نظرة في كتاب الوشيعة لموسى جار الله

المؤلف:

العلامة الأميني


المحقق: أحمد الكناني
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٩

سنن البيهقي ٥ ص ٢١ ، تفسير الرازي ٣ ص ٢٦ ، كنز العمال ٨ ص ٢٩٣ ، الدر المنثور ١ ص ٢١٦.

صورة خامسة :

قال قتادة : سمعت ابا نضرة يقول : قلت لجابر بن عبد الله : إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وإنّ ابن العباس يأمر بها قال جابر : على يدي دار الحديث تمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلمّا كان عمر بن الخطاب وقال : إنّ الله عزوجل كان يحلّ لنبيه ما شاء وانّ القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم ، واتبعوا نكاح هذه النساء ، فلا اتي برجل تزوج امرأة إلى أجل الّا رجمته.

مسند ابي داود الطيالسي ص ٢٤٧.

قال الأميني : لمّا لم يكن رجم المتمتّع بالنساء مشروعاً ولم يحكم به فقهاء القوم لشبهة العقد هناك قال الجصّاص بعد ذكر الحديث : فذكر عمر الرجم في المتعة جائز أن يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس عنها.

٢ ـ عن عمر أنّه قال في خطبته : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أنهى عنهما واعاقب (١) عليهما : متعة الحج ومتعة النساء.

__________________

(١) أضرب فيهما ، كذا في لفظ غير واحد ، وفي لفظ الجاحظ : أضرب عليهما. (المؤلف).

٦١

وفي لفظ الجصّاص : لو تقدمت فيها لرجمت.

البيان والتبيين للجاحظ ٢ ص ٢٢٣ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ ص ٣٤٢ و ٣٤٥ ، وج ٢ ص ١٨٤ ، تفسير القرطبي ٢ ص ٣٧٠ ، المبسوط للسرخسي الحنفي في باب القران من كتاب الحج وصححه (١) ، زاد المعاد لابن القيّم ١ ص ٤٤٤ فقال : ثبت عن عمر ، تفسير الفخر الرازي ٢ ص ١٦٧ وج ٣ ص ٢٠١ و ٢٠٢ ، كنز العمّال ٨ ص ٢٩٣ نقله عن كتاب أبي صالح والطحاوي ، وص ٢٩٤ عن ابن جرير الطبري وابن عساكر ، ضوء الشمس ٢ ص ٩٤.

استدلّ المأمون على جواز المتعة بهذا الحديث ، وهمّ بأن يحكم بها كما في تاريخ ابن خلكان ٢ ص ٣٥٩ ط ايران ، واللفظ هناك : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى عهد أبي بكر رضى الله عنه وأنا أنهى عنهما.

خطبة عمر هذه في المتعتين من المتسالم عليه بالألفاظ المذكورة ، غير أن أحمد إمام الحنابلة أخرج الحديث باللفظ الثاني لجابر وحذف منه ما حسبه خدمة للمبدأ ولفظه : فلمّا ولي عمر رضى الله عنه خطب الناس فقال : إنّ القرآن هو القرآن وإنّ رسول الله هو الرّسول وانّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء.

__________________

(١) لم اجده في كتاب الحج من المبسوط.

٦٢

٣ ـ أخرج الحافظ ابن ابي شيبة عن سعيد بن المسيّب قال : نهى عمر عن متعتين : متعة النساء ومتعة الحج.

الدرّ المنثور ٢ ص ١٤٠ ، كنز العمّال ٨ ص ٢٩٣ نقلاً عن مسدّد.

٤ ـ أخرج الطبري عن عروة بن الزبير انّه قال لابن عبّاس : أهلكت النّاس

قال : وما ذاك؟ قال : تفتيهم في المتعة وقد علمت أنّ أبا بكر وعمر نهيا عنهما؟

فقال : ألا للعجب إنّي احدثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحدّثني عن أبي بكر وعمر.

فقال : هما كانا أعلم بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأتبع لها منك.

كنز العمال ٨ ص ٢٩٣ ، مرآة الزمان للسبط الحنفي ص ٩٩.

