نهاية الإقدام في علم الكلام

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

نهاية الإقدام في علم الكلام

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-4174-0
الصفحات: ٤٠٨

التسلسل ، وعدم التناهي ، ويؤدي ذلك إلى عدم المخلوقات ، ولأن الرب عز وجل لا يخلق الخلق بالخلق وإنما خلقه بصفته القديمة ، وهي قوله " كن " فدل على ما قلناه.

فإن قيل " كن " كاف ونون ، ودليل الحدوث فيما بين ، لكونهما أحرفا فإن الأحرف لا تخرج إلا من مخارج ، فالميم مخرجها من الشفتين ، وانطباق عضو على عضو ، والحاء مخرجها من الحلق ، وكذلك سائر الحروف ، فإذا كانت الحروف ، فإذا لا تخرج إلا من مخارج ، والرب عز وجل منزه عن ذلك ، لأنه ليس ذا لفظ ومخارج يتقدم بعضها على بعض ، فإنه في حال ما يتكلم بالكاف النون معدومة ، وفي حال ما يوجد النون ويتكلم بها الكاف معدومة ، وما هذه صفته لا يكون إلا مخلوقا ، ولأن من الكاف والنون نشاهدهما في مصاحفنا أجساما مخلوقة ، فتارة تكون بالحبر ، وتارة تكون باللازورد ، وتارة تنقش بالجص والآجر على المساجد وغيرها ، فإذ قلنا بقدمها ونحن لا نشاهد هذه الأجسام ، والألوان المخلوقة ، فقد قلنا بقدم العالم ، ولأن القديم لا يحل في المحدث ، ولأن القول بهذا يؤدي إلى القول بما يعتقدونه النصارى لأنهم يقولون إن كلمة اللّه القديمة حلت في عيسى ، فصار عيسى قديما أزليا ، بل يكون هذا القائل أعظم قولا من النصارى ، لأنهم لم يقولوا بقدم عيسى ، والقائل بأن الكاف والنون قديمة يقول بقدم أكثر المخلوقات. وإذا ثبت أن هذه الكاف والنونوجميع الحروف مخلوقة بمشاهدتنا لها في دار الدنيا لأنها لو كانت قديمة لما فارقت الموصوف لأن الصفة لا تفارق الموصوف ، لأنها إذا فارقته يكون موصوفا بضدها بطل ما ادعيتموه من القدم. يقال لهم : إنما يصح لكم التعليق بهذا مع المشبهة الحلولية القائلين بقدم هذه الأحرف والأصوات ، لأنهم يوافقونكم في المعنى ويقولون إن كلام اللّه أحرف وأصوات ثم يوافقوننا في التسمية ، ويقولون بقدم القرآن. والمعول على الاعتقاد بالقلب لا على التسمية باللسان ، ويحملهم على ذلك الجهل بالفرق بين القديم والمحدث. ثم يقولون : جهلهم بالسبب حملهم على الخطأ. وقال بعض الأدباء : أهتك الناس من إذا لزمه الحق ثقل عليه ، وإذا سنح له الباطل أسرع إليه.

والأولى بمن تكلم معهم من أهل الحق في ذلك أن لا يطالبهم في الابتداء إلا بالفرق بين القديم والمحدث ، فمن كان جاهلا بذلك فالسكوت عنه أولى من كلامه ، ويؤمر بمعرفة ذلك فإن أصل هذه المسألة مبني على ذلك ، وأما نحن فلا نوافقهم بأن كلام اللّه أحرف وأصوات ، لأن الأحرف والأصوات نعتنا وصفتنا ومنسوبة إلينا نقرأ بها كلام اللّه تعالى ، ونفهمه بها ، والكاف والنون وجميع الحروف ، القراءة والمقروء والمفهوم بها كلام اللّه تعالى أفهمنا بها كلام اللّه القديم الأزلي ، كما أفهم موسى

٣٨١

بالعبرانية ، وعيسى بالسريانية ، وداود باليونانية ، ولا يقال إن كلام اللّه عز وجل لغات مختلفة ، لأن اللغات صفات المخلوقين بل المفهوم من هذه اللغات كلام اللّه القديم الأزلي ، كما أن العرب يسمونه اللّه ، وغيرهم من العجم والترك خداى وأبودو شكري ولا يقال إن هذا الاختلاف عائد إلى الرب ، لأنه واحد لا خلف فيه ، فكذلك كلامه أيضا ، بل الاختلاف عائد إلى أفهامنا ولغاتنا. فمن قال بقدم هذه اللغات فلجهله وحمقه ؛ لأن المتكلم في حال ما تكلم بالعربية والعبرانية معدومة ، وكذلك السريانية واليونانية وما يوجد ويعدم لا يكون قديما.

فإن قيل : إذا قلتم إن كلام اللّه ليس بصوت ولا حرف ولا تدرك أسماعنا إلا ما هذه صفته فمن ينفي كيف يسمع وكيف يسمع يقال لهم : سماعنا لكلامه كعلمنا به. فكما أننا لا نملك موجودا إلا جسما أو جوهرا أو عرضا ثم إن اللّه عز وجل معلوم لنا بخلاف ذلك ، فكذلك أيضا سماعنا لكلامه خلاف سماعنا لكلام المخلوقين فنقيس سماعنا لكلامه على العلم به مع القدرية ، وأما المشبهة فنقيس معهم سماعنا لكلامه على رؤيتنا له لأنهم يوافقوننا في الرؤية بخلاف القدرية : فيقال لهم : كما أن اللّه عز وجل يرى لنا غدا وليس يرى جسم لا محدود بخلاف جميع المرئيات التي نشاهدها اليوم فخلق الرب عز وجل لنا بصرا نبصر به ، فكذلك خلق لنا سمعا نسمع به كلامه على ما هو عليه بخلاف المسموعات التي ندركها اليوم ، والدليل على ما نذكره أن الرب عز وجل يخلق لنا سمعا نسمع به كلامه وبصرا نبصره به بخلاف ما نبصره اليوم ونسمعه ، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان ينزل عليه جبريل عليه السلام ، والصحابة جلوس فيراه النبي صلى اللّه عليه وسلم ويسمع منه ، والصحابة لا يبصرونه ولا يسمعون منه ، وبصره وبصرهم في الصورة سواء ، وكذلك ملك الموت أيضا ، فإن الميت يشاهده عند قبضه لروحه ، وأهله حضور لا يشاهدونه ، وكذلك الجن يروننا ولا نراهم فدل على أن العلة في ذلك ، أن اللّه عز وجل يخلق للبصير بصرا يدرك به ما لم يدركه غيره ، فكذلك يخلق له سمعا يسمع به كلامه ، وفهما يفهمه به كما أفهم سليمان منطق الطير وخصه بذلك ، وسمعنا وسمعه في الصورة سواء.

