نظرة في كتاب الوشيعة لموسى جار الله

المؤلف:

العلامة الأميني


المحقق: أحمد الكناني
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٩

من عند نفسه ثمّ قرأ عبد الله.

٤ ـ عبد الله بن عمر ، أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده ٢ ص ٩٥ بإسناده عن عبد الرحمن بن نعم ـ نعيم ـ الأعرجي قال : سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا عنده متعة النساء؟ فقال والله ما كنّا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زانين ولا مسافحين.

٥ ـ معاوية بن أبي سفيان ، عدّه ابن حزم في المحلى ، والزرقاني في شرح الموطأ ممّن ثبت على إباحتها (١). ومرّ خلافه ويوافيك قولنا الفصل فيه.

٦ ـ أبو سعيد الخدري ، المحلّى لابن حزم. وشرح الموطأ للزرقاني (٢).

٧ ـ سلمة بن اميّة بن خلف ، المحلّى لابن حزم. وشرح الموطأ للزرقاني (٣).

٨ ـ معبد بن اميّة بن خلف ، المحلّى لابن حزم (٤).

٩ ـ الزبير بن العوام ، راجع صحيفة ٥٧ ، ٥٨.

١٠ ـ خالد بن مهاجر بن خالد المخزومي قال : بينا هو جالسٌ

__________________

(١) المحلى ٩ / ٥١٩ ، المسألة ١٨٥٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٨١

عند رجل جاءه رجلٌ فاستفتاه في المتعة فأمره بها.

فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري : مهلاً.

فقال : ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتّقين (١).

١١ ـ عمرو بن حريث ، مرّ حديثه ص ٢٠٧ وفيما أخرجه الطبري عن سعيد بن المسيب قال : استمتع ابن حريث وابن فلان كلاهما وولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر (٢).

١٢ ـ ابيّ بن كعب تأتي قراءته : فما استمتعتم به منهن إلى أجل.

١٣ ـ ربيعة بن اميّة ، مرّ حديثه ص ٢٠٦.

١٤ ـ سمير ـ في الإصابة : لعلّه سمرة بن جندب ـ قال : كنّا نتمتع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الإصابة ٢ ص ٨١.

١٥ ـ سعيد بن جبير ، عدّه ابن حزم ممّن ثبت على إباحتها وتأتي قراءته (٣).

١٦ ـ طاوس اليماني ، عدّه ابن حزم ممن ثبت على إباحتها (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم ١ / ٣٩٦ ؛ سنن البيهقي ٧ / ٢٠٥. (المؤلف)

(٢) كنز العمال ٨ / ٢٩٣. (المؤلف)

(٣) المحلى ٩ / ٥١٩.

(٤) المصدر السابق.

٨٢

١٧ ـ عطاء أبو محمد المدني ، عدّه ابن حزم ممن ثبت على إباحتها (١).

١٨ ـ السدي ، كما في تفسيره ، وتأتي قراءته.

١٩ ـ مجاهد ، سيأتي قوله في آية المتعة ولم يعز إليه القول بالنسخ.

٢٠ ـ زفر بن أوس المدني ، كما في البحر الرائق لابن نجيم ٣ ص ١١٥.

قال ابن حزم في المحلّى بعد عدّ جملة ممن ثبت على إباحة المتعة من الصّحابة : ورواه جابر عن جميع الصّحابة مدّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر. ثمّ قال : ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكّة.

وقال أبو عمر صاحب الاستيعاب : أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عباس وحرّمها سائر النّاس (٢).

وقال القرطبي في تفسيره ٥ ص ١٣٢ : أهل مكّة كانوا يستعملونها كثيراً.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) تفسير القرطبي ٥ / ١٣٣ ؛ فتح الباري ٩ / ١٤٢. (المؤلف)

٨٣

وقال الرازي في تفسيره ٣ ص ٢٠٠ في آية المتعة : اختلفوا في أنّها هل نُسخت أم لا؟ فذهب السّواد الأعظم من الأمّة إلى أنها صارت منسوخة. وقال السّواد منهم أنها بقيت مباحة كما كانت.