٥ ـ قال الرّاغب في المحاضرات ٢ ص ٩٤ : قال يحيى بن اكثم لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة؟

قال : بعمر بن الخطاب رضى الله عنه.

قال : وكيف وعمر كان أشدّ الناس فيها؟

قال : لأن الخبر الصحيح أنّه صعد المنبر فقال : إنّ الله ورسوله قد أحلّا لكم متعتين وإني محرّمهما عليكم اعاقب عليهما فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.

٦٣

٦ ـ أخرج الطبري في تاريخه ٥ ص ٣٢ عن عمران بن سوادة قال : صلّيت الصّبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها ثمّ انصرف وقمت معه فقال : أحاجة؟

قلت : حاجة.

قال : فألحق.

قال : فلحقت فلمّا دخل أذن لي فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء.

فقلت : نصيحة.

فقال : مرحباً بالنّاصح غدوّاً وعشياً.

قلت : عابت امّتك أربعاً.

قال : فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ثمّ قال : هات.

قلت : ذكروا انك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا أبو بكر رضى الله عنه وهي حلال.

قال : هي حلال لو انّهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجّهم ، فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجّهم وهو بها من بهاء الله وقد أصبت.

قلت : وذكروا إنّك حرمت متعة النساء وقد كنت رخصة من

٦٤

الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.

قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى السعة ، ثمّ لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت.

قال : قلت وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها.

قال : ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلّا الخير واستغفر الله.

قلت : وتشكوا منك نهر الرعيّة وعنف السياق.

قال : فشرع الدرّة ثمّ مسحها حتى أتى على آخرها ، ثمّ قال : أنا زميل محمّد ـ وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر ـ فو الله إني لأرتع فاشبع ، واسقي فأروي. وأنهز اللفوت (١) أزجر العروض (٢) وأذب قدري ، وأسوق خطوي ، وأضمّ العنود (٣) والحق القطوف (٤) وأكثر الزجر ، واقل الضّرب ، وأشهر العصا ، وأدفع باليد ، لو لا ذلك لاعذرت.

قال : فبلغ ذلك معاوية فقال : كان والله عالماً برعيتهم.

__________________

(١) النهز : الضرب والدفع. واللفوت : الناقة الضجور عند الحلب. (المؤلف)

(٢) العروض : الناقة تأخذ يميناً وشمالاً ولا تلزم المحجة. (المؤلف)

(٣) العنود : المائل عن القصد. (المؤلف)

(٤) القطوف : من الدواب التي يسيء السير (المؤلف)

٦٥

وذكره ابن أبي الحديد في شرحه ٣ ص ٢٨ نقلاً عن ابن قتيبة والطبري.

٧ ـ أخرج الطبري في المستبين عن عمر أنه قال : ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا محرّمهن ومعاقب عليهنّ : متعة الحج ، ومتعة النساء ، وحيّ على خير العمل في الأذان.

وذكره القوشچي في شرح التجريد وسيوافيك قوله فيه ، وحكاه عن الطبري الشيخ علي البياضي في كتابه الصراط المستقيم (١).

هذا شطرٌ من أحاديث المتعتين وهي تربو على أربعين حديثاً بين صحاح وحسان تُعرب عن أنّ المتعتين كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزل فيهما القرآن وثبتت إباحتهما بالسنة وأول من نهى عنهما عمر.

وعدّه العسكري في اولياته ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٩٣ ، والقرماني في تاريخه ـ هامش الكامل ـ ١ ص ٢٠٣ ، أول من حرّم المتعة.

نظرة في المتعتين

هذه جملة ممّا ورد فيهما من الأحاديث ، وهي كما ترى بنفسها

__________________

(١) الصراط المستقيم ٣ / ٢٢٧.

٦٦

وافيةٌ باثبات تشريعهما على العهد النبوي كتاباً وسنة من دون نسخ يعقب حكمهما ، أضف إليها من الأحاديث الكثيرة الدالّة على إباحتهما ولم نذكرها لخلوّها عن نهي عمر ، ولم يكن النهي منه في المتعتين إلّا رأياً محضاً أو اجتهاداً مجرّداً تجاه النص ، أما متعة الحج فقد نهى عنها لما استهجنه من توجّه الناس إلى الحج ورءوسهم تقطر ماءً بعد مجامعة النساء بعد تمام العمرة ، لكن الله سبحانه كان أبصر منه بالحال ، ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يعلم ذلك حين شرّع إباحته متعة الحجّ حكماً باتاً أبدياً الى يوم القيامة كما هو نص الأحاديث الآنفة والآتية ، ولم يكن ما جاء به إلّا استحساناً يخصّ به لا يعوّل عليه وجاه الكتاب والسنة.

