الإصباح على المصباح في معرفة الملك الفتاح

ابراهيم بن محمد بن أحمد المؤيدي

الإصباح على المصباح في معرفة الملك الفتاح

المؤلف:

ابراهيم بن محمد بن أحمد المؤيدي


المحقق: عبدالرحمن بن حسين شايم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٣

١

٢

٣
٤

مقدمة المحقق

إن علم العقائد الذي هو علم التوحيد علم من أفضل العلوم ، نطقت الآيات القرآنية بفضله ، وصرحت الأحاديث النبوية بنجاة أهله ، فالتوحيد ثمن الجنة كما ورد ، فالظفر به من أجلّ الفوائد ، ورد شبه المضلين من أعذب الموارد ، وقد كثرت فيه الآراء ، واتّبعت فيه الأهواء ، من فرق ضلت سواء السبيل ، واتبعت ثنيات الطريق ، من ملاحدة ينكرون الصانع المختار ، وسوفسطائي ينكر المشاهدات والضروريات ، وفلسفي يثبت التأثير للعلل بالإيجاب ولا يبالي ، وباطني يقول بالسابق والتالي ، وثنوي يقول بالنور والظلمة ويدين بالقديم الثاني ، وبرهمي ينفي النبوة ، وأشعري يقول بقدم المعاني ، ومجسم يشبّه الله بالمحدثات ، ويقول إن له تعالى أعضاء وجوارح وآلات ، ومجبري يدين بأن الله يخلق أفعال العباد ، وأنه تعالى يريد المعاصي ويرضى بالفساد وأنه لا يقبح من الله قبيح ؛ لأنه رب أو غير منهي أو مالك ، وأنه يفعل الفعل لا لغرض ، وأنه يضل عن الدين ويأمر بالإيمان ويمنع منه ، ويكلف ما لا يطاق ، وينهى عن الكفر ويخلقه ويزينه ، ومرجئ يغري المكلفين بالمعاصي ويمنيهم بغفرانها ، أو بخروجهم من النار إلى غير ذلك من المذاهب الردية التي انتحلتها فرق الضلال وبالغوا في نصرتها بالأعمال والأقوال ، لذلك قام أئمة الآل الذين اصطفاهم الله وطهرهم وعصم جماعتهم ، وأمر بالتمسك بهم اقتفاء منهم للكتاب العزيز ، فبنوا أصول عقيدتهم على الأدلة العقلية ، ودعموا ذلك بالأدلة النقلية من محكمات آيات القرآن ، وردوا المتشابه إلى المحكم ، ونظروا إلى ما صح عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موافقا لأدلة العقول ومحكمات الآيات ، فعزّزوا به تلك

٥

الأدلة النيرات ، وتصفحوا كلام باب مدينة العلم أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين (صلوات الله عليهما وعلى آلهما) فهو أول المتكلمين ورأس الموحدين ، فنسجوا على منواله ، واحتذوا على مثاله ، فزكت عقائدهم ، وصفت مشاربهم ، وكثرت مؤلفاتهم ، وردوا على خصومهم ، فأناروا السبيل لطالب الحق ، جزاهم الله عن الإسلام وأهله خيرا ، وإنّ من أحسن ما ألّف في هذا الفن هذا الكتاب الذي نقدّم له وهو الكتاب المسمى ب (الإصباح) ، فهو كتاب نفيس على صغر حجمه ، قد جمع مؤلفه أمهات المسائل ولخص واضحات الدلائل ، فهو تذكرة للمنتهي وتبصرة للمبتدئ ، فهو اللباب ، والعذب الخالص المستطاب ، ولرجاء النفع به فقد قمت بتصحيح أصله وبتكميل الناقص منه ، وبتعليقات وجيزة إكمالا للفائدة ، وبترقيم الآيات التي احتج بها المؤلف وبإشارات خاطفة حول تراجم رجاله ، وليس عملي هذا كما يقوم به المحققون من أهل العصر ، وإنما هو عبارة عن إخراج الكتاب إلى حيز الوجود.

ترجمة المؤلف

هذه نبذة يسيرة من ترجمة مؤلف كتابنا هذا (الإصباح على المصباح) ، مأخوذة من الكتب التاريخية من كتاب (الأنوار البالغة شرح الدامغة) للعلامة : الحسن بن صلاح الداعي ـ رحمه‌الله ـ ومن (التحف شرح الزلف) للمولى العلامة : مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي اليحيوي متع الله بحياته ، ومن (طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى) المطبوع باسم تاريخ اليمن لعبد الله بن علي الوزير ـ رحمه‌الله ـ قال في الدامغة :

