نظريّة المعرفة

الشيخ حسن محمد مكي العاملي

نظريّة المعرفة

المؤلف:

الشيخ حسن محمد مكي العاملي


الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

الظاهري. كما أنّ العلم بأنّ لنا ألماً ، ولذة ، وجوعاً ، وعطشاً ، يدركه العقل بواسطة الحس الباطني ، وهذا هو المسمّى بالوجدانيات في علم النفس ، فالحاكم هو العقل بواسطة أحد الحسين. وعلى ذلك فالمراد من المشاهدة ، المشاهدة بالحس الظاهري أو الباطني.

٣. التجريبيات ، وهي موضوع البحث ، وسيوافيك توضيحها.

٤. ـ المتواترات ، وهي قضايا تسكن إليها النفس سكوناً يزول معه الشك ويحصل الجزم القاطع وذلك بواسطة إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ، كعلمنا بوجود البلدان النائية.

٥. الحدسيات ، وهي قضايا ، مبدأُ الحكم بها حدس قوي من النفس يزول معه الشك ويذعن الذهن بمضمونها ، مثل حكمنا بأن نور القمر مستفاد من الشمس ومنشأ هذا الحكم اختلاف تَشَكُّله عند اعتراض الأرض بينه والشمس.

٦. الفطريات ، وهي القضايا الّتي قياساتها معها ، أي إنّ العقل لا يصدق بها بمجرد تصوّر طرفَيْها كالأوليّات ، بل لا بُدّ له من وسيط ، إلّا أنّ هذا الوسيط ليس ممّا يذهب عن الذهن حتّى يحتاج إلى طلب فكر. فكلّما أُحضر المطلوب في الذهن ، حضر التصديق به ، لحضور الوسيط معه ، مثل حكمنا بأنّ الاثنين خُمْس العشرة ، فإنّ هذا حكمٌ بديهيٌّ ، إلّا أنّه معلوم بوسيط (١).

قال الحكيم السبزواري :

__________________

(١) إنّ حصر البديهيات في ستة ، حصر استقرائي ، وليس عقلياً دائراً بين النفي والإثبات وقد بيّن المحققون في كتب المنطق وجه حصرها في ستة ، لاحظ الحاشية على تهذيب المنطق ، للشيخ عبد الله اليزدي ، ص ١١١ ، ط جامعة المدرسين بقم. والجوهر النضيد ، ص ٢٠٠ ـ ٢٠٢. وقد أضاف إليها القاضي الإيجي قسماً سابعاً أسماه : «الوهميات في المحسوسات» ، قال : «نحو : كل جسم في جهة». (المواقف ، ص ٣٨). كما جعلها الغزالي سبعة ، قال : «جميع ما يتوهم كونه مَدْرَكاً لليقين والاعتقاد الجازم ينحصر في سبعة» ، ثمّ عَدّ : الأوليات ـ المشاهدات الباطنة ـ المحسوسات الظاهرة ـ التجربيات (وقد يعبر عنها باطراد العادات) ـ المتواترات ـ الوهميات ـ المشهورات. ولكنه قال في المشهورات إنّها قد تكون كاذبة فلا يجوز أن يعوّل عليها في مقدمات البرهان. (لاحظ المستصفى : ١ / ٤٤ ـ ٤٩).

٤١

إنّ ضرورياتِنا ، ستّ ، وَذِي

مرجع كلّ النظريات خُذِ

فإنْ ثلاثة التصور كَفَتْ

في حكمها ، فالأَوّلياتُ بَدَتْ

أَوْ لا ، فبالإحساس إمّا يَسْتَمِدّ

ظهراً وبطناً فالمشاهدات عُدّ

فَسَمِّ ما بالظَّهْرِ حسِّياتِ

وانسِبْ إلى الوجدانِ بظنياتِ

وإنْ يَنُط بغير حسٍّ فالوَسَطْ

إِن لم يَغِبْ عن دَرْكِ ذي الأطرافِ قَط

يُدْعى بفطريات ، أي قضايا

قياسها معها بلا خبايا

وإنْ يَغِبْ ، واستُعْمِلَ التجاربُ

فالتجربيّاتُ ، أو التخاطُبُ

عن فِرْقَة تواطؤُ الكذبِ امتنع

فالمتواتراتُ عند ذا تَقَعْ

ما بالقرائن فبالحدْسيِّ سِمْ

كجُلِّ ما في الفلكياتِ حُكِمْ (١)

ب ـ أقسام الكسبيات

إنّ العلم الكسبي ينقسم حسب التصور والتصديق إلى قسمين : كسبيٍّ تصوّري ، وهو الحدود والرسوم ، وكسبيٍّ تصديقي كالقياس والاستقراء والتمثيل ، وإليك فيما يلي بيان أقسامهما.

