الإصباح على المصباح في معرفة الملك الفتاح

ابراهيم بن محمد بن أحمد المؤيدي

الإصباح على المصباح في معرفة الملك الفتاح

المؤلف:

ابراهيم بن محمد بن أحمد المؤيدي


المحقق: عبدالرحمن بن حسين شايم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٣

وقال (م بالله) (١) والإمام (٢) عز الدين (٣) وغيرهما من الآل : يجوز حصول العلم ضرورة لبعض الأنبياء ونحوهم ، ولعل من ذلك ما وقع لعيسى ـ عليه‌السلام ـ حيث قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) [مريم : ٣٠] وهو في تلك الحال ليس من أهل النظر

__________________

منصور ، ثم جال في البلدان وآل أمره إلى الرس إلى أن توفي سنة ٢٤٢ ه‍ وفي اللآلي سنة ٢٤٦ ه‍ ، وهو الصحيح ؛ لأن الهادي ولد قبل موته بسنة ، وولادة الهادي ـ عليه‌السلام ـ سنة ٢٤٥ ه‍ ، مؤلفاته ـ عليه‌السلام ـ : كثيرة شهيرة ، ومعظمها في أصول الدين ، عسى الله أن يسهل نشرها ، وقد نشر محمد عمارة بعض رسائله في رسائل العدل والتوحيد.

(٢) الهادي : هو الإمام المجدد للدين أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ ، ولد سنة ٢٤٥ ه‍. انتشر فضله وظهر علمه وطار صيته ، خرج إلى اليمن مرتين ، وكان في جهاد واجتهاد طول حياته ، له المؤلفات العديدة التي عم نفعها ، وهو مؤسس المذهب الهادوي الزيدي ، وجعلت كتبه وأقواله أصولا يشرحها العلماء ويخرجون عليها الأحكام ، توفي ـ عليه‌السلام ـ لعشر بقين من ذي الحجة سنة ٢٩٨ ه‍.

(١) هو أبو الحسين : الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون بن محمد الحسني الأملي ، كان بحرا لا ينزف ، قال في الطبقات : برّز في علم النحو واللغة وأحاط بعلوم القرآن والشعر ، وأنواع الفصاحة مع المعرفة التامة بعلم الحديث وعلله ، والجرح والتعديل ، وهو إمام علم الكلام وإمام أئمة الفقه ، وبالجملة فلم يبق علم من علوم الدنيا والدين إلا ضرب فيه بنصيب ، روى عن أبي العباس وقاضي القضاة وغيرهما ، وعنه السيد مانكديم ، والموفق بالله ، والقاضي يوسف وغيرهم ، ومن مصنفاته : شرح التجريد والبلغة والهوسميات والإفادة والزيادات والتفريعات في الفقه ، والتبصرة كتاب لطيف وكتاب إثبات النبوة ، وتعليق على شرح السيد مانكديم ، وإعجاز القرآن في الكلام ، والأمالي الصغرى ، وسياسة المريدين ، ولد بآمل طبرستان سنة ٣٣٣ ه‍ وبويع له بالخلافة سنة ٣٨٠ ه‍ وتوفي يوم عرفة سنة ٤١١ ه‍ وصلى عليه السيد مانكديم ، ودفن بلنجا ، وهي قرية متفرعة من عباس أباد.

(٢) هو الإمام عز الدين بن الحسن ، ولد في ٩ / ١٠ / ٨٤٥ ه‍ تقريبا ، ودعى في ٨٨٠ ه‍ ، ونفذت أحكامه في مكة وما والاها ، ومن مؤلفاته : المعراج على المنهاج ، وشرح على البحر بلغ فيه إلى الحج ، ومختصر في النحو وغيرها.

(٣) لفظ المعراج للإمام عز الدين ـ عليه‌السلام ـ بعد أن ساق أدلة الجمهور ، وأدلة الجمهور كما ترى من عدم القوّة ، فالأولى أن يحكم بأنه لا مانع من حصول العلم الضروري للأنبياء والأولياء ، ولا دليل على ثبوته لهم ، وهذا هو تحصيل مذهب السيد م بالله ، فإن الذي يحكي عنه أصحابنا جواز ذلك ، وهو الصحيح ، فأما الإمام (ي) فظاهر كلامه القطع بحصول ذلك لهم ، ولا دليل عليه ، وقد ذكر ابن متويه أن القول بأن المعرفة ضرورية في حق بعض المكلفين دون بعض خرق للإجماع ، فإنه منعقد على استواء حالهم في ذلك ، فمن قائل بأنها ضرورية في حق الجميع ، ومن قائل بأنها استدلالية مطلقا ، وإحداث قول ثالث خرق للإجماع ، وفيه نظر ، والصحيح : أن القول الثالث في مثل هذه الصورة لا يعد مصادما للإجماع لو سلمنا تقدم الإطباق على الإطلاقين قبله. تمت.

٢١

قطعا ، وبهذا جزم الإمام (ي) ـ عليه‌السلام ـ (١) فلا يجب النظر على هؤلاء ، وكذا لا يجب النظر عند من قال بجواز التقليد (٢) في الأصول كأبي (٣) القاسم (٤) وأبي إسحاق بن عياش (٥) وغيرهما ، ولا يجوز عند من قال إن النظر يؤدي إلى الشك والحيرة ، وكذا لا يجب عند أهل التكافؤ القائلين بأن الأدلة متكافئة ، وعند أهل السمع القائلين بأنه لا طريق إلى العلوم الدينية إلا السمع ، وأهل الظن وأهل البدعة القائلين بأن الإسلام لم يرد إلا بالسيف وأن النظر بدعة.

__________________

(١) هو الإمام المجاهد : يحيى بن حمزة بن علي الهاشمي الحسيني الموسوي ، جبل العلم ، وطراز الفضل وواحد علماء اليمن ، قال الجنداري في عده لكتب الإمام يحيى : كم نصر بانتصاره العلماء ، واعتمد على عمدته الفقهاء ، وشمل بشامله فنون الكلام ، وصان بتحقيقه علماء الإسلام ، وحوى بحاويه دقائق الأصول ، وعبر بمعياره حقائق المعقول ، وأزهر بأزهاره حدائق الكافية ، وحمل بمنهاجه الجمل الوافية ، وحصر بالحاصر ما جمعه في مقدمته طاهر ، ووشح بالمحصل ما أبهمه صاحب المفصل ، وطرز بالطراز علم الإعجاز ، وسهل بالإيجاز إلى علم البيان المجاز ، وأيد بالمعالم الدينية مذاهب الفئة العدلية ، وأوضح بالنهاية طرق الهداية ، ووزن بالقسطاس أقدار العلماء من الناس ، وأغنى بالاقتصار طالب النحو عن الاكتثار ، وصفى بالتصفية من الموانع المردية قلوبا كانت قاسية ، ونور بأنواره المضيئة طرق الأربعين السيلقية ، وكشف بسفره الوضي دقائق كلام الوصي ، وأزاح بعقد اللآلي ما زخرفه في حل السماع الغزالي ، وقطع بالقاطع للتمويه ما يرد على الحكمة والتنزيه.