والبدر ناصر دين الله سيدنا

الناصر القوم إبراهيم خير ولي

سبط الأئمة من أبناء فاطمة

من الوجود وعين الآل عن كمل

داع أقام لأهل العلم دولته

وفيه ألّف علما غير ذي خلل

٦

وسلم الأمر مختارا وقلده

نجم الأئمة إسماعيل ثم خلي

وقال مولانا العلامة مجد الدين بن محمد المؤيدي حفظه الله :

وعارض إسماعيل ناصر ديننا

إمام لأطراف الشمائل جامع

ثم قال في شرح هذا البيت في صفحة (١٥٨) الطبعة الأولى ، وصفحة (٣٣٥) الطبعة الثالثة : هو الإمام الناصر لدين الله : إبراهيم بن محمد الملقب (ابن حورية) بن أحمد بن عز الدين بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن ـ عليهم‌السلام ـ قام على نهج آبائه ، مقتفيا أثر أسلافه ، وكان ممن آتاه الله بسطة في العلم ، وردّاه بجلباب الحلم ، ثم نظر في إصلاح أمة جده فسلم الأمر للمتوكل على الله إسماعيل.

دعوته عليه‌السلام

سنة أربع وخمسين وألف ، قبضه الله سنة ثلاث وثمانين وألف ، وقد طلع بعد دعوته إلى جبل برط ، وأقام فيه مدة ، وله قصيدة في مدح أهله ؛ لقيامهم بنصرة الأئمة من أهل البيت (عليهم‌السلام).

مؤلفاته

ومن مؤلفات الإمام الناصر : (الروض الحافل شرح متن الكافل) لابن بهران في أصول الفقه ، و (شرح الثلاثين المسألة) في أصول الدين ، و (قصص الحق المبين في حكم البغي على أمير المؤمنين) ، و (شرح على هداية ابن الوزير) في الفقه ، و (المسائل المهمة في المعمول عليه من أقوال الأئمة) ، و (اللمعة الذهبية في بعض القوانين الخطية).

أولاده

عبد الله ، ومحمد ، ويحيى ، وأحمد.

٧

وقال العلامة الحسن بن صلاح الداعي ـ رحمه‌الله ـ في شرح أبياته : هو الإمام الكبير الخطير الشهير الناصر لدين الله : إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عز الدين بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن ـ عليهم‌السلام ـ اليحيوي صاحب العلم الغزير الشهير ، والقدر الخطير ، فنذكر أولا علمه :

فله في إحياء العلم على فنونه ما لم يكن لغيره من المتأخرين ، حتى كان يقرأ في اليوم والليلة أربعة أدوال في العلم على فنونه ، وله من المؤلفات كتاب تنقيح الأنظار في شرح هداية الأفكار أربعة مجلدات ، وله شرح على الثلاثين المسألة واسمه (الإصباح على المصباح) وهو هذا الذي بين يديك .. وغير ذلك من المؤلفات ، وله رسائل عجيبة ، وجوابات على المسائل غريبة ، وكان حسن السيرة صالح السريرة من المحل الأعلى في قدر العلماء الكبار ، وفي التواضع والعبادة للحيّ القيوم مع الإحسان إلى المسلمين ، وإكرام الوافدين ، والغلظة على الظالمين ، والهيبة على الفاسقين.

دعوته عليه‌السلام

ودعى عقيب موت المؤيد بالله : محمد بن القاسم ـ عليه‌السلام ـ مع دعاة عدة ، وكان الغلبة فيها وثبوت الإمامة للإمام المتوكل على الله : إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ.

ثم دعى الناصر لدين الله الدعوة الثانية لأسباب ثانية بينه وبين أجناد المتوكل على الله ، وساق كلاما وأورد التنحية الفصيحة وذكرها صاحب طبق الحلوى ، ووجدتها بقلم الإمام ـ عليه‌السلام ـ ونقلتها في غير هذا الموضع.

ثم قال الحسن بن صلاح ـ رحمه‌الله ـ : وله أشعار فائقة وأقوال رائقة ، منها القصيدة التي فعلها لما غدر به أبو طالب أحمد بن المنصور بالله بعد الأمان ودخوله إلى صعدة تحت المضلة وفوق الحصان بأمان مؤكد ، وعقد مشدد في الدعوة الأولى فقال :

توكل على الرحمن في السر والجهر

فأفراجه تأتيك من حيث لا تدري

٨

ثم وصف الغدرة بقوله :

هم غدرونا تحت ظل بيوتهم

وفوق قراهم لا رعى الله من يقري

ثم ساق كلاما طويته طي البساط ، ثم قال : فأحيا الله بعد تسليمه مدارس العلم ، ونعش الشريعة بالحكم ، ونفع الله المسلمين بذلك نفعا ظاهرا ، وتوفي إلى رحمة الله في شهر ربيع الآخر يوم عشرين من سنة ثلاث وثمانين وألف ، وقبر في هجرة فلله في القبة الداخلية شامي الجامع إلى جهة الغرب ، وفوق القبة الدار المطلة عليها ، وهو مشهور مزور ـ سلام الله عليه ـ وتوفي في عشّة آل أبي الحصين فحمل ليلا إلى هجرة فلله.

