الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ١

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قال في تأليفه ـ النواقض (١) ـ : إعلم أنَّ الشيعة يدّعون أنَّ هذا الحديث نصّ جليّ في إمامة عليّ رضي‌الله‌عنه وهو أقوىٰ شبههم. والقدر الذي ذكرناه وهو : « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » ـ من دون تلك الزيادة من الحديث ـ صحيحٌ ، ورُوي من طرق كثيرة (٢).

٣٢ ـ ضياء الدين المقبليّ : المتوفّىٰ ( ١١٠٨ ).

عدّ حديث الغدير في كتابه ـ الأبحاث المسدّدة في الفنون المتعدِّدة ـ من الأحاديث المتواترة المفيدة للعلم.

وفي تعليق هداية العقول إلىٰ غاية السؤول ( ٢ / ٣٠ ) : نقل العلّامة السيِّد عبد الله ابن عليّ الوزير في طبق الحلوىٰ ـ تاريخه المعروف ـ عن السيِّد محمد إبراهيم : أنَّ حديث « من كنتُ مولاه » له مائة وخمسون طريقاً ، لكن لم يعرف كلّ ذلك من حفّاظ الحديث إلّا الأفراد.

وقال السيِّد العلّامة محمد بن إسماعيل الأمير رحمه‌الله (٣) : إنّ له مائة وخمسين طريقاً.

قال العلّامة المقبلي ـ المترجم ( ص ١٤٢ ) ـ بعد سرده لبعض طرق هذا الحديث : فإن لم يكن هذا معلوماً فما في الدين معلومٌ.

وجعل هذا في الفصول من المتواتر لفظاً ، وكذلك حديث المنزلة ، وأقرّ الجلال كلام الفصول في تواتر حديث الغدير ، ولم يسلّمه في حديث المنزلة ، قال : وإنَّما هو ـ يعني حديث المنزلة ـ صحيح مشهور ، لا متواتر (٤).

وقال السيِّد الأمير محمد الصنعاني المذكور في الروضة النديّة شرح التحفة

___________________________________

(١) النواقض للروافض : الورقة ٨.

(٢) مرّ الإيعاز إلىٰ نصّ الحفّاظ علىٰ صحّة صدر الحديث وذيله ، وأنَّهما قويّا الإسناد ، وسيوافيك القول الفصل في القرائن المعيّنة من الكتاب إن شاء الله تعالىٰ. ( المؤلف )

(٣) أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر تأتي هناك ترجمته. ( المؤلف )

(٤) خفي عليه تواتر حديث المنزلة ، وأنَّه من المتّفق عليه. ( المؤلف )

٥٦١
 &

العلويّة (١) : وحديث الغدير متواتر عند أكثر أئمّة الحديث. قال الحافظ الذهبيّ في تذكرة الحفّاظ (٢) في ترجمة الطبري : ألَّف محمد بن جرير فيه كتاباً ، وقال الذهبيّ : وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه.

وقال الذهبيّ (٣) في ترجمة الحاكم : فله طرق جيدة أفردتها بمصنّف. قلت : عدّه الشيخ المجتهد نزيل حرم الله ضياء الدين صالح بن مهدي المقبلي في الأحاديث المتواترة التي جمعها في أبحاثه ، وهو من أئمّة العلم والتقوىٰ والإنصاف ، ومع إنصاف الأئمّة بتواتره ، فلا يُمَلّ بإيراد طرقه ، بل يُتبرّك ببعض منها.

٣٣ ـ الشيخ محمد صدر العالَم قال في معارج العلىٰ في مناقب المرتضىٰ :

ثمّ اعلم أنَّ حديث الموالاة متواتر عند السيوطي رحمه‌الله كما ذكره في قطف الأزهار (٤) ، فأردت أن أسوق طرقه ؛ ليتّضح التواتر ، فأقول : أخرج أحمد والحاكم عن ابن عبّاس ، وابن أبي شيبة وأحمد عنه عن بريدة ، وأحمد وابن ماجة عن البراء ، والطبراني عن جرير ، وأبو نعيم عن جندع الأنصاري ، وابن قانع عن حُبشي بن جَنادة والترمذي ، وقال : حسنٌ غريبٌ ، والنسائي والطبراني والضياء المقدسي عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم أو حذيفة بن أُسيد ، وابن أبي شيبة والطبراني عن أبي أيّوب ، وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم والضياء عن سعد بن أبي وقّاص ، والشيرازيّ في الألقاب عن عمر ، والطبرانيّ عن مالك بن الحويرث ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم ، وابن عقدة في كتاب الموالاة عن حبيب بن بديل بن ورقاء وقيس بن ثابت وزيد بن شراحيل الأنصاري ، وأحمد عن عليّ وثلاثة عشر رجلاً ، وابن أبي شيبة عن جابر ، وأخرج أحمد وابن أبي عاصم في السنّة عن

___________________________________

(١) الروضة الندية شرح التحفة العلوية : ص ١٥٤.

(٢) تذكرة الحفّاظ : ٢ / ٧١٣ رقم ٧٢٨.

(٣) المصدر السابق : ٣ / ١٠٤٣ رقم ٩٦٢.

(٤) قطف الأزهار : ص ٢٧٧ ح ١٠٢.

٥٦٢
 &

زاذان بن عمر قال : سمعتُ عليّاً في الرحبة ... فذكر إلىٰ آخر الحديث ، ثمّ قال : وأخرج أحمد عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم ... فذكر لفظهما ثمّ قال :

وأخرج الطبراني عن ابن عمر ، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة واثني عشر من الصحابة ، وأحمد والطبراني والضياء عن أبي أيّوب وجَمْع من الصحابة ، والحاكم عن عليّ وطلحة ، وأحمد والطبراني والضياء عن عليّ وزيد بن أرقم وثلاثين رجلاً من الصحابة ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن سعد ، والخطيب عن أنس ، وأخرج عبد الله بن أحمد وأبو يعلىٰ وابن جرير والخطيب والضياء عن عبد الرحمن بن أبي ليلىٰ ، قال : شهدت عليّاً في الرحبة ... فذكر الحديث بتمامه ، ثمّ قال : وأخرج الطبراني عن عمرو بن مرّة وزيد بن أرقم معاً ، وأخرج الطبراني والحاكم عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ... فذكر الحديث باللفظ الذي أسلفناه ، فقال : وأخرج الطبراني عن حُبشي بن جنادة ، وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم والبراء بن عازب.