مولده ـ عليه‌السلام ـ : بحوث في صفر سنة ٦٦٧ ه‍ وقام ودعا سنة ٧٢٩ ، وتوفي بحصن هران سنة ٧٤٩ ه‍ ، من مشايخه محمد بن عبد الله بن خليفة مصنف الجوهرة وغيره ، وأخذ عنه أحمد بن سليمان الأوزري محدث اليمن ، والفقيه حسن النحوي سمع عليه الانتصار كاملا ، وهو في ثمانية عشر مجلدا ، وقد اختصره الإمام المهدي ـ عليه‌السلام ـ في البحر الزخار ، وهو الآن قيد التحقيق والطبع ، قبره في ذمار مشهور مزور ، انتهى.

(٢) قال الإمام عز الدين ـ عليه‌السلام ـ في المعراج : قال الحاكم في شرح العيون : قال أبو هاشم : المقلد يستحق عقوبتين : أحدهما : لكونه أقدم على ما لا يأمن كونه جهلا ، والثانية : على ترك النظر ، وكل واحدة من المعصيتين كبيرة.

(٣) قال في المعراج : تنبيه : قال في المحيط : إن أبا القاسم أراد بما يذهب إليه في التقليد أن المعارف الجملية كافية ، وإن لم يتمكن من تحرير الأدلة والحجاج ، بل إذا حصل له العلم على الجملة كفى ، وهو أن يعلم أن للعالم محدثا ، وأن من صح منه الفعل فهو قادر ونحو ذلك. إلخ كلام الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، تمت.

(٤) هو : أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي ، من معتزلة بغداد ومن الطبقة الثامنة ، وكان فاضلا قائما بجميع العلوم ، ولد ببلخ ، وتوفي سنة ٣١٩ ، وقيل : سنة ٣٢٢.

(٥) إبراهيم بن عياش النصيني البصري المعتزلي ، قال في المنية والأمل : كان من الورع والزهد والعلم على حد عظيم ، وهو من الطبقة العاشرة من المعتزلة ، وله كتاب في إمامة الحسنين ، وكتب أخرى حسان ، وهو أحد الذين تتلمذ عليهم القاضي عبد الجبار.

٢٢

وإنما قال : من سبق بوجوبه عقلا لأمرين : أحدهما : أنه (المؤدي) أي الموصل (إلى معرفة الله وهي) أي معرفة الله الإجمالية (واجبة) عقلا على كل مكلف من غير شرط ، وذلك لأجل القيام بواجب شكره تعالى على ما أنعم ، وشكره واجب عقلا ، إذ شكر المنعم مركوز في العقول حسن القيام به ووجوبه ، وجهل المنعم بكل وجه يستلزم الإخلال بشكره على المنافع الواصلة إلينا (ولا طريق للمكلفين إليها سواه) أي النظر ، لامتناع أن يعرف الله بالبديهة ، وإلا لما اختلف العقلاء فيه (ولا [ظ]) بالمشاهدة ، وإلا لشاهدناه الآن ، ومعلوم أنا لا نشاهده و (لا [ظ]) بالأخبار المتواترة ، إذ من شروطها الاستناد إلى محسوس ، وقد استحال ، فلم يبق سبيل إلى معرفته تعالى إلا النظر ، (وما لا يتم الواجب) الذي هو مشروط كالمعرفة (إلا به يكون واجبا كوجوبه) وإلا وقع الإخلال بالواجب ، وقد قضى العقل بقبحه ، وذهب كثير من المعتزلة (١) وجماعة من الأئمة إلى أن الوجه لوجوب المعرفة كونها لطفا في واجبات عقلية ، قيل : عملية من رد وديعة وشكر منعم ونحو ذلك.

فإنّ من عرف أنّ له صانعا إن عصاه عذبه ، وإن أطاعه أثابه كان أقرب إلى فعل الطاعة ، وترك المعصية فتجب ؛ لأنها جرت مجرى دفع الضرر عن النفس ، ودفعه واجب ، وإنما جرت مجراه ؛ لأنها تدعو إلى فعل الواجب وترك القبيح ، وبهما يندفع الضرر فقد قرّبت إلى ذلك.

قالوا : لأن شكر المنعم لا يجب إلا بعد معرفته ، ومعرفة إحسانه وتحصيل شرط

__________________

(١) هم أتباع واصل بن عطاء الغزال كان نادرة الزمان في فصاحته ، وكان يغشى مجلس الحسن ثم ناظره في المنزلة بين المنزلتين والحسن ينكرها ، واعتزل واصل وتبعه عمرو بن عبيد الزاهد ، فقال الحسن : ما فعلت المعتزلة؟ فسموا بذلك ، وأرسل واصل عثمان الطويل فتبعه سواد الكوفة ، واعترضه الصادق ـ عليه‌السلام ـ في مسائل ونسبه إلى الابتداع ، ثم انقسموا إلى بصرية : شيخهم محمد بن الهذيل العلاف البصري صاحب الجدل والمناظرات ، وبغدادية : شيخهم أبو الحسين الخياط ، ويجمع مذهبهم القول بالعدل والتوحيد وتقديم أبي بكر في الإمامة ، واختلفوا في الفضيلة ، فمنهم من فضل عليا وهم غالب البغدادية وبعض البصرية ، ومنهم من فضل أبا بكر وهم غالب البصرية ، وقد أطلق هذا الاسم أولا على من اعتزل الحرب مع الإمام علي ـ عليه‌السلام ـ ثم غلب فيما بعد على من ذكرنا أولا.

٢٣

الواجب ليجب لا يجب؟

والجواب : أنا لا نسلم عدم وجوب تحصيل شرط الواجب ، بل يجب إن لم يرد الأمر مشروطا به ، والأمر الآخر الدال على وجوب النظر عقلا إفحام الرسل لو لم يجب إلا سمعا كما ذلك مذهب البعض ، بيانه أن الرسول إذا قال لمن يخاطبه : انظر في معجزتي كي تعلم صدقي ، فله أن يقول : لا أنظر حتى يجب النظر ، ويكون هذا القول حقا لا سبيل للرسول إلى دفعه ، وهذا حجة عليه وهو معنى الإفحام ، وللمخالف معارضة وتحقيق ، وقد كفى في الرد عليهم علماء العدل ، والغرض الإشارة لا التطويل.

فائدة : معنى قولهم : النظر أول واجب أنه لا يعرى المكلف عن وجوبه عند ابتداء تكليفه بخلاف سائر الواجبات ، فإنه قد يعرى عنها نحو قضاء الدين ورد الوديعة وشكر المنعم ؛ لأنه قد يخلو عن الدين ، وعن الوديعة ، وعن نعمة غير الله ، وأما نعمة الله فهو وإن لم يعر عنها في حال لكنه لا يجب عليه شكرها حتى يعرفه ، وهو في أول تكليفه غير عارف فلا يلزمه الشكر ، فظهر لك أنه قد يعرى في أول تكليفه عن جميع الواجبات ما خلى النظر فإنه لا يعرى عنه ، ولما كان كذلك وصف بأنه أول الواجبات وليس بأولها في كل حال بل عند عرو المكلف عمّا عداه من الواجبات ، والذي حملهم على الإطلاق المبالغة في الحث عليه والاهتمام به.

٢٤

(باب إثبات الصانع)

أي اعتقاد ثبوته ، وقوله : (وذكر توحيده) من باب عطف العام على الخاص (١) ، وهو وارد مثل قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ) [التحريم : ٤] ووجه ذلك هو التنبيه على أن إثبات الصانع هو أصل باب التوحيد.