وقال في طبق الحلوى صفحة (١١٣) من المطبوعة : ودخلت سنة ست وخمسين وألف ، فيها أعلن السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد بدعوته ودعى الناس إلى بيعته وهو من العلم بمكان ، ومن المنصب بحيث لا يختلف اثنان.

من آل يحيى مساميح قساور في ال

هيجاء سنع الأسامي مسبلي الأزر

وله هناك أتباع وأعوان ، قد حل منهم محل الروح من الأبدان ، فهو أنفس عندهم من الزمرد الأخضر ، وأعز على خواطرهم من الكبريت الأحمر ، يودعون دراري فتاواه أصداف قلوبهم ، ويحملون أثقال جدابه على عيونهم فضلا عن جنوبهم ، كلامه أندى على قلوبهم من القطر ، ومفاكهته ألطف على خواطرهم من مقاربة النهر بعيون الزهر ، فبمجرد أن يشير يأتمرون ، وعلى تقلب أنفاسه يميلون ... إلخ.

وقد ذكره في حوادث سنة سبع وستين ، وذكره في حوادث سنة ثلاث وثمانين.

قلت : ومن شعر المترجم له القصيدة الفريدة التي أرسلها للإمام إسماعيل ـ عليه‌السلام ـ يحثه على تفقد طلبة العلم بالمشهد اليحيوي الهادوي بصعدة :

أمير المؤمنين فدتك نفسي

أتتك عروس فكر أي عرس

تذكرك المدارس كيف صارت

لتدرك شمسها من قبل طمس

٩

فإني قد رأيت العلم أشفى

أما تشفيه قبل حلول رمس

وتدرك من مدينتنا حياة

فليس الطب بعد خروج نفس

وتعمر من معالمها خرابا

بأمر منك في منشور طرس

فأمرك والمهند في سواء

وعدلك في الورى يضحي ويمسي

أما كانت ليحيى من قديم

مهاجر كل شيعي ورسي

وللمنصور يوم معين فيها

مقام عند ربك غير منسي

به قامت جهابذة كبار

بدعوته وفيها كل نطسي

وما زالت لعلم الآل فيها

جبال شامخات ليس ترسي

ووقت أبي الحسين بها مئات

أبوك لهم وسيطة عقد درس

فلو عينيك تنظر كيف صارت

مدارسها دوارس مثل أمس

ومن فيها من الطلاب يمسي

يفكر كيف في تحصيل فلس

لأن حقوقهم صارت نهابا

وحظهم من الصدقات منسي

فهل يرضى إلهك مثل هذا؟!

وقد ولّاك ربي كل نفس

وحاشا أن تغاضى مثل هذا

وأن ترضى بتطفيف وبخس

وترجمه العلامة عبد الرحمن بن حسين سهيل في كتابه بغية الأماني ترجمة ممتعة ، قال في آخرها : وممن أخذ عنه ولده السيد الإمام الهادي : أحمد بن إبراهيم ، وسيدنا أحمد بن علي شاور ، والقاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال ، وعدة من العلماء ، وهو أخذ عن السيد صلاح بن أحمد بن المهدي ـ رحمه‌الله ـ ، وعن غيره وأجازه الإمام المؤيد بالله إجازة عامة ، وله كرامات منها : ما رواها عنه القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال ـ رضي الله عنه ـ قال : حكى لي شيخي شيخ آل الرسول إبراهيم بن محمد المؤيدي (أسعده الله) قال : لما حججت إلى بيت الله لم أشعر إلا برجل جليل المقدار من العجم

١٠

له بشارة حسنة ، فسألني ما مذهبي؟ فأخبرته ، فقال : يا مولاي رأينا علي بن الحسين وجماعة من آل محمد أظن أن منهم السبطين هذا ظن مني أنا ، قال : رأيت هؤلاء يصلون خلفك فعلمت أن الحق مع طائفتك ، وطلب من السيد أن يضع له موضوعا في الأصول والفروع ففعل.