وقال أبو حيّان في تفسيره بعد نقل حديث إباحتها : وعلى هذا جماعةٌ من أهل البيت والتابعين.

وقد ذهب إلى إباحة المتعة مثل ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز المكّي المتوفى ١٥٠ ، قال الشافعي : استمتع ابن جريج بسبعين امرأة.

وقال الذهبي تزوّج نحواً من تسعين امرأة نكاح المتعة (١).

وقال السرخي في المبسوط : تفسير المتعة أن يقول لامرأة : أتمتع بك كذا من المدة بكذا من المال. وهذا باطلٌ عندنا جائز عند مالك بن أنس وهو الظاهر من قول ابن عبّاس.

وقال فخر الدين أبو محمّد عثمان بن علي الزيلعي في تبيان الحقائق شرح كنز الدقائق : قال مالك : هو ـ نكاح المتعة ـ جائز لأنّه كان مشروعاً فيبقى إلى أن يظهر ناسخه ، واشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبعه على ذلك أكثر أصحابه من أهل اليمن ومكّة ، وكان يستدلّ على ذلك بقوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَ

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦ / ٤٠٦ ؛ ميزان الاعتدال ٢ / ١٥١. (المؤلف)

٨٤

أُجُورَهُنَّ).

وعن عطاء أنه قال : سمعت جابراً يقول : تمتّعنا على عهد رسول الله وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر ثمّ نهى الناس عنه. وهو يحكي عن ابي سعيد الخدري وإليه ذهب الشيعة.

ويُنسب جواز المتعة إلى مالك في فتاوى الفرغاني تأليف القاضي فخر الدين حسن بن منصور الفرغاني ، وفي خزانة الرّوايات في الفروع الحنفية تأليف القاضي جكن الحنفي ، وفي كتاب الكافي في الفروع الحنفية ، وفي العناية شرح الهداية تأليف أكمل الدين محمّد بن محمود الحنفي ، ويظهر من شرح الموطأ للزرقاني أنّه أحد قولي مالك.

[النسخ بالكتاب]

نعم جاء قوم راقهم أن ينحتوا لنهي عمر حجّة قوية فادّعوا نسخ الآية بالكتاب تارة وبالسنة اخرى ، وتضاربت هناك آرائهم وكلّ منها يكذّب الآخر ، كما أنّ كلاًّ من قائليها يزيّف قول الآخر ، فمن قائل : نسخت بقوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).

ومن قائل بنسخها بقوله سبحانه (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)

٨٥

نظراً إلى أن المنكوحة متعةً ليست بزوجة ولا ملك يمين.

وثالثٌ يقول إنّها نُسخت بآية الميراث إذ كانت المتعة لا ميراث فيها.

هذه كلّها دعاوى فارغة ، أيحسب امرئ أن تخفي هذه الآيات وكونها ناسخة لآية المتعة على اولئك الصّحابة وفيهم من المجوّزين لها مَن عرفت ، وفيهم من فيهم ، وفي مقدّمهم سيّدنا أمير المؤمنين العارف بالكتاب قذاذاته وجذاذاته ، وقد مرّ في صحيفة ٧٢ عن الحرالي قوله : قد علم الأوّلون والآخرون انّ فهم كتاب الله منحصرٌ إلى علم عليّ. فكيف ذهب عليه وعلى مثل ابن عبّاس ترجمان القرآن نسخ هذه الآيات آية المتعة وذهبوا إلى إباحتها وما أصاخوا إلى قول أي ناهٍ عنها؟ فالمتمسكون بهذه الآيات في النسخ ممّن أخذوا؟ ومن أين أتاهم هذا العلم؟ ـ المساوق الجهل ـ.

وإن صدقت الأحلام وكان ابن عبّاس روى النسخ ببعضها كما عزوا اليه (١) ورأى مع ذلك إباحتها وقال بها إلى آخر نفس لفظه ، وتبعته فيها امة كبيرة فالمصيبة أعظم وأعظم ، وحاشاه أن تكون هذه سيرته وهذا مبلغ ثقته وأمانته بودائع العلم والدين.