أقسام التصور الكسبي

كلُّ ما يفيد تصوراً لأمر ما ، لا يخلو إمّا أن يكون حدّاً أو رسماً.

والحد هو التعريف بالذاتي ، والرسم هو التعريف بالعَرَضي ، وينقسم كل منهما إلى تام وناقص.

فالحدّ التام ، هو التعريف بالفصل مع الجنس القريب.

والحدّ الناقص ، هو التعريف بالفصل القريب مع الجنس البعيد ، أو بالفصل وحده.

والرسم التام ، هو التعريف بالجنس والخاصّة.

__________________

(١) شرح المنظومة : ٨٨ ـ ٩٢

٤٢

والرسم الناقص ، هو التعريف بالخاصّة وحدها.

ولكن الأصل في التعريف هو الحد التام ، لأنّ المقصود من التعريف أمران :

أولهما : تصوّر المعرّف بحقيقته ، لتتكوّن له في النفس صورة تفصيلية واضحة.

وثانيهما : تميّزه في الذهن عن غيره تميّزاً تامّاً.

ولا يؤدَّى هذان الأمران إلّا بالحدّ التام ، وعند ما يتعذر الأمر الأول يُكتفى بالثاني.

نعم ، المعروف بين العلماء أنّ الاطّلاع على حقائق الأشياء وفصولها ، من الأُمور المتعذّرة ، وكلُّ ما يذكر من الفصول ، فإنّما هو خواص لازمة تكشف عن الفصول الحقيقية. وعلى ضوء هذا فالتعاريف الموجودة بين أيدينا أكثرها أو كلُّها رسوم تشبه الحدود(١).

ويسمّى الحدّ بالمعرِّف ، وتجب معرفة المعرِّف قبل المعرَّف ، وأن يكون المعرِّف غير المعرَّف (٢) وأجلى منه.

كما أنّه لا يعرَّف الشيء بما لا يعرف إلّا به بمرتبة أو أكثر (٣).

كما لا بُدّ أن يكون المعرِّف مساوياً للمعرَّف في العموم والخصوص ، ليحصل التمييز ، إذ لولاه لدخل فيه غير المعرَّف ، فلم يكن مانعاً ومطَّرداً ؛ أو خرج عنه بعض أفراده ، فلم يكن جامعاً ومنعكساً.

أقسام التصديق الكسبي

ينقسم التصديق الكسبي إلى قياس واستقراء وتمثيل ، وإليك بيانها إجمالاً :

__________________

(١) وسيأتي الكلام فيه عند البحث عن حدود المعرفة.

(٢) المراد هو الغيرية في المفهوم ولو بالإجمال والتفصيل ، كالحيوان الناطق بالنسبة إلى الإنسان.

(٣) لاستلزامه الدور.

٤٣

الاستدلال إمّا أن يكون بالكلي على الجزئي ، وهو القياس ، وعُرّف بأنّه قولٌ مؤلف من قضايا ، متى سلّمت ، لزم عنه ـ لذاته ـ (١) قولٌ آخر. كما إذا سلّمنا الصغرى : «العالم متغيّر» ، والكبرى : «كل متغيّر حادث» ، فإنّه يلزم عنه ـ لذاته ـ قول آخر وهو : «العالم حادث».

وإمّا بالجزئي على الكلّي ، وهو الاستقراء ، وهو إثبات الحكم الكلي ، لثبوته في جزئياته ، إمّا كلها فيفيد اليقين ، أو بعضِها ولا يفيد إلّا الظن ، لجواز أن يكون ما لم يستقرئ على خلاف ما استقرأ ، كما يقال : «كلُّ حيوان يحرّك عند المضغ فكّه الأسفل» ، لأنّ الإنسان والفرس وغيرهما ممّا نشاهده كذلك ، مع أنّ التمساح بخلافه.

وإمّا بالجزئي على الجزئي ، وهو التمثيل ، ويسمّيه الفقهاء قياساً ، وهو مشاركة أمر بأمر في علة الحكم (٢).

ونخص الكلام في المقام بالقياس ، فنقول :

إنّ القياس يتألف من هيئة ومادّة ، وقد بحث المنطقيون عن كل واحد منهما في فصول خاصة.

أمّا بالنسبة إلى الهيئة ، فينقسم إلى الأشكال الأربعة المعروفة. وذلك أنَّ الحدّ الأوسط، إمّا أن يكون محمولاً في الصغرى وموضوعاً في الكبرى ، أو يكون محمولاً فيهما ، أو موضوعاً فيهما ، أو موضوعاً في الصغرى محمولاً في الكبرى. فالأول هو الشكل الأول ، والثاني هو الثاني ، والثالث الثالث ، والرابع الرابع.

وأمّا بالنسبة إلى المادة ، فله أقسام خمسة :

١. البرهان ، وهو القياس المفيد تصديقاً جازماً ، وكان المطلوب حقّاً واقعاً.