هذا ما رآه الخليفة هو بنفسه في مستند حكمه ، وهناك أقاويل منحوتة جاءوا بها شوهاء ليعضدوا تلك الفتوى المجردة ، ويبرّروا بها ما قدم عليه الخليفة وتفرّد به ، وكلّها يخالف ما نصّ عليه هو بنفسه ، وهي أعذار مفتعلة لا يدعم قولاً ولا يغني من الحقّ شيئاً. فمنها :

١ ـ إنّ المتعة التي نهى عنها عمر هي فسخ الحج الى العمرة التي يحج بعدها.

وتدفعه : نصوص الصحاح المذكورة عن ابن عباس ، وعمران بن الحصين ، وسعد بن ابي وقاص ، ومحمّد بن عبد الله بن نوفل ،

٦٧

وأبي موسى الأشعري ، والحسن ، وبعدها نصوص العلماء على أنّ المنهي عنه للخليفة هو متعة الحج والجمع بين الحجّ والعمرة.

وقبل هذه كلها تنصيص عمر نفسه على ذلك وتعليله للنهي عنها بقوله : إني أخشى أن يعرّسوا بهن تحت الأراك ثمّ يروحوا به حجاجاً.

وقوله : إني لو رخّصت في المتعة لهم لعرّسوا بهنّ في الأراك ثمّ راحوا بهن حجّاجاً.

وقوله : كرهت أن يظلوا معرّسين بهن في الأراك ثمّ يروحون في الحج تقطر رءوسهم.

وقال الشيخ بدر الدين العيني الحنفي في عمدة القاري شرح صحيح البخاري ٤ ص ٥٦٨ : قال عياض وغيره جازمين : بأنّ المتعة التي نهى عنها عمر وعثمان رضى الله عنه عنهما هي فسخ الحج إلى العمرة لا العمرة التي يحجّ بعدها.

قلت : يرد عليهم ما جاء في رواية مسلم في بعض طرقه التصريح بكونه متعة الحج.

وفي رواية له : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعمر بعض أهله في العشر.

وفي رواية له جمع بين حجّ وعمرة. ومراده التمتّع المذكور وهو الجمع بينهما في عام واحد. انتهى.

٦٨

٢ ـ اختصاص إباحة المتعة بالصحابة في عمرتهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحسب. عزوا ذلك إلى عثمان وإلى الصحابي العظيم أبي ذر الغفاري.

ويرد عليه كما في زاد المعاد لابن القيم ١ ص ٢١٣ : إنّ تلكم الآثار الدالّة على الاختصاص بالصحابة بين باطل لا يصحّ عمن نُسب إليه البتّة ، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا يعارض به نصوص المشرع المعصوم ، ففي صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال : متعتنا هذه يا رسول الله لعامنا هذا أم للأبد؟

قال : لا بل للأبد ـ لأبد الأبد (١).

وفي صحيحة اخرى عن سراقة قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيباً فقال : ألا إنّ العمرة قد دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة (٢).

وفي صحيحه عن ابن عبّاس قال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (٣) قال الترمذي بعده في صحيحة ١ ص ١٧٥ : وفي

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ ص ١٤٨ كتاب الحج باب عمرة التنعيم ، صحيح مسلم ١ ص ٣٤٦ ، كتاب الآثار للقاضي ابي يوسف ص ١٢٦ ، سنن ابن ماجة ٢ ص ٢٣٠ ، مسند أحمد ٣ ص ٣٨٨ وج ٤ ص ١٧٥ ، سنن أبي داود ٢ ص ٢٨٢ ، صحيح النسائي ٥ ص ١٧٨ ، سنن البيهقي ٥ ص ١٩. (المؤلف)

(٢) مسند أحمد ٤ ص ١٧٥ ، سنن ابن ماجة ٢ ص ٢٢٩ ، سنن البيهقي ٤ ص ٥٥٢. (المؤلف)

(٣) صحيح مسلم ١ ص ٣٥٥ ، سنن الدارمي ٢ ص ٥١ ، صحيح الترمذي ١ ص ١٧٥ ، سنن ابي داود ١

٦٩

الباب عن سراقة بن مالك وجابر بن عبد الله.

