الرافد في علم الأصول

السيد منير السيد عدنان القطيفي

الرافد في علم الأصول

المؤلف:

السيد منير السيد عدنان القطيفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

للحرمة الاعتبارية هو طبيعي الصلاه الموجود في وعاء الاعتبار ، لاشتراط وحدة الوعاء في حمل شيء على آخر .

٣ ـ ما كان من الْأَعراض المقولية المتأصلة نحو الانسان قائم وقاعد ، وهذا القسم قد يورد عليه بإيراد مبني على القول ببساطة المشتق ، وبيانه : أننا إذا قلنا زيد قائم فالحمل المذكور حمل شائع صناعي متقوم بالتغاير المفهومي والاتحاد الوجودي ، فأما التغاير المفهومي فهو حاصل بلا ريب ولكن الكلام في الاتحاد الوجودي ، فإننا إن اخترنا القول بالتركيب في المشتق فلا ريب حينئذٍ في وحدة الموضوع والمحمول وجوداً لأَن المراد بالمحمول الذات الواجدة للقيام وهذا المفهوم متحد وجوداً مع زيد الخارجي ، ولكننا إذا اخترنا القول ببساطة المشتق وأن لفظ قائم معناه نفس معنى القيام وإنما الفرق اعتباري وهو لحاظ اللابشرط عن الحمل والبشرط لا عنه فحينئذ لا يوجد اتحاد وجودي بين زيد والقيام ، فإن زيداً يعني الوجود الجوهري القائم بنفسه والقيام يعني وجوداً محمولياً آخر وهو الوجود العرضي القائم بالموضوع فمع تحقق الوجودين كيف يحصل الاتحاد الوجودي المقوم للحمل الشائع ؟ !

والجواب : إن هناك مسلكين في وجود الْأَعراض :

١ ـ مسلك الآقا علي المدرس وهو المختار عندنا ، ومحصله : أن الْأَعراض ليس لها وجود محمولي خاص بها وإنما الوجود الجوهري يعيش في صميمه حركة تطورية تتشأن بعدة شؤون وتتلون بعدة ألوان والاعراض هي ألوان ذلك الوجود الجوهري المتطور ، فحينئذ ليس عندنا وجودان في الخارج بل وجود واحد والاعراض نابعة من صميم هذا الوجود الواحد من دون أن توجب تعدداً وجودياً له ، نظير المادة الهيولائية المتصورة بعدة صور نوعية من دون أن يكون للمادة وجود آخر غير وجود الصورة المحددة لها ، وعلى هذا المسلك فالاتحاد الوجودي المقوم للحمل حاصل .

٢٨١
 &

٢ ـ مسلك المشهور من تعدد الوجود لموجود جوهري قائم بنفسه وموجود عرض قائم بموضوعه ، والاتحاد الوجودي المعتبر في الحمل حاصل حتى بناءاً على هذا المسلك .

بيان ذلك : إنّ الفلاسفة قسموا الحمل الشائع لقسمين :

١ ـ حمل حقيقي ذاتي .

٢ ـ حمل مجازي عرفي .

والمراد بالقسم الْأَول ما كان المحمول فيه منتزعاً من ذات الموضوع من دون وجود واسطة بينهما ، لا واسطة في الثبوت ولا واسطة في العروض ، نحو الوجود موجود والضوء مضيء والبياض أبيض ، ولا إشكال في صحة هذا الحمل للتغاير المفهومي بين الطرفين بلحاظ دخالة حيثية اللابشرط في مفهوم المحمول ودخالة حيثية البشرط لا في مفهوم الموضوع وللاتحاد الوجودي بينهما .

والمراد بالقسم الثاني ما كان المحمول فيه أجنبياً عن الموضوع ، وهو نوعان :

١ ـ الحمل المجازي الْأَدبي ، أي ما يعد بنظر العرف تجوزاً لا حقيقة نحو الميزاب جاري ، فإن الحمل هنا حمل مجازي حتى بنظر العرف لعدم الاتحاد الوجودي بين الموضوع والمحمول وإنما حمل عليه لواسطة جلية في العروض وهي جريان الماء فيه ، وهذا النوع من الحمل خارج عن محل كلامنا .

٢ ـ الحمل المجازي العقلي ، أي ما يعد بنظر العرف حملاً حقيقياً وإن كان بنظر العقل حملاً مجازياً ، لأَن هذا الحمل مستند لواسطة في العروض ولكن لخفاء هذه الواسطة عند العرف عده العرف حقيقياً ولجلائها عند العقل المتأمل كان الحمل مجازياً عنده ، ومثال ذلك الإِنسان موجود ، فإن الموجود في الحقيقة هو الوجود لا الانسان ولكن لأَجل وجود واسطة خفية وهي كون الماهية حداً للوجود صح حمل الموجود على الانسان ، فهو حمل حقيقي عرفاً لخفاء الواسطة

٢٨٢
 &

وحمل مجازي عقلاً لمعرفة الواسطة عند العقل .

ومثال ذلك ـ أيضاً ـ الجسم أبيض ، فإن الْأَبيض في الواقع هو البياض لا الجسم لكن لوجود واسطة وهي تقوم وجود البياض بوجود الجسم ، سواءاً فسرنا هذا التقوم بالتركيب الانضمامي كما هو رأي بعض الفلاسفة أم فسرناه بالتركيب الاتحادي كما هو رأي البعض الآخر منهم فهذا الحمل حقيقي عرفاً لخفاء الواسطة مجازي عقلاً للعلم بها عند العقل .

إذن فهذا الحمل الشائع نحو زيد قائم واجد لكلا عنصريه ، وهما التغاير المفهومي والاتحاد الوجودي ولكن بنظر العرف لا بنظر العقل ، والوحدة الوجودية العرفية كافية في تصحيح الحمل الشائع .