وجعل ذكر التوحيد (وذكر عدله ووعده ووعيده) بابا واحدا تقريبا وتسهيلا للمبتدئ ، وإلا فالتوحيد باب ، والعدل وما يلحق به كذلك ، والوعد والوعيد باب.

(واعلم أن) ما يجب على المكلف من (المهمات) في صفة اعتقاده (من) فن (أصول الدين ثلاثون مسألة) في التوحيد عشر ، وفي العدل وما يتبعه عشر ، وفي الوعد والوعيد وما يتصل بذلك عشر ، وإنما قدم التوحيد على العدل ؛ لأن بعض مسائله دالة على بعض مسائل العدل ، وباقي مسائله تابعة ودليل الشيء مقدم عليه.

وأيضا : فإن التوحيد كلام في ذاته تعالى وصفاته ، والعدل كلام في أفعاله ، ومهما لم تعلم ذاته وصفاته لم تعلم أفعاله.

وقدّم العدل على الوعد والوعيد ؛ لأن في بعض مسائله دلالة على مسائل الوعد

__________________

(١) لمّا كان العطف يقتضي التغاير فيفيد ذلك أن مسألة إثبات الصانع غير داخلة في التوحيد مع أنها أصل باب التوحيد ، رفع الشارح ـ رحمه‌الله ـ هذا بأن قرّر أن هذا من باب عطف العام على الخاص فأحسن حمل الكلام ورفع الوهم والإيهام.

٢٥

والوعيد ، ولأن من جملة مسائل العدل إثبات كون القرآن كلام الله ، والوعد والوعيد كلام في أنه قد وعدنا فيه وتوعدنا ، وأنه لا يخلف الوعد والوعيد ، ولا يمكن أن نتكلم في أنه وعد ووعيد ، وأنه لا يخلفه حتى نعلم كون القرآن كلامه ، وألحقت سائر مسائل العدل بمسألة القرآن اتباعا ؛ لأنهما من باب واحد.

٢٦

باب التوحيد

قال القرشي (١) : هو في اللغة : عبارة عن فعل ما يصير به الشيء واحدا انتهى.

يقال : وحّد الشجرة إذا فعل فعلا تبقى به واحدة كقطع أغصانها ، وإبقاء أصلها ، وفي عرفها : هو الخبر عن كون الشيء واحدا.

وفي اصطلاح المتكلمين : هو العلم بالله تعالى ، وما يجب له من الصفات ، وما يستحيل عليه منها ، وأنه لا ثاني له يشاركه في ذلك الحد الذي يستحقه.

وقال علي عليه‌السلام (٢) لما سئل عن حد التوحيد : (هو أن لا تتوهمه) ومعناه : أن كل ما خطر ببال ذوي الأفكار فبمعزل عن حقيقة ملكوته ، وجميع ما تنعقد عليه ضمائر أولي الأبصار فعلى خلاف ما ذاته المقدسة عليه من نعوت جبروته ، لا تدرك كنه عظمته الأفهام ، ولا يبلغ شأو كبريائه الأوهام ، جلّ عما يجول به الوسواس ، وعظم عما تكيّفه الحواس ، وكبر عما يحكم به القياس ، إن قيل : أين؟ فهو سابق للمكان ، أو

__________________

(١) يحيى بن حسن القرشي : أحد أعلام الزيدية الكبار ، له العديد من المؤلفات ، أهمها منهاج التحقيق ومحاسن التلفيق مخطوط بمكتبة الجامع الكبير وغيره ، وقد شرحه الإمام عز الدين ـ عليه‌السلام ـ بالمعراج ، وشرحه العلامة علي بن محمد البكري بالكوكب الوهاج ، توفي بالعراق ٧٨٠ ه‍.

(٢) هو أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، مستودع الأسرار ، ومطلع الأنوار ، وقسيم الجنة والنار ، وارث علم أنبياء الله ورسله الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام : علي بن أبي طالب ، بويع له ـ صلوات الله عليه ـ يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة الحرام سنة ٣٥ ه‍ وفي مثل هذا اليوم كان غدير خم ، ولهذا الاتفاق شأن عجيب ، توفي لإحدى وعشرين ليلة من شهر رمضان بعد أن ضربه أشقى الآخرين ابن ملجم ـ لعنه الله ـ يوم الجمعة ثامن عشر شهر رمضان لأربعين من الهجرة ، قبره في المشهد المقدس بالكوفة.

٢٧

قيل : متى؟ فهو سابق للزمان ، أو قيل : كيف؟ فقد جاوز الأشباه والأمثال ، وإن طلب الدليل عليه فقد غلب الخبر العيان ، وإن طلب البيان فالكائنات بيان وبرهان ؛ فهو تعالى بخلافها في الذات والصفات ، وهو الوصف الذي به التمايز بينه وبين العوالم ، وإن اختلفت العوالم في صفة فإنها توافق في أخرى ؛ فهو تعالى بخلاف الأشياء كما أشار إليه القاسم ـ عليه‌السلام ـ ذكر ذلك بعض العارفين. ويشتمل هذا الباب على عشر مسائل :

(المسألة الأولى : في أن لهذا العالم (١) صانعا صنعه ومدبرا دبره)

ولا كلام في وجوب تقديم هذه المسألة على سائر مسائل الإثبات ؛ إذ الكلام على كل واحدة منها لا يتأتى إلا بعد تحقيق هذه المسألة ، فإنه قد تقرر وثبت أنه لا يمكن العلم بالحال إلا مع العلم بالذات.

والمراد بالعالم : المخلوقات من السموات والأرض والحيوانات وغيرها ، قال الجوهري (٢) : العالم الخلق ، والجمع العوالم ، والعالمون أصناف الخلق.

وقد اختلف أصحابنا هل من العقلاء من ينكر أن للعالم مؤثرا ، ويزعم أنه حاصل لا عن تأثير مؤثر ، ولا يوجد في ذلك مخالف على الجملة ، وإنما الخلاف في التفصيل ، والذي عليه الجمهور : أن الخلاف واقع في المؤثر جملة ، كما أنه واقع فيه تفصيلا ، وأن من الناس من لم يثبت مؤثرا قط فقد روي نفي المؤثر عن الملحدة ، والدهرية ،

__________________

(١) المراد بالعالم : السموات والأرض وما بينهما ، والعالم في الأصل اسم لجميع المخلوقات ، وقيل : اسم لمن يعلم الله وهو الملائكة والثقلان ، إذ هو مشتق من العلم ، وقيل : اسم لما يعلم به الله تعالى ، وقيل : كل عصر يسمى عالم ، تمت.

(٢) هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري أول من حاول الطيران ، ومات في سبيله ، لغوي من الأئمة ، وخطه يذكر مع خط ابن مقلة ، أشهر كتبه الصحاح ، وله كتاب في العروض ومقدمة في النحو ، توفي عام ٣٩٣ ه‍.

٢٨

والفلاسفة المتقدمين ، والطبائعية (١) ، والذي عليه أهل الإسلام والكتابيون والبراهمة (٢) وبعض عبّاد الأصنام ، وهم فرقة أقرت بالله وبالبعث وبالرسول ، وعبدوا الأصنام معتقدين أن عبادتهم تقربهم إلى الله تعالى أن لهذا العالم صانعا مختارا.