٣٤ ـ السيّد ابن حمزة الحرّانيّ ، الدمشقيّ ، الحنفيّ : المتوفّىٰ ( ١١٢٠ ).

روىٰ حديث الغدير في كتاب البيان والتعريف (١) ( ٢ / ١٣٦ و ٢٣٠ ) من طرق الترمذي والنسائي والطبراني والحاكم والضياء المقدسي ، ثمّ قال : قال السيوطي حديثٌ متواترٌ.

٣٥ ـ أبو عبد الله الزرقانيّ ، المالكيّ : المتوفّىٰ ( ١١٢٢ ).

قال في شرح المواهب ( ٧ / ١٣ ) بعد ذكر كلام المصنّف المذكور ( ص ٣٠٠ ) :

وخصّه لمزيد علمه ، ودقائق استنباطه وفهمه ، وحسن سيرته ، وصفاء سريرته ، وكرم شِيَمه ، ورسوخ قدمه ... إلىٰ أن قال :

وللطبراني وغيره بإسناد صحيح : أنَّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب بغدير خُمّ ـ وهو موضعٌ

___________________________________

(١) البيان والتعريف : ٣ / ٧٥ ح ١٢٩٠ ، ص ٢٣٣ ح ١٥٧٦.

٥٦٣
 &

بالجحفة ـ مرجَعه من حجّة الوداع ... فذكر الحديث ، وفيه : « أيّها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولىٰ بهم من أنفسهم ، فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقَّ معه حيث دار ».

وزعْمُ بعضٍ ـ أنَّ زيادةَ : « أللّهمّ والِ ... » إلخ موضوعةٌ مردودٌ بأنّ ذلك جاء من طرق صحّح الذهبيّ كثيراً منها ، وروى الدارقطني عن سعد قال : لمّا سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا : أمسيت يا ابن أبي طالب مولىٰ كلِّ مؤمن ومؤمنة.

ثمّ ذكر حديث نزول آية ( سَأَلَ سَائِلٌ ... ) حول القضيّة ، وترجم ابن عقدة وأثنىٰ عليه ، فقال : وهو متواترٌ ، رواه ستّة عشر صحابيّاً (١) ، وفي رواية لأحمد أنَّه سمعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثون صحابياً ، وشهدوا به لعليٍّ لَمّا نوزع أيّام خلافته ، فلا التفات إلىٰ من قدح في صحّته ، ولا لمن ردّه بأنّ عليّاً كان باليمن ؛ لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحجّ معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٣٦ ـ شهاب الدين الحفظيّ ، الشافعيّ :

أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر ، قال في ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل : هذا حديث صحيح لا مِرْية فيه ، أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد ، وطرقه كثيرةٌ. قال الإمام أحمد رحمه‌الله (٢) : وشهد به لعليٍّ ثلاثون صحابيّاً ، لمّا نوزع في أيّام خلافته.

٣٧ ـ ميرزا محمد البَدَخْشيّ :

قال في نُزُل الأبرار (٣) ( ص ٢١ ) : هذا حديث صحيح مشهور ، ولم يتكلّم في

___________________________________

(١) هذا ما وصلت إليه إحاطته ، وهو يرىٰ تواتر الحديث به ، وقد أسلفنا أنَّ رواته من الصحابة تربو على المائة. ( المؤلف )

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٤٩٨ ح ١٨٨١٥.

(٣) نُزُل الأبرار : ص ٥٤.

٥٦٤
 &

صحّته إلّا متعصِّب جاحد لا اعتبار بقوله ، فإنّ الحديث كثير الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وقد نصَّ الذهبيّ علىٰ كثير من طرقه بالصحّة ، ورواه من الصحابة عدد كثير.

وقال في مفتاح النجا في مناقب آل العبا (١) : أخرج الحكيم في نوادر الأصول والطبراني بسند صحيح في الكبير عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أُسيد رضي‌الله‌عنه : أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب بغدير خُمّ تحت شجرة ، فقال : يا أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير ... ـ إلىٰ آخر ما مرَّ ( ص ٢٧ ) ـ فقال : وأخرج أحمد عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي‌الله‌عنهما ... ـ باللفظ الذي أسلفناه ( ص ٣٠ ) ـ ثمّ قال : وأخرج أحمد عن عليّ وأبي أيّوب الأنصاري وعمرو بن مرّة ، وأبو يعلىٰ عن أبي هريرة ، وابن أبي شيبة عنه وعن اثني عشر من الصحابة ، والبزّار عن ابن عبّاس وعمارة وبريدة ، والطبراني عن ابن عمر ومالك بن الحويرث وأبي أيّوب وجرير وسعد بن أبي وقّاص وأبي سعيد الخُدري وأنس ، والحاكم عن عليّ وطلحة ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن سعد ، والخطيب عن أنس رضي‌الله‌عنهم .... ثمّ ذكر الحديث فقال :

وفي رواية أخرىٰ للطبراني عن عمرو بن مرّة وزيد بن أرقم وحُبشي بن جنادة رضي‌الله‌عنهم مرفوعاً بلفظ : « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، وأعن من أعانه ».

وعند ابن مردويه عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما مرفوعاً : « أللّهمّ من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، واخذُلْ من خذله ، وانصُرْ من نصره ، وأحبَّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ».

وفي أخرىٰ لأبي نعيم في فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم والبراء بن عازب معاً مرفوعاً : « ألا إنّ الله وليّي ، وأنا وليُّ كلِّ مؤمن ، من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ».

___________________________________

(١) مفتاح النجا : الورقة ٤٤ ، ٤٥ باب ٣ فصل ١٤.

