدينة علمه ، ومن سدت الأبواب من المسجد إلا بابه ، ومن لا تحصى مناقبه ولا تعد فضائله وألف النسائي في خصائصه كتابا مشهورا مطبوعا ومن اخفى اعداؤه فضائله حسدا وأولياؤه خوفا وظهر من بين ذين ما ملأ الخافقين هذا هو علي بن أبي طالب الذي يريد أخو تركستان أن يغض منه وهيهات.

وإذا خفيت على الغبي فعاذر

أن لا تراني مقلة عمياء

أفيحسن بعد هذا أن يقال هل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش المسلمين. كلا ليس هو بطلا من أبطال جيش المسلمين بل هو بطل جيش المسلمين وحده. وأين كان أبطال جيش المسلمين الذين تدعيهم عن يوم بدر وقد قتل علي نصف المقتولين وقتل سائر الناس النصف الباقي. وأين كانوا عن يوم أحد وقد قتل علي أصحاب اللواء جميعا وحامى عن الرسول (ص) وقد فر الناس إلا أقلهم حتى رجع أحد المعروفين بعد ثلاث ونادى جبرئيل لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي وقال متعجبا هذه هي المواساة وأين كانوا عن يوم الخندق وقد عبره عمرو ابن عبد ود وهو ينادي هل من مبارز فجبن عنه الناس جميعا إلا علي فقتله وجاء برأسه وأين كانوا عن مرحب يوم خيبر وقد فروا براية الاسلام واحدا بعد واحد حتى أخذها علي فقتل مرحبا وفتح الحصن ودحا الباب. وأين كانوا عن يوم حنين وقد فروا جميعا

١١٨

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يزيدون عن اثني عشر ألفا إلا عليا يضرب بالسيف أمامه مع ثمانية من بني هاشم معهم أيمن ثبتوا بثباته ، وأين كانوا عن ليلة الغار التي بات فيها على فراش الرسول (ص) يقيه بنفسه غير خائف ولا هياب وقد احدقت به سيوف الموت. وأين كانوا عن يوم هجرة علي إلى المدينة ومعه الفواطم وقد لحقه ثمانية فوارس من شجعان قريش وهم فرسان وهو راجل فقتل مقدمهم بضربة قدته نصفين وعاد الباقون عنه خائفين مذعورين إلى غير ذلك من المواقف والمشاهد التي أثبتت أنه بحق بطل جيش المسلمين بلا مشارك.

(قوله) لو لا الاسلام لما كان لعلي ولا لعرب الحجاز ذكر طريف جدا فلو لا الاسلام ولو لم يبعث محمد (ص) بالرسالة لم يكن لرسول الله (ص) ذكر فهذا لا يوجب أن يكون علي كسائر المسلمين وكسائر عرب الحجاز مع امتيازه عن الجميع كما لا يوجب أن يكون الرسول (ص) كذلك. فقد جاء الاسلام وعرف علي به وامتاز لمن سواه بفضائله ومناقبه. ولا يمنع هذا أيضا من أن نقول لو لا سيف علي لم يكن للاسلام ذكر. على أن بيت علي أشرف البيوت في الجاهلية والاسلام. تحامل بارد وتمحل سخيف. (أما الآيات التي استشهد بها) فلا ترتبط بما أراده بوجه من الوجوه. القائل يقول علي له أثر عظيم في نصرة الاسلام. والآيات الشريفة تقول : الانسان لم يكن ثم كان لله العزة جميعا. الناس فقراء والله هو الغني فهل مضامين هذه الآيات تنافي قولنا لو لا سيف علي لما قام الاسلام. عزة الله لا يدانيها عزة والناس كلهم فقراء إلى الله والله غني عنهم ولكن هذا لا ينافي أن يكون بعض عبيد الله اختصه الله بأن قام الاسلام بسيفه ولو لا سيفه لما اخضر للاسلام عود ولا قام له عمود وكون العزة لله والغنى لله لا يسلب الفضل عن أهل الفضل. ولا شيء أغرب من قوله : من كان له أدب فليس من دأبه أن يمن على الله. فمن هو الذي من على الله. إذا قلنا لو لا سيف علي لما قام دين الله نكون قد مننا على الله ، كلا أننا نعلم أن المنة لله تعالى على جميع خلقه والله تعالى قد من على علي بأن جعل انتصار دينه بسيفه لأنه جرت عادته أن يجري المسببات على أسبابها فإذا جعل انتصار الاسلام بسيفه كان ذلك فضيلة له وساغ لنا أن نقول لو لا سيفه لما انتصر الاسلام ولا يتوهم عاقل أن في ذلك منّا على الله وقد ظهر

١١٩

من ذلك فساد قوله : علي أول من يتبرأ من مثل هذا الكلام وكيف يتبرأ منه وهو عين الواقع وفيه تحدث بنعمة الله عليه.

(قوله) وأفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة رابع الصحابة بل هو ثاني الأمة التي أولها النبي (ص) وأول الصحابة بالدليل والبرهان كما عرفت لا بمجرد الدعوى كما يفعل هذا الرجل.

(وقوله) وقد جعله الله كذلك افتراء على الله تعالى بل الله قد جعله ثاني الأمة وقدمه بفضله على جميع الصحابة وجعله وصي رسول الله (ص) وخليفته وأولى بالمؤمنين من أنفسهم على لسان رسوله يوم الغدير وغيره. (قوله) ورضي هو في حياته بذلك كذب وافتراء عليه وتظلمه من ذلك طول حياته قد ملأ الخافقين. (قوله) وقد كان يقول دنياكم عندي «الخ» استدلال عجيب واستشهاد غريب فإذا كان زاهدا في الدنيا هل يدل ذلك على أنه أسقط حقه من الخلافة الذي جعله الله له وهل تراد الخلافة لأجل رئاسة الدنيا وحطامها. (قوله) أما انتحاله في الاسلام «الخ» قد علمت مما مر أنه عين الحقيقة وأن ما يتمحله هذا الرجل ويصادم به البديهة فلم ولن وما وليس يرتكبه أحد عنده أدنى معرفة وانصاف. (قوله) إذ لا شرف لعلي وسيفه إلا بالاسلام قد سبق آنفا منه نظير هذا التمويه وذكرنا ما فيه ونقول أيضا ان شرف علي وسيفه بالاسلام لا يمنع أن يكون لعلي وسيفه في الاسلام أثرهما الذي لا أثر مثله وأن يكون الاسلام قام بعلي وسيفه فالاسلام دين الله الذي تشرف به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشرف به علي وكل مسلم ولكن الاسلام لم يكن لباسا وخلعة البسه الله تعالى لعباده وشرفهم به بل هو اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان فإذا أباه الناس أصبح في خبر كان وإذا كان جهاد علي في نصرة الاسلام سببا في ظهوره وانتشاره كان لعلي في ذلك الشرف الاسمي والمقام الأعلى وصح أن يقال لو لا سيفه لما كان اسلام شاء موسى جار الله أم أبى. (قوله) والاسلام في شرفه غني عن العالمين «الخ» هو كالسابق تمويه وتلبيس فإذا كان الاسلام غنيا عن العالمين فلم أمرهم الله بنصره والجهاد في سبيله والذب عنه أجل هو غني عنهم لو أراد الله استغناءه عنهم ولكن الله أجرى الأمور بأسبابها فمن جاهد في سبيل نصرة الاسلام فله فضله وأجره وصح أن يقال لولاه لما انتصر الاسلام ولم يكن ذلك منافيا لغنى الله وقدرته. (قوله) لو صدق قول إمام الشيعة «الخ» هذا

١٢٠