وعلى الجملة فإنه كان من آيات الله الباهرة. الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وتوفي في شهر ربيع آخر يوم عشرين منه سنة ثلاث وثمانين وألف ، وكانت وفاته بالعشّة من مخاليف صعدة ، فحمل بليلته تلك إلى هجرة فلله وقبر بها ، وقيلت فيه المراثي منها ما رثاه بها الفقيه صلاح الدين صلاح بن حفظ الله ـ رحمه‌الله ـ وهي طويلة مطلعها :

هي المصيبة منها القلب في حرق

والجسم من فيض دمع العين في غرق

هذا ولكن بدمع أو تفيض دما

لا ارتضى الجفن ما لم يجر بالحدق

إلى أن قال :

كلّ حزين على مقدار همته

وقدر ما قد دهانا جل لم يطق

لموت من كان نورا تستضاء به ال

آفاق وهو قد استعلى على الأفق

عجبت من جسم إبراهيم مهبطه

في الأرض والروح في أعلى السماء رقى

إلى أن قال :

والله إن مات إبراهيم إنّ به

موت المحابر والأقلام والورق

انظر تصانيفه في العلم كيف أتت

للآي والسنة البيضاء على نسق

خليفة الأنبياء والمرسلين فمن

في المشكلات يرى الفتاح للغلق

كم في هدى وضلال ألبست أمم

فكنت فارقتها يا مفتي الفرق

من للمساجد؟ بل من للمدارس؟ بل

من للشريعة عن كيد الغواة يقي؟

١١

من للمنابر يعلوها لموعظة

إن يرقها غير إبراهيم لم ترق؟

 ... إلخ تركتها خوف الإطالة.

ورثاه القاضي العلامة الصدر المقول ، صفي الإسلام والمسلمين : أحمد بن صالح أبي الرجال ـ رحمه‌الله ـ بهذه الفريدة الغراء فقال :

أجدّك أنّ الدهر نابت نوائبه

وشابت صفاء الصالحين شوائبه

وعطّل عن دست العلوم مليكه

وسارت إلى جنات عدن ركائبه

وفاض خضمّ العلم وهو غمطمط

وقد مليت بالطيبات مراكبه

وغابت شموس الفضل في وسط الضحى

فعمّت من الجهل القبيح غياهبه

أجل هذه أشراط يوم معادنا

فمن ذا الذي يلهو وتصفو مشاربه

فما بال رضوى لا يدك فهذه

غربية دهر ما تزال غرائبه

ألم يدر رضوى أنه مال شامخ

رفيع يمس الزاهرات مناكبه

إمام علوى كان فرد زمانه

إذا ذكرت في العالمين مناقبه

أناف على الماضين في العلم والنهى

كما سبقت في العالمين مناسبه

سليل رسول الله وابن وصيه

ومن كرمت في الناسبين ذوائبه

عليم إذا تملى العلوم تضايقت

من الأفق الرحب الوسيع جوانبه

ففي النحو ما عمرو بن عثمان مثله

وإن كرهت ذا المدح فيه نواصبه

وعلم المعاني والبيان فسعده

استقام على ساق وجاءت عجائبه

وعلم أصول الفقه فهو إمامه

يرى منتهى التحقيق إن جاء طالبه

وعلم أصول الدين أبدى خفيّه

بمعراج تحقيق ولاحت كواعبه

وحقق في تفسير كل غربية

شكا من خفاها ثابت العقل ثاقبه

خرائد من علم الكتاب تحجبت

فلمّا أتى لم يغلق الباب حاجبه

١٢

ويملي حديث الآل حتى كأنما

رأى ما حكى طه وما قال حاجبه

وأما فروع الفقه فاقتاد ركنها

فجاءت بأنفال الفروع نجائبه

ونظم من هدي العلوم جواهرا

ترى العقد منها كالنجوم ثواقبه

ولله ما أسنى الظلام إذا أتى

بمحرابه والنور فيه يصاحبه

إلى أن قال :

يقطع ساعات من الليل تاليا

ومدمع عينيه تفيض سحائبه

وإنّ لنا من بعد غيبته ملا

مناصبهم في الصالحات مناصبه

بنوه أجل الناس قدرا ورتبة

إذا اجتمعت عجم الورى وأعاربه

أضاءت لنا أحسابهم ووجوههم

دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه

يقول فتاهم حين يذكر مجدهم

إذا دبّ من خبّ إليهم عقاربه

وإني من القوم الذين هم هم

إذا غاب منهم سيد قام صاحبه

نجوم سماء كلما انقض كوكب

بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

انتهى المختار من هذه الفريدة ، ولله در منشيها فهي تدل على خيم طاهر ومعتقد صالح ، وولاء ظاهر.

وللإمام الناصر إبراهيم بن محمد ـ عليه‌السلام ـ أولاد كرام ، منهم ولده الإمام الهادي لدين الله : أحمد بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله إبراهيم بن محمد رضوان الله عليهم.

قال الحسن بن صلاح الداعي ـ رحمه‌الله ـ في الدامغة :

وسيف صارم دين الله أحمدنا ال

مرجو للخير والملحوظ بالمقل

 ... إلخ الأبيات.

