نهاية الإقدام في علم الكلام

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

نهاية الإقدام في علم الكلام

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-4174-0
الصفحات: ٤٠٨

باطل إجماعا ، لأنا نقول : المذكور الجبل فقط.

لو كانت ممتنعة لما طلبها موسى.

قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٣] ، وليس تقليب الحدقة ، فوجب حمله على مسببه وهو أقوى المجازات.

لا يقال : ليس أولى من حمله على الانتظار أو إضمار ثواب ، لأنا نقول : الأول سبب الغم والثاني مجاز ، فالإضمار زيادة.

ولقائل أن يقول : الانتظار سبب النظار ، لأنه قبل الاستقرار في الجنة.

قالوا : لا تدركه الأبصار وهو صفة مدح لأن ما قبله وما بعده كذلك ، وأيضا فلا تدركه دائما ، لأنه نقيض تدركه فيكذب.

قلنا : الإدراك أخص لأنه إحاطة.

قالوا : فنراه الآن لحصول الشرائط الممكنة له ، قلنا : لا يجب ولو سلم فرؤيته مخالفة فلا يشرط بها.

قالوا : فمقابل أو في حكمه كالعرض ، قلنا : محل النزاع ولو سلم كذا هناك.

مسألة : الإله ـ تعالى ـ واحد ؛ وإلا فإن صحت المخالفة ، فنقدر وقوعها وهو محال ، لأنه إن حصلا اجتمع النقيضان ، أو أحدهما وليس أولى ؛ وأيضا فعاجزية الآخر إما أزلية وكذا الفعل أو حادثة فعدم القديم وإلا يتحصلان لأن امتناع هذا بذاك وإن امتنعت فقصد أحدهما بمنع الآخر ، لكنه ليس أولى فإن قيل علمه بالأصلح داع إلى الترك ، قلت : الفعل لا يتوقف على داع ، وإلا فالداعي إلى القبيح ليس من فعل اللّه ـ تعالى ـ.

الثالث في الأفعال

مسألة : لا تأثير لقدرة العبد عند الشيخ وتؤثر في حال ، عند القاضي ومع القدرية عند أبي إسحاق ، ومع الإرادة وجوبا بقدر اللّه عند أبي المعالي وأبي الحسين والفلاسفة ؛ ومستقلة ، عند المعتزلة اختيارا.

لنا وجوه :

إنه حال الفعل إن امتنع الترك فلا اختيار وإلا فلا بد من مرجح وليس من فعله وإلا عاد البحث فإن وجب معه فذاك ، وإلا افتقر إلى مخصص وقت الفعل.

٣٤١

لو أثر لعلم تفاصيله ، وإلا فلا دليل على العلم القديم ، ولأن القصد الكلي لا يكفي في الجزئي وهو بعد العلم ، لكنه باطل للنائم ؛ ولأن التحرك تخللت حركته سكونات ولأن فعله عند الجبائية إنما هو علة الحصول في الحيز ، والأكثر لا يعلمها.

ولقائل أن يقول : دليل العلم الإتقان ، لا نفس الموجدية.

إذا أراد اللّه تحريك جسم وهو تسكينه ، فإن حصلا اجتمع النقيضان إلى آخره.

قالوا : فلا يمكن من شيء لأنه إن أوجده اللّه وجب ؛ وإلا امتنع فتكليفه عبث كالجماد.

لا يقال : يحسن الأمر للاكتساب إما بمعنى وقوعه عند حصول العزم ، أو إنه مؤثر في الحال لأنا نقول : إن استبد وإلا عاد المحذور ، والعزم إما به وإلا عاد والآخر اعتراف بالتأثير.

قلنا : ويلزمكم للعلم والداعي.

قالوا : أضاف سبحانه الفعل إلى العبد (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] ، ومدح وذم وأنكر وتهدد : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) [الأنعام : ٩٣] ،(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا) [النساء : ٣٩] ، (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ) [الكهف : ٢٩] ، وأمر بالمسارعة والاستعانة : (وَسارِعُوا) [آل عمران : ١٣٣] ، و (وَاسْتَعِينُوا) [البقرة: ٤٥] ، وذكر اعتراف الأنبياء بذنوبهم والعصاة لعصيانهم : قالا (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) الأعراف : ٢٣] ،(لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر : ٤٣] ، وذكر تحسر العباد في الآخرة :رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها[المؤمنون : ١٠٧] ، والكل مع العجز محال.

لا يقال : معارض بما يدل على نقيضه : اللّه خالق كل شيء لأنا نقول : فيكون حجة لهم ولقدح في النبوة ، قلنا : يندفع الكل بأنه لا يسأل عما يفعل.

مسألة : اللّه ـ تعالى ـ يريد لكل كائن ، خلافا للمعتزلة.

لنا : خالق الشيء مريده ولأن إيمان الكافر محال للعلم فيستحيل أن يريده.

قالوا : الأمر دليل الإرادة ، قلنا : ممنوع.

٣٤٢

قالوا : الطاعة موافقة الإرادة ، فالكافر مطيع ، قلنا : بل موافق للأمر.

قالوا : الرضى بقضائه واجب ، فليس الكفر بقضائه ، قلنا : الكفر مقضي لا قضاء.

مسألة : التولد باطل ، خلافا للمعتزلة ، لنا : إذا دفع زيد جسما وجذبه عمرو ، فإما أن تقع حركة بهما ، أو بأحدهما ويبطل بما مر.

قالوا : يحسن الأمر بالقتل والكسر ، قلنا : تقدم وأيضا فالتأثر لعادة يخلقها اللّه ـ تعالى ـ.

