رسالة قواعد العقائد

الخواجة نصير الدين الطوسي

رسالة قواعد العقائد

المؤلف:

الخواجة نصير الدين الطوسي


المحقق: الشيخ علي حسن خازم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغربة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٧

ممكنا بذاته (١) ، وكذلك (٢) الممتنع (٣). وما يفيد وجود غيره يسمونه موجدا أو علة ، وذلك الغير يكون موجدا أو معلولا.

والممكن لذاته [يكون] متساوي النسبة إلى طرفي وجوده وعدمه ، فإن كان له موجد كان موجدا ، وإن لم يكن له موجد بقي على حالة العدم فيكون عدم موجده كالعلة لعدمه (٤).

أصل آخر : كل ما يمكن أن يتصور فإن أمكن تصوره لا مع غيره فهو ذات ، وإلا فهو صفة. مثلا إذا قلنا موصوف عنينا به شيئا له صفة ، فالشيء هو (٥) الذات وقولنا له صفة هو (٦) صفته.

أصل آخر: كل موجود فإما أن يكون لوجوده أول ـ ولا محالة بكون لا وجوده متقدما على وجوده ـ ويسمى محدثا. وإما أن لا يكون لوجوده أول ويسمى قديما وأزليا (٧).

والتقدم يكون بالذات كتقدم الموجد على ما يوجده ، أو بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين ، أو بالزمان كتقدم الماضي على الحاضر ، أو بالشرف كتقدم المعلم على المتعلم (٨) ، أو بالوضع

__________________

(١) محصل : ص ٩٣ ، شرح الباب الحادي عشر : ص ١٦.

(٢) في (م) كذا.

(٣) كشف ص ٩.

(٤) خلافا للرازي ، راجع المحصل ص ١٠٦ و ١٠٩ و ١١٣ و ١١٤.

(٥) في (م) هي.

(٦) زائدة في (د).

(٧) المحصل ص ١١٧.

(٨) متعلمه في م.

٢١

كتقدم الأقرب على الأبعد (١).

والمتكلمون يزيدون على ذلك التقدم بالرتبة كتقدم الأمس على اليوم.

أصل آخر : كل ما يوجد من الممكنات فإما أن يوجد قائما بذاته كالإنسان وهو الجوهر (٢) ، أو يوجد قائما بغيره كالحركة وهو العرض. ويسمى العرض حالّا ، وذلك الغير محلا ، والحكماء يقولون الحالّ إن كان سببا لقوام محله ، كالإنسانية لبدن الإنسان ، كان صورة ومحله مادته ، وإن لم يكن كذلك كالبياض في الجسم كان عرضا ومحله موضوعه (٣). والجوهر عندهم كل ما لا يكون في موضوع ، سواء كان صورة أو مادة أو مركبا (٤) منهما وهو الجسم عندهم ، أو غير ذلك (٥).

وأما عند المتكلمين ، فالجسم مؤلف من أجزاء لا تتجزأ (٦) يسمون كلّ جزء منها بالجوهر الفرد (٧) ، وتأليفه عند الأشعرية (٨) من جوهرين فصاعدا ، وعند المعتزلة اما من أربعة جواهر واما من

__________________

(١) حصر الفلاسفة التقدم في هذه الخمسة ، كشف ص ١٢.

(٢) راجع مقالات ج ٢ ص ٨ ، محصّل : ١٢٥ ، الفرق ٣٢٨.

لمع الأدلّة ص ٨٦ ـ ٨٧.

(٣) ابن سينا رسالة في الأجرام العلوية ص ٤٣.

(٤) في م مركب.

(٥) راجع المصدر السابق ص ٣٩ ـ ٤٠. ورسالة الحدود ص ٧٣ ، ٧٤.

(٦) في د يتجزى.

(٧) محصّل ص ١٣٥ ، مقالات ج ٢ ص ٨ والفرق ص ٣٢٨ ، الاقتصاد في الاعتقاد ص ١٩ وص ٢٨.