فإن قيل : أنتم تثبتون شيئين مختلفين قراءة ومقروءا أحدهما قديم والآخر محدث ، ونحن لا نعقل إلا شيئا واحدا ، وفي هذا شبهة القدرية والمشبهة ، فالقدرية يقولون : نحن لا نعقل إلا هذه القراءة وهي محدثة ، والمشبهة يقولون نحن لا نعقل إلا هذه القراءة وهي محدثة القرآن ثم يثبتون قدمها؟ يقال لهم : لا يمنع أن يكون الإنسان في حال السماع فيسمع الشيئين المختلفين شيئا واحدا ، ثم بالدليل يفرق بينهما ، كالناظر

٣٨٢

إلى السواد والأسود ، فإنه في حال المشاهدة لا يشاهد إلا شيئا واحدا ، ثم بالدليل يفرق بينهما فيعلم أن السواد عرض لا يقوم بنفسه ، والأسود الموصوف بذلك السواد جسم بخلافه ، فكذلك في ملتنا أيضا. ونحن قد ثبت عندنا أن كلام اللّه تعالى قديم أزلي بالأدلة التي قد ذكرنا بعضها ، والقديم أبدا ما كان موجودا ويكون أبدا موجودا ، ولا يوصف تارة بالوجود وتارة بالرداءة ، ولا يضاف إلى المخلوقين ، ثم وجدنا القراءة بخلاف ذلك ، ففرقنا بينهما ، وكما أن الذكر غير المذكور ، والعلم غير المعلوم ، فإن أحدنا إذا ذكر اللّه عز وجل ، لا يقال إن ذكره قديم لقدم المذكور ، ولا علمه قديم لقدم المعلوم ، بل هما شيئان مختلفان ، فالذكر مخلوق لأنه صفة المخلوق لم توجد قبله ، وعلمنا أيضا باللّه عز وجل كذلك ، فإن الصفة لا تتقدم على الموصوف ، فكذلك أيضا قراءتنا وكتابتنا مخلوقة ، لأنهما صفتان لم تتقدم علينا ، فمن زعم من المشبهة الحلولية أن الكتابة قديمة موجودة قبل الكاتب ، والقراءة قديمة موجودة قبل القارئ ، يقال له : فعلى ما ذا يستحق القارئ العقوبة إن كان جنبا ، وينال الثواب إن كان طاهرا وهو ما لم يأت بشيء؟ فدل على أن الذي يأتي به ويستحق عليه ما ذكرناه هو القراءة المأمور بها عند الطهارة. قال اللّه تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (المزمل : من الآية ٢٠) والمنهى عنه عند النجاسة لما روى ابن عمر رضى اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن» والقديم لا يكون تارة طاعة ، وتارة معصية ؛ لأن الطاعة والمعصية هي ما يكون للمخلوق على فعلها قدرة ، والصفة القديمة الذاتية لا توصف بأنها مقدورة للّه عز وجل ، فأولى وأحرى أن لا تكون مقدورة للمخلوق ، وقد أخبر الرب عز وجل أن ما بين السماء والأرض مخلوق ، فقال عز وجل : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) (الفرقان : من الآية ٥٩) وهذه الكتابة نشاهدها بين السماء والأرض ، فمن قال بقدمها كذب الرب عز وجل في خبره ، ولأن الرب عز وجل أخبر أن كلامه لا ينفد ولا يفنى ، فقال عز وجل : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ) (لقمان : من الآية ٢٧) فأخبر أن كلامه لا يفنى ، ولا ينفد ، ولا يكون له أول ولا آخر ، ثم نجد هذه القراءة تفنى وتنفذ ، ولها أول وآخر ، والكتابة في المصاحف كذلك أيضا.

ولقد حكى أن عثمان رضي اللّه عنه أحرق جميع المصاحف المخالفة لمصحفه ، أترى أنه أحرق القرآن؟.

ومن الدليل على أن كلام اللّه قديم أزلي ما يروي عن علي بن أبي طالب كرم اللّه

٣٨٣

وجهه ، حين أنكر عليه الخوارج التحكيم فقال : واللّه ما حكمت مخلوقا ، وإنما حكمت القرآن ، قال اللّه تعالى :(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (النساء : من الآية ٣٥) وقال عز وجل : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ) (المائدة : من الآية ٩٥) فإذا كان في شقاق يقع بين الزوجين أمر بالتحكيم ، وفي أرش قيمته نصف درهم يقتله المحرم أمر بذلك ففي شقاق يقع بين طائفتين من المسلمين التحكيم أولى وأحرى ، وجميع الصحابة يسمعون قوله ولم ينكر عليه منكر ، وسكتوا عنه كسكوتهم عند حرق عثمان المصاحف ففعل عثمان حجة لنا بأن الكتابة مخلوقة ، وقول على كرم اللّه وجهه حجة لنا بأن المكتوب قديم ، والاقتداء بعلي وعثمان رضي اللّه عنهما أولى وأحرى من اقتداء بالقدرية والمشبهة.

ومن الدليل على أن كلام اللّه تعالى قديم أزلي ، أنه لو كان مخلوقا لكان لا يخلو إما أن يكون قد خلقه في ذاته ، أو خلقه في غيره ، أو خلق الكلام قائما بذاته لا في محل ، بطل أن يقال خلقه في ذاته ، لأنه تعالى ليس بمحل للحوادث ، وبطل أن يقال خلقه في غيره لأنه يكون كلام ذلك الغير ، وكما لا يجوز أن يقال إنه يخلق علمه وقدرته ، فكذلك أيضا لا يخلق كلامه في غيره ، لأنه يكون كلام ذلك الغير ، ولا يجوز أن يقال إنه خلقه لا في محل لأن الكلام صفته ، والصفة لا تقوم إلا بموصوف ، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة دل على أنه قديم أزلي.

فإن قيل : المتكلم إنما يتكلم ليسمع غيره ، أو يتكلم ليستأنس ، أو يتكلم ليحفظ ، وإذا كان المتكلم خاليا من هذه الثلاثة أقسام يكون كلامه هذيانا ولغوا. والرب عز وجل لم يكن معه في الأزل أحد ليسمع كلامه ، ولا يجوز أن يقال إنه تكلم ليحفظ أو تكلم ليستأنس ، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة ، دل على أنه ليس متكلما في الأزل.

يقال لهم : مقصودكم وغرضكم أن تثبتوا لصفاته الذاتية علة وغرضا إذا كانت أفعاله لا لعلة ولا غرض ، لأنه لو فعل فعلا لعلة كانت تلك العلة لا تخلو ، إما أن تكون قديمة أو محدثة ، فإن كانت محدثة افتقرت إلى علة قبلها ، وكذلك ما قبلها ، ويؤدي ذلك إلى التسلسل وعدم التناهي ، ويؤدي ذلك إلى عدم المعلول ، وهذا محال أيضا ؛ فدل على أن اللّه عز وجل يفعل ما يفعله لا لعلة وغرض ، بل يفعل ما يشاء بما شاء لا لعلة. وإذا ثبت أن صفات فعله لا لعلة وغرض ، فصفات ذاته أولى وأحرى أن لا تكون لعلة وغرض وبطل ما قاله.

فإن قيل قد قال اللّه تعالى :(إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (الزخرف : من الآية ٣) والجعل بمعنى الخلق ، يقال لهم الجعل هاهنا بمعنى التسمية والدليل عليه قوله عز وجل :

٣٨٤

(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (الزخرف : من الآية ١٩) ومعلوم على أنهم لم يخلقوا الملائكة فدل على أن الأمر بالجعل هاهنا التسمية ، وكذلك قوله عز وجل:(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (الحجر : ٩١) لم يرد بها الخلق فدل على ما قلناه.

فإن قيل قد قال اللّه عز وجل : (وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) (الأحزاب : من الآية ٣٧) (وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب : من الآية ٣٨) فدل على أن أمر اللّه مقدور ومفعول ، وهذا دليل الحدث.

يقال لهم : الأمر على ضربين ، فتارة يقتضي الكلام وهو قوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) ، وقوله عز وجل (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الروم : من الآية ٤) أي من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء ، وهذا دليل واضح على قدمه ، وتارة يقتضي الفعل وهو قوله (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) (الإسراء : من الآية ١٦) فهذا الأمر يقتضي الفعل ، جاء في التفسير أن الأمر هاهنا بمعنى كثرنا لأن الرب عز وجل لا يأمر بالفحشاء ، وإذا كان الأمر كذلك بطل ما قالوه ، ويكون المراد بقوله :(وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) (الأحزاب : من الآية ٣٧) (وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب : من الآية ٣٨) فعله.