__________________

(١). يخرج بهذا القيد قياس المساواة ، كقولنا : زيد يساوي عمراً في الطول ، وعمرو يساوي بكراً في الطول ، فالنتيجة أنّ زيداً يساوي عمراً في الطول ، فإن صدق النتيجة ليس لذات القياس ، بل لمقدمة خارجة عنه ، معلومة سابقاً وهي أنّ مساوي المساوي مساوٍ ، في الكميات.

(٢) سيأتي بيان كل من الاستقراء والتمثيل على حدة ، عند البحث عن أدوات المعرفة.

٤٤

٢. المغالطة ، وهي القياس المفيد تصديقاً جازماً ، وكان المعتبر فيه أن يكون المطلوب حقّاً ، ولكنه ليس بحقّ واقعاً.

٣. الجدل ، وهو ما يفيد تصديقاً جازماً ، ولكن لم يعتبر فيه أن يكون المطلوب حقّاً ، بل المعتبر فيه عموم الاعتراف أو التسليم ، والغرض منه إفحام الخصم وإلزامه.

٤. الخطابة ، وهي ما يفيد تصديقاً غير جازم ، والغرض منه إقناع جمهور الناس.

٥. الشعر ، وهو ما يفيد غير التصديق من التخيّل والتعجب ونحوهما. والغرض منه حصول الانفعالات النفسية.

ويسمّى البحث عن كل واحد من هذه المواد الخمس ، الصناعة. وقد تطلق الصناعة على القدرة على استعمال أحدها عند الحاجة ، فيقال : صناعة البرهان ، صناعة المغالطة ... والصناعة اصطلاحاً : ملكة نفسانية وقدرة مكتسبة يقتدر بها الإنسان على استعمال أُمور لغرض من الأغراض ، صادراً ذلك الاستعمال عن بصيرة ، بحسب الإمكان ، كصناعة الطب. ولذا مَنْ يغلط في أقيسته لا عن بصيرة ومعرفة بموقع الغلط ، لا يقال : عنده صناعة المغالطة ، بل مَنْ عنده الصناعة هو الّذي يعرف أنواع المغالطات ، ويميّز القياس الصحيح من غيره ، ويغالط في اقيسته عن عمد وبصيرة (١).

وجهة نظر أُخرى في أقسام الكسبيات

ما تقدم كان أقسام العلوم الكسبية من حيث التصور والتصديق ، ولكن

__________________

(١) إنّ هذا الفصل من أحسن بحوث علم المنطق ، وقد قصّر فيه المتأخرون. وأجود ما كتب في هذا الموضوع منطق التجريد للمحقق نصير الدين الطوسي وشرحه تلميذه العلّامة الحلّي في الجوهر النضيد ، من الفصل الرابع إلى الفصل التاسع. وأخيراً ما دبّجته يراعة الأُستاذ الفذّ الشيخ محمد رضا المظفر قدس‌سره ، في كتابه المنطق الّذي اغترف فيه من معين الأُصول المنطقية ، وهذّب كتب المتقدمين بأحسن عبارة. وقد فصّل الرازي الكلام في أقسام التصديقات في الجزء الأول من كتابه «المباحث المشرقية» : ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

٤٥

للإمام عبد القاهر البغدادي (٤٢٩ ه‍) تقسيم آخر ، من جهة أُخرى.

فقد قسّم العلوم النظرية إلى أربعة أقسام :

١. استدلال بالعقل من جهة القياس والنظر.

٢. معلوم من جهة التجارب.

٣. معلوم من جهة الشرع.

٤. معلوم من جهة الإلهام في بعض الناس.

ومثّل للقسم الأخير بالعلم بذوق الشعر وأوزان أبياته في بحوره ، قال : «وقد يعلم هذا الوزن أعرابي ، ويذهب عن معرفته حكيم يعرف قوانين أكثر العلوم النظرية. وقد احتال أهل العروض في استنباط أُصول عرفوا بها أوزان بحور الشعر ، غير أنّ الشعر قد طبع على ذوق من لم يعرف العروض ولا القياس في بابه ، وما ذاك إلّا تخصيص من الله تعالى له به. وكذلك العلم بصناعة الألحان ، غير مستنبط بالقياس ولا مُدْرَك بالضرورة الّتي يشترك فيها العقلاء ، ولكنها من الخصائص الّتي يعلمها قوم دون قوم» (١).

يلاحظ عليه

أوّلاً ـ إنّ التجارب داخلة في الاستدلال العقلي ، لما سيوافيك من أنّ التجربة وحدها لا تفيد اليقين ، ما لم ينضمّ إليها حكم عقلي. ولعلّ عدّها قسيماً للاستدلال بالعقل هو لتخصيص الأوّل بالتفكر المحض ، وما ليس فيه ممارسة للتجربة.

