رسالة قواعد العقائد

الخواجة نصير الدين الطوسي

رسالة قواعد العقائد

المؤلف:

الخواجة نصير الدين الطوسي


المحقق: الشيخ علي حسن خازم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغربة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٧

فصل

النسخ جائز ، وهو تغيير الأحكام الشرعية في الأوقات المختلفة [من] عند الله ، واليهود لا يجوزونه ، ويقولون النسخ بداء وهو لا يجوز على الله تعالى (١) ، وليس ذلك بصحيح ، فإن البداء لا يتحقق إلّا بكون المحكوم عليه والوقت غير مختلفين ، وتمسكوا بقول موسى (عليه‌السلام) :

«تمسكوا بالسبت أبدا» ، وهو ليس بدليل قطعي ، فإنّ التأبيد قد يستعمل في المدة (٢) الطويلة. والدليل على جواز النسخ ثبوت حقيّة (٣) الشرائع التى جاءت بعد موسى (٤) (عليه‌السلام).

__________________

(١) في (م) ناقصة.

(٢) في (د) هذه.

(٣) في (م) حقيقة.

(٤) دليله عين ما أورده القاضي عبد الجبار في المختصر ص ٢٧٠.

٨١
٨٢

القسم الثاني من الباب الرابع

في

الامامة وما يتبعها

الإمامة رئاسة عامة دينية ، مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنيوية (١) ، وزجرهم عمّا يضرهم بحسبها (٢).

واختلف الناس في نصب الإمام :

فقال بعضهم بوجوبه عقلا (٣) ، وبعضهم بوجوبه سمعا ، وبعضهم بلا وجوبه.

والذين يوجبونه عقلا اختلفوا : فقال بعضهم بوجوبه من الله [تعالى] ، وبعضهم بوجوبه على الله [تعالى] ، وبعضهم بوجوبه على الخلق.

__________________

(١) في المطبوعة الدنياوية.

(٢) في (د) بحسبهما.

(٣) في (د) (عقلا من الله) وهي زيادة في غير موضعها.

٨٣

أما القائلون بوجوبه من الله [تعالى] فهم الغلاة والإسماعيلية ، وأما القائلون بوجوبه على الله [تعالى] فهم الشيعة القائلون بإمامة علي بن أبي طالب بعد النبي (عليهما‌السلام).

واختلفوا في طريق معرفة الإمام (عليه‌السلام) بعد أن اتفقوا على أنه هو النص من الله تعالى ، أو ممن هو منصوص [عليه] من قبل الله تعالى لا غير :

فقالت الاثنا عشرية (١) والكيسانية أنّه إنّما يحصل بالنص الجلي لا غير. وقالت الزيدية أنه يحصل بالنص الخفي أيضا.

وأما القائلون بوجوبه على الخلق عقلا ، فهم أصحاب الجاحظ ، وأبو القاسم البلخي وأبو الحسين (٢) البصري من المعتزلة.

وأما القائلون بوجوبه على الخلق سمعا فهم أهل السنة. وهذان الفريقان أجمعوا على أنّ الأئمة بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هم الخلفاء.

وأما القائلون بلا وجوبه فهم الخوارج والأصمّ من المعتزلة. فهذه هي المذاهب في الإمامة.

وأمّا الغلاة (٣) ، فبعضهم قالوا أنّ الله تعالى يظهر في بعض

__________________

(١) في (م) الاثني عشرية.

(٢) في (د) أبو الحسن.

(٣) في فرق الشيعة للنوبختي ذكر الغلو عند السبئية.

٨٤

الأوقات في صورة إنسان (١) ، ويسمونه نبيا أو إماما ، ويدعو الناس إلى الدين القويم والصراط المستقيم ، ولو لا ذلك لضلّ الخلق.

وبعضهم قالوا بالحلول أو بالاتحاد كما يقول به بعض المتصوفة (٢).

فمن القائلين بإلهية علي السبئية (٣) [وهم] أصحاب عبد الله بن سبأ ومنهم النصيرية ، ومنهم الإسحاقية ، ومنهم فرق أخرى ، وليس في تفصيل مذاهبهم زيادة فائدة.