١٣

قال في شرحها : هو السيد الإمام ، والعلم الهمام ، شمس الملة والإسلام ، الهادي إلى الحق : أحمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عز الدين ـ عليه‌السلام ـ ، وقد مر ذكر أبيه ـ عليه‌السلام ـ ، وكان هذا السيد آية زمانه خلقا وخلقا وعلما وعملا ، كثير التواضع لحسن خلقه وخلقه وكرم طبعه ، تام الخلقة ، من سمع بصفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توسمها فيه ، لا يدانيه في كرمه في زمانه أحد ، ولا ينازعه في جوده في حياته وبعد وفاته من اتهم ولا من أنجد ، كان يستدين الديون الكثيرة مع نذوره الواسعة الغزيرة حتى مات ، إلى أن قال : ورقى في مراقي العلم ما لم يرق فيها غيره ، وشرح على متن الأزهار أوراقا قليلة عاقه عن إتمامها اشتغاله بترادف المحن ومشقة الزمن ، وتوفي ـ رحمه‌الله ـ في شهر ربيع الأول سنة ١٠٩٩ ه‍. تسعة وتسعين وألف هجرية ، وهو في قدر ثمان وأربعين سنة أو تسع وأربعين ، وقبره في عشة أبي الحصين بقبلة المسجد المسمى (مسجد غافل) ، وهو من الدعاة الذين دعوا بعد موت المتوكل على الله إسماعيل ، ومن المعاصرين له ، وتكنى بالهادي إلى الحق وبقي أياما على دعوته وتنحى للإمام القاسم بن محمد .. ، إلخ كلامه.

ثم ذكر وفاته ومرثاته التي مطلعها :

دعواك أنك محرق لا تسمع

أبدا وأنت على الأرائك تهجع

وذكر ولده محمد بن أحمد بن إبراهيم ، ووفاته بعد وفاة والده في شهر صفر سنة اثنتين ومائة وألف ، وذكر بقية أولاد الإمام الناصر إبراهيم بن محمد ـ عليه‌السلام ـ وهم : محمد بن إبراهيم ، ويحيى بن إبراهيم ، وإسماعيل ، وحسن ، وعبد الله ـ رحمهم‌الله ـ وإيانا وألحقنا بهم صالحين.

وبهذا ينتهي ما أردناه والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله.

بقلم المفتقر إلى الله : عبد الرحمن بن حسين شائم. وفقه الله.

١٤

مدخل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله الطاهرين.

وبعد : فيقول المفتقر إلى رحمة الله وعفوه عبد الرحمن بن حسين شائم المؤيدي أيده الله وثبته في الدارين : إن الله وله الحمد يسر لنا الاطلاع على علق (١) نفيس يتنافس فيه المتنافسون ، ويرغب في اقتنائه وتحصيله المحصلون ، ألا وهو (شرح مصباح العلوم) المعروف بالثلاثين المسألة للرصاص (٢) ، ذلك الشرح الذي تنشرح به الصدور ، لمؤلفه الإمام علم الأعلام حجة الله على الأنام الناصر لدين الله : إبراهيم بن محمد المؤيدي اليحيوي ، بل الله بوابل الرحمة ثراه ، وجعل الجنة مقره ومثواه ، فوجدته شرحا قد حوى من مسائل علم الكلام وأدلتها ما يشفي الأوام ، ومن حل شبه الخصوم وردّ أقاويلهم الباطلة فوق ما يرام ، مع إيفاء المطالب في إيجاز ، وبلاغة تكاد أن تقارب حد الإعجاز.

__________________

(١) العلق بالكسر النفيس من كل شيء ، وجمعه أعلاق ، تمت. مختار صحاح.

(٢) هو القاضي العلامة : أحمد بن الحسن بن محمد الرصاص أحد أعلام الزيدية ، ومن كبار علمائها ، أصولي متكلم فقيه ، درس على والده الشيخ : الحسن بن محمد الرصاص تلميذ القاضي جعفر بن أحمد عبد السلام ، واشتهر بمصنفاته العظيمة في الفقه ، وتخصصه في علم الكلام ، قال في المستطاب في علماء الزيدية الأطياب : درس على والده الشيخ الحسن ، وله تحقيق لا سيما في علم الأصول ، وفي الجواهر المضيئة : أخذ الكلام عن أبي القاسم صاحب الإكليل وغيره ، وعنه حميد الشهيد ، ومن مؤلفاته : مصباح العلوم هذا الذي شرحه الإمام بهذا الشرح ، والشهاب الثاقب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والخلاصة ، والواسطة ، وحقائق الأعراض وغير ذلك من المؤلفات.