وثانياً ـ إنّ العلم بأوزان بحور الشعر والألحان ليس من قسم الإلهام المصطلح ، بل هو من المواهب الفطرية المودعة في خلقة الإنسان.

* * *

__________________

(١) أصول الدين للبغدادي : ١٥.

٤٦

٣ ـ انقسام العلم إلى فعلي وانفعالي

العلم قد يكون فعلياً ، وقد يكون انفعالياً ، ولكل منهما تفسيران :

التفسير الأول ، للمتكلمين : العلم يكون فعلياً إذا كانت الصورة الذهنية متقدمة على الوجود الخارجي للمعقول. كارتسام شكل البيت في خيال المهندس فإنّ ذلك التصوّر يصير مبدأً لحصول المتصوَّر في الخارج. وعلى ضوء ذلك فجميع الأفعال الحيوانية والإنسانية الصادرة بعد التصور ، والتصديق بفائدتها ، من هذا القبيل.

وأمّا إذا كان وجود المعلوم متقدِّماً على وجود العلم ، مثل مَنْ نظر إلى البناء ، وتصوَّر عنه صورة ، فهذا هو العلم الانفعالي.

وقالوا : إنّ العلم الفعلي أفضل من العلم الانفعالي ، كيف لا ، ونحن نعلم أنّ علم امرئ القيس بقصيدته ، أشرف وأكمل من علم من تعلّمها منه (١).

التفسير الثاني ، للحكماء ، وهو أنّ العلم الفعلي ما يكون بنفسه علةً تامّةً لوجود المعلوم في الخارج ، من دون حاجة إلى توسيط الآلات والأدوات. كالإنسان الواقف على شاهق ، حيث يتصور السقوط ، فيسقط فوراً. وبذلك يفترق عن العلم الفعلي للمتكلمين ، فإنّ الصورة المرتسمة في ذهن المهندس قبل الاشتغال بالبناء ، ليست علّة لإيجاده ، وإنّما هي من أجزاء علّته ، فتصوره لا يؤثّر في إيجاد ذلك المتصوَّر إلّا بواسطة الآلات والأدوات.

ويقابله العلم الانفعالي ، وهو ما لا يكون علة تامة لوجود المعلوم. وأكثر العلوم البشرية من هذا القبيل. وعلى ضوء هذا ، فالصور الذهنية للمهندس من العلوم الانفعالية.

يقول الحكيم السَّبْزَواري في أصناف الفاعل :

وَبِتَوَهُّمٍ لِسَقْطَةٍ ، على

جذعٍ ، عنايةً ، سقوطٌ فُعِلا (٢)

__________________

(١) المباحث المشرقية : ١ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

(٢) شرح المنظومة لناظمها : ١١٧

٤٧

وقال في شرحه : فإنّ هذا العلم التوهمي بمجرّده ، ومحضِ تخيُّل السقوط بلا رَوِيَّةٍ وتصديقٍ بغايةٍ ، منشأٌ للفعل الّذي هو السقوط.

* * *

٤ ـ انقسام العلم إلى حصولي وحضوري

إذا كانت حقيقة العلم هي حضور المعلوم لدى العالم ، فهو ينقسم إلى قسمين ، قسمةً حاصرةً ، لأنّ حضور المعلوم للعالم إمّا بماهيته ، وإمّا بنفس وجوده. فالأوّل هو العلم الحصولي والثاني هو العلم الحضوري.

وبعبارة أُخرى : إمّا أن تحضر الأشياء لدى العالم بماهيّاتها بعينها ، لا بوجوداتها الخارجية الّتي تترتب عليها آثارها الخارجية ، فهذا هو العلم الحصولي. وإمّا أن تحضر بنفس وجودها ، من دون أن يتوسط بين العالم والمعلوم صورة ، وهذا هو العلم الحضوري.

والأول لا يحتاج إلى تمثيل ، فإنّ غالبية علومنا ، علوم حصولية.

والثاني ، كعلم أحدنا بذاته ، الّذي يشير إليه ب «أنا». وليس علمنا هذا ، بحضور ماهية ذاتنا ومفهومها عندنا ، لأنّ المفهوم الحاضر في الذهن ، كيفما فُرض ، لا يأبى ـ بالنظر إلى نفسه ـ الصدق على كثيرين ، وإنّما يتشخَّص بالوجود الخارجي. وأمّا الّذي نشاهده من أنفسنا ، ونعبّر عنه ب «أنا» ، فهو أمر شخصي بذاته ، غير قابل للشركة بين كثيرين ، فعلمنا بذاتنا ، إنّما هو بحضورها لدينا ، بوجودها الخارجيّ الّذي هو عين وجودنا الشخصي المترتب عليه الآثار.

وبما أنّا قد بسطنا الكلام في تفسير العلم الحصولي والحضوري عند البحث عن تعريف العلم ، فنكتفي بهذا القدر من التفصيل.

