الرافد في علم الأصول

السيد منير السيد عدنان القطيفي

الرافد في علم الأصول

المؤلف:

السيد منير السيد عدنان القطيفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

مرجح ، واما أن تلاحظ العلاقة بين احدى الخصوصيتين لا بعينها وبين الكل وهذا لا يكون مصححاً للتجوز ، لأن المصحح له هو ملاحظة العلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي واحدى الخصوصيتين لا بعينها ليست هي المعنى الحقيقي ، لأن ما وضع له اللفظ كما هو المدعى كل خصوصية بعينها لا احداهما لا بعينها .

ونتيجة ذلك كله : ان المستعمل فيه في هذه الموارد العرفية هو الجامع الوعائي واستفادة الخصوصية الزمانية والمكانية من باب تعدد الدال والمدلول فهذا هو المتبادر بلا عناية وتجوز ، وحينئذٍ فوضع لفظ اسم الزمان لهذا الجامع لا يكون لغواً ما دام هذا المعنى مستعملاً ومتبادراً في المحاورات العرفية .

فالصحيح هو تمامية الجواب الأول الذي طرحه المحقق الاصفهاني والاستاذ السيد الخوئي ( قدهما ) لدفع الاشكال الوارد على دخول اسم الزمان في محل النزاع ، وهو ان النزاع في المقام في هيئة مفعل بمعناها الجامع وهو مطلق الوعاء ، وعدم تصور بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ في بعض مصاديقه ـ وهو المصداق الزماني ـ لا يستلزم عدم تصور ذلك في المفهوم بما هو جامع عام ، ولو بلحاظ بعض افراده ومصاديقه وهو المصداق المكاني . الا اننا لا نلجأ لهذا الجواب كجواب فاصل في البحث الا بعد عدم تمامية الاجوبة الآخرى المطروحة في البحث .

الجواب الثاني : ان بقاء الذات الزمانية مع انقضاء المبدأ الواقع في خلالها امر معقول ، وبيان معقولية ذلك بأحد تصويرين :

أ ـ اعتبار الزمان كلياً .

ب ـ اعتبار الزمان كلاً .

التصوير الأول : وهو النظر للزمان بنحو الحركة التوسطية ، ويشتمل هذا النظر على أربعة أمور :

٢٤١
 &

١ ـ ان معنى الحركة التوسطية هو ان يؤخذ الزمان بمعنى الان السيال الذي تكون نسبته للآنات المتصلة المتعاقبة نسبة الكلي لجزئياته وافراده ، فهو مسبوق بأن وملحوق بأن آخر ، وهذا هو مرادهم بالحركة التوسطية .

٢ ـ إن هذا الآن لا امتداد له بالنظر لماهيته بل الماهية محدودة بحد قبلها وحد بعدها ، ولكنه ممتد بالنظر لوجوده بلحاظ تعاقب الآنات واتصالها .

٣ ـ إن هذا الآن غير قابل للتقسيم بل هو كالنقطة لا تقبل الانقسام في الأبعاد الثلاثة ، باعتبار لحاظه حداً مندمجاً فيما بعده ومرتبطاً بما قبله .

٤ ـ إن بقاء هذا الآن ببقاء أفراده المتصلة المتعاقبة كما ذكر في القسم الثالث من القسم الثالث من استصحاب الكلي ، وقد قيل في الفلسفة : « إن الاتصال الوحداني مساوق للوحدة الشخصية » ، فاتصال هذه الآنات مساوق لوحدتها وجوداً ، فالآن الذي يقع فيه الحدث باق ببقاء هذا الاتصال الوحداني وإن انقضى الحدث الواقع فيه .

التصوير الثاني : وهو النظر للزمان بنحو الحركة القطعية ، ويشتمل هذا النظر على أمرين :

أ ـ ان معنى الحركة القطعية هو ملاحظة قطعة الزمان بنحو الكل المركب بحيث تكون الآنات أجزاءاً لهذه القطعة ، كما لو اعتبرنا ٢٤ ساعة كلاً مركباً مسمى باليوم والدقائق اجزاءه .

ب ـ إن الكل المركب من أجزاء الزمان مفهوم متقوم بالامتداد ، لأن معنى التركيب من أجزاء الزمان هو امتداد المركب في تلك الاجزاء والآنات ، إذن فمفهوم الكل امتدادي في حد ذاته وبالطبع يكون وجوده امتدادياً أيضاً ، ولذلك نسميه بالحركة القطعية اشارة لامتداده ومسيرته . وبهذا التصوير يكون بقاءه بعد انقضاء المبدأ الواقع فيه معقولاً ، لأنه موجود ممتد بامتداد أجزائه فهو باق حتى بعد زوال المبدأ الواقع فيه .

٢٤٢
 &

فإن قلت : إن وجود الزمان بنحو الحركة القطعية أمر وهمي تقوم بصياغته القوة المتخيلة عند الانسان ، كما تقوم المتخيلة برسم النقطة النازلة بخط مستقيم بصورة خط مائي مستقيم ، وبرسم الشعلة الجوالة دائرة نارية متصلة .

ومما يدلنا على موهومية الزمان بنحو الحركة القطعية حكم العقل النظري بأن المركب لا يوجد الا بوجود أجزائه بالأسر ، فإن عنوان الكل هو نفس عنوان الأجزاء بالأسر فما لم تجتمع هذه الأجزاء فحينئذٍ لا يوجد الكل المركب منها .