فإن قيل : الدليل على خلق القرآن أنه معجز النبي صلى اللّه عليه وسلم وتحدى الأمة به. فالتحدي إنما يكون بما للمتحدي عليه قدرة كإلقاء العصا ، وإبراء الأكمه والأبرص ، والقديم لا يكون للمخلوق عليه قدرة ولا يكون له في التحدي به حجة ؛ فدل على ما قلناه.

يقال لهم : التحدي إنما كان بالقراءة لا بالمقروء وقد بينا الفرق بينهما. فإن قيل : فقد قال اللّه تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (الأنبياء : من الآية ٢).

يقال لهم الذكر قد يكون بمعنى القرآن فقال عز وجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) ويكون الذكر بمعنى الرسول قال اللّه عز وجل : (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (القلم : من الآيتين ٥١ : ٥٢) قال اللّه عز وجل (ذِكْراً * رَسُولًا) (نهاية الآية : ١٠ وبداية الآية : ١١ من سورة الطلاق) فالذكر المحدث هاهنا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، والدليل على آخر الآية قوله عز وجل : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (الأنبياء : من الآية ٣) ومعلوم أن الكلام ليس ببشر ويحتمل أن يقال إن المراد بالذكر المحدث هذه القراءة لا المقروء.

٣٨٥

فإن قال قائل من المشبهة : إذا قلتم إن الكتابة مخلوقة يؤدي ذلك إلى أن المصحف ليس له حرمة.

يقال لهم إن الحرمة لا تثبت إلا بما هو قديم ثم لم يكن للمسجد حرمة بحيث يمنع الجنب من اللبث فيه والمرور على مذهب بعض الفقهاء فكما أن المسجد بجميع أجزائه مخلوق وله حرمة لأجل المعهود فيه فكذلك إنما المصحف بجميع أجزائه مخلوق وله حرمة لأجل المكتوب فيه.

فإن قيل : إذا قلتم إن هذه الأحرف محدثة وليست القرآن ، فالقرآن أين هو؟.

يقال لهم : فإذا قلتم إن هذه الأحرف هي القرآن ، فالقديم أين هو؟.

فإن قيل فقد قال اللّه عز وجل : ألم ، طه ، طسم ، فدل على أن القرآن هو هذه الأحرف.

ويقال لهم : لا فرق بين هذه الآيات وغيرها فإن الألف التي في الحمد والطاء التي في طه كالطاء التي في الطاغوت فجميع الأحرف التي في السور سواء ، فما ثبت لبعضها من القدم أو الحدث ثبت لكلها.

ثم يقال لو أن هذه الأحرف قديمة لأجل تخصيصها بالذكر لكان الشمس والقمر والنجوم قديمة لتخصيصها بالذكر قال اللّه تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (النجم : ١) ، وقال عز وجل : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها * وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) (الشمس : ١ ، ٢) فكما لا يقال إن هذه الأشياء قديمة لتخصيصها بالذكر فكذلك الأحرف أيضا.

ثم يقال لهم : هذه الأحرف التي تثبتون قدمها في القرآن هل هي أحرف أب ت ث أم لا؟ فإن قيل غيرها فهذا دفع للضرورة وإن قيل هي يقال لهم فهل هي التي يكتب بها شعر المتنبي وحسان والنقال أم لا؟.

فإن قيل : غيرها تكتب ما ذكرتموه فهذا محال ودفع لما نعلمه ضرورة ، وإن قيل إن الأحرف التي يكتب بها القرآن هي التي يكتب بها ما ذكرناه. فيجب القول بقدمها وأن يكون لها حرمة كحرمة المصحف وهذا خلاف الإجماع ، ولو أن هذه الأحرف قديمة وهي القرآن لكان المصلي إذا أتى بها في الصلاة وقال في الصلاة أب ت ث ج ح خ د ذ لا تبطل صلاته فإن الإتيان بالقرآن في الصلاة في موضعه لا يبطلها ، ولكانت تجزئة عن قراءة غيرها ، ولكان لها حرمة بحيث لا يجوز للجنب الإتيان بها ، فلما لم يصح ذلك دل على أنها مخلوقة ، وإذا ترتب بعضها على بعض فهم منها المكتوب بها ، فإن كان القرآن صار لها حرمة ، وإن كان غير القرآن لم يكن لها حرمة ، فالذي يتجدد هو الحرمة لا القدم ، فإنه لو جاز أن يصير المحدث قديما لجاز أن يصير

٣٨٦

القديم محدثا وهذا محال.

ومن الدليل على أن الكتابة غير المكتوب قوله تعالى : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) (الأعراف : من الآية ١٥٧) فالنبي عليه الصلاة والسلام مكتوب على هذه الحق يقة في التوراة والإنجيل غير حال في التوراة والإنجيل ، بل هو مدفون في المدينة أو رفع إلى السماء على اختلاف العلماء في ذلك ، فلو أن الكتابة هي المكتوب لكان النبي صلى اللّه عليه وسلم موجودا في التوراة والإنجيل هي الأحرف المفهوم بها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فهي غيره وهو غيرها ، لأن حقيقة الغير لا يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر والكتابة مفارقة المكتوب منفصلة منه ، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب زيد على عمرو وثيقة بدين وشهد فيها الشهود بذلك ثم قبضها يكون قد استوفى دينه فلما لم يصح ذلك دل على أن الكتابة يفهم بها المكتوب وليست هي المكتوب فالشهود مكتوبون في الوثيقة على الحقيقة غير حالين فيها ، وكذلك الدين ، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا قرأ القارئ (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ) (مريم : من الآية ١٢) وأراد به القرآن ، ثم قال يا يحيى خذ الكتاب وأراد به إعلام المسيح ، أن يفرق بينهما عند السماع ، وكذلك في الكتابة أيضا فلما لم يكن ذلك دل على أن الكتابة مخلوقة لا تختلف والمفهوم بها يختلف ، ثم يقال لهم إذا قرأ القارئ هل يسمع منه القرآن كما يسمع من الرب عز وجل أم لا؟ فإن ورد الشرع بأن كلام اللّه تعالى صوت وحرف سميناه بذلك وإلا فلا.

وإن قيل ليس بينهما فرق وذا ذاك ، وذاك ذا فهذا هو التشبيه بعينه ويكون القرآن على قولهم حكاية ، لأن المحاكاة المماثلة والمشابهة ولا شبه لكلام اللّه ولا مثل له ، كما أن اللّه عز وجل لا مثل له ولا شبه له ، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب أحدنا في كفه ألف لام ها ما يكون اللّه عز وجل حالّا في كفه ، ولما لم يصح ذلك دل على أن الكتابة غير اللّه عز وجل ، ولما جاز على الرب جاز على صفة ذاته ، فكما أن الرب عز وجل مكتوب في مصاحفنا ، ومعبود في مساجدنا ومعلوم في قلوبنا ومذكور بألسنتنا غير حال في شيء مما ذكرناه فكذلك كلامه أيضا مقروء بألسنتنا على الحقيقة قال اللّه عز وجل: (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن) (المزمل : من الآية ٢٠) ومتلو في محاريبنا على الحقيقة ، قال اللّه عز وجل :(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ) (الكهف : من الآية ٢٧) ومحفوظ في صدورنا على الحقيقة قال اللّه عز وجل : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (العنكبوت : من الآية ٤٩) ومسموع (مَحْفُوظٍ) (البروج : ٢١) بآذاننا على الحقيقة قال اللّه عز وجل : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ

٣٨٧

مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ) (٢١ ، ٢٢) غير حال في شيء مما ذكرناه.

