الإصباح على المصباح في معرفة الملك الفتاح

ابراهيم بن محمد بن أحمد المؤيدي

الإصباح على المصباح في معرفة الملك الفتاح

المؤلف:

ابراهيم بن محمد بن أحمد المؤيدي


المحقق: عبدالرحمن بن حسين شايم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٣

جامعه ، قال في كتاب (العواصم) : ولقد صنّف الحافظ العلامة محمد بن جرير الطبري كتابا في طريق حديث الطير في فضائل علي ـ عليه‌السلام ـ لما سمع رجلا يقول : إنه ضعيف.

قال الذهبي (١) : وقفت على هذا الكتاب فاندهشت لكثرة ما فيه من الطرق.

ومن ذلك خبر النجم ، وهو ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه لما انقض كوكب ذات ليلة فقال : «انظروا إلى هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي» (٢) فنظروا فإذا قد انقض في منزل علي ـ عليه‌السلام ـ رواه في أنوار اليقين وغيرها ، وهو مما يعزى إلى أنس.

وخبر الأترجّة : وهو ما رواه في الحدائق عن عبد الله قال : دخل علي يوم قتل عمرو بن عبد ود (٣) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيفه يقطر دما ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم اتحف عليا بتحفة لم تتحف بها أحدا قبله ، ولا تتحف بها أحدا بعده» قال : فهبط جبريل ـ عليه‌السلام ـ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأترجة فإذا مكتوب فيها : «هدية من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب».

__________________

(١) هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ، أبو عبد الله حافظ مؤرخ محقق ، تركماني الأصل ، مولده ووفاته بدمشق ، رحل إلى القاهرة ، تصانيفه كبيرة وكثيرة تقارب المائة ، منها : دول الإسلام ، توفي عام ٧٤٨ ه‍.

(٢) أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بسنده عن أنس قال : انقض كوكب على عهد رسول الله فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «انظروا إلى هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي» فنظرنا فإذا هو انقض في منزل علي بن أبي طالب ، فقال جماعة من الناس : قد غوى في حب علي ، فأنزل الله : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) وقد أخرجه الحاكم بطرق عن أنس من طريقين ، وعن ابن عباس قال : ورواه عن ابن عباس زين العابدين والضحاك وربيعة السعدي ، قال : وفي الباب عن عائشة وبريدة الأسلمي وساق الطرق إليهما ، والمحمودي في تعليقه وتخريجه حكى أن ابن المغازلي أخرجه في المناقب وساق سنده ، قال : ورواه مع الحديث التالي في الباب (١٤١) من غاية المرام (ص ٤٠٩) ، ورواه أيضا ابن بطريق في العمدة (ص ٤٤) .. إلخ

(٣) عمرو بن عبد ود العامري من بني لؤي من قريش ، أدرك الإسلام ولم يسلم. وعاش إلى أن كانت وقعة الخندق فحضرها وقد تجاوز الثمانين فقتله الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ عام ٥ ه

١٦١

وكذلك خبر المؤاخاة والأخبار الدالة على عصمته ، والخبر المروي في قصة : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] وهو ما رواه الحاكم (١) في التهذيب عن البراء بن عازب (٢) لما نزل قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) جمع بني عبد المطلب (٣) ، وهم يومئذ أربعون رجلا الرجل يأكل المسنة ويشرب العس ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا فأتى برجل شاة ثم قال : «ادنوا بسم الله ، فدنى القوم عشرة عشرة فأكلوا وشبعوا ، ثم دعى بقعب من لبن فشرب منه ثم قال : اشربوا بسم الله ، فشربوا حتى رووا ، فبدرهم أبو لهب ، وقال : هذا ما سحركم به الرجل يومئذ ولم يتكلم ، ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام والشراب ، ثم أنذرهم ودعاهم إلى الإيمان ، وقال : من يؤازرني ويؤاخيني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي؟ فسكت القوم ، فأعادها ثلاثا والقوم سكوت ، وعلي يقول كل مرة : أنا ، فقال في المرة الثالثة : أنت ، فقاموا يقولون لأبي

__________________

(١) الحاكم الجشمي : قال في الطبقات : المحسن بن محمد بن كرامة البيهقي الإمام الحاكم ، وجشم قرية من قرى خراسان ، حنفيا وكان معتزليا في الأصول ، وانتقل إلى مذهب الزيدية ، قال القاضي : هو الشيخ استاذ العلامة الزمخشري إلى قوله : كان إماما عالما مصنفا صادعا بالحق ، له جملة كتب منها : كتاب الإمامة على مذهب الزيدية ، وكتاب العيون وشرحه ، وتنزيه الأنبياء والأئمة ، وتنبيه الغافلين في فضائل الطالبيين ، والتأثير والمؤثر ، والانتصار لسادات المهاجرين والأنصار ، وتحكيم العقول في الأصول ، وله التفسير المبسوط بالفارسية ، والتفسير الموجز بالفارسية ، إلى أن قال : والسفينة المشهورة ، وتفسير القرآن المسمى بالتهذيب (تسعة أجزاء) إلى أن قال : إلى غير ذلك ، إلى نيف وأربعين مصنفا ، وله رسالة تسمى رسالة الشيخ أبي مرة إلى إخوانه المجبرة وكانت السبب في قتله ، وعمره إحدى وستون سنة ، وله كتاب جلاء الأبصار في الأخبار.

(٢) هو البراء بن عازب بن الحارث الخزرجي أبو عمارة ، قائد صحابي من أصحاب الفتوح ، أسلم صغيرا وغزى مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ١٥ غزوة ، توفي عام ٧١ ه‍.

(٣) عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) مات وعمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ست سنوات عاشها في كنفه ، وكان يحب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ويجله ، وله في مولده أشعار كثيرة رواها المرشد بالله في أماليه الاثنينية وغيره ، وأوصى بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) إلى أبي طالب ، وشرف عبد المطلب في قومه وعظم خطره فيهم وولي السقاية والرفادة ، وله مناقب جمة ، وفي حديث أمالي أبي طالب أن عبد المطلب سن خمسا من السنن أجراها الله في الإسلام ... إلخ ، وفيها : أن عبد المطلب يبعث يوم القيامة أمة وحده ، قال : وكان لا يستقسم بالأزلام ولا يعبد الأصنام ، وقال : أنا على دين إبراهيم.