(والدليل على ذلك) المذهب الصحيح الذي هو مذهب أهل الإسلام ومن تابعهم من وجوه كثيرة ، اعتمد منها على دلالة الأكوان وطريقة الدعاوي (٣) ، وأول من حررها ولخصها قيل : أبو الهذيل (٤) وتابعه عليها من بعده من المعتزلة.

وذكر الشيخ أحمد بن محمد الرصاص (٥) : أن أول من أشار إليها إبراهيم ـ صلى الله عليه ـ كما حكى الله عنه في آية الأفول ، وهو (أن هذه الأجسام) على تنوعها من حيوان وجماد ، ونام وغير نام (محدثة) والمحدث : هو الموجود الذي لوجوده أول (والمحدث لا بد له من محدث) وقالت الدهرية : بل هي قديمة لم يسبق وجودها عدم ، ولا يخالفون في تراكيبها كالحوادث اليومية أنها محدثة (والذي يدل على) إبطال مذهبهم (أن هذه الأجسام محدثة أنها لم تخل من الأعراض المحدثة) ولم تتقدمها ،

__________________

(١) الطبائعية : كل من أضاف التأثير إلى الطبع ، منهم الفلاسفة ، فإنهم جعلوا العالم صادر عن علة قديمة بالطبع.

(٢) البراهمة : رؤساء فرق الكفار بالهند.

(٣) هذه الأصول تسمى دعاوي لوجود المنازع في كل أصل منها ، وحقيقة الدعوى : هي الخبر الذي لا يعلم صحته ولا فساده إلا بدليل مع خصم منازع ، واعلم : أن دليل الدعاوي هو المعتمد في إثبات الصانع وإن كان هنالك أدلة كثيرة ، لكن عليها من السؤالات والأنظار ما يصعب الجواب عنه إلا بالرجوع إلى هذا الدليل ، هكذا ذكره بعضهم ، تمت.

(٤) هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العلاف ، شيخ البصرة من كبار المعتزلة ، سمي بالعلاف ؛ لأن داره بالبصرة كانت عند سوق العلف ، ولد سنة ١٣١ ه‍ وأخذ الكلام عن عثمان الطويل ، وعثمان عن واصل ، وروى الحديث عن محمد بن طلحة ، وأخذ عنه الكلام أبو يعقوب الشحام وليس بذاك في الرواية ، قال ابن خلكان : له مجالس ومناظرات ، وهو من موالي عبد القيس ، حسن الجدل ، قوي الحجة ، كثير الاستعمال للأدلة الالزامية ، وقال الحاكم : أسلم على يده سبعة آلاف نفس ، توفي بسامراء سنة ٢٣٥ ه‍ على الأصح.

(٥) هو أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد الرصاص ، عالم متبحر من أكابر العلماء ، له شيوخ من أكابر العلماء كالشيخ محيي الدين القرشي ، والشهيد حميد وغيرهما ، وله مؤلفات الجوهرة والوسيط وغرة الحقائق وكتاب الشجرة وغيرها ، بغى على المهدي أحمد بن الحسين وكان ما كان ، وقد قيل : أنه تاب.

٢٩

وما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث مثله ، وهذه الدلالة مبنية على أربع دعاو وهي : أن في الجسم أعراضا غيره ، وأنها محدثة ، وأن الجسم لم يخل منها ولم يتقدمها ، وأن ما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث ، فهذه أربع.

أما الأولى (١) : وهي أن في الجسم عرضا غيره ، والعرض في اللغة : هو ما يعرض في الوجود ويقل لبثه.

وفي الاصطلاح : الحادث الذي لا يشغل الحيز (٢) ، وهذا العرض هو غير الجسم عند مثبتي المعاني (٣).

وأما من جعله صفات كأبي الحسين فلا يجعله غيره بل في حكم الغير ، وهذا مذهب الجمهور.

وقال حفص الفرد (٤) وجماعة من الفلاسفة وغيرهم : لا عرض في الجسم ، وهؤلاء هم المعروفون بنفاة الأعراض.

وذهب أبو الحسين (٥) وابن الملاحمي (٦) والإمام يحيى إلى نفي المعاني وجعلوا

__________________

(١) والترتيب بين هذه الدعاوي الأربع كما قال الإمام المهدي ـ عليه‌السلام ـ : الأولى واجبة التقديم ؛ لأنها كلام في ذات العرض. والثانية والثالثة لا ترتيب بينهما إلا من جهة الحسن ؛ لأنهما في صفتين ، والأهم تبيين أنها محدثة ، والرابعة واجبة التأخير ؛ لأنها نتيجة الكل. تمت غايات.

(٢) حقيقة الحيز : هو الفراغ الذي يشغله المتحيز ، وهو ما يعبر عنه بهنا وهناك. ا. ه بكري.

(٣) قد يطلق على بعض الأعراض لفظ المعنى ، قيل : والمعنى في أصل اللغة بمعنى القصد ، يقال : معناي أي قصدي ، ثم نقل إلى المقصود ، يقال : معناي أي مقصودي ، وفي الاصطلاح : استعمل أولا في كل ذات ثم قصر على الأعراض ، فلما كثر الاستعمال قصر على المعاني الموجبة ، فالمعنى على هذا أخص من العرض في الاصطلاح. انتهى كوكب وهاج للبكري.

(٤) هو حفص الفرد المصري البصري ، ويكنى بأبي عمرو ، عاش في النصف الأول من المائة الثانية ، وبعض كتب الأصول تذكره باسم حفص الفرد كما في المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ، وقد نقل عنه ما يمكن أن يكون وجه تلقيبه بهذا اللقب كان في بداية أمره معتزليا إلا أنه ترك الاعتزال إلى الجبر ، لحفص الفرد مناظرات مع أبي الهذيل وكتب الرد على النصارى.

(٥) أبو الحسين : هو محمد بن علي بن الطيب البصري في الطبقة الحادية عشرة من طبقات المعتزلة ، قال الإمام يحيى : هو الرجل فيهم ، قال ابن خلكان : كان جيد الكلام مليح العبارة غزير المادة ، إمام وقته ، له التصانيف

٣٠

الأعراض صفات للجسم بالفاعل.

وقد قيل (١) : أن نفات الأعراض لا ينفون الصفات إذ هي ضرورة فيكون مذهبهم ومذهب أبي الحسين ومن معه مذهبا واحدا.

قال ابن زيد (٢) : ومذهب أبي الحسين مذهب القاسم والهادي ، لنا على ثبوت الأكوان (التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق) أن الأجسام اتفقت في الجوهرية والتحيز والوجود ، ثم افترقت في الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ، فلا بد أن يكون ما افترقت فيه ، أمرا زائدا على ما اتفقت فيه ، وإلا كانت متفقة مختلفة في أمر واحد وهو محال.

وأما الدليل على إثبات المعاني وأن هذه الصفات موجبة عنها : هو أن الجسم حصل في جهة مع جواز أن يحصل في غيرها ، والحال واحدة والشرط واحد ، فلا بد من أمر له حصل كذلك ، وذلك الأمر ليس إلا وجود معنى ، والمراد بالحال (٣) هاهنا : ما يصحح

__________________

الفائقة منها : المعتمد في أصول الفقه ، نشره المعهد الفرنسي بدمشق ، ومنه أخذ الرازي كتاب المحصول ، وله تصفح الأدلة في مجلدين ، وغرر الأدلة في مجلد كبير ، وشرح الأصول ، وكتاب في الإمامة ، وانتفع الناس بكتبه ، سكن بغداد وتوفي بها يوم الثلاثاء خامس شهر ربيع الآخر سنة ٤٣٧ ه‍.