وللمصحف حرمة عظيمة ورعاية وكيدة بحيث لا يجوز للمحدث الأصغر والأكبر مس ما فيه وحواشيه ولا كتابته ولا دفتيه ولا حمله ولا مسه ولا بعلاقة احتراما قال اللّه عز وجل:(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة : ٧٩) والأدلة في ذلك أبين من عين الشمس لمن تدبر وعقل لا من اتبع هواه وجهل. فإن كنت قد أكثرت مما لا يحتاج إليه فلا ملام لما قدمت من الاعتراف والسلام.

صفة الحياة

ثم يعتقدون أن اللّه عز وجل حي بحياة أزلية قديمة لأن الصفات التي ذكرناها لا تقوم إلا بمن هو حي ، قال اللّه عز وجل : (اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (البقرة : من الآية ٢٥٥).

علاقة الصفات بالذات

ثم يعتقدون أن صفات ذاته لا يجوز أن يقال هي هو ، ولا هو هي ، ولا هو غيرها ، ولا هي غيره ؛ لأنها لو كانت هي هو لكانت الصفة الواحدة موصوفة بجميع الصفات التي ذكرناها والصفة لا تقوم بالصفات. ولو كان هو هي لم يكن موصوفا بها لأن الصفة معنى زائد على الموصوف ولو كانت غيره وهو غيرها لجاز لأحدهما أن يفارق الآخر لأن حقيقة الغيرين ما يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر. بل يقال إنها صفات قائمات بذاته لم يزل موصوفا بها ولا يزال.

صفة الاستواء

ثم يعتقدون أن اللّه عز وجل مستو على العرش قال اللّه عز وجل : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : من الآية ٥٤) ، وأن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة ، والرب عز وجل قديم أزلي أبدا كان وأبدا يكون ، لا يجوز عليه التغيير ولا التبديل ولا الانتقال ولا التحريك ، والعرش مخلوق لم يكن فكان ، قال اللّه عز وجل : (اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (النمل : ٢٦) فلو أن المراد بالاستواء والملاصقة لأدى إلى تغيير الرب وانتقاله من حال إلى حال وهذا محال في حق القديم ، فإن كل متغير لا بدّ له من مغير ، ولأن العرش مخلوق محدود فلو كان الرب عز وجل مستقرا عليه لكان لا يخلو إما أن يكون أكبر أو أصغر منه أو مثله ، فلو كان أكبر منه يكون متبعضا بعضه خال من العرش ، والبعض صفة الأجسام

٣٨٨

المؤلفة ، وإن كان أصغر منه فيكون العرش مع كونه مخلوقا أكبر منه وذلك نقص ، وإن كان مثله يكون محدودا كالعرش فإن كان العرش مربعا فيكون الرب مربعا ، وإن كان مخمسا فيكون الرب مخمسا وما هو محدود له شبه ، وله مثل ولا يكون قديما ، فدل على أنه كان ولامكان ، ثم خلق المكان وهو الآن على ما عليه كان.

فإن قيل : إذا قلتم إنه ليس على العرش ولا في السماوات ولا في جهة من الجهات فأين هو؟

يقال لهم : أول جهلكم وصفكم له بأين ، لأن أين استخبار عن المكان والرب عز وجل منزه عن ذلك.

ثم يقال لهم : هل تثبتون خلق العرش والسماوات وجميع الجهات أم لا؟

فإن قالوا ليست مخلوقة فقد قالوا بقدم العالم ، وينتقل الكلام معهم إلى القول بحدث العالم ، وإن وافقوا أهل الحق وقالوا بخلق جميع الجهات ، يقال لهم فهل كان الرب موجودا قبل وجودها وهو الذي أوجدها من العدم إلى الوجود أم لا؟

فإن قيل : لم يكن موجودا قبلها ولا أوجدها فقد قالوا بحدث الرب عز وجل ، وهذا هو الكفر الصراح ، وإن وافقوا أهل الحق في القول بوجوده قبل وجود المخلوقات من العالم العلوي والسفلي. قيل لهم : فأخبرونا عما كان عليه قبل وجودها فكل دليل لهم قبل وجودها هو دليل لنا بعد وجودها ، فإن الرب عز وجل بعد وجود جميع المخلوقات على ما كان عليه قبل وجودها لا يجوز على الرب التغيير من حال إلى حال ولا الانتقال من مكان إلى مكان. قال اللّه عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ) ـ أي انتقل من جهة إلى جهة وتغير من حال إلى حال ـ (قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (الأنعام : ٧٦) أي لا أحب المنتقلين المتغيرين ، فمن وصف القديم بما نفاه عنه إبراهيم فليس من المسلمين.

فإن قيل : إذا لم يكن في جهة فما فائدة رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء وعروج النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى السماء؟.

يقال لهم : لو جاز لقائل أن يقول إن الرب عز وجل في جهة فوق لأجل رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء لكان لغيره أن يقول هو في جهة القبلة لأجل استقبالنا إليها في الصلاة أو هو في الأرض لأجل قربنا من الأرض في حال السجود ، وقد روى في الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : «أقرب ما يكون العبد من اللّه عز وجل إذا سجد» قال اللّه عز وجل : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق : من الآية ١٩) فلو كان في جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه إذا سجد فكما أن الكعبة قبلة المصلي يستقبلها في الصلاة ، ولا يقال إن

٣٨٩

اللّه عز وجل في جهة الكعبة ، ومستقبل الأرض بوجهه في السجود ، ولا يقال إن اللّه عز وجل في الأرض ، فكذلك أيضا جعلت السماء قبلة الدعاء ، لا أن اللّه عز وجل حال فيها ، وكذلك أيضا عروج النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى السماء ، لا يدل على أن اللّه عز وجل في السماء ، كما أن عروج موسى عليه الصلاة والسلام إلى الجبل ، وسماعه لكلام اللّه تعالى عنده ، لا يدل على أن اللّه عز وجل حال في الجبل ، فعروج النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما كان زيادة في درجته ، وعلوا لمنزلته ليتبين الفرق بينه وبين غيره في المنزلة وعلو الدرجة.

فإن قيل : إذا لم يكن الاستواء بمعنى الاستقرار فما معناه؟.

يقال لهم : قد اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : إن الاستواء بمعنى القهر والغلبة واحتج على القائل بهذا ، وقال لو كان المراد القهر والغلبة ، لأدى ذلك إلى أن يكون قبله مقهورا مغلوبا ، وذلك محال.

ومنهم من قال : الاستواء بمعنى الاستيلاء ، استوى على العرش أي استولى عليه يقال : استوى فلان على الملك ، أي استولى عليه.

ومنهم من قال : المراد به العلو فقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) يريد به الرحمن علا ، والعرش به استوى ، وهذا أيضا محال ؛ لأنه لو كان الأمر كذلك ، لكان العرش مرفوعا لا محفوظا ، فدل على أن على من حروف الصفات ، لا من العلو.

ومنهم من قال : المراد به القصد ، كقوله :(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (فصلت : من الآية ١١) أي قصد إلى السماء ، وعلى بمعنى إلى ، لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، وتأويلهم في ذلك كثير وكلامهم في ذلك يطول ، والواجب من ذلك ، أن ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوث الرب عز وجل ، ثم لا نطالب بما عدا ذلك ، كما أنا نعتقد أن اللّه شيء موجود موصوف بصفاته. ثم ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوثه ، من صفة الأجسام والجوانيب والأعراض ثم لا نطالب بما عدا ذلك.

فإن قيل : نحن نجهل هذه الآية وما أشبهها من الآيات كاليدين والوجه ومن الأخبار المرورية عن النبي صلى اللّه عليه وسلم من النزول والصورة والقدم ، ونحملها على الظاهر ولا نتأولها قال اللّه عز وجل :(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (آل عمران : من الآية ٧) فنؤمن بها ولا نتأولها.

