فرق الشّيعة

الحسن بن موسى النوبختي

فرق الشّيعة

المؤلف:

الحسن بن موسى النوبختي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٣٥

وخرجت من هذه الفرقة (فرقة) قالت أن عليا عليه‌السلام أفضل الناس لقرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولسابقته وعلمه ولكن كان جائزا للناس أن يولوا عليهم غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجزئا (١) أحب ذلك او كرهه فولاية الوالي الذي ولوا على انفسهم برضى منهم رشد وهدى وطاعة لله عزوجل وطاعته واجبة من الله عزوجل فمن خالفه من قريش وبني هاشم عليا كان او غيره من الناس فهو كافر ضال

«وفرقة» منهم يسمون الجارودية (٢) قالوا بتفضيل علي عليه‌السلام ولم يروا مقامه يجوز لأحد سواه وزعموا أن من دفع عليا عن هذا المكان فهو كافر وأن الأمة كفرت وضلت في تركها بيعته وجعلوا الامامة بعده فى الحسن بن علي عليهما‌السلام ثم فى الحسين عليه‌السلام ثم هي شورى بين اولادهما فمن خرج منهم مستحقا للامامة فهو الامام وهاتان الفرقتان هما اللتان ينتحلان أمر زيد بن علي بن الحسين وأمر زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب ومنها تشعبت صنوف «الزيدية»

فلما قتل علي عليه‌السلام افترقت التي ثبتت على إمامته وأنها فرض من

__________________

(١) مجربا ـ خ ل ـ

(٢) هم اتباع ابي الجارود المكنى بابي النجم زياد بن المنذر الهمداني الأعمى سرحوب الخراساني العبدي ـ ونقل ابن النديم في الفهرست عن الامام الصادق عليه‌السلام أنه لعنه وقال أنه اعمى القلب اعمى البصر وروى الكشي فيه روايات تدل على ذمه وذكره المقريزي في ج ٢ ص ٣٥٢ والذهبي في ميزان الاعتدال وغيرهم توفي بعد سنة ١٥٠ على ما ذكره ابن حجر في التقريب

٢١

الله عزوجل ورسوله عليه‌السلام فصاروا فرقا ثلاثة : «فرقة» منهم قالت أن عليا لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا وهي اوّل فرقة قالت في الاسلام بالوقف بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الأمة واوّل من قال منها بالغلو وهذه الفرقة تسمى «السبأية» أصحاب «عبد الله بن سبأ» وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال ان عليا عليه‌السلام أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فاقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه (١) : يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك (٢) والبراءة من أعدائك (٣) فصيره (٤) إلى المدائن ، وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه‌السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فاسلم ووالى عليا عليه‌السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه‌السلام بهذه المقالة فقال في اسلامه بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام بمثل ذلك وهو اوّل من شهر القول بفرض إمامة علي عليه‌السلام وأظهر البراءة من اعدائه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ،

__________________

(١) عليه ـ خ ل ـ

(٢) ولايتكم ـ خ ل ـ

(٣) اعدائكم ـ خ ل ـ

(٤) فسيره ـ خ ل ـ

٢٢

ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلا لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض.

«وفرقة» قالت بامامة محمد بن الحنفية لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون اخويه فسموا «الكيسانية» وإنما سموا بذلك لأن المختار بن ابي عبيد الثقفي كان رئيسهم (١) وكان يلقب كيسان وهو الذي طلب بدم الحسين بن علي صلوات الله عليهما وثأره حتى قتل من قتلته وغيرهم من قتل وادعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك وأنه الامام بعد ابيه ، وإنما لقب المختار كيسان لأن صاحب شرطته المكنى بابي عمرة كان اسمه كيسان وكان أفرط في القول والفعل والقتل من المختار جدا وكان يقول أن محمد بن الحنفية وصي علي بن ابي طالب وأنه الامام وأن المختار قيمه وعامله ويكفر من تقدم عليا ويكفر أهل صفين والجمل وكان يزعم أن جبرئيل عليه‌السلام يأتي المختار بالوحي من عند الله عزوجل فيخبره ولا يراه ، وروى بعضهم أنه سمي بكيسان مولى علي بن ابي طالب