على أنّ الآية الاولى إنما أراد سبحانه بها من تبين بالطلاق

__________________

(١) أحكام القرآن للجصاص ٢ / ١٧٨ ، سنن البيهقي ٧ / ٣٠٦. (المؤلف)

٨٦

لا مطلق البينونة وإلّا لشملت ملك اليمين أيضاً فنسخته ، ولم يقل به أحدٌ ولا عدّه أحد من السفاح.

وأمّا الآية الثانية فالقول فيها بنفي الزوجية في المتعة مصادرة محضة ، فإنّ القائل باباحتها يقول بالزوجية فيها وانها نكاح ، وعلى ذلك قال القرطبي كما يأتي : لم يختلف العلماء من السّلف والخلف إنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه.

وعن القاضي كما سيوافيك : إنّه قال : اتّفق العلماء على أنّ هذه المتعة كانت نكاحاً إلى أجل لا ميراث فيها.

فالاستدلال باطلاق هذه الآية على إباحة نكاح المتعة أولى من التمسك بها في نسخ آية المتعة.

ثمّ القول بالنسخ بهذه الآية يُعزى إلى ابن عبّاس وهو كعزو الرجوع عن القول باباحة المتعة إليه ساقط عن الاعتبار.

قال ابن بطّال : روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة ، وروي عنه الرجوع باسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصحّ (١).

وأما آية الميراث فهي أجنبية عن المقام فإنّ نفي الوراثة جاءت بها السنة في خصوص النكاح المؤجل ، فهي بمعزل عن نفي عقدة

__________________

(١) فتح الباري ٩ / ٢٤٢. (المؤلف)

٨٧

النكاح وعنوان الزوجية كما جاء مثله في الولد القاتل أو الكافر من غير نفي لأصل البنوة.

وأمّا النسخ بالسنّة :

فقد كثر القول فيه واختلفت الآراء اختلافاً هائلاً ، وكلّ منها لا يلائم الآخر ، والقارئ لا مناص له من هذا الخلاف والتضارب في القول لاختلاف ما اختلقته يد الوضع فيه من الروايات الجمّة تجاه ما حفظته السنّة الثابتة والتاريخ الصحيح ، فوضع كلّ من رجال النسخ المفتعل بحسب رأيه وسليقته ذاهلاً عن نسيجة أخيه وفعيلته ، وإليك جملة من تلك الأقوال :

١ ـ كانت تلك رخصة في أوّل الإسلام نهى عنها رسول الله يوم خيبر (١).

٢ ـ لم تكن مباحة إلّا للضرورة في أوقات ، ثمّ حرّمت آخر سنة حجّة الوداع. قاله الحازمي.

٣ ـ لا تحتج إلى الناسخ إنّما ابيحت ثلاثة أيّام فبانقضائها تنتهي الإباحة.

٤ ـ كانت مباحة ونُهي عنها في غزوة تبوك.

٥ ـ ابيحت عام أوطاس ثمّ نهي عنها.

__________________

(١) سيأتي من المؤلف رحمه‌الله نسبة الأقوال إلى أصحابها.

٨٨

٦ ـ ابيحت في حجة الوداع ثمّ نهي عنها.

٧ ـ ابيحت ثمّ نهى عنها عام الفتح.

٨ ـ ابيحت يوم الفتح ونهي عنها يوم ذلك.

٩ ـ ما حلّت قطّ إلا في عمرة القضاء.

١٠ ـ هي الزنا لم تبح قطّ في الإسلام قاله النحاس.

١١ ـ ابيحت ثمّ نهي عنها عام خيبر ، ثمّ اذن فيها عام الفتح ، ثمّ حرّمت بعد ثلاث.

١٢ ـ ابيحت في صدر الإسلام ، ثمّ حرّمت يوم خيبر ، ثمّ ابيحت في غزوة أوطاس ، ثمّ حرمت.

١٣ ـ ابيحت في صدر الإسلام وعام أوطاس ويوم الفتح وعمرة القضاء ، وحرّمت يوم خيبر وغزوة تبوك وحجة الإسلام.

١٤ ـ ابيحت ثمّ نسخت ، ثمّ ابيحت ثمّ نسخت ، ثمّ ابيحت ثمّ نسخت.