وبناءاً على ذلك فإن الحركة القطعية في الزمان لا وجود لها ، لأن الجزء الزماني اذا وجد فهو موجود بحده الخاص الذي به يتميز عن بقية الأجزاء الزمانية وهو بهذا الحد لا يكون وجوداً للكل للتغاير المفهومي والوجودي بينهما ، ولذلك لا يصح حمل الكل عليه الا تجوزاً ، والمفروض أن وجود بقية الأجزاء مستحيل ما دام هذا الجزء موجوداً ، لأن الزمان كم تدريجي غير قار الذات فما لم ينصرم الجزء السابق فيستحيل وجود الجزء اللاحق ، وحينئذٍ يكون وجود الكل الزماني بوجود كل جزء مفروض التحقق وامتداد هذا الكل بامتداد هذه الأجزاء أمراً وهمياً تصنعه القوة المتخيلة عند الانسان .

قلت : أننا نعتقد كما يعتقد بعض الفلاسفة بواقعية الزمان الملحوظ على نحو الحركة القطعية ، وأما وجوده بوجود الجزء الزماني فلا مانع منه ، باعتبار أن الجزء إذا لوحظ بحده الخاص فهو مقيد بشرط لا عن بقية الأجزاء وبهذا اللحاظ يكون مغايراً للكل فلا يصح حمله عليه ولا وجوده بوجوده .

ولكنه اذا لوحظ بنحو اللابشرط ـ كما هو مقتضى جزئيته ـ فهو بذرة الكل الزماني ولبنة وجوده ، فالمركب إما دفعي الوجود فلا تحقق له الا بعد اجتماع اجزائه في الوجود كالكرسي والبيت ونحوها ، وإما تدريجي الوجود كالزمان والزماني السيال كالصلاة والخطبة ولا تحقق له الا بتدريجية أجزائه خارجاً فهو يتحقق بأول جزء من أجزائه المتصلة المتعاقبة ويمتد بامتدادها .

٢٤٣
 &

وخلاصة التصويرين السابقين أن الزمان يمكن لحاظه بلحاظين متقابلين :

١ ـ لحاظه بنحو الكلي وهو المعبر عنه بالحركة التوسطية ، فيصح أن يقال حينئذٍ الآن ليل والآن يوم السبت والآن شهر ربيع الأول مثلاً .

٢ ـ لحاظه بنحو الكل وهو المعبر عنه بالحركة القطعية ، فيصح أن يقال بناءاً على هذا اللحاظ الآن جزء من الليل واليوم والشهر ولا يصح أن يقال الآن ليل أو يوم أو شهر كذا ، وإذا كانت هاتان الحيثيتان واقعيتين فكلا اللحاظين أمر واقعي وإذا لم تكونا كذلك فاللحاظان عبارة عن تفنن ذهني راجع لنظرية التكثر الادراكي الذهني التي سبق عرضها إجمالاً .

وبعد اتضاح التصويرين المذكورين للزمان يقع الكلام فعلاً في أن أي واحد منهما هو الأنسب بالبحث في المشتق لتصور بقاء الذات فيه وإن انقضى المبدأ الواقع فيه ، وقد اختار المحقق الطهراني التصوير الأول ، واختار المحقق العراقي كما في بدائع الأفكار التصوير الثاني .

مختار المحقق الطهراني : إن بقاء الذات مع انقضاء المبدأ معقول في التصوير الأول للزمان ، وذلك لأننا إذا نظرنا للآن الذي وقع فيه قتل الحسين (ع) يوم العاشر ـ مثلاً ـ فهو آن التلبس الذي يعبر عنه بلفظ مقتل الحسين (ع) على نحو الحقيقة ، وبعد انقضاء ذلك الحدث فالآن السيال من آنات ذلك اليوم ما زال باقياً لبقاء أفراده المتصلة المتعاقبة ، ومع بقاءه فيصح النزاع المعقود في باب المشتق فيه بأن نقول : هل ان اطلاق ـ مقتل الحسين (ع) ـ علىٰ بقية الآنات من يوم العاشر إطلاق حقيقي أم مجازي (١) ؟

__________________

(١) نهاية الدراية ١ : ٧١ .

٢٤٤
 &

وقد تسجل ثلاث ملاحظات على مختار المحقق الطهراني :

الملاحظة الأولى : ما طرحها المحقق الاصفهاني ( قده ) وبيانها : إن النظر للزمان بنحو الآن السيال الذي ينطبق على الآنات المتتالية انطباق الكلي على أفراده مصحح للنزاع في جميع الآنات إلى أبد الدهر وبطلان ذلك واضح جداً ، فإننا إذا لاحظنا الآن الذي قتل فيه الحسين (ع) على نحو الآن السيال المنطبق على الآنات انطباق الكلي على فرده فمقتضى ذلك صحة اطلاق لفظ المقتل على جميع الآنات إلى أبد الدهر ، لأن هذه الآنات مصاديق حقيقية للآن السيال .

وحينئذٍ لا موجب لتخصيص النزاع بآنات يوم عاشوراء بل يصح النزاع في آنات الزمان بأجمعها ، ويصح الاطلاق بحسبها إما حقيقة أو مجازاً على الخلاف في بحث المشتق ، ولا قائل بذلك كما لا يلتزم به صاحب التصوير المذكور .

ولكننا لا نوافق على هذه الملاحظة التي طرحها المحقق الاصفهاني ( قده ) ، وذلك لأن ما طرحه وإن كان صحيحاً تاماً بحسب النظر الفلسفي لأن الآن السيال لا يفرق بين افراده الممتدة إلى أبد الدهر فلا وجه لتخصيص النزاع بقطعة زمنية معينة ما دام معقولاً في جميع آنات الزمان ، الا أن هذا المعنى غير تام بحسب النظر العرفي ، والمتبع في مقام الاطلاق والمحاورة هو النظر العرفي لا النظر الفلسفي .