١٦٢

طالب : أطع ابنك فقد أمّره عليك» (١)

إلى غير ذلك من الأخبار المتظافرة التي روتها سادة العترة الطاهرة وشيعتهم البحور الزاخرة ، ويكفيك أيها المنصف إجماع العترة الطاهرة على تقدمه في الإمامة ، فإن من المعلوم الذي لا شك فيه أنه والحسنين وفاطمة (٢) معتقدون أنه صاحب الولاية والتقدم ، وإنما غلب على أمره وخشي ـ عليه‌السلام ـ من شق عصى الإسلام ، وانتثار النظام ، وعرف أنه لو قام بالأمر الواجب لحصلت المفسدة العظيمة الذي لا شك في ترك المصلحة عندها ، ويدلك على ذلك كلاماته ـ عليه‌السلام ـ وتجرماته ، فإذا عرفت أن ذلك معتقد العترة الطاهرة الذين قال فيهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم هؤلاء أهل بيتي» بطريق الحصر ، حتى قالت أم سلمة (٣) : وأنا معهم ، فقال : «إنك لعلى خير» (٤) والحديث من الأحاديث المشهورة التي تلقتها العترة بالقبول ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله حبل ممدود ، فرغّب في كتاب الله ثم

__________________

(١) رواه الإمام الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة ـ عليهما‌السلام ـ في الشافي بسنده إلى عبد الله بن العباس ـ رضي الله عنه ـ ما عن علي ـ عليه‌السلام ـ أنه قال لما نزلت : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وساق الرواية إلى قوله : ثم دعاهم : فقال : إن الله عزوجل أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين ... إلخ».

وروى هذا الخبر محمد بن سليمان الكوفي عن علي ـ عليه‌السلام ـ بسنده إليه إلى قوله : وروى هذا بسنده إلى ابن عباس وفيه : «أيكم يؤازرني على أن يكون أخي ووصيي ووارثي وخليفتي ووزيري» ، رواه الحاكم في السفينة عن مسعدة العبدي أنه سئل علي ـ عليه‌السلام ـ : بما ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال : (جمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)) وسرد حديث الإنذار ، وفيه : «ترثني وأرثك ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي» ، وذكره السيد الشرفي في اللآلي المضيئة. انتهى. لوامع / ١١٤.

(٢) فاطمة ـ عليها‌السلام ـ : هي فاطمة البتول الزهراء بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، توفيت بعده (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بستة أشهر ، وعمرها ثمان وعشرون سنة ، وقيل : دون ذلك.

(٣) هي هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية ، من زوجات النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، واختلفوا في سنة وفاتها ، وكانت وفاتها بالمدينة.

(٤) أخرجه مالك وأحمد بن حنبل ومسلم وأبو داود والترمذي والدار قطني والحاكم وأبو الشيخ والطبراني والبيهقي وعبد بن حميد وابن جرير وابن خزيمة وابن عساكر وابن مردويه وابن المنذر وعامة المحدثين ، وأهل البيت بأسانيدهم إلى أمير المؤمنين والحسن السبط وفاطمة الزهراء وابن عباس وعبد الله بن جعفر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسعد بن أبي وقاص وغيرهم.

١٦٣

قال : وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» وغيره من الأحاديث الدالة على أنهم السفينة ، مما تواتر نقله بنص أهل التحقيق ، عرفت أن إجماعهم على أنه الإمام حجة قاطعة.

وأيضا فإنه لو لم يكن هناك نص على إمامته ـ عليه‌السلام ـ ، فإن إمامة المفضول مع وجود الأفضل باطلة على ما ذلك مقرر بأدلته ، ولا شك في أنه أفضل الصحابة ، فإن له ـ عليه‌السلام ـ فضيلة القرابة ، وفضيلة النجابة ، وفضيلة طيب المنشأ ، وفضيلة السبق ، فإنه أول من آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرجال ، وقد قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [الواقعة : ١٠] وفضيلة العلم ، وفضيلة الصبر ، وغير ذلك من الفضائل التي بها يفتخر المفتخرون ويتفاوت المتفاوتون ، ولو عددنا فضائله ـ عليه‌السلام ـ لاستغرقت مجلدات ، فلو أتينا على شيء منها في هذا المختصر لكان فيه إيهام بانحصاره ، ثم إنه لا يحتاج النهار ، إلى دليل ولكن الشمس لا تبدوا لعين الأرمد ، (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢].

إذا عرفت ذلك فإنه ينبغي الاقتداء بالسلف الأبرار في ترك السب جهارا لمن تقدمه ، ومراعاة حق النبي المختار في أصحابه الذين لهم سوابق في الإسلام كبار ، وقد حكى القول بخطئهم قطعا عن العترة السيد الجليل إبراهيم بن محمد (١) في فصوله ، وحكاه في حواشيها عن القاضي عبد الله بن الحسن الدواري وغيره.

فأما سبهم فقد قال : (م بالله) ـ عليه‌السلام ـ كما حكاه عنه في الحواشي : لا أعلم أحدا من العترة سب الصحابة ، ومن قال بذلك فقد كذب ، انتهى.

قلت : فإن كثيرا من الآل متوقف كما حكي عن الحسين وعبد الله بن الحسن

__________________

(١) هو السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى الوزير ، مولده : في رمضان سنة ٨٣٤ ه‍ ، وقرأ بصنعاء وصعدة على يد جماعة من الشيوخ المبرزين في الأصول والعربية والفقه والحديث والتفسير حتى صار المرجع في عصره ، وله مؤلفات كثيرة في جميع العلوم ، توفي ليلة الأحد ثاني شهر جمادي الآخرة سنة ٩١٤ ه‍ ودفن في جربة الروضة بصنعاء.

١٦٤

وأولاده الأربعة ، قيل : وهو الأشهر عن زيد بن علي وابنيه يحيى (١) وعيسى (٢) وأحمد بن عيسى والصادق (٣) والباقر (٤) ، والأشهر أنه رأي أهل البيت وشيعتهم ، فهؤلاء لم يسمع منهم سب ولا ترضية ولا تبرئ مع التجرم ، ذكره في الشريدة (٥) ، وهو الذي ذكره أبو الحسين وأصحابه المتأخرون ، لكنه قال في الهداية (٦) : ويخطّأ من تقدم عليه ؛ لمخالفته القطعي بلا تكفير له ولا تفسيق على المختار ويرضى عنه استصحابا لحاله الأول ، ومن توقف فلالتباس معصيته ، فأما السب حرام ، وقد عزر يحيى ـ عليه‌السلام ـ من فعله بصنعاء. انتهى.