١٥ ـ ابيحت سبعاً ونُسخت سبعاً ، نُسخت بخيبر وحنين وعمرة القضاء وعام الفتح وأم الأوطاس وغزوة تبوك وحجة الوداع (١).

__________________

(١) راجع أحكام القرآن للجصاص ٢ / ١٨٢ ، صحيح مسلم ١ / ٣٩٤ ، زاد المعاد

٨٩

وان رمت الوقوف على الآراء المتضاربة حول أحاديث هذه الأقوال والكلمات الطويلة والعريضة فيها فخذ القول الأوّل مقياساً ، وقد أخرج حديثه خمسة من أئمة الصحاح الستّ في صحاحهم ، وغيرهم من أئمة الحديث في مسانيدهم (١) ، وأنهوا إسناده إلى عليّ أمير المؤمنين.

فتكلّم القوم فيه فمن قائل (٢) بأنّ تحريم المتعة يوم خيبر صحيحٌ لا شكّ فيه.

وآخر يقول (٣) هذا شيء لا يعرفه أحدٌ من أهل السير ورواة الأثر أن المتعة حرّمت يوم خيبر.

وثالث (٤) يقول : إنّه غلط ولم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء.

ورابع (٥) يقول : إن التاريخ في الحديث إنّما هو في النهي عن لحوم

__________________

١ / ٤٤٣ ، فتح الباري ٩ / ١٣٨ ؛ ارشاد الساري ٨ / ٤١ ؛ شرح صحيح مسلم للنوري هامش الإرشاد ٦ / ١٢٤ ـ ١٣٠ ، شرح الموطأ للزرقاني ٢ / ٢٤. (المؤلف)

(١) صحيح البخاري ص ٨ ص ٢٣ ، صحيح مسلم ١ / ٣٩٧ ؛ سنن ابن ماجة ١ / ٦٠٤ ، سنن الدارمي ٢ / ١٤٠ ؛ صحيح الترمذي ١ / ٢٠٩ ، سنن النسائي ٦ / ١٢٦. (المؤلف)

(٢) قاله القاضي عياض وحكاه عنه الزرقاني في شرح الموطأ ٣ / ٢٤. (المؤلف)

(٣) قاله السهيلي في الروض الانف ٢ / ٢٣٨. (المؤلف)

(٤) قاله أبو عمر صاحب الاستيعاب وحكاه عنه الزرقاني في شرح المواهب ٢ / ٢٣٩ ، وفي شرح الموطأ ٢ / ٢٤. (المؤلف)

(٥) قاله ابن عيينة في سنن البيهقي ٧ / ٢٠١ ، وزاد المعاد ١ / ٤٤٣. (المؤلف)

٩٠

الحمر الأهلية لا في النهي عن نكاح المتعة ، فتوهّم بعض الرواة فجعله صرفاً لتحريمها. انتهى.

كيف خفي هذا الوهم على طائفة كبيرة من العلماء ومنهم الشافعي وذهبوا إلى تحريمها يوم خيبر؟ كما في زاد المعاد ١ / ٤٤٢ ، وكيف عزب عن مثل مسلم وأخرجه في صحيحه بلفظ : نُهي عن متعة النساء يوم خيبر (١).

وفي لفظه الآخر : نُهي عن نكاح المتعة يوم خيبر.

وفي ثالث الألفاظ له : نُهي عنها يوم خيبر.

وفي لفظ رابع له : نهى رسول الله عن متعة النساء يوم خيبر؟

وجاء خامس (٢) يزيّف ويضعف أحاديث بقيّة الأقوال فيقول : فلم يبق صحيحٌ صريح سوى خيبر والفتح مع ما وقع في خيبر من الكلام.