مسألة : قالت الفلاسفة : ثبت أنه ـ تعالى ـ واحد ، فكذا معلوله ، وليس عرضا لاحتياجه إلى الجوهر ويدور ؛ ولا متحيزا لأنه مادة وصورة ولا يصدران عن الواحد ؛ ولا مادة لأنها قابلة فقط ؛ ولا صورة وإلا فتستغني عنها في الفعل وكذا في ذاتها ولا نفسا لأن فعلها بالجسم ، فهو عقل ، وعلة لجميعها ، وليس معلوله واحدا وإلا فكل اثنين علة ومعلول ؛ وهو بسيط فله من ذاته الإمكان ، ومن علته الوجود ، فوجوده علة للعقل الثاني ، وإمكانه للفلك الأقصى.

قلنا : يجوز صدور الكثير عن الواحد ؛ وأيضا فالإمكان لا يؤثر لأنه عدمي ، وإلا فإما واجب وليس إلا واحدا ، وأيضا صفة للممكن ومحتاج إليه ؛ أو ممكن فعلته إما الواجب ولا يصدر عنه أمران أو غيره وليس إلا هو أو معلوله ؛ وأيضا يتسلسل ؛ وأيضا إمكان الفلك علته لأنها متساوية ، فيجب ؛ وأيضا فللفلك هيولى وصورة جسمية ونوعية وإسنادها إلى الإمكان الواحد والإمكان واحد ، فكيف صدرت عنه.

مسألة : قالوا : الموجود إما خير محض كالعقول ، والأفلاك أو الخير أغلب كهذا العالم ولما امتنع إيجاده مبرأ عن الشرور ، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير ، ووجب للحكمة إيجاده ؛ لكن الخير مراد بالذات والشر بالعرض ؛ وهذا معنى القضاء والقدر.

مسألة : الحسن والقبيح بمعنى الملائمة والكمال وضداهما عقليان اتفاقا وبمعنى إيجاب الثواب والعقاب شرعيان خلافا للمعتزلة.

لنا وجوه :

لو قبح تكليف ما لا يطاق ، لما فعله ـ تعالى ـ لكنه كلف الكافر مع علمه بأنه

٣٤٣

لا يؤمن وأبا لهب ؛ ومن الإيمان التصديق بكفره.

ولقائل أن يقول : لا منافاة بين التكليف من حيث الاختيار وعدمه للعلم.

أن القبح ليس من اللّه تعالى اتفاقا ؛ ولا من العبد لأنه مضطر لاستحالة صدوره إلا للداعي.

أن الكذب يحسن إذا تضمن إنجاء نبي.

لا يقال : الحسن التعريض أو يتخلف الأثر عن المقتضي لمانع ، لأنا نقول : فلا كذب إلا وفيه إما إضمار يصيره صدقا أو مانع لا يطلع عليه.

ولقائل أن يقول : ترك أقبح فقط لا فعل حسن.

قالوا : الظلم والكذب قبيح والإنعام حسن بالضرورة وجد شرع أم لا ، قلنا : إن أردت الملائمة والمنافرة فمسلم إلا فأبده.

مسألة : لا يجب على اللّه ـ تعالى ـ لطف ، ولا عوض ، ولا ثواب ، ولا عقاب ، ولا أصلح ، خلافا للمعتزلة وللبغداديين في الأخيرين.

لنا : لا حكم إلا الشرع ولأن اللطف ما يفيد ترجيح الداعية ، وهي ممكنة فتوجد ابتداء ولو وجب العوض لقبح دفع الألم ، ولأنه سبق من النعم ما يحسن معه التكليف ، ولو وجب الأصلح لما خلق الفقر هكذا الكافر ولأن العقاب حقه فيحسن إسقاطه.

مسألة : ولا يفعل لغرض ، خلافا للمعتزلة وأكثر الفقهاء.

لنا : فيستكمل به ؛ ولأن الغرض ممكن فيوجد ابتداء ؛ لا يقال : ممتنع دونه ، لأنا نقول : ليس هو إلا إيصال اللذة إلى العبد ، ويمكن دونه.

قالوا : ففعله عبث ، قلنا : إن أردت الخالي عن الغرض ، فمصادرة وإلا فأبده.

مسألة : علة حسن التكليف ، عند المعتزلة التعريض لاستحقاق الثواب والتعظيم وهو باطل لبطلان الحسن والقبح والوجوب ؛ ولو سلم فالتفضل بهما حسن ولو سلم فتكفي في الاستحقاق والأفعال الخفيفة لأن كلمة الشهادة ـ أسهل من الجهاد ـ وثوابه أعظم ، فكان يجب أن يزيد اللّه ـ تعالى ـ في قوتنا ويكلفنا بما لا يشق.

ونفاه آخرون ، قالوا : إذا كان الكل بخلقه ففيم هكذا ففيما التكليف ، ويلزم المعتزلة للعلم وأيضا الفعل إما ممتنع عند استواء الداعيين ، أو مرجوحية أحدهما أو واجب عند راجحيته وليسا مقدورين وأيضا التكليف ليس حال الفعل ، لأن إيجاد

٣٤٤

الموجود ورفعه محال ؛ ولا قبله لأن معنى كون الشيء فاعلا ليس إلا حصول أثره.

لا يقال : بل معنى زائد ، لأنا نقول : فإما مقدور للعبد ويتسلسل وإلا فيمتنع تكليفه به ؛ وأيضا فمنفعته لا تعود للّه اتفاقا ولا للعبد ، لأنه في الحال مشقة ، وفي المال يجوز خلقها ابتداء ، فتوسطه عبث ، قلنا : طلب اللمية باطل ، وإلا فالعلية أيضا معللة ويتسلسل ، بل لا بدّ من الانتهاء إلى ما لا يعلل ولا أولى بهذا من أفعاله ، وسبحانه.

القسم الرابع

في الأسماء

اسم الشيء إما أن يدل على ماهيته ، أو جزئها ، أو صفتها الحقيقية ، أو الإضافية ، أو السلبية أو ما يتركب عنها ، فالدال على ماهية اللّه ـ تعالى ـ إن كانت معلومة جائز ؛ وعلى الجزء محال وعلى الباقي جائز ؛ ولا نهاية لها فكذا أسماؤها.