مورد النزاع : بعد فراغنا من شرح المصطلحات الدائرة في محل البحث نشرع في بيان الآراء المطروحة في البساطة والتركيب ، فنقول : ذهب المحقق النائيني ( قده ) للقول ببساطة المشتق ، بمعنى أن مفهومه خال من الاشتمال على الذات وأن الموضوع له فيه هو نفس المعنى الموضوع له المبدأ ولا فرق بينهما الا تضمن المشتق لحيثية اللابشرط عن الحمل وتضمن المبدأ حيثية البشرط لا عنه ، فمفهوم العالم ـ مثلاً ـ هو نفس مفهوم العلم حيث إن كليهما يعبر عن الكيفية النفسانية الخاصة وهي كيفية الانكشاف بدون اشتمال فيهما على معنى الذات أصلاً ، غاية الْأَمر أن لفظ العالم يحكي عن معنى الانكشاف بنحو اللابشرط ولفظ العلم يحكي معنى الانكشاف بنحو البشرط لا ، فيصح حمل الْأَول على الذات دون الثاني (١) .

وهذا المسلك للمحقق النائيني ( قده ) صار مورد اعتراض الْأَعلام ( قدهم ) ، ونحن نستعرض هذه الايرادات مع مناقشتها .

__________________

(١) فوائد الْأُصول : ١ / ١٢٠ .

٢٨٣
 &

الايراد الاول : ما طرحه بعض الْأَعاظم ، وخلاصته أمران :

أ ـ إن الحمل متقوم بشرط واقعي وهو الاتحاد المفهومي في الحمل الْأُولي والاتحاد الوجودي في الحمل الشائع ، فإذا تم هذا الشرط بين طرفين صح حمل أحدهما على الآخر بلا حاجة لاعتبار اللابشرط بل الحمل صحيح حتى ولو أخذ الطرفان بنحو البشرط لا ، وإذا لم يتحقق هذا الشرط فلا يصح الحمل وإن أخذ الطرفان بنحو اللابشرط ، إذن فالحمل انعكاس عن الواقع لا ينفصل عنه ولا يتأثر بتدخل الاعتبارات المختلفة فيه (١) .

ب ـ إن ما ذكره الحكماء في باب اعتبارات الماهية ، وهو أن الماهية قد تؤخذ بنحو اللابشرط وقد تؤخذ بنحو البشرط لا وقد تؤخذ بشرط شيء (٢) لا يمكن حمله على ظاهره ، وذلك لأَن ظاهره تغير الواقعيات بتغير الاعتبارات وهو مستحيل .

بيان ذلك : إن الاعتبار معناه الاختراع والفرض الذهني بهدف التأثير في مشاعر الآخرين وعواطفهم ، وهذا يتناسب مع العلوم الْأَدبية الذوقية وأما العلوم الحكمية الباحثة عن الحقائق الواقعية فلا مدخلية للاعتبارات فيها ، لأَن الاعتبار لا يغير من الواقع شيئاً فاعتبار الماهية لا بشرط أو بشرط لا لا يغير من حقيقتها شيئاً ، فلا بد أن يحمل الكلام على غير ظاهره ، وهو أن هذه الاعتبارات انعكاس عن الواقع نفسه ، فإن واقع الماهية أنها قد تكون منضمة للعوارض وهذا ما يسمى بالبشرط شيء وقد تكون مباينة لغيرها وهو البشرط لا وقد تكون خلواً من الاعتبارات في الذهن وهو اللابشرط ، لا أن هذه الحيثيات اعتبارات محضة وفرضيات ذهنية .

__________________

(١) تهذيب الْأُصول : ١ / ١٢٦ .

(٢) شرح المنظومة : ٢ / ٣٤٠ .

٢٨٤
 &

ولكننا لا نوافق على هذا الايراد لعدة أمور :

أولاً : أننا ذكرنا سابقاً أن الحمل عمل نفسي لا أنه إدراك للواقع فقط ، فإن الوجدان شاهد بأن الإِنسان بعد إدراكه للواقع وانفعاله به يقوم بحمل شيء على شيء بخلق الهوهوية بينهما استناداً للاتحاد المفهومي أو الوجودي بينهما ، لا أن نفس الادراك والانفعال هو الحمل ، ومما يؤيد ذلك تدخل الاعتبارات في صناعة الحمل فأنت ترى أن حمل الشيء على نفسه غير صحيح لعدم المغايرة بينهما والمغايرة شرط في الحمل ، ولكن بعد قيام الذهن باعتبار الاجمال والتفصيل يصح الحمل فيقال : الانسان حيوان ناطق ، أو بعد قيامه باعتبار امكان سلب الشيء عن نفسه فيقال : الانسان إنسان لإِثبات عدم الامكان المذكور ، فهنا نلاحظ تدخل الاعتبار في صناعة الحمل .

وكذلك ـ أيضاً ـ قد نرى شيئين متحدين وجوداً ولكن لا يصح حمل أحدهما على الآخر بمجرد ذلك الاتحاد الوجودي ، فالمادة والصورة النوعية متحدان وجوداً لأَن المادة عين القوة والاستعداد والصورة عين الفعلية والتحصل ، ومع هذا الاتحاد الوجودي بينهما وهو اتحاد المتحصل باللامتحصل لا يصح حمل أحدهما على الآخر ، فإذا قام الذهن باعتبار المادة على نحو اللابشرط والنظر الى جهة الابهام فيها وأنها لا تحصل لها الا بالصورة والفصل كانت جنساً وصح حملها على النوع والفصل ، فالحمل ليس انعكاساً عن الواقع متقوماً بالاتحاد الوجودي والمفهومي بين الطرفين كما ذكرنا ، بل هو عمل نفسي يقوم به الذهن ويكون خاضعاً للاعتبارات الذهنية أيضاً .