والوجه في ذلك ان المجتمع العقلائي إنما يتصور الزمان بنحو الآن السيال في ضمن تصوره للزمان على نحو التركيب والتحصيص ، فالنظرة العقلائية للزمان على نحو الحركة التوسطية التي تعنى علاقة الكلي بأفراده مندمجة في ضمن النظرة للزمان على نحو الحركة القطعية التي تعني علاقة الكل

٢٤٥
 &

بأجزائه .

وحينئذٍ يكون تصورنا للآن الذي اشتمل على قتل الحسين (ع) بنحو الآن السيال والحركة التوسطية المنطبق على الآنات المتعاقبة انطباق الكلي على فرده في ضمن تصورنا للآنات المتقاربة مع آن القتل على نحو الحركة القطعية ، التي تعني وجود كل مركب من آنات متتابعة مسمى باليوم العاشر .

فالنزاع المعقود في باب المشتق إنما يصح عند العقلاء في الآنات اللاحقة لآن القتل المحدودة بحدود يوم العاشر لا الممتدة لأبد الدهر ، لاندماج تصور الكلي الزماني في تصور الكل الزماني ، كما يصح هذا النزاع في الأيام اللاحقة ليوم العاشر المحدودة بحدود الشهر أو السنة ، أو في الشهور اللاحقة لشهر محرم المحدودة بحدود السنة ، أو السنين اللاحقة لسنة ٦١ هـ المحدودة بحدود القرن الأول ، أو في القرون اللاحقة للقرن الأول المحدودة بحدود المركب الزماني العام .

وكل ذلك لاندماج التصورين عند العقلاء وارتباطهما ، فلا يمكن التفكيك بينهما في مقام البحث عن ظهور لفظ المشتق لدىٰ العرف العقلائي في خصوص المتلبس بالمبدأ أو الأعم وإن صح ذلك بحسب النظر الفلسفي .

الملاحظة الثانية : إن الاتصال الوحداني والتعاقب بين الآنات المتتابعة بحيث لا يتخلل العدم بين اتصالها لا يحقق صدق عنوان البقاء بالنسبة للآن الذي اشتمل على المبدأ الحدثي ، وذلك لتباين الهويات الزمانية والآنات المتصلة تبايناً ذاتياً ومع هذا التباين الذاتي والاختلاف الواقعي بينها فلا يمكن أن يقال أن الزمان الذي احتوى على المبدأ ما زال باقياً حقيقة ، بحيث نتسائل في أنه هل يمكن صدق المشتق صدقاً حقيقياً على هذا الزمان بعد انقضاء المبدأ منه أم لا .

الا أن يقال بأننا إذا لاحظنا الآن الذي وقع فيه المبدأ بحده وخصوصياته

٢٤٦
 &

على نحو بشرط لا عن الآنات الأخرى فهذا الآن لا يعقل بقاءه ، ولا يجدي في تصور بقاءه تحقق الاتصال الوحداني بين الآنات ، وأما إذا لاحظنا آن الحدث بنحو اللابشرط الذي لا يتميز به عن بقية الآنات من حيث مصداقيتها للآن السيال ، وسلمنا بما هو معروف في الحكمة من بقاء الكلي الطبيعي ببقاء أفراده ولو على نحو التحصيص ، بحيث تكون كل حصة منها كما هي هوية مغايرة لهوية أخرى فهي مظهر ومصداق للكلي الطبيعي أيضاً ، فحينئذٍ يصح القول بأن زمان الحدث ما زال باقياً وإن انقضى المبدأ الواقع فيه ويتم عقد بحث المشتق فيه أيضاً .

ولكن النزاع في اسم الزمان إنما يكون معقولاً بناءاً على هذا التصوير اذا كان هذا التصوير عقلائياً عرفياً والا فالملاحظة المذكورة واردة عليه ، فمثلاً إذا صدر من زيد المعين ضرب ثم انقضى هذا المبدأ وانتهى فهل يصح عند العرف العقلائي تصور النزاع المعقود في باب المشتق بالنسبة لعمرو الفرد الآخر بحجة أن الطبيعي باق ببقاء أفراده ومن أفراده عمرو الفلاني ، فالمبدأ وإن صدر من زيد لا من عمرو الا أن عمرواً مصداق آخر لكلي الإِنسان وحينئذٍ يعقد النزاع في اطلاق لفظ الضارب عليه بعد انقضاء مبدأ الضرب عن زيد .

إذن فصحة النزاع في اسم الزمان بناءاً على هذا التصوير تعتمد على الرؤية العقلائية ، فإذا كانت الرؤية العقلائية قائمة على بقاء الذات الزمانية ببقاء الآنات المتصلة صح النزاع في اسم الزمان والا فلا .

الملاحظة الثالثة : إن صحة النزاع المذكور في باب المشتق وجريانه في اسم الزمان يتوقف على ثلاثة عناصر :

١ ـ احتواء الزمان على المبدأ .

٢ ـ انقضاء المبدأ الواقع فيه .

٢٤٧
 &

٣ ـ بقاء الذات الزمانية بعد انقضاء المبدأ الواقع فيها .

والعنصر الثاني وهو انقضاء المبدأ وزواله أمر وجداني لا يحتاج لإِقامة البرهان ، وأما العنصر الثالث وهو بقاء الذات الزمانية بعد انقضاء المبدأ الواقع فيها كما طرحه المحقق الطهراني ( قده ) عند النظرة للزمان بنحو الآن السيال المعبر عنه بالحركة التوسطية المنطبق على الآنات المتتابعة انطباق الكلي على فرده ، فبقاءه بعد زوال المبدأ ببقاء أفراده .

