نهاية الإقدام في علم الكلام

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني

نهاية الإقدام في علم الكلام

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-4174-0
الصفحات: ٤٠٨

قالوا : لو لم يثبت إلا بالسمع ولا يصح إلا بالنظر لزم إفحام الأنبياء.

قلنا : وكذا في ثبوته بالعقل ، لأن وجوبه نظري ، لما مر فكذا العلم به والمعتمد أن الوجوب إنما يتوقف على إمكان العلم لا عليه ، وهو حاصل.

مسألة : أول الواجبات المعرفة وقل النظر المفيد لنا ، وقيل القصد إليه والخلاف لفظي لأن المراد إن كان المقصود بالذات عند من يجوزه والثاني عند غيره وإلا فالقصد.

مسألة : حصول العلم عقيب النظر ، عادة عند الشيخ أبي الحسن وتولد عند المعتزلة وإيجابا عندنا لأن من علم أن العالم متغير والمتغير ممكن فالبديهية يمتنع أن لا يعلم النتيجة ، وليس تولدا لأنه ممكن ، فلا يقع إلا بقدرة اللّه والقياس على التذكر لا يفيد اليقين ولا الإلزام ، لأن علته عندهم لا توجد هنا فإن صحت ظهر الفرق وإلا منع الأصل (١).

مسألة : النظر الفاسد يستلزم الجهل ، خلافا لجمهور أصحابنا المتكلمين لنا : اعتقاد أن العالم قديم ، والقديم مستغن يوجب اعتقاد النتيجة وهو جهل.

قالوا : فنظر المحق في شبهة المبطل يجهله.

قلنا : معارض بالعكس ، فإن كان اعتقاد حقيقته هناك شرطا فكذا هنا.

مسألة : التصديقات المستلزمة مطلوبا إن طابقت متعلقاتها ففكر صحيح ، وإلا فاسد.

مسألة : حضور المقدمتين في الذهن كاف في حصول النتيجة ، خلافا لابن سينا إذ لا بدّ عنده من التفطن لكيفية الاندراج.

لنا : إن كان معلوما مغايرا لهما فمقدمة لا بدّ منها ويعود الكلام ، وإلا فليس بشرط.

ولقائل أن يقول : جزء صوري وليس بمقدمة.

مسألة : العلم بالدليل ووجه دلالته غير العلم بالمدلول ويستلزمه الأول دون الثاني لتوقفه عليه.

ولقائل أن يقول : إنما يتوقف على الوجود فقط.

__________________

(١) انظر : المواقف للإيجي (١ / ١٤٥) (٣ / ٣٦٢ ، ٣٧٤).

٣٠١

المقدمة الثالثة

في الدليل وأقسامه

مسألة : ما يلزم من معرفته العلم دليل والظن أمارة فإن كانا عقليين فإن حصل اللزوم من الجانب الآخر فاستدلال بالعلة المعينة على المعلول المعين ، وبه على المطلقة أو المعينة إن ثبت التساوي ؛ أو بأحد المعلولين على الآخر وهو مركب منهما أو بأحد المتلازمين على الآخر كالمتضايفين وإلا فبالمشروط على الشرط ؛ والسمعي المحض محال ، لأن خبر الغير لا يفيد ما لم يعلم صدقه والمركب ظاهر.

مسألة : الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا بشروط عصمة الرواة ، ومعرفة مفردات الألفاظ وصحة إعرابها وتصريفها وعدم الاشتراك والمجاز ، والتخصيص الشخصي والزماني والإضمار والتقديم والتأخير والمعارض العقلي الراجح لو كان وإلا لزم القدح في النقل لتوقفه عليه وهي ظنية فكذا النتيجة (١).

مسألة : النقل مستند إلى صدق الرسول ، فما توقف عليه العلم به فلا يثبت بالنقل ، وما يجوز عقلا يثبت وقوعه به ، إما عاما كالعاديات أو خاصا كالكتاب والسنة ؛ وما عداهما والخارج عن القسمين يثبت في الجملة بهما.

مسألة : الاستدلال بالعام على الخاص قياس ، في عرف المنطقيين وبالعكس استقراء: وبأحد المندرجين تحت وصف على الآخر ، بعد تحقيق أنه المناط قياس في عرف الفقهاء ؛ والأول أقسام :

أن نحكم بلزوم شيء لشيء ، فيوجب وضع الملزوم وضع اللازم ورفع اللازم رفعه تحقيقا للزوم ولا يوجب العكس شيئا تجويزا للعموم.

أن نحصر الشيء في قسمين فيوجب وضع أيهما كان رفع الآخر وبالعكس.

أن نحكم بثبوت الألف أو سلبه على كل الباء ، الثابت لكل الجيم ، أو بعضه فيتعدى الحكم إليهما.

أن نحكم بثبوت الألف للباء وسلبه عن الجيم في وقت واحد ، أو دائما في أحدهما فيتباينا ، وإلا اجتمع النقيضان ، لأن دوام أحدهما يكذب الآخر.

__________________

(١) انظر : الصواعق المرسلة لابن قيم (٢ / ٦٣٣ ، ٦٥٩ ، ٦٨٨).

٣٠٢

أن إن يحصل وصفان في محل ، ولا يتحققان في غيره ، فنحكم بالالتقاء الجزئي.

إلهي تاقت نفسي إلى معرفتك واشتاقت إلى لقياك وخوفي أن يحجبها خطئي وتقصيري ، فأتضرع إلى جلالك وأسألك أن تهديني سواء السبيل.

الركن الثاني في المعلومات

وهي إما موجودة أو معدومة : وتصورهما بديهي لتوقف هذا التصديق عليه ، ولأن العلم بالوجود به جزء من علمي بوجودي البديهي.

والوجود عين الموجود خلافا لجمهور الفلاسفة والمعتزلة وجمع منا.

لنا : فتغاير حقيقتهما فيتصف المعدوم بالموجود.

ولقائل أن يقول : قام بالماهية من حيث هي.

قالوا : مقابل النفي الإثبات وهو واحد وإلا بطل الحصر العقلي ، قلنا : مقابل نفي الماهية تحققها.

قالوا : مورد التقسيم للواجب والممكن ـ قلنا : بل الماهية.

قالوا : نعلم وجود الشيء ثم كونه جوهرا أو عرضا ، فلا يتغير. قلنا : فيتسلسل.

ولقائل أن يقول : موجود بنفسه.

ولا واسطة بينهما خلافا للقاضي وإمام الحرمين أولا والبهشمية فإنهم سموها بالحال وحدوها بصفة لموجود لا يوصف بوجود ولا عدم ، لنا : ما نعقله إن كان له تحقق بوجه ما فثابت ؛ وإلا فمنفي إلا أن نفسر وهما بآخر ويصير البحث لفظيا.