ومعنى هذا الحديث : أن لا بأس بالعمرة في أشهر الحج ، وهكذا فسره الشافعي وأحمد وإسحاق.

ومعنى هذا الحديث : أن أهل الجاهلية كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج فلمّا جاء الإسلام رخّص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك فقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة يعني لا بأس بالعمرة في أشهر الحج. انتهى.

وفي صحيحه عن عمر نفسه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أتاني جبرئيل عليه‌السلام وأن بالعقيق فقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل : عمرةٌ في حجّة فقد دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة» (١).

فلما أجرأ الخليفة على سنة أخبره بها رسول الله وأتى بها جبرئيل.

وقال السندي في حاشية سنن ابن ماجة ٢ ص ٢٣١ : ظاهر حديث بلال موافقة نهي عمر عن المتعة والجمهور على خلافه ،

__________________

ص ٢٨٣ ، سنن النسائي ٥ ص ١٨١ ، سنن البيهقي ٤ ص ٣٤٤. تفسير ابن كثير ١ ص ٢٣٠ وصححه. (المؤلف)

(١) أخرجه البيهقي في سننه ٥ ص ١٣ وقال : رواه البخاري في الصحيح. (المؤلف)

٧٠

وإنّ المتعة غير مخصوصة بهم ، فلذلك حملوا المتعة بالفسخ والله أعلم.

وحديث بلال هذه من الأحاديث الدالّة على اختصاص المتعة بالصّحابة وفيه قال أحمد : لا يعرف هذا الرجل ، هذا حديثٌ ليس إسناده بالمعروف ، ليس حديث بلال عندي بثبت.

وقال ابن القيّم في زاد المعاد بعد نقله قول أحمد : قلت : وممّا يدل على صحّة قول الإمام أحمد وإنّ هذا الحديث لا يصحُّ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر عن المتعة أنها للأبد ، فنحن نشهد بالله أن حديث بلال هذا لا يصحّ عن رسول الله ، وهو غلطٌ عليه وكيف تُقدّم رواية بلال على روايات الثقات الاثبات إلى أن قال :

قال المجوّزون للفسخ : هذا قولٌ فاسدٌ لا شكّ فيه بل هذا رأي لا شكّ فيه ، وقد صرح بأنه رأي من هو أعظم من عثمان ، وأبي ذر ، وعمران بن حصين ، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأيه ما شاء.

ولفظ مسلم : نزلت آية المتعة في كتاب الله عزوجل يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ لم تنزل آية تنسخ متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات قال رجل برأيه ما شاء.

وفي لفظ : يريد عمر.

وقال عبد الله بن عمر لمن سأله عنها وقال إنّ أباك نهى عنها :

٧١

أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحقّ أن يتّبع أو أبي؟

وقال ابن عبّاس لمن كان يعارضه فيها بأبي بكر وعمر : يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر.

فهذا جواب العلماء لا جواب من يقول : عثمان وأبو ذر أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم ، وهلّا قال ابن عباس وعبد الله بن عمر : أبو بكر وعمر أعلم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّا؟ ولم يكن أحدٌ من الصّحابة ولا أحد من التابعين يرضى بهذا الجواب في دفع نصّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم كانوا أعلم بالله ورسوله وأتقى له من أن يقدّموا على قول المعصوم رأي غير المعصوم.

ثمّ ثبت النص عن المعصوم بأنّها باقية إلى يوم القيامة ، وقد قال ببقائها عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو موسى ، وسعيد بن المسيب ، وجمهور التابعين.