٥٦٥
 &

ولأحمد في رواية أخرىٰ ، ولابن حبّان والحاكم والحافظ أبي بشر إسماعيل بن عبد الله العبدي الأصبهاني المشهور بسمّويه عن ابن عبّاس عن بريدة ـ وذكر لفظه ـ وللطبراني في رواية أخرىٰ عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ـ وذكر لفظه ـ وعند الترمذي والحاكم عن زيد بن أرقم ـ وذكر لفظه ـ ثمّ قال :

أقول : هذا حديث صحيح مشهور ، نصّ الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ـ التركمانيّ الفارقيّ ثمّ الدمشقيّ ـ علىٰ كثير من طرقه بالصحّة ، وهو كثير الطرق جدّاً ، وقد استوعبها الحافظ أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المعروف بابن عقدة في كتاب مُفرد.

وأخرج أحمد عن أبي الطفيل قال : جَمَعَ عليٌّ ـ كرّم الله وجهه ـ الناس في الرحبة .... ثمّ ذكر حديث الرحبة.

٣٨ ـ مفتي الشام العماديّ ، الحنفيّ ، الدمشقيّ : المتوفّىٰ ( ١١٧١ ).

عدّه في الصِّلات الفاخرة ( ص ٤٩ ) من الأحاديث المتواترة ، يرويه ـ كما قال في أوّل كتابه ـ من عشرة مشايخ فأكثر ، نقلاً عن الترمذيّ والبزّار وأحمد والطبري وأبي نعيم وابن عساكر وابن عقدة وأبي يعلىٰ.

٣٩ ـ أبو العرفان الصبّان ، الشافعيّ : المتوفّىٰ ( ١٢٠٦ ).

قال في إسعاف الراغبين في هامش نور الأبصار ( ص ١٥٣ ) بعد رواية الحديث : رواه عن النبيِّ ثلاثون صحابيّاً ، وكثير من طرقه صحيح أو حسن.

٤٠ ـ السيّد محمود الآلوسيّ ، البغداديّ : المتوفّىٰ ( ١٢٧٠ ).

قال في روح المعاني (١) ( ٢ / ٢٤٩ ) : نعم ثبت عندنا أنَّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في حقِّ الأمير هناك ـ يعني غدير خُمّ ـ : « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » ، وزاد علىٰ ذلك كما في بعض

___________________________________

(١) روح المعاني : ٦ / ٦١.

٥٦٦
 &

الروايات ، لكن لا دلالة (١) في الجميع علىٰ ما يدّعونه من الإمامة الكبرىٰ والزعامة العظمىٰ.

وقال في ( ٢ / ٣٥٠ ) : قال الذهبيّ : إنَّه صحيحٌ ، ونقل عن الذهبيِّ أيضاً أنَّه قال : إنّ « من كنتُ مولاه » متواتر يُتيقّن أنَّ رسول الله قاله ، وأمّا « أللّهمّ والِ من والاه » فزيادةٌ قويّة الإسناد (٢).

٤١ ـ الشيخ محمد الحوت ، البيروتيّ ، الشافعيّ : المتوفّىٰ ( ١٢٧٦ ).

قال في أسنى المطالب (٣) ( ص ٢٢٧ ) : حديث « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » رواه أصحاب السنن غير أبي داود ، ورواه أحمد ، وصحّحوه. ورُوي بلفظ : « من كنت وليّه فعليٌّ وليّه » ، ورواه أحمد والنسائي والحاكم وصحّحه.

٤٢ ـ المولوي وليّ الله اللكهنوي :

قال في مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيّد المرسلين (٤) ـ بعد ذكر الحديث بغير واحد من طرقه ـ ما تعريبه : وليعلم أنَّ هذا الحديث صحيح ، وله طرق عديدة ، وقد أخطأ من تكلّم في صحّته ؛ إذ أخرجه جمع من علماء الحديث ، مثل الترمذي والنسائي ، ورواه جمع من الصحابة ، وشهدوا به لعليٍّ في أيّام خلافته ... ثمّ ذكر حديث المناشدة وإصابة الدعوة.

٤٣ ـ الحافظ المعاصر شهاب الدين أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصدّيق الحضرميّ (٥) :

قال في كتابه تشنيف الآذان ( ص ٧٧ ) : وأمّا حديث : « من كنت مولاه فعليّ

___________________________________

(١) ستقف علىٰ دلالته في بيان مفاد الحديث ، وإنَّما الغرض من كلامه هو البخوع لصحّة السند. ( المؤلف )

(٢) روح المعاني : ٦ / ١٩٥.

(٣) أسنى المطالب : ص ٤٦١ ح ١٤٨١.

(٤) مرآة المؤمنين : ص ٤٠.

(٥) صوابه : الغماري المغربي ، ولم يكن حضرميّاً.

٥٦٧
 &

مولاه » فتواتر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من رواية نحو ستّين شخصاً ، لو أوردنا أسانيد الجميع لطال بنا ذلك جدّاً ، ولكن نشير إلىٰ مُخرجيها تتميماً للفائدة ، ومن أراد الوقوف علىٰ طرقها وأسانيدها فليرجع إلىٰ كتابنا في المتواتر ، فنقول :

رواه أحمد في مسنده (١) ، وابن أبي عاصم في السنّة (٢) عن عليّ وثلاثةَ عشرَ رجلاً من الصحابة ، ورواه النسائي في الخصائص (٣) عن عليّ وبضعةَ عشرَ رجلاً.

ورواه عنه وعن جماعة معه ـ أيضاً ـ الطحاويّ في مشكل الآثار (٤) والبزّار في المسند (٥) وابن عساكر وآخرون.

ورواه ابن راهويه في المسند ، وابن جرير في تهذيب الآثار ، وابن أبي عاصم في السنّة ، والطحاوي في مشكل الآثار ، والمحاملي في الأمالي (٦) ، وابن عقدة ، والخطيب (٧) من حديث ابن عبّاس.

ورواه (٨) أحمد ، والنسائي في الكبرىٰ والخصائص ، وابن ماجة ، والحسن بن سفيان ، والدولابي في الكنىٰ ، وابن عساكر في التاريخ ، من حديث البراء بن عازب.