ولقائل أن يقول : لا نزاع في الثابت والمنفي.

قالوا : الوجود زائد وليس معدوما وإلا فالشيء عين نقيضه ولا موجودا وإلا تسلسل.

قلنا : مر إنه ليس بزائد ؛ وأيضا إنما يتسلسل لو كان المشرك والمميز ثبوتين وأيضا بامتياز الوجود بأن لا شيء معه فلا تسلسل.

قالوا : الماهيات النوعية تشرك في الأجناس فإن السواد والبياض يشتركان في اللونية وليس الاسم ، لأنا نجد بينهما ما لا نجد بين أحدهما والحركة ، لو كان اسمهما واحدا ؛ ولأنه لا يطرد في اللغات بخلاف هذا ؛ وأيضا فالعلوم متغايرة ونحد العلم بما يندرج فيه ، وليس المحدود اللفظ ؛ وأيضا فالعرضية مشتركة بين جميع الأعراض ، وإلا لما انقسم الممكن إليه وإلى الجوهر وتختلف من وجه آخر ، وليسا موجودين وإلا قام العرض بالعرض ولا معدومين بالضرورة.

٣٠٣

قلنا : قيام العرض بالعرض أقرب من الواسطة.

ولقائل أن يدفع قيام العرض بالعرض بأن تلك الأنواع إن اتصفت بثبوتي داخل في مفهومها فجزء ؛ أو خارج فلا يلزم قيامه إلا بدليل ، وإلا فلا يقوم.

واستدل : تشترك في كونها حالا وتتميز بخصوصياتها فلها حال أخرى ويتسلسل.

ورد : لا توصف بتماثل ولا اختلاف وأيضا فنلتزمه.

وأجيب : كل أمرين إن كان المتصور من أحدهما عين الآخر ، تماثلا وإلا اختلفا ولو جوزنا الثاني بطل العلم بالصانع والحدوث وأيضا فلا يرد لأن أحد جزئي الحال أنها غير موجودة.

وأما الفلاسفة فطريقهم هاهنا أن الأجناس والفصول المقومة للأنواع البسيطة موجودة في الذهن فقط قيل إن طابق الخارج ، عاد كلام مثبتي الحال وإلا فلا يعتبر.

ولقائل أن يقول : لا اعتبار بالمطابقة وعدمها لأنه تصور.

تفريع : اتفقوا على أن الحال إما معللة بمعنى قائم بالذات ، أو غير معللة ؛ وعلى أن لا اختلاف إلا بها ، وهو باطل وإلا لصح على الجوهر أن يكون عرضا ، وبالعكس ضرورة استواء المتماثلين في اللوازم وأيضا اختصاص ذات ما ببعضها إما لا لأمر فترجح أحد طرفي الممكن لا لمرجح أو لأمر ويعود البحث في اختصاصه بها إن كان صفة وبصفة المرجحية إن كانا ذاتا أما الخصوصية بالذات والاشتراك في الصفة ، فلا يشكل لجواز اشتراك المختلفات في لازم.

ترتيب تنبيه الوجود عند مثبتي الحال منا نفس الذات وعند المعتزلة صفة وعليها تنبني الآتية الوجود حال عند القائلين بها لأنه عائد ، خلافا لأصحابنا منهم لأنه عين الموجود.

وأما المعدومات فنفي محض إن امتنع ثبوتها اتفاقا وإن أمكن ، خلافا لجمهور المعتزلة القائلين بأنها ذوات وحقائق ، وأن التأثير في جعلها موجودة فقط وأن عدد كل نوع منها لا يتناهى.

ومحل الخلاف هل يجوز خلو الماهية عن الوجود ـ لنا وجود الشيء عينه ، فلا ثبوت دونه.

وأيضا تشترك في الثبوت وتتباين بالأشخاص فتتصف به حال عروها عنه.

ولقائل أن يقول : عن الوجود وهو أخص.

وأيضا عددها يقبل الزيادة والنقص ، فهو متناه ولا يقولون به.

ولقائل أن يقول : إنما يقتضيان التناهي في الموجودات.

٣٠٤

وأيضا أزلية ، والوجود حال فتستغني عن الفاعل.

ولقائل أن يقول : لا تستغني هيئة التركيب.

وأيضا السواد إن كان واحدا ووحدته لازمة ، فلا يتعدد وإلا فإن كان ما به التباين لازما فكل اثنين يختلفان بالهوية وإلا فالمعدوم مورد للصفات المتزايلة ، فكذا محل الحركة.

ولقائل أن يقول : لا يلزم من عدم لزوم ما به التباين خلو الماهية عنه.

قالوا : المعدوم متميز لأنه معلوم ، ومقدور ومراد والمتميز ثابت لاستدعائه التحقق.

قلنا : قولكم المعدوم ثابت منقوص بتصور الشريك ، للحكم عليه بالامتناع وبتصور جبل من ياقوت وقيام العرض بالجوهر ممتنع عندكم حال العدم وبتصور وجودات الماهيات المعدومة والجمع بينهما محال.

وبتصور ماهية التركيب وهو اجتماع الأجزاء والتأليف وهو تماسها ، وليسا بتصور المتحركية والساكنية وهي أحوال فإن أردتم الأعم من الممتنع والممكن ، فمسلم ولا ينتج لكم وإلا فأفيدوا تصوره ثم دليله.

وقولكم المعدوم مقدور فبطل مذهبكم ، لأن الثابت ليس بأثر ، وكذا أنه مراد.

قالوا : الامتناع عدمي وإلا فالمتصف به مثله فالإمكان ثبوتي لأنه نقيضه ، فكذا الممكن.

قلنا : فبطل قولكم أنها لا تتغير.

وزعموا أن اختلافهما بصفات الأجناس فقط ، كالجوهرية خلافا لابن عياش في أنها لا تتصف بشيء وزعموا أن صفات الجواهر إما عائدة إلى الجملة كالحيية ومشروطاتها أو إلى الجواهر وهي إما الجوهرية أو الوجود أو التحيز التابع للحدوث الصادر عنها بشرطه ، أو الحصول في الحيز المعلل وليس له بالأعراض غير المشروطة بالحياة صفة أو إلى آحاد الأعراض فقط لأن جملتها لا تعقل وهي إما العرضية أو القيام أو الوجود.

ثم اختلفوا فقال البصري والشحام : الجوهرية التحيز تتصف بهما وبالحصول خلافا للبصري لأن شرطه الوجود.

واتفقوا على أن لا صفة لها بكونها معدومة ، خلافا للبصري على أن كونها معدومة ليس صفة وعلى أن لا توصف بالجسمية خلافا للخياط وعلى أن وجود الصانع لا يثبت بكونه حيا عالما لأن المعدوم يتصف بها ، وهو عند جمهور العقلاء جهالة وإلا فلا نعرف وجود المتحرك والساكن.