هذا شأن أصحّ رواية أخرجته أئمة الحديث في النهي عن المتعة ، والخطب في بقية مستند تلكم الأقوال أعظم وأعظم ، وأفظع من هذه كلّها نعرات القرن العشرين لصاحبها موسى الوشيعة فإنه جاء بطامّات قصرت عنها اللاعبين بالكتاب والسنة في القرون

__________________

(١) وبهذا اللفظ أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ٦ / ١٠٢ وج ٨ ص ٤٦١. (المؤلف)

(٢) قاله الزرقاني في شرح الموطأ ٢ / ٢٤. (المؤلف)

٩١

المتقادمة ، وأتى برأي خداج ومذهب مخترع يُخالف رأي سلف الأمّة جمعاء ، ولا يساعده في تقوّلاته أي مبدأ من المبادئ الإسلامية ولا شيء من الكتاب والسنة.

قال : وللأمة في المتعة كلامٌ طويلٌ عريضٌ : وأرى أن المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية ، ويمكن أنّها قد وقعت من بعض الناس في صدر الإسلام ، ويمكن أنّ الشارع الكريم قد أقرّها لبعض الناس في الأحوال من باب ما نزل فيها إلّا ما قد سلف ... وقد نزل في أشدّ المحرّمات.

كانت المتعة أمراً تاريخياً ولم تكن حكماً شرعياً بإذن من الشّارع ، وإن ادّعى مدّع إنّ المتعة كانت حلالاً طلقاً بإذن من الشارع وإقرار منه فلتكن ولنقل أن لا بأس بها ولا كلام لنا في هذه على ردّها.

وإنّما كلامي الآن في أن المتعة هل ثبتت في القرآن أو لا؟

كتب الشيعة تدّعي أنّ المتعة نزل فيها قول الله جلّ جلاله : (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن).

وأرى أن أدب البيان يأبى ، وعربية هذه الجملة

٩٢

الكريمة تأبى أن تكون هذه الجملة الجليلة الكريمة قد نزلت في المتعة لأن تركيب هذه الجملة يفسد ، ونظم هذه الآية الكريمة يختل لو قلنا إنّها نزلت فيها. ص ٣٢.

أما متعة النكاح ونكاح المتعة فلم ينزل القرآن فيها وفيه. ولبيان هذا المعنى الجليل عقدت هذا الباب دفعاً لما شرع في كتب الشيعة أنّ قوله : (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن) نزل في نكاح المتعة ص ١٢١.

المتعة لم تكن مباحة في شرع الإسلام أصلاً ، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعي ، إنما كان نسخ أمر جاهلي تحريم أبد. ص ١٣٢.

حديث المتعة من غرائب الأحاديث كان يقول بها جماعة من الصّحابة حتّى قال بها جماعةٌ من التابعين منهم طاوس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وجماعة من فقهاء مكة ، روى الحاكم في علوم الحديث عن الإمام الأوزاعي أنّه كان يقول : يُترك من قول أهل الحجاز خمس منها المتعة ص ١٣٢.

وقد أسرف القول باباحة المتعة فقيه مكة ابن

٩٣

جريج كما كان يسرف في العمل بها حتّى أوصى بسبعين امرأة وقال : لا تتزوجوا بهنّ فإنهنّ امهاتكم.

وقد روى أبو عوانة في صحيحه عن ابن جريج عن هذا المسرف المتمتع أنه قال لهم بالبصرة : اشهدوا إني قد رجعت عن المتعة. أشهدهم بعد أن حدّثهم فيها ثمانية عشر حديثاً أنه لا بأس بها وبعد أن شبع منها وعجز.

أستبعد غاية الاستبعاد أن يكون مؤمن يعلم لغة القرآن الكريم ، ويؤمن بإعجازه ، ويفهم حقّ الفهم إفادة النظم يقول : إنّ قول الله جل جلاله : (فما استمتعتم به منهن فآتوهنّ اجورهنّ فريضة) نزل في متعة النساء. قولُ لا يكون إلّا من جاهل يدّعي ولا يعي ص ١٤٩.

كتب الشيعة ترفع إلى الباقر والصادق انّ (فما استمتعتم به منهن) منزل في المتعة ، وأحسن الاحتمالين أنّ السند موضوع وإلّا فالباقر والصادق جاهل. ص ١٦٥.

لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد أنّ (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهن اجورهنّ) نزل في متعة النساء ، وقد أجمعت الامة على تحريم المتعة ،

٩٤

ولم يقل أحد أنّ قول الله : (فما استمتعتم به منهنّ) قد نسخ. ص ١٦٦.

حكومات الامم الإسلامية اليوم أرشد في شرف دينها وصلاح دنياها من فقهاء الامة ، فحكومة الدولة الإيرانية التي كانت قد أخذت مرّات عديدة من قبلُ في إبطال متعة الفقهاء ، نراها اليوم بفضل ملكها الأعظم قد نسخت المتعة نسخاً قطعياً بتاتاً.

إنّ حكومة الدولة الإيرانية التي تسعى في إصلاح حياة الامة ودنياها ، وفي تعمير الوطن وإحيائه ، أخذت في إصلاح دين الامة فمنعت منعاً بتّاً متعة فقهاء الشيعة. ص ١٨٥.

ج ـ هذه جمل التقطناها من صحائف ـ الوشيعة ـ سوّدها الرجل في مسألة المتعة ، وتلك الصحائف السوداء تبعد عن أدب الدين ، أدب العلم ، أدب العفّة ، أدب الكتاب ، أدب الاجتماع ، وبينها وبين ما جاء به الإسلام بون شاسع ، فلا نقابله فيها إلّا بالسلام.

أمّا بسط القول في المتعة فلا حاجة لنا تمسّ بها بعد ما أغرق نزعاً فيها محقّقو أصحابنا ولا سيّما الأواخر منهم (١) ، فجاء الرجل

__________________

(١) نظراء الأعلام الحجج سيدنا السيد عبد الحسين شرف الدين ، سيدنا السيد

٩٥

بعدده يتهجّم عليهم بفاحش القول ولا يُبالي ، ويقذفهم بلسان بذيّ ولا يكثرت له ، وإنّما يهمّنا إيقاظ شعور الباحث إلى أكاذيب الرجل وجناياته الكبيرة على العلم والقرآن وأهله بكتمان رأي السّلف فيه ، وتدليجه الحقائق الراهنة على الامة بالسّفاسف والمخاريق ، وإشاعة ما يضادُّ الكتاب والسّنة في الملأ العلمي ، وهو مع جهله بها يرى نفسه فقيهاً من فقهاء الإسلام ، فعلى الإسلام السّلام.

المتعة في الكتاب

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) سورة النساء ٢٤.

يرى موسى الوشيعة أنّ القول بنزول الآية من دعاوي الشيعة فحسب ، ولا يوجد في غير كتبهم قولٌ به لأحد ، والقول به لا يكون إلّا من جاهل يدّعي ولا يعي ، فنحن نذكر شطراً ممّا في كتب قومه حتّى يعلم القارئ إلى من توجّه قوارص هذا الرجل الجاهل الفاحش المتفحّش.

__________________

المحسن الأمين ، شيخنا الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ، وأفرد فيها الأستاذ توفيق الفكيكي كتاباً وقد أدى فيه حق المقال. (المؤلف)

٩٦

١ ـ أخرج أحمد امام الحنابلة في مسنده ٤ ص ٤٣٦ باسناد رجاله كلّهم ثقات عن عمران بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم تنزل آيةٌ تنسخها ولم ينه عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتّى مات.

وقد مر أنّ غير واحد من المفسرين ذكره في سورة النساء في آية المتعة وبهذا الحديث عدّ من عدّ عمران بن حصين ممّن ثبت على إباحتها.

٢ ـ أخرج أبو جعفر الطبري المتوفي ٣١٠ في تفسيره ج ٥ ص ٩ باسناده عن أبي نضرة قال : سألت ابن عبّاس عن متعة النساء.

قال : أما تقرأ سورة النساء؟

قال : قلت : بلى

قال : فما تقرأ فيها فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى؟

قلت له : لو قرأتها هكذا ما سألتك.

قال : فإنّها كذا.

وفي حديث : قال ابن عبّاس : والله لأنزلها الله كذلك. ثلاث مرّات.

وأخرج عن قتادة في قراءة ابي بن كعب : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، وأخرج باسناد صحيح عن شعبة عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال : لا.