(٨) محصّل ص ١٣٥ ، الاقتصاد ص ١٩.

٢٢

ثمانية فصاعدا ، لكون الجسم عندهم ما هو الطويل العريض العميق (١).

والجوهر الفرد عند الحكيم ممتنع الوجود (٢).

والأعراض عند أكثر المتكلمين (٣) أحد وعشرون نوعا وعند بعضهم ثلاثة وعشرون أو أربعة وعشرون :

عشرة منها تختص (٤) بالأحياء وهي الحياة والشهوة والقدرة والنفرة والإرادة ، والكراهة والاعتقاد والظن والنظر والألم.

وأحد عشر تكون (٥) للأحياء وغير الأحياء ، وهي (٦) الكون : وهو يشتمل على أربعة أشياء الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ، والتأليف ، والاعتماد كالثقل والخفة ، والحرارة ، والبرودة ، واليبوسة ، والرطوبة ، واللون ، والصوت ، والرائحة ، والطعم.

__________________

(١) ذكره الطوسي في تلخيصه : محصل ص ١٣٥ ـ ١٣٦ ومقالات ج ٢ ص ٤ فما بعد.

(٢) قال النظام أنه لا جزء إلّا وله جزء فوافق الحكماء بذلك ، نقله عنه الأشعري في المقالات ص ١٦ وانظر ابن سينا في الأجرام العلوية ص ٤١. وقال البغدادي بكفر النظام والفلاسفة بذلك : الفرق ص ٣٢٨. وانظر الخياط مؤيدا لأبي الهذيل قال إنّ المحدثات ذات غايات ونهايات محصاة معدودة لا يخفى على الله منها شيء.

الانتصار ص ١٢٣ والثمرة في ذلك كله انحصار علم الله وعدمه. ويظهران النظام خالف المعتزلة فيه.

(٣) مقالات ج ٢ ص ١٠ فما بعد.

محصّل ص ١٢٥ فما بعد.

الفرق ص ٣٢٩.

تلخيص ص ٢٠٣.

(٤) في د يختص.

(٥) في د يكون.

(٦) في د وهو.

٢٣

والاثنان اللذان أو الثلاثة زاد بعضهم (١) : الفناء ، والموت ، والبقاء.

والحكماء قالوا (٢) : أجناس الأعراض تسعة ، الكم والكيف والمضاف والوضع والأين ومتى والملك والفعل والانفعال. وتسمى هي مع الجوهر بالمقولات العشر (٣) الشاملة لجميع الممكنات.

أصل آخر : الموجودات إما (٤) متماثلة وإما متضادة وإما متخالفة ، أما المتماثلة (٥) فكالبياضين المتساويين في البياضية. وأما المتضادة فهي الأعراض التي (٦) تكون من جنس واحد ، لا يمكن أن تجتمع (٧) في محل واحد في وقت واحد ، ويمكن حلولها فيه على التعاقب ، وخلوه عنها جميعا كالألوان (٨).

والحكماء زادوا في قيودها أن يكون بينها (٩) غاية البعد (١٠).

فإذن يجوز أن يكون لعرض واحد أضداد (١١) كثيرة على الرأي

__________________

(١) في د الاثنان والثلاثة اللاتي.

(٢) محصل ١٢٥ فما بعد.

(٣) في د ويسمى وفي د العشرة بدل العشر.

(٤) في (م) أما أن يكون وراجع كشف الفوائد ص ٢٧.

(٥) في (د) المتماثل.

(٦) في (د) التي لا يكون.

(٧) في د يجتمع.

(٨) في م بينهما.

(٩) محصّل ص ٢٠٦ ، ٢٠٧.

(١٠) كشف ص ٢٨.

(١١) في (د) و (م) أضدادا.

٢٤

الأول ، ولا يجوز أن يكون له إلّا ضد واحد على الرأي الثاني (١).

وما عدا (٢) المتماثلة والمتضادة فمختلفة.