ولقائل أن يقول : ليست صفات أنفس.

٣٠٥

وأما الفلاسفة فبعضهم يجوز تعريها عن الوجودين وبعضهم عن الخارجي فقط.

ولا توصف عندهم من حيث هي بوحدة ولا كثرة ، وإلا فقد اعتبر غيرها.

وليست مجهولة لأن ما بالغير يرتفع بارتفاعه ، لكن قولنا السواد لا يبقى سوادا محال ، لتقرر المحكوم عليه فيحصل حال عدمه.

ولقائل أن يقول : يتقرر في الذهن.

وأما الموجودات فتنقسم عند الحكماء إلى واجب الوجود لذاته وهو اللّه تعالى وممكن وهو ما عداه.

قيل لا وجوب وإلا فيغاير الوجود لتغاير المشرك والمميز ولإدراك الفرق بين موجود وموجود واجب.

فإما أن لا يتلازما فإن انفك الوجود فخلاف الفرض أو الوجوب فيحصل النعت بلا منعوت وإما أن يستلزم الوجود الوجوب ، فكل موجود واجب.

وأيضا فهو معلول واجب بعلته فقبله وجوب آخر ، وإما بالعكس ويدور لافتقار الوجوب إلى موصوفه وإما كل واحد منهما الآخر ويدور وليسا معلولي علة واحدة ، وإلا فالمعدوم علة.

لا يقال : الوجوب السلبي لأنا نقول : فلا يتأكد به الوجود ولأنه نقيض اللاوجوب العدمي ولو سلم فلا يستلزم الوجود ولا يستلزمه لما مر.

ورد : وجود الشيء عينه.

ولقائل أن يقول : الوجود مشكك فيلزمه في بعض المواضع ما لا يلزمه في بعضها وأيضا فاللازم ليس بمعلول للزوم.

ولا إمكان

لوجوه :

إن الوجود إما عين الموجود ، فقولنا : السواد يصح وجوده كقولنا : الموجود يصح وجوده فإن اتحدا أضيف الشيء إلى نفسه بالإمكان وإلا فللماهية وجودان ويصح عدمه حكم على الموجود في الحال بالعدم لتقرر الموضوع.

ولا يقال العدم استقبالي لأنا نقول : فيستحيل حصوله في الحال ، لأنه مشروط بزمنه ولا يقال إمكانه لأنا نقول : النسبة لا تحصل دون المنتسبين.

ولقائل أن يقول : منتسبه حاصل في الذهن متعلق بالاستقبال.

ولو سلم فمعناه إمكان صيرورة هويته ، وهي وجوده معدومة وأما غيره

٣٠٦

فيتصف المعدوم بالوجود.

وأيضا فالموصوف بالإمكان إما الوجود ، أو الماهية أو الموصوفية وأيا ما كان أضيف الشيء إلى نفسه بالإمكان إن كان مفردا ويعود البحث إن كان مركبا.

إن الماهية لا تخلو عن الوجود والعدم وهي مع أحدهما تنافي الآخر وإمكانه.

وقد يقرر بأن الممكن إن حضر سببه وجب ، وإلا امتنع.

لا يقال : قبول الماهية مع الشيء غير قبولها مفردة ، لأنا نقول : شرطه الخلو عن المنافي ولا تخلو.

ولقائل أن يقول : تخلو في الذهن.

إنه ليس عدميا لأنه نقيض اللاإمكان ولا وجوديا وإلا فاتصاف ماهيته بوجوده فأما واجب وجوده كذلك لأنه شرطه.

ولقائل أن يقول : ينقطع عند عدم اعتبار ماهيته ، لأنها معه ليست إمكانا وهي كونها إمكانا لا تعتبر.

لا يقال : ثابتة في الذهن لأنا نقول : إن طابق الخارج صح كلامنا وإلا فلا يعتبر ولأن الممكن غير الذهن فلا يحصل وصفه فيه ، إلا أن يقال العلم به وليس كلامنا فيه.

قلنا : ضروري والتشكيك فيه لا جواب عنه كشبه السوفسطائية.

خواص الواجب

إنه لا يجب لغيره وإلا ارتفع بارتفاعه وما بالذات لا يرتفع.

إنه لا جزء له وإلا احتاج إليه فيكون ممكنا.

إنه ليس جزءا لغيره لأنه لا علاقة له به.

إن وجوده ذاته ، وإلا فإن استغنى عنها فليس بصفة ، وإلا فله مؤثر وليس غيرها وإلا كان ممكنا ولا هي لأنه حال التأثير موجودة ضرورة إذ العدم لا يؤثر وإلا بطل العلم بوجود الصانع فأما به فهو شرط نفسه أو بغيره فتوجد مرتين ويعود البحث فيه.

واعترض : تؤثر من حيث هي كقبول الممكنة.

ولقائل أن يفرق بين الفاعل والمقابل.

وعورض : والصحيح أن معلوم لا ماهيته.

ولقائل أن يقول : ذلك المعلوم في الذهن.

إن وجوبه ليس زائدا وإلا فإن تبع الوجود كان ممكنا فالواجب أولى وأيضا فقبله وجوب آخر لا إلى أول.

٣٠٧

وإن تبعه صار الفرع أصلا.

واعترض كيفيته نسبة بين محمول وموضوع فهي متأخرة.

إنه واحد وإلا غاير وجوبهما ماهيتهما فإن لم يتلازما كان اجتماعهما معلولا وإن استلزمت الهوية الوجوب فهو ممكن أو بالعكس فما ليس تلك الهوية ليس واجبا.

واعترض : الوجوب سلبي وإلا فإما جزء أو خارج فبطلان ما مر.

وأيضا فيمتاز عن الثبوتيات بخصوصيته ، فاتصافه بوجوده إما واجب فقبله وجوب آخر ، أو ممكن فكذا الواجب والتعين سلبي وسيأتي.

وعورض بأن وجود الواجب ووجوبه متغايران ، ويعود التقسيم ولا جواب إلا أن اشتراك الوجود لفظي فكذا الوجوب.

الواجب لفظ مشترك بين ما بالذات وما بالغير ، وإلا فهو جزء من كل واحد منهما ، فإن استغنى عن الغير ، صار موصوفه واجبا ، وإلا فالواجب ممكن لاتصافه به.

وعورض : مورد التقسيم مشترك.

ولقائل أن يقول : لا تستغني الماهية لاستغناء جزئها.

ولنا أن نقول : الوجوب سلبي لأن اشتراكه لبعض أو معنوي قد بطلا.