ولكن هذا التصوير لا يثبت لنا توفر العنصر الأول وهو احتواء الآن السيال على المبدأ الحدثي مع أنه أول العناصر وأساسها ، وذلك لأن الآن لسير الزمن لا يمكن تقديره بلحظة ولا ثانية فكيف يتصور احتواؤه على المبادئ الحدثية مع أنها أوسع منه مساحة وحجماً ؟ !

نعم في بعض المبادئ النادرة كالاتصال والانفصال والمماسة ونحو ذلك قد يعقل احتواء الزمان الآني عليها ، وأما في أغلب المبادئ الحدثية فلا يعقل ذلك الا أن تؤخذ قطعة زمنية أوسع من ذلك كالساعة والدقيقة ليمكن احتواؤها على الحدث الواقع ، وهذا يعني النظر للزمان بنحو الكل المركب لا بنحو الكلي الذي هو محل كلامنا .

فتبين لنا بهذه الملاحظة أن العنصر الأول المصحح لجريان النزاع في اسم الزمان مفقود في أغلب المبادئ ، وقد يكون موجوداً على نحو الندرة التي لا يعول عليها في البحوث العلمية .

التصوير الثاني : مختار المحقق العراقي ( قده ) وبيانه : أننا عندما نلاحظ الزمان على نحو الحركة القطعية فإنه يرتسم في أذهاننا كلاً تدريجياً يوجد بوجود أول أجزائه بالقوة لا بالفعل ، لكونه تدريجياً متصرم الأجزاء فلا يوجد بتمامه بالفعل ، وبعد انقضاء المبدأ الواقع في أحد أجزائه لا يزول بزوال ذلك

٢٤٨
 &

المبدأ لبقاءه بما هو كل مركب في بقاء الأجزاء المتتالية ، فيصح النزاع حينئذٍ في أن اطلاق المشتق على بقية الأجزاء الممثلة للكل اطلاق حقيقي أم مجازي .

فمثلاً اذا نظرنا لحادثة قتل الحسين (ع) فإنها وقعت في ساعة معينة من يوم عاشوراء وبعد انقضاء هذه الساعة مع الحدث الواقع فيها يصح النزاع المذكور في بقية الساعات الاُخرى المحدودة بحدود المركب التدريجي وهو يوم عاشوراء .

وقد يرد علىٰ هذا التصوير بعض الملاحظات ونحن نكتفي بعرض واحدة منها ، وهي ان النظر للزمان بنحو الحركة القطعية والوجود التركيبي الامتدادي علىٰ لونين :

أ ـ لحاظ التغاير بين المجموعات الزمانية كيوم السبت ويوم الجمعة وشهر جمادى وشهر رجب وعام الحرب وعام الصلح وبهذا اللحاظ لا يعقل بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ الواقع فيها ، فساعة القتل من يوم عاشوراء مغايرة ذاتاً للساعة التي بعدها ويوم العاشر مغاير ذاتاً لما بعده ، وبعد ذهاب هذا الوقت المقارن للمبدأ لا يعقل بقاء الذات المتلبسة بالمبدأ لمغايرة الذات الزمانية الموجودة للذات السابقة ، ومع عدم معقولية بقاء الذات فلا يعقل جريان النزاع في إطلاق المشتق على المنقضي .

ب ـ لحاظ التداخل بين المجموعات الزمانية كالساعة بالنسبة لليوم واليوم بالنسبة للاسبوع والاسبوع بالنسبة للشهر والشهر بالنسبة للسنة وبهذا اللحاظ لا يتصور انقضاء المبدأ أصلاً فلا يعقل النزاع أيضاً .

بيان ذلك : إن الزمان تارة ينظر إليه من زاوية ( المتى ) وتارة من زاوية ( الكم ) فإذا نظر إليه من الزاوية الثانية فهو عبارة عن مقدار الحركة والعمل كما لو قيل كم استغرقت في زيارة الحسين (ع) فيجاب عشر دقائق ، فالزمان بهذا اللحاظ مساوٍ للعمل لا يزيد عليه ولا ينقص عنه وعلاقته به من هذه

٢٤٩
 &

الزاوية علاقة مقدارية لا علاقة وعائية ظرفية ، والذي يرتبط بمحل كلامنا هو علاقة الظرفية لا علاقة المقدار الكمي ، لأن علاقة المقدارية لا بقاء لها بعد زوال المقدر بهذا المقدار بينما محور النزاع في بحث المشتق يقتضي بقاء الذات المتلبسة حتى بعد زوال المبدأ وهذا إنما يتلاءم مع علاقة الظرفية والاشتمال لا مع علاقة الكمية والمقدار .

وإذا نظرنا للزمان من الزاوية الأولى وهي زاوية المتى التي تعني نسبة الشيء للزمان المشتمل عليه فقد ذكر الفلاسفة أنه يتحقق التلبس بالمبدأ بمجرد اشتمال الزمان بسعته على ذلك المبدأ حيناً من الأحيان .

فمثلاً قتل الحسين (ع) لم يستغرق في عمود الزمن الا بعض الدقائق لكنه يكفي في صدق التلبس به حقيقة مجرد الاشتمال عليه في بعض آنات الزمان ، فيقال الساعة الثانية مقتل الحسين (ع) ويقال يوم العاشر مقتل الحسين (ع) ويقال شهر عاشوراء مقتل الحسين (ع) ويقال عام ٦١ هـ مقتل الحسين (ع) ويقال القرن الأول مقتل الحسين (ع) .