ويدل على أنّ ذلك رأي محض لا ينسب إلى أنه مرفوع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، لمّا نهى عنها قال له أبو موسى الأشعري : يا أمير المؤمنين ما أحدثت في شأن النسك؟

فقال : إن نأخذ بكتاب ربّنا فإن الله يقول (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحلّ حتى نحر.

٧٢

فهذا اتفاق من أبي موسى وعمر على أن منع الفسخ إلى المتعة والإحرام بها ابتداء إنّما هو رأي منه أحدثه في النسك ليس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن استدل له بما استدلّ ، وأبو موسى كان يُفتي النّاس بالفسخ في خلافة أبي بكر رضى الله عنه كلّها وصدراً من خلافة عمر ، حتّى فاوض من رضى الله عنه في نهيه عن ذلك ، واتفقا على أنّه رأي أحدثه عمر رضى الله عنه في النسك ثمّ صح عنه الرجوع عنه. انتهى (١).

وقال العيني في عمدة القاري ٤ ص ٥٦٢ :

فإن قلت : روي عن أبي ذر أنه قال : كانت متعة الحج لأصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصّة في صحيح مسلم.

قلت : قالوا : هذا قول صحابيّ يخالف الكتاب والسنّة والإجماع وقول من هو خيرٌ منه.

أمّا الكتاب فقوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) وهذا عامّ ، وأجمع المسلمون على إباحة التمتع في جميع الأعصار وإنّما اختلفوا في فضله.

وأمّا السنّة فحديث سراقة : المتعة لنا خاصّة أو هي للأبد؟ قال :

بل هي للأبد.

وحديث جابر المذكور في صحيح مسلم في صفة الحج نحو هذا ،

__________________

(١) زاد المعاد ١ ص ٢١٥. (المؤلف)

٧٣

ومعناه أنّ أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتّع ولا يرون العمرة في أشهر الحج إلّا فجوراً فبيّن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ الله قد شرّع العمرة في أشهر الحج وجوّز المتعة إلى يوم القيامة رواه سعيد بن منصور من قول طاوس ، وزاد فيه فلمّا كان الإسلام أمر النّاس أن يعتمروا في أشهر الحج فدخلت العمرة في أشهر الحجّ إلى يوم القيامة.

وقد خالف أبا ذر عليّ ، وسعد ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وسائر الصّحابة ، وسائر المسلمين.

قال عمران : تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزل فيه القرآن فلم ينهنا عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم ينسخها شيء فقال فيها رجل برأيه ما شاء. متفق عليه.

وقال سعد بن أبي وقاص : فعلناها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعني المتعة ، وهذا يعني الذي نهى عنها يومئذ كافرٌ بالعرش يعني بيوت مكّة. رواه مسلم. انتهى.

يعني به معاوية بن أبي سفيان كما في صحيح مسلم.

فرأي الخليفة وأمره بالعمرة في غير أشهر الحج عود إلى الرأي الجاهلي قصده أم لم يقصد ، فإن أهل الجاهلية كما سمعت كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج.

قال ابن عبّاس : والله ما أعمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عائشة في ذي

٧٤

الحجّة إلّا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك. وقال : كانوا يرون أنّ العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض (١).

٣ ـ ما أخرجه ابو داود في سننه ١ ص ٢٨٣ عن سعيد بن المسيب أنّ رجلاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فشهد عنده أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحجّ.

وأجاب عنه بد الدّين العيني في عمدة القاري ٤ ص ٥٦٢ بقوله : اجيب عن هذا بأنّه حالةٌ مخالفة للكتاب والسنّة والإجماع كحديث أبي ذر ، بل هو أدنى حالاً منه فإنّ في إسناده مقالاً. انتهى.

وأجاب عنه الزرقاني في شرح الموطأ ٢ ص ١٨٠ بأنّ إسناده ضعيفٌ ومنقطعٌ كما بيّنه الحفّاظ.

أعطف إلى حديث ذلك الرّجل الذي لم يُعرف ولعلّه لم يولد بعد ما أخرجه أبو داود في سننه ١ ص ٢٨٣ عن معاوية بن أبي سفيان إنّه قال لأصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل تعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن كذا وكذا وركوب جلود النمور؟

قالوا : نعم.