وأمّا الإسماعيلية (٤) ويسمون بالباطنية ، وربما (٥) يلقبون بالملاحدة ، فانما (٦) سمّوا بالإسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه‌السلام) ، والباطنية (٧) لقولهم كل ظاهر فله باطن ، يكون ذلك الباطن مصدرا ، وذلك الظاهر مظهرا له. ولا يكون ظاهر ولا باطن له إلّا ما هو مثل السراب ، ولا باطن لا ظاهر له إلّا خيال لا أصل له.

ولقبوا بالملاحدة لعدولهم عن (٨) ظواهر الشريعة إلى بواطنها

__________________

(١) في (م) الإنسان.

(٢) في (د) الصوفية.

(٣) في (م) السبائية وفي (د) السابية وكما مرّ في حاشية رقم ٣ أن النوبختي لم ينقل عنهم هذه المقالة وهو عجيب يقتضي البحث. مقالات ج ١ ص ٨٥. الملل ج ١ ص ١٧٤.

(٤) فرق الشيعة ص ٦٧ فما بعد.

(٥) في (د) وإنما.

(٦) في د وم والمطبوعة وإنما.

(٧) فرق الشيعة ص ٧٥.

(٨) في (م) من.

٨٥

في بعض الأحوال ، ومذهبهم أن الله تعالى أبدع بتوسط معنى يعبر عنه بكلمة كن أو غيرها عالمين : عالم الباطن وهو عالم الأمر ، وعالم الغيب وهو يشتمل على العقول والنفوس والأرواح والحقائق كلها ، وأقرب ما فيها إلى الله تعالى هو العقل الأول ثم ما بعده على الترتيب.

وعالم الظاهر ، وهو عالم الخلق وعالم الشهادة [و] يشتمل على الأجرام العلوية والسفلية والأجسام الفلكية والعنصرية وأعظمها العرش ثم الكرسي ثم سائر الأجسام على الترتيب.

والعالمان ينزلان من الكمال إلى النقصان ، ويعودان (١) من النقصان إلى الكمال ، حتى ينتهيا (٢) إلى الأمر (٣) ، وهو المعنى المعبر عنه بكن ، وتنتظم (٤) بذلك سلسلة الوجود (٥) الذي مبدؤه من الله تعالى ومعاده إليه.

ثم يقولون [إن] الإمام هو مظهر الأمر (٦) ، وحجته مظهر العقل الذي يقال له : العقل الأول وعقل الكل (٧) ، والنبي مظهر النفس التي يقال لها نفس الكل.

والإمام هو الحاكم في [عالم] الباطن ولا يصير غيره

__________________

(١) في (د) يعود.

(٢) في (د) و (م) ينتهي.

(٣) في (م) الآخر.

(٤) في دوم ينتظم.

(٥) في (د) الوجوب.

(٦) في (د) وهو مظهر للأمر.

(٧) في (م) العقل الكل وفي المطبوعة العقل الكلي.

٨٦

عالما (١) بالله [تعالى] إلّا بتعليمه إيّاه ، ولذلك يسمونهم بالتعليميين (٢) ، والنبي هو الحاكم في عالم الظاهر ، ولا تتم الشريعة التي يحتاج الناس إليها إلّا به ، ولشريعته تنزيل و (٣) تأويل : فظاهره التنزيل وباطنه التأويل.

والزمان لا يخلو عن إمام ودعوته ، وهي ربما تكون خفية مع ظهوره ، إلّا أنها تكون فظاهرة حين (٤) خفائه البتة ، لئلّا يكون للناس على الله حجة [بعد المرسل].

وكما يعرف النبي بالمعجز القولي أو الفعلي ، كذلك الإمام يعرق بدعوته إلى الله ، وبدعواه أن المعرفة بالله [تعالى] لا تحصل إلّا به.

والأئمة ذرية (٥) بعضها من بعض فلا يكون [إماما] إلّا وهو ابن إمام ، ويجوز أن يكون للإمام أبناء ليسوا بأئمة ، ولا يخلو الزمان من (٦) إمام أما ظاهر أو (٧) مستور ، كما لا يخلو من نور نهار أو ظلمة ليل ، لم يزل العالم هكذا ولا يزال.

وطريقتهم التأليف بين أقوال الحكماء وأقوال أهل الشرائع

__________________

(١) في (د) غالبا.