ورواه (٩) أحمد والترمذي ، والنسائي في الكبرىٰ ، وابن حبّان في الصحيح ،

___________________________________

(١) مسند أحمد : ١ / ١٣٥ ح ٦٤٢.

(٢) كتاب السنّة : ص ٥٩٠ ـ ٥٩٣ ح ١٣٥٤ ـ ١٣٧٦ باب ٢٠٢.

(٣) خصائص أمير المؤمنين : ص ١٠٠ ح ٨٥ ، وفي السنن الكبرىٰ : ٥ / ١٣١ ح ٨٤٧٠.

(٤) مشكل الآثار : ٢ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٥) مسند البزّار ( البحر الزخّار ) : ٢ / ١٣٣ ، ٢٣٥ ح ٤٩٢ ، ٦٣٢ و ٣ / ٣٤ح ٧٨٦.

(٦) الأمالي : ص ٨٥ ح ٣٥.

(٧) تاريخ بغداد : ١٢ / ٣٤٤ رقم ٦٧٨٥.

(٨) مسند أحمد : ٥ / ٣٥٥ ح ١٨٠١١ ، خصائص أمير المؤمنين : ص ١٠٢ ح ٨٨ ، وفي السنن الكبرىٰ : ٥ / ١٣٢ ح ٨٤٧٣ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٤٣ ح ١١٦ ، الكنىٰ والأسماء : ٢ / ٦١ ، تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٢٧.

(٩) مسند أحمد : ٥ / ٥٠١ ح ١٨٨٣٨ ، سنن الترمذي : ٥ / ٥٩١ ح ٣٧١٣ ، السنن الكبرىٰ : ٥ / ٤٥

=

٥٦٨
 &

والبزّار ، والدولابي في الكنىٰ ، والطبراني ، والحاكم ، وآخرون عن زيد بن أرقم.

ورواه (١) أحمد والنسائي في الكبرىٰ والخصائص ، وسمَّويه في فوائده ، وعثمان بن أبي شيبة ، وابن جرير في التهذيب ، وابن حبّان ، والحاكم ، والطبراني في الصغير ، وأبو نعيم في الحلية وتاريخ أصبهان والفضائل ، وابن عقدة وابن عساكر (٢) من طرق تبلغ حدّ التواتر عن بريدة.

ورواه أحمد (٣) ، والنسائي في الكبرىٰ ، والطبراني (٤) ، من حديث أبي أيّوب.

ورواه الترمذي (٥) ، وابن عقدة ، والطبراني (٦) ، والدارقطني ، ومن طريقه ابن عساكر (٧) من حديث حذيفة بن أُسيد ، إلّا أنَّه عند الترمذي على الشكّ.

ورواه النسائي (٨) ، وابن ماجة (٩) ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير في التهذيب ، والبزّار ، وابن عقدة ، وابن عساكر (١٠) ، من حديث سعد بن أبي وقّاص.

___________________________________

= ح ٨١٤٨ كتاب المناقب ، المعجم الكبير : ٥ / ١٦٦ ح ٤٩٧١ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٧.

(١) مسند أحمد : ٦ / ٤٧٦ ح ٢٢٤٣٦ ، السنن الكبرىٰ : ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٥ كتاب المناقب ، وفي خصائص أمير المؤمنين : ص ٩٩ ح ٨٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة : ١٢ / ٨٣ ح ١٢١٨١ ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان : ١٥ / ٣٧٥ ح ٦٩٣٠ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١١٩ ح ٤٥٧٨ ، المعجم الصغير : ١ / ٧١ ، حلية الأولياء : ٤ / ٢٣ رقم ٢٥٥.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٠٩.

(٣) مسند أحمد : ٦ / ٥٨٣ ح ٢٣٠٥١.

(٤) المعجم الكبير : ٤ / ١٧٣ ح ٤٠٥٢.

(٥) سنن الترمذي : ٥ / ٥٩١ ح ٣٧١٣.

(٦) المعجم الكبير : ٣ / ١٨٠ ح ٣٠٥٢.

(٧) تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٢٦.

(٨) خصائص أمير المؤمنين : ص ٩٩ ح ٨٣ ، وفي السنن الكبرىٰ : ٥ / ١٣١ ح ٨٤٦٨.

(٩) سنن ابن ماجة : ١ / ٤٥ ح ١٢١.

(١٠) تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٢٨ و ٦ / ٢٥١.

٥٦٩
 &

ورواه ابن أبي شيبة (١) والبزّار في مسنديهما ، وأبو يعلىٰ والطبراني في الأوسط (٢) وابن عقدة.

ورواه الطبراني في الصغير (٣) وابن عقدة وأبو نعيم في الحلية والتاريخ ، والخطيب (٤) وابن عساكر (٥) من حديث أنس بن مالك.

ورواه الحاكم والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في التاريخ ، وابن عساكر (٦) من حديث أبي سعيد.

ورواه عثمان بن أبي شيبة (٧) والنسائي في سننهما ، وابن عقدة ، وأبو يعلىٰ ، والطبراني ، والبانياسي في جزئه ، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (٨) ، وابن عساكر (٩) في تاريخ دمشق من حديث جابر بن عبد الله.

ورواه الطبراني (١٠) من حديث عمرو بن ذي مرّ.

ورواه عثمان بن أبي شيبة في سننه ، وابن عقدة ، والطبراني ، وابن عديّ (١١) ومن طريقه ابن عساكر (١٢) من حديث ابن عمر.

___________________________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة : ١٢ / ٦١ ح ١٢١٢٧.

(٢) المعجم الأوسط : ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ح ٢٢٧٥.

(٣) المعجم الصغير : ١ / ٦٤.

(٤) تاريخ بغداد : ٧ / ٣٧٧ رقم ٣٩٠٥.

(٥) تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٣٦.

(٦) المصدر السابق : ١٢ / ٢٣٢.

(٧) مصنّف ابن أبي شيبة : ١٢ / ٥٩ ح ١٢١٢١.

(٨) ذكر أخبار أصبهان : ٢ / ٣٥٨.