يا واجب الأزل ، ويا قديما ، لم تزل تعلم أن اتكالي على عفوك يبسط آمالي ، وانقطاعي إلى جلالك أفضل أعمالي ، فحقق أملي فيك ، وأشغلني عن الخلق بمعرفتك ، وقني عذاب الشهوة ونار الغضب ، وألم العصيان ، إنك على ما تشاء قدير ، (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) [المؤمنون : ٩٧].

الركن الرابع في السمعيات

وفيه أقسام ،الأول في النبوات.

مسألة : المعجز أمر خارق للعادة مع التحدي وعدم المعارض.

مسألة : محمد رسول اللّه ، خلافا لسائر الملل.

لنا وجوه :

أنه ادعى النبوة تواترا وظهرت المعجزة عليه ، ومنها القرآن المتواتر.

أخلاقه وأفعاله وأحكامه وسيره ، وإن لم يدل كل واحد منها فالمجموع.

إخبار الأنبياء المتقدمين والكتب السماوية ؛ ومنها القرآن المتواتر وخرق

٣٤٥

العادات كنبوع الماء وغيرها وتواترها معنوي والإخبار عن الغيب ؛ إذا قام رجل بمحضر ملك وقال : إني رسوله وآيتي مخالفة عادته أو قيامه ، فإن فعل ، صدق ضرورة.

قيل : لا نسلم أن القرآن معجز ، ولو سلم فجواز خرق العادة يقدح في البديهيات ولو سلم فليس متواتر.

لا يقال معنوي ، لأنا نقول : المعجز بعضها وليس بمتواتر ولو سلم فالإخبار عن الغيب المخالف للعادة ممنوع والموافق مما يستعمله الرؤساء إذا حاولوا أمرا ، ومنه قوله :(وَعَدَ اللَّهُ) [المائدة : ٩] ، وكذا الإجمالي فإن لم يقع قالوا : لم يعين ، ومنه (غُلِبَتِ الرُّومُ) [الروم : ٢] ، ولو سلم فليس بمعجز لأن الكهان والمنجمين والمعبرين وأصحاب العزائم يفعلونه ولو سلم فدلالة المعجزة تتوقف على أنها فعل اللّه فلعل نفس النبي أو مزاجه مخالفان للغير ، أو وجد جسما أو حيوانا ذا خاصية عجيبة ، أو إعانة الجن والشياطين أو الملائكة لأنهم يحيلون عليهم ، ولا عصمة لهم إلا بقولهم ، وعلى أنها لأجل التصديق وأفعاله ـ سبحانه ـ لا تعلل وليست لغرض ، ويحققه أن الفعل بدون الداعي ممتنع ، وإلا فلا نزل على التصديق وداعي القبيح بخلق اللّه فيصدق الكاذب ليضل العبد ؛ ولو سلم فلعل المقصود ابتداء عادة متطاولة أو تكريرها أو كرامة أو معجزة أو إرهاص لنبي آخر أو امتحان للعقول ؛ وعلى أن من صدقه اللّه صادق ، وهو ـ سبحانه ـ عندكم خالق الكفر ، فنحسن تصديق الكاذب ، ولا يرد على المعتزلة والرجوع إلى المثال الضعيف ، فلعل الملك قام لحادث أو تذكر ؛ والدوران لا يفيد اليقين ؛ ولو سلم فالتمثيل ظني وكيف مع عدم الجامع ولو سلم فالتمييز بالأخلاق مما يحكى عن بعض الحكماء ولو سلم فالإخبار عنه ليس تفصيليا.

لا يقال : حرق لأنا نقول : شهادته تمنع ، كالقرآن والإجمالي لا يفيد ؛ وأجيب لو كذب لقبح المعجز.

ورد : يحتمل غير التصديق ، فلا يقبح ، كالمتشابه وأيضا فإعانة الكفار واقعة مع

٣٤٦

سؤال المسلمين النصر.

والمعتمد القرآن ، وغيره تكملة ؛ وجواز القدح في البديهيات بانخراق العادة خاص بالفلاسفة ، ولو سلم فلا ينافي القطع بعدمها كذا جميع الشبه الواردة على المعجزة.

وعورض أيضا بقدح الدهرية في الصانع ، وبإنكار التكليف وقد مر ؛ وبشبهة البراهمة وهي أن الأشياء حسنة وقبيحة إما ابتداء أو للحاجة إليها ، فلا فائدة.

ورد : بناء على الحسن ، والقبح قد مر.

وفوائد البعثة إما فيما يستقل العقل بإدراكه فقطع حجتهم خلقنا للعبادة فيجب بيانها لنا أو هلا مددنا بزاجر عن القبيح أو لم نعلم التعذيب على فعله ، وأما فيما لا يستقل فمعرفة ما لا يتوقف فعله عليه من الصفات ، أو إزالة الخوف المكلف ، أو معرفة الحسن والقبح ، فإنه قد يكون بخلاف العقل ؛ أو معرفة طبائع الأدوية ودرجات الفلك ، لأنها لا تحصل إلا بالتجربة وهي عسيرة ، ولو سلم فلا تفي كأحوال عطارد لصغره وخفائه ؛ أو زوال التنازع الناشئ عن الاجتماع ، أو عن فرض الشرائع والتعصب لها أو للعبادة لأن العقلي عادة أو لبلوغ المستعد إلى كماله ؛ أو ليكون كالقلب في العالم ، والعالم كالدماغ ، أو لتعليم الصنائع أو لأخلاق السياسة.

وبشبهتي اليهود :

أن موسى عليه السّلام لو وقت شرعه لتواتر لأنه من الأمور العظيمة وإلا فيجوز أن محمدا عليه السّلام وقت ؛ ولو لم يوقت لما بقيت لأن الأمر لا يفيد التواتر ، فهي مؤبدة وإلا فيجوز نسخ شرعكم والكذب على اللّه فيرتفع الأمان عن الخبر.