واعلم أن التقابل الذي يشمل التضاد وغيره على أربعة أوجه أحدها [التقابل ب] التضاد والثاني التقابل بالنفي والإثبات ، والثالث التقابل بالملكة والعدم [كالبصر والعمى] ، والرابع التقابل بالتضايف كالأبوّة والبنوة (٣).

أصل آخر : الدور محال (٤) ، وهو أن يكون المعلول علّة لعلته بواسطة أو بغير واسطة ، إذ (٥) المتأخر من حيث هو متأخر متقدم على متقدمه من تلك الحيثية.

والتسلسل عند المتكلمين محال مطلقا ، وبالجملة كل عدد يفرض (٦) فهو متناه ، لأن كل عدد يفرض (٧) قابل للقلة بأن ينقص منه شيء ، وللكثرة (٨) بأن يزاد عليه شيء ، وكل قابل للقلة والكثرة فهو متناه.

أما العدد (٩) الذي يكون [له] أول ولا يكون له آخر ، بل

__________________

(١) كشف ص ٢٩ رأي الفلاسفة.

(٢) في (د) وأما.

(٣) كشف الفوائد ٢٩.

(٤) محصّل ٢١٦ فما بعد.

(٥) في (م) والمتأخر من حيث هو متأخر متقدم على متقدم من تلك الحيثية.

(٦) في (م) فرض.

(٧) في م فرض فهو.

(٨) في م والكثرة.

(٩) في (د) زيادة هو.

٢٥

إنما يوجد منه (١) شيء بعد شيء لا إلى نهاية فليس بمحال عند أكثرهم لكون كل ما يوجد منه [حصر] في [أي] وقت يفرض [يكون] متناهيا (٢).

وأما عند الحكماء فكل عدد تكون (٣) آحاده موجودة دفعة واحدة وله ترتيب فهو متناه ، ويستحيل أن يكون غير متناه (٤). أما ما لا تكون (٥) آحاده موجودة ، دفعة ، أو لا يكون له ترتب فيجوز (٦) أن يكون غير متناه (٧).

فهذه هي الأصول التي أردنا تقديمها ، [أما] وبيان ما يحتاج إلى البيان منها فيجيء في مواضعه (٨) ، وقد أوردنا ما أردنا إيراده في خمسة أبواب.

__________________

(١) في (م) بل إنما يوجد منه نهاية وهو خطأ فاحش.

(٢) محصّل ٢١٧ نقد الطوسي.

(٣) في (د) و (م) يكون.

(٤) في د غير متناهية.

(٥) في (د) و (م) يكون.

(٦) في (م) يجب.

(٧) في د متناهية راجع كشف ص ٣١.

(٨) في (د) و (م) مواضعها.

٢٦

الباب الأول

في

اثبات موجد العالم

٢٧
٢٨

في اثبات موجد العالم

العالم عبارة عما سوى الله تعالى (١) ، وما سوى الله [تعالى] اما جواهر (٢) أو (٣) أعراض (٤). وإذا ثبت احتياج الجواهر إلى موجد ثبت احتياج الأعراض إليه ، لاحتياجها إلى ما يحتاج إليه.

__________________

(١) وبه قال امام الحرمين الجويني في لمع الأدلة ص ٨٦.

والغزالي في الاقتصاد ص ١٩.

والبغدادي في الفرق ص ٣٢٨.

والقاضي عبد الجبار في المختصر ص ٢٠٣.

وهذا التعريف يقابل قول البعض أن العالم هو السماء والأرض وما بينهما ، فتخرج الجواهر المجردة عند من أثبتها من الفلاسفة ، وهي عند أكثر المتكلمين غير متحققة وإلّا كانت مشاركة للمولى في حقيقته : راجع كشف الفوائد ص ٣٢.

(٢) في م : الجوهر.

(٣) في د : أو أما.

(٤) في م العرض.

راجع الحاشية رقم ١.

ومحصّل ص ١٧٨.

الاقتصاد ص ٢٠.

٢٩

والمتكلمون ينكرون وجود جواهر غير جسمانية كما سيجيء بيانه ، ويثبتون أولا حدوث الأجسام (١) والجواهر ، ويستدلون بذلك على إثبات محدثها القديم.

