فرق الشّيعة

الحسن بن موسى النوبختي

فرق الشّيعة

المؤلف:

الحسن بن موسى النوبختي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٣٥

مريم وأنه يقتل في يدي ولد العباس فقد قتل

وانكر بعضهم قتله وقالوا : مات ورفعه الله إليه وأنه يرده عند قيامه فسموا هؤلاء جميعا (الواقفة (١)) لوقوفهم على موسى بن جعفر أنه الامام القائم (٢) ولم يأتموا بعده بامام ولم يتجاوزوه إلى غيره وقد قال بعضهم ممن ذكر أنه حي أن (الرضا) عليه‌السلام ومن قام بعده ليسوا بأئمة ولكنهم خلفاؤه واحدا بعد واحد إلى أوان خروجه وأن على الناس القبول منهم والانتهاء إلى امرهم ، وقد لقب الواقفة بعض مخالفيها ممن قال بامامة علي بن موسى (الممطورة) وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها ، وكان سبب ذلك أن (علي بن اسماعيل الميثمي) و (يونس بن عبد الرحمن (٣)) ناظرا بعضهم فقال له (علي بن اسماعيل) وقد اشتد الكلام بينهم ما أنتم إلا كلاب ممطورة

__________________

(١) الواقفية ـ خ ل ـ

(٢) كان بدء الواقفة أنه كان اجتمع ثلاثون الف دينار عند الأشاعثة زكاة اموالهم وما كان يجب عليهم فيها فحملوها إلى وكيلين لموسى بن جعفر عليه‌السلام بالكوفة احدهما حيان السراج وآخر كان معه وكان موسى عليه‌السلام في الحبس فاتخذا بذلك دورا وعقارا واشتريا الغلات فلما مات موسى عليه‌السلام وانتهى الخبر إليهما انكرا موته واذاعا في الشيعة أنه لا يموت لأنه القائم فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة وانتشر قولهما في الناس حتى كان عند موتهما أوصياء بدفع المال إلى ورثة موسى عليه‌السلام واستبان للشيعة أنهما إنما قالا ذلك حرصا على المال ، انظر رجال الكشي ص ٢٨٦

(٣) انظر ترجمة علي بن اسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن المتوفي سنة ٢٠٨ في فهرست الشيخ الطوسي ورجاله والخلاصة للعلامة ورجال الكشي والنجاشي وفهرست ابن النديم وغيرها

٨١

اراد أنكم أنتن من جيف لأن الكلاب إذا اصابها المطر فهي انتن من الجيف فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم لأنه إذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة لأن كل من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه وهذا اللقب لأصحاب موسى خاصة وقالت فرقة منهم لا ندري أهو حي أم ميت لأنا قد روينا فيه اخبارا كثيرة تدل على أنه القائم المهدي فلا يجوز تكذيبها وقد ورد علينا من خبر وفاة ابيه وجده والماضين من آبائه عليهم‌السلام في معنى صحة الخبر فهذا أيضا مما لا يجوز رده وانكاره لوضوحه وشهرته وتواتره من حيث لا يكذب مثله ولا يجوز التوطؤ عليه والموت حق والله عزوجل يفعل ما يشاء فوقفنا عند ذلك على إطلاق موته وعلى الاقرار بحياته ونحن مقيمون على إمامته لا نتجاوزها حتى يصح لنا أمره وأمر هذا الذي نصب نفسه مكانه وادعى الامامة يعنون «علي بن موسى الرضا» فان صحت لنا إمامته كامامة ابيه من قبله بالدلالات والعلامات الموجبة للامامة بالاقرار منه على نفسه بامامته وموت ابيه لا باخبار اصحابه سلمنا له ذلك وصدقناه ، وهذه الفرقة أيضا من الممطورة ، وقد شاهد بعضهم من ابي الحسن الرضا عليه‌السلام امورا فقطع عليه بالامامة ، وصدقت «فرقة» منهم بعد ذلك روايات

٨٢

اصحابه وقولهم فيه فرجعت إلى القول بامامته

«وفرقة» منهم يقال لها «البشرية» اصحاب «محمد بن بشير (١)» مولى بني اسد من اهل الكوفة قالت أن «موسى بن جعفر» لم يمت ولم يحبس وأنه حي غائب وأنه القائم المهدي وأنه في وقت غيبته استخلف على الأمر «محمد بن بشير» وجعله وصيه وأعطاه خاتمه وعلمه جميع ما يحتاج إليه رعيته وفوض إليه اموره وأقامه مقام نفسه فمحمد بن بشير الامام بعده وأن محمد بن بشير لما توفي اوصى إلى ابنه (سميع بن محمد بن بشير) فهو الامام ومن اوصى إليه (سميع) فهو الامام المفترض الطاعة على الأمة إلى وقت خروج موسى وظهوره فما يلزم الناس من حقوقه في اموالهم وغير ذلك مما يتقربون به إلى الله عزوجل فالفرض عليهم اداؤه إلى هؤلاء إلى قيام القائم ، وزعموا أن علي بن موسى ومن ادعى الامامة من ولد موسى بعده فغير طيب الولادة ونفوهم عن انسابهم وكفروهم في دعواهم الامامة وكفروا القائلين بامامتهم واستحلوا