* * *

٥ ـ انقسام العلم إلى كلّي وجزئي

ينقسم العلم الحصولي إلى كلّي وجزئي.

٤٨

والكلي هو ما لا يمتنع العقل من فرض صدقه على كثيرين. كالعلم بالإنسان المعقول ، حيث يجوّز العقل صدقه على كثيرين في الخارج.

والجزئي هو ما يمتنع العقل من تجويز صدقه على كثيرين ، كالعلم بهذا الإنسان ، الحاصل بنوع من الاتصال بمادته الحاضرة ، ويسمى علماً حسياً وإحساسياً. وكالعلم بالإنسان من غير حضور مادته ، ويسمّى علماً خيالياً. وعَدُّ هذين المثالين من العلم الجزئي إنّما هو من جهة اتصال أدوات الحسّ بمادة المعلوم الخارجي في العلم الحسِّي ، وتوقّف العلم الخيالي على سبق العلم الحسِّي ، وإلّا فالصورة العلمية ، سواء أكانت حسّية أم خيالية أم غيرهما ، لا تأبى ـ بالنظر إلى ذاتها ـ من الصدق على كثيرين.

* * *

٦ ـ انقسام العلم إلى تفصيلي وإجمالي

إذا وقف الإنسان على أشياء مختلفة ، بصورة متمايزة ، منفصل بعضها عن بعض ، كعلمه بأنّ هذه شجرة ، وهذا جبل ، وهذه سحابة ، فالعلم تفصيلي.

وأمّا إذا وقف على أشياء مختلفة ، بصورة واحدة بسيطة ، لا انفصال فيها ولا تمايز ، ولكن إذا سئل عنها أجاب عنها بإحكام وإتقان ، فيسمى علماً إجمالياً. وهذا كملكات العلوم ، فإنّها حالات بسيطة ، لكنها خلّاقة للتفاصيل. فالأديب له ملكة بسيطة للإجابة عن المسائل الأدبية ، فإذا سئل عن تلك المسائل ، مترتباً متعاقباً ، أَحْضَر الأجوبة بصورة مفصّلة. فهذه الصور التفصيلية علم تفصيلي ، والحالة البسيطة الحاصلة قبل إلقاء الأسئلة والإجابة عنها ، علم إجمالي.

* * *

٧ ـ انقسام العلم إلى علمي وعملي

إنّ العلوم الّتي ينالها الإنسان تنقسم إلى قسمين :

١. أفكار علمية بحتة ، تعطي النفس كمالاً ، من دون أن تؤدّي إلى العمل بها. وهذا كعلمنا بالواجب وصفاته وأفعاله ، وكعلمنا بما في الكون من أجرام

٤٩

ومجرَات ، وما يسودها من سنن ونُظُم ، فكلها معارف علمية صرفة ، ليس من شأنها أن يعمل بها.

٢. أفكار ينالها الذهن ، ليعمل بها الإنسان بمحض إرادته. وهذا كعلمنا بأنّ العدل بين الرعية واجب ، أو حفظ النظام لازم ، أو الإنفاق على الزوجة لازم ، أو الإحسان إلى اليتامى والمُعْدَمين لازم ، وغير ذلك من مباحث الحكمة العملية في مجالات الأخلاق أولاً ، وتدبير المنزل ثانياً ، وسياسة المدن ثالثاً.

وعلى كل تقدير ، فالمعرفة ، علمية كانت أم عملية ، معرفة ذهنية ، لا أكثر ، غاية الأمر أنّ الثانية من شأنها أن يُعمل بها وتؤدَّى في الخارج ، دون الأولى.

والمُدْرِك للمعارف الأولى هو العقل النظري ، كما أنّ المدرِك للثانية هو العقل العملي. وهذا لا يروم إلى أنّ للإنسان عقلين مختلفين ، ومُدْرِكين متباينين ، بل ليس هناك سوى عقل واحد ، يدرك قضايا مختلفة ، من شأن بعضها أن يطبّق في الحياة ، وهي العملية ، دون بعضها الآخر الّتي هي النظرية.

* * *

٨ ـ انقسام العلم إلى حقيقي واعتباري

إنّ المفاهيم الواقعة في إطار التعقُّل والتصوُّر ، تنقسم ـ حسب محكيِّها ـ إلى أقسام :

١. ما يكون وجوده في نفسه ، ولنفسه ، وبنفسه. ويراد منه ما يكون له مفهوم مستقل ، غير ناعت للغير ، ولا قائم به ، وهو واجب الوجود.

٢. ما يكون وجوده في نفسه ، ولنفسه ، ولكن بغيره. وهو الجواهر ، كالإنسان ، فإنّ لها مفهوماً مستقلاً (في نفسه) ، غير ناعت لشيء (لنفسه) ولكن بحكم أنّها موجودات إمكانية ، تكون قائمة بالغير (بغيره وهو علته).