ورد : وقتها إجمالا.

أن اليهود والنصارى على كثرتهم يخبرون عن تأبيد شرعهم.

لا يقال : شرط التواتر استواء الطرفين والواسطة ، وبختنصر قتل اليهود والآخرون قليلون ابتداء ، لأنا نقول : لا يقتل أمة عظيمة بحيث لا يبقى عدد التواتر ، والآخر قدح في نبوة عيسى عليه السلام ورد : يمنع هذا التواتر.

٣٤٧

مسألة المعصوم من يمتنع منه فعل القبيح بخاصية في نفسه أو بدنه عند قوم ، أو بمعنى عدم القدرة عليه ، عند أبي الحسن ومن يمكن منه عند آخرين لكن يخلق فيه مانع من الفعل.

قالوا : ولو كانت بالمعنى الأول لبطل المدح والأمر النهي ؛ وأيضا قل : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الكهف : ١١٠] ، يدل عليه فالعصمة حصول ملكة الصفة في النفس مع العلم بالثواب والعقاب وتتابع البيان من اللّه ـ وعز وجل ـ وخوف المؤاخذة على ترك الأولى.

وتجب للأنبياء من الكفر مطلقا خلافا للفضيلة في تجويزهم المعاصي وهي عندهم كفر.

لنا : فيجوز الاقتداء بهم فيه لقوله : (فَاتَّبِعُونِي) [آل عمران : ٣١].

ولمن جوز إظهاره تقية قالوا لأنه مؤد لإلقاء النفس في التهلكة.

قلنا : ويؤدي هذا إلى خفائه بالكلية ، إذ أولى هكذا الأوقات به الابتداء.

وقيل النبوة خلافا لابن فورك وللحشوية بدليل ،(وَوَجَدَكَ ضَالًّا) [الضحى : ٧] ومن الكبائر مطلقا خلافا لبعضهم.

لنا : فهم أقل درجة من العصاة ، إذ العقاب على قدر المرتبة بدليل من بات منكن ، أو من عدول الأمة بدليل (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) [الحجرات : ٦] ، فيجب زجرهم وإذ آتيهم محرمة وأتباعهم في المحرم فيجتمع النقيضان وقبل النبوة خلافا لبعضهم قالوا : إخوة يوسف ؛ قلنا : ليسوا أنبياء : ولو سلّم فنادر والممنوع لو اشتهر لفوات المقصود حينئذ ؛ ولا تجب من الصغائر خلافا للروافض وجوزها النظام بمعنى السهو والنسيان.

لنا : إن يبقى مكلفا فهو ما لا يطاق ، وإلا فليس بمعصية فالعتاب على ترك التحفظ منه ؛ وبعضهم بمعنى ترك الأولى ؛ ولا يقال : فيستمر إذ لا شيء إلا وأولى منه ، لأنا نزيد إذا كان فيه فوات منفعة أو حصول مضرة.

ولقائل أن يقول : العقاب حث وليس عقوبة : أما فعصى آدم فقيل : إضمار أولادها وقال ابن فورك : قبل البعثة ؛ وقال الأصم : نسيانا.

٣٤٨

ورد : بتذكر إبليس واعترافها ؛ وقيل : فهم الشخص ، والمراد النوع لأن هذا يشار بها إليها ؛ وقيل : ليس نصا في التحريم فصرفه لدليل.

مسألة : الكرامات جائزة ؛ خلافا للمعتزلة وأبي إسحاق.

لنا : قصة مريم وآصف وتتميز عن المعجزة بالتحدي.

ولقائل أن يقول : الأولى إرهاص لعيسى ، والثانية معجزة لسليمان صلى اللّه عليهما.

مسألة : الأنبياء أفضل من الملائكة ، خلافا للمعتزلة ، والقاضي والفلاسفة.

لنا :(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى) [آل عمران : ٣٣] والعالمين إما عام أو في ذلك الزمان ، ولأن عبادة البشر أشق لكثرة الصوارف فهي أفضل.

قالت الفلاسفة : بسيط ونورانية علوية ومطهرة عن الشهوة والغضب وكاملة بالفعل ولا تنفعل وكاملة العلم والعمل وقوية على تصريف الأجسام ومتوجهة باختيارها إلى الخير الصرف ومختصة بالهياكل العلوية ومدبرة لهذا العالم فهي أفضل.

قلنا : مبنى على فاسد أصولهم قال القاضي :

إلا أن تكونا ملكين ، وإلا الملائكة المقربون ، قلنا : مذكور في الكتب البسيطة.

القسم الثاني

في المعاد

وأطلق المسلمون على البدني إما بمعنى إعادة المعدوم أو جميع الأجزاء والفلاسفة على الروحاني وجمع من المسلمين والنصارى عليهما ونفاهما الدهرية وتوقف جالينوس.

مسألة : المشار إليه بأنها إما جسم وهو قول المتكلمين ؛ فقيل : البنية المحسوسة ، وتبطل بأنها منتقلة في الصغر والكبر والذبول والسمن ، وبأن المحسوس اللون والشكل.

وقال ابن الراوندي : جزء في القلب ؛ وقال النظام : أجزاء سارية ؛ وقالت الأطباء : البخار القلبي.

وقيل : الدماغ وقيل : الأخلاط ؛ وقيل : الدم ؛ أو جسماني ؛ فقيل : المزاج ، وقيل: الشكل والتأليف ؛ وقيل : الحياة أو لا واحد منهما وهو قول الغزالي والفلاسفة ومعمر واحتجوا بوجهين :

٣٤٩

أن العلم بما لا ينقسم مثله وإلا فجزؤه إما علم به ، فالجزء مثل الكل ؛ وإلا فإن حصلت مع الاجتماع هيئة عاد البحث ؛ وإلا فليس علما باللّه ـ تعالى ـ فمحله كذلك ، وكل متحيز منقسم ، قلنا : الصغرى منقوضة بالنقطة ، والوحدة والكبرى بالجزء.