__________________

(١) محمد بن بشير غال ملعون من اصحاب الكاظم عليه‌السلام وكان صاحب شعبذة ومخاريق معروفا بذلك وقد روى الكشي احاديث كثيرة في ذمه وخبثه ولعنه وقوله بالتناسخ ودعاء الامام عليه بالقتل وأنه قتل أسوأ قتلة بعد أن عذب بانواع العذاب : انظر تفصيل عقائده في رجال الكشي ص ٢٩٧ ـ ٣٠٠ وفي منهج المقال ص ٢٨٦ وفي غيرهما من كتب الرجال : وفي الفرق بين الفرق وغيره جعل البشرية اتباع بشر بن لمعتمر الذي تقدم ص ١٤ فراجع

٨٣

دماءهم واموالهم وزعموا أن الفرض من الله عليهم إقامة الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وانكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض وقالوا باباحة المحارم من الفروج والغلمان ، واعتلوا في ذلك بقول الله عزوجل : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) (٤٢ : ٥٠) وقالوا بالتناسخ وأن الأئمة عندهم واحد إنما هم منتقلون من بدن إلى بدن ، والمواساة بينهم واجبة في كل ما ملكوه من مال وكل شيء اوصى به رجل منهم في سبيل الله فهو لسميع بن محمد واوصيائه من بعده ، ومذاهبهم مذاهب الغالية المفوضة في التفويض

وولد «موسى بن جعفر» عليه‌السلام (١) في سنة ثمان وعشرين ومائة (٢) وقال بعضهم سنة تسع (٣) ، وحمله الرشيد من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة وقد قدم هارون الرشيد المدينة منصرفا من عمرة شهر رمضان ثم شخص هارون إلى الحج وحمله معه ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر

__________________

(١) ولد عليه‌السلام بالأبواء منزل بين مكه والمدينة وعن الحافظ عبد العزيز أنه ولد بالمدينة والأول أصح وكانت ولادته يوم الأحد سابع عشر شهر صفر انظر الكافي للكليني والمناقب لابن شهرآشوب والدروس للشهيد وغيرها

(٢) كما في ارشاد المفيد والكافي وكشف الغمة والمناقب وأعلام الورى والدروس

(٣) يعني سنة تسع وعشرين ومائة

٨٤

ابن ابي جعفر المنصور ثم اشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب (١) سنه ثلاث وثمانين ومائة (٢) وهو ابن خمس او اربع وخمسين سنة ودفن في مقابر قريش ويقال في رواية اخرى أنه دفن بقيوده وانه أوصى بذلك فكانت إمامته خمسا وثلاثين سنة وشهورا وأمه أم ولد يقال لها حميدة وهي أم اخويه اسحاق ومحمد ابني جعفر بن محمد عليه‌السلام

ثم إن اصحاب «علي بن موسى الرضا» عليه‌السلام اختلفوا بعد وفاته فصاروا فرقا «فرقة» منهم قالت بالامامة بعد علي بن موسى عليه‌السلام لابنه «محمد بن علي» عليه‌السلام ولم يكن له غيره وكان ختن المأمون على ابنته واتبعوا الوصية حيث ما دارت على المنهاج الأول من لدن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

«وفرقة» قالت بامامة «احمد بن موسى بن جعفر» اوصى إليه وإلى الرضا عليه‌السلام واجازوها في اخوين وابوه جعله (٣) الوصي

__________________

(١) كما عن العيون وكشف الغمة واعلام الورى والحافظ عبد العزيز وفي ارشاد المفيد لست خلون من رجب وقيل في خامس رجب والأول أشهر الأقوال وكانت ولادته يوم الجمعة كما عن روضة الواعظين وعمره الشريف خمس وخمسون سنة كما عن كشف الغمة واعلام الورى والارشاد وقيل اربع وخمسون سنة كما عن الكافي والمناقب

(٢) كما في الارشاد والكافي والروضة والدروس والمناقب وكشف الغمة واعلام الورى والحافظ عبد العزيز وهو الأشهر وقيل سنة مائة وست وثمانين وعن اقبال ابن طاوس سنة تسع وثمانين ومائة

(٣) قالوا جعله ابوه الخ ـ خ ل ـ

٨٥

بعد علي بن موسى ومالوا إلى شبيه بمقالة «الفطحية»

«وفرقة» منهم تسمى «المؤلفة» من الشيعة قد كانوا نصروا الحق وقطعوا على إمامة «علي بن موسى» وموت ابيه فصدقوا بذلك فلما توفي الرضا عليه‌السلام رجعوا إلى الوقف بعد موسى بن جعفر (ع)