إنه واجب من جميع جهاته ، إذ لو اتصف بما لا يكفي في ذاته ، لتوقف على الغير لتوقفه عليه ، وهو بناء على أن الإضافات عدمية.

إن عدمه ممتنع ، وإلا فيتوقف على عدم سببه.

إن ذاته يجوز أن تستلزم صفات واجبة بها ، والوجوب الذاتي والوحدة حصة الهوية.

خواص الممكن

إنه لا محال في فرض وجوده أو عدمه وإلا فهو واجب لذاته.

إنهما بسبب منفصل ، لاستواء نسبتهما إليه.

واعترض بأن الاستواء يمنع الترجح ليس بالبديهة للتفاوت بينه وبين الواحد نصف الاثنين ، فما البرهان؟

ورد : لا تفاوت والبرهان أنه ما لم يجب لا يوجد ، فالوجوب ثبوتي لحصوله بعد عدمه ، فله موصوف وليس الممكن ، لعدمه حينئذ فهو المؤثر.

ولقائل أن يقول : التفاوت في التصور لا في الحكم.

فعورض بوجوه :

٣٠٨

إن المؤثرية ليست عدمية لأنها نقيض اللامؤثرية ، ولحصولها بعد العدم ، فثبوتها إما في الذهن فقط ، وهو جهل لعدم المطابقة ولوجودها قبل الذهن ، فلا تقوم بغير موصوفها ، إلا أن يقال العلم بها وليس المطلوب.

ولقائل أن يقول : إنما الجهل مع اعتقاد المطابقة.

أو في الخارج ، فإما نفس المؤثر وأثره ، ولا يلزم من العلم بالعالم وقدرة اللّه العلم بها ، ولأنها نسبة بينهما فتغايرهما ؛ وإما زائدة عارضة للمؤثر ، فتفتقر إليه ويتسلسل ؛ وأيضا فبين كل تال ومتلو ما لا يتناهى محصورا ؛ أو جوهر قائم بنفسه فليست نسبة.

وأيضا المؤثر إما هذا أو ذاك أو هما ، وعلى كل تقدير فهي زائدة ، وردّ بأنه يرد في البديهيات ككوني في هذه الساعة.

إن التأثير إما حال الوجود ، وهو تحصيل الحاصل أو حال العدم ولا أثر ، فإن كان التأثير عينيه فبين وإلا عاد الأول.

إن التأثير إما في الماهية فليس السواد سوادا عند عدم المؤثر ، وهو ممتنع.

لا يقال : نعني يفنى السواد لأنا نقول : فيتقرر الموضوع أيضا للحكم بالفناء.

وإما في الوجود وقد بطل وإما في الموصوفية وليست ثبوتية وإلا افتقرت إلى أخرى ويتسلسل وأيضا فتأثيره إما في ماهيتها أو وجودها إلى آخره والعدمي ليس أثرا.

وردّت بتوجهها على الضروري ككوني في هذه الساعة وحدوث هذا الصوت.

فعورض بافتقار العدم إلى المرجح.

لا يقال : علة العدم عدم العلة ، لأنا نقول : العلية ثبوتية ، لأنها نقيض اللاعلية فموصوفها ثابت ، ولأن المعدوم لا يتميز ولا يتعدد ، فيمتنع جعل بعضه علة والبعض معلولا.

ولقائل أن يقول : يتميز بالإضافات.

ورد : بأن العدم لا يترجح ، فلا مرجح له.

إن أحد الطرفين ليس أولى به ، لأن رجحان الطرف الآخر إن أمكن فوقوعه إما لسبب فلا بد معها من عدمه أو لا لسبب فيقع المرجوح لا لعلة وامتناعه أولى وإلا فالراجح واجب والمرجوح ممتنع.

إن رجحانه يسبقه وجوب ، لأن ما لا يترجح صدوره لا يوجد ولا يحصل إلا معه كما مر ، ويلحقه وجوب لامتناع عدمه حال وجوده ، وهما لازمان للماهية لا جزؤها.

إن علة الحاجة إلى المؤثر ، خلافا لبعض المتكلمين.

لنا : لو كان الحدوث لتأخر الشيء عن نفسه لتأخر الشيء عن نفسه بمراتب

٣٠٩

لتأخره عن الوجود وهو عن الإيجاد وهو عن الاحتياج وهو عن علته.

قالوا : فيحتاج العدم الممكن إلى المؤثر وليس بأثر ، قلنا : علة العدم عدم العلة.

و : إنه حال البقاء لا يستغني خلافا لبعض المتكلمين.

لنا : علة الاحتياج ضرورية اللزوم له.

لا يقال : يصير أولى ، لأنا نقول : الأولوية المغنية عن المؤثر إن حصلت حال الحدوث ، فلا تأثير وإلا فهي المفتقر إليها.

قالوا : تأثيره إما في الوجود وهو تحصيل الحاصل ، أو في أمر جديد فليس الباقي.

قلنا : معناه بقاء الأثر لبقاء مؤثره.

ولقائل أن يقول : أمر جديد ، لأنه غير الإحداث.

أما الممكن (١)

فينقسم عندهم إلى حال ـ فإن قوم محلة فصورة ـ أو تقوم به فعرض وإلى محل ، فالمتقوم هيولى والمقوم موضوع فهو أخص فعدمه أعم وإلى ما ليس واحدا منهما فإن تعلق بالجسم للتدبير فنفس وإلا فعقل.

أما العرض فإن اقتضى نسبة فإما الحصول في المكان وهو الأين ، أو في الزمان أو طرفه وهو متى ، أو المتكررة وهو الإضافة ، أو الانتقال بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثر أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى بعض وإلى الخارج وهو الوضع.

وإن اقتضى قسمة فكم ، فإن اشتركت الأجزاء في حد فمتصل وإن وجدت معا فمقدار ذو بعد خط وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليمي وإلا فزمان ، وإن لم تشترك فعدد.

وإن لم يقتض شيئا منهما فكيفية ، إما محسوسة وهو القوة واللاقوة ، أو للكميات المتصلة كالاستقامة والانحناء أو المنفصلة كالأولية والتركيب.

وأنكر أصحابنا ما عدا الأين والمحسوسة والنفسانية أما النسبية فلافتقار الإضافات إلى محل فلها إضافة أخرى ويتسلسل ولأن اللّه سبحانه موجود مع كل

__________________

(١) انظر : المواقف للإيجي (١ / ٦٧٧) (٢ / ٦٢٤).

٣١٠

حادث فيتصف بالمعية ، ولأن وجودها غير ماهيتها وإضافته سابقة فتوجد قبل نفسها ولأن نسبة الشيء إلى الزمان تفتقر إلى أخرى ويتسلسل وكذا التأثير والتأثر.