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ ص ٦٩ ، صحيح مسلم ١ ص ٣٥٥ ، سنن البيهقي ٤ ص ٣٤٥ ، سنن النسائي ٥ ص ١٨٠. (المؤلف)

٧٥

قال : فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحجّ والعمرة؟

فقالوا : أما هذا فلا.

فقال : أمّا أنّه معهنّ ولكنكم نسيتم.

سبحانك اللهم ما أجرأهم على نواميس الدين فلو كان مثل متعة الحج الذي يشمل حكمها في كلّ سنة مئات من الوف الناس نزل فيها القرآن وفعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ ينهى عنها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينساه كلّ الصحابة وفيهم كثيرون طالت أيّام صحبتهم ، ولم يتفوّه به أي أحد ، ولم يذكره إلّا معاوية بن أبي سفيان المتأخّر إسلامه عن أكثرهم ، المستتبع لقصر صحبته وقلّة سماعه ، ولا يفوه به إلّا بعد لأي من عمر الدّهر يوم تولّى الأمر وراقه أن يحذو حذو من تقدّمه؟ فأي ثقة تبقى بالأحكام عندئذ؟ وأي اعتماد يحصل للمسلم عليها؟ ولعمر الحقّ ليست هذه كلّها إلّا لعباً بالشريعة المطهّرة وتسريباً للأهواء فيها ، وما كنت هي عند اولئك الرجال إلّا قوانين سياسية وقتية تدور بنظر من ساسها ورأي من تولّى أزمّتها.

وشفع الحديثين بما رواه أحمد (١) في رواية من أنّ أوّل من نهى عنها معاوية وتمتّع أبو بكر وعمر وعثمان.

__________________

(١) مسند أحمد ١ ص ٢٩٢ ، ٣١٣ ؛ وأخرجه الترمذي في صحيحه ١ ص ١٥٧. (المؤلف)

٧٦

وفي اخرى (١) أن أبا بكر نهى عنه. فهو مضاد في معاوية لجميع ما تقدّم من الصحاح ، وفي أبي بكر لأكثرها ، وأحسب أنّ من لفّق الرواية الأولى أراد تخفيفاً عن عمر بإلقاء النهي على عاتق معاوية ، ومن اختلق الثانية جعل ذلك الرأي من سنة الشيخين ليقوي جانبه ، ذاهلاً عن أنّ الكتاب والسنة يأتيان على كلّ قول وفتوى يتحيّزان عنهما لاي قائل كان القول ، ومن أي مفت صدرت الفتوى.

قال العيني في عمدة القاري ٤ ص ٥٦٢ : فإن قلت : قد نهى عنها عمر وعثمان ومعاوية؟

قلت : قد أنكر عليهم علماء الصحابة وخالفوهم في فعلها والحق مع المنكرين عليهم دونهم. انتهى.

ولم يكن عزو التمتع إلى عثمان في حديث أحمد والترمذي إلّا من ذاهل مغفل عن أحاديث كثيرة دالة على نهيه عنه أخرجها أئمة الحديث وحفّاظه في الصحاح والمسانيد (٢) ، وفيها اعتراضه على مثل عليّ أمير المؤمنين وتمتعه بقوله : تراني أنهى الناس عن شيء

__________________

(١) مسند أحمد ١ ص ٣٣٧ ، ٣٥٣. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري ٣ ص ٦٩ ، ٧١. صحيح مسلم ١ ص ٣٤٩. صحيح النسائي ٥ ص ١٥٢ ، مستدرك الحاكم ١ ص ٤٧٢ ، سنن البيهقي ٥ ص ٢٢ ، تيسير الوصول ١ ص ٢٨٢. (المؤلف)

٧٧

وأنت تفعله؟ فقال عليه‌السلام : ما كنت لأدع سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقول أحد من النّاس (١).

وفي حديث آخر عند البخاري : فقال عليّ : ما تريد إلّا أن تنهي عن أمر فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

وقد بلغت شدّة نكير عثمان على من تمتع إلى حدّ كاد أن يُقتل من جرّأهُ مولانا أمير المؤمنين ، أخرج أبو عمر في كتاب جامع العلم ٢ ص ٣٠ وفي مختصره صحيفة ١١١ عن عبد الله بن الزبير أنّه قال : أنا والله لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام وفيهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال عثمان وذكر له التمتّع بالعمرة إلى الحج : أن أتموا الحج وخلّصوه في أشهر الحج فلو أخّرتم هذه العمرة حتّى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فانّ الله قد وسّع في الخير.