«وفرقة» منهم تسمى (المحدثة) كانوا من اهل الارجاء واصحاب الحديث فدخلوا فى القول بامامة (موسى بن جعفر) وبعده بامامة (علي بن موسى) وصاروا شيعة رغبة فى الدنيا وتصنعا فلما توفي علي بن موسى عليه‌السلام رجعوا إلى ما كانوا عليه

(وفرقة) كانت من الزيدية الأقوياء منهم والبصراء فدخلوا في إمامة (علي بن موسى) عليه‌السلام عند ما اظهر المأمون فضله وعقد بيعته تصنعا للدنيا واستكانوا الناس بذلك دهرا فلما توفي علي بن موسى عليه‌السلام رجعوا إلى قومهم من الزيدية

وتوفي (علي بن موسى) عليه‌السلام بطوس من كور خراسان وهو شاخص مع المأمون عند شخوصه إلى العراق في آخر صفر سنة ثلاث ومأتين وهو ابن خمس وخمسين سنة (١) وكان مولده في سنة

__________________

(١) كانت وفاته عليه‌السلام يوم الجمعة او يوم الثلثاء او يوم الاثنين في السابع عشر من شهر صفر او لسبع بقين من شهر رمضان او لتسع بقين منه سنة ثلاث ومأتين او سنة ست ومأتين او سنة اثنتين بعد المائتين وعمره الشريف خمس وخمسون سنة او احدى وخمسون او تسع واربعون واشهر على اختلاف الروايات في ذلك كله

٨٦

إحدى وخمسين ومائة (١) وقال بعضهم في سنة ثلاث وخمسين ومائة وكانت إمامته عشرين سنة وسبعة اشهر ودفن بطوس في دار حميد بن قحطبة الطائي وأمه أم ولد يقال لها شهد (٢) وقال بعضهم اسمها نجية (٣) وكان اكبر ولد موسى بن جعفر وهم ثمانية عشر ذكرا وخمس عشرة بنتا لأمهات الأولاد ، وكان المأمون اشخص إليه علي بن موسى عليه‌السلام وهو بخراسان مع رجاء بن ابي الضحاك في آخر سنة مأتين على طريق البصرة وفارس وكان الرضا عليه‌السلام أيضا ختن المأمون على ابنته

وكان سبب الفرقتين اللتين ائتمت واحدة منها (باحمد بن موسى (٤))

__________________

(١) ولد عليه‌السلام بالمدينة يوم الجمعة او يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة او حادي عشر ذي الحجة او حادي عشر ربيع الأول سنة مائة وثمان واربعين او مائة وثلاث وخمسين او مائة واحدى وخمسين على اختلاف الأقوال

(٢) كذا في النسخ المخطوطة ولكن هذا الاسم لم يعرف لها وانما اساميها المروية هي الخيزران المرسية وسكينة وسكنة ونجمة وشقراء واروى وسكن وسماك وتكتم انظر البحار ج ١٢ ص ٣ وغيره

(٣) كذا في النسخ المخطوطة ولعل الصحيح نجمة اذ لم يعرف هذا الاسم لها

(٤) قال الشيخ المفيد فى الارشاد أنه كان كريما جليلا ورعا وكان ابو الحسن موسى عليه‌السلام يحبه ويقدمه ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة ويقال أن احمد بن موسى (رض) اعتق الف مملوك الخ وفي تعليقة الوحيد البهبهاني أنه هو المدفون بشيراز الملقب بسيد السادات المعروف الآن بشاه چراغ انتهى وقد صرح أيضا بذلك المحدث البحراني في اللؤلؤة والسيد في الأنوار النعمانية والأفندي في رياض العلماء وعن حمد الله المستوفي في نزهة القلوب وغير هؤلاء ولما خرج مع بعض اقربائه من المدينة قاصدا اخاه الرضا عليه‌السلام في خراسان ووصل إلى شيراز سمع فيها بوفاة اخيه فمنعه من السير إليها حاكم شيراز قتلغ شاه بامر المأمون العباسي فحدثت بينه وبين الحاكم واقعة عظيمة ـ

٨٧

ورجعت الأخرى إلى القول بالوقف أن أبا الحسن الرضا عليه‌السلام توفي وابنه (محمد) ابن سبع سنين فاستصبوه واستصغروه وقالوا : لا يجوز الامام إلا بالغا ولو جاز أن يأمر الله عزوجل بطاعة غير بالغ لجاز أن يكلف الله غير بالغ فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله وغامض الأحكام وشرايع الدين وجميع ما اتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وما تحتاج إليه الامة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجة لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين وثلاثا واربعا راجعا إلى الطفولية حتى يجوز أن يفهم ذلك طفل في المهد والخرق وذلك غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف

ثم إن الذين قالوا بامامة «ابي جعفر محمد بن علي بن موسى» عليهم‌السلام اختلفوا في كيفية علمه لحداثة سنه ضروبا من الاختلاف : فقال بعضهم لبعض الامام لا يكون إلا عالما وابو جعفر غير بالغ وابوه قد توفي فكيف علم ومن اين علم ، فأجابوا