احتج المثبتون بأن فوقية السماء حاصلة ، وجد الفرض أم لا وليست عدمية لحصولها بعد العدم ، وإلا فنفي النفي نفي ولا نفس الذات لأنها لا تقال بالقياس إلى الغير ولا تعدم بانعدامها.

وسلمها معمر والتزم التسلسل ، وأورد عليه : كل عدد له نصفه وهو أقل من كله ، فهو متناه فكذا ضعفه ؛ فمنع الأولى إلا في المتناهي والثالثة لأن معلومات اللّه أكثر من مقدوراته ؛ وكذا تضعيف الألفين والألف والكل لا يتناهى.

واعترض : فالمتقدم والمتأخر معا لوجود إضافتيهما ؛ وأيضا تمشي في اتصاف المعدوم بالموجود ، كالحكم اليوم على الأمس بالمضي.

وأيضا إن أريد بالوضع الأين والمماسة ، فصحيح ؛ وإلا فالعرض الواحد لا يحل في المحال.

لا يقال : قامت به وحدة لأن الإشكال يعود في قيامها وكذا الملك.

وأما الكميات فلأن السطح نهاية الجسم فهي فناؤه ، وكذا الخط والنقطة ولأنه ينقسم بانقسامه فيصير جسما والخط سطحا والنقطة خطا.

ولقائل أن يقول : ليست من الأعراض السارية فلا تنقسم في كل جهة.

ولأن الزمان يستلزم محالات :

إن جزءا مضى وآخر حصل فله زمان آخر ويتسلسل.

إنه إما ماض أو مستقبل معدومان أو حال ولا ينقسم وإلا فليس بحال فهو الجزء.

أنه يلزم من فرض عدمه وجوده لأنه بعده فهو واجب ولا شيء من الواجب بمركب من الحادثات والصغرى ظاهرة.

أنه مقدار مطلق الوجود لأنا كما نعلم أن حركة أمس والآن موجودان وحركة غدا ستوجد نعلم أن اللّه ـ تعالى ـ موجود أمس والآن وغدا ولا ينطبق المتغير على الثابت.

لا يقال : نسبة المتغير إلى المتغير زمان ، وإلى الثابت دهر والثابت إلى الثابت سرمد لأنا دللنا على معنى كان ويكون فلا يندفع بالعبارات.

أنه عندكم مقدار امتداد الحركة وهو معدوم لعدم حصوله إلا بحصول جزءين فيقدر الموجود المعدوم.

٣١١

ولأن العدد مجموع وحدات وهي عدمية وإلا فلها وحدات أخرى ويتسلسل وكذا الاثنينية وإلا فلا تقوم بكل واحدة من الوحدتين بل تتوزع عليهما فهي مجموع أمرين فهما الوحدتان.

قالوا : الواحد والإنسان متغايران لتغاير المشترك والمميز وليست عدمية وإلا فالكثرة إما عدمية وهي عدمها فتكون ثبوتية أو وجودية فليست مجموع العدمات.

وأما كيفيات الكميات فلعدم ما تقوم به ، وأما القوة واللاقوة فلأن الصلابة تأليف واللين عدم الممانعة بناء على الجوهر الفرد.

وتنقسم عند المتكلمين

إلى قديم لا أول له وهو اللّه ـ تعالى ـ وإلى محدث له أول وهو ما عداه.

قال الحكماء : مفهوم «كان اللّه في الأزل» ليس عدميا لأنه نقيض «ما كان» ، ولا عين الذات وإلا فالآن أزل ويلحقه معنى «كان ويكون» فهو زمان.

قلنا : معناه لو قدرنا أزمنة بلا نهاية ، وجد معهما لا فيها ؛ وأيضا نعقل القدم والحدوث في الزمان بلا زمان ، لامتناع التسلسل فنعلقه في غيره.

ولهما خواص :

إن القديم لا يستند إلى المختار ويستند إلى الموجب ، لأن بعض أصحابنا جعل عالمية اللّه ـ تعالى ـ معللة بعلمه ؛ وأبو هاشم الحيية والموجودية والعالمية والقادرية معللة بالألوهية.

ذات اللّه ـ تعالى ـ وصفاته قديمة اتفاقا وصفاته خلافا للجشمية فيما عدا الأحوال وغير ذلك وأنكرت المعتزلة الصفات وتلزم أبو هاشم للقول بالأحوال الخمسة ؛ والغير حادث خلافا للحرنانيين في النفس والهيولى والدهر والفضاء.

قلنا : السمع لأن دليل التمانع لا يدل على نفي قديم عاجز.

قالوا : النفس مبدأ الحياة ، وهي حية فاعلة والهيولى بالعكس فلو حدثنا افتقرتا إلى مادة ويتسلسل والزمان لا يعدم لأن عدمه. بعد وجوده بالزمان وكذا الفضاء بالبديهية وإلا لما تميزت الجهات وما امتنع فرض عدمه أو حدوثه فواجب.

القدم والحدوث ليسا صفتين ، خلافا لابن سعيد في الأول والكرامية في الثاني.

قلنا : لزوم التسلسل.

ولقائل أن يقول : لا يتصف بهما إلا الذوات فقط.

الحادث غير مسبوق بمادة ولا مدة خلافا للفلاسفة.

٣١٢

قالوا : الإمكان سابق وهو وجودي ويغاير صحة التأثير لتوقفه عليه ، فله محل.

قلنا : لا يتصف به في العدم كما مر.

قالوا : عدم الحادث قبل وجوده ، وليست عدمية لعروضها للوجود فموصوفها موجود وهو الزمان.

قلنا : فالبارئ ـ تعالى ـ زماني والزمان لتقدم عدم جزئه على وجوده.

أما المحدث فإما متحيز أو حال فيه أو لا.

وأنكره جمهور أصحابنا لمساواته الباري ـ تعالى ـ في الماهية.

ورد بجواز اشتراك المختلفين في سلب الغير عنهما.

أما المتحيز فجوهر فرد وإن لم ينقسم وإلا فجسم وأقله جوهران وعند المعتزلة ثمانية والبحث لفظي.

وأما الحال فيه فعرض فإما غير مشروط بالحياة وهي المحسوسات والأكوان فمنها المبصرات وهي اللون فقيل : الخالص السواد والبياض يتخيل من اختلاط الهواء بالأجزاء الشفافة ، وقيل : والبياض كما في البيض المسلوق.

وقالت المعتزلة : الخالص هو السواد والصفرة والحمرة والخضرة والضوء ، وليس بجسم لجواز وجود الجسم مظلما وهي شرط وجود اللون عند ابن سينا ورؤيته عندنا والظلمة ليست وجودية عند بعضنا لأن البعيد يرى مجاور النار وما بينهما ولا يراهما المجاور.