وكل هذه الاطلاقات على نسق واحد بلا عناية ولا تجوز عرفاً مما يكشف عن كون النظرة للزمان بنحو الكل المركب إذا توجهت للمجموعات الزمانية المتداخلة فلا يتصور حينئذٍ انقضاء المبدأ أبداً ، بل كلما وسعت الرؤية لمجموعة زمانية أوسع من المجموعات الأولى رأيت التلبس بالمبدأ ما زال صادقاً وما زال الاطلاق حقيقياً ، باعتبار تداخل المجموعات واندراجها تحت عمود زمني واحد ، ومع عدم انقضاء المبدأ لا يصح النزاع في كون اطلاق المشتق حقيقياً أم مجازياً .

فالخلاصة : ان رؤية الزمان بنحو الكلي وهو الآن السيال لا تصحح جريان بحث المشتق في اسم الزمان ، وعلى نحو الكل المركب لا تصحح جريان النزاع أيضاً ، إما لعدم تصور بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ وذلك بلحاظ

٢٥٠
 &

المجموعات المتغايرة وإما لعدم تصور انقضاء المبدأ بلحاظ المجموعات المتداخلة .

فلا يصلح كلا التصويرين لتصحيح جريان النزاع في اسم الزمان ، وينحصر الجواب الصحيح في هذا المجال في الجواب الأول الذي طرحه المحقق الاصفهاني ( قده ) وهو كون النزاع في هيئة مفعل بلحاظ بقاء بعض أفرادها ـ وهو الفرد المكاني ـ بعد زوال المبدأ وانقضائه . وهذا تمام الكلام في المقام الأول وهو بيان محور البحث والكلام في المشتق .

٢٥١
 &

المقام الثاني :

مناشئ القول بالْأعم : المختار عندنا هو القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ ، ولكن ذهب مجموعة من العلماء للقول بوضعه للأعم من المتلبس والمنقضي عنه المبدأ ، وذلك لأربعة مناشئ :

١ ـ تحديد دائرة التلبس . ٢ ـ تشخيص الموضوع . ٣ ـ الموضوعية والمعرفية للمشتق . ٤ ـ البساطة والتركيب في المشتق .

المنشأ الأول : تحديد دائرة التلبس ، إن الخطأ في تحديد دائرة التلبس في بعض المشتقات أدَّى للقول بالوضع للأعم ، وسبب هذا الخطأ أحد أمرين :

أ ـ عدم تشخيص مفاد الهيئة .

ب ـ عدم تشخيص المبدأ .

الأمر الأول : وفيه موردان :

أ ـ أسماء الآلة كالمفتاح والمكنسة والمنشار ، فإن القائل بالأعم تخيل أن مفاد الهيئة في أسماء الآلة هو النسبة الفعلية فحينئذ يزول التلبس بالمبدأ بمجرد عدم استعماله في المعَدُّ له ، مع أن اطلاق لفظ مفتاح ـ مثلاً ـ على الآلة المخصوصة في حين عدم الفتح اطلاق حقيقي لا عناية فيه ، وذلك دليل الوضع للأعم .

إلّا أن هذا التخيل خاطئ ، وذلك لأن مفاد الهيئة في أسماء الآلة هو النسبة الاعدادية ولو لم تستخدم في الغرض المعَدُّ له أصلاً ، وحينئذ تتسع دائرة التلبس بالمبدأ لصورة عدم الاستخدام ما دامت الحيثية الاعدادية موجودة ، ولذلك صح الاطلاق الحقيقي للفظ المفتاح ـ عرفاً ـ على الآلة الغير مستخدمة أصلاً لوجود التلبس الاعدادي ، فلا موجب للقول بالأعم من جهة هذا المورد .

٢٥٢
 &

ب ـ أسماء الزمان ، فإن القائل بالأعم تصور أن مفاد الهيئة في اسم الزمان هو النسبة الاقترانية فيختص بالقطعة الزمانية المقارنة للحدث دون غيرها من حصص الزمان ، مع أنه يصح إطلاق اسم الزمان على بقية الحصص الزمانية الغير المقارنة للحدث بلحاظ المجموعات الزمانية المتداخلة عند رؤية الزمان بنحو الحركة القطعية ، فيقال لليوم الذي وقع فيه القتل وللأسبوع وللشهر وللعام وللقرن ، أنه مقتل ، على نحو الاطلاق الحقيقي عرفاً مع انقضاء زمان التلبس بالمبدأ في هذه الحصص الزمانية المتداخلة على نحو الحركة القطعية ، مما يدل على الوضع للأعم .

ولكن هذا التصور خاطئ ، وذلك لأن مفاد الهيئة في اسم الزمان هو النسبة الظرفية لا الاقترانية ، والظرفية بمعنى وعاء الحدث صادقة حقيقة على سائر الحصص الزمانية المتداخلة في مسار الحركة القطعية ، فالتلبس بالمبدأ ما زال متحققاً بهذا اللحاظ ولم يحصل انقضاء له حتى يؤدي ذلك للقول بالأعم .