__________________

قتل فيها أوّلا اقرباؤه ثم قتل هو بعدهم انظر تفصيل ذلك في كتاب بحر الانساب المطبوع في بمبئي سنة ١٣٣٥ وانظر أيضا رجال الكشي وروضات الجنات وغيرها وإلى احمد بن موسى هذا تنسب الفرقة «الأحمدية» كما في الفرق بين الفرق ص ٨٢ وكان قبره بشيراز مخفيا إلى زمان عضد الدولة البويهي فأظهره وشيده وهو اليوم مزار معروف عليه قبة عظيمة وإلى جانبيها منارتان وله صحن كبير

٨٨

فقال بعضهم : لا يجوز أن يكون علمه من قبل ابيه لأن اباه حمل إلى خراسان وابو جعفر ابن اربع سنين واشهر ومن كان في هذه السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق الدين وجليله ولكن الله عزوجل علمه ذلك عند البلوغ بضروب مما يدل على جهات علم الامام مثل الالهام والنكت فى القلب والنقر فى الأذن والرؤيا الصادقة في النوم والملك المحدث له ووجوه رفع المنار والعمود والمصباح وعرض الأعمال لأن ذلك كله قد صحت الأخبار الصحيحة القوية الأسانيد فيه التي لا يجوز دفعها ولا رد مثلها

وقال بعضهم قبل البلوغ هو إمام على معنى أن الأمر له دون غيره إلى وقت البلوغ فاذا بلغ علم لا من جهة الالهام والنكت ولا الملك ولا لشيء من الوجوه التي ذكرتها الفرقة المتقدمة لأن الوحي منقطع بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باجماع الأمة ولأن الالهام إنما هو أن يلحقك عند الخاطر والفكر معرفة بشيء قد كانت تقدمت معرفتك به من الامور النافعة فذكرته وذلك لا يعلم به الأحكام وشرايع الدين على كثرة اختلافها وعللها قبل أن يوقف بالسمع منها على شيء لأن أصح الناس فكرا وأوضحه خاطرا وعقلا واحضره توفيقا لو فكر وهو لا يسمع بأن الظهر اربع والمغرب ثلاث والغداة ركعتان ما استخرج ذلك بفكره ولا

٨٩

عرفه بنظره ولا استدل عليه بكمال عقله ولا ادرك ذلك بحضور توفيقه ولا لحقه علم ذلك من جهة التوفيق ابدا ولا يعقل أن يعلم ذلك إلا بالتوقيف والتعليم فقد بطل أن يعلم شيئا من ذلك بالالهام والتوفيق لكن نقول أنه علم ذلك عند البلوغ من كتب ابيه وما ورثه من العلم فيها وما رسم له فيها من الاصول والفروع ، وبعض هذه الفرقة تجيز القياس في الأحكام للامام خاصة على الاصول التي في يديه لأنه معصوم من الخطأ والزلل فلا يخطئ فى القياس وإنما صاروا إلى هذه المقالة لضيق الأمر عليهم في علم الامام وكيفية تعليمه إذ ليس هو ببالغ عندهم

وقال بعضهم : الامام يكون غير بالغ ولو قلت سنه لأنه حجة الله فقد يجوز أن يعلم وإن كان صبيا ويجوز عليه الاسباب التي ذكرت من الالهام والنكت والرؤيا والملك المحدث ورفع المنار والعمود وعرض الاعمال كل ذلك جائز عليه وفيه كما جاز ذلك عن سلفه (١) من حجج الله الماضين ، واعتلوا في ذلك بيحي بن زكريا وأن الله آتاه الحكم صبيا وبأسباب عيسى بن مريم وبحكم الصبي بين يوسف بن يعقوب وامرأة الملك وبعلم سليمان بن داود حكما من غير تعليم وغير ذلك فانه قد كان في حجج الله ممن كان غير بالغ عند الناس

__________________

(١) بمن سلف ـ خ ل ـ

٩٠

وولد «محمد بن علي بن موسى» عليه‌السلام للنصف من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة (١) وأشخصه المعتصم في خلافته إلى بغداد فقدمها لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومأتين وتوفي بها في هذه السنة في آخر ذي القعدة (٢) ودفن في مقبرة قريش عند جده موسى بن جعفر عليه‌السلام وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وعشرين يوما ، (٣) وأمه أم ولد يقال لها الخيزران وكانت قبل ذلك تسمى درة فسميت الخيزران (٤) وكانت إمامته سبع عشرة سنة (٥)

فنزل اصحاب «محمد بن علي» عليه‌السلام الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بامامة ابنه ووصيه «علي بن محمد» عليه‌السلام فلم يزالوا على ذلك سوى نفر منهم يسير عدلوا عنه إلى القول بامامة اخيه «موسى بن محمد» ثم لم يلبثوا على ذلك إلا قليلا حتى رجعوا إلى إمامة «علي