ومنها المسموع وهو الصواب ومن كيفياته الحروف إما عارضة له أو حادثة آخر زمان حبس النفس.

ومنها الطعوم وهي الحراقة والمرارة والملوحة والحلاوة والدسومة والحموضة والعفوصة والقبض والتفاهة.

تنبيه : الحراقة تفعل تفريقا ، والعفوصة قبضا ، فالمدرك الطعم فقط أو هما. ومنها الملموس وهو الحرارة والبرودة وليست عدمها ، وإلا لم تحس ولا نفس الجسم وإلا فالحار بارد ؛ والرطوبة فإن فسرت باللاممانعة فعدمية ، أو بسهولة الالتصاق فلا ، واليبوسة تقابلها والثقل والخفة الزائدتان على الحركة ، لأن ثقل ما في الجو وخفة ما تحت الماء محسوسان.

واللين عدم ممانعة الغامز ، والملاسة استواء وضع الأجزاء ؛ والخشونة بالعكس.

تنبيه قيل تقوم بذواتها بعد مفارقة المحال ؛ وإبطال انتقال العرض يبطله.

ومنها الأكوان وهي الحصول في الحيز الوجودي.

٣١٣

قيل : ليس الحيز معدوما ولا جوهرا وإلا فتتداخل أو تماس ولا يحل في العرض محلا.

مسألة الحق عندي أن الحصول لا يعلل بمعنى آخر وإلا فإن صح وجوده قبله واقتضى الاندفاع فاعتماد ، وإلا فيصح حصوله في آخر ؛ وإن لم يصح ، لزم الدور لتوقف كل واحد منهما على الآخر.

مسألة : الحصول الأول في الحيز الثاني حركة وبالعكس سكون والأول في الأول ليس واحدا منهما إلا إن قلنا الحركة سكونات والبحث لفظي.

وهما موجودان لأن تحرك الجسم بعد سكونه يستدعي وجودهما.

واعترضه فالفاعلية كذلك فيتصف القديم بالمحدث.

ورد : التغير في الإضافات لا يغير الذات ، واعترض : اللازم أحدهما فقط.

ورد : حقيقتهما الحصول والاختلاف بالعوارض وحصوله جوهرين في حيزين بحيث لا يتخللهما ثالث اجتماع وبالعكس افتراق.

وقيل : زائدان على الكون.

ورد : بأنّا متى عقلنا جوهرين في حيزين عقلناهما.

مسألة : حركة المحوي بحركة الحاوي عرضية.

مسألة : الأكوان متضادة وإن اقتضت حيزا معينا لأنها تتماثل ، فتضاد وقد لا تتعاقب كمقتضى الحصول الأول والثالث وما فوقه.

وإما مشروط بها ومنها الحياة وهي اعتدال المزاج ، أو قوة الحس والحركة ، خلافا لجمهور أصحابنا وابن سينا.

قالوا : صفة بها صح أن يعلم ويقدر وإلا لما اختص بهما.

قلنا : فلم اختص بها.

قال ابن سينا : حياة العضو المفلوج ليست قوة الحس والحركة لعدمها ، ولا الغاذية لبطلانها وحصولها في النبات. قلنا : عاجزة عن الفعل فقط ، وغاذية النبات نوع آخر.

مسألة : الموت وجودي خلافا لبعضهم لنا : خلق الموت قالوا : معناه قدر.

مسألة : الحياة غير مشروطة بالبنية ، خلافا للمعتزلة والفلاسفة.

لنا : القائم بمجموع الأجزاء ليس واحدا ، وجواز قيامها بهذا متوقف على ذلك ، وكذا من الطرف الآخر فيدور.

ومنها الاعتقادات وهي ما يجد الحي من نفسه ويميزه عن غيره ؛ فإن كانت جزما لا تطابق فجهل وإلا فإمّا لا عن سبب ، فتقليد أو عن تصور الطرفين فبديهيات ؛

٣١٤

أو عن الحس فضروريات أو عن الاستدلال فنظريات وإن كانت ترددا فإما على السوية فشك وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم ومراتبها لا تحد.

مسألة : تصور العلم بديهي ، خلافا للأكثر لنا : كاشف لغيره وجزء من علمي بوجودي البديهي.

ولقائل أن يقول : يكشف غيره عن العلم له لا عنه فلا دور.

وقيل : سلبي ـ ورد : فهو سلب منافيه الوجودي ، وإلا بطل قولكم فتصدق العالمية على العدم.

وقيل : انطباع ـ ورد : فالعالم بالحرارة حار.

لا يقال : صورته لأنا نقول : إن لم تساو فلا علم ؛ وأيضا فالجدار الحار عالم.

لا يقال : ليس من شأنه الإدراك ، لا نقل : من شأنه الحصول فكذا هو.

قالوا : بعض المعلومات ليست في الخارج ولا نفيا.

قلنا : فيحصل البحر في الذهن ، وقيل : إضافي بمعنى التعلق وهو الحق إما معلول صفة أو بواسطة العالمية.

مسألة : إن فسر العلم بالتعلق ، فيمتنع تعلق الواحد بمعلومين لعلمنا بعلم هو؟ فكذا مع الذهول عن علم بالآخر ؛ وإلا فيجوز خلافا لبعضهم في غير المتلازمين.

لنا : نعلم السواد والبياض للعلم بمضادتهما ، وإلا فهي مطلق المضادة وينفكان لجواز الجهل بأحدهما.

ولقائل أن يقول : يمتنع مضادا.

مسألة : العلم تفصيلي ، لأن المعلوم حاصل والآخر مجهول.

مسألة : العلوم المتعلقة بالمتغايرات مختلفة ، خلافا لوالدي ـ رحمه اللّه ـ.

لنا : العلم بالدليل شرط النظر وبالمدلول ينافيه.

ولقائل أن يقول : إنما اختلف بسبب متعلقاته.

مسألة : المعلوم ضرورية ابتداء أو بواسطة وإلا فهي جهل لاحتمال والانفكاك.

مسألة : لا يكون العلم بالفرع ضروريا وبالأصل كسبيا لأن الشك فيه يبطله.

مسألة : المنافاة بين اعتقاد الضدين ذاتية لأن العلم بوجود أحدهما مشروط بعدم ذلك.

مسألة : المعدوم عند بعضهم ليس بمعلوم لأنه ليس بمتميز.

قلنا : حكم فيستدعي تصوره وأيضا ثابت في الذهن.

قالوا : يمتنع تصور الشريك لأنه يفتقر بحلوله ، قلنا : الحال صورته لو سلم فليس بمعدوم صرفا.

٣١٥

مسألة : عقل التكليف علم ، وإلا لصح الانفكاك وليس بالمحسوس لحصوله للبهائم ؛ ولا نظريا ، لأنه شرطه فهو بالوجوب والامتناع.