ولقائل أن يقول : ليس من الأعراض السارية.

محل الأعراض النفسانية ليس البدن ، لكثرته ولا جزؤه وإلا فإن حلت مع ذلك في غيره فالإنسان الواحد علماء قادرون وإلا فهي جماد.

ولقائل أن يقول : ليست عالمة قادرة فقط.

قلنا : منقوض بمذهب ابن سينا في الحواس والشهوة والغضب ، ولو سلما فمعارض بأن البدن يدرك الجزئي وكذا الكلي لحمله عليه والتصديق مسبوق بالتصور.

لا يقال : تدركهما النفس ، لأنا نقول ؛ فيدرك مرتين ولأنه جزؤه.

لا يقال : المدرك كونه هذا فقط لأنا نقول : ليس تعينا ، لأن العدم لا يدرك فهو أمر واحد في الكل فهو اختلاف.

ولقائل أن يقول : تدرك الجزئي بواسطة البدن والكلي بذاتها.

مسألة : وهي عند أرسطو متحدة بالنوع لاشتراكها في كونها نفوسا بشرية وإلا فتتركب فهي جسم.

ورد : الاشتراك في عارض ؛ ولو سلم فليست بجسم والثابت العكس وهي تحت الجوهر فتتركب.

ومختلفة عند غيره لاختلافها في العفة والفجور ولا يرجع إلى المزاج لوجوده بالعكس ، ولتبدله ولا إلى غيره لأنه قد يقتضي عكس ما تقتضي والملزومات تختلف باختلاف لوازمها.

ولقائل أن يقول : الملزوم هنا مجموع النفس والعوارض فلا يلزم الاختلاف ، مسألة وحادثة خلافا لأفلاطون.

واحتج لو كانت أزلية فإما واحدة فعند التعلق إن حصلت كثرة فهي حادثة وإلا فما علمه زيد علمه كل أحد أو كثيرة فلا امتياز لأنه ليس بالذاتي واللازم لاتحادها ، أو بعضها بالنوع ، ولا بالعوارض لعدم البدن.

ورد : بجواز كون كل واحد منها نوع ؛ ولو سلم فبعوارض بدن آخر.

مسألة : التناسخ فاسد لوجوه :

٣٥٠

أن الاستعداد علة لحدوثها ، فتتعلق بالبدن نفسان والموجود واحدة.

ورد : بناء على الحدوث وهو دور ؛ ولو سلم فلا يقبل أخرى للاختلاف إما في الذات أو في العوارض ؛ ولو سلم فأحدهما لا تدرك الأخرى.

لو صح لتذكرنا حال البدن ، ورد : موقوف على التعلق به.

أو صح ، فإما واجب فالهاء لكون مثل المحدثين ، أو جائز فتبقى معطلة وهو ضعيف.

مسألة : وعدمها ممتنع ، ولا فلإمكانه محل ، ويجب بقاؤه مع المقبول فلها مادة ، فهي جسم ولو سلم فلها مادة فلا تنعدم وإلا فلها مادة أخرى وينتهي إلى ما لا ينعدم وهو المطلوب.

ولقائل أن يقول : العرض لإمكانه محل وليس مركب.

ورد : الإمكان العدمي ولو سلم فكذا في السابق ؛ ولو سلم فليست بجسم والثابت العكس ولو سلم فليس المطلوب المادة ولا يلزم من بقائها بقاؤها فيفوت المقصود من إثبات السعادة والشقاوة.

مسألة : وتدرك الجزئيات خلافا لأرسطو وابن سينا.

لنا : حامل الكلي على جزئيه يدركهما.

قالوا : إذا تخيلنا ذا جهتين متساويتين فمحلهما ليس واحدا لأن الامتياز إما بذاتي أو لازم ، لكنه حاصل.

قلنا : الإدراك ليس انطباعا لوجوده في الخيال وعدم الآخر ؛ بل غايته المشروطية ، فنقول : الانطباع في الخيال والنفس تطالعه هناك.

ولقائل أن يقول : تدرك الجزئي بآلة بخلاف الكلي.

مسألة : النفس العالمة النقية عن هيئات البدن سعيدة بعد الموت ، لأن اللذة إدراك الملائم وهو المفارق وهو حاصل.

قلنا : الإدراك ليس اللذة ، لحصوله دونها ولا سببها لأن الاستقراء والقياس لا يفيدان اليقين ، ولو سلم فلعله موقوف على حضور شرط أو زوال مانع.

والتي بالعكس منها شقية لا بسبب هيئات البدن لأنها تنقطع وقد بينا ضعف الفرق.

٣٥١

مسألة : إعادة المعدوم جائزة خلافا للفلاسفة والكرامية وأبي الحسين (١).

لنا : الامتناع ليس للماهية ولا لازمها وإلا ، لما وجد أولا والعارض يزول.

لا يقال : يمتنع الحكم عليه ، لأنه معدوم ، لأنا نقول : هذا تناقض.

قالوا : لا يحكم عليه بالعود لأن المحكوم عليه لأنه ليس بثابت ، قلنا : تناقض.

قالوا : بتقدير الوقوع لا يتميز عن مثله ، قلنا : في علمنا فقط.

قالوا : فيعاد وقته فهو من حيث أنه معاد مبتدأ ، قلنا : لو أعيد وجوده بعينه.

مسألة : المعاد بمعنى جمع الأجزاء حق ، خلافا للفلاسفة.

لنا : ممكن لأن قبول الجسم للعرض ذاتي له ، وهو ـ تعالى ـ قادر على كل ممكن ، والصادق أخبر عنه فهو واجب.

واعترض : لا نسلم الإمكان وبيانه ما مر ؛ ولو سلم فالإخبار بالروحاني فقط ؛ وما جاء في شرعنا فدلالة اللفظ ليست قطعية ولأن التشبيه أيضا.