وثانياً : إننا لا ننكر أن الاعتبارات الذهنية المذكورة في باب اعتبارات الماهية وباب الجنس والفصل ليست مجرد فرض ذهني فقط بل لها مناشئ واقعية وحيثيات وجودية ، ولكن وجود المنشأ الواقعي لا ينافي تحقق الاعتبار ، فالاعتبارات على ثلاثة أنواع :

٢٨٥
 &

١ ـ اعتبار لا يستند لمنشأ واقعي بل هو مجرد اختراع ذهني بلا هدف أو بهدف التأثير على المشاعر والعواطف كالاعتبارات الْأَدبية .

٢ ـ اعتبار يستند لمنشأ واقعي استناد المدعو إليه للداعي كالاعتبارات القانونية ، فإنها ـ عند العدلية ـ ناشئة عن المصالح والمفاسد ، سواءاً كان في الجعل أم في المجعول ، فإذا أدرك المقنن مصلحة معينة وأراد الوصول لها أو إيصال المكلف إليها استخدم الاعتبار القانوني وسيلة للوصول لتلك المصلحة ، فهذا الاعتبار صار مدعوا إليه كوسيلة لتحقيق الهدف .

٣ ـ اعتبار يستند لمنشأ واقعي على نحو الاقتضاء لا العلية التامة ، ومن موارده موردان :

الْأَوّل : الانتزاعيات ، فإن الذهن بعد إدراكه لمنشأ الانتزاع كادراكه ـ مثلاً ـ لنسبة الْأَرض للسماء ينتزع عنوان الفوقية والتحتية ، فبناءاً على أن الموجود الانتزاعي موجود بالعرض كما هو الصحيح لا موجود بالتبع كما ذهب له بعض الحكماء فليس له وجود خارجي أصلاً بل هو اعتبار ذهني يتسبب على نحو الاقتضاء لا العلية التامة عما في الخارج ، والا فليس له وجود في الخارج وإنما الوجود أولاً وبالذات لما في الخارج وهو منشأ الانتزاع وينسب ثانياً وبالعرض للعنوان الانتزاعي .

الثاني : مورد الكثرة الادراكية ، حيث ان انتقال صورة الخارج الى الذهن لا تعني كون الذهن صندوقاً أميناً يحتفظ بالصورة الخارجية كما هي عليه ، بل الذهن بحكم العوامل النفسية والاجتماعية والرواسب الثقافية يستخدم خلاقيته وفعاليته في تصور المعلوم على عدة صور ، كما تقوم النفس أثناء النوم بخلق صور وأشكال تتناسب مع رواسب العقل الباطن كما يذكره بعض مدارس علماء النفس .

إذن فالصحيح أن وجود منشأ خارجي للصورة الذهنية لا يعني أن

٢٨٦
 &

الذهن لا يقوم بأي اعتبار استناداً لهذه المناشئ الواقعية ، فاعتبارات الماهية اللابشرط والبشرط لا والبشرط شيء ـ مثلاً ـ ليست مجرد انعكاسات عن الواقع من دون تدخل الذهن في صناعة الاعتبار المتلائم مع المنشأ الواقعي كما شرحناه في الْأَمثلة السابقة ، حيث أن الْأمور الانتزاعية اعتبارات يصنعها الذهن لوجود مناشئ واقعية تستلزم هذا الاعتبار ولو على نحو الاقتضاء لا العلية التامة ، بناءاً على عدم وجود الامر الانتزاعي خارجاً لا بالْأَصالة ولا بالتبع لمنشأ انتزاعه وإنما ينسب إليه الوجود بالعرض .

كما أن الصور الذهنية المختلفة لشيء واحد يقوم الذهن بخلقها لمناشئ واقعية تدعو النفس الى خلق تلك الصور ، فالاعتبارات التي طرحها الفلاسفة في باب اعتبارات الماهية وباب الجنس والفصل اعتبارات فرضية ناشئة عن حيثيات واقعية كما أوضحنا ذلك ، فلا مانع حينئذ من كون المشتق متحداً في المعنىٰ مع المبدأ وكون الفرق بينهما فرقاً اعتبارياً راجعاً إلىٰ اللابشرط والبشرط لا بحيث يصح الحمل بناءاً على أحد الاعتبارين ولا يصح بناءاً على الاعتبار الآخر ، ولا دليل عندنا على أن كل اعتبار لا بد أن يكون قابلاً للزوال باعتبار يغايره ، فإن ذلك خاص بالاعتبارات الْأَدبية ونحوها وأما الاعتبار الناشئ عن حيثية واقعية فلا يزول ما دام المنشأ الواقعي له موجوداً .

وثالثاً : إن ظاهر كلامه ( قده ) أن الاعتبارات المجازية لا مجال لها في العلوم العقلية مع أن الفلاسفة قد عقدوا بحثاً في تعريف الواسطة وانقسامها للواسطة في الثبوت والواسطة في العروض والواسطة في العروض راجعة للإسناد المجازي المبني على الاعتبار الذهني ، فمثلاً إذا قلنا الجسم أبيض فإن هذه الجملة وإن كانت بحسب نظر العرف إسناداً حقيقياً الا أنها اسناد مجازي بنظر العقل ، لأَن الْأَبيض هو البياض في الواقع لا الجسم وإنما أسند للجسم لواسطة في العروض ، وهي حيثية ارتباط البياض به على نحو التركيب

٢٨٧
 &

الانضمامي أو التركيب الاتحادي على الخلاف في بحث الْأَعراض .

بل حتى قولنا الإِنسان موجود إسناد مجازي بنظر العقل في الواقع ، لأَن الموجودية للوجود لا للماهية ولكن الوجود أسند لها بواسطة كونها حداً وقالباً للوجود ، فإذن الحكماء يرون الاعتبار الذهني دخيلاً في الاسناد والحمل ، ويعبرون عنه بالواسطة في العروض ، ويستخدمونه في أكثر القضايا العقلية والواقعية كقولهم الإِنسان موجود مثلاً ، مما يدل على دخالة الاعتبار المجازي العقلي في العلوم الفلسفية وشيوع استخدامه عندهم ودوره الفعال في صناعة الحمل .