١٥

ولما كانت النسخة التي عثرت عليها هي مسودة التأليف ـ أعني نسخة الإمام بخط يده ـ رأيت أن من الصواب إخراجها ونسخها ، ثم رسمها ونشرها لتخرج إلى رواد علم الكلام ؛ لأن ذلك من المعاونة على البر.

ولكون النسخة المشار إليها قد اخترم من أولها خطبة الكتاب وسقط من أصل المسائل بعض صفحات ، من المسألة الأولى بعض الرد على أهل النجوم ، والمسألة الثانية (مسألة قادر بكمالها) وبعض (مسألة عالم) فقمت بإكمال ذلك النقص لتمام الفائدة ، فإن سهل الله تعالى بنسخة كاملة ، وصلنا كلام المؤلف بعضه ببعض ، وإلا فليس لي من قصد إلا إفادة الطالب والأجر من الله تعالى.

وأول كلام الإمام عليه‌السلام دعاءه للشارح المحقق بقوله عليه‌السلام :

عمر (١) الله به ربوع (٢) المدارس وقوّم به أركان (٣) العلم الدارس (٤) ، فشفى بشرحه عليل مهج (٥) الصدور ، وأزرى بمقاله حسن كل مصدور ، وجمع من علوم الآل شتاتا ،

__________________

(١) ابتدأ كلام الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، قوله : عمر الله به ... إلخ. ولعل المراد القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس ـ رحمه‌الله ـ.

وهو القاضي شمس الدين أحمد بن يحيى حابس الصعدي ، قرأ قراءة نافعة على شيوخ زمنه ، منهم القاضي سعيد بن صلاح الهبل ، ورحل إلى الإمام الأعظم القاسم بن محمد ـ عليه‌السلام ـ وانتفع بعلومه ، وأخذ على العلامة داود بن الهادي وغيرهم ، وله من الإمام القاسم إجازة عامة ، وله مؤلفات : شرح الكافل وشرح الثلاثين المسألة ، والمقصد الحسن ، وشرح تكملة الأحكام ، والتكميل كتاب جامع حافل كمّل به شرح ابن مفتاح على الأزهار ، وكتاب سلوة الخاطر ، وله تلامذة أجلاء ، وتولى القضاء بصعدة ، والخطابة بجامع الإمام الأعظم الهادي ـ عليه‌السلام ـ وإمامة الصلاة ، وكان يسميه العلامة المفتي ـ رحمه‌الله ـ المحقق ، توفي رابع ربيع الأول سنة ١٠٦١ ه‍. إحدى وستين وألف ، وقبر في مقابر سلفه ـ رحمه‌الله ـ.

(٢) جمع ربع ، والربع الدار بعينها حيث كانت ، وجمعها رباع وربوع وأرباع وأربع ، والربع أيضا المحلة ، تمت. مختار صحاح.

(٣) ركن الشيء جانبه الأقوى ، تمت. مختار.

(٤) درس الرسم عفا وبابه دخل ، ودرس الثوب خلق ، وبابه نصر ، تمت. مختار.

(٥) المهجة الدم ، وقيل : دم القلب خاصة ، وخرجت مهجته أي روحه ، تمت. مختار.

١٦

وزخر (١) بحره أبلج (٢) عذبا فراتا ، لكن لما تقاصرت الهمم كادت أن تغرق الأفهام في تلك الأمواج ، ولتشعب الأقوال عليهم لم يؤمن عدم اهتدائهم إلى المنهاج ، فدعتني الهمة القاصرة إلى تعليق مختصر يكون وافيا ، وندبتني الخواطر الفاترة إلى تبيين مقاصد المختصر تبيينا شافيا من غير تطويل ممل ، ولا اختصار مخل ، ولا انتحال شيء من الأنظار ، بل أخذته من أقوال النظار ، فإن جاء حسنا فلفضل المتقدمين ، وإن غير ذلك فلقصوري الواضح المبين ، ومن الله أستمد الهداية وأستعينه في البداية والنهاية ، إنه ولي ذلك والقادر على ما هنالك :

قال المصنف مبتدئا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أي بسم الله أبتدئ تأليف هذا الكتاب ، ومعناه أستعين على ذلك بالتسمية ؛ ليمنها وبركتها ، فالباء للاستعانة ، ويقدر الفعل متأخرا عنها لإفادة الاختصاص ، والبداية بالبسملة لدليلين : عقلي ، وسمعي :

أما العقلي : فلما تقرر في العقول من وجوب شكر المنعم والاهتمام به ضرورة ، والثناء باللسان هو أحد شعب الشكر ، فلا يظهر الاهتمام إلا بالتقديم.