الأمر الثاني : إن عدم تمييز المبدأ الجلي من المبدأ الخفي يؤدي لتضييق دائرة التلبس بالمبدأ ويستلزم القول بالوضع للأعم . ومقصودنا بالمبدأ الجلي مبدأ الاشتقاق عند النحويين وهو الفعل أو المصدر بما له من المعنى الواضح عرفاً ، ومقصودنا بالمبدأ الخفي هو نفس مبدأ الاشتقاق لكن مع إشرابه وتطعيمه معنى آخر لا ينصرف له الذهن العرفي ، ولذلك عدة أمثلة :

١ ـ ما كان المبدأ بمعنى الملكة نحو الاجتهاد في لفظ المجتهد ، فإن لوحظ هذا المبدأ بالمعنى الجلي وهو فعلية الاستنباط ضاقت دائرة التلبس وكان ذلك موجباً للقول بالأعم ، لصحة الاطلاق الحقيقي عرفاً على غير المتلبس بالاستنباط الفعلي ، وإن لوحظ المبدأ بمعناه الخفي وهو ملكة الاستنباط اتسعت دائرة التلبس بالمبدأ وصح الاطلاق الحقيقي للفظ المجتهد على من تلبس بملكة الاستنباط وإن لم يستنبط فعلاً .

٢٥٣
 &

٢ ـ ما كان المبدأ فيه بنحو الحرفة والصناعة ، وهو قسمان :

أ ـ ما كان مبدؤه حدثياً كالطبيب والنجار ، فإن المبدأ الجلي لهذه الأوصاف هو الطبابة والنجارة بمعنى الممارسة الفعلية ، وذلك هو سبب القول بالأعم ، بينما المبدأ الخفي لها هو معنى الاحتراف والقدرة على الصناعة ، وعدم تمييز أحدهما عن الآخر أدى للقول بالأعم .

ب ـ ما كان مبدأه عيناً من الأعيان كالتامر واللابن والحدَّاد ، فإن المبدأ الجلي بيع التمر واللبن ولكن المبدأ الخفي اتخاذ بيع هذه الاعيان حرفة ومهنة لا مجرد الممارسة الفعلية لبيعها ، وعدم فرز المبدأ الخفي من المبدأ الجلي أدى للقول بالأعم .

٣ ـ ما كان المبدأ فيه بنحو الاقتضاء لا الفعلية نحو السم قاتل والنار محرقة ، فإن المبدأ الجلي لها بمعنى الفعلية بينما المبدأ الخفي بمعنى الاقتضاء والاستعداد .

٤ ـ ما كان المبدأ بمعنى الشأنية نحو السيف قاطع ، فإن المبدأ الجلي له هو القطع الفعلي بينما المبدأ الخفي هو شأنية القطع .

٥ ـ ما كان المبدأ بمعنى المضي والحدوث نحو الضارب بمعنى من صدر منه الضرب والمضروب بمعنى من وقع عليه الضرب ، فلو أخذ المبدأ الجلي هنا وهو الضاربية والمضروبية الفعلية أدى ذلك للقول بالأعم ولكن لو أخذ المبدأ الخفي وهو الضرب الواقع لم يكن هناك موجب للقول بالأعم .

بيان ذلك : إن المحقق النائيني ( قده ) ذهب الى عدم معقولية النزاع المعقود في باب المشتق في اسم المفعول ، لعدم تصور الانقضاء فيه حتى يتنازع في اطلاقه بعد الانقضاء وهل هو إطلاق حقيقي أم مجازي ، فإن المقصود بلفظ المضروب ـ مثلاً ـ من وقع عليه الضرب وهذا المعنى لا يقبل الزوال حتى

٢٥٤
 &

يتصور النزاع بعد زواله ، فإن الشيء لا ينقلب عما وقع عليه (١) .

ولكننا نلاحظ على هذا الرأي نقضاً وحلاً ، أما النقض فبأمرين :

أ ـ اسم الفاعل كالضارب ـ مثلاً ـ بمعنى من صدر منه الضرب ، فإنه بهذا المعنى لا يتصور فيه انقضاء المبدأ أصلاً فلا يعقل النزاع فيه أيضاً ، مع أنه خصَّص عدم النزاع باسم المفعول .

ب ـ اسم المفعول كالمملوء مثلاً ، فإن الامتلاء يتصور وجوده ويتصور زواله ، ولذلك فالنزاع فيه معقول بعد انقضاء مبدأ الامتلاء وزواله .

وأما الحل فيتم ببيان الفارق بين المبادئ الآنية ـ عرفاً ـ والمبادئ الاستمرارية ، فالضرب والقتل ـ مثلاً ـ مبدأ آني ـ عرفاً ـ غير قابل للامتداد في عمود الزمان ، ولهذا لو أخذنا هذا المبدأ بمعناه الجلي ـ وهو البقاء والتحقق ـ ضاقت فترة التلبس به وكانت صحة الاطلاق الحقيقي له بعد انقضاء التلبس دليلاً على الوضع للأعم ، ولكن لو أخذنا هذا المبدأ بمعناه الخفي ـ وهو ـ المضي والحدوث ـ فلا يتصور فيه الانقضاء حينئذ كما لا يتصور الانقضاء ـ أيضاً ـ في اسم الفاعل المتضمن لهذا الحدث الآني ـ أيضاً ـ كالضارب والقاتل .

ومقابل ذلك توجد مبادئ استمرارية ممتدة في عمود الزمان كالامتلاء والنقش فيقال مملوء ومنقوش ، وفي مثل هذا لا يوجد مبدأ خفي وجلي يختلف باختلافهما الأثر بل له مبدأ واحد مأخوذ بنحو الفعلية ، فيتصور فيه الانقضاء والاستمرار ويكون النزاع فيه معقولاً .

٦ ـ ما كان المبدأ فيه اعتبارياً نحو المبيع ، فإن مبدأه وهو البيع إن لوحظ بمعناه الجلي وهو البيع المصدري الذي هو أمر تكويني وهو العقد نفسه فبهذا اللحاظ تضيق دائرة التلبس ، وإن لوحظ بمعناه الخفي وهو المملوكية أي البيع

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٨٣ ـ ٨٤ .