٣. ما يكون وجوده في نفسه ، ولكن لغيره ، وبغيره. وهو الأعرا٠٦٣٦ؤؤ ؤر ، كالبياض والسواد ، فإنّ لها مفاهيم مستقلة (في نفسه) ، ولكنها حسب الوجود

٥٠

ناعتة للغير (لغيره وهو موضوعه) : فالبياض عرض ، والأبيض هو الجوهر الّذي صار البياض ناعتاً له ؛ وبحكم أنّها موجودات إمكانية ، فهي قائمة بالغير (بغيره وهو علته).

٤. ما يكون وجوده في غيره ولغيره وبغيره. وهو ما لا يكون له مفهوم مستقل ، بل لا يتصوّر إلّا في ضمن الغير ، فإذا كان كذلك فأوْلى أن لا يكون في نفسه وبنفسه. وهذا كالمعاني الحرفية ، فإنّك إذا قلت : الماء في الإناء ، فالماء والإناء لهما مفهوماهما المستقلان ، ولكن المفهوم من لفظة «في» ، معنىً مُنْدَكٌّ وفانٍ في الطرفين ، فلا يمكن تصوُّره منفكّاً عن الماء والإناء ، ولذلك تُعَدُّ المعاني الحرفية أدنى مراتب الوجود.

وإلى هذه المراتب الوجودية الثلاث يشير الحكيم السبزواري بقوله :

إنَّ الوجودَ رابطٌ ورابطيّ

ثَمَّتَ نَفْسيٌّ فهاكَ واضبِطِ (١)

لأنّه في نفسه أَوْ لا ،

وما في نفسه إما لنفسه سِما

أو غَيْرِهِ ، والحَقُّ نحوُ أَيْسِهِ (٢)

في نفسهِ ، لِنَفْسِهِ ، بِنَفْسِهِ (٣)

وهناك قسم خامس يُعَبَّر عنه ب «الانتزاعيات» ، وهو أشبه ما يكون بالمعاني الحرفية ، ولكنه ليس منها. وهو عبارة عن المفاهيم الّتي ليس لها مصداق في الخارج ، ولكن الإنسان ينتقل إليها من تصور الخارج باعتبار اشتماله على حيثية واقعية قائمة بالموضوع ، وذلك كالفوقية والتحتيّة ، فإنهما وإن لم يكن لهما مصداق في الخارج ، بل الخارج متمحض في كونه مصداقاً لما هو فوق أو تحت ، ولكن هذا المصداق الخارجي ، باعتبار اشتماله على حيثية وجودية هي كونه مستعلياً على ما تحته ، يُنتزع منه مفهوم الفوقية ، أو كونه أسفل ما فوقه ، فينتزع منه مفهوم التحتية.

__________________

(١) «الرابط» هو المفاهيم الحرفية. و «الرابطي» اصطلاحٌ في الأعراض. و «النفسي» يطلق على الموجود لنفسه ، سواء أكان بنفسه أيضاً كالواجب ، او بغيره كالجواهر

(٢) أي نحو وجوده ، فإن «أيس» بمعنى الوجود ، في مقابل «ليس» بمعنى العدم.

(٣) المنظومة : ٦١ ـ ٦٢.

٥١

فهذه المراتب الخمس ، هي مراتب الوجود الحقيقي ، على اختلاف درجاته ، والمعرفة المتعلقة بها «معرفة حقيقيّة».

ويقابلها «المعرفة الاعتبارية» ، فإنّها عبارة عن العلم بما ليس له في الخارج وجود ولا منشأ انتزاع ، بل مآلها إلى استعارة المفاهيم النفس الأمرية الحقيقية ، بحدودها ، لأنواع الأعمال ، الّتي هي الحركات المختلفة ومتعلقاتها ، للحصول على غايات حيوية.

كاعتبار الرئاسة لرئيس القوم ، ليكون من الجماعة بمنزلة الرأس من البدن ، في تدبير أُموره وهداية أعضائه إلى واجب العمل.

واعتبار المالكية لزيد ـ مثلاً ـ بالنسبة إلى ما حازه من المال ليكون له الاختصاص بالتصرف فيه كيف شاء ، كما هو شأن المالك الحقيقي في ملكه ، كالنفس الإنسانية المالكة لقواها.

واعتبار الزوجية بين الرجل والمرأة ، ليشترك الزوجان فيما يترتب على المجموع ، كما هو الشأن في الزوج العددي.

هذا ، وإنّ للبحث عن الاعتباريات وأقسامها (١) وحدودها دور كبير في الفلسفة الإسلامية ، غفل عنه الغربيون ، ولم ينبسوا فيه ببنت شفة. ومِنْ أحسن ما كتب فيه ، ما ألّفه السيد الأستاذ العلّامة محمد حسين الطباطبائي رحمه‌الله ، فقد كتب في «أصول الفلسفة» بحثاً عميقاً تحت عنوان «الحقائق والاعتباريات».