ورد : فليس تأويلكم أولى من تأويلنا ، قلنا : ثبت بالتواتر أنه ـ عليه السلام ـ أثبته فعورض بوجوه :

أن العالم أبدي ، قلنا : تقدم.

أن الجنة والنار ليسا في عالم الأفلاك ، لأنها لا تخالط الفاسد ؛ ولا العناصر لأنه تناسخ ولا في غيره وإلا فهو كرة فيقع الخلاء ، فقلنا : جائز (٢).

إذا أكل إنسان جزء إنسان فليس إعادة له أولى من إعادته للآخر.

قلنا : بل للأول لأنه أصلي له.

ليس المقصود منه الألم ، لأنه ممتنع على الحكيم ولا دفعه لأن العدم كاف ؛ ولا اللذة لأن الحقيقة هي الروحانية ، قلنا : مر إثبات الحسية.

تنبيه : لا يتم القول بجمع الأجزاء إلا بالقول بإعادة المعدوم إذ هوية الشخص أمر زائد عليها.

مسألة : لم يثبت بدليل قطعي أن اللّه يعدم الأجزاء ، واستدل بوجوه :

__________________

(١) انظر : العقيدة الأصفهانية (ص ١٤٤) ، والمواقف للإيجي (١ / ٤٢٨ ، ٦٤٩) (٣ / ٤٦٦ ، ٤٧٦).

(٢) انظر : المواقف للإيجي (٣ / ٤٨٥ ، ٤٨٧) ، والحدائق في المطالب العالية الفلسفية العويصة للبطليوسي (ص ٦١).

٣٥٢

(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ) [القصص : ٨٨] وهو الفناء ، قلنا : بل الخروج عن حد الانتفاع.

(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) [الحديد : ٣] ، قلنا : بحسب الاستحقاق.

(كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤] ، قلنا : تقتضي التشابه في كل الأمور.

مسألة : سائر السمعيات من عذاب القبر والصراط والميزان وإنطاق الجوارح وتطاير الكتب وأحوال الجنة والنار ممكنة واللّه ـ تعالى ـ قادر والصادق أخبر عنها.

مسألة : وعيد أصحاب الكبائر منقطع ، خلافا للمعتزلة.

لنا وجوه :

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [الزلزلة : ٧] ، ولا بدّ من الجمع بين العمومين ، ولا يقال : ينقل من الجنة إلى النار لأنه باطل فبقي العكس.

المؤمن استحق الثواب ، فإذا فعل الكبيرة فالأول باق ، وإلا فليس انتفاؤه بهذا أولى من العكس وأيضا فجريانه مشروط بزوال الأول ، فلو زال له لزم الدور ؛ وأيضا فإذا كان الأول عشرة أجزاء والثاني إما خمسة وليس زوال إحداهما أولى ، أو عشرة ، فإما أن تحبطها وتبقى ، كقول أبي علي ، فالأول لغو ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة : ٧] ؛ أو تنحبط كقول أبي هاشم والشيء لا يعدم بنفسه.

ولا يقال : كل واحد منهما يعدم الآخر ، لأنا نقول : فيلزم من عدم كل واحد منهما وجوده وبالعكس.

(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨] ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرعد : ٦] ، وعلى الحال.

أجمع المسلمون على أنه على عفو ولا يتحقق إلا بإسقاط المستحق وعفوه ، قبلت التوبة على الصغيرة ، وبعدها على الكبيرة واجب عندكم.

قالوا : (وَمَنْ يَقْتُلْ) [النساء : ٩٣] ، (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار: ١٤] ، قلنا : يذكر مؤلفا آخر للرازي تحت اسم هذا ، نبين في أصول الفقه

٣٥٣

أن صيغ العموم ليست قاطعة في الاستغراق ؛ وأيضا فمعارض بالوعد.

مسألة : أجمعوا على دوام عقاب الكافر المعاند ؛ أما المجتهد فقال الجاحظ معذور بدليل :(وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ) [الحج : ٧٨] ورد بالإجماع.

القسم الثالث

في الأسماء والأحكام

مسألة : الإيمان لغة تصديق ؛ وشرعا فيما علم مجيء الرسول به ضرورة ، خلافا للمعتزلة ، فإنه الطاعة وللسلف فإنه تصديق وعمل وإقرار.

لنا : فيكون وعملوا الصالحات مكررا ولم يلبسوا نقضا.

قالوا : فعل الواجبات الدين بدليل ، وذلك دين القيمة ، وهو الإسلام بدليل (إِنَّ الدِّينَ) [آل عمران : ١٩] ، وهو الإيمان بدليل (وَمَنْ يَبْتَغِ) [آل عمران :] ، وأيضا فقاطع الطريق مخزي لدخوله النار بدليل (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) [الحشر : ٣] ،(مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ) [آل عمران : ١٩٢] ، والمؤمن لا يخزى بدليل ،(وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الفتح : ٢٩] ، قلنا : محمول على الكمال توفيقا بين الأدلة.

ولقائل أن يقول : على الأول إنما ينتج عكس المطلوب.

قالوا : المصدق الجبت مؤمن ، قلنا : خاص.

قالوا :(وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] ، قلنا : الإيمان بها لأنفسها.

تنبيه : صاحب الكبيرة عندنا مؤمن مطيع بإيمانه عاص بفسقه وعند المعتزلة لا مؤمن ولا كافر وعند جمهور الخوارج كافر بدليل (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ) [المائدة : ٤٤] وعند الأزارقة مشرك ، وعند الزيدية كافر النعمة وعند الحسن البصري منافق بدليل

٣٥٤

«آية المنافق ثلاث».

مسألة : ولا يزيد ولا ينقص إذ التصديق لا يقبلهما خلافا للمعتزلة وللسلف إذ العبادات بالعكس ، والبحث لغوي ، مما دل على قبوله لهما يرجع إلى الكامل وبالعكس إلى التصديق.