قلت : وقد تأول كلام الهادي ـ عليه‌السلام ـ في الأحكام أبو مضر (٧) والكني (٨).

__________________

(١) هو الإمام يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ ، قام ـ عليه‌السلام ـ بعد أبيه ، قتل وعمره ٢٨ سنة في أيام فرعون هذه الأمة الوليد بن يزيد بن عبد الملك الأموي بعد صلاة الجمعة في شهر رمضان سنة ١٢٦ ه‍.

(٢) هو الإمام مؤتم الأشبال أبو محمد عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ ، توفي بعد دعائه إلى الله في أيام محمد بن أبي الدوانيق العباسي.

(٣) هو الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي الوصي ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ ، توفي ـ عليه‌السلام ـ سنة ١٤٨.

(٤) الباقر : الإمام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ ، توفي سنة ١١٧ ه‍ ، وعمره ٦٣ سنة.

(٥) هو كتاب في أصول الدين مسمى بجوهرة الغواص وشريدة القناص شرح خلاصة الرصاص للقاضي العلامة عبد الله بن الحسن الدواري.

(٦) هي كتاب في الفقه تأليف السيد صارم الدين الوزير.

(٧) قال القاضي : هو أبو مضر مفخر الزيدية وحافظ مذهبهم ومقرر قواعدهم العالم الذي لا يبارى ولا يشك في بلوغه الذروة ، ولا يباري عمدة المذهب في العراق واليمن ا. ه.

(٨) الشيخ الإمام الحافظ الرحلة ، قطب الدين أبو العباس ، ويقال : أبو الحسن أحمد بن أبي الحسن الكني ، قال في الطبقات : كان من أساطين الأدلة ، وهو الغاية في حفظ المذهب ، أخذ على جهابذة الشيوخ ، منهم علامة الدنيا جار الله محمود الزمخشري ، والإمام أبو الفوارس توران شاه بن خسرو شاه ، والشيخ الإمام زيد بن الحسن البيهقي ، والشيخ عبد المجيد الأسترآباذي ، والإمام أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب الفرزاذي ، والشيخ أحمد بن الحسن الفرزاذي ، والشيخ الرشيد عبد المجيد الرازي ، والشيخ عبد الوهاب بن أبي العلاء ابن نضرويه السمان ، والشيخ أحمد بن الحسين بابا الآذوني ، والسيد أبو طالب عبد العظيم بن نصر بن مهدي الحسيني ، والشيخ الأديب أبو طاهر الحسن بن أبي سعيد المظفر بن عبد الرحيم الحمدوني ، وأبو العلاء زيد بن منصور الراوندي ، وإسماعيل بن زيد الحباني ، وأخذ عنه القاضي الإمام شمس الدين جعفر بن أحمد بن عبد السلام والشريف أبو عبد الله المهوّل وغيرهما ، ووفاته ـ رحمه‌الله ـ في عشر الستين وخمسمائة.

١٦٥

وأما ما احتجت به المعتزلة وغيرهم على إمامة أبي بكر (١) فالكلام في هذا الباب هو مع من يقول بإمامته من جهة العقد والاختيار ، فأما من يقول بإمامته من جهة نص جلي ، فالكلام معه لغو لا ثمرة فيه ، إذ لا يشتبه على أحد فساد ذلك ، وكذلك من يقول بإمامته من جهة نص خفي ، فإنه مما لا مرية في إبطاله ، فلا نشتغل بإيراد الكلام عليه.

وقد أوردت المعتزلة وغيرهم ثلاث طرق : الطريقة الأولى : إن قالوا الأمر الذي يعلم به كون الإمام إماما لا تعدوا الإمامة النص والعقد والدعوة والغلبة والإرث وغير ذلك مما اختلف في إثبات الإمامة ، وكلها ظاهر السقوط ، وإنما الذي يشتبه فيه الحال هو النص الخفي والعقد والاختيار.

قالوا : وقد بطل النص الخفي فبقي العقد والاختيار ، وإلا خرج الحق عن أيدي الأمة. والجواب : أن نقول دون إبطال النصوص خرط القتاد ، ونحن قد ذكرنا النصوص ووجه دلالتها فلا نعيده.

الطريقة الثانية : فيما استدلوا به على أن العقد والاختيار هو الطريق إلى الإمامة من الإجماعات. فنقول : إن وقع الإجماع على الاختيار فإنما يدل على حسنه ، فأما أنه الطريق إلى الإمامة فلا.

الطريقة الثالثة : هي أن قالوا : قد وقع الإجماع على إمامة أبي بكر ، فإنه وإن وقع اختلاف يوم البيعة فقد زال من بعد واستقر الإجماع ، وسكت الكل سكوت رضى ، وتابع علي أبا بكر ووالا وقاتل معه ، وصلى خلفه وأخذ نصيبه من الفيء ، وقرر أحكامه حين صار الأمر إليه ، ونحو ذلك مما يدل على أن سكوته سكوت رضى.

__________________

(١) أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي ، أول الخلفاء ، ولد بمكة وأسلم بها ، ومدة توليه الخلافة سنتان وثلاثة أشهر ، عهد إلى عمر بالخلافة ، قاتل أهل الردة ، فتحت في أيامه الشام وجزء من العراق ، وتوفي بالمدينة وأخباره كثيرة.

١٦٦

والجواب : أنا لا نسلم وقوع الإجماع قط ، وعلى ناقله الدليل بالإسناد المتواتر ، وكيف الإجماع مع ما رواه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان من تقاعد من تقاعد عن بيعته ، وكان ممن تقاعد عن بيعته اثنى عشر رجلا ، ستة من المهاجرين وستة من الأنصار ، فكان من المهاجرين : خالد بن سعيد (١) وأبو ذر (٢) وعمار (٣) والمقداد (٤) وسلمان الفارسي (٥) وأبي بن كعب (٦) ، وكان من الأنصار : قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي (٧) وأبو الهيثم بن التيهان (٨) وسهل بن حنيف (٩) وأبو بردة الأسلمي (١٠) وخزيمة بن ثابت (١١) ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري (١٢) ، وكان منهم ما كان من

__________________

(١) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، صحابي من الولاة الغزاة قديم الإسلام ، توفي سنة ١٤ ه‍.