الايراد الثاني : ما طرح في كلمات السيد الأُستاذ في المحاضرات في بحث المشتق وبحث علامات الحقيقة والمجاز ، وحاصله يرجع لنقطتين :

الْأَولىٰ : مناقشة القول ببساطة المشتق من عدة زوايا :

أ ـ إن الحمل الشائع يعتبر فيه مغايرة الموضوع للمحمول مفهوماً واتحادهما حقيقةً ووجوداً .

ب ـ إن العرض له وجود محمولي يختص به غير وجود الجوهر وإن كان قائماً بالجوهر .

ج ـ بما أن المشتق هو نفس المبدأ العرضي والمبدأ العرضي مغاير في الوجود لوجود الذات إذن فلا يوجد بين الموضوع والمحمول اتحاد وجوب مصحح للحمل .

د ـ إن هذه المغايرة ليست اعتبارية حتى تتغير باعتبار آخر كاعتبار اللابشرط مثلاً ، بل هذا الاعتبار لو لوحظ ألف مرة لا يغير من الواقع شيئاً ، وهي المغايرة الحقيقية بين المبدأ والذات (١) .

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ١ / ٢٧٥ ـ ٢٨٨ .

٢٨٨
 &

إذن فعلى القول بالبساطة في المشتق لا يصح حمله على الذات كما ذكرنا .

الثانية : تصحيح الحمل بناءاً على القول بالتركيب ، وتوضيحه : إن المختار عندنا هو القول بتركب المشتق فهو عبارة عن الذات الواجدة للمبدأ ، وبناءاً على هذا يصح حمل المشتق على الذات حملاً شائعاً لتحقق الاتحاد الوجودي العرضي بينهما .

بيان ذلك : إن الوجود الذي يكون به الاتحاد المصحح للحمل إما أن يكون وجوداً لكلا الطرفين بالذات كما في حمل الطبيعي على فرده ، فإن الطبيعي يوجد بوجود فرده فينتسب الوجود حقيقة وبالذات للفرد وللكلي معاً ، فلو قلنا زيد إنسان فكلا الطرفين موجودان بوجود واحد لهما بالذات . وإما أن يكون الوجود لأَحدهما بالذات وللآخر بالعرض كما في حمل العناوين العرضية على الذات ومنها المشتقات ، فإذا قلنا زيد عالم فالوجود الحقيقي هنا لزيد وإنما ينسب ثانياً وبالعرض لعنوان العالم ، والمصحح لحمل لفظ العالم على زيد مع عدم اتحادهما حقيقة وبالذات وجود حمل ضمني آخر في نفس الجملة يشتمل على الآتحاد الوجودي الحقيقي ، وهو حمل كلي العلم على الفرد الخارجي منه القائم بزيد ، ومن المعلوم أن حمل الكلي على فرده حمل حقيقي للاتحاد الوجودي الحقيقي بينهما .

والحاصل : أننا إذا قلنا زيد عالم فهنا حملان أحدهما صريح والآخر ضمني ، فالحمل الصريح هو حمل عنوان العالم المركب على زيد والحمل الضمني هو حمل كلي العلم على الفرد الخارجي من العلم القائم بزيد ، والحمل الْأَول راجع للحمل الثاني ، والسبب في رجوع الحمل الْأَول للثاني أمران :

أ ـ إن عنوان العالم منتزع من العلم فلا بد أن يكون الحمل للعالم راجعاً للحمل في صفة العلم .

ب ـ إن الفلاسفة قالوا : إن ما بالعرض يرجع لما بالذات ، وحيث إن

٢٨٩
 &

حمل لفظ العالم على زيد يحتاج لمصحح والمصحح له الاتحاد الوجودي العرضي فيرجع لا محالة الى حمل كلي العلم على فرده ، فإن حمله يعتمد على مصحح أيضاً وهو الاتحاد الوجودي الحقيقي ، فرجع بالنتيجة الاتحاد الوجودي العرضي بين زيد والعالم للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي العلم وفرده ، فما بالعرض يرجع لما بالذات .

وهذا كله في حمل العنوان العرضي على الذات ، وأما في حمل العناوين العرضية على بعضها نحو الكاتب ضاحك فإن هذا الحمل يستند الى مصحح ، والمصحح له الاتحاد الوجودي العرضي بينهما الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي الكتابة وفرده الخارجي وكلي الضحك وفرده الخارجي كما شرحناه في الحمل السابق (١) . ولكننا نسجل بعض الملاحظات على ما ذكره السيد الْأُستاذ ( قده ) :

الْأُولىٰ : قد ذكرنا سابقاً أن هناك مسلكين في وجود الْأَعراض ، فالمسلك الْأَول : هو القائل بأن الْأَعراض أطوار الوجود الجوهري لا أنها وجودات محمولية أخرى غير الوجود الجوهري ، وبناءاً على هذا المسلك فالاتحاد الوجودي المصحح للحمل الشائع متحقق بين المشتق والذات المحمول عليها وإن قلنا ببساطة المشتق وأنه عين المبدأ العرضي .

والمسلك الثاني هو القائل بمغايرة وجود العرض لوجود الجوهر ، وبناءاً على هذا المسلك فالاتحاد الوجودي العرفي حاصل بين المشتق والذات وهو كاف في صحة الحمل ، فإننا إذا قلنا ـ مثلاً ـ زيد عالم فالعالم في الحقيقة هو العلم لا زيد ولكن لاقتران العلم بزيد على نحو التركيب الاتحادي أو الانضمامي صح حمل العالم عليه ، الا أنه حمل مع الواسطة في العروض ومن أجل خفاء الواسطة

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ١ / ١٦٦ ـ ٢٢٠ .