(٦) محمود بن الملاحمي الخوارزمي يقال له تارة : ابن الملاحمي ، وطورا : بالخوارزمي ، وهو من تلاميذ القاضي عبد الجبار ، توفي سنة ٥٣٢ ه‍.

(١) القائل شارح الأساس. العلامة الشرفي ـ رحمه‌الله ـ.

(٢) هو عبد الله بن زيد بن أحمد بن الحسين العنسي ، ولد عام ٥٩٣ ه‍. ناصر الإمام المهدي أحمد بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ ، من مشايخه الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى ، وله المؤلفات العظيمة النافعة كالمحجة البيضاء والإرشاد وغيرهما.

(٣) قد حقق المؤلف ـ رحمه‌الله ـ الحال على اصطلاح المعتزلة ، ونزيد كلامه ـ عليه‌السلام ـ إيضاحا تمشيا على مصطلح القوم ، فنقول : قال في الكوكب الوهاج شرح المنهاج للعلامة البكري ـ رحمه‌الله ـ : أن الحال في أصل اللغة يستعمل في التغير يقال : حال إذا تغير ، قال الشاعر :

لإن كان إياه لقد حال بعدنا

عن العهد والإنسان قد يتغير

ولهذا قيل في السنة حول لتغيرها ، وقيل : لو لم يحل ما سميت حولا ، أي لو لم تتغير ، ويستعمل في العرف فيما عليه الشيء من ثبوت أو نفي خيرا أو شرا ، ولهذا استعملوا المحاولة ، وأما في الاصطلاح فالحال بالمعنى الأعم : هو الصفة بالمعنى الأخص ، وحقيقته مطلقا : هو كل أمر زائد على الذات راجع إلى الإثبات مقصور في العلم ـ

٣١

الصفة المعنوية وضدها ، أو ما يجري مجرى ضدها إن كان ، وذلك كالتحيز مثلا فإنه المصحح لكونه مجتمعا ولكونه مفترقا ، ونريد بالشرط (١) هاهنا : ما كان مصححا لهذه الحال وتحرير هذا الدليل في المطولات والغرض الاختصار.

وأما من قال : إنا لا نعقل إلا الصفات كأبي الحسين وغيره (٢) : فنقول : الحاصل لا يخلو إما أن يكون جسما أو معنى أو صفة ، لا يجوز أن يكون جسما لوجهين :

أحدهما : أن الواحد منا ليس بقادر على الجسم ولا يقف على اختياره ، وكون الجسم متحركا يقف على اختيارنا.

الثاني : أن كون الجسم متحركا يتجدد ثبوته في حال بقائه ، ولا يجوز أن تكون معاني ؛ لأن المعاني تعلم على انفرادها ، وكون المتحرك متحركا لا يعلم على انفراده ، وإنما يعلم تبعا للعلم بذي الاحتراك ، فلم يبق إلا أنه صفة.

وأما الدعوى الثانية : وهي أن الأعراض محدثة فقد خالف في ذلك فرقة من الفلاسفة زعموا أنها قديمة ، ولكنها تكمن وتظهر ، وهؤلاء هم أهل الكمون والظهور ، قلنا : الدليل على حدوثها أنها تعدم والقديم لا يعدم ، أما أنها تعدم ، فلأنه متى سكن

__________________

به على الذات ، والحال في الصفة المعنوية : هو كل أمر يصحح الصفة المعنوية ونقيضها إذا كان لها نقيض كما نقوله في كون الواحد منا حيا ، فإنه مصحح لكونه عالما ولنقيضه وهو كونه جاهلا ... إلخ ا. ه.

(١) قوله : ونريد بالشرط هاهنا أي في الصفة المعنوية ، والشرط في أصل اللغة : العلامة ، قال تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) أي علاماتها. وأما في الاصطلاح فالشرط مطلقا : هو كل أمر وقف به عليه أمر آخر من دون واسطة ولا تأثير ، ا. ه. أفاده البكري في شرحه على المنهاج.

(٢) قد استدل العلامة الشرفي ـ رحمه‌الله ـ في شرح الأساس بأدلة واضحة جلية على نفي المعاني ، قال رحمه‌الله : وأرادوا بالأكوان والعلم والقدرة المعاني التي زعموها في الأجسام الموجبة بزعمهم ، نحو الحركة والسكون ، والعلم الموجب للعالمية ، والقدرة الموجبة للقادرية ، وقد مرّ إبطالها في فصل المؤثرات ، وأيضا فإنا لا نجد طريقا إلى العلم بالكون الذي زعموه مؤثرا في الحركة والسكون ونحوهما ، وإنما نجد المؤثر فيهما الفاعل ؛ لأن الطرق التي توصل إلى العلم بالأشياء إما العقل أو الحواس الظاهرة ، أو درك النفوس ، أو دليل الشرع ، فمن ادعى علم شيء من غير هذه الطرق فقد أحال ، وهذا الكون الذي زعموه لا يدرك بأيها ، فبطل وجوده فضلا عن تأثيره ... إلخ.

٣٢

الجسم المتحرك عدمت الحركة التي كانت فيه ، والعكس ، وإنما قلنا : أنه عدم ؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون باقيا فيه مع وجود ضده ، أو منتقلا منه إلى غيره ، أم معدوما كما نقول لا يصح أن يكون باقيا ، إذ لو كان باقيا مع وجود ضده لكان الجسم متحركا ساكنا مثلا في حالة واحدة ، وهو محال إذ المعاني توجب الصفات لما هي عليه في ذاتها ، فيلزم أن توجبها في كل أوقات وجودها إذ لا اختصاص لذلك بوقت دون وقت ، ولا يصح أن يكون المعنى منتقلا ، وإلا لكان العرض منتقلا ، وانتقاله محال ؛ لأنه إن أريد بالانتقال ما هو المعقول من أنه تفريغ جهة وشغل أخرى فهو إنما ثبت في المتحيزات وبه تتميز عن غيرها ، والأعراض ليست بمتحيزة وإلا لم يصح اجتماع الأعراض الكثيرة في المحل الواحد.

وإن أريد بالانتقال أن تحل محلا آخر غير محلها الأول فهو لا يصح ؛ لأن حلول العرض في المحل المعين له كيفية في وجوده ، وكيفية الوجود لا تفارقه ، فلم يبق إلا أن يكون معدوما ، وأما أن القديم لا يعدم ، فلأن جواز القدم ينافي وجوب الوجود ويقتضي أن الموجود والمعدوم على سواء في الجواز ، وإذا كان كذلك لم يكن الوجود أولى من العدم إلا بمخصص والمخصص باطل.

وأما الدعوى الثالثة : وهو أن الأجسام لم تخل من الأعراض المحدثة ولم تتقدمها في الوجود ، والمراد بالأعراض التي لم يخل منها الجسم الأكوان الخمسة وهي : الحركة ، والسكون ، والاجتماع ، والافتراق ، والكون المطلق ، وأما ما عداها من الأعراض (١) فهي

__________________

(١) اعلم أن للمتكلمين كلاما في الأعراض وفي تقسيمها ، وقد أردنا أن نبين شيئا من ذلك لما فيه من الفائدة وقد اعتمدنا على المعراج للإمام عز الدين ـ عليه‌السلام ـ فنقول : إن الخلاف فيها من جهتين ، الأولى : ذهب جمهور الزيدية والمعتزلة والمجبرة إلى أنها مستقلة بالمعلومية ، وذهب الشيخ أبو إسحاق بن عياش وأبو الحسين وابن الملاحمي والإمام يحيى بن حمزة إلى أنها صفات وأحوال بالفاعل.