(٩) تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٣١.

(١٠) المعجم الكبير : ٥ / ١٩٢ ح ٥٠٥٩.

(١١) الكامل في ضعفاء الرجال : ٥ / ٣٣ رقم ١٢٠٤.

(١٢) تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٣٦.

٥٧٠
 &

ورواه ابن عقدة والطبراني (١) وابن عساكر من حديث مالك بن الحويرث.

ورواه أبو نعيم في الحلية ، والطبراني (٢) ، وأبو طاهر المخلّص ، وابن قانع ، وابن عساكر (٣) عن حُبشي بن جنادة.

ورواه الطبراني (٤) ، وابن عقدة من حديث جرير بن عبد الله البجلي.

ورواه البزّار من حديث عمارة ، والطبراني وابن عقدة وابن عساكر (٥) من حديث عمّار بن ياسر ، وابن عساكر (٦) من حديث رباح بن الحارث ، ومن حديث عمر بن الخطّاب ، ومن حديث نُبيط بن شُريط.

ورواه ابن عقدة وابن عساكر (٧) من حديث سمرةَ بن جُندب ، ورواه الطوسي في أماليه (٨) من حديث أبي ليلىٰ ، ورواه أبو نعيم في الصحابة من حديث جُندب الأنصاري.

ورواه ابن عقدة في كتاب الموالاة من حديث جماعة بأسانيد متعدِّدة منهم : حبيب بن بديل ، وقيس بن ثابت ، وزيد بن شرحبيل ، والعبّاس بن عبد المطّلب ، والحسن بن عليّ ، وأخوه ، وعبد الله بن جعفر ، وسلمة بن الأكوع ، وزيد بن أبي ثابت ، وأبو ذر ، وسلمان الفارسيّ ، ويعلى بن مُرّة ، وخُزيمة بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، وأبو رافع ، وزيد بن حارثة ، وجابر بن سمرة ، وضمرة الأسلمي ، وعبد الله بن أبي أوفىٰ ،

___________________________________

(١) المعجم الكبير : ١٩ / ٢٩١ ح ٦٤٦.

(٢) المصدر السابق : ٤ / ١٧ ح ٣٥١٤.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٣٣.

(٤) المعجم الكبير : ٢ / ٣٥٧ ح ٢٥٠٥.

(٥) تاريخ مدينة دمشق : ١٢ / ٢٣٨.

(٦) المصدر السابق : ١٢ / ٢٢٤.

(٧) المصدر السابق : ١٢ / ٢٣٣.

(٨) الأمالي : ص ٢٤٧ ح ٤٣٣.

٥٧١
 &

وعبد الله بن بُسْر المازني ، وعبد الرحمن بن يَعْمُر الديلي ، وأبو الطفيل ، وسعد بن جنادة ، وعامر بن عميرة ، وحبّة بن جوين ، وأبو أمامة ، وعامر بن ليلىٰ ، ووحشي بن حرب ، وعائشة ، وأُمّ سلمة ، ورواه الحاكم من حديث طلحة بن عبيد الله ...

( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) (١)

___________________________________

(١) الأنعام : ١١٥ ، ١١٦.

٥٧٢
 &

محاكمة حول سند الحديث

( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) (١)

لقد أوقفك البحث والتنقيب البالغان علىٰ زُرافات من علماء الأمّة وحفّاظ الحديث ورؤساء المذهب ـ السنّة والجماعة ـ رووا حديث الغدير ، وأخبتوا وسكنوا إليه ، وعلىٰ آخرين زووا عنه كلّ ريبة وشكّ ، وحكموا بصحّة أسانيد جمّة من طرقه ، وحسن طرق أخرىٰ ، وقوّة طائفة منها ، وهناك أُمّة من فطاحل العلماء حكموا بتواتر الحديث ، وشنّعوا علىٰ من أنكر ذلك ، ولقد علمت أنَّ من رواه من الصحابة في ما وقفنا علىٰ روايته مائة وعشرة صحابي ، ومرَّ ( ص ١٥٥ ) أَنَّ الحافظ السجستاني رواه عن مائة وعشرين صحابياً ، وأَسلَفْنا ( ص ١٥٨ ) عن الحافظ أبي العلاء الهمداني : أنَّه رواه بمائتين وخمسين طريقاً ، وعليه فقس رواية التابعين ومن بعدهم في الأجيال المتأخّرة ، فلن تجد فيما يُؤثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثاً يبلغ هذا المبلغ من الثبوت واليقين والتواتر.

وقد أفرد شمس الدين الجزري المترجم ( ص ١٢٩ ) رسالة في إثبات تواتره ، ونسب منكره إلى الجهل ، فهو كما مرّ ( ص ٣٠٧ ) عن الفقيه ضياء الدين المقبلي : إن لم يكن معلوماً فما في الدين معلومٌ. و ( ص ٢٩٥ ) عن العاصمي : حديثٌ تلقّته الأمّة

___________________________________

(١) المائدة : ٤٩.

٥٧٣
 &

بالقبول ، وهو موافقٌ بالأصول. و ( ص ٢٩٦ ) عن الغزالي : أنَّه أجمع الجمهور علىٰ متنه. و ( ص ٢٩٥ ) : اتّفق عليه جمهور أهل السنّة. و ( ص ٣٠٩ ) عن البدخشي : حديث صحيح مشهور ، ولم يتكلّم في صحّته إلّا متعصِّبٌ جاحد لا اعتبار بقوله. و ( ص ٢٩٧ ) : أنَّه حديث متّفق علىٰ صحّته ، وأنَّ صدره متواتر يُتيقّن أنَّ رسول الله قاله ، وذيله زيادة قويّة الإسناد. و ( ص ٣١١ ) : أنَّه حديث صحيح قد أخطأ من تكلّم في صحّته ، و ( ص ٣١٠ ) : أنَّه حديث مشهور كثير الطرق جدّاً ، و ( ص ٣١٠ ) من قول الآلوسي : نعم ثبت عندنا أنَّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله في حقّ عليّ ، و ( ص ٣٠٢ ) : حديث صحيح لا مِرْية فيه ، و ( ص ٢٩٩ ، ٣٠١ ) : أنَّه متواترٌ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومتواترٌ عن أمير المؤمنين أيضاً ، رواه الجمّ الغفير ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممّن لا اطِّلاع له في هذا العلم ؛ يعني علم الحديث ، و ( ص ٣٠٤ ) : أنَّه حديث صحيح لا مِرْية فيه ولا شكّ ينافيه ، ولا يُلتفت إلىٰ قول من تكلّم في صحّته ، ولا إلىٰ قول من نفى الزيادة ، و ( ص ٢٩٩ ) : أنَّه متواترٌ لا يُلتفت إلىٰ من قدح في صحّته ، وصحّ عن جماعة ممّن يحصل القطع بخبرهم ، و ( ص ٢٩٥ ) عن الأصبهاني : حديثٌ صحيح ثابت ، لا أعرف له علّةً ، قد رواه نحو مائة نفس منهم العشرة المبشَّرة ... إلىٰ كلمات أخرىٰ ذُكرت مفصّلة.