٢٩٠
 &

عرفاً يعد هذا الحمل حملاً حقيقياً عرفاً للاتحاد الوجودي بين الطرفين بنظر العرف وهو كاف في صحة الحمل ، فلا يتم ما ذكره السيد الأُستاذ في النقطة الْأُولى من عدم وجود المصحح للحمل ـ وهو الاتحاد الوجودي ـ بناءاً على القول بالبساطة .

الملاحظة الثانية : إن ما ذكره في النقطة الْأُولى من أن المغايرة الحقيقية بين الموضوع والمحمول لا تتغير باعتبار اللابشرط حتى يصح الحمل بهذا الاعتبار يرد عليه أمران :

أ ـ ما ذكرناه سابقاً أن الحمل عمل نفسي يتأثر بتدخل الاعتبارات فيه ، فمثلاً كل ماهية تتألف من عنصرين : ما به الاشتراك وما به الامتياز ، وما به الاشتراك لو لوحظ بحده الخاص فلا يصح حمله على الذات وهذا معنى اعتبار البشرط لا ، ولو لوحظ بما هو مبهم تمام الابهام لولا الصورة النوعية صح حمله وهذا هو معنى اعتبار اللابشرط ، إذن فالاعتبارات لها تأثير واضح على صناعة الحمل وتغيره .

ب ـ إننا لا نقول : بأن اعتبار اللابشرط واعتبار البشرط لا مجرد فرض ذهني لا منشأ له في الواقع حتى يشكل على ذلك بأن هذه الاعتبارات لا تأثير لها في الحمل ، بل نقول : بأن الذهن إذا أدرك الاتحاد الوجودي بين الطرفين ولو كان اتحاداً عرفياً قام باعتبار اللابشرط في المحمول حتى تتحقق حالة الهوهوية والاندماج بين الطرفين ، وهو معنى الحمل ، فهذه الاعتبارات لها مناشئ واقعية لا مجرد فرض ذهني .

الملاحظة الثالثة : إن المصحح لحمل المشتق على الذات في نظره هو الاتحاد الوجودي العرضي الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي المبدأ وفرده الخارجي ، وهذا الكلام يتصور على وجوه :

أ ـ إن المصحح لحمل لفظ المشتق كعالم على زيد ـ مثلاً ـ هو الاتحاد

٢٩١
 &

الوجودي العرضي ، بمعنى أن يكون الوجود أولاً وبالذات لزيد وثانياً وبالعرض للمشتق ، والسؤال المطروح حينئذ : ما هو الملاك المصحح لنسبة الوجود الثابت لزيد بالذات الى العنوان المشتق ثانياً وبالعرض ؟ والجواب : أن المصحح أحد أمرين :

١ ـ المصاحبة في الوجود بين الذات ومبدأ المشتق على نحو التركيب الانضمامي ، فإن انضمام كل منهما للآخر في الوجود سوَّغ لنا نسبة الوجود الثابت للذات الى المشتق المنتزع من ذلك المبدأ المنضم لها .

إلّا أن هذا المصحح متحقق حتى في الحمل المجازي نحو الميزاب جار ، فإن الوجود الثابت لجريان الماء أولاً وبالذات نسب للميزاب ثانياً وبالعرض لتصاحبهما على نحو الظرفية والمظروفية ، إذن فهذا المصحح وهو الاتحاد الوجودي ولو بالعرض متحقق حتى في الحمل المجازي فلا يكون مبرراً مقبولاً للحمل الشائع الصناعي الحقيقي الذي هو محل النزاع .

٢ ـ إن الارتباط بين المبدأ العرضي كالعلم ـ مثلاً ـ وبين الذات على نحو التركيب الاتحادي هو الذي سوغ نسبة الوجود الثابت للذات بالحقيقة للعنوان المنتزع من ذلك المبدأ العرضي ثانياً وبالعرض وهو المصحح لحمله عليه .

ومن المعلوم أن هذا المصحح لا يبرر كون الحمل حملاً حقيقياً ، فإن اتحاد الذات مع مبدأ الانتزاع لا يستلزم الاتحاد بين الذات والعنوان الانتزاعي الا على نحو المجاز ، نعم لو رجع كلامه لما ذكره المحقق النائيني ( قده ) من القول بالبساطة وكون مفهوم المشتق هو مفهوم المبدأ فوجود الاتحاد الحقيقي العرفي بين الذات والمبدأ معناه وجود نفس هذا الاتحاد بين الذات والعنوان المشتق ، وهو المصحح للحمل الشائع الحقيقي .

ب ـ إن المصحح لحمل المشتق على الذات هو الاتحاد الوجودي العرضي الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي المبدأ وفرده الخارجي ، لرجوع ما

٢٩٢
 &

بالعرض لما بالذات .

وفيه : إنه لا يوجد ربط بين الحملين فكيف يكون أحدهما مصححاً للآخر ؟ فحمل العالم على زيد مختلف موضوعاً ومحمولاً عن حمل كلي العلم على فرده الخارجي القائم بزيد فكيف يصح رجوع الحمل الْأَول للثاني ؟

فإن قلت : بأن السبب في رجوع الحمل الْأَول للثاني هو قانون الانتزاع ، حيث إن عنوان العالم منتزع من العلم فحمل العنوان الانتزاعي راجع للحمل في منشأ انتزاعه ، وبما أن الحمل في منشأ الانتزاع واجد للاتحاد الوجودي الحقيقي فهذا كاف في صحة الحمل الشائع الحقيقي للعنوان المنتزع ، وهو المشتق .

قلت : أولاً : إننا ذكرنا سابقاً أن العنوان الانتزاعي له منشأ انتزاع وهو ما يصح حمله عليه ومصحح انتزاع ، ومنشأ الانتزاع بالنسبة للمشتق هنا هو الذات ومصححه هو المبدأ ، فلا موجب لرجوع الحمل في المشتق الى الحمل في مصحح انتزاعه وهو المبدأ ، لعدم كونه منشأ لانتزاعه حتى يدور مداره في الحمل .