ولهم في إثبات حدوث الأجسام طرق (٢) : أحدها ، قولهم كل جسم (٣) لا يخلو من (٤) الحوادث ، وكل ما لا يخلو من (٥) الحوادث فهو حادث ، فكل جسم حادث. وهذه الحجة مبنية على إثبات أربع دعاوي (٦) ، إحداها إثبات وجود الحوادث ، والثانية بيان أن كل جسم لا يخلو (٧) منها ، والثالثة بيان حدوثها جميعا ، والرابعة بيان أنّ كل ما لا يخلو من الحوادث حادث.

أما الأولى (٨) فظاهرة ، فإنّ الأكوان أعني الحركات والسكونات والاجتماعات والافتراقات أمور ثبوتية ، [و] هي [غير] الأجسام ، وذلك لأن الحركة هي كون الجسم في حيّز بعد كونه في حيّز آخر ، والسكون هو كونه في حيّز بعد كونه في ذلك الحيّز ،

__________________

(١) خ. ل. العالم.

(٢) محصّل ص ١٧١ ، لمع الأدلة ص ٨٧ ، الاقتصاد ص ١٩ ـ ٢٠. من أهم موارد الاختلاف بين الفلاسفة والمتكلمين النزاع في حدوث نوع الحركة لا في أشخاصها فإنه متفق عليه وقد وافق الفلاسفة بعض المتكلمين كالنظام وأبو الهذيل ومعمر وبشر بن المعتمر وهشام بن الحكم فقالوا بالكمون بمعنى أنها قديمة ولكن تظهر عند الحركة. مقالات ج ٢ ص ٢٣ ـ ٢٤ ، لمع الأدلة ص ٨٨.

(٣) في م الجسم.

(٤) في م : عن.

(٥) في م : عن.

(٦) في د : دعا و.

(٧) في م ود لا يخلو عنها.

(٨) في د : أما الأول فظاهر.

٣٠

والاجتماع هو كون الجسمين في حيزين على وجه لا يمكن أن يتخللهما جوهر ثالث ، والافتراق هو كونهما في حيزين على وجه بحيث (١) يمكن أن يتخلل بينهما جوهر. والأكوان تتغير وتتبدل (٢) مع ثبوت الأجسام ، وهي (٣) أمور موجودة غير الأجسام ، ولا يمكن وجودها إلّا في الأجسام.

وأمّا بيان أنّ الأجسام لا تخلو منها (٤) ، فهو أن كل (٥) جسم يستحيل (٦) أن يكون لا (٧) في حيّز ، وكونه [في حيّز] ينحصر في الحركة والسكون ، وإذا كان جسمان في حيزيهما (٨) انحصر كونهما في الافتراق والاجتماع.

وأما أنها حادثة (٩) ، فلأنها تزول وتتبدل بعضها ببعض ، وإذ (١٠) هي محتاجة في وجودها إلى غيرها فهي ممكنة ، وتستقيم (١١) الدلالة على أنّ كل ممكن حادث ، ولا يجوز أن يكون

__________________

(١) ناقصة في م.

(٢) في م بعد.

(٣) في د فهي.

(٤) في (م) و (د) عنها.

(٥) في د. لأن.

(٦) خ. ل : مستحيل.

(٧) في م : إلّا.

(٨) في م : حيزهما.

(٩) استدلاله على حدوث شخص الحركة.

(١٠) في م : فإذا.

(١١) في م : ويستقيم الدلالة. خ. ل. الأدلة في د ومستقيم.

٣١

قبل كل حادث حادث إلى غير النهاية.

أمّا أولا (١) ، فلأن الحوادث الماضية يتطرق إليها الزيادة والنقصان ، ويستحيل أن يتطرق إلى غير المتناهي الزيادة والنقصان ، وذلك لأن الناقص منها بعدد متناه يستحيل أن يكون مساويا لها (٢).