__________________

(١) ولد عليه‌السلام بالمدينة ليلة الجمعة في شهر رمضان في النصف منه او في السابع عشر منه او في التاسع عشر منه او لعشر خلون من رجب او عاشر رجب على اختلاف الاقوال في ذلك الناشي عن اختلاف الروايات

(٢) توفي عليه‌السلام يوم السبت او يوم الثلثاء في ذي القعدة او في آخره او في حادي عشر او في خامسه او في ذي الحجة او لست خلون منه على اختلاف الأقوال

(٣) كان عمره عليه‌السلام يوم توفي خمسا وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما او خمسا وعشرين سنة وثلاثة اشهر واثني عشر يوما او خمسا وعشرين سنة وشهرين وعشرين يوما على اختلاف الروايات في ذلك

(٤) وقيل ان اسمها سبيكه وكانت نوبية وقيل كانت مريسية من اهل بيت مارية القبطية

(٥) وقيل تسع عشرة سنة إلا خمسا وعشرين يوما

٩١

ابن محمد» عليه‌السلام ورفضوا إمامة (موسى بن محمد (١)) فلم يزالوا كذلك حتى توفي علي بن محمد عليه‌السلام وكانت وفاته بسر من رأى وكان المتوكل اشخصه (٢) من المدينة مع يحي بن هرثمة بن اعين ـ يوم الاثنين لثلاث خلون (٣) من رجب سنة اربع وخمسين ومأتين وهو يوم توفي ابن اربعين سنة (٤) وكان قدومه إلى سر من رأى يوم الثلثاء لسبع ليال بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين ومأتين ، وكان مولده يوم الثلثاء لثلاث عشرة ليلة مضت من رجب سنة اربع عشرة ومأتين

وأقام بسر من رأى في داره إلى أن توفي عشرين سنة وتسعة اشهر

__________________

(١) موسى بن محمد هذا هو الملقب بالمبرقع جاء من الكوفة إلى بلدة قم سنة ٢٥٦ وأقام بها حتى توفي في ربيع الثاني سنة ٢٩٦ وقد الف العلامة المحدث محمد الحسين النوري المتوفى سنة ١٣٢٠ رسالة في آل المبرقع سماها (البدر المشعشع في احوال ذرية موسى المبرقع) اجاب فيها عن كل ما ورد في قدحه طبعت في ايران وقال في عمدة الطالب «موسى المبرقع بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم عليه‌السلام وهو لأم ولد مات بقم وقبره بها ويقال لولده الرضويون وهم بقم إلا من شذ منهم إلى غيرها وأعقب من احمد بن موسى المبرقع وحده انتهى» وروى الشيخ المفيد في الارشاد رواية في ترجمة اخيه الهادي تشعر عن شيء فيه فراجع وذكره أيضا ابو نصر البخاري فى سر السلسلة العلوية وقال أنه اختص بمنادمة المتوكل العباسي وكان يلبس السواد

(٢) قال ابن الصباغ المالكى في الفصول المهمة اشخصه المتوكل في سنة ثلاث واربعين ومأتين من المدينة إلى سر من رأى فأقام بها حتى مضى لسبيله احدى عشرة سنة

(٣) وقيل توفي عليه‌السلام لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة او لثلاث ليال بقين منه نصف النهار او لأربع بقين منه على اختلاف الروايات

(٤) وقيل انه توفي وهو ابن احدى واربعين سنة او بزيادة ستة اشهر او سبعة اشهر او اثنتين واربعين سنة كما قيل في كل ذلك حسب اختلاف الروايات

٩٢

وعشرة ايام (١) وكانت إمامته ثلاثا وثلاثين سنة وسبعة اشهر (٢) وأمه أم ولد يقال لها سوسن وقال بعضهم اسمها سمانة (٣)

وقد شذت «فرقة» من القائلين بامامة «علي بن محمد» في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له «محمد بن نصير النميري (٤)» وكان يدعي أنه نبي بعثه ابو الحسن العسكري عليه‌السلام وكان يقول بالتناسخ والغلو (٥) في ابي الحسن ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإباحة للمحارم ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضا في ادبارهم ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل وأنه احدى الشهوات والطيبات وأن الله عزوجل لم يحرم شيئا من ذلك وكان يقوي اسباب هذا النميري

__________________

(١) ولد عليه‌السلام بالمدينة يوم الثلثاء او يوم الجمعة منتصف ذي الحجة او في السابع والعشرين منه او ثاني رجب او خامسه او لثلاث عشر خلون من رجب سنة مأتين واثنتي عشرة او سنة مأتين واربع عشرة

(٢) في الارشاد للشيخ المفيد أن مدة إمامته ثلاث وثلاثون سنة وفي كشف الغمة واعلام الورى بزيادة اشهر