٢٥٥
 &

بالاسم المصدري فهو باق مستمر ، لأنه أمر اعتباري يمتد بامتداد الاعتبار .

وخلاصة الكلام في هذا المنشأ : أن من أسباب القول بالوضع بالأعم عدم تحديد دائرة التلبس ، والخلط بين حالة الانقضاء وحالة التلبس ، لعدم تشخيص مفاد الهيئة أو عدم تحديد المبدأ .

المنشأ الثاني : عدم تشخيص الموضوع ، إن القائل بالأعم يتصور أن موضوعات الأحكام على نسق واحد وهو دوران الحكم مدار صدق عناوينها حدوثاً وبقاءاً ، فإذا قيل : ( قلِّد العادل ) فإن ظاهره دوران التقليد مدار العدالة حدوثاً وبقاءاً ، ونحوه قوله تعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَ ) (١) و ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (٢) ، فإن ظاهره دوران الحكم بالحد مدار هذه العناوين حدوثاً وبقاءاً ، مع أن التلبس بمبدأ السرقة والزنا لا بقاء له عند الحكم بإقامة الحد بل لا يمكن تقارنهما عرفا وشرعاً .

وهذا دليل على الوضع للأعم ، فإنه ما دام الحكم يدور مدار صدق العنوان حدوثا وبقاءاً فلا بد من الصدق الحقيقي لعنوان السارق الى حين الحكم بإقامة الحد ، وهذا مما يؤكد الوضع للأعم خصوصاً مع شهادة العرف بخلو هذا الاطلاق عن التجوز والعناية .

وتعليقنا على ذلك : أن هذا خلط بين موضوعات الأحكام ناشئ من تصور أن جميعها على نسق واحد ، وهو دوران الحكم مدار صدق عناوينها حدوثا وبقاءاً ، مما أدى للقول بالأعم استناداً إلى ترتب الحكم على بعض الموضوعات مع زوال التلبس بالمبدأ فيه .

والصحيح أن الموضوعات على ثلاثة أقسام :

__________________

(١) المائدة : ٥ / ٣٨ .

(٢) النور : ٢٤ / ٢ .

٢٥٦
 &

أ ـ ما يدور الحكم مدار عنوانه حدوثا وبقاءاً نحو قلِّد العادل العالم ، وهذا هو المطابق للقاعدة العرفية ، وهي أن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ودوران الحكم مدار الوصف والعنوان ، فلا يصح الخروج عن هذه القاعدة الاستظهارية العرفية الا بقرينة عقلية أو مقامية أو لفظية كما سيأتي بيانه .

ب ـ ما يكون عنوانه مشيراً للموضوع الواقعي من دون دخالته في الحكم أصلاً نحو قوله عليه السلام ، « خذ دينك من هذا الجالس » (١) مشيراً لزرارة بن أعين ، وفي هذا المورد خرجنا عن مقتضى القاعدة العرفية وهي دوران الحكم عرفاً مدار العنوان المعلق عليه بالقرينة العقلية ، وهي حكم العقل بعدم دخالة الجلوس في التعلم والاستفادة قطعاً ، الا أن هذا المورد لا وجود له في الأحكام الشرعية ، باعتبار أن استخدام العناوين المشيرة للموضوع الواقعي إنما يتصور في القضايا الشخصية والخطابات الفعلية لوجود مناسبة خاصة في التعبير بهذا العنوان المشير مع عدم دخالته في الحكم أصلاً ، بينما الأحكام الشرعية مجعولة على نحو القضية الحقيقية التي لا نظر فيها لمرحلة الفعلية والامتثال حتى تراعى فيها المناسبات الخاصة ، فلا يستخدم فيها الا العناوين الدخيلة في الحكم القانوني .

ج ـ ما يدور الحكم مدار عنوانه حدوثاً لا بقاءاً نحو ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (٢) ، فإن السرقة في المثال يكفي حدوثها في ترتب الحد على السارق مع عدم بقاء التلبس بالسرقة الى وقت ترتب الحكم بالحد عليه ، وإنما خرجنا في هذا المورد عن القاعدة العرفية السابقة ـ وهي تعليق الحكم على

__________________

(١) الوسائل : ٢٧ / ١٤٣ ، ح ٣٣٤٣٤ .

(٢) المائدة : ٥ / ٣٨ .

٢٥٧
 &

الوصف مشعر بالعلية ـ باعتبار وجود القرينة المقامية ، وهي مناسبة الحكم للموضوع ، حيث أنه لا يمكن ـ عادة ـ الحكم بحد السارق حين سرقته ، فلا وجه حينئذ لدوران الحكم مدار العنوان حدوثاً وبقاءاً .

وبعد اتضاح أقسام موضوعات الأحكام يتبين لنا أن الدليل الذي اعتمد عليه في القول بالأعم غير تام ، وذلك لأن الدليل مؤلف من مقدمتين ونتيجة ، فالمقدمة الأولى أن الأحكام تدور مدار عناوين الموضوعات حدوثاً وبقاءاً للقاعدة العرفية القائلة إن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، والمقدمة الثانية ان مقتضى الدوران مدار عنوان الموضوع بقاء الصدق الحقيقي لعنوان الموضوع في مثل قوله تعالى : ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (١) الى حين ترتب الحكم ، والنتيجة أن مقتضى بقاء الصدق الحقيقي للعنوان حين ترتب الحكم حتى مع زوال التلبس بالمبدأ هو القول بالأعم .