لكن بين ثنايا العصبيّة ومن وراء ربوات الأحقاد حُثالة حدا بهم الانحياز عن مولانا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ إلىٰ تعكير هذا الصفو وإقلاق تلك الطمأنينة بكلّ جَلَبة ولَغَط ، فمن منكر صحّة صدور الحديث (١) ؛ معلّلاً بأنّ عليّاً كان باليمن ، وما كان مع رسول الله في حجّته تلك ... إلى آخر ينكر صحّة صدر الحديث (٢) ويقول : لم يروه أكثر من رواه ، إلى ثالث يضعّف ذيله (٣) ويقول : لا ريب أنَّه كذبٌ ، ورابع يطعن

___________________________________

(١) حكاه الطحاوي [ مشكل الآثار : ٢ / ٣٠٨ ] وغيره عن بعض وأجابوا عنه كما سبق ( ص ٢٩٤ و ٣٠٠ ). ( المؤلف )

(٢) التفتازاني في المقاصد : ص ٢٩٠ [ ٥ / ٢٧٤ ] وقلّده بعض من تأخّر عنه. ( المؤلف )

(٣) ابن تيمية في منهاج السنّة : ٤ / ٨٥. ( المؤلف )

٥٧٤
 &

في أصله ، ويعتبر الدعاء الملحق به (١) ، ويقول : لم يخرِّج غير أحمد إلّا الجزء الأخير من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : « أللّهمّ والِ من والاه ... » إلخ.

وقد عرفت تواتر الجميع والاتّفاق علىٰ صحّته ونصوص العلماء على اعتبار هذه كلّها ، غير آبهين بكلِّ ما هناك من الصخب واللَغَب ، فالإجماع قد سبق المهملجين ولحقهم ، حتىٰ لم يُبقِ لهم في مستوى الاعتبار مقيلاً.

وهناك من يقول تارةً : إنَّه لم يروه علماؤنا (٢) ، وأخرىٰ : إنَّه لا يصحُّ من طريق الثقات (٣) ، وقلّده بعض مقلّدي المتأخِّرين ، وقال : لم يذكره الثقات من المحدِّثين (٤) ، وهو بنفسه يقول بتواتره في موضع آخر من كتابه. ونحنُ لا نقابل البادي والتابع إلّا بالسلام ، كما أمرنا الله سبحانه بذلك (٥).

وأنا لا أدري أنَّ قِصر الباع لم يدع البادي يعرف علماء أصحابه ، أو أن يقف على الصحاح والمسانيد ، أو أنَّه لا يقول بثقة كلِّ أولئك الأعلام !

فإن كان لا يدري فتلك مصيبةٌ

وإن كان يدري فالمصيبةُ أعظمُ

وفي القوم من يلوك بين أشداقه أنَّه ما أخرجه إلّا أحمد في مسنده (٦) ، وهو مشتملٌ على الصحيح والضعيف. فكأنّه لم يقف علىٰ تأليف غير مسند أحمد ، أو أنَّه لم يوقفه السير على الأسانيد الجمّة الصحيحة والقويّة في الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها ، وكأنّه لم يطّلع علىٰ ما أفرده الأعلام بالتأليف حول أحمد ومسنده ، أو لم

___________________________________

(١) محمد محسن الكشميري في نجاة المؤمنين. ( المؤلف )

(٢) قاله ابن حزم في المفاضلة بين الصحابة. ( المؤلف )

(٣) حكاه عن ابن حزم [ الفصل : ٤ / ١٤٨ ] ابن تيميّة في منهاج السنّة : ٤ / ٨٦. ( المؤلف )

(٤) الهروي سبط ميرزا مخدوم بن عبد الباقي في السهام الثاقبة. ( المؤلف )

(٥) في محكم كتابه بقوله : ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ). ( المؤلف )

(٦) قاله محمد محسن الكشميري في نجاة المؤمنين. ( المؤلف )

٥٧٥
 &

يطرق سمعه ما يقوله السبكي في طبقاته (١) ( ١ / ٢٠١ ) من أنَّه ألَّف ـ أحمد ـ مسنده ، وهو أصلٌ من أصول هذه الأمّة.

قال الإمام الحافظ أبو موسى المديني المترجم ( ص ١١٦ ) : مسند الإمام أحمد أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث ، انتُقي من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة ، فجُعل إماماً ومعتمداً ، وعند التنازع ملجأً ومستنداً ، علىٰ ما أخبرنا والدي وغيره بأنّ المبارك بن عبد الجبّار كتب إليهما من بغداد قال : أخبرنا ... ، ثمّ ذكر السند من طريق الحافظ ابن بطّة إلىٰ أحمد أنَّه قال : إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله فارجعوا إليه ، فإن كان فيه ، وإلّا ليس بحجّة.

وقال عبد الله : قلت لأبي : لِمَ كرهتَ وضع الكتب وقد عملت المسند ، فقال : عملت هذا الكتاب إماماً ، إذا اختلف الناس في سنّةٍ عن رسول الله رُجِع إليه.