وثانياً : إن قانون رجوع ما بالعرض لما بالذات يقتضي رجوع الاتحاد الوجودي العرضي بين زيد والعنوان المشتق الى الاتحاد الوجودي الحقيقي بين زيد ومبدأ الاشتقاق الذي هو منشأ الانتزاع عند القائل به ، لا الى الاتحاد الوجودي بين كلي العلم وفرده الخارجي فإنه لا ربط له بالْأَوّل .

ج ـ إننا إذا قلنا زيد عالم فعنوان عالم بمقتضى كونه مفهوماً مركباً يعني الذات الواجدة للعلم ، وحينئذ يكون له انطباقان قهريان ، انطباق عنوان الذات على زيد وهذا هو الحمل الْأول وانطباق كلي العلم على فرده القائم بزيد وهذا هو الحمل الثاني ، فمقصود من يقول بالتركيب هو اشتمال لفظ المشتق على انطباقين وحملين ، الا أنه لا دليل ولا موجب لرجوع الحمل الْأَول للثاني واعتماد

٢٩٣
 &

مصححه على مصححه كما أوضحنا ذلك مفصلاً .

الايراد الثالث : ما في المحاضرات (١) ، ومحصله : إن المصحح لحمل المشتق على الذات المطروح في كلمات المحقق النائيني ( قده ) وهو لحاظ العرض بما هو طور من أطوار الجوهر وشأن من شؤونه المعبر عنه باللابشرط هذا خاص بما إذا كان المشتق من العناوين العرضية المقولية ، فإنه تارة يلاحظ من حيث وجود النفسي فلا يصح حمله وهذا معنى البشرط لا ، وأخرى يلاحظ بما هو نعت للجوهر فيصح حمله عليه وهذا معنى اللابشرط ، أما لو كان المشتق من العناوين الانتزاعية كالممكن أو الاعتبارية كالواجب والمملوك أو العدمية كالْأَعمىٰ ـ مثلاً ـ فهذه العناوين ليست أطواراً ولا شؤوناً للوجود الجوهري حتى يصح حملها بهذا اللحاظ المعبر عنه باللابشرط ، إذن فالمصحح المذكور ليس عاماً لجميع أنواع المشتق (٢) .

وجوابنا عن هذا الايراد يتم في أمرين :

أ ـ ذكر الفلاسفة أن الحمل مشروط بالاتحاد الوجودي ، ومعنى الاتحاد الوجودي بين الموضوع والمحمول بحسب عباراتهم هو كون أحد الطرفين متحصلاً والآخر لا متحصلاً ليتم حمل أحدهما على الآخر ، فإن حمل المتحصل أي ماله وجود وفعلية بإزائه في الخارج على المتحصل غير ممكن لامتناع اجتماع الفعليتين في موضوع واحد ، ولذلك ذهب الحكماء إما الى أصالة الوجود وإما لأَصالة الماهية ، فإن دعوى أصالتهما معاً لازمها كون كل شيء شيئين وهذا مناف للوجدان ، ولازمها أيضاً عدم صحة حمل الماهية على الوجود فلا يصح أن يقال زيد موجود لامتناع حمل المتحصل كما ذكرنا على المتحصل الآخر ، فلا بدّ من أجل تصحيح الحمل من كون الموضوع ـ مثلاً ـ متحصلاً والمحمول لا

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ .

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ١ / ٢٨٠ .

٢٩٤
 &

متحصلاً لتتم عملية الحمل .

ب ـ بناءاً على ما ذكر في الْأَمر الْأَول لا بد من التفصيل في حمل المشتق على الذات ، حيث أن المشتق على أنواع :

أ ـ ما كان من الْأَعراض المقولية كالعالم والضاحك ، وفي هذا النوع إن قلنا بمسلك الآقا علي المدرس من وحدة وجود الجوهر والعرض فلا ريب في صحة حمل العرض حينئذ على الجوهر لكونه من باب حمل اللامتحصل على المتحصل ، وإن قلنا بمسلك المشهور من تعدد الوجود للجوهر والعرض فهنا نحتاج في عملية الحمل الى تدخل الاعتبار المصحح له ، وذلك بالنظر للعرض بما هو طور وشأن من شؤون الجوهر ليصح الحمل بعد ذلك ، إذن فقيام الذهن باعتبار اللابشرط ليس ملاكاً عاماً لجميع المشتقات وإنما هو خاص بما إذا كان المشتق من الْأَعراض المقولية ، حيث أنه حينئذ يكون وجوداً متحصلاً في مقابل وجود الجوهر بناءاً على المسلك المشهور في الأَعراض فيحتاج حمله الى تدخل الاعتبار كما ذكرنا .

ب ـ ما كان المشتق من العناوين الانتزاعية كالممكن والممتنع ولا ريب في صحة الحمل فيها بلا حاجة الى ملاحظتها بما هي طور وشأن للذات المحمول عليها ، وذلك لأَننا إنما نحتاج لهذا اللحاظ عند كون المشتق من الاعراض المتأصلة وأما عندما يكون المشتق من الانتزاعيات المأخوذة من صميم الذات المنتزع منها فهي متحدة مع منشأ انتزاعها وجوداً ونسبتها له نسبة اللامتحصل للمتحصل ، فشرط الحمل موجود فيها بلا حاجة للحاظ النعتية فيها أصلاً ، مع أنها في الواقع نعت وشأن من شؤون الذات أيضاً .