(٢) أبو ذر : هو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد من بني غفار بن كنانة بن خزيمة ، أبو ذر صحابي من كبارهم قديم الإسلام ، توفي عام ٣٢ ه‍ بالربذة.

(٣) هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي القحطاني ، هاجر إلى المدينة وشهد بدرا والجمل وصفين ، وقتل بصفين مع الإمام علي ـ عليه‌السلام ـ عام ٣٧ ه‍.

(٤) المقداد : هو المقداد بن عمرو ، ويعرف بابن الأسود الكندي البهراني الحضرمي ، أبو معبد أو أبو عمرو ، صحابي من الأبطال شهد بدرا وغيرها ، وسكن المدينة وتوفي على مقربة منها عام ٣٣ ه‍ فحمل إليها ودفن فيها.

(٥) هو سلمان الفارسي ، صحابي من مقدميهم ، أصله من مجوس أصبهان عاش عمرا طويلا ، وقالوا : نشأ في قرية جيان ، توفي عام ٣٦ ه‍.

(٦) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد ، من بني النجار من الخزرج ، أبو المنذر صحابي أنصاري ، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود ، ولما أسلم كان من كتاب الوحي ، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، مات بالمدينة عام ٢١ ه‍.

(٧) هو قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني صحابي من دهاة العرب ، توفي بالمدينة عام ٦٠ ه‍.

(٨) هو مالك بن التيهان الأنصاري الأوسي ، أبو الهيثم صحابي شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ، وتوفي في خلافة عمر سنة ٢٠ ه‍ وقيل شهد صفين مع علي ـ عليه‌السلام ـ وقتل بها سنة ٣٧ ه‍ ، وكان شاعرا.

(٩) هو سهل بن حنيف بن وهب الأنصاري الأوسي أبو سعد ، صحابي شهد بدرا وثبت يوم أحد وشهد المشاهد كلها ، شهد مع علي ـ عليه‌السلام ـ صفين فتوفي بالكوفة فصلى عليه علي ـ عليه‌السلام ـ.

(١٠) هو نضلة بن الحارث الأسلمي أبو بردة ، صحابي غلبت عليه كنيته واختلف في اسمه ، كان من سكان المدينة ثم البصرة ، وشهد مع علي ـ عليه‌السلام ـ قتال أهل النهروان ومات بخراسان عام ٦٥ ه‍.

(١١) هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري أبو عمارة ، صحابي من أشراف الأوس في الجاهلية والإسلام ، شهد مع علي ـ عليه‌السلام ـ صفين فقتل فيها عام ٣٧ ه‍.

(١٢) أبو أيوب الأنصاري : هو خالد بن زيد بن كلب بن ثعلبة من بني النجار ، صحابي شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد كان يسكن المدينة فرحل إلى الشام ، توفي عام ٥٢ ه‍.

١٦٧

إنكار إمامة أبي بكر وإيراد النصوص الدالة على إمامة علي ـ عليه‌السلام ـ.

وقد روى كثير من أئمتنا ـ عليهم‌السلام ـ أن عليا لم يبايع أبا بكر قط ، وإنما أظهر الطاعة فقط ، قالوا : والظاهر في كلامه ومناشدته يوم الشورى وخطبته الشقشقية ونحو ذلك استمرار الإنكار.

والمشهور في السير أن سعد بن عبادة (١) مات ولم يبايع ، وهو يكفي في خرم الإجماع لو سلم مبايعة غيره ، على أن كثيرا ممن بايع إنما بايع تقية كما اشتهر عن عمر وغيره من سله للسيوف في شوارع المدينة هو ومن معه حتى كف الصادع بالحق ، وفيما ذكر من تجرم علي ـ عليه‌السلام ـ واشتهر عنه من ذلك كفاية في الرد عما سبق. إلى هاهنا أنهي حديثي وأنتهي فما شئت من خير وما شئت فافعل.

__________________

(١) هو سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي أبو ثابت صحابي من أهل المدينة شهد العقبة مع السبعين من الأنصار وشهد أحدا والخندق وغيرهما ، ومات بحوران عام ١٤ ه‍.

١٦٨

(المسألة الثامنة والعشرون : أن الإمام بعد علي ـ عليه‌السلام ـ الحسن)

واعلم : أنه لا شبهة في إمامته ـ عليه‌السلام ـ لاجتماع الطرق المعتبرة عند الأمة على اختلافهم فيه من النص والدعوة والعقد والاختيار والخروج ، فلا ينبغي أن يعترض لأحد شك في إمامته.

وخالفت الخوارج في إمامته ـ عليه‌السلام ـ ، وقد روي عنهم تكفيره لدخوله مع أبيه في التحكيم.

قال الفقيه حميد في العمدة : وزعم بعض الطغام أن الحسن إمام إلى أن صالح معاوية (١) ثم صارت الإمامة إلى معاوية بعد ذلك وانحلت إمامته ، (و) نوضح (الدليل على ذلك) الذي هو إمامته ـ عليه‌السلام ـ من طريق النص (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما») (٢) وهذا تصريح بإمامتهما ، قيل : وتصريح بإمامة أبيهما ، وقيل : بل إشارة إلى إمامته ـ عليه‌السلام ـ.

واعلم : أن هذا الخبر مما ادعى بعضهم تواتره ، وبعضهم ادعى الإجماع على صحته ، والإجماع على صحته يقوم مقام تواتره في القطع بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله.

قال الفقيه حميد : وإجماع العترة على صحته ، قال : وقد ظهر بين الأمة ولم يعلم من أحد منهم إنكاره ، بل هم بين مستدل به على إمامتهما ، وبين متأول له على صلاحيتهما ، ولو لم يكن صحيحا لظهر من بعضهم إنكاره ، ووجه الاستدلال به

__________________

(١) هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي مؤسس الدولة الأموية في الشام ، هلك عام ٦٠ ه‍.

(٢) حديث متلقى بالقبول عند آل محمد ـ عليهم‌السلام ـ وشيعتهم ، وقد أجمعوا على صحته كما ذكره في لوامع الأنوار (ج ٣ ص ٣٧) وأخرجه الأمير الحسين ـ عليه‌السلام ـ في شفاء الأوام ٣ / ٤٩٧ ، والطبرسي في مجمع البيان (ج ٤ ص ٣١١) وعلل الشرائع للصدوق (ج ١ ص ٢٤٨) وساق سنده إلى الحسن بن علي ـ عليهما‌السلام ـ.