الثانية : اختلف في أعدادها ، فزاد أبو علي على الاثنين والعشرين ونقص بعضهم ، وذهب الجمهور من مثبتيها إلى أنها اثنان وعشرون جنسا ، وهي : (اللون) ، حقيقته : المعنى الذي يكون هيئة لمحله ، وقيل : المعنى المدرك بحاسة البصر ، وأنواعه خمسة. (والطعم) حقيقته : المعنى المدرك باللهوات ، وأنواعه خمسة : حلاوة وحموضة ، ـ

٣٣

على ضربين : ضرب غير باق فيجوز خلو الجسم عنه قبل وجوده وبعد وجوده ، وذلك كالصوت والاعتماد. وضرب باق ، فيجوز خلو الجسم عنه قبل وجوده في الجسم ، فإن وجد لم يجز خلوه عنه إلّا لأمر يرجع إلى الجسم وذلك

كاللون فإنه يجوز أن لا يوجد الله في الجسم الذي خلقه لونا ، وإن أوجد سوادا مثلا لم يجز أن يخلو ذلك الجسم عن جنس من أجناس اللون ، وإن جاز خلوه من السواد ،

__________________

وهما ظاهران ، ومرارة كطعم الصبر ، وملوحة كطعم الملح ، وحرافة كطعم الفلفل والزنجبيل ، (والرائحة) حقيقتها : المعنى المدرك بالخيشوم ، وتنقسم إلى رائحة طيبة ورائحة خبيثة ، (والحرارة) حقيقتها : المعنى المدرك بمحل الحياة في غير محلها ، (والبرودة) حقيقتها كذلك (أي كحقيقة الحرارة) وقد ذكر الإمام ـ عليه‌السلام ـ من أحكام اللون وما بعده أنها مدركة ، وأنها من الأعراض الباقية ، وأنها غير موجبة ، وأنه يدخل فيها التماثل والتضاد دون الاختلاف ، وأنها لا توجد إلا في محل.

(والرطوبة) حقيقتها : المعنى الموجب انغماز المحل ، ومن أحكامها أنها باقية غير مدركة. (واليبوسة) حقيقتها : المعنى الموجب لنبو المحل ، (والشهوة) حقيقتها : المعنى الموجب كون الحي بحياة مشتهيا ، ومن أحكامها : أنها غير مدركة وغير باقية وغير ذلك ، (والنفرة) حقيقتها : المعنى الموجب كون الحي بحياة نافرا وتشارك الشهوة في أحكامها ، (والحياة) حقيقتها : المعنى الموجب كون الواحد منا حيا ، أو المعنى الموجب كون الأجزاء الكثيرة في حكم الشيء الواحد. (والقدرة) حقيقتها : المعنى الموجب كون الحي بحياة قادرا. (والفناء) حقيقته : المعنى الموجب عند وجوده انتفاء الجواهر ، (والكون) حقيقته : المعنى الموجب كون محله كائنا في جهة ، (والاعتماد) حقيقته : المعنى الموجب تدافع المحل في بعض الجهات ، وينقسم إلى لازم ومجتلب ، واللازم ينقسم إلى علوي كاعتماد النار ، وسفلي كاعتماد الحجر ، والمجتلب يقع في الجهات الست ، (والتأليف) حقيقته : المعنى الموجب لصعوبة التفكيك عند مقارنة الرطوبة واليبوسة ، (والصوت) حقيقته : المعنى المدرك بحاسة السمع ، (والألم) حقيقته : المعنى المدرك بمحل الحياة في محلها مع مقارنة النفرة ، فإن قارنت جنسه الشهوة فهو اللذة. (والاعتقاد) حقيقته : المعنى الموجب كون الواحد منا معتقدا. (والإرادة) حقيقتها : المعنى الموجب كون الحي مريدا. (والكراهة) حقيقتها : المعنى الموجب كون الحي كارها ، (والظن) حقيقته : المعنى الموجب كون الواحد منا ظانا. (والفكر) حقيقته : المعنى الموجب كون الواحد منا متفكرا.

هكذا أوردها الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، وقد نقلنا أكثر كلامه مع الاختصار لبعض الأحكام. ثم قال تنبيه : قد عرف بما ذكر تسمية كل عرض معنى ، ولهذا جعل لفظ المعنى جنسا لحقائقها ، والمعنى في اللغة : المراد من عنيت كذا (أي أردته). وفي الاصطلاح : الذات استعمل أولا في كل ذات ثم قصروه على الأعراض وعليه بنيت هذه الحقائق ، وقد يقصر في اصطلاح خاص على المعاني الموجبة ، وتنقسم هذه الأعراض إلى مقدور لله تعالى فقط ، وهو الاثنى عشر الأولة ، وهو الصحيح ، وإلى مقدور للعباد ، والمعنى أنهم يقدرون عليها ، وليس المراد أنه لا يقدر عليها إلا هم ، فالباري تعالى يقدر من أجناسها في الوقت الواحد والمحل الواحد على ما لا نهاية له ا. ه.

٣٤

فإذا تحققت هذا فالذي لا يخلو عنه الجسم هو الكون المطلق الحاصل حالة حدوثه ، وما عداه فقد تقدم الجسم عليه وإن أمكن الاستدلال به على حدوث الجسم ؛ لأن الجسم لم يسبقه إلا بوقت واحد ، وقد خالف في ذلك فرقة من الفلاسفة فقالوا بالأكوان وأنها محدثة ، إلا أنهم قالوا : إن أصل العالم متغير عنها ثم حصلت بعد ذلك.

وقالوا : إن هيولى الجسم قديمة خالية عن العرض حتى حلتها الصورة ، ويريدون بالهيولى أصل الشيء المنزّل منزلة الطين من اللّبن ، وبالصورة ما يحصل من التركيب المنزل منزلة التربيع منه.

قلنا : إن الجسم لا يحصل إلا في جهة بالضرورة فيما نشاهده وبجامع التحيز فيما غاب عنا ، ولسنا نعني بالكون أكثر من حصوله في الجهة ، ولكن التسمية تغير عليه فيسمى سكونا إن لبث به الجسم أكثر من وقت واحد ، أو حركة إذا انتقل به ، واجتماعا إذا وجد مع الجوهر غيره وكان بالقرب منه ، وافتراقا إذا كان ذلك الغير بالبعد منه.

وأما قولهم : بالهيولى والصورة فإنه باطل ؛ لأنهما غير معقولين ولا طريق إليهما ، ولأنهما إذا كانا قديمين غير متحيزين لم يكن أحدهما بأن يكون هيولى والآخر صورة ، ولا بأن يكون حالا والآخر محلا أولى من العكس لاشتراكهما في القدم.

وأما الدعوى الرابعة (و) هي : (أن ما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه في الوجود فهو محدث) فقيل العلم بها ضرورة ، وقال بعض العلماء : بل هي استدلالية فتحتاج إلى النظر والاستدلال.