(٢) في (د) التعلميين ، راجع الملل والنحل ج ١ ص ١٦٨.

(٣) في (د) من.

(٤) في (م) مع.

(٥) في (م) من ذريته.

(٦) في (م) عن.

(٧) في (د) وأما.

٨٧

فيما يمكن أن يؤلف منها (١). وأما في تعيين أئمة الإسلام فقالوا الإمام في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عليا عليه‌السلام وبعده [كان] ابنه الحسن إماما مستودعا ، وابنه الحسين إماما مستقرا (٢) ولذلك لم تذهب الإمامة في ذرية الحسن ثم نزلت الإمامة في ذرية الحسين وانتهت بعده إلى علي ابنه ثم إلى محمد ابنه ثم إلى جعفر ابنه ثم إلى إسماعيل ابنه وهو السابع.

وقالوا إنّ الأئمة في عهد ابن إسماعيل محمد صاروا مستورين ، ولذلك سموهم أيضا بالسبعية لوقوفهم على السبعة الظاهرة ، ودخل في عهد محمد زمان استتار الأئمة وظهور دعاتهم (٣) ثم ظهر المهدي ببلاد المغرب ، وادعّى أنه من أولاد اسماعيل واتصل أولاده ابن (٤) بعد ابن إلى المستنصر واختلفوا بعده ، فقال بعضهم بإمامة نزار ابنه ، وبعضهم بإمامة المستعلي ابنه الآخر.

وبعد نزار استتر الأئمة النزاريين ، واتصلت إمامة المستعلويين إلى أن انقطع في المعاضد (٥).

وكان الحسن بن علي بن محمد الصباح المستولي (٦) على

__________________

(١) في (د) بينهما.

(٢) في (م) والمطبوعة وبعده ابنه الحسين.

(٣) في (م) دعائهم.

(٤) في (م) أول الأمر.

(٥) في (د) العاضد خلافا ل م والمطبوعة.

(٦) في (م) المستعلي.

٨٨

«قلعة الموت» ، من دعاة النزاريين. ثم ادعوا بعده ، أن الحسن الملقب بعلى ذكره السلام ، كان إماما ظاهرا من أولاد نزار واتصل أولاده (١) إلى أن انقرضوا في زماننا هذا.

وأما الإمامية (٢) فقالوا أنّ نصب الإمام لطف ، وهو واجب على الله تعالى ، ويجب أن يكون الإمام معصوما لئلا يضل الخلق ، ويؤكد ذلك قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

واتفقوا على إمامة علي عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ لم يكن غيره معصوما ، ثم ساقوا الإمامة بعده إلى الحسن المجتبى ابنه ، ثم إلى أخيه الحسين الشهيد بكربلاء ، ثم إلى ابنه علي زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ، ثم إلى ابنه جعفر الصادق (عليه‌السلام) ثم إلى ابنه موسى الكاظم ، ثم إلى ابنه علي الرضا ثم إلى ابنه محمد الجواد (٣) التقي ، ثم إلى ابنه علي النقي ثم إلى ابنه الحسن الزكي العسكري ثم إلى ابنه محمد المهدي المنتظر خروجه (عليهم‌السلام أجمعين). وقالوا انه باق وسيظهر ويملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا ، وهو الثاني عشر من أئمتهم ، ولأجل ذلك لقبوا بالاثنى (٤) عشرية.

وهم في أكثر أصول مذهبهم يوافقون المعتزلة ، ولهم في الفروع فقه منسوب إلى أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(١) في (م) أولاد.

(٢) فرق الشيعة ص ١٠٨. الملل والنحل ص ١٦٩.

(٣) في (م) ناقصة.

(٤) في (م) بالاثنا عشرية.

٨٩

وكان لهم في سياق الإمامة اختلافات كثيرة لا فائدة في ايرادها ، وجمهورهم الباقون إلى هذا الزمان على هذا المذهب الذي ذكرناه.

وأمّا الكيسانية (١) فقالوا بإمامة علي (عليه‌السلام) وبعده الحسن ثم الحسين عليه‌السلام (٢) ثم محمد بن الحنفية ، وقالوا أنّه الإمام المنتظر ، أعني المهدي الذي يملأ الدنيا عدلا ، وهو الآن مستتر في جبل رضوى بقرب المدينة ، وبعضهم قدموه على الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وبعضهم ساقوا الإمامة (٣) إلى ابنه أبي هاشم ثم إلى غيره ، ولهم فرق متعددة ، وقد انقطعت الكيسانية ولم يبق منهم أحد.