مسألة : يقال أنا مؤمن إن شاء اللّه لا شكا بل تبركا ونظرا إلى العاقبة لا شكا.

مسألة : الكفر إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به ، فلا يكفر أحد من أهل القبلة إذ إنما أنكروا النظري.

القسم الرابع

في الإمامة

قيل : واجبة عقلا على اللّه ؛ وقال الجاحظ والكعبي وأبو الحسين على الخلق.

وقال جمهور أصحابنا والمعتزلة : سمعا وقال الأصم والخوارج : لا تجب.

لنا : نصب الإمام يتضمن دفع الضرر ، لأن الخلق ما لم يكن لهم رئيس قاهر يخافونه ويرجونه لا يحترزون عن المفاسد ، ودفعه واجب إما عقلا عند قائليه أو إجماعا عندنا.

احتج الأولون بوجوه :

أنه زاجر عن القبيح العقلي.

أنه مرشد إلى معرفة اللّه تعالى.

أنه يعلم اللغات والأغذية ويميزها عن السموم.

مسألة : الشيعة

جنس تحته أنواع : الإمامية واستقر رأيهم على أن الإمام بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب بالنص الجلي ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضى ثم ابنه محمد المتقي ثم ابنه على التقي ثم ابنه الحسن الزكي ثم ابنه محمد القائم المنتظر بعد الاختلاف في كل مقام منها :

٣٥٥

فمن القائلين بإمامة علي بالنص من قال : كفرت الصحابة بمخالفته ، وهو بترك القتال وقيل بل الإمامة له يفعل فيها ما شاء ؛ وقيل : تركه تقية ، وقيل : هو حي في السحاب والرعد صوته والبرق سوطه ؛ وسينزل فيقتل أعداءه وإذا سمع هؤلاء الرعد قالوا : السلام عليك أمير المؤمنين ، ومن القائلين بإمامة الحسن من قال : الإمام بعده وقيل : مات والإمام بعده الحسن ثم ابنه الرضي ثم ابنه عبد اللّه الخير ، ثم ابنه محمد النفس الزكية ، ثم أخوه إبراهيم.

ومن القائلين بإمامة علي زين العابدين من قال : الإمام بعده ابنه زيد ، ومن القائلين بإمامة محمد الباقر من قال : الإمام بعده محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسين وقيل أبو المنصور العجلي.

ومن القائلين بإمامة جعفر الصادق من قال : إنه حي غائب ، لقوله إذا رأيتموني أهوى من هذا الجبل فلا تصدقوا فإني صاحبكم صاحب السيف ، وقيل : يظهر لأوليائه ويعدهم ، وقيل مات والإمام بعده ابنه عبد اللّه وقيل : ابنه محمد وقيل : ابنه إسماعيل وقيل : ابنه موسى الكاظم ؛ وقيل : أوصى بها إلى موسى الطفي ؛ وقيل : يرفع الحائك ؛ وقيل إلى موسى الأقمص ، وقيل : إلى عبد اللّه التيمي ، وقيل : إلى أبي جعدة ؛ وقيل : يجوز سوقها إلى ولده وغير ولده.

ومن القائلين بإمامة موسى الكاظم من توقف في موته ؛ وقيل : حي وأوصى بها إلى محمد بن البشران ، وقيل : مات والإمام بعده ابنه أحمد وقيل ابنه على الرضى.

واختلف في إمامة محمد التقي لصغر سنه وعدم علمه ؛ وقيل : لا يمتنع كما في حق عيسى عليه السلام.

وقيل : بإمامته فيما عدا الصلاة والفتى ؛ وقيل : مطلقا واختلفوا والإمام بعده ابنه موسى.

ومن القائلين بإمامة علي التقي من قال : إنه حي منتظر وقيل : مات والإمام بعده ابنه جعفر.

واختلف القائلون بإمامة الحسن الزكي ؛ فقيل : حي وإلا لخلا الزمان عن المعصوم لأنه لم يترك ولدا طاهرا ؛ وقيل : مات وسيرجع وقيل : أوصى بها إلى أخيه جعفر ؛ وقيل : إلى أخيه محمد ؛ وقيل : لما مات لم يترك ولدا علمنا أنه ما كان إماما

٣٥٦

وتعين جعفر وقيل : بل تعين محمد لفسق جعفر جهارا والحسن خفية ؛ وقيل : خلف ابنا من سنتين واستتر خوفا من عمه والأعداء وهو المنتظر ؛ وقيل : ولد بعد موته ثمانية أشهر ؛ وقيل : لما مات ولم يترك ولدا خلا الزمان عن المعصوم وارتفعت التكاليف ، وقيل : لا يجوز انتقال الإمامة ولا الخلو عن المعصوم فوجب أن يكون له ابن وإن لم نعرفه بعينه ، فنحن على ولائه إلى ظهوره ؛ وقيل : بالتوقف فيمن بعد علي الرضي.

وهذا الاختلاف العظيم يدل على عدم النص.

الكيسانية (١) وهم القائلون بإمامة محمد ابن الحنفية فقيل : بعد علي بن أبي طالب لأنه دفع إليه الراية يوم الجمل وقال أطعن بها طعن أبيك تحمد فأقامه مقامه ، وقيل : بعد الحسين بالوصية حين عزم على الكوفة أو لأن زين العابدين كان صغيرا ، وقيل : حي غائب في جبل رضوى بين أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان وسيعود ؛ وقيل : مات والإمام بعده زين العابدين ، وقيل : ابنه أبو هاشم عبد اللّه ؛ وهؤلاء اختلفوا ؛ فقيل : الإمام بعده زين العابدين ؛ وقيل : أوصى بها إلى الحسن ابن أخيه علي ؛ وقيل : إلى بيان بن سمعان ؛ وقيل : إلى عبد اللّه بن عمر بن حرب ؛ وقيل : إلى عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ؛ وقيل : إلى علي بن عبد اللّه بن عباس وأوصى هو إلى ابنه محمد وهو إلى ابنه إبراهيم المقتول.