وزعم ابن الراوندي (١) والفلاسفة : أنّ الجسم قديم وهو لم يخل من الأعراض المحدثة بأن يحصل في الجسم حادث قبله حادث إلى ما لا أول له ، والجسم وإن قارن جملة

__________________

(١) هو أبو الحسين أحمد بن يحيى الراوندي ، روي عنه التزندق بعد أن كان من المعتزلة من الطبقة الثامنة ، نشأ في بغداد وأصله من راوند أصبهان ، توفي سنة ٢٩٨ ه‍.

٣٥

الحوادث فلا أول لها ، فكذلك لا أول له ، وقولهم بحوادث لا أول لها ظاهر الفساد ؛ لأنه إذا كان كل واحد من هذه الحوادث له فاعل كما سيأتي ، وحق الفاعل أن يتقدم على فعله كان في ذلك تقدمه على جميعها ، فلا يستقيم حصول شيء منها فيما لا أول له لتقدم غيرها عليها.

(فثبت) بما تقرر من الأصول الأربعة (أن هذه الأجسام محدثة) وظهر بطلان قول من قال بقدمها.

قيل : (و) قد اتفق العقلاء على أنه لا بد من محدث لهذا المحدث ، قيل : والعلم بذلك ضروري ، المهدي أحمد بن يحيى : بل استدلالي في الأصح ، وإليه ذهب الجمهور والمؤلف فقال : (والذي يدل على أن المحدث لا بد له من محدث أنه) قد وجد في بعض المحدثات ما فيه إحكام عظيم ، وصنعة باهرة ، وإتقان عجيب ، فلو كان ذلك لا من مؤثر ، أو من موجب لصح أن يجتمع ألواح في البحر ، ويتركب منها سفينة محكمة من دون صانع بطبع تلك الألواح ، وأيضا فإن الجسم (إذا كان في الأصل معدوما ، ثم خرج من العدم إلى الوجود لم يكن بد من مخرج أخرجه ، وإلا لوجب بقاؤه على عدمه الأصلي) إذ قد أثبتنا وجوده بالأدلة بعد أن لم يكن (وذلك يعلم بأدنى نظر) ولذلك ادعى بعضهم أنه ضروري كما سبق.

وإنما قلنا : أنه استدلالي ؛ لأنه لو كان ضروريا لكان بديهيا ؛ لأن الضروري الحاصل عن طريق ليس إلا عن المشاهدة ، أو الأخبار المتواترة ، أو عن الخبرة والتجربة على قول ، ولا شيء من هذه الطرق حاصل هاهنا ، ولو كان بديهيا أيضا لاشترك العقلاء فيه ، وفيه خلاف ثمامة فإنه يقول : لا محدث للمتولدات مع اعترافه بحدوثها ، وعوام الملحدة يقرون بحدوث الدجاجة والبيضة ولا يقرون بمحدث ، وكذلك سائر الحوادث اليومية.

(فثبت) بما تقرر من الأدلة (أن لهذا العالم صانعا صنعه ، ومدبرا دبره وهو الله)

٣٦

وفيه مخالفة الفلاسفة (١) القائلين بالعقول والأنفس ، والباطنية (٢) القائلين بالسابق والتالي ، وأهل الطبع وأصحاب النجوم ، لنا : أنها إما أن تكون أحدثت نفسها أو غيرها ، والأول باطل ؛ لأنها حالة العدم يستحيل أن تقدر فضلا عن أن تؤثر في نفسها ، وحالة الوجود تستغني عن المؤثر ، وإن أحدثها غيرها فهو إما مختار كما نقول ، أو موجب ، الثاني باطل ؛ لأن ذلك الموجب إن كان محدثا عاد الكلام في محدثه حتى ينتهي إلى المختار ، وإن كان قديما لزم أن تحصل الأجسام دفعة واحدة في جهة واحدة ، بل في كل الجهات ؛ لأنه لا يخصها بوقت دون وقت ، وجهة دون جهة إلا المختار ، ويلزم أن تكون لصفة واحدة ؛ لأنه ليس بعضها بأن يوجب كون الماء ماء والطين طينا أولى من العكس ، ولا بأن يوجب كون الماء رطبا والطين يابسا أولى من العكس.

فإن قال : إنما لم توجب في الأزل لحصول مانع أو فقد شرط.

قيل له : ذلك المانع إن كان محدثا عاد الكلام في كون محدثه مختارا أو موجبا ، وإن كان قديما استحال عليه الزوال ، فلا يوجد العالم أبدا لاستمرار المانع.

ويقال للفلاسفة : أي شيء العقول والنفوس وما الدليل على ثبوتها؟ وإذا كانت قديمة فلم كان البعض بأن يؤثر في البعض أولى من العكس؟ ولم كان البعض بأن يكون عقلا والآخر نفسا أولى من العكس؟ وما الدليل على أن الأفلاك حية وأن لها نفوسا؟

وبقريب من هذا الكلام يبطل قول الباطنية ؛ لأن مذهبهم يضاهي مذهب الفلاسفة ؛ لإثباتهم علة قديمة صدر عنها السابق وعن السابق تالي ، وعن التالي نفس كلية ، كما أن

__________________

(١) الفلسفة : اسم في اللغة اليونانية لمحبة الحكمة ، فالفيلسوف هو محب الحكمة ، وقيل : مركبة من (فيلا) وهو اسم للمحب و (سوف) اسم للحكمة. ا. ه. معراج.

(٢) الذي حصل المتكلمون من مقالاتهم القول بأصلين روحانيين أحدهما : السابق ، والآخر : التالي ، وأن السابق ظهر منه التالي ، ثم اختلفوا فقائل : بأنهما مدبران للعالم السفلي معا ، وقائل : بأن المدبر هو التالي فقط ، والسابق فاعل للأجسام النافعة ، والتالي فاعل للأجسام الضارة ، وهذا بعينه مذهب المجوس ، واختلف في تفسير السابق والتالي فقيل : ملكان ، وقيل : اللوح والقلم ، وقيل : العقل والنفس ، قيل : ولا يكاد يعرف لهم مذهب لتسترهم ، ا. ه. معراج.

٣٧

الفلاسفة أثبتت علة قديمة وصدر عقل عنها ، فالكلام متقارب وإن اختلفت العبارة.

وأما الطبائعية فيبطل قولهم : أن الطبع الذي نسبوا إليه التأثير غير معقول وأن من حق ما ينسب إليه التأثير أن يكون أمرا معقولا مميزا موجودا.

وأما الطبع : الذي أثبته أهل اللغة فهو وإن كان معقولا فهو ليس بأمر وجودي بل أمر اعتباري ، ومعناه العادة والسجية ، وأيضا فالطبع شيء واحد ، فما الأمر الذي اقتضى وقوع الأشياء على هذا الترتيب البديع والحكمة الباهرة ، ووقوعها بحسب المصالح في كل وقت؟ وأيضا فالطبع إما موجود أو معدوم ، والموجود إما قديم أو محدث ، القسمة الأولى بعينها في أول المسألة.