وأمّا الزيدية (٤) فقالوا بإمامة علي والحسن والحسين وأثبتوها بالنص الجلي ، وأثبتوا باقي الأئمة (٥) بالنص الخفي ، وذلك أن شرائط الإمامة عندهم كون الإمام عالما بشريعة الإسلام ، ليهدي الناس إليها ولا يضلهم ، وزاهدا لكيلا يطمع في أموال (٦) المسلمين ، وشجاعا لئلا يهرب (٧) في الجهاد مع المخالفين

__________________

(١) فرق الشيعة ص ٢٣. الملل والنحل ج ١ ص ١٤٧.

(٢) ناقصة في (د).

(٣) في (م) الإمام.

(٤) في فرق الشيعة ص ٢١ أنّ الزيدية فرقتان تنتحلان أمر زيد بن علي بن الحسين وأمر زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وراجع الملل والنحل ص ١٥٤. مقالات ج ١ ص ١٢٩. المنية والأمل ص ٨٩.

(٥) في (د) أئمتهم.

(٦) في (د) بيوت.

(٧) في (م) يفر.

٩٠

فيظهروا على أهل الحق ، وكونه من ولد فاطمة ، أعني من ولد (١) الحسن والحسين لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله المهدي من ولد فاطمة ، وكونه داعيا إلى الله تعالى وإلى دين الحق ظاهرا يشهر سيفه في نصرة دينه.

وقالوا قد (٢) نصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة بعده أن كل من استجمع هذه الشرائط الخمسة فهو إمام مفترض الطاعة ، وذلك هو النص الخفي.

ولم يوجبوا في الحسن والحسين الدعوة بالسيف لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هما إمامان قاما أو قعدا ، ويجوزون خلو الزمان عن الإمام ، وقيام إمامين في بقعتين متباعدتين إذا استجمعا هذه الشرائط ، ولذلك لم يقولوا بإمامة زين العابدين عليه‌السلام لأنه لم يشهر سيفه في الدعوة إلى الله [تعالى] ، وقالوا بإمامة زيد (٣) ابنه لاجتماع الشرائط فيه ، وإليه نسبوا ، إذ فارقوا سائر الشيعة بقولهم بإمامته. ولقبوا باقي الشيعة بالرافضة ، إذ رفضوا زيدا.

والزيدية فرق كثيرة ، منهم الصالحية وهم لا ينكرون خلافة الخلفاء الذين كانوا قبل علي عليه‌السلام لرضاء علي بخلافتهم ، ومنهم الجارودية. ومنهم السليمانية ، وقيل لهم فرق غيرها ، وأكثرهم في الفروع متابعون (٤) لأبي حنيفة إلّا في مسائل

__________________

(١) في (م) أولاد.

(٢) في م ود وقد.

(٣) في م ود وقد.

(٤) في (د) متابعين.

٩١

قليلة خالفته (١) أئمتهم فيها.

وأما القائلون بوجوب نصب الإمام على الخلق عقلا (٢) ، فقالوا : الضرر مع عدم الإمام متوقع من الظلمة على الضعفاء ، ودفع الضرر المظنون واجب عقلا ، وذلك إنما يندفع [بنصب] إمام يقوم بأحكام الشرع وهم موافقون لأهل السنّة في تعيين الأئمة (٣).

وأما أهل السنة فيقولون بوجوب نصب الإمام على من يقدر (٤) على ذلك لإجماع السلف عليه (٥). وذهبوا إلى أن الإمام يعرف أما بنص من يجب أن يقبل قوله كنبي أو إمام ، أو بإجماع المسلمين (٦) عليه. وكان الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [وسلم] بالإجماع أبا بكر ثم عمر بنص أبي بكر عليه (٧) ثم عثمان بنص عمر على جماعة اجمعوا على إمامته ثم علي المرتضى (عليه‌السلام) باجماع المعتبرين من الصحابة ، وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون.

ثم وقعت المخالفة بين الحسن ومعاوية (٨) ، وصالحه

__________________

(١) في (م) خالف.