١٦٩

ظاهر ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على إمامتهما نصا صريحا لا يحتمل التأويل ، ولا يلزم ثبوت إمامتهما في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو زمن علي أو إمامة الحسين في وقت إمامة الحسن ـ عليه‌السلام ـ ؛ لأن الإجماع قد أخرج هذه الأوقات ، ويبقى ما عداها داخلا في الدلالة ، ولذلك قال المصنف : (ولا شكّ أن إمامة الحسن قبل الحسين بالإجماع).

ومن الأدلة على إمامتهما أنهما أفضل الخلق بعد أبيهما ، وقد تبين بالدليل أن الأفضل أولى بالإمامة من غيره ، والقول بأن الحسن كان أفضل هو المختار ، ودليله إجماع العترة على ذلك.

وأما الرد على من زعم أن الحسن كان إماما ، ثم كفر بالتحكيم ، أو بتسليم الأمر إلى معاوية ، وعلى الفرقة التي زعمت أن معاوية هو الإمام ؛ لأن الحسن سلّم الأمر طائعا ، وهؤلاء هم المتسمون بأهل الجماعة لقولهم : بأن العام الذي سلّم فيه الأمر لمعاوية على زعمهم عام الجماعة ، وفرقة زعمت أنه الإمام وطريق الإمامة الغلبة عندهم.

فأما الكلام على الفرقتين اللتين كفّرتاه فهو ما نردّ به على الخوارج في التحكيم وبما ذهب إليه الأكثر من المسلمين إلى أن صلح الحسن ـ عليه‌السلام ـ كان صوابا لا تخطئة فيه ولا تأثيم ؛ لأنه لم يصالح إلا بعد أن خذله أعوانه وخشي على نفسه وأهل بيته الاستئصال ، ولا شك حينئذ في صواب السكون والهدنة ، وأنه الأصلح والأرجح لدفع المضار والأمن من الاستئصال ، ولا نزاع أنه يجوز للإمام المهادنة لمصلحة كما جاز لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصالح الكفار عام الحديبية مع انطواء الصلح أنه يردّ عليهم من جاءه من المسلمين ، ولا يردون إليه أحدا ، ولم يصالح الحسن عن ترك الإمامة ولا تخلى عنها ، بل على أمانه وأصحابه وارتفاع الحرب ، وأنه لا يجري عقد لأحد حتى يموت معاوية ، ولكن معاوية غدر ولم يقع منه ، وفاء ، فاحتال في البيعة ليزيد (١) قبل أن يموت.

__________________

(١) يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ، هلك عام ٦٤ ه‍.

١٧٠

يدلك على ما قلناه أيضا أن الإمامة لا تبطل بعد أن ثبتت واستقرت إلا باختلال شرط ، أو حدث من الإمام يوجب الفسق ، ولا شك أن إمامة الحسن ـ عليه‌السلام ـ ثابتة قبل الصلح قطعا ، ولم يخرج بالصلح عن شيء من الشروط ولا كان ذلك منه معصية لما سبق فضلا عن أن يكون فسقا.

وأما الكلام على القائلين بإمامة معاوية لعنه الله لأجل الغلبة ، أو لأجل أن الحسن سلّم الأمر إليه ، فالحجج على ذلك متسعة ، لكنه يكفينا في ذلك أنه باغ بلا إشكال لحربه لعلي ـ عليه‌السلام ـ ولحديث عمار المتواتر والمتلقى بالقبول ، فإذا كان باغيا كان ظالما ، وهذا مما لا نزاع فيه ، وقد قال الله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤].

ولو قلنا : إن معاوية إمام ، لكان الخبر الذي أخبر الله به كاذبا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

تنبيه : قد جعل المصنف إمامة الحسن والحسين مسألتين ، وهما مسألة واحدة ، كما يجعله الكثير من السلف إذ الدليل فيهما واحد فقال :

١٧١

(المسألة التاسعة والعشرون : أن الإمام بعد الحسن أخوه الحسين) عليهما‌السلام

لما ذكر من الإجماع على الترتيب بعد ورود الدليل الدال على إمامتهما.

والذي خالف في إمامة الحسين فرقة من النواصب زعموا أن يزيد لعنه الله الإمام ؛ لأن معاوية نص عليه ، وأن الحسين ـ عليه‌السلام ـ كان خارجيا ، (والدليل) الذي يدل (على ذلك) وعلى بطلان ما قالوه ما قدمناه من النص المقطوع من (قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ...» الحديث).

وأيضا ونقول : متى ثبت لكم أن معاوية إمام حتى يصح نصه على غيره ، ولو لم نستدل على بطلان إمامة معاوية إلا بالنص على من ارتكب المحرمات على أنواعهن وظهر كفره ظهور الشمس ، وذلك يزيد اللعين المستبيح لبضعة سيد المرسلين لكفى بذلك دليلا ، على أنه ليس من أئمة الهدى ، بل من سلاطين الجور والاعتداء ، وأيضا فكيف تصح إمامة يزيد مع علوه في الفسق وظهور حظه في الكفر؟! ولو لم يكن من كفره إلا قتله لأولاد رسول الله ، وانتهاك حرمه وحرمه ، وإباحة مدينته ، وقتل أصحابه فيها وأبنائهم ، وربط خيله في مسجده وشدها إلى سواريه تبول وتروث فيه ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق الحسنين : «أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم» (١) فما ظنك بمن حارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ ويكفيك دليلا على كفره ، ما ظهر من التواريخ عند

__________________

(١) أخرجه ابن عساكر في ترجمة الحسين من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي عن زيد بن أرقم قال المحمودي :

والحديث رواه ابن حبان في صحيحه (ج ٢) وساق سند ابن حبان عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم ، قال : ورواه ابن ماجة القزويني في الحديث (١٤٥) من سننه (ج ١ ص ٥٢) وفي ط (ص ٦٥) وساق سنده إلى السدي عن زيد بن أرقم ، قال المحمودي : ورواه عنه في الباب (٧) في الحديث (١٥) من السمط الثاني من فرائد السمطين ، قال المحمودي : ورواه الحاكم في باب مناقب أهل البيت من المستدرك (ج ٢ ص ١٤٩) وساق سنده إلى زيد بن أرقم قال : ورواه الخوارزمي بسنده ، قال : ورواه الترمذي إلخ ، ، ما ساقه المحمودي من تخريجه للحديث في ترجمة الحسين ـ عليه‌السلام ـ (ص ١٠٠) وما بعدها.