واعترض : لا يقتضي التلازم الاتحاد ، كالعلة والمعلول ، ولو سلم فالنائم والغافل ذاهلان ، فهو غريزة تستلزمها مع السلامة.

ومنها القدرة وهي سلامة الأعضاء خلافا للمتكلمين.

قالوا : حركتا المختار والمرتعش متميزتان بصفة.

ولقائل أن يقول : هي السلامة.

قيل لأصحابنا : الامتياز إمّا قبل الفعل وخلق اللّه له ولا قدرة ، أو معهما ولا مكنة من الترك ، وللمعتزلة إما عند استواء الدواعي ، ويمتنع عندكم ، وإلا فالراجح ضروري.

مسألة : القدرة مع الفعل خلافا للمعتزلة.

لنا : الفعل معدوم فلا أثر.

قالوا : لو لم يكن الإيمان مقدورا للكافر ، كلف بما لا يطاق قلنا : ويلزمكم الامتناع اجتماعهما عندكم.

لا يقال : مأمور بالإتيان في ثاني زمان ، لأنا نقول : إن كان التأثير نفس الفعل ، فلا انفكاك ؛ وإلا فيعود البحث في حدوثه.

قالوا : خرج من العدم إلى الوجود فيكون تحصيل الحاصل. قلنا : كالعلة والشرط.

ولقائل أن يعيد الكلام فيهما ، قالوا : فإما قدم العالم أو حدوثها ، قلنا : الحادث التنجزي وليس في قدرة العبد.

مسألة : ولا تصلح للضدين ، خلافا للمعتزلة.

لنا : الممكن من هذا غيره من ذاك ، ولأن نسبتها إلى الطرفين إمّا متساوية فلا بد من مرجح والمؤثر المجموع وإلا فلا تؤثر في المرجوح.

مسألة : العجز عدمي ، خلافا لأصحابنا ، قالوا : ليس أولى من القدرة ، قلنا : لولا الدليل.

ولقائل أن يقول : العجز آفة ، والسلامة عدمها ، فهو وجودي.

ومنها الإرادة ، فقيل : علم الحي أو ظنه بمنفعته ، قلنا : نجد ميلا زائدا عليه.

وقيل : كراهة الضد ، قلنا : قد نغفل عنه ، وهي غير الشهوة ، لأن شرب الدواء قد لا يشتهى.

مسألة : العزم إرادة جازمة بعد التردد ، والمحبة إرادة ؛ فمن اللّه الثواب ، ومن العبد

٣١٦

الطاعة وكذا الرضا ، قيل : ترك الاعتراض.

مسألة : المنافاة بين إرادتي الضدين كما في اعتقادهما.

مسألة : لا بدّ من إرادة ضرورية دفعا للتسلسل فوجب إسناد الكل إلى قضاء اللّه.

ولقائل أن يقول : لا يقتضي عدم الواسطة.

ومنها كلام النفس ، ولم يقل به إلا أصحابنا ، لأن الأمر ليس تخيل الحروف لأنها تابعة ؛ ولا الإرادة والعلم والقدرة والحياة لتحققها دونه.

ومنها الألم واللذة الوجوديان ، خلافا لابن زكريا في الثاني.

وقال ابن سينا : إدراك الموافق لذة ، والمنافي ألم كالمعتزلة في قولهم إن كان متعلق بالشهوة والنفرة ، ولا قطع بأنهما نفس الإدراك ولا دليل.

مسألة : تفرق الاتصال يوجب الألم عند الفلاسفة. لنا عدمي.

وزاد ابن سينا سوء المزاج لانعكاس حد الألم وهو لفظي.

ولقائل أن يقول : إذا صح الحد فليس لفظيا.

ومنها الإدراكات وهي غير العلم لإدراك التفرقة.

مسألة : الإبصار اتصال الشعاع بالمرئي عند بعضهم.

لنا : يشوشه الريح ، ولا يتصل بالسماء ولقائل أن ينقضه بشعاع النيرين.

وانطباع عند آخرين : لنا : فلا نرى الكبير والقرب والبعد ، ولا يرد على جاعله شرطا.

مسألة : ولا يجب عند شرائطه المعروفة ، خلافا للمعتزلة والفلاسفة.

لنا : نرى الكبير صغيرا لرؤية بعض أجزائه فقط ، وأيضا رؤية كل جزء ليست مشروطة بالأخرى وإلا لدار.

قالوا : فبحضرتنا جبال ، قلنا : معارض بالعاديات.

ولقائل أن يقول : جواز الشيء لا ينافي القطع بعدمه.

مسألة : وصول الهواء إلى الصماغ لا يعتبر في السمع ، خلافا للفلاسفة والنظام.

لنا : فلا نسمع من وراء جدار صلب لتغير الشكل ، ولا ندرك جهة كمجرد اللمس.

ولقائل أن يقول : لا يشرط بقاء الشكل ، والقياس على اللمس لا يجدي.

مسألة : الشم إما لتكيف الهواء المتصل بالخيشوم ، أو لانفصال أجزاء لطيفة ، أو تعلق فقط ، كالعلم وهو أضعفها.

٣١٧

وأحكامها أربعة :

لا تنقل اتفاقا ، وإلا فهي متحيزة واستدل : لو جردناها من غير اللوازم فإن لم تفتقر إلى محل وجب استغناؤها ، وإلا فلا إلى مبهم لعدمه فتمتنع مفارقته.

ورد : لا يجب أن تحل فقط ، واحتياج الشخص إلى النوعي لا يشخصه كالجسم إلى الحيز.

ولقائل أن يقول : احتياج الجسم إلى الحيز المبهم لا لوجوده.

لا يقوم بعضها ببعض ، خلافا للفلاسفة ومعمر. ـ لنا : ليس أولى من العكس.

ومحلها ليس عرضا وإلا عاد البحث.

قالوا : اللونية المشتركة تغاير السوادية المميزة ، وليست معدومة لعدم الواسطة فهي قائمة بها.

ولقائل أن يقول : قيام جزء بكل.

وأيضا الحلول ليس العرض والمحل لوجودهما دونه ولا عدميا لأنه نقيض اللاحلول ؛ فحلوله كالأول ويتسلسل.

قلنا : مر الجواب.

يمتنع بقاؤها عندنا وإلا فهو عرض قائم بها قيل ممنوع ؛ ولو سلم فيقوم مثله.

وأيضا لو جاز فعدمها ليس واجبا ، وإلا فالممكن ممتنع ؛ ولا جائزا وإلا فسببه إما وجودي موجب وهو جريان الضد المشروط بعدمه فيدور أو مختار ولا بدّ من أثر وجودي فليس إعداما أو عدمي وهو انتفاء شرطه الجوهر وهو باق والكلام في عدمه كالأول.