الزيدية القائلون بإمامة علي بالنص الخفي ؛ ثم الحسن ثم الحسين بنص النبي عليه السلام أو بنص علي ثم كل فاطمي مستجمع لشرائط الإمامة ؛ وفرقهم الجارودية ؛ أصحاب أبي الجارود زياد بن منقذ العبدي ، زعم أن النص على علي بالوصف فقط ، والناس مقصرون ونصبوا أبا بكر اجتيارا ففسقوا ؛ والسليمانية أصحاب سليمان بن جرير ، زعم أنها أمر اجتهادي وخطأه لا يبلغ الفسق ، وكفروا عثمان ومحاربي علي.

والصالحية أصحاب الحسن بن صالح بن حي ، يثبت إمامة العمرين ويفضل عليا على

__________________

(١) انظر في هذه الفرقة : معجم البلدان (٣ / ٥١) ، والفرق بين الفرق للبغدادي (ص ٧١ ، ٢٢ ، ٢٧) ، ومقالات الإسلاميين للأشعري (ص ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢٣) ، والفصل في الملل والنحل لابن حزم (٤ / ٨٤) ، والملل والنحل للشهرستاني (١ / ١٤٧ ، ١٥٠) ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (ص ٦٣) ، ومنهاج السنة لابن تيمية (٣ / ٤٧٤) ، والتبصير في الدين (ص ٢٣).

٣٥٧

الباقين ، وتوقف في عثمان ، قال : إذ سمعنا ما ورد في حقه من الفضائل اعتقدنا إيمانه ، وإذا رأينا أحداثه وجب تفسيقه فنفوض أمره إلى اللّه.

واحتج الأولون بأن الإمامة لطف لأنا نعلم بضرورة العرف أن امتناع الخلق عن القبائح لأجل الرئيس القاهر أكثر ، واللطف على الحكيم واجب ، فالإمام معصوم وإلا افتقر إلى آخر ويتسلسل : والإجماع حجة لامتناع خلو الزمان عن المعصوم واستلزامه قوله وهو صدق ولا يتوقف صحة الإجماع على المعجزة فقد دل العقل على وجوب عصمة الإمام والإجماع على أنه علي ، وأثبتوا إمامة علي وسائرهم بالإجماع وكذا إمامة محمد بن الحسن العسكري ، قالوا : بقاؤه في تلك المدة ممكن.

لا يقال : مر الاختلاف في بعض الأئمة والإسماعيلية تخالف في هذا الترتيب لأنا نقول : انقرض المخالفون فلو كان قولهم حقا بطل إجماع أهل العصر ؛ والإسماعيلية فساق بل كفرة لقدحهم في الشرع وقولهم بالقدم ولا يقال : لو كان علي وأولاده أئمة فلم تركوها ، لأنا نقول : بجواز التقية قياسا على الغار ، فمتى صح لهم وجوبها عقلا وجواز التقية تم لهم الدست ؛ وأما النصوص فيشاركهم فيها.

واعترض : لا نسلم وجوبها ولا أنها لطف وإلا فالرؤساء كلهم معصومون لأنه أتم ؛ ولو سلم فليس الإجماع حجة لأنه إما في علمكم ، ولا يدل على عدم المخالف أو في نفس الأمر ولا قطع.

لا يقال : المعتبر فيه العلماء وهم معروفون ، لأنا نقول : لا حبر عند علماء الشرق من علماء الغرب وبالعكس ؛ والإمام من أجل العلماء وليس معروفا ، لعلم كل أحد أن العسكري ما عاش ثلاثمائة سنة ، ولا هو ولد الحسن ؛ ولو صح قولكم لدل على نفيه ، لأنه لو كان لكان مشهورا.

لا يقال : مجهول النسب والعمر ، لأنا نقول : ليس خفاؤهما أولى من خفاء مذهبه ؛ ولا يقال : فينسد باب الإجماع ، لأنا نقول : إنما يمكن حيث يكون العلماء قليلين تحويهم بلد واحد ؛ ولو سلم أنه يتضمن قول الإمام لكن كونه حجة ليس مطلقا اتفاقا ؛ وعند عدم التقية لا قطع ، سلمنا دليلكم لكنه معارض بأنه لو كان لأظهر الطلب ، كعلي مع معاوية ، والحسين مع يزيد حتى آل الأمر إلى عدم المبالاة بالقتل ؛ ولأن عليا لما اشترط عليه سيرة الشيخين أبي مع أنه كان يمكنه ذكر اللفظ ، وينوي

٣٥٨

غير ظاهره ، فإن في المعاريض لمندوحة ؛ فكيف يرضى بالكفر تقية وقد وضع أئمة الرافضة لشيعتهم مقالتين ، لا يظهر عليهم معهما أحد : الأولى البداء ، فإذا لم يكن ما ذكروا قالوا : بدا اللّه فيه ؛ والثانية التقية : فكلما ظهر بطلان قولهم أو خطأه ، قالوا : إنما قلناه تقية.

ولنختم الكتاب حامدين للّه ومصلين على محمد نبيه.

إلهي أنت المدعو وعفوك المرجو وعبيدك الخطاء مد يد الضراعة إلى جلالك ؛ وأنت خير الغافرين.

إلهي تعلم أنني ما قصدت بكتابي هذا مباهاة ولا مضاهاة ، بل اشتغالا بالمعارف الإلهية الموصلة إلى حضرة قدسك ؛ تعلم ما في نفسي ، ولا أعلم ما في نفسك.

إلهي فاعصمني من الخطأ فيما كتبته ، والخلل فيما نويته ؛ تضل من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

وافق الفراغ من اختصاره عشية يوم الأربعاء التاسع والعشرين لصفر عام اثنين وخمسين وسبع مائة ؛ وكتبه مصنفه الفقير إلى اللّه ـ تعالى ـ عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي.

٣٥٩
٣٦٠