وقال : قال أبو موسى المديني : ولم يُخرج إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته ، دون من طعن في أمانته.

وقال أبو موسىٰ : ومن الدليل علىٰ أنَّ ما أودعه الإمام أحمد قد احتاط فيه إسناداً ومتناً لم يورد فيه إلّا ما صحّ سنده ... ثمّ ذكر دليل مدّعاه. انتهىٰ ملخّصاً.

وكأنّه لم يقف علىٰ ما يقول الحافظ الجزري المترجم ( ص ١٢٩ ) من قصيدة له يمدح بها الإمام أحمد ومسنده ، وذكرها في المصعد الأحمد في ختم مسند أحمد ( ص ٤٥ ) :

وإنّ كتابَ المُسْندِ البحرِ للرضا

فتىٰ حنبلٍ للدين أيّةُ مُسندِ

حوىٰ من حديث المصطفى كلَّ جوهرٍ

وجمّعَ فيه كلَّ دُرٍّ مُنضَّدِ

___________________________________

(١) طبقات الشافعية : ٢ / ٢٧ رقم ٧.

٥٧٦
 &

فما من صحيحٍ كالبخاريِّ جامعاً

ولا مسندٍ يُلفىٰ كمُسندِ أحمدِ

وهذا الحافظ السيوطي يقول في ديباجة جمع الجوامع كما في كنز العمّال (١) ( ١ / ٣ ) : وكلُّ ما في مسند أحمد فهو مقبولٌ ، فإنّ الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن.

فهب أنَّا سالمنا الرجل علىٰ ما يقول ، ولكن ما ذنب أحمد ؟ وما التبعة على المسند إن كان هذا الحديث من قسم الصحاح من رواياته ؟ علىٰ أنَّه ليس من الممكن مسالمته علىٰ تخصيص الرواية بأحمد ، وأولئك رواته أُمم من الأئمّة أدرجوه في الصحاح والمسانيد ، وأخرجوه ثقة عن ثقة ، ورجال كثير من أسانيده رجال الصحيحين.

وجاء آخر يقول (٢) : نقل ـ حديث الغدير ـ في غير الكتب الصحاح. ذاهلاً عن أنَّ الحديث أخرجه الترمذي في صحيحه ، وابن ماجة في سننه ، والدارقطني بعدّة طرق ، وضياء الدين المقدسي في المختارة و و و ...

وسمعت في ( ص ٣١١ ) قول الشيخ محمد الحوت : رواه أصحاب السنن غير أبي داود ، ورواه أحمد وصحّحوه ، وأصحابه يقولون : إنَّها كتبٌ صحاحٌ ، فالعزو إليها مُعلِمٌ بالصحّة.

وبهذا تعرف قيمة قول من قدح في صحّته (٣) بعدم رواية الشيخين في صحيحيهما. وجاء آخر يصحِّحه ويُثبت حسنه وينقل اتّفاق جمهور أهل السنّة عليه ، ويقول : وكم حديث صحيح ما أخرجه الشيخان ، كما مرّ ( ص ٣٠٤ ).

ونحن نقول : حتىٰ إنّ الحاكم النيسابوري استدرك عليهما كتاباً ضخماً لا يقلُّ عن الصحيحين في الحجم ، وصافقه علىٰ كثير ممّا أخرجه الذهبيّ في الملخّص ، وتجد في تراجم العلماء مستدركات أخرى على الصحيحين.

___________________________________

(١) كنز العمّال : ١ / ١٠.

(٢) حسام الدين السهارنپوري في مرافض الروافض. ( المؤلف )

(٣) القاضي عضد الإيجي في المواقف [ ص ٤٠٥ ] ، والتفتازاني في شرح المقاصد [ ٥ / ٢٧٤ ]. ( المؤلف )

٥٧٧
 &

وهذا الحاكم النيسابوري يقول في المستدرك (١) ( ١ / ٢ ) : لم يحكما ـ يعني البخاري ومسلم ـ ولا واحدٌ منهما بأنّه لم يصحّ من الحديث غير ما أخرجاه ، وقد نبغ في عصرنا هذا جماعةٌ من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأنّ جميع ما يصحّ عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث ، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة علىٰ ألف جزء أو أقلّ أو أكثر منه كلّها سقيمة غير صحيحة.

وقد سألني جماعةٌ من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المرويّة بأسانيد يحتجُّ محمد بن إسماعيل ـ البخاري ـ ومسلم ابن الحجّاج بمثلها ؛ إذ لا سبيل إلىٰ إخراج ما لا علّة له ، فإنّهما ـ رحمهما الله ـ لم يدّعيا ذلك لأنفسهما.

وقد خرّج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها وهي معلولة ، وقد جهدتُ في الذبِّ عنها في المدخل إلى الصحيح بما رضيه أهل الصنعة ، وأنا أستعين الله علىٰ إخراج أحاديث رُواتها ثقاتٌ قد احتجّ بمثلها الشيخان رضي‌الله‌عنهما أو أحدهما ، وهذا شرط الصحيح عند كافّة فقهاء أهل الإسلام ، أنَّ الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولةٌ. انتهى.

وقال الحافظ الكبير العراقي في فتح المغيث (٢) ( ص ١٧ ) في شرح قوله في ألفيّة الحديث :

ولم يَعُمّاه ولكنْ قلَّ ما

عند ابن الاخرم منه قد فاتهما

أي لم يعمَّ البخاري ومسلم كلّ الصحيح ؛ يريد لم يستوعباه في كتابيهما ، ولم يلتزما ذلك ، وإلزام الدارقطني وغيره إيّاهما بأحاديث ليس بلازم ، قال الحاكم في خطبة المستدرك : ولم يحكما ولا واحد منهما أنه لم يصحّ من الحديث غير ما أخرجاه. انتهىٰ. قال البخاري :

___________________________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٤١.

(٢) فتح المغيث : ص ١٤ رقم البيت ٢٤ ، ص ١٦ رقم ٢٩ و ٣٠.