(٣) وكانت سمانة مغربية ولقبها السيدة وكنيتها أمّ الفضل

(٤) قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ص ٢٥٩ كان محمد بن نصير النميري من اصحاب ابي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام فلما توفي ابو محمد ادعى مقام ابي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعى له البابية وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الالحاد والجهل ولعن ابي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه واحتجابه منه راجع بقية مقالته في الفرق بين الفرق وفي احتجاج الطبرسي وفي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠ وفي رجال الكشي ص ٣٢٣ وفي غيرها من كتب الرجال

(٥) ويغلو ـ خ ل ـ

٩٣

«محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات (١)» فلما توفي قيل له في علته وقد كان اعتقل لسانه : لمن هذا الأمر من بعدك فقال : لأحمد ، فلم يدروا من هو فافترقوا ثلاث فرق «فرقة» قالت : أنه «احمد» ابنه و (فرقة) قالت : هو (احمد بن موسى بن الحسن بن الفرات) و (فرقة) قالت : (احمد بن ابي الحسين محمد بن محمد بن بشر بن زيد). فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء وادعى هؤلاء النبوة عن ابي محمد فسميت (النميرية) (٢)

فلما توفي (علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا) صلوات الله عليهم قالت (فرقة) من اصحابه بامامة ابنه (محمد) وقد كان توفي في حياة ابيه بسر من رأى وزعموا أنه حي لم يمت واعتلوا في ذلك بأن أباه اشار إليه واعلمهم أنه الامام من بعده والامام لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز البداء فيه فهو وإن كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة ولكن اباه خاف عليه فغيبه وهو القائم المهدي وقالوا فيه بمثل مقالة اصحاب اسماعيل ابن جعفر

__________________

(١) انظر رجال الكشي ص ٣٢٣ ورجال الشيخ والخلاصة وغيرها

(٢) سمى بعضهم الفرقة المنسوبة إلى محمد بن نصير (النصيرية) انظر شرح ابن ابي الحديد ج ٢ ص ٣٠٩ وخلاصة العلامة الحلي ورجال ابن داود ومنهج المقال وغيرها ولكن المعروف من النصيرية في هذا الزمان من يقول بربوبية علي عليه‌السلام

٩٤

وقال سائر اصحاب علي بن محمد بامامة «الحسن بن علي» عليه‌السلام وثبتوا له الامامة بوصية ابيه وكان يكنى بابي محمد سوى نفر يسير قليل فانهم مالوا إلى اخيه «جعفر بن علي (١)» وقالوا : اوصى إليه ابوه بعد مضي محمد واوجب إمامته واظهر أمره وانكروا إمامة محمد اخيه وقالوا إنما فعل ذلك ابوه اتقاء عليه ودفاعا عنه وكان الامام في الحقيقة «جعفر بن علي»

وولد «الحسن بن علي» عليه‌السلام (٢) في شهر ربيع الآخر سنة

__________________

(١) جعفر هذا هو الملقب عند الشيعة بالكذاب لا دعائه الامامة بعد اخيه الحسن (ع) وقد اختلفت في حقه الاقوال وطال النزاع فيه والخصام والذي يظهر للمتتبع أنه في أول أمره حاد عن الطريق السوي فأتى بافعال منكرة وانتحل دعاوى كاذبة فسماه الشيعة بالكذاب ولكنه هل بقي على اصراره او تاب ، الحق هو الثاني لما رواه ثقة الاسلام الكليني في الكافي «عن اسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام أما ما سألت عنه ارشدك الله وثبتك من امر المنكرين لي من اهل بيتنا وبني عمنا فاعلم انه ليس بين الله عزوجل وبين احد قرابة ومن انكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل اخوة يوسف (ع) انتهى» وحيث دل الكتاب العزيز على صحة توبة اخوة يوسف فيكون تمثيله عليه‌السلام جعفرا بهم أقوى دليل على قبول توبته والله العالم ويكنى ابو عبد الله ويلقب كرين لأنه اولد مائة وعشرين ولدا اعقب من جماعة انتشر منهم عقب ستة اسماعيل وطاهر ويحي وهارون وعلي وادريس ويقال لولده الرضويون نسبة إلى جده الرضا وكانت وفاته سنة ٢٧١ وله خمس واربعون سنة وقبره في دار ابيه بسامراء واخباره كثيرة تجدها في البحار والكافي وغيبة الشيخ الطوسي والمجدي وغيرها

(٢) ولد عليه‌السلام بالمدينة وقيل بسر من رأى يوم الجمعة او يوم الاثنين في شهر ربيع الأول او في الثامن منه او في عاشر ربيع الثاني او فى الرابع منه او فى الثامن منه سنة مأتين وثلاثين او مأتين واحدى وثلاثين او اثنتين وثلاثين ومأتين

٩٥

اثنتين وثلاثين ومأتين وتوفي بسر من رأى (١) يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومأتين ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه ابوه وهو ابن ثمان وعشرين سنة (٢) وصلى عليه ابو عيسى بن المتوكل وكانت إمامته خمس سنين وثمانية اشهر وخمسة ايام (٣) وتوفي ولم ير له اثر ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم ما ظهر من ميراثه اخوه جعفر وأمه وهي أم ولد يقال لها عسفان (٤) ثم سماها ابو الحسن حديثا