يقال لهم : هذه الآية دليل على القول بالتأويل ، لا على نفي التأويل ، والدليل عليه قوله عز وجل : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (آل عمران : من الآية ٧) والإيمان هو التصديق والتصديق بالشيء لا يصح مع الجهل ، فدل على أن

٣٩٠

(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه) ِأي يعلمونه ويقولون آمنا فيعلمونه مضمر لقوله عز وجل : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (الرعد : من الآيتين ٢٣ ، ٢٤) أي يقولون سلام عليكم ، وإذا كانت الآيات والأخبار التي يقتضي العمل بها ، تتأول ولا تحمل على الظاهر كقوله عز وجل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (النساء : من الآية ٩٣) فظاهر الآية يقتضي أن أهل الكبائر يخلدون في النار ، ويؤدي ذلك إلى القول بمذهب القدرية ، فلا بد من تأويل هذه الآية فيكون المراد ، ومن يقتل مؤمنا متعمدا لقتله ، مستحلا لدمه ، وكذلك في قوله صلى اللّه عليه وسلم «بين الإسلام وبين الكفر ترك الصلاة ، فمن تركها فقد كفر» «١» يتأول على مذهب أكثر الأئمة ، ولا يحمل على الظاهر ، فالآيات والأخبار التي ظاهرها التشبيه ولا يقتضي العمل بها بل يقتضي العلم أولى وأحرى لأن تتأول ، لأنا إذا قلنا على العرش استوى ، لا يقتضي العمل ولا له تأويل ، فظاهره يقتضي حدوث الرب عز وجل ، وتشبيهه بالخلق ، فما فائدة إعلامنا به ، كذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم : «خلق آدم على صورته» إذا قلنا ليس لها تأول ولا تقتضي العمي فيكون هذيانا وإغواء ، ونكون قد صدقنا الكفار في قولهم : (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) (الدخان : من الآية ١٤) أي يأتي بشيء لا معنى له ، وغرضهم من نفي التأويل بقاؤهم على التشبيه ، فإن لم يقولوا بالتأويل ، ونفوا التشبيه لم يطالبوا بغيره ، ولم يجب عليهم أكثر من ذلك ، لأن الذي يحوجنا ويدعونا إلى التأويل قول المخالف : لا أدري ولا أتأول ، أنا أحمل هذا الاستواء على الظاهر ولا أدري هل هو استقرار أو غير استقرار. وكذلك قوله عز وجل : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) (ص: من الآية ٧٥) أحملها على الظاهر ، ولا أدري هل هما جارحتان أو غير جارحتين ، وهذا جهل منهم بالرب عز وجل ، وذلك يؤدي إلى كفره لأن من جهل صفة من صفات معلومة ، لم يعرف المعلوم على ما هو به ، وقوله لا أدري شك في اللّه عز وجل ، وقلة علمه بما يجوز في حقه وما لا يجوز ، لأن حمل هذه الآيات والأخبار التي ظاهرها التشبيه على ظاهرها إنما تصح بعد نفي التشبيه ، وهو أن يعتقد أن هذا الاستواء ليس بجلوس ولا استقرار ولا لاصقة. ثم بعد ذلك هو مخير إن شاء تأول ، وإن شاء حمله على الظاهر ، وكذلك قوله عز وجل : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ٨٨) ـ ح ٨٢) ، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (١ / ١٦٠) ـ ح ٢٤٧ / بتحقيقنا) ، والبيهقي في الكبرى (٣ / ٣٦٥) ـ ح (٦٢٨٧) ، والإمام أحمد في مسنده (٣ / ٣٨٩) ـ ح (١٥٢٢١).

٣٩١

لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وقوله عز وجل : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) (يس : ٧١) يعتقدون أن هذه اليد ليست بجارحة ولا تلمس ، فما هي؟.

يقال لهم : قد اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال اليد هاهنا يد قدرة ، والمراد بالتثنية الواحد كقول الشاعر خليلي وصاحبي ، والدليل عليه أن جميع الموجودات والمخلوقات بقدرته ، وخص آدم بالذكر ، كما أن المساجد كلها للّه ، وخص الكعبة بالذكر ، والنوق كلها ، وخص ناقة صالح بالذكر ، فكذلك أيضا خلق آدم وجميع المخلوقات بيده ، وخصّ آدم بالذكر تشريفا وتخصيصا ، ومنهم من قال : اليد هاهنا صفة زائدة على القدرة خصّ بها آدم وخلقه بها ، واحتج على القائل بهذا. وقيل : لو أن المراد باليد هاهنا صفة زائدة على القدرة ؛ لأدى للرب صفات كثيرة لا نعلمها وهذا يؤدي إلى الجهل بالرب ، والواجب من ذلك ما ذكرته ، وهي نفي التشبيه ، والاعتقاد بأن هذه اليد ليست بجارحة ، ولا تلمس ، وكذلك جميع الأخبار التي ظاهرها يقتضي التشبيه ، كقوله صلى اللّه عليه وسلم : «خلق آدم على صورته» (١) ، وقوله صلى اللّه عليه وسلم «إن النار يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار قدمه فيها» (٢)، وقوله عليه الصلاة والسلام «رأيت ربي في أحسن صورة» (٣). فالواجب في ذلك الاعتقاد بأن الهاء في قوله خلق آدم على صورته عائدة إلى آدم أو إلى المصورة لا إلى الرب عز وجل ؛ لأن الرب عز وجل ليس بصورة ، لأن الصورة لا بدّ لها من مصور ، والرب عز وجل منزه عن ذلك ، وكذلك القدم أيضا عائد إلى قدم الجبار الكافر قال اللّه عز وجل : (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (إبراهيم : من الآية ١٥) أو عائد إلى من قدمه الرب عز وجل في السابق أنه من أهل النار. قال اللّه عز وجل : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (يونس : من الآية ٢) أي سابقة صدق لا إلى الرب عز وجل ، قال اللّه عز وجل : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) (الأنبياء : من الآية ٩٩) فمن يعتقد ويؤمن بأن اللّه إله ، ومع ذلك لا تمتلئ جهنم إلا به ، فالسكوت عنه أولى من الكلام معه ومناظرته ؛ لأنه لم يستفد من عقله غير التكليف الذي به يستحق العقوبة والتخليد في النار ، وإنما العاقل

__________________

(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠١٧) ـ ح (٢٦١٢) ، وابن حبان في صحيحه (١٣ / ١٨) ـ ح (٥٧١٠) ، والإمام أحمد في مسنده (٢ / ٢٤٤) ـ ح (٧٣١٩).

(٢) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (٥ / ١٢٧).

(٣) أخرجه الترمذي (٣٥٤٣) ، وقال : حديث صحيح ، والدارمي (٢ / ١٧) ـ ح (٢١٤٩) وابو يعلي في مسنده (٤ / ٤٧٥) ـ ح (٢٦٠٨) ، والطبراني في الكبير (١ / ٣١٧) ـ ح (٩٣٨).

٣٩٢

على الحقيقة من يتوصل بعقله عند نظره واستدلاله إلى الحق ، كما بينا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام استدل على خلق الكوكب والشمس والقمر بالتغيير والأفول والانتقال من حال إلى حال ، وأمرنا الرب عز وجل باتباعه لإصابته الحق ، لا من يعتقد ويصف الرب بالنزول ، والانتقال ، والتغيير من حال إلى حال ويمر هذه الأخبار على ظاهرها من غير تأويل ولا نفي تشبيه ، بجهله وحماقته ، وقلة علمه وبصيرته ، وتأويل هذه الأخبار يطول شرحه ، وليس هذا موضوعه.

نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى قيام الساعة

ثم يعتقدون أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نبوته باقية بعد وفاته ؛ كبقائها حال حياته إلى أن يرث اللّه عز وجل الأرض ومن عليها ، وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع ، وجميع الخلق يخاطبون بها ، قال اللّه عز وجل :(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (سبأ : من الآية ٢٨) ومعجزة باقية ، وهو القرآن قال اللّه عز وجل : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (هود : من الآية ١٣) (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة : من الآية ٢٣) (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (الإسراء : من الآية ٨٨) وأن معراجه صحيح ، وكان في اليقظة لا في المنام ، فأسرى به إلى بيت المقدس ، قال اللّه عز وجل : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (الإسراء : من الآية ١) ومحال أن يقول أسرى به ولم يسر به ، وعرج به إلى السماوات السبع ، وإلى العرش ، وعرض عليه جميع المخلوقات ، قال اللّه عز وجل :(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (النجم : ١٨) وسمع كلام اللّه القديم الأزلي بلا واسطة ، كما سمع موسى عليه الصلاة والسلام بلا واسطة ، قال اللّه تعالى :(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (النجم: ١٠) فالفرق بين نبينا وبين موسى عليهما الصلاة والسلام ، أن موسى عليه الصلاة والسلام سمع كلام الرب عز وجل وهو على وجه الأرض من وراء حجاب ، ونبينا عليه الصلاة والسلام سمع كلام اللّه عز وجل ، وهو بالأفق الأعلى لا من وراء حجاب ، بل مع المشاهدة ، قال اللّه عز وجل : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (النجم : ١١) أي ما كذب الفؤاد ما رأى بعين رأسه ، وأن جميع ما أخبر به صدق ، من قوله عليه الصلاة والسلام «أشرفت على الجنة فوجدت أكثرها البله» (١)، «وأشرفت على النار فوجدت أكثرها النساء» (١) ، وهذا دليل

__________________

(١) ضعيف : أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (٢ / ١١٠) ـ ح (٩٨٩) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٢ / ١٢٥) ـ ح (١٣٦٦) ، والحافظ الذهبي في الميزان (٣ / ٢٦١) ، وابن عدي في الكامل (٢ / ٣١٣).

٣٩٣

على أن الجنة والنار مخلوقتان قال اللّه عز وجل : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران : من الآية ١٣٣) ، (وأُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (البقرة : من الآية ٢٤) محال أن يقول أعدت فمن أنكر ذلك فقد كذب اللّه عز وجل ، ورسوله صلى اللّه عليه وسلم فيما أخبرا به ، وذلك كفر.

والمعراج والإسراء غير مستحيل في العقل ، فالإيمان به واجب والمنكر له مكذب للشفاعة أيضا ، والحوض ، والصراط ، والميزان قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : «ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» (٢).

وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : «تخرج طائفة من أمتي من النار بشفاعتي وقد صاروا كالحممة» (٣). والأخبار الواردة في الحوض (٤) والميزان (٥) والصراط (٦) وعذاب القبر (٧) مشهورة معروفة فمن رد خبرا منها كمن رد كلام اللّه تعالى ، قال اللّه عز وجل:(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر : من الآية ٧).

ترتيب الصحابة في الفضل

ثم يعتقدون أن أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضى اللّه عنهم ، وأن المقدم في الخلافة هو المقدم في الفضيلة ؛ لاستحالة تقديم المفضول على الفاضل ، لأنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل ، والدليل عليه أن أبا بكر لما نص على عمر ، قام إليه طلحة رضي اللّه عنه فقال : ما تقول إذا لقيت ربك وقد وليت علينا فظا غليظا؟ فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه كرّكت لي عينيك ، وذللت لي عقبيك وحمتني تلفتني عن رأيي ، وتصدني عن ديني ، بل أقول له إذا سألني : خلفت عليهم خير أهلك. فدل

__________________

واستنكره. وعزاه الحافظ الهيثمي للبزار ، وقال : فيه بالإجماع ابن روح : وثقه ابن حبان وغير واحد.

انظر / مجمع الزوائد (١٠ / ٤٠٢).

(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط (٦ / ١٠٦) ـ ح (٥٩٤٢) ، وأبو يعلى في مسنده (١ / ١٧٢ ـ ١٧٣) ح (١٩٨) ، والذهبي في الميزان (٢ / ٢١١).

(٣) أورده الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (٤ / ٢٠١).

(٤) أخرجه البخاري (٨ / ٦٠٣) ، ومسلم (٤ / ١٧٩٣).

(٥) أخرجه البخاري (٦ / ٢٦٩٧) ـ ح (٦٩٧٦).

(٦) أخرجه مسلم (١ / ١٨٦ ـ ١٨٧) ـ ح (١٩٥).

(٧) أخرجه البخاري (١ / ٢٨٦) ـ ح (٧٩٨) ، ومسلم (١ / ٤١٣) ـ ح (٥٨٨).

٣٩٤

ذلك أنهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل ، وأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يصرح بالنص على أحد ، وإنما ثبتت الخلافة بالإجماع لا بالنص. وقد قيل إنها ثبتت بالنص ، ولكنه نص خفيّ يحتاج إلى تأويل وتأمل مثل قوله عليه الصلاة والسلام «مروا أبا بكر فليصل بالناس ، لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدمهم غيره اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» (١)، وكقوله في علي رضي اللّه عنه : «أنت مني بمنزلة هارون وموسى» (٢) «من كنت مولاه فعلى مولاه» (٣) والصحيح أنه لم ينص على أحد ، والدليل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفا في نفسه قويا في أمر اللّه ، وإن تولوها عمر تجدوه قويا في بدنه قويا في أمر اللّه ، وإن تولوها عثمان تجدوه هاديا مهديا ، وإن تولوها عليا يهدكم إلى الصراط المستقيم» (٤) فأخبر أن كل واحد منهم يصلح للإمامة على الانفراد ، ولم ينص على أحد لأنه لو نص على أحد لما قال إن تولوها ، ولما قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير ، فدل على أن الخلافة بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم لأبي بكر رضي اللّه عنه بالإجماع لا بالنص ، والإجماع حجة. قال اللّه عز وجل : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (النساء : ١١٥).

فإن قيل : عليّ أولى بالخلافة لأنه أعلم من أبي بكر وأشجع ، وكان أقرب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم من أبي بكر ؛ لأنه كان ابن عمه.

يقال لهم : هذا ليس بصحيح ، والدليل على أن أبا بكر كان أعلم الصحابة بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم وأشجعهم قوله يوم الردة : ولو منعوني عقالا أو عناقا مما أعطوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقاتلتهم عليه ولو خلاني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي. فقال عمر رضي اللّه عنه سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم» (٥). فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه: سمعته يقول إلا بحقها ، والزكاة من

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ٢٣٦) ـ ح (٦٣٣) ، ومسلم (١ / ٣١٣) ـ ح (٤١٨).

(٢) أخرجه البخاري (٣ / ١٣٥٩) ـ ح (٣٥٠٣) ، ومسلم (٤ / ١٨٧٠) ـ ح (٢٤٠٤).

(٣) أخرجه الحاكم في مستدركه (٣ / ١٨٨) ـ ح (٤٥٧٧) ـ وقال : صحيح على شرط الشيخين.

والترمذي (٥ / ٦٣٣) ـ ح (٣٧١٣) ، وقال : حديث حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (٥ / ٤٥) ـ ح (٨١٤٥) ، وابن ماجة (١ / ٤٥) ـ ح (١٢١) ، والإمام أحمد في مسنده (١ / ٨٤) ـ ح (٦٤١).

(٤) أخرجه الضياء في المختارة (٢ / ٨٦) ح (٤٦٣) ، وعبد اللّه بن أحمد في السنة (٢ / ٥٤١) ح (١٢٥٧).