وأما السمع : فلما ورد في الكتاب العزيز نحو : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها) [هود : ٤١](إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠] وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل أمر ذي بال لم يذكر اسم الله عليه فهو أجذم» (٣) وقيل : أبتر ، وقيل : خداج ، روته عائشة ، وقد حسنه بعض الحفاظ ، والمعنى بذلك منزوع البركة.

__________________

(١) زخر الوادي امتد جدا وارتفع ، وبحر زاخر ، وبابه خضع ، تمت. مختار.

(٢) أبلج البلوج : الإشراق ، يقال : أبلج الصبح أضاء ، تمت. مختار.

(٣) أخرجه ابن ماجة والطبراني في الكبير والرهاوي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» ، وأخرج أبو داود والعسكري عن أبي هريرة : «كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» ، وأخرج الرهاوي عن أبي هريرة قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» تمت.

١٧

وفائدة إقحام (١) لفظ اسم ما في ذلك من التعظيم لله عزوجل حيث كان من التيمن باسم الذات ، فكيف بالذات؟ و (الله) اسم للواجب الوجود جل وعلا الحقيق بجميع المحامد ، و (الرحمن) اسم لذلك الجلال شرعا ، و (الرحيم) كذلك ، فهما حقيقتان دينيتان عرفيتان منقولتان من وصف للمبالغة.

اعلم : أن من ألّف مؤلفا ينبغي له أن يقدم مقدمة تعين الطالب ، ويكون بها على بصيرة ، وبعضهم يذكر فيها تعريف العلم وموضوعه وغايته (٢) واستمداده وحكمه ، وبعضهم يقتصر على الحد ، ونحن نذكر تعريفه واستمداده والغرض منه وفائدته.

أما تعريفه : فهو علم يعرف به كيفية الاستدلال على واجب الذات وما له من الصفات.

واستمداده من العقل بواسطة النظر في الآثار من أدلة الأنفس والآفاق ، كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] وكذلك النظر في كتاب الله عزوجل ، وما صح عن رسوله كما جاء في الحديث المرفوع : «من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله والتدبر لكتاب الله والتفهم لسنتي زالت الرواسي ولم يزل ، ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال مال به الرجال من يمين إلى شمال وكان من دين الله على أعظم زوال» (٣) والغرض منه الفوز بالسعادات الباقيات الدائمات.

وفائدته : التمسك بأصل عرى الإيمان لمعرفة الملك الديان ، وهو العلم به ، وما يجب له ويجوز عليه ، وما يتوسط في أثناء ذلك من الزيادات لرابطة ما.

ثم اعلم : أن كل علم يشرف بشرف معلومه ، ويعظم نفعه بحسب الحاجة إلى مفهومه ، فمن هنا كان علم التوحيد رأس العلوم ؛ لأن معلومه الله الحي القيوم ، ولأنّ به

__________________

(١) أي إدخال يقال : أقحم فرسه النهر أي أدخله ، تمت.

(٢) الغاية : مدى الشيء ، تمت.

(٣) أخرجه الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني في الأمالي ص ١٤٨.

١٨

يتميز الكفر من الإيمان ، وعليه يدور رحى الحق في كل زمان ، وقد حكم بوجوبه وجلالته العقل ، وجاء بتأكيد ذلك القول الفصل ، قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] وقال : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ٨١] وإنما تكون الشهادة عن يقين ، وأهل الأصول هم المعنيون بهذه الآية المخصوصون بشرفها ، ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما جزاء من أنعم الله عليه بالتوحيد إلا الجنة» رواه الإمام عز الدين ـ عليه‌السلام ـ.

ومن هنا (اعلم أن أول ما يجب (١) على المكلف (٢)) قيل المكلف : هو من أعلم بوجوب بعض المقدورات عليه ، وقبح بعضها منه مع مشقة تلحقه في الفعل أو الترك ، أو أحدهما ، أو في سبب ذلك ، أو ما يتصل بذلك ما لم يبلغ الحال حد الإلجاء.

فقوله : (أعلم) : ليدخل الكفار ، فإنهم أعلموا ، وإن لم يعلموا أنهم مكلفون ، وقوله : (مع مشقة في الفعل) للاحتراز عن أهل الجنة ، ومن علم ذلك ممن لا تكليف عليه كالصبيان ، وقوله : (أو في سبب ذلك) كالعلم بالله فالمشقة في سببه ، وهو النظر ، وقوله : (وما يتصل بذلك) نحو حراسة الفعل من نحو الرياء ، وإن كان الفعل لا مشقة فيه ، وقوله : (ما لم يبلغ حد الإلجاء) احتراز عن المحتظر وأهل الآخرة ، وهذا على القول بأن الإلجاء يجامع الوجوب ، وإلا فلا حاجة إلى القيد عند من قال (٣) : بأنه لا يجامعه

__________________

(١) الواجب في اللغة : هو الساقط يقال وجبت الشمس أي سقطت ، ومنه (وَجَبَتْ جُنُوبُها) وفي الاصطلاح : ما يستحق الثواب بفعله والعقاب بتركه ، أو ما استحق المدح على فعله والذم على تركه بوجه ما.