وقد كان خلط الحقائق بالاعتباريات سبباً لكثير من المشكلات العلمية في

__________________

(١) تنقسم الاعتباريات إلى اعتباريات اجتماعيّة عليها تدور رحى الحياة ، كالزوجية والمالكية بأسبابها المختلفة ، واعتباريات إنشائية ، كالبعث والزجر والتمني والترجي والاستفهام ، فإنّها مفاهيم اعتبارية ينشئها الذهن بآرائه الخاصة. فالبعث ـ مثلاً ـ على قسمين : بعث تكويني إلى الفعل ، كأن تجر المأمور بيدك إلى المقصود ، وبعث اعتباري كما إذا أشرت إليه بحاجبك أو إصبعك أو قلت له : اذهب وافعل كذا ، فإن هاهنا بعثاً ، لا حقيقة بل اعتباراً. وقد أوضحنا ذلك في أبحاث الاستاذ ـ دام ظلّه ـ الأُصولية.

٥٢

العلوم الاعتبارية ، غافلين عن أنّ الاعتباريات لا تتجاوز حدّ الاعتبار وتصوير الذهن ، فلا معنى لإجراء أحكام الحقائق عليها : فلا يتصوّر فيها الدور ، ولا التسلسل ، ولا أحكام العلة والمعلول ، لأنّها من أحكام الحقائق لا الاعتباريات (١).

__________________

(١) قد تبع الأستاذ ـ دام ظله ـ في هذا التقسيم السادس للعلم ، الشيخ المحقّق الأصفهاني رحمه‌الله في حاشيته على «المتاجر» عند البحث عن تعريف البيع. وللعلامة الطباطبائي رحمه‌الله في تقسيم العلم إلى الحقيقي والاعتباري بياناً آخر ، من أراده فليرجع إلى نهاية الحكمة : ٢٥٦ ، ط جامعة المدرسين.

٥٣
٥٤

الفصل الثالث

قيمة المعرفة

٥٥
٥٦

الفصل الثالث

قيمة المعرفة

منذ أن أطل الإنسان على العالم بنظره ، عاين الأشياء ، فعلم بعلمٍ بسيط لا يعتريه شك ولا يشوبه ريب أنّ الفضاء مملوء بموجودات هائلة ، والأرضَ تحتوي على كائنات لا تُحصى ، هو أحدها. كما علم بعلم فطري أنّ في الكون ديّاراً سوى ما يراه ، وأنّ في صحيفة الوجود موجودات غيرها ، وأنّ وراء نفسه وتصوراتها حقائق واقعية ثابتة ؛ لم يَرْتَبْ في ذلك أبداً.

وكل واحد منّا إذا رجع القهقرى إلى أُوليات حياته ، يقف على أنّه ما عرف يمينه من يساره إلّا وقد أدرك قبل عرفانه هذا ، أنّ وراء وجوده وتصوراته عالماً مشحوناً بالموجودات ، وأنّه في هذا العالم مبدأ لأفعال تصدر عنه باختياره ، فهو يأكل إذا جاع ، ويشرب اذا ظمئ ، ويكتسي إذا عري ، ويستريح إذا تعب ...

إنّ الاعتراف بأنّ وراء ذهن الإنسان وذهنياته حقائق ووقائع تحكي عنها علومهُ وإدراكاته ، ليس بمعنى تصويب عامة آرائه وأفكاره ، بل المراد التصديق الإجمالي بأنّها تكشف عن واقعيات ، لأنّه كما يكون مصيباً في بعض إدراكاته ، قد يخطئ في بعض آخر منها.

هذا ما عليه جل البشر. إلّا أنّ هناك شرذمة قليلين خالفوا الرأي العام في هذا المجال ، وهم بين منكرٍ للواقعيات والحقائق ، قائلٍ بأنّ الصور الذهنية ليست إلّا خيالاً في خيال ولا تكشف عن شيء وراءها أبداً. ومسلّم بالحقائق

٥٧

والواقعيات ولكنه شاكّ في صحة انطباق ما ندركه عليها ، غير مذعن بأنّ لهذه الصور إمكانية الكشف عمّا وراءها. وهاتان الطائفتان تقابلان المنهج الثالث الّذي عليه عقلاء البشر.

وبعبارة أُخرى : إنّ هاهنا مسألتين ، مسألة وجود واقعٍ موضوعي للإدراكات والإحساسات ، والأخرى مسألة مطابقة ما يبدو لنا في إدراكنا وحواسنا لذاك الواقع. فهناك من ينكر المسألة الأولى ، وهناك من يقبلها ولكنه يشك في مطابقة ما يبدو في إدراكنا وحواسنا لما هو الواقع.