(٥) أخرجه البخاري (١ / ١٧) ـ ح (٢٥) ، ومسلم (١ / ٥٢) ـ ح (٢١).

٣٩٥

حقها ، واللّه لا أفرق بين ما جمع اللّه عز وجل ، قال اللّه عز وجل : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (البقرة : من الآية ٤٣) ، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم قبل وفاته قد جهز جيشا ثم مات ، والجيش مجهز لم يسر ، وارتد الناس ثم مات ، فقال عمر لأبي بكر رضي اللّه عنهما : الناس قد ارتدوا ، وحماة الإسلام في هذا الجيش ، ومن الرأي رده من المسير لما قد جهز له ، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه : أشجاع في الجاهلية وخوّار في الإسلام ، واللّه لا رددت جيشا جهّزه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال عمر رضي اللّه عنه : لم يبق أحد ـ أنا ولا غيري ـ إلا ودخله فشل إلا ما كان من أبي بكر رضي اللّه عنه. ومن الدليل على أن أبا بكر أشجع من عليّ رضي اللّه عنه «أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أعلم عليا بموته فقال له : ابن ملجم يقتلك» (١) ، فكان عليّ رضي اللّه عنه إذا لقى ابن ملجم يقول : متى تخضب هذه من هذه يعني لحيته من دم رأسه ، فكان إذا دخل الحرب فلاقى الخصم يعلم أن ذاك الخصم لا يقتله فهو معه كأنه نائم على فراشه وأبو بكر رضي اللّه عنه كان إذا دخل الحرب ولاقى الخصم لا يدري هل يقتل ، فمن يدخل الحرب وهو لا يدري هل يقتل أم لا ويقاسي من الكرّ والفرّ والجزع والفزع ما يقاسي ، يكون كمن يدخل الحرب وهو نائم كأنه على فراشه ؛ فدلّ على أن أبا بكر رضي اللّه عنه كان أشجع.

ثم يقال لهم : الشجاعة ليس فيها فضل ، الدليل عليه لو أن الشجاع تخلف عن الجهاد وجاهد الجبان لكان الفضل للجبان لا للشجاع المتخلف ، ثم لو جاهدا جميعا وقلنا الفضل للجبان كان غير بعيد ، لأن الجبان يقاسي من المشقة ما لا يقاسيه الشجاع الذي له دربة بالحرب ، فإذا قلنا إن الجبان أفضل لما يناله من المشقة في كر وفر يكون غير بعيد ، وكذلك القرابة أيضا ليس فيها فضل لأن الإنسان يكسب الفضل بما يفعله بنفسه قال اللّه عز وجل (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (النجم : ٣٩) والقرابة شيء إلى اللّه عز وجل ، ليست مما يكتسب العبد فضلا وغيره ، والدليل عليه أن والد النبي صلى اللّه عليه وسلم ووالدته في النار ، فلو أن القرابة تفيد شيئا لأفادتهما ، لأنهما أقرب من غيرهما. وقد روى في الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ـ : لفاطمة ـ عليها السلام ـ «إن أردت اللحوق بي فعليك بكثرة السجود» (٢) أحالها على العمل لا على النسب والقرابة ، ولو أن القرابة ينال بها فضلا لكان العباس أفضل من عليّ ، لأن العباس عم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وعلي ابن عمه والعم أقرب من ابن العم ، وعليّ أفضل من العباس فدل على

__________________

(١) لم أجده.

(٢) أخرجه ابن ماجة (١ / ٤٥٧) ـ ح (١٤٢٢) ، والإمام أحمد في مسنده (٣ / ٤٢٨).

٣٩٦

أن الفضل بمعنى آخر ليس بالقرابة ، وهو ما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : «إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ليس لعربي فضل على عجمي»(١) (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ) (الحجرات : من الآية ١٣).

فإن قيل : عليّ أعلم من أبي بكر رضي اللّه عنهما لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة فليقصد الباب» (٢) يقال لهم : هذا الخبر إما أن يكون عليّ رواه أو غيره؟ فإن كان غير عليّ رواه فهذا علم من العلوم قد علمناه من غير الباب وإذا جاز أن يعلم علم من العلوم من غير الباب جاز أن يعلم جميعها أو أكثرها من غير الباب ، وإن كان عليّ قد رواه فهذه شهادته لنفسه وشهادة الرجل لنفسه لا تقبل ، فدلّ على أن الخبر له معنى غير ما ذهبوا إليه وقوله عليه الصلاة والسلام : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٣) لم يرد علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه ، وإنما أراد بقوله «علي بابها» أي رفيع بابها وعظيم شأنها كقوله تعالى : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) الحجر (٤١) بقراءة يعقوب الحضرمي ، أي رفيع مستقيم ، فيكون علي هاهنا بمعنى عال كما قال امرؤ القيس :

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السّيل من على

أي من عال ، وإذا كان بمعنى عال فلا حجة لهم فيه.

والدليل على أن أبا بكر رضي اللّه عنه أعلم وأفضل قوله صلى اللّه عليه وسلم : «يؤمكم أعلمكم وأفضلكم» (٤).

ثم لما وقع صلى اللّه عليه وسلم في النزع وحضر وقت الصلاة قال : «مروا أبا بكر فليصل بالناس» (٥) يقول عليّ رضي اللّه عنه : كنت حاضرا بين يدي النبي صلى اللّه عليه وسلم وما كنت غائبا فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس وتركني ، رضينا لدنيانا ما رضيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لديننا.

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الأوسط (٤٧٤٩) ، والإمام أحمد في مسنده (٢٣٥٣٦).

(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٥ / ٤١١) ـ ح (٢٣٥٣٦) وأبو نعيم في حلية الأولياء (٣ / ١٠٠).

(٣) حسن : أخرجه الحاكم في مستدركه (٣ / ١٣٧) ـ ح (٤٦٣٧) وقال صحيح. والطبراني في الكبير (١١ / ٦٥) ـ ح (١١٠٦١). وابن عدي في الكامل (٣ / ٤١٢). والعقيلي في الضعفاء (٣ / ١٤٩).

والخطيب في تاريخ بغداد (٧ / ١٧٢) ـ (برقم ٣٦١٣). وانظر / كشف الخفاء للحافظ العجلوني (١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٧).

(٤) أخرجه البخاري (١ / ١٦٣).

(٥) تقدم تخريجه.

٣٩٧

فإن قيل عليّ أولى بالخلافة من أبي بكر لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» (١) يقال لهم هذا الخبر أيضا لا حجّة لكم فيه لأنه إن أراد بقوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى أنت أخي ، كما أن هارون أخو موسى ، فهذا لا يصحّ ؛ لأن عليا كان ابن عمه لم يكن أخاه ، فإن أراد به أنك الخليفة بعدي كما أن هارون كان الخليفة بعد موسى عليهما الصلاة والسلام فهذا فاسد أيضا ، لأن هارون مات قبل موسى ، فلم يكن الخليفة بعده ، فلو كان المراد به الخلافة لقال منزلتك منى منزلة يوشع بن نون ، لأن الخليفة بعد موسى كان يوشع بن نون ، فدل على أن الخبر له معنى غير ما ذهبوا إليه ، وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خرج إلى بعض الغزوات ، واستخلف عليا في أهله ، فقال المنافقون إنما خلفه ... ، فلحق عليّ رضي اللّه عنه النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال : إن المنافقين قالوا كيت وكيت ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم كذبوا ، خلفتك كما خلف موسى هارون ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، لأن موسى لما توجه لميقات ربه استخلف هارون في قومه ، وإذا كان المراد به الخلافة في حال الحياة ، فهذا لا حجة لهم فيه ، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يستخلف على أهله في كل غزوة يغزوها رجلا من أصحابه ، كابن أم مكتوم ، وغيره.