٥٧٨
 &

ما أدخلت في كتاب الجامع إلّا ما صحّ ، وتركت من الصحاح لحال الطول. وقال مسلم :

ليس كلّ صحيح وضعته هنا ، إنَّما وضعت هنا ما أجمعوا عليه ؛ يريد ما وجد عنده فيها شرائط المجمع عليه ، وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم.

وقال العراقيّ أيضاً ( ص ١٩ ) في شرح قوله :

وخذ زيادة الصحيح إذ تُنصّ

صحّتُهُ أو من مصنِّف ينصّ (١)

يجمعه نحو ابن حبّان الزكي

وابنِ خُزيمةٍ وكالمستدرك

لمّا تقدّم أنَّ البخاري ومسلماً لم يستوعبا إخراج الصحيح ، فكأنّه قيل : فمن أين يعرف الصحيح الزائد علىٰ ما فيهما ؟ فقال : خذه إذ تُنصّ صحّته ؛ أي حيث ينصّ علىٰ صحّته إمام معتمد ، كأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، والدارقطني ، والخطابي ، والبيهقي ، في مصنّفاتهم المعتمدة ، كذا قيّده ابن الصلاح بمصنّفاتهم ، ولم أقيِّده بها ، بل إذا صحّ الطريق إليهم أنَّهم صحّحوه ولو في غير مصنّفاتهم ، أو صحّحه من لم يشتهر له تصنيف من الأئمّة ، كيحيى بن سعيد القطّان ، وابن معين ، ونحوهما ، فالحكم كذلك على الصواب ، وإنَّما قيّده ابن الصلاح بالمصنّفات ؛ لأنّه ذهب إلىٰ أنَّه ليس لأحد في هذه الأعصار أن يصحِّح الأحاديث ، فلهذا لم يعتمد علىٰ صحّة السند إلىٰ من صحّحه في غير تصنيف مشهور. ويُؤخذ الصحيح ـ أيضاً ـ من المصنّفات المختصّة بجمع الصحيح فقط ، كصحيح أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، وصحيح أبي حاتم محمد بن حبّان ، وكتاب المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم ، وكذلك ما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة أو تتمّة لمحذوف فهو محكومٌ بصحّته. انتهىٰ.

ولا يخفىٰ على الباحث أنَّ القرون الأولىٰ لم يكن يوجد فيها شيء من كلِّ هذا اللغط أمام ما أصحر به نبيُّ الإسلام يوم الغدير. نعم ، كان هناك شِرذمةٌ من أهل

___________________________________

(١) في المصدر : يخصّ.

٥٧٩
 &

الحَنَق والأحقاد علىٰ آل الله ، وكانوا ينحتون له قضيّة شخصيّة واقعة بين أمير المؤمنين وزيد بن حارثة ، كلّ ذلك تصغيراً لموقعه العظيم في النفوس ، إلىٰ أن جاء المأمون الخليفة العبّاسي ، وأحضر أربعين من فقهاء عصره ، وناظرهم في ذلك ، وأثبت عليهم حقّ القول في الحديث ، كما مرّ ( ص ٢١٠ ) ، ثمّ في القرن الرابع تلقّته الأمّة بالقبول ، وأخبت له الحُفّاظ الأثبات من دون غمز فيه رادّين عنه قول من يقدح فيه ممّن لا يُعرف باسمه ورسمه : بأنّ عليّاً ما كان مع رسول‌الله في حجّته تلك ، كما مرّ ( ص ٢٩٥ ).

وقد أسلفنا لك صريح كلمات الأعلام باتّفاق جمهور أهل السنّة علىٰ صحّة الحديث وأقوالهم في تواتره ، وهناك أعاظم مشايخ الشيخين ـ البخاري ومسلم ـ قد رووه بأسانيد صحاح وحسان مخبتين إليه ، وفيهم جمع من الذين يروي عنهم الشيخان بأسانيدهم في الصحيحين من مشيخة القرن الثالث ، ألا وهم :

يحيي بن آدم : المتوفّىٰ ( ٢٠٣ )

عبد الله بن أبي شيبة : المتوفّىٰ ( ٢٣٥ )

شبابة بن سوار : المتوفّىٰ ( ٢٠٦ )

عبيد الله بن عمر : المتوفّىٰ ( ٢٣٥ )

أسود بن عامر : المتوفّىٰ ( ٢٠٨ )

إبراهيم بن المنذر : المتوفّىٰ ( ٢٣٦ )

عبد الرزّاق بن همام : المتوفّىٰ ( ٢١١ )

ابن راهويه إسحاق : المتوفّىٰ ( ٢٣٧ )

عبد الله بن يزيد : المتوفّىٰ ( ٢١٢ )

عثمان بن أبي شيبة : المتوفّىٰ ( ٢٣٩ )

عبيد الله بن موسىٰ : المتوفّىٰ ( ٢١٣ )

قتيبة بن سعيد : المتوفّىٰ ( ٢٤٠ )

حجّاج بن منهال : المتوفّىٰ ( ٢١٧ )

حسين بن حريث : المتوفّىٰ ( ٢٤٤ )

فضل بن دكين : المتوفّىٰ ( ٢١٨ )

أبو الجوزاء أحمد : المتوفّىٰ ( ٢٤٦ )

عفّان بن مسلم : المتوفّىٰ ( ٢١٩ )

أبو كريب محمد : المتوفّىٰ ( ٢٤٨ )

عليّ بن عيّاش : المتوفّىٰ ( ٢١٩ )

يوسف بن عيسىٰ : المتوفّىٰ ( ٢٤٩ )

محمد بن كثير : المتوفّىٰ ( ٢٢٣ )

نصر بن عليّ : المتوفّىٰ ( ٢٥١ )

موسى بن إسماعيل : المتوفّىٰ ( ٢٢٣ )

محمد بن بشّار : المتوفّىٰ ( ٢٥٢ )

قيس بن حفص : المتوفّىٰ ( ٢٢٧ )

محمد بن المثنّىٰ : المتوفّىٰ ( ٢٥٢ )

هدبة بن خالد : المتوفّىٰ ( ٢٣٥ )

يوسف بن موسىٰ : المتوفّىٰ ( ٢٥٣ )

٥٨٠