١٧٢

الظهور الذي لا يخفى من إنشاده عقيب فعلة الحرة ، وقتله من قتل من أولاد المهاجرين والأنصار ما لفظه :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا : يا يزيد لا شلل

فجزيناهم ببدر مثلها

وأقمنا ميل بدر فاعتدل

لست من عتبة إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

وهذه الأبيات لابن الزبعرى (١) لكنه زاد فيها الخبيث.

قال الفقيه حميد : ولا خلاف بين الأمة في أن ذلك كفر.

__________________

(١) ابن الزبعرى : قرشي شاعر ، كان هجاء للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ولأصحابه حتى كان فتح مكة وهرب ، ثم رجع وأسلم واعتذر للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بقصيدة قال في أولها :

يا خير من حملت على أوصالها

عيرانة سرح اليدين غشوم

إني لمعتذر إليك من الذي

أنشدت إذ أنا في الضلال أهوم

أيام تامرني بأسوإ خطة

سهم وتأمرني به مخزوم

فاليوم آمن بالنبي محمد

قلبي ومخطي هذه محروم

والله أعلم بحاله وبخاتمته.

١٧٣

(المسألة الثلاثون) : في بيان من يستحق الإمامة

فالذي يذهب إليه كثير من أهل البيت إلا من ذهب مذهب الإمامية منهم والجارودية (١) من الزيدية إلى (أن الإمامة بعد الحسن والحسين فيمن قام ودعى من أولادهما) فقط ، ومنعته أكثر الناس مثل المعتزلة والصالحية من الزيدية والخوارج والمجبرة ، وسائر الفرق الإسلامية ، وسيأتي الدليل عليهم.

وقول الشيخ : فيمن قام ودعى إشارة إلى أن القيام مع الدعوة مع جمع الشرائط الآتية هو الموجب للإمامة ، وإلى ذلك ذهب أهل البيت عليهم‌السلام أن من قام لله داعيا إلى الحق ونابذ الظلمة ، واحتمل أعباء الإمامة فقد صار بذلك إماما بويع أم لا. وقالت المعتزلة والصالحية من الزيدية : بل الطريق إلى ذلك هو العقد والاختيار على أصلهم ، وهذا قول (م بالله) فيما روي عنه ، وقد استدل على ذلك المتقدم بإجماع العترة ـ عليهم‌السلام ـ على اعتبار الدعوة وعلى اعتقاد أنها هي الطريق.

أما إجماعهم على اعتبارها فذلك مما لا خلاف فيه بينهم ، بل بين الأمة ما عدا أصحاب النص ، ولهذا فإن كل إمام منهم لا بد أن يقوم ويشمّر لاحتمال الأمر ، ومنابذة الظلمة والجهاد.

وأما إجماعهم على أن ذلك هو الطريق إلى الإمامة ، فلأنه هو المعروف من مذهبهم والمذكور في كتبهم والمشهور في سيرهم ، ولا يلزمنا في دعوى إجماعهم عليهم‌السلام أكثر من هذا ، كذا قيل في الاستدلال ، ولا يخفى أن غاية هذا الدليل الظن بأن ذلك هو

__________________

(١) الجارودية : فرقة من الزيدية منسوبون إلى أبي الجارود بن المنذر العبدي ، أثبت النص على علي ـ عليه‌السلام ـ بالوصف الذي لم يوجد إلا فيه ، كخصف النعل ، وإيتاء الزكاة حال ركوعه دون التسمية ، أي أن النص لم يكن على إمامته صريحا باسمه بأوصاف واضحة لم توجد إلا فيه ، ومن ثم كفروا من خالف ذلك النص ؛ لأنه كالتصريح باسمه ، وأثبتوا الإمامة في البطنين بالدعوة مع العلم والفضل وشروط غيرها إلى غير ذلك والله الموفق.

١٧٤

الطريق.

وذهبت الحشوية والكرامية والنواوي (١) إلى أن طريقها : القهر والغلبة ، ولا يخفى بطلان مذهبهم ، فإن الإجماع قائم في وقت الصحابة إلى أن طريقها ليست الغلبة ، وأن الفسقة قد يغلبون ، وقد قال تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] وكذلك يبطل قول من قال : إن طريقها الإرث بالإجماع من الصحابة على أنه ليس بطريق ، وإلا لطلبها العباس بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما اختلق هذا المذهب ابن الراوندي تقربا إلى خلفاء السوء.

وأما من قال : إن طريقها النص ، فإنه لا يثبت فيه شيء يعتد به ، ومن قال بذلك فعليه الدليل المتواتر.

ولا بد أن يكون هذا الداعي داعيا (وهو جامع لخصال الإمامة) ، وهي اثنا عشر شرطا ، أهمل المصنف منها ستة وهي : أن يكون بالغا ، عاقلا ، ذكرا ، حرا ، وأن يكون من العترة ، وألا يكون في عصره إمام سبقت دعوته ، وذكر ستة (وهي : العلم ، والورع ، والفضل والشجاعة ، والسخاء ، والقوة على تدبير الأمر).

أما البلوغ والعقل ، فالدليل عليهما ظاهر ؛ لأنه لا ولاية للصغير وغير العاقل على أنفسهما فضلا عن غيرهما.

وأما الشرط الثالث وهي الذكورة : فلأن الأنثى يتعذر عليها التصرف في أمور الإمامة من حيث الجواز ؛ لضرب الحجاب عليها وعدم إباحة الشرع لها رفع الستر.

قال الفقيه حميد : ولأن المرأة مولّى عليها ، فكيف يجوز أن تلي عقد النكاح على غيرها ، وقد قال الله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) [النساء : ٣٤] وقد حكى

__________________

(١) النووي : هو الحافظ محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الدين النووي ، ولد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة ، بنوى من أعمال دمشق ، صنف شرح مسلم ، ورياض الصالحين ، والأذكار ومؤلفاته كثيرة ، وكان زاهدا ومات سنة ٦٧٦ بنوى محل مولده وبلده.

١٧٥

أصحابنا الإجماع من الأمة على اشتراط الذكورة ، وقد حكى أيضا بعض أصحابنا الاتفاق على اشتراط البلوغ والعقل والحرية والسخاء والشجاعة والتدبير.

وأما الرابع وهو كونه حرّا : فلأنه لو كان عبدا لكان مملوك التصرف ، فلا ولاية له على نفسه فأولى على غيره. والخامس والسادس سيأتيان.