وإذا فرض [بين] الناقص وغير الناقص تطابق من مبدأ واحد ، وجب أن ينتهي الناقص ويمتد بعد انتهائه غير الناقص ، فيكون الناقص متناهيا وغير الناقص لا يزيد عليه إلّا بعدد متناه ، فيكون الكل متناهيا ، وبطل كونه غير متناه. فتكون (٣) جميع الحوادث الماضية مسبوقة (٤) بالعدم.

وأما ثانيا (٥) ، فلأنّ كل واحد من الحوادث على تقدير كونه مسبوقا بما لا نهاية له ، يستحيل أن يوجد إلّا بعد انقضاء ما لا نهاية له من الحوادث حتى تصل النوبة إليه ، وانقضاء ما لا نهاية له محال ، ولكن الحوادث موجودة فإذن كونها مسبوقة بما لا نهاية له باطل.

__________________

(١) استدلاله على حدوث نوع الحركة وقال به القاضي عبد الجبار في المختصر ص ٢٠٤.

(٢) م لما زاد ، ود : عنها.

(٣) في (د) و (م) فيكون.

(٤) في (د) و (م) مسبوقا.

(٥) وجه آخر في الاستدلال على حدوث نوع الحركة.

٣٢

وأمّا ثالثا ، فلأن كل حادث مسبوق بعدم أزلي ، ولو (١) كان في الأزل حادث موجود لاجتمع وجوده مع عدمه وذلك محال ، فإذن تكون (٢) في الأزل (٣) جميع الحوادث معدومة (٤).

وأمّا بيان أن كل ما لا يخلو من الحوادث حادث فظاهر ، وذلك لأن جميع الحوادث معدومة في الأزل ، فالشيء الذي لا يخلو منها ، لو كان موجودا في الأزل لكان خاليا منها (٥) وهو محال فإذا ثبت أن الأجسام حادثة فكذلك الجواهر والأعراض.

طريق آخر : (٦) لا يجوز أن يكون جسم من الأجسام أزليا ، لأنه في الأزل أما أن يكون متحركا أو ساكنا ، وكلاهما محال. أما كونه متحركا فلأنّ الأزل عبارة عن نفي المسبوقية بالغير والحركة عبارة عن ثبوت المسبوقية (٧) بالغير ، فهما لا يجتمعان. وأما كونه ساكنا (٨) فمحال ، لأن السكون ، مع أنه يقتضي أيضا المسبوقية بسكون مثله ، ليس بواجب الوجود ، فإذا (٩) كان ممكنا كان مسبوقا

__________________

(١) في م فلو.

(٢) في (د) و (م) يكون.

(٣) وفي د في الأزل يكون.

(٤) في (د) معدوما.

(٥) في (د) و (م) عنها.

(٦) هو نفس البرهان السابق بتغيير يسير.

(٧) في (د) الكون المسبوق.

(٨) في م ساكن.

(٩) في د. وإذا.

٣٣

بالعدم على ما يجيء بيانه.

طريق آخر : وهو أعم من الأولين (١) ، وذلك أن يقال : كل ما سوى الواجب ممكن ، وكل ممكن محدث ، فكل ما سوى الواجب محدث سواء كان جسما أو جوهرا أو عرضا أو غير ذلك.

أما المقدمة الأولى فظاهرة. وأما المقدمة الثانية فلأنّ الممكن محتاج (٢) في وجوده إلى موجد ، والممكن (٣) لا يمكن أن يوجد حال وجوده فإنّ إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل محال فليزم (٤) منه أن يوجده (٥) حال لا وجود (٦) له ، فيكون وجوده مسبوقا بلا وجوده ، وذلك حدوثه. وإذا ثبت كون ما سوى الواجب محدثا ، وكان احتياج كل محدث إلى محدث يوجده ضروريا ، يثبت (٧) أن لجميع العالم من الأجسام والأعراض ، وما سواهما من الممكنات محدث (٨) وهو المطلوب ..

فهذه طرق المتكلمين في إثبات الصانع (٩).