فإن قيل : فقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : من كنت مولاه فعلى مولاه ، يريد من كنت أولى به فعلى أولى به ، يقال لهم مولى هاهنا بمعنى الناصر ، أي من كنت ناصره فعلى ناصره ، قال اللّه عز وجل : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (التحريم : من الآية ٤) أي ناصره ، وقال الشاعر : إذا ذل مولى المرء فهو ذليل أي إذا ذل ناصره ، وإذا كان المراد به من كنت ناصره فعلى ناصره فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان ناصرا لأبي بكر رضي اللّه عنه ، ولم يكن خاذلا له : بل كان كل واحد منهما ناصرا لصاحبه ، ومؤنسا له قال اللّه عز وجل : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) (التوبة : من الآية ٤٠) وعلي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قد كان ناصرا له أيضا ، فإن أبا بكر رضي اللّه عنه لما قال : أقيلوني أقيلوني لم يقم غير علي رضي اللّه عنه فقال : واللّه ما نقيلك ولا نستقيلك ، قدمك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فمن الذي يؤخرك ، رضيك لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟ وجاهد بين يديه وتسرى بالحنفية في أيامه ، وولدت له محمد بن الحنفية ، ولم يظهر غير الموافقة ، والنصرة.

فإن قيل : لو كان أهلا للخلافة لما قال أقيلوني أقيلوني ، لأن الإنسان لا يستقيل

__________________

(١) تقدم تخريجه.

٣٩٨

من الشيء إلا إذا لم يكن أهلا له ، يقال لهم : أقيلوني يدل على زهده وورعه ، وخوفه من الزلل في أمر الأمة ، يطلب الاستقالة لأجل ذلك ، ولأنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم «يلعن إماما أم قوما وهم له كارهون» (١) فخشى أبو بكر رضي اللّه عنه أن يكون فيمن ولى عليهم من هو كاره له ، فقال : أقيلوني أقيلوني ، فلما أجابوه بالقبول والاستبشار ، ولم ينكر عليه منكر خف عنه بعض ما توهم من كراهة كاره ، وهذا روى أنه رأى جبلا فقال للجبل : لو كان بك مثل ما بي لتقطعت. ولأن كل إنسان يطالب بأمر نفسه ، والإمام يطالب بأمر نفسه الأمة ، فطلب الاستقالة لأجل ذلك.

وقد روى في الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : «من ولى على المسلمين رجلا وهو يعلم أن في المسلمين من هو خير منه ، فقد خان اللّه ورسوله» (٢) ، فلو كان في الصحابة من هو أفضل من أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه ، لما أجمعوا على خلافته ؛ لأن ذلك يؤدي إلى خيانة اللّه ورسوله ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ، للخبر المروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في ذلك ، ومن الدليل على أن أبا بكر رضي اللّه عنه أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوله عليه الصلاة والسلام : «ما طلعت الشمس ولا غربت على رجل بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر رضي اللّه عنه» (٣). وهذا صريح كما ترى.

فإن قيل أخبرونا بما جرى بين عليّ ومعاوية رضي اللّه عنهما ، مع من كان منهما؟. يقال لهم : اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : الحق كان مع علي لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم «عليّ على حق ، والحق معه حيث دار» (٤) ومنهم من قال : كل واحد منهما كان مجتهدا مصيبا ، لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم : «كل مجتهد مصيب» (٥) وأنهما لم يختلفا في الفروع كاختلاف الشافعي رضي اللّه عنه وأبي حنيفة والناس في ذلك على قولين : فمنهم من

__________________

(١) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (٣ / ١١) ـ ح (١٥١٨). وابن حبان في صحيحه (٥ / ٥٣) ـ ح (١٧٥٧). والترمذي (٢ / ١٩١) ـ ح (٣٥٨). والبيهقي في الكبرى (٣ / ١٢٨) ـ ح (٥١٢٢).

وأبو داود (١ / ١٦٢) ـ ح (٥٩٣). وابن ماجة (١ / ٣١١) ـ ح (٩٧٠).

(٢) أخرجه الحاكم في مستدركه (٤ / ١٠٤) ـ ح (٧٠٢٣) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(٣) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٣ / ٣٢٥).

(٤) أخرجه الطبراني في الكبير (٢٣ / ٣٢٩) ـ ح (٧٥٨) وانظر / الميزان للحافظ الذهبي (٦ / ٥٥٦) ـ الضعفاء للعقيلي (٤ / ١٦٥).

(٥) لم أجده.

٣٩٩

يقول إن الحق في جهة ، وإن المخالف في تلك مخطئ له أجر لا أنّه خطأ يؤدي إلى كفره ، ولا فسقه ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام «من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر» (١) ، ومنهم من يقول كل منهما مصيب للخير ، وحملوا أمر معاوية وعلي رضي اللّه عنهما على ذلك ، وذلك أن عثمان بن عفان رضى اللّه عنه كان الخليفة ، وهو ابن عم معاوية ، فقتل مظلوما ، وولى بعده الخلافة علي رضي اللّه عنه فجاء معاوية وطالبه بدمه ، فقال علي رضي اللّه عنه : من قتل عثمان؟ فقام الخلفاء كلهم فأدى اجتهادهم إلى تركهم ذلك اليوم ؛ لأنه لا يمكنه قتل جميعهم ، وخشي على نفسه أيضا أن يقتلوه ، كما قتلوا عثمان رضي اللّه عنه ، فلما تركهم ظن معاوية وأصحابه أنهم قد تركوا شرطا من شروط الإمامة ، وبطلت إمامته ؛ لأن من شروط الإمامة استيفاء الحقوق ، فإذا لم يستوف الحقوق ، فقد ترك شرطا من شروط الإمامة وبطلت إمامته ، والعصر لا بدّ له من إمام ، فعقدوا لمعاوية بهذا الاجتهاد ، فكل واحد منهما كان مجتهدا مصيبا ، والدليل على أنه لم يجر بينهم ما يؤدي إلى الكفر والفسق ، أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كان إذا قاتل الكفار يظهر الفرح والاستبشار ، وفي حال قتاله أبو الحسن : كل هذا بيننا؟ إلى اللّه أشكو عجرى وبجرى أي همومي وأحزاني ، يا ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة وكان يقول لأصحابه : ألا لا يتبع مول ولا يدفف على جريح. فلو وجد منهم ما يؤدي إلى كفرهم وفسقهم ، لما أمر أصحابه بذلك.

وروى أن بعض أصحابه قال له : أكفار هم؟ فقال : لا ، هم إخواننا بغوا علينا ، قال اللّه تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ) (الحجرات : من الآية ٩) فسماهم اللّه في حال القتال مؤمنين ، لم يقل : وإن طائفتان مؤمنة ، وكافرة قال عز وجل :(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات : من الآية ١٠) ، والصلح لا يكون إلا بعد القتال ، وإذا كان إخوة يوسف ـ مع كونهم أنبياء ـ والأنبياء أفضل من الصحابة يفعلون بيوسف ما فعلوا ـ ويوسف أخوهم وشقيقهم ـ حسدا ، فيما يتعلق بأمور الدنيا فمن نزلت درجته عن درجتهم ، لا يستبعد منهم ما يجري بينهم من قتال أو غيره فيما يتعلق بأمور الدين ، والدليل على أن ما جرى بينهم لم يتعلق بأمور الدنيا ، أن عمرو بن العاص كان وزير معاوية ، فلما قتل عمار بن ياسر ، أمسك عن القتال وتابعه على ذلك خلق كثير ، فقال له معاوية : لم لا تقاتل؟ فقال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

__________________

(١) أخرجه البخاري (٩ / ١٠٨) ، ومسلم (٥ / ١٣١ ـ ١٣٢).

٤٠٠