(٢) هم أصحاب الجاحظ وأبو القاسم البلخي وأبو الحسين البصري كشف ص ٧٨

(٣) في (د) الإمام.

(٤) في (د) تعذر.

(٥) مقالات ج ١ ص ٣٢٣. الملل والنحل ج ١ ص ١٠٣.

(٦) في (م) المسلمون.

(٧) في (م) ناقصة.

(٨) في (د) : المعاوية ، وفي المطبوعة : وبين معاوية.

٩٢

الحسن ، فاستقرت (١) الخلافة عليه ثم على من بعده من بني أمية وبني مروان حتى انتقلت (٢) الخلافة إلى بني العباس ، واجتمع (٣) أكثر أهل الحل والعقد عليهم ، وانساقت الخلافة [منهم] إلى عهدنا الذي جرى فيه ما جرى.

وأما الذين لا يقولون بوجوب نصب الإمام (٤) فيقولون (٥) : يقع في نصب الأئمة فتن وقتل بعض الناس بعضا كما جرى في أيام علي (عليه‌السلام) ومعاوية ، ومن بعدهما في أكثر الأوقات ، والاحتراز عمّا يوقع (٦) في الفتنة والمحاربة أولى بالاتفاق ، والشريعة كافية لمن أراد أن يكون على الحق ، ويتقرب إلى الله بطاعته.

فهذه [هي] مذاهب الناس في الإمامة.

__________________

(١) في (م) والمطبوعة : واستقرت.

(٢) في (د) : ان أنقلت.

(٣) في (د) : أجمع.

(٤) النجدات من الخوارج مقالات ج ١ ص ١٨٩.

(٥) في (د) : فقالوا.

(٦) في (د) : توقع.

٩٣
٩٤

الباب الخامس (١)

في

الوعد والوعيد وما يتبعهما

__________________

(١) في (د) : غفل الناسخ عن ذكر عنوان الباب فكتب «فصل».

٩٥
٩٦

في

الوعد والوعيد وما يتبعهما

قد بيّنا (١) أنّ القائلين بالحسن والقبح والوجوب في العقل ، أوجبوا الوعد بالثواب للمكلفين لكونه لطفا ، وقالوا بحسن الوعيد لكونه أصلح ، [أو بوجوبه] لكونه لطفا [أيضا]. ثم أوجبوا الوفاء بالوعد ، واختلفوا في الوفاء بالوعيد :

فقالت التفضلية (٢) : ليس ذلك (٣) بواجب لأنه (٤) حق الله تعالى.

وقالت الوعيدية (٥) بوجوبه لئلا يصير الوعيد كذبا.

وأما الذين لا يقولون بالحسن والقبح والوجوب عقلا (٦) ، قالوا

__________________

(١) في (م) والمطبوعة : مرّ.

(٢) في (م) : التفضيلية ومنهم الشيعة.

(٣) في (د) : كذلك.

(٤) في (م) : لكونه.

(٥) المعتزلة والخوارج ونسبه الحلي إلى بعض الإمامية [البلخي والشيخ المفيد] كشف ص ٩٥.

(٦) الأشاعرة.

٩٧

أن الثواب والعقاب يتعلقان (١) بمشيئة الله تعالى فقط ، ولا يقبح (٢) منه شيء ولا يجب عليه شيء أصلا.

والحكماء القائلون بثبوتها (الحسن والقبح والوجوب) في العقل العملي دون [العقل] النظري ، قالوا تكون (٣) السعادة والشقاوة لازمتين (٤) للأفعال الملائمة وغير الملائمة ، كالصحة لاعتدال المزاج والمرض لانحرافه.

واعلم أنّ هذه الأقوال مبنية على كون الإنسان مدركا بعد موته ، فالأهم (٥) في هذا الباب النظر في ذلك وهو مبني على ست مسائل :

المسألة الأولى :

في اعادة المعدوم.

وهي جائزة عند مثبتي (٦) المعتزلة ، لأنّ الذات باقية عندهم حال تعاقب الوجود والعدم عليها ، وكذلك عند [بعض] أهل السنة (٧) ؛ فإنهم قالوا الممكن لا يصير بانعدامه ممتنعا.