__________________

(١) لأنّ الأولين يدلان على ثبوت الصانع وهذا البرهان يدل على ثبوته ووجوبه.

(٢) في م يحتاج.

(٣) والموجد.

(٤) د. ويلزم.

(٥) في م يوجد.

(٦) في د وجوده.

(٧) في د. ثبت.

(٨) في د. محدثا.

(٩) راجع محصل ٢١٣.

لمع ص ٨٦. الاقتصاد ص ١٩. تلخيص ص ٢٤٣.

٣٤

وأما الحكماء (١) ، فقالوا [ان] الموجودات تنقسم (٢) إلى واجب وممكن ، والممكن (٣) يحتاج (٤) في وجوده إلى مؤثر موجد ، فإن كان موجده واجبا ، فقد ثبت أنّ في الوجود واجب الوجود لذاته. وإن كان ممكنا كان محتاجا إلى مؤثر آخر ، والكلام فيه كالكلام في الأول ، والدور والتسلسل محال كما مرّ ، وعلى تقدير ثبوته نأخذ جميع الموجودات الممكنة فيكون ممكنا. لأنه لا يتحصل بدون أفراده وافراده غيره. ثم المؤثر فيه لا يجوز أن يكون نفسه ولا يجوز أن يكون داخلا فيه ، لأنّ الداخل لا يكون مؤثرا في نفسه ولا في علله ، فلا يكون مؤثرا [في المجموع. فلم يبق إلّا أن يكون] للجميع مؤثر خارج (٥) ، والخارج عن جميع الممكنات لا يكون ممكنا ، فيكون واجبا.

فإذن وجود واجب وجوده (٦) لذاته ضروري ، وهو المؤثر الموجد للممكنات كلها وهو المطلوب.

فهذا ما قاله المتكلمون والحكماء في هذا المقام ، وقد يورد

__________________

(١) محصّل ص ٢١٦ و ٢١٧. محصّل ١٧٣. واذكر أن الفلاسفة قالوا بقدم العالم وقال بعضهم بالإبداع وهو الإيجاد لشيء من غير سبق العدم راجع الإشارات والتنبيهات ج ٣ ص ٦٧ فما بعد وغيره.

(٢) في د. تقسم.

(٣) في د. فالممكن.

(٤) في د. محتاج.

(٥) في م مؤثرا خارجا ، وفي (د) مؤثرا للجميع مؤثر خارج والأصح كما أوردناها.

(٦) في د وجود.

٣٥

على كل موضع [منه] اعتراض (١) ، ويجاب عنه (٢) بأجوبة لن (٣) نذكرها (٤) ، لأنها بالكتب المطولة أليق ، لكن نورد ما هو موضع معظم الخلاف بين المتكلمين والحكماء في هذا الموضع.

وهو أنّ المتكلمين قالوا : إنما يتقدم عدم الممكن على وجوده ، تقدما لا يمكن أن يكون المتقدم مع المتأخر دفعة ، والحكماء قالوا : أنّ مثل هذا التقدم ، لا يمكن وقوعه إلّا في الأشياء الواقعة في الزمان ، لكن (٥) بحيث يقع المتقدم في زمان ، والمتأخر في زمان غيره ، والزمان ليس بواجب الوجود ، فتقدم العدم على كل ما سوى الواجب بهذا المعنى محال ، وهذا هو قولهم بقدم بعض الممكنات. قالوا بل إنما يكون هذا التقدم بالطبع الذي ذكرناه ، وأجاب المتكلمون بأن التقدم الذي لا يمكن اجتماع المتقدم والمتأخر معا لا يجب أن يكون بحسب زمان مباين لهما ، فإن تقدم بعض أجزاء الزمان على بعض ، لا يكون بزمان آخر ، وهذا التقدم مثله. ثم إن كان ولا بد فيكفي فيه تقدير زمان ، ولا يحتاج فيه إلى وجوده المغاير للممكنات المحدثة.

فهذا موضع معظم الخلاف بين الفريقين في هذه المسألة ، مع اتفاقهما على احتياج جميع الممكنات إلى موجدها.