وأما الستة التي ذكرها المصنف فقد بينها بقوله : (وهي العلم) ؛ لأن الغرض الذي نصب له الإمام لا يتم إلا بالعلم ، ثم لا يكفي أن يكون عالما ، بل لا بد أن يكون مجتهدا عند أهل العدل وغيرهم.

وذهب الغزالي والإمام يحيى : إلى أنه يصح أن يكون مقلدا.

قيل : وهما مسبوقان بالإجماع ، وليس المراد بكونه مجتهدا أن يكون حافظا لأقوال الفقهاء وكتبهم وترتيب أبوابها ، مستحضرا لجميع المسائل ، فإن مثل ذلك لا يكاد يتفق ، ولكن لا بد من أن يتمكن من إيراد الأدلة وحمل المتشابه على المحكم ، وترجيح بعض الأقوال الفقهية على بعض ، ولا بد أن يكون مجودا في علم الكلام حتى يتمكن من إرشاد الضال وحل الشبهة ، ولن يتفق له ما تقدم إلا بأن يكون له علم بالأصول ، فيكون عالما بأنواع الخطاب التي هي الأمر والنهي والخبر ونحو ذلك ؛ لأنها هي الأدلة ، وكيفية دلالتها وكيفية الاستدلال بحقائقها ، ومجازاتها وصريحاتها ومفهوماتها ومفرداتها ومشتركاتها ، ويعلم الخاص لئلا يلغيه ، والناسخ لئلا يعمل على المنسوخ ، وكذا في سائر أبواب أصول الفقه ، ولا بد أن يكون مجودا في العلم بكتاب الله ، فيعلم منه ما يتعلق بالشرعيات ، قيل : وهي خمسمائة آية ، وقيل : أكثر ، وليس من شرطها أن يحفظها ، ولكن يعلم مواضعها ؛ ليطلبها عند الحاجة ، وأن يكون مجودا في العلم بالسّنة ، فيعلم أيضا ما يتعلق بالاجتهاديات ، وكذلك يعلم أحوال الرواة ، وكيفية الرواية ، ووجوه الترجيح ، وقيل : لا يشترط.

قال في ديباجة البحر ما لفظه : فأما علم أحوال الرواة تفصيلا ، وانتقاد أشخاصهم

١٧٦

جرحا وتعديلا فقبول المراسيل أسقطه ، وإنكاره سفسطة ، فإنه لما كان غاية محصوله التظنين ، ولم يستثمر به العلم اليقين حكم فحول علماء الأصول بقبول مراسيل العدول ، وأن رواية العالم العدل تعديل حيث لا يرى قبول المجاهيل. انتهى.

قال الإمام عز الدين : قلت بالغ ـ عليه‌السلام ـ في تسهيل الأمر وتيسيره كما بالغ حي السيد العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم (١) في تنكيده وتعسيره ، وخير الأمور أوسطها ، ولا أقل للمجتهد أن يطلع على نبذة وافية من علم الحديث وأحوال الرجال ، وما يفتقر إليه الإسناد ، ولا بد أن يكون مجودا في علم العربية ، فيعلم ما يحتاج إليه ، كمختصر في النحو ، وطرف من اللغة ، والعلم بطرق المعاني والبيان ، فقد عرفت بذلك بيان ما يحتاج إليه ، وهو علم الأصوليين على خلاف في أصول الدين ، لكن ينبغي التحقيق في أصول الدين فإنه أساس الاجتهاد ، وعلم شيء من أحكام القرآن ومن السنة ، ككتاب الشفاء ، أو سنن أبي داود (٢) ، وعلم العربية فهذه خمسة علوم.

وأما المنطق فمنهم من اعتبره ، والأصح أنه غير محتاج إليه.

وأما الفقه فقيل : لا يحتاج أن يعلم منه إلا مسائل الإجماع القطعية لئلا يخالفها باجتهاده ، وأما المسائل غير المجمع عليها فليس العلم بها من علوم الاجتهاد ، وإنما هي تستنج بعلوم الاجتهاد ، فإنه إذا علم مسائل الإجماع وآيات الأحكام ، وجملة صالحة من

__________________

(١) علي بن محمد أبي القاسم : ينتهي نسبه إلى الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ هو العالم الكبير ، والجهبذ الخطير ، قرأ على إسماعيل بن إبراهيم النجراني في التفسير وغيره ، وعلى ناجي بن مسعود ، وعلى أحمد بن سليمان الأوزري في الحديث وغيرهم ، وكان ـ رحمه‌الله ـ مقدما سابقا في جميع العلوم ، بالفضائل معروف ، وبخصال الكمال موصوف ، له مؤلفات في التفسير منها التحرير ، اثنى عليه الإمام عز الدين ـ عليه‌السلام ـ ، وله التفسير الكبير وغيره ، وله مؤلف في العربية ، وهو شيخ محمد بن إبراهيم الوزير ، وجرت بينهما وحشة سببت لتأليف رسالة من السيد ، أجاب عنها محمد بن إبراهيم بالعواصم والقواصم ، توفي ـ رحمه‌الله ـ سنة ٨٣٧ ، ا. ه.

(٢) أبو داود : هو الحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني ، ولد سنة اثنتين ومائتين ، وتوفي لأربع عشرة بقين من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين ، له السنن في الحديث مشهورة ا. ه.

١٧٧

الأخبار مع ما تقدم أرشده ذلك إليها.

وأما الفقيه حميد فإن في كلامه ما يقضي بأنه لا بد أن يكون له معرفة في الفقه في مسائل الإجماع وغيرها ، وقد ذكره غيره.

قال الإمام يحيى : ولا يلزم الإحاطة بجميع الإجماعات ، بل يكفيه أن لا يفتي بحكم قد وقع الإجماع على خلافه.

قال الإمام عز الدين عادت بركاته : تنبيه : اعلم أن أقوال العلماء مختلفة في تبعيد الاجتهاد وتقريبه ، وتيسيره وتعسيره ، وكثيرا ما يذكر الأصحاب أنه يكفي في الاجتهاد قراءة كتاب من كل فن ، وإن كان مختصرا ، كالخلاصة في الكلام ، والمجزي أو الفائق في الأصول ، ومعرفة آيات الأحكام ، ومعرفة كتاب من كتب الحديث كالسنن لأبي داود أو شفاء الأوام ومقدمة طاهر (١) أو ابن الحاجب (٢) ، وكتاب المجمل لابن فارس في اللغة ونحو ذلك.