ج ـ ما كان من العناوين الاعتبارية كقولنا الصلاة واجبة والكتاب مملوك ولا ريب في صحة الحمل حينئذ ، للاتحاد الاعتباري مع متعلقه في وعاء الاعتبار حيث إن نسبة متعلق الاعتبار للاعتبار نسبة الحد المحدود ونسبة الماهية للوجود

٢٩٥
 &

وهي نسبة اللامتحصل للمتحصل ، فلا مانع من حمله عليه بلا حاجة للحاظ النعتية مع ثبوتها واقعاً .

د ـ ما كان المشتق من العناوين العدمية كالأَعمى ـ مثلاً ـ ولا ريب في صحة حمله على الذات فيقال زيد أعمى ، لأن المراد بالعمى عدم البصر في الموضوع القابل له لا مطلقاً ، وهو بهذا المعنى يعد نعتاً وطوراً لموضوعه فيصح حمله عليه ، مضافاً لعدم فعليته ومحصليته لكونه عدماً فلا يمتنع حمله على المتحصل .

الايراد الرابع : ما ذكر في المحاضرات أيضاً ، وحاصله : أن الفرق المذكور بين المشتق والمبدأ وهو الفرق باللابشرط والبشرط لا هو في الواقع فرق بين المصدر واسم المصدر ، حيث أن المصدر هو الحاكي عن العرض باعتبار وجوده النعتي وهذا ما نعبر عنه باللابشرط واسم المصدر هو الحاكي عن العرض باعتبار وجوده النفسي المحمولي وهذا ما نعبر عنه بالبشرط لا .

وفيه ملاحظات :

أ ـ إن الفارق الجذري بين المصدر واسم المصدر مع دلالة كل منهما على طبيعي الحدث أن المصدر دال على الحيثية الصدورية من الفاعل واسم المصدر فاقد لهذا المدلول ، لا أن الفارق بينهما هو اعتبار البشرط لا واللابشرط فإن كليهما مأخوذ بنحو البشرط لا من ناحية الحمل ، فلا يصح إسنادهما للذات الا تجوزاً (١) .

ب ـ إن المبنىٰ المختار عند السيّد الْأَستاذ ( قده ) هو دلالة الْأَلفاظ على المعاني الواقعية العارية عن قيد الوجود والعدم ، فكيف يكون مدلول المصدر هو العرض بلحاظ وجوده النعتي ومدلول اسم المصدر هو العرض بلحاظ

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، وص ٢٨٣ ـ ٢٨٤ .

٢٩٦
 &

وجوده المحمولي ؟ مع أن لازم ذلك عدم صحة حمل الوجود والعدم على اسم المصدر ، فإذا قلنا ـ مثلاً ـ ضرب موجود فمؤداه التكرار لرجوعه لقولنا الوجود المحمولي للضرب موجود ، أو التجوز في الكلمة بإلغاء دلالتها على الوجود المحمولي ، وكلاهما مرفوض في الوجدان العرفي . وإذا قلنا ضرب معدوم فمؤداه تناقض طرفي الجملة لرجوعه لقولنا الوجود المحمولي للضرب معدوم ، أو التجوز في الكلمة بإلغاء دلالتها على الوجود المحمولي ، فالصحيح عدم تمامية الايراد المذكور .

ج ـ إن تقابل الوجود النعتي مع الوجود المحمولي غير تام ، بل الصحيح في الفلسفة هو التقابل أولاً بين الوجود الرابط وهو مفاد كان الناقصة والوجود المحمولي وهو مفاد كان التامة ، والوجود المحمولي ينقسم لوجود نفسي وهو وجود الجواهر ووجود غيري نعتي وهو وجود الْأَعراض ، فجعل الوجود النعتي مقابل الوجود المحمولي من باب جعل قسم الشيء قسيماً له .

الايراد الخامس : ما في المحاضرات (١) أيضاً ، وتقريبه : أن المصحح المطروح في كلمات المحقق النائيني ( قده ) لحمل المشتق على الذات وهو ملاحظة المبدأ العرضي بما هو طور من أطوار الجوهر وشأن من شؤونه خاص ببعض المشتقات دون البعض الآخر لعدم تصوره في بعض المبادئ ، ومنها ثلاثة موارد :

أ ـ اسم الزمان والمكان كلفظ مقتل مثلاً ، فإن مقتضى القول ببساطة المشتق هو القول ببساطة اسم الزمان أيضاً وكون مفهومه هو مفهوم المبدأ نفسه وهو القتل في المثال ، ولا فرق بينهما الا بالاعتبار ، بمعنى أن القتل إذا لوحظ بما هو حدث خاص فهو المبدأ المعتبر بنحو البشرط لا فلا يصح حمله على الهوية الزمانية والمكانية وإن لوحظ بما هو طور من أطوار موضوعه فهو المشتق المعتبر

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ١ / ٢٣٠ ـ ٢٤٠ .

٢٩٧
 &

بنحو اللابشرط ، ولكن هذا اللحاظ غير ممكن في اسم الزمان والمكان لعدم معقولية كون الحدث طوراً من أطوار زمانه أو مكانه بل علاقته بهما علاقة الظرفية والحلول لا علاقة الناعتية والصفتية ، فلا مصحح حينئذ ـ بناءاً على القول بالبساطة ـ لحمل اسم الزمان والمكان على الزمان أو المكان ، لأَن المصحح هو لحاظ اللابشرط الذي يعني رؤية المبدأ العرضي بما هو طور وشأن لموضوعه وهذه الرؤية غير متصورة في اسم الزمان والمكان .

ب ـ أسماء الآلة كمفتاح مثلاً ، فإنه لا يتصور فيه كونه طوراً وشأناً من شؤون الآلة الخاصة بالفتح بل علاقته بها علاقة الاستعانة لا علاقة الناعتية والصفتيه ، ولازم ذلك عدم صحة حمله على الذات المخصوصة بناءاً على القول بالبساطة ، لعدم وجود مصحح للحمل حينئذ ، مع أن صحة الحمل عرفاً لا ريب فيها .