وأما أصحاب النجوم : وهم فرقة من الفلاسفة وغيرهم ، فالنجوم عند المسلمين جمادات سخرها الله تعالى بأمره ودبّر حركاتها بمشيئته ، خلقها تعالى حكمة لمنافع عبيده لما فيها من الألطاف لهم ، وزينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها كما حكى الله تعالى ، فالذي يبطل قول من جعلها فاعلة مختارة أنها غير حية ، (١) ولا قادرة والفعل لا يصح إلا من حي قادر ضرورة فبطل ما قاله المخالف ، والنجوم التي زعموها مؤثرة سبعة هي : زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر ، على اختلاف بينهم ، فمنهم من يقول : تأثيرها على جهة الإيجاب ولا قدرة لها ، ومنهم من يقول : بل على جهة الصحة والاختيار ، وهي حية قادرة عالمة ، وهذه دعوى لا دليل عليها ، ولا يصح تأثير جسم في إيجاد جسم ولا إحداثه ، فإذا بطل قولهم لم يبق إلا أن المؤثر هو الصانع المختار ، والحمد لله.

__________________

(١) من هنا موضع النقص الذي أشرنا إليه ، وإتمام ذلك وتكميله أول ذلك لفظة : (ولا قادرة) وسننبه على تمام ذلك .. عبد الرحمن حسين شائم وفقه الله.

٣٨

(المسألة الثانية : أن الله تعالى قادر)

وحقيقة القادر : هو من يصح منه الفعل مع سلامة الأحوال ، هذا الحد ذكره ابن الملاحمي وبعض أصحابنا ، وهو بناء على ما ذهب إليه ابن الملاحمي وأبو الحسين من أن صدور الفعل من الفاعل على سبيل الصحة والاختيار يعلم ضرورة أنه يقتضي قادريته.

وعند المتقدمين : القادر : هو المختص بصفة لكونه عليها يصح منه الفعل مع سلامة الأحوال.

فقوله المختص بصفة : جنس الحد ، وقوله لكونه عليها : أي لأجل اختصاصه بها ، وقوله يصح منه الفعل : فصل مخرج لما تناوله الجنس ، والمراد بالصحة : ما كان على وجه الاختيار لا الصحة التي تقابل الاستحالة ، فإنها لا تدل على القادرية كالمسببات ، وقوله مع سلامة الأحوال : يعني ما لم يكن ثمّ مانع أو ما يجري مجرى المانع ، والمراد بالمانع : هو الضد كأن يريد أحدنا حمل شيء فيعتمد عليه من هو أكبر منه قدرا ، فالمنع هو الضد لفعلك ، والضد هو ما فعله الأقوى من السكون ، والذي يجري مجراه هو القيد والحبس ، فإنهما يمنعان من كثير من الأفعال ، وهما جاريان مجرى الضد ؛ لكونه يتعذر معهما الفعل كما يتعذر عند حصول الضد ، أفاد هذا صاحب الغياصة.

وقيل : هو المختص بصفة ؛ لكونه عليها يصح منه الفعل ما لم يكن ثم مانع أو ما يجري مجراه ، ولم يكن الفعل مستحيلا في نفسه كوجوده فيما لم يزل ، وهذا الحد قريب من الأول ، وقيل في حده : هو الذي إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل.

والقول بأن الله قادر هو قول من يقرّ بالصانع المختار (والدليل على ذلك) المذهب الصحيح (أن الفعل) وهو ما وجد من جهة من كان قادرا عليه ، وهذا الحد

٣٩

اعتمده الأمير الحسين ـ عليه‌السلام ـ (١) والقرشي ، وقال قاضي القضاة (٢) : الفعل هو ما يحصل من قادر من الحوادث .. ، واعترضه السيد (٣) الإمام في الشرح ، وقال الإمام المهدي (٤) ـ عليه‌السلام ـ : هو ما أثر في وجوده قادرية.

وحقيقة الفاعل : هو الذي وجد من جهته بعض ما كان قادرا عليه .. ، أفاده الأمير الحسين ـ عليه‌السلام ـ والقرشي ، ثم قال : وقلنا بعض ؛ لأن الفاعل يكون فاعلا وإن لم توجد جميع مقدوراته ، انتهى.

__________________

(١) هو الأمير الحسين بن الأمير بدر الدين أحمد بن يحيى بن يحيى ، توفي حوالي ٦٦٣ ه‍ ، وله مؤلفات : منها الشفاء (في السنة) ، والمدخل ، والذريعة ، والتقرير (فقه) ، وينابيع النصيحة ، وثمرة الأفكار وغيرها.

(٢) قاضي القضاة : عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسترآباذي المعتزلي ، أبو الحسن إذا أطلق القاضي في كتب العدلية فهو هذا ، وفي كتب الأشاعرة الباقلاني ، حدث عن أبي الحسن القطان والزبير بن عبد الواحد وآخرين ، وأخذ علم الكلام عن أبي عبد الله البصري ، وحدث عنه عبد السلام القزويني والموفق بالله الجرجاني ، وأخذ عنه علم الكلام الإمام المؤيد بالله ، وأبو عبد الله الحاكم والصاحب وآخرون ، وقال في تاريخ قزوين : وله أمالي كبيرة سمع منها بعضها بالري وبعضها بقزوين وتوفي بالري سنة ٤١٥ ه‍.

(٣) هو الإمام مانكديم المستظهر بالله أحمد بن الحسين بن أبي هاشم محمد ، دعى عام ٤١١ ه‍ توفي نيف وعشرون وأربعمائة بالري ، ومعنى مانكديم : وجه القمر ، وله من المؤلفات شرح الأصول الخمسة.

(٤) المهدي أحمد بن يحيى المرتضى الحسني ينتهي نسبه إلى الإمام الهادي ـ عليه‌السلام ـ ، قال السيد الحافظ : هو إمام الزيدية في كل فن ، وقال القاضي : ارتضع ثدي العلم ، وربي في حجر الحلم ، وقدره لا يحتاج إلى وصف واصف ، ومحله يغني عن تعريف عارف كما قال بعضهم : مهما باشرت علم الفقه وجدت الجم الغفير يغترفون من بحره ، وينتجعون من غيثه وزنينه ، فالدفاتر بعده وإن تعددت فشيخها أحمد ، أو عددت العلماء فهو واسطة عقدها المنضد ، أو خضت علم الكلام إلى الغايات وجدت من بعده يتداولون العبارات ، فكم من غائص في بحره قد التقط الدرر الفرائد ، وعاطل نحره قد حلاه بالجواهر واليواقيت والقلائد ، وسيرته مشهورة ، قال المقبلي : الإمام المهدي هو الذي أخرج مذهب الزيدية إلى حيز الوجود ، ولد بمدينة ذمار سنة ٧٩٣ ه‍ ، ودعا إلى الله بعد موت الناصر صلاح الدين محمد بن علي ـ عليه‌السلام ـ سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، إلا أنها لم تدم سوى شهور ، فقد حاربه الإمام علي بن صلاح ثم أسره وسجنه حوالي سبع سنين بصنعاء ، وقد تفرغ في سجنه للعلم فأفاد الأمة بمؤلفاته وتحقيقاته ، ولا تزال كتبه إلى الآن المصادر الأساسية للفقه الزيدي ، وقد جمع الإمام علم المتقدمين والمتأخرين ، ومؤلفاته تقدر بنيف وسبعين مؤلفا ، توفي الإمام ـ عليه‌السلام ـ سنة ٨٤٠ ه‍ وقبره بظفير حجة مشهور مزور ، ويوجد بمسجده مكتبة فيها كتب قيمة ، نسأل الله أن يهيئ لها من يخرجها إلى النور.

٤٠