والتحقيق : أن مثل هذا لا يقف على تحديد ، فإن أحوال القراءة وطلب العلم يختلف ، فمنهم من يستثمر ويستفيد بأيسر علاج ، ومنهم من لا يتم له ذلك إلا بعد التعب والنصب ، وكثرة مدارسة الكتب ، وذلك لأن العلوم منح إلهية ومواهب اختصاصية.

(و) الثاني من الستة (الورع) ومعنى الورع : الكف عن المحرمات ، والقيام بالفرائض الواجبات ، واشتراطه مذهب الزيدية وجماهير العدلية وغيرهم.

قال الإمام يحيى : ولا يشترط حصول أعلى مراتب الكمال والورع والزهد ، ولكنّ مقدار الغرض يحصل بمجانبة الكبائر ، والتنزه عن الأمور المستسخفة ، انتهى.

__________________

(١) طاهر : نحوي له المقدمة في النحو ، اعتنى بشرحها كثير من العلماء ، منهم الإمام يحيى بن حمزة ـ عليه‌السلام ـ والإمام المهدي ـ عليه‌السلام ـ وابن هطيل وغيرهم.

(٢) ابن الحاجب : هو عثمان بن أبي بكر بن يونس أبو عمرو ، جمال الدين ابن الحاجب فقيه مالكي ولد في أسنا (من صعيد مصر) عام ٥٧٠ ه‍ ونشأ في القاهرة ومات بالإسكندرية عام ٦٤٦ ه‍.

١٧٨

وقالت الحشوية : لا يشترط ذلك ؛ لأنهم لا يشترطون إلا التغلب على الأمر ، لنا قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] فإن المراد بالعهد الإمامة على ما يقضي به سياق الآية. قال جار الله عند تفسير قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] : أن من كان ظالما في ذريتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة ، وإنما ينال من كان عادلا بريئا من الظلم ... إلخ ما قاله ، وقد استدل على ذلك بالإجماع أيضا من الصحابة.

(و) الثالث (الفضل) ولا خلاف فيه ، فإن الصحابة فزعوا يوم السقيفة إلى ذكر المناقب والمفاخر ، فعد الأنصار فضائلهم ، وحاجّهم أبو بكر بتقرير امتياز المهاجرين بالفضل ، واختلف ما ذا أريد بالفضل ، فقال (ص) بالله : ليس بشرط زائد ، بل المرجع به إلى جمع الشرائط التي للإمام التي هي العلم والورع ، والسخاء والشجاعة ، والقوة على تدبير الأمور وسياسة الجمهور ، وهو اختيار غيره أيضا ـ عليه‌السلام ـ فلا ينبغي أن يعد شرطا مستقلا ، وقيل : المرجع به إلى الصلاح في الدين والعفة ، فيكون معناه معنى الورع.

قال بعضهم : الأصح أن المراد به أن يكون له من المحافظات على الطاعات والتجنب للمكروهات ما يعتاد كثير من الصالحين ، ويكون بينه وبين القبيح حاجز كما هو شيمة كثير من الصالحين من اعتياد كثير من الطاعات غير الواجبة ، وتجنب كثير مما لا يقطع بقبحه ، كما قيل : إن لكل ملك حمى ، وحمى الله محارمه.

قال الإمام عز الدين ـ عليه‌السلام ـ : وليس المراد بالأفضل أن يكون أكثر ثوابا قطعا ، واختلف في هل يجب أن يكون أفضل أهل زمانه أولا؟

فقالت الإمامية : يوجب ذلك وقت الصحابة وبعدهم ، وقال أكثر المعتزلة والصالحية من الزيدية رواه عنهم ابن الملاحمي في الفائق : يكفي أن يكون من جملة أفاضلهم وقت الصحابة وبعدهم ، واستدلوا على ذلك بأن المرجع بالفضل إلى كثرة الثواب ، وذلك

١٧٩

مجهول. وأيضا فمعرفة الأفضل متعذرة بعد وقت الصحابة ؛ لكثرة الفضلاء وخفائهم ، وأيضا فقد جعل عمر الشورى في ستة متفاوتين في الفضل ولم ينكر عليه. ومنهم من قال : يجب أن يكون أفضل أهل زمانه في وقت الصحابة وبعدهم ، وقد نسبه كثير من أصحابنا إلى الزيدية.

قيل : وممن نص على ذلك الهادي ـ عليه‌السلام ـ والقاسم والناصر (١) والمؤيد ، وحجة أهل هذا القول : أن الإجماع منعقد على جواز إمامة الأفضل ، ولا دليل يدل على جواز إمامة المفضول ، من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، فوجب قصرها على الأفضل ، وما سبق من الصحابة من عد الفضائل وتقرير الامتياز فيها ، ويمكن أن يقال : ليس عدم الإجماع على جواز إمامة المفضول يقدح في ذلك ؛ لأن الأدلة قد دلت على وجوب الإمامة وعلى أن الإمام لا بدّ له من شرائط ، وقد حصلت في حق المفضول وافية ، فعلى المانع من صحة إمامته الدليل ، وأما فزع الصحابة ، فإنما يؤخذ منه أنّ الأفضل أولى ونحن لا ننكر ذلك.

(و) الرابع (الشجاعة) : والمراد أن يكون له من رباط الجأش ما يتمكن معه من تجييش الجيوش ، والوقوف في الصفوف ، وتعبئة العساكر وحثهم على القتال.

قال الإمام يحيى : ولا يلزم أن يكون حاصلا في الرتبة العلياء من الشجاعة.

قال الفقيه حميد : الواجب أن يعد واحدا من الشجعان سواء حصل ذلك بالقتل

__________________

(١) الناصر الأطروش : هو الإمام الناصر للحق : الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ ، وهو الملقب بالأطروش ، والملقب بالناصر الكبير ، أحد أئمة الزيدية وعظماء الإسلام ، كان عالما مجتهدا ، زاهدا ورعا أديبا ، عظيم القدر واسع الصدر ، مولده سنة ٢٣٠ ، برّز في العلوم وبلغ فيها مبلغا عظيما ، ودعا إلى الله تعالى بأرض الديلم ودخل طبرستان ، وأسلم على يده عالم من الناس قال السيد في بسامته :

وكان إسلام جستان على يده

في ألف ألف من العباد للشجر

توفي ـ عليه‌السلام ـ بآمل في شعبان سنة ٣٠٤.

١٨٠