فافترق اصحابه بعده اربع عشرة (٥) فرقة (ففرقة) منها قالت أن (الحسن بن علي) حي لم يمت وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام وقد ثبتت إمامته

__________________

(١) توفي عليه‌السلام يوم الجمعة او يوم الأحد او يوم الاربعاء لثمان خلون من ربيع الأول او أول يوم منه او في ربيع الثاني

(٢) وقيل ابن تسع وعشرين سنة كما في مروج الذهب وغيره

(٣) وقيل مدة إمامته ست سنين

(٤) لم يعرف هذا الاسم لها في غير هذا الكتاب وإنما المعروف لها من الأسماء سوسن وسليل وحديث

(٥) كذا في الاصول الخطية ولكن التي عدها فى الكتاب ثلاث عشرة فرقة وكأن فيه سقطا ونقل السيد المرتضى في الفصول المختارة عن ابي محمد الحسن النوبختي صاحب الكتاب الأربعة عشرة فرقة كلها وجعل الفرقة الرابعة عشرة كما يلي : (وقالت فرقة اخرى أن الامام بعد الحسن ابنه محمد وهو المنتظر غير أنه قد مات وسيحيى ويقوم بالسيف فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) انتهى ، فأكد ذلك أن في النسخة التي بايدينا نقصانا ـ راجع الفصول المختارة (مخطوط)

٩٦

والرواية قائمة أن للقائم غيبتين فهذه الغيبة احداهما وسيظهر ويعرف ثم يغيب غيبة اخرى وقالوا فيه ببعض مقالة الواقفة على موسى بن جعفر ، وإذا قيل لهذه الفرقة ، ما الفرق بينكم وبين الواقفة قالوا أن الواقفة اخطأت فى الوقوف على موسى لما ظهرت وفاته لأنه توفي عن خلف قائم اوصى إليه وهو الرضا عليه‌السلام وخلف غيره بضعة عشر ذكرا وكل إمام ظهرت وفاته كما ظهرت وفاة آبائه وله خلف ظاهر معروف فهو ميت لا محالة وإنما القائم المهدي الذي يجوز الوقوف على حياته من ظهرت له وفاة عن غير خلف فيضطر شيعته إلى الوقوف عليه إلى أن يظهر لأنه لا يجوز موت إمام بلا خلف فقد صح أنه غاب

وقالت الفرقة الثانية : أن الحسن بن علي مات وعاش بعد موته وهو القائم المهدي لأنا روينا أن معنى القائم هو أن يقوم من بعد الموت ويقوم ولا ولد له ولو كان له ولد لصح موته ولا رجوع لأن الامامة كانت تثبت لخلفه ولا اوصى إلى احد فلا شك أنه القائم والحسن ابن علي قد مات لا شك في موته ولا ولد له ولا خلف ولا اوصى إذ لا وصية له ولا وصي وأنه قد عاش بعد الموت وقد روينا أن القائم إذا بلغ الناس خبر قيامه قالوا كيف يكون فلان إماما وقد بليت عظامه فهو اليوم حي مستتر لا يظهر وسيظهر ويقوم بأمر الناس ويملأ الأرض

٩٧

عدلا كما ملئت جورا وإنما قالوا أنه حي بعد الموت وأنه مستتر خائف لأنه لا يجوز عندهم أن تخلو الأرض من حجة قائم على ظهرها عدل حي ظاهر او خائف مغمود للخبر الذي روي عن علي بن ابي طالب عليه‌السلام أنه قال في بعض خطبه : اللهم إنك لا تخلي الأرض من حجة لك ظاهر (١) او مغمود لئلا تبطل حججك وبيناتك فهذا دليل على أنه عاش بعد موته ، وليس بين هذه الفرقة والفرقة (٢) التي قبلها فرق أكثر من أن هذه صححت موت الحسن بن علي عليه‌السلام وأن الأولى قالت أنه (٣) غاب وهو حي وأنكرت موته وهذه أيضا شبيهة بفرقة من الواقفة على موسى بن جعفر عليه‌السلام ، وإذا قيل لهم : من اين قلتم هذا وما دليلكم عليه رجعوا إلى تأول (٤) الروايات

وقالت الفرقة الثالثة : أن «الحسن بن علي» توفي والامام بعده اخوه «جعفر» وإليه اوصى الحسن ومنه قبل الامامة وعنه صارت إليه ، فلما قيل لهم أن الحسن وجعفرا ما زالا متهاجرين متصارمين متعاديين طول زمانهما وقد وقفتم على صنايع جعفر ومخلفي الحسن وسوء