فالمذاهب ـ إذن ـ في تقييم المعرفة ، ثلاثة :

الأوّل ـ منهج الإنكار.

الثاني ـ منهج الشك.

الثالث ـ منهج الجزم واليقين.

وفيما يأتي نبحث في هذه المناهج ، الواحدة تلو الأُخرى.

٥٨

مناهج تقييم المعرفة

(١)

منهج الإنكار (١)

إنّ تاريخ الفلسفة اليونانية يحكي عن ظهور جماعة في القرن الخامس قبل الميلاد ، يدّعون أنّهم من أهل الفضل والعلم ، كانوا ينكرون المحسوسات والبديهيات ، ويَعُدّون صحيفة الوجود خيالاً في خيال ، ولا يعترفون بشيء من الواقعيات ، وغاية ما كانوا يعترفون به بعد البحث والجدال ، هو وجودهم وذهنهم وذهنياتهم. وهؤلاء عُرفوا في تاريخ الفلسفة بالسوفسطائيين (٢).

وممّا ينقضي منه العجب ، أنّ الجدل ربما كان يجرهم إلى إنكار وجود أنفسهم أيضاً ، ومع ذلك كله كانوا يعيشون كسائر الناس الذين لا يشكون في الحقائق ، بلا اختلاف بينهم في المعيشة والسلوك. فلم يُشاهد من المنكرين ، الضحكُ في مقام البكاء ، ولا النوم عند الجوع ، ولا السكوت في موضع التكلم. وذلك يعرب عن أنّهم كانوا يتفوهون بما ليس في قلوبهم ، ويقولون بما يضاد ما توحيه إليهم فطرتهم ، وهو أنّه لا يسدّ جوع الإنسان خيال الأكل إذا جاع ، ولا يرويه تصوُّر الماء إذا ظمئ ، ولا يكسوه خيال الثوب إذا عري ، ولا يريحه تفكير الراحة إذا تعب.

__________________

(١)MSIHPOS.

(٢) لم يتعرض الأستاذ ـ دام ظلّه ـ إلى شخصيات السوفسطائيين ، ولا إلى آرائهم العملية ، ولذا نستدرك ذلك في ملحق خاص آخر الكتاب ، فراجعه.

٥٩

بواعث الإنكار

فلا بد ـ في ضوء ذلك ـ من البحث عن الحافز أو الحوافز الّتي جرّتهم إلى تبني هذه الفكرة الساقطة. ولعلّ الّذي دعاهم إلى تبنيها أحد الأمرين التاليين أو كلاهما.

الأوّل ـ ظهور الآراء المتشتتة في الأبحاث الفلسفية فيما يتعلق ببدء العالم ونهايته ، وموجده ، وغرضه وغير ذلك ممّا تضاربت فيه الآراء. ورأوا أنّ كل طائفة تخطّئ الأُخرى وتردّ براهينها ، والتشاجر والتنازع فيما بينها قائم على قدم وساق ، فلا ينقطع البحث ولا يصل إلى غاية.

فهذا البسط والعمق من جانب ، وبساطة أفكار القوم في تمييز الصحيح من الآراء عن الزائف منها ، من جانب آخر ، جعلهم حيارى ، وعقولهم صرعى ، فلجئوا إلى مسلك آخر ، وهو مسلك السفسطة بأقسامها.

الثاني ـ ظهور فنّ الخطابة في تلك الأدوار ، وهذا الفن يبتني على ذوقيات وتحليلات يستحسنها البسطاء ، حيث يجدونها ملائمة لبعض قواهم. وكان للخطابة تأثيرٌ واسعٌ في تلك الحقبة ، فاستخدمها رجال السياسة لبيان أهدافهم السياسية في إجراء الإصلاحات ، أو إشعال الثورات ، أو إخمادها. بل كان المحامون في المحاكم القضائية يستخدمونها في الدفاع عن موكليهم. فلأجل ذلك دوّنوا لها أصولاً وقواعد ، وصارت فنّاً مستقلاً.

فلما كان القوم يرون أن رجال السياسة قد يتبنون موقفاً اليوم ، وآخر غداً ، ورأوا أنّ كل محام يتبنى شتى ما ينتفع به موكله ويبطل ما يدّعيه خصمه ، بل ربما لجأ محامٍ واحد إلى الدفاع عن المتخاصمين جميعاً ، كل ذلك صار سبباً لتشكيك القوم في ثبوت واقعية وراء التفكير الإنساني ، إذ رأوا أنّ الحقائق مَلْعَبَةُ الأفكار والآراء.

وظل القوم تائهين في ضلالتهم ، يسوقون العامة إلى حضيض الجهل والظلمة ، إلى أن نهض الفطاحل من الأغارقة الأقدمين كسقراط وأفلاطون وأرسطو ، فكافحوهم ، وبددوا شملهم ، وحلّوا عقدهم وشبهاتهم ، وأوضحوا

٦٠