__________________

(١) في د. اعتراضات في هذا الموضع.

(٢) في د. عنها.

(٣) في د لم يذكرها.

(٤) في (د) يذكرها وتشويش في العبارة وبياض ناتج عن ترميم المخطوطة.

(٥) في (د) لكي يقع.

٣٦

الباب الثاني

في

ذكر صفات الصانع

٣٧
٣٨

في

ذكر صفات الصانع (١)

وهي تنقسم إلى ثبوتية (٢) وغير ثبوتية :

أما الثبوتية فمنها أنّه تعالى قادر (٣) ، والقادر هو الذي يصحّ منه أن يفعل [الفعل] ولا يجب ، وإذا فعل فعل باختيار (٤) وإرادة لداع يدعوه إلى أن يفعل ويقابله الموجب وهو الذي يجب أن يصدر عنه الفعل ، ويجب أن يقارنه فعله لأنه لو تأخر الفعل عنه لما كان

__________________

(١) في (م) في صفات الله تعالى.

(٢) المراد بالثبوتية ما يقابل السلبية ، لا أنّ لها ثبوتا كما قال بعض المتكلمين من أهل السنّة والمشبهة والمجسمة على اختلاف فيه عند الأشعرية كما ترى عند الباقلاني في الملل والنحل ج ١ ص ٩٥ فإنه قال ان الصفات معان قائمة به لا أحوال وهو قولهم قادر بقدرة وعالم بعلم وقدرته غير علمه خلافا للشيعة والمعتزلة فإنهم أثبتوها على أنها ليست غير الذات ، ومن هنا فإن الأشعرية أثبتوا قدماء : ذاته تعالى وصفاته. المختصر ٢١٢ محصل ص ١٢٠ ـ ٢٦٠.

الفرق ص ٣٣٤ والاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص ٨٤.

(٣) اتفق المتكلمون على ذلك ، وللفلاسفة تفسير آخر يأتي : الفرق ص ٣٣٤ ، لمع ص ٩٤ ، الاقتصاد ص ٥٣ ، محصّل ص ٢٥٧.

(٤) في (م) باعتبار ، وفيه إشارة إلى خلاف بين المتكلمين يأتي بعد قليل.

٣٩

صدور الفعل عنه واجبا ، إذ لم يصدر عنه في الحال المتقدم على الصدور.

والمتكلمون (١) يقولون بأن الباري تعالى قادر إذا (٢) كان فعله حادثا غير صادر عنه في الأزل ، ويلزم القائل بالقدم كون فاعله موجبا.

والحكماء يقولون كل فاعل فعل (٣) بإرادة : مختار ، سواء قارنه الفعل في زمانه أو تأخّر [عنه]. وموضع الخلاف (٤) في الداعي ، فإنّ المتكلمين يقولون : إنه لا يدعو [الداعي] إلّا إلى معدوم ليصدر عن الفاعل وجوده بعد وجود (٥) الداعي بالزمان ، أو تقدير الزمان ، ويقولون (٦) ان هذا الحكم ضروري ، والحكماء ينكرونه.

وإذا (٧) حصل الداعي للقادر فهل يجب وجود الفعل أم لا؟ فيه خلاف بين المتكلمين ، والمحققون (٨) منهم يقولون بوجوبه ، ويقولون أنّ هذا الوجوب (٩) لا يقتضي (١٠) إيجاب فاعله (١١) ،

__________________

(١) في (د) فالمتكلمون.

(٢) في (د) إذ.

(٣) في (د) يفعل.

(٤) مرّ ذكر الخلاف بين الفلاسفة والمتكلمين في التقدم بين العلة والمعلول وانه بالطبع أو بالزمان وهنا بيانه.

(٥) ناقصة في (م).

(٦) المتكلمون.

(٧) في (د) فإذا.

(٨) كأبي الحسين البصري ومن تابعة كشف الفوائد ص ٤٠.

(٩) في (م) الوجود.

(١٠) في (م) تقتضي.

(١١) في (م) فعله.

٤٠