قيل : كما يمتنع في ثاني زمان ، ولو سلم فشرطه أعراض لا تبقى ولا يدفعه إلا الاستقراء.

قالوا : ممكنة لعينها في الأول فكذا في الثاني ، وإلا فالممتنع واجب ويلزم نفي الصانع.

قلنا : تمتنع لغيرها ثانيا.

وأحدها لا يحل في محلين ، ولا في الأكثر ، خلافا لأبي هاشم في الثاني والتأليف ، ولبعض الفلاسفة.

لنا : لو جاز أن يكون الحاصل هنا وهناك ، جاز حصول الجسم في مكانين.

ولقائل أن يقول : إنما الكلام في محلين صارا باجتماعهما واحدا.

وأيضا فما الفرق بين الاثنين وما عداها ؛ وإحالة صعوبة التفكيك على المختار

٣١٨

أولى وأمّا الأجسام فالنظر إما في مقوّماتها (١).

مسألة : أجزاء المركب حسا موجودة بالفعل ، والبسيط إما موجودة أو لا متناهية والأول مذهب جمهور المتكلمين ، والثاني مذهب النظام والثالث مردود والرابع مذهب الفلاسفة.

لنا وجوه :

النقطة وجودية للاتفاق ، وللماسة بها ولا تنقسم وإلا فليست طرفا ولأنها موضع ملاقاة الكرة للسطح ، فيلزم تضليعها ، وهي متحيزة أو محلها وإلا انقسمت بانقسامه.

ولقائل أن يقول : ليست من الأعراض السارية.

الحركة منها حاضر ، لأن الماضي ما كان حاضرا والمستقبل ما يكون ، ولا ينقسم وإلا فليس بحاضر ، فهي مركبة منه فكذا المسافة والزمان.

لو تركب مما لا يتناهى لامتنع قطعه بالحركة ، لا يقال : واحد بالفعل لأنا نقول : وحدة ما ينقسم ممتنعة لوجوه :

إنها إما نفس الذات ، أو من لوازمها فيمتنع افتراقهما : أو عرض فيقبل القسمة لقبول محلها ؛ فإن قامت بها أخرى تسلسل ، وإلا انقسمت فكذا المحل.

إن المائيّين الحاصلين بعد القسمة ليسا حادثين بالبديهة ، ولا أحدهما عين الثاني فكانا معا.

إن مقاطع الجسم متصفة بالمختلفات ، كالنصف والثلث فتتمايز الأجزاء.

قالوا : كل متحيز له جهتان ، فينقسم وأيضا لو ركب منها سطح فالمرئي من وجهيه غير الآخر ، وأيضا لو ركب خط من ستة منها ، وتحرك جزء من فوق أحد طرفيه وآخر من تحت الآخر ، تحاذيا في متصل الثالث والرابع فيماس بكل واحد من وجهيه وجه الآخر.

قلنا : تغاير الجهات لا يقتضي القسمة كالمركز.

ولقائل أن يقول : لم تتغاير جهتاه بل حاذى بجملته.

مسألة : زعم ابن سينا أن الجسم مركب من الهيولى والصورة ـ وهي معنى التحيز ـ لقبوله الانفصال والقابل باق ، فليس الاتصال ولا الجسم لعدمه.

قلنا : لم يعدم والاتصال الوحدة والانفصال التعدد وهو موردهما.

مسألة : زعم ضرار والنجار أن الجسم مركب من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة لنا : فتغاير التحيز لتغاير المشترك والمميز.

__________________

(١) انظر : الملل والنحل للشهرستاني (٢ / ١٢١) ، والمواقف للإيجي (٢ / ٥٠١ ، ٥٠٨ ، ٥٩٨).

٣١٩

ولقائل أن يقول : إن أريد أنها جواهر فلا يبطله وإلا فبالضرورة.

وأما في عوارضها :

مسألة : اختلف في حدوث الأجسام على أربعة مذاهب.

قول جمهور كل ملة أنها حادثة ذاتا وصفة.

قول أرسطو وأتباعه بالعكس ، وجسمية العناصر قديمة بالنوع ، وصور المركبات بالجنس.

قول قدماء الفلاسفة إنها قديمة ذاتا فقط.

واختلفوا فقيل : كانت جسما ؛ وقيل لا والأولون اختلفوا.

فقيل : الماء ؛ وقيل الهواء وما تحتهما بالتكاثف وما فوقهما بالتلطف والسماوات من الدخان ، قيل : النار ، وقيل : الأرض ، والآخر بالتكاثف أو بالتطلف وقيل : البخار والكثيفان بالتكاثف واللطيفان بالتلطف ؛ وقيل : الخليط وهي أجزاء صغيرة لا تتناهى من كل نوع ، وإذا تحركت ظن حدوثها وقيل : إذا اجتمعت بناء على الكمون والظهر وإنكار المزاج والاستحالة وقيل : أجزاء جسمانية كرية صلبة منقسمة وهما فقط متحركة دائما وتصادفت تصادفا مخصوصا فحصل العالم ومن حركة السماء الامتزاج.

وقيل : النور والظلمة والآخرون اختلفوا فقال الحرنانيون : الخمسة المتقدمة ، ولما علم البارئ ـ تعالى ـ أن النفس تتعلق بالهيولى تعشقها ، وتنسى نفسها وتطلب اللذة الجسمية ، ركبها كاملة ، وأفاض عليها عقلا يتذكر به عالمها ولذاته الخالية عن الألم ، فيشتاق إليه وتبقى في نهاية البهجة والسعادة ولم تبق شبهة ، لأن مخصص الوقت التعلق ، ولم يمكن زوال الشرور الباقية.

لا يقال : فلم تعلقت لأنا نقول للمتكلمين لأنها تفعل بالاختيار ؛ وللفلاسفة لها تصورات معد بعضها للآخر حتى تنتهي إلى تصور التعلق.

لا يقال علم البارئ الفساد ، فلم تركها لأنا نقول : علم أن الأصلح عدم التعلق من ذاتها بعلمها ، ولتكسب الفضائل.

وقيل : الأعداد المتولدة عن الوحدة لأن قوام المركب بالبسيط ، وليس وراء وحدته شيء ، وإلا فهو مركب وهي قائمة بنفسها وإلا فليست بمبدإ فإذا عرض لها الوضع صارت نقطة فإن اجتمعت صار هكذا خطا ، ثم سطحا ثم جسما.

لا يقوله عاقل وتوقف جالينوس.

لنا : لو كانت أزلية فإما متحركة ويبطل لوجهين :

إنه ينافي المسبوقية بالغير ، قالوا : الشخصية فقط ، قلنا : والنوعية لتركبها من

٣٢٠