__________________

(١) في (د) : لا يتعلقان وهو خطأ فاحش.

(٢) في (د) : ولا بحسن ولا بقبح.

(٣) في (د) : يكون.

(٤) في (د) : لازمين.

(٥) في (م) : والأهم.

(٦) الذين يثبتون وسطا بين الوجود والعدم هو الحال كما مرّ.

(٧) هو الرازي في محصّل ص ٣٣٨.

٩٨

ومحال عند غيرهم (١) لاستحالة تخلل العدم بين شيء واحد بعينه ، فإذن لا يكون المعاد عين المبدأ بل إن كان ولا بد ، فهو مثله.

وقال سديد الدين محمود (٢) الحمصي : إنّ ذلك ينتقض بالتذكر (٣) ، فإن الحاصل (٤) في الذكر بعد النسيان هو ما أدركه (٥) أولا بعينه وهو عوده ، وليس ذلك بصحيح (٦) لأن التعدد ينافي الوحدة وتماثل المعاد والمبدأ لا يقتضي (٧) اتحادهما.

المسألة الثانية :

في أقوال الناس في حقيقة الإنسان وأنها أي شيء هي :

اختلفوا في حقيقة الإنسان ، فبعضهم (٨) قالوا [ان] الإنسان هو هيكله (٩) المشاهد المحسوس.

__________________

(١) وفي (د) : بعضهم الفلاسفة ومن المعتزلة أبو الحسين البصري ومحمود الملاحمي كشف ص ٨٨.

(٢) في (د) : بن محمود.

(٣) في (د) : بالذكر.

(٤) في (م) : حصل.

(٥) في (م) : ذاكرة.

(٦) وقد ناقشه الطوسي في حاشية المحصل ص ٣٣٩. دون ذكر اسمه وهو من الإمامية وخالفه الحلي أيضا راجع كشف الفوائد ص ٨٨.

(٧) في (د) : يعني.

(٨) نسبه الأشعري في مقالات الإسلاميين إلى أبي الهذيل ص ٢٤ ج ٢. وإلى أبي بكر الأصم ص ٢٥ ج ٢.

(٩) في (د) : هيكل.

٩٩

وقال بعضهم (١) : هو أجزاء أصلية داخلة في تركيب الإنسان لا تزيد (٢) بالنمو ولا تنقص بالذبول.

وقال النظام هو جسم لطيف داخل (٣) في البدن ، سار في أعضائه (٤) ، وإذا قطع منه عضو تقلص ما فيه إلى باقي [ذلك الجسم اللطيف] ، وإذا قطع بحيث انقطع ذلك الجسم مات الإنسان (٥).

وقال ابن الراوندي : هو جزء لا يتجزأ في القلب (٦).

وبعضهم (٧) قالوا هو الاخلاط الأربعة.

وبعضهم (٨) قالوا هو الدم.

وبعضهم (٩) قالوا هو الروح وهي (١٠) جوهر مركب من بخارية الأخلاط ولطيفها ، مسكنه الأعضاء الرئيسة التي هي القلب والدماغ والكبد ، ومنها ينفذ (١١) في العروق والأعصاب إلى سائر الأعضاء.

__________________

(١) نسبه الحلي إلى المحققين من المتكلمين وتبناه في الكشف ص ٨٩.

(٢) في (د) : يزيد.

(٣) في (د) : في داخل الإنسان.

(٤) نسبه الشهرستاني إليه في الملل والنحل ص ٥٥ من الجزء الأول. والرازي في محصّل ص ٣٢٨. إلّا أنه قال أجزاء لطيفة سارية في البدن.

(٥) في (د) : فإن الإنسان يموت.

(٦) نسبه إليه الرازي في محصّل ص ٣٢٨.

والأشعري مقالات ج ٢ ص ٢٦.

وقال به برغوت مقالات ج ٢ ص ٢٥.

(٧) الأطباء راجع المحصّل ص ٣٢٨ وكشف الفوائد ص ٨٩.

(٨) الأطباء راجع المحصّل ص ٣٢٨ وكشف الفوائد ص ٨٩.

(٩) الأطباء راجع المحصّل ص ٣٢٨ وكشف الفوائد ص ٨٩.

(١٠) د وم والمطبوعة هو.

(١١) في (م) تنفذ.

١٠٠