٩٧

وروى عن عمر بن مرّة : أنّه سمع سعيد بن جبير يقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى.

وعن مجاهد : إنّ في الآية يعني نكاح المتعة.

وعن أبي ثابت : ان ابن عبّاس أعطاني مصحفاً فيه : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى.

٣ ـ أخرج أبو بكر الجصّاص الحنفي المتوفّى ٣٧٠ في أحكام القرآن ٢ ص ١٧٨ ما مرّ من حديثي ابن عبّاس وابي بن كعب في قراءة الآية ، وذكر من طريق ابن جريج ، وعطاء الخراساني ، عن ابن عبّاس : انها نُسخت بقوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).

فلو لم تكن نزلت في المتعة كيف نُسخت؟ وقد عرفت بطلان نسخها بها وبغيرها.

٤ ـ أخرج الحافظ ابو بكر البيهقي المتوفّى ٤٥٨ باسناده في السنن الكبرى ٧ ص ٢٠٥ عن محمد بن كعب عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرءون هذه الآية : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى. الحديث.

٥ ـ قال الحافظ ابو محمد البغوي الشافعي المتوفى ٥١٠ / ١٦ [٥] في تفسيره هامش تفسير الخازن ج ١ ص ٤٢٣ : قال الحسن ومجاهد : إنّ الآية في النكاح الصحيح. قال آخرون هو

٩٨

نكاح المتعة ـ إلى أن قال ـ : ذهب عامة (١) أهل العلم أن نكاح المتعة حرامٌ والآية منسوخة ، وكان ابن عبّاس رضي الله عنهما يذهب إلى أن الآية محكمة ، وترخص في نكاح المتعة ، ثمّ روى حديث أبي نضرة المذكور بلفظ الطبري.

٦ ـ قال ابو القاسم جار الله الزمخشري المعتزلي المتوفّى ٥٣٨ في الكشاف ج ١ ص ٣٦٠ : قيل نزلت ـ الآية ـ في المتعة ، وعن ابن عبّاس هي محكمة يعني لم تنسخ ، وكان يقرأ : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى.

٧ ـ قال القاضي أبو بكر الأندلسي المتوفّى ٥٤٢ في أحكام القرآن ج ١ ص ١٦٢ : في الآية قولان : أحدهما أنّه أراد استمتاع النكاح المطلق قاله جماعةٌ منهم الحسن ، ومجاهد ، وإحدى روايتي ابن عبّاس.

الثاني : أنّه متعة النساء بنكاحهن إلى أجل.

ثمّ رواه عن ابن عبّاس. وحبيب بن أبي ثابت وابي بن كعب.

٨ ـ قال ابو بكر يحيى بن سعدون القرطبي المتوفى ٥٦٧ في تفسيره ٥ ص ١٣٠ عند بيان الاختلاف في معنى الآية : قال

__________________

(١) تعرف مقيل صحة هذه النسبة المكذوبة على عامة أهل العلم مما أسلفناه. (المؤلف)

٩٩

الجمهور أنّ المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ، وقرأ ابن عبّاس وابيّ وسعيد بن جبير : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن اجورهنّ.

وقال في بيان الخلاف في من تمتّع بها : وفي رواية اخرى عن مالك : لا يرجم لأنّ نكاح المتعة ليس بحرام ، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء ، وهو أنّ ما حرم بالنسبة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك انّهما ليسا بسواء وهذا ضعيف.

وقال ابو بكر الطرسوسي : ولم يرخّص في نكاح المتعة إلّا عمران بن حصين ، وابن عباس ، وبعض الصحابة ، وطائفة من أهل البيت ، وفي قول ابن عباس يقول الشاعر :

أقول للرّكب إذ طال الثواء بنا :

يا صاح هل لك من فتيا ابن عبّاس

في بضة رخصة الأطراف ناعمة

تكون مثواك حتى مرجع الناس؟

وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين ، على أنّ هذه الآية منسوخة.

قال الأميني : فترى أنّ القول بنزول الآية في المتعة رأي العلماء والفقهاء من الصّحابة والتابعين والسّلف الصالحين ، غير انّهم

١٠٠