__________________

(١) إما ظاهر مشهور او باطن مغمور ـ خ ل ـ

(٢) والفرقة التي قدمنا ذكرها ـ خ ل ـ

(٣) أنه غائب وأنه حي ـ خ ل ـ

(٤) إلى الروايات وتأويلها ـ خ ل ـ

٩٨

معاشرته له في حياته ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه قالوا : إنما ذلك بينهما في الظاهر فأما في الباطن فكانا متراضيين متصافيين لا خلاف بينهما ولم يزل جعفر مطيعا له سامعا منه فاذا ظهر منه شيء من خلافه فعن أمر الحسن فجعفر وصي الحسن وعنه افضت إليه الامامة ، ورجعوا إلى بعض قول الفطحية وزعموا أن موسى بن جعفر إنما كان إماما بوصية اخيه عبد الله إليه وعن عبد الله صارت إليه الامامة لا عن ابيه واقروا بامامة «عبد الله بن جعفر» وثبتوها بعد إنكارهم لها وجحودهم إياها واوجبوا فرضها على انفسهم ليصححوا بذلك مذهبهم ، وكان رئيسهم والداعي لهم إلى ذلك رجل من اهل الكوفة من المتكلمين يقال له «علي بن الطاحي (١) الخزاز» وكان مشهورا في الفطحية وهو ممن قوى إمامة «جعفر» وأمال الناس إليه وكان متكلما محجاجا وأعانته على ذلك «اخت الفارس (٢) بن حاتم بن ماهويه القزويني» غير أن هذه انكرت إمامة الحسن بن علي

__________________

(١) الطاحي بالطاء ثم الألف بعدها الحاء المكسورة والياء نسبة إلى طاحية قبيلة من الأزد وقرية بالبصرة وفي بعض النسخ المخطوطة (الطاجني) بالجيم ثم النون نسبة إلى بيع الطاجن وهو ما يقلى عليه او فيه : وبعضهم سماه علي بن طاحن فراجع

(٢) فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني قد اطبق علماء الرجال والأخبار على ذمه وتكفيره ولعنه قال الكشي في رجاله : قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ومحمد بن نصير النميري وفارس بن حاتم القزويني لعن هؤلاء الثلاثة علي بن محمد العسكري عليه‌السلام ثم ذكر رواية فيها أن أبا الحسن العسكري (ع) أمر جنيدا بقتله فقتله وضمن لمن قتله الجنة وكان فارس هذا فتانا يفتن الناس ويدعوهم إلى البدعة : تجد اخباره في رجال الكشي ص ٣٢٤ ـ ٣٢٧ وفي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص ٢٢٨ وفي غيرهما من المعاجم

٩٩

عليه‌السلام وقالت أن جعفرا اوصى ابوه إليه لا الحسن

وقالت الفرقة الرابعة : أن الامام بعد الحسن «جعفر» وأن الامامة صارت إليه من قبل ابيه لا من قبل اخيه محمد ولا من قبل الحسن ولم يكن إماما ولا الحسن أيضا لأن محمدا توفي في حياة ابيه وتوفي الحسن ولا عقب له وأنه كان مدعيا مبطلا ، والدليل على ذلك أن الامام لا يموت حتى يوصي ويكون له خلف والحسن قد توفي ولا وصي له ولا ولد فادعاؤه الامامة باطل والامام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار إليه ولا يجوز أيضا أن تكون الامامة في الحسن وجعفر لقول ابي عبد الله جعفر بن محمد وغيره من آبائه صلوات الله عليهم أن الامامة لا تكون في اخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام فدلنا ذلك على أن الامامة لجعفر وأنها صارت إليه من قبل ابيه لا من قبل اخويه

وأما الفرقة الخامسة : فانها رجعت إلى القول بامامة «محمد بن علي (١)»

__________________

(١) هو ابو جعفر محمد بن الامام علي الهادي عليهما‌السلام احد رجالات اهل البيت المقدرين عند أئمة الهدى عليهم‌السلام (روى) النسابة العمري في المجدي باسناده عن علان الكلاني قال صحبت أبا جعفر محمد بن علي بن محمد بن علي الرضا عليهم‌السلام وهو حديث السن فما رأيت أوقر ولا ازكى ولا أجل منه وكان خلفه ابو الحسن العسكري عليه‌السلام بالحجاز طفلا وقدم عليه في سامراء مشتدا فكان مع اخيه الامام ابي محمد عليه‌السلام لا يفارقه وكان ابو محمد يأنس به وينقبض من اخيه جعفر (يعني الكذاب) انتهى : توفي في حياة ابيه بمحل قبره الآن لما اراد النهضة إلى الحجاز في حدود سنة ٢٥٢ فشق ابو محمد الحسن عليه ثوبه وقال في جواب من عابه في ذلك : قد شق موسى على اخيه هارون : وروى الشيخ المفيد في الارشاد أن أبا الحسن الهادي عليه‌السلام قال لابنه الامام العسكري (ع) لما قضى ابنه ابو جعفر محمد : يا بني أحدث لله شكرا ـ

١٠٠