ولكننا بعد أن ناقشنا المقدمة الأولى وأوضحنا اختلاف عناوين موضوعات الأحكام ، فلا يتم هذا الدليل بنظرنا ولا يصح الاعتماد عليه في القول بالأعم .

ملحق : وفيه بيان ثلاثة اُمور :

الأول : قد يقال بعدم تحقق القسم الثالث من عناوين موضوعات الأحكام ، وهو ما يدور الحكم مدار العنوان فيه حدوثاً لا بقاءاً ، وذلك لمانع ثبوتي ومانع إثباتي ، أما المانع الثبوتي فخلاصته : أن الأصوليين قالوا بأن علاقة الحكم بموضوعه علاقة المعلول بعلته التامة فكما يستحيل وجود المعلول وبقاؤه بدون بقاء علته التامة فكذلك يستحيل وجود الحكم مع زوال موضوعه .

وأما المانع الإِثباتي فمحصله : إن العدلية اتفقوا على تبعية الأحكام

__________________

(١) المائدة : ٥ / ٣٨ .

٢٥٨
 &

للمصالح والمفاسد ، ومعنى ذلك أن ارتباط الحكم بموضوعه نابع من الارتباط بملاك معين ومصلحة كامنة في هذا الموضوع ، وهذا الارتباط يؤدي لدوران الحكم مدار عنوان موضوعه حدوثاً وبقاءاً ، فلا يمكن الخروج عن هذه القاعدة الا بشاهد واضح .

وحينئذ فإطلاق لفظ السارق في الآية ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (١) إما أن يكون مجازياً وإما أن يكون حقيقياً ، فإن كان الاطلاق مجازياً فلازمه أن الموضوع قد زال وانتهى ومع زواله فلا يعقل بقاء الحكم للارتباط الوثيق بينهما ، وهو ارتباط الحكم بملاكه ومناطه ، وإن كان الاطلاق حقيقياً فلازمه الوضع للأعم لزوال التلبس بمبدأ السرقة حين فعلية الحكم ، وهذا هو المطلوب .

والجواب عن هذا الايراد بعدة وجوه :

أ ـ إنه لا توجد علاقة تكوينية بين الحكم وموضوعه وإنما هي علاقة اعتبارية ، فإن المصلحة الكامنة في الموضوع لا تستلزم تكويناً وضع هذا الحكم الاعتباري المعين كما هو واضح ، فإذا كانت العلاقة علاقة اعتبارية فأي مانع من القول بأن علة الحكم محدثة ومبقية وأن موضوع الحكم يكفي حدوثه في حدوث الحكم وبقائه ؟ ! .

فإن الملازمة بينهما اعتبارية لا تكوينية حتى يقال : بأن علاقة الحكم بموضوعه علاقة المعلول بعلته التامة حدوثاً وبقاءاً ، وأن الحكم يدور مدار عنوان موضوعه حدوثاً وبقاءاً .

وبعد إنكار هذه القاعدة نقول : إن ظاهر تعليق الحكم على الوصف العنواني وإن كان دورانه مداره حدوثاً وبقاءاً لكننا نخرج عن هذا الظاهر أحياناً

__________________

(١) المائدة : ٥ / ٣٨ .

٢٥٩
 &

لبعض القرائن ومنها قرينة مناسبة الحكم للموضوع ، فإن هذه القرينة تقتضي كفاية حدوث العنوان في ترتب الحكم وإن زال التلبس بالعنوان بعد ذلك ، فمثلاً في آية السرقة والزنا نقول : إن مقتضى مناسبة الحكم للموضوع كفاية حدوث السرقة والزنا في ترتب الحكم بالحد لاستحالة تقارنهما عادة ، وكذلك في آية العهد ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، فإن مناسبة الحكم للموضوع تقتضي كفاية حدوث الظلم في زمان للحكم بعدم تقلد منصب الامامة كما سيأتي بيانه .

ب ـ قد ذكرنا فيما سبق أنه قد يقع الخلط بين المبدأ الجلي للمشتق والمبدأ الخفي ، فلفظ السارق ـ مثلاً ـ مبدؤه الجلي هو السرقة بمعنى التحقق والبقاء ، وهو بهذا المعنى لا فعلية له حين ترتب الحكم ، ولازم ذلك القول بالوضع للأعم .

بينما عندما نلاحظ مبدأه الخفي وهو السرقة بمعنى المضي والحدوث بحيث يكون المراد بالسارق من صدر منه السرقة فحينئذ لا يتصور انقضاء هذا المبدأ أبداً ، فالاطلاق حقيقي لعدم انقضاء التلبس ويدور الحكم حينئذ مداره حدوثاً وبقاءاً لعدم انتهائه .

وبناءاً على هذا الجواب لا نحتاج لمناقشة القاعدة القائلة بلزوم دوران الحكم مدار عنوان موضوعه حدوثاً وبقاءاً ، بل نقول حتى مع التسليم بهذه القاعدة وكون علاقة الحكم بموضوعه علاقة المعلول بعلته التامة لا نرى في المثال خرقاً للقاعدة ، فإن ترتب الحكم بالحد مقارن للصدق الحقيقي لعنوان السارق ما دام مأخوذاً بنحو المضي والحدوث .

ج ـ ما يستفاد من كلمات المحقق العراقي ( قده ) وهو أن الموضوع في آية السرقة والزنا إن كان هو العنوان ـ أي عنوان السارق وعنوان الزاني ـ على نحو

__________________

(١) البقرة : ٢ / ١٢٤ .

٢٦٠