فقال له عليّ : عمدت إلى سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورخّص للعباد بها في كتابه ، تضيق عليهم فيها وتنهي عنها ، وكانت لذي الحاجة ولنائي الدار ، ثمّ أهلّ بعمرة وحجة معاً.

فأقبل عثمان على الناس فقال : وهل نهيت عنها؟ إنّي لم أنه عنها إنّما كان رأياً أشرت به ، فمن شاء أخذ به ، ومن شاء تركه.

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ ص ٦٩ ط سنة ١٢٧٩ في عشرة مجلدات ، سنن النسائي ٥ ص ١٤٨ ، سنن البيهقي ٤ ص ٣٥٢ وج ٥ ص ٢٢. (المؤلف)

(٢) وأخرجه مسلم في صحيحه ١ ص ٣٤٩. (المؤلف)

٧٨

قال : فما أنسى قول رجل من أهل الشام مع حبيب بن مسلمة :

انظر إلى هذا كيف يخالف أمير المؤمنين؟ والله لو أمرني لضربت عنه.

قال : فرفع حبيب يده فضرب بها في صدره وقال : اسكت فض الله فاك فإنّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم بما يختلفون فيه.

وبما ذكر يظهر فساد بقية ما قيل من الوجوه المبررة لرأي الخليفة ، ومن ابتغى وراء ذلك تفصيلاً في الموضوع فعليه بزاد المعاد لابن القيّم الجوزيّة ج ١ ص ١٧٧ ـ ٢٢٥.

أما متعة النساء :

فالذي يظهر من كلمات عمر أنّه يعدّها من السّفاح ، ولذلك قال في حديث مرّ : بينوا حتى يُعرف النكاح من السّفاح. ولم يكن عند ذلك وفي عهد الصحابة كلّهم من حديث النسخ عينٌ ولا أثر ، وكان إذا شجر بينهم خلافٌ في ذلك استند المجوّزون إلى الكتاب والسنّة ، والمانعون إلى قول عمرو نهيه عنها ، كما ينفى النسخ بكلّ صراحة قول الخليفة أنا أنهى عنهما ، وهو صريح ما مرّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وعبد الله بن العبّاس من إسناده النهي إلى عمر فحسب ، وسيأتي عن ابن عباس قوله : إن آية المتعة محكمة. يعني لم تنسخ.

ومرّ عن الحكم : أنّها غير منسوخة وإلى هذا استند كل من

٧٩

أباحها من الصحابة والتابعين ومنهم :

١ ـ عمران بن الحصين ، مرّ حديثه.

٢ ـ جابر بن عبد الله ، مر حديثه.

٣ ـ عبد الله بن مسعود ، يأتي حديث قراءته فما استمتعتم به منهن إلى أجل.

وعدّ ابن حزم في المحلّى والزرقاني في شرح الموطأ ممّن ثبت على إباحتها (١).

وأخرج الحفاظ عنه انّه قال : كنّا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس لنا نساء فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ورخّص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل ثمّ قال : لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم (٢).

قال الجصّاص بعد ذكر الحديث : إنّ الآية من تلاوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند إباحة المتعة وهو قوله تعالى (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) وذكره ابن كثير في تفسيره ٢ ص ٨٧ نقلاً عن الشيخين وأدخل فيه

__________________

(١) المحلى ٩ / ٥١٩ ، المسألة ١٨٥٤.

(٢) صحيح البخاري ٨ ص ٧ كتاب النكاح ، صحيح مسلم ١ ص ٣٥٤ ، صحيح ابي حاتم البستي ، أحكام القرآن للجصاص ٢ ص ١٨٤ ، سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٠. تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٠ نقلاً عن صحيح البستي ، تفسير ابن كثير ٢ ص ٨٧ ، الدر المنثور ٢ ص ٣٠٧ نقلاً عن تسعة من الأئمة والحفاظ. (المؤلف)

٨٠