ج ـ بعض أسماء الفاعلين ، حيث إن اسم الفاعل على قسمين :

١ ـ ما كان قيام المبدأ به قياماً حلولياً كالقاعد والقائم ولا شاهد في هذا القسم .

٢ ـ ما كان قيام المبدأ به قياماً صدورياً كالضارب والمؤلم ومحل الاشكال هو هذا القسم ، باعتبار أن الحدث الصادر من فاعله لا يتصور فيه كونه طوراً وشأناً من شوونه ، لأَن علاقته به علاقة المعلول بالعلة لا علاقة النعت بالمنعوت فليس المعلول طوراً من أطوار علته ونعتاً من نعوتها بخلاف علاقته بالمفعول به الواقع عليه الحدث وهو المضروب مثلاً ، فان الضرب قد يعد طوراً من أطواره على نحو المضروبية باعتبار نسبته إليه نسبة العرض لموضوعه ، إذن فلا مصحح لحمل المشتق في بعض أسماء الفاعلين .

والحاصل : إن المصحح المذكور في كلمات المحقق النائيني ( قده ) لحمل المشتق على الذات وهو لحاظه بنحو اللابشرط ورؤيته بصورة النعتية والصفتية

٢٩٨
 &

لا اطراد له في سائر المشتقات (١) .

والجواب عن هذا الايراد بوجهين :

الوجه الْأَول : إن المشتقات على قسمين .

١ ـ ما كان اختلاف معناه لاختلاف هيئته كاختلاف معنى الضارب عن معنى المضروب .

٢ ـ ما كان اختلاف معناه لاختلاف المبدأ الخفي الملاحظ فيه كاختلاف مفهوم العالم ومفهوم السارق ، فإن لفظ العالم ـ مثلاً ـ لا يصح اطلاقه على الذات بعد زوال تلبسها بالعلم الا مجازاً بينما لفظ السارق يصح إطلاقه بلا عناية على الذات بعد زوال مبدأ السرقة عنها ، فعدم صحة الاطلاق الحقيقي في الْأَول وصحته في الثاني مع اشتراكهما في الهيئة دليل على اختلاف المبدأ الخفي في كل منهما ، فإن المبدأ المأخوذ في لفظ العالم مأخوذ على نحو الفعلية لذلك لا يصح إطلاقه حقيقة بعد زوال التلبس بالمبدأ والمبدأ المأخوذ في لفظ السارق مأخوذ على نحو المضي والحدوث لا الفعلية ولذلك صح اطلاقه بلا تجوز بعد زوال التلبس بالمبدأ الفعلي .

وبعد وضوح هذا المطلب نقول : بأن الموارد الثلاثة التي طرحها السيد الْأُستاذ ( قده ) واجدة لمصحح الحمل وهو لحاظ النعتية والصفتية ومتوفرة عليه ، إما من قبل هيئاتها وإما من قبل المبدأ الخفي فيها ، وبيان ذلك بعرض الموارد الثلاثة :

الْأَول : إن اسم الزمان والمكان له لحاظان :

١ ـ النسبة الفعلية ، بمعنى أن يكون مفهوم مقتل ـ مثلاً ـ هو مفهوم القتل نفسه ولا فرق بينهما الا بالاعتبار ، وبلحاظ هذه النسبة يرد الاشكال

__________________

(١) فوائد الاصول ١ : ١٥٠ .

٢٩٩
 &

المذكور في المحاضرات من عدم معقولية مصحح الحمل حينئذ ، فإن مبدأ القتل ليس شأناً ولا طوراً من أطوار زمانه أو مكانه ، مع أن صحة الحمل لا ريب فيها عند العرف .

٢ ـ النسبة الوعائية والاحتوائية ، بمعنى أن يكون المراد بلفظ مقتل ـ مثلاً ـ هو الاحتواء والوعائية لحدث القتل ، وبهذا اللحاظ يصح حمل اسم الزمان والمكان على الهوية الزمانية والمكانية فيقال اليوم مقتل الحسين عليه السلام وكربلاء مقتل الحسين عليه السلام ، لوجود المصحح لهذا الحمل وهو اعتبار الناعتية والصفتية ، فإن النسبة الوعائية طور من أطوار الزمان والمكان وشأن من شؤونهما ، فالاشكال الذي طرحه السيد الْأُستاذ ( قده ) وهو عدم وجود المصحح لحمل أسماء الزمان والمكان لعدم تصور الناعتية فيها لنفس الزمان والمكان مبني على أخذ مفهوم اسم الزمان والمكان بنحو النسبة الحدثية الفعلية ، بينما لو أخذ مفهومه بنحو النسبة الوعائية لكان الحمل متوفراً على مصححه وهو لحاظ الناعتية والصفتية .

نعم استفادة النسبة الوعائية إما من ناحية الهيئة وهي هيئة مفعل ، كما اختاره السيد الْأُستاذ ( قده ) نفسه في بحث النزاع في اسم الزمان ، باعتبار اختصاص هذه الهيئة باسم الزمان والمكان ، وإما من ناحية المبدأ الخفي لعدم اختصاص هيئة مفعل باسم الزمان والمكان بل هي شاملة حتى للمصدر الميمي مثلاً ، كما في قولك قتل زيد مقتلاً عظيماً .

وحينئذ لو كانت النسبة الوعائية مستفادة من ناحية الهيئة لتحقق هذا المدلول حتى في المصدر الميمي وهو مفقود بالوجدان ، فلا بد أن يكون هذا المدلول مستفاداً من المبدأ الخفي لاسم الزمان والمكان ، بمعنى أن المبدأ الجلي للفظ مقتل ـ مثلاً ـ هو النسبة الحدثية الفعلية التي يرد الاشكال المطروح في المحاضرات بالنظر إليها والمبدأ الخفي له هو النسبة الوعائية التي يصح الحمل

٣٠٠