(٢) قال بعض المعتزلة : إذا أكمل الله عقل الإنسان بأن خلق فيه العلوم الضرورية التي تكتسب بها المعارف الإلهية وجب عليه أن يبقيه وقتا يتمكن فيه من معرفته ، وأن لا يخترمه قبل ذلك ، وإلا كان بمنزلة من وضع لغيره طعاما ثم أتلفه قبل أن يمكنه منه ، ثم اختلفوا ، فقال أبو علي : يجب أن يبقيه وقتا حتى يعرف الله تعالى أو يتمكن من معرفته ، ثم يجوز اخترامه بعد ذلك. وقال أبو هاشم : بل يجب أن يبقيه الله وقتا يعرف الله فيه واحدا حكيما ؛ لأن معرفته تعالى لطف ، وقال القاضي مثل قول أبي هاشم ، وقال : لا بد مع ذلك أن يبقيه الله وقتا يتمكن من فعل واجب أو ترك قبيح.

(٣) الصحيح أن الإلجاء لا يجامع التكليف ؛ لأن التكليف تعريض للثواب ، والملجأ غير معرّض للثواب ؛ لأنه لا ـ

١٩

إذ قد خرج من قوله : (مع مشقة تلحقه في الفعل) فمن جمع هذه الشروط فالواجب عليه (هو النظر) وهو النظر الفكري. وحقيقته : المعنى الذي يولد العلم عند تكامل شروطه ، إذ لفظ النظر مشترك بين معان هذا أحدها.

والثاني : نظر العين نحو : نظرت إلى الهلال فلم أره ، وقد قيل في تحقيقه : فتح الجفن الصحيح الحدقة إلى حيث تقع الرؤية للمرئي ، أو القصد لرؤيته إذا لم ير.

وثالثها : نظر الرحمة ، وحقيقته : إرادة حصول منفعة للغير أو دفع مضرة عنه نحو :

(وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [آل عمران : ٧٧].

ورابعها : نظر المقابلة وهو تحاذي المتحيزين نحو : داري تنظر إلى دار فلان.

وخامسها : نظر الانتظار ، وحقيقته : التوقع لحصول أمر في المستقبل خيرا كان أو شرا نحو قوله تعالى : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل : ٣٥] والنظر الفكري المراد هنا نحو : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ) .. الآية [يونس : ١٠١] ومحله القلب.

قال المهدي : بلا خلاف بين من أثبته معنى ، والقول بوجوب النظر وأنه فرض عين على كل مكلف هو قول القاسم (١) والهادي وغيرهما من عامة الآل.

__________________

ـ يستحق الثواب إلا بأن يفعل الواجب لوجوبه والحسن لحسنه ، ويترك القبيح لقبحه ، والملجأ إنما يكون منه ذلك للإلجاء فقط. انظر ينابيع النصيحة ٢١١ ، طبع دار الحكمة.

(١) هو ترجمان الدين الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ الرسي ، إمام الزيدية وعالمها ومتكلمها ، ولد سنة ١٧٠ ه‍ ، بعد قتل الإمام الحسين بن علي الفخي بأشهر ، روى عن أبيه وأبي بكر بن أبي أويس وأبي سهل المقري وآخرين ، وعنه أولاده العلماء النجباء : محمد والحسن وسليمان ودواد والحسين وغيرهم ، وروى عنه محمد بن منصور المرادي وأبو جعفر النيروسي وغيرهما ، وكان مبرزا في جميع العلوم ، روى الإمام أبو طالب ـ عليه‌السلام ـ في الإفادة : أن جعفر بن حرب لما حج ودخل على القاسم ـ عليه‌السلام ـ فجاراه في دقيق الكلام ولطيفه ، فلما خرج من عنده قال لأصحابه : أين يتاه بأصحابنا عن هذا الرجل ، والله ما رأيت مثله ، وقال أبو طالب ـ عليه‌السلام ـ : كان في مصر داعيا لأخيه محمد ، فلما مات بث دعاته في الآفاق ، فأجابه عوالم في بلدان مختلفة ولبث بمصر عشر سنين ، ثم اشتد عليه الطلب من عبد الله بن طاهر فعاد إلى الكوفة ، وكانت البيعة الكاملة في بيت محمد بن منصور سنة ٢٢٠ ه‍. بايعه أحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى والحسن بن يحيى فقيه الكوفة ومحمد بن ـ

٢٠