__________________

(١) الذي انعقد عليه اتفاق الامامية صحة عقيدة المختار كما هو مذكور في كتبهم الرجالية والتأريخية وكتب الحديث وما نبز به من القذائف فهو مفتعل عليه وضعته اعداؤه تشويها لسمعته وقد دعا له الامام السجاد علي بن الحسين عليه‌السلام وشكره الامام الباقر عليه‌السلام على صنيعه واطراه وترحم عليه هو وابنه الصادق عليه‌السلام وتواتر الثناء عليه والذب عنه عن علماء الشيعة ولم يغمزه إلا اشذاذ لم يقفوا على حقيقة حاله فلا يؤبه بهم ولم يثبت عنه قول الكيسانية قط : قتل في الكوفة سنة ٦٧

٢٣

عليه‌السلام وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين بن علي عليه‌السلام ودله على قتلته وكان صاحب سره ومؤامرته والغالب على أمره

«وفرقة» لزمت القول بامامة الحسن بن علي بعد ابيه إلا شرذمة منهم فانه لما وادع الحسن معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه وصالح معاوية الحسن طعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته فدخلوا في مقالة جمهور الناس وبقي سائر أصحابه على إمامته إلى أن قتل ، فلما تنحى عن محاربة معاوية وانتهى إلى مظلم ساباط وثب عليه رجل من هنالك يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام دابته ثم قال الله اكبر أشركت كما أشرك ابوك من قبل وطعنه بمغول في اصل فخذه فقطع الفخذ إلى العظم فاعتنقه الحسن وخرا جميعا فاجتمع الناس على الجراح فوطئوه حتى قتلوه ثم حمل الحسن على سرير فأتي به المدائن فلم يزل يعالج بها في منزل سعد بن مسعود الثقفي حتى صلحت جراحته ثم انصرف إلى المدينة فلم يزل جريحا من طعنته كاظما لغيظه متجرعا لريقه على الشجا والأذى من أهل دعوته حتى توفي عليه‌السلام في آخر صفر سنة سبع واربعين وهو ابن خمس واربعين سنة وستة اشهر ، وقال بعضهم أنه ولد سنة ثلاث من الهجرة (١)

__________________

(١) ثلاث من الهجرة ليلة ١٥ رمضان وإمامته الخ ـ خ ل ـ

وفي الكافي والتهذيب أنه ولد بالمدينة يوم الثلثاء في منتصف شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة وقيل غير ذلك : والا شهر أن ولادته سنة ثلاث من الهجرة في منتصف شهر رمضان :

٢٤

من شهر رمضان وإمامته ست سنين وخمسة اشهر وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهم وأمها خديجة بنت خويلد بن اسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب

فنزلت هذه الفرقة القائلة بامامة الحسن بن علي بعد ابيه إلى القول بامامة اخيه الحسين عليهما‌السلام فلم تزل على ذلك حتى قتل في أيام يزيد بن معاوية لعنة الله عليه قتله عبيد الله بن زياد الذي يقال له ابن ابي سفيان وهو ابن مرجانة وكان عامل يزيد بن معاوية على العراقين الكوفة والبصرة فوجه إليه إلى البادية الجيوش فاستقبله بعضها بالبادية فلم يزالوا ماضين حتى وردوا كربلاء فبعث عبيد الله لعنه الله حينئذ عمر بن سعد بن ابي وقاص وجعله على محاربته فقتله عمر بن سعد لعنة الله عليه وقتل عليه‌السلام بكربلاء يوم الاثنين يوم عاشوراء لعشر خلون من المحرم سنة احدى وستين وهو ابن ست وخمسين سنة وخمسة أشهر وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهم وكانت إمامته ست عشرة سنة وعشرة أشهر وخمسة عشر يوما

فلما قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه وقالت : قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقا واجبا صوابا من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة انصار الحسن وقوتهم فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة

٢٥

انصار الحسين وضعفهم. وكثرة أصحاب يزيد لعنة الله عليه حتى قتل وقتل أصحابه جميعا باطل غير واجب لأن الحسين كان أعذر في القعود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية ، وان كان ما فعله الحسين حقا واجبا صوابا من مجاهدته يزيد ابن معاوية حتى قتل وقتل ولده وأصحابه فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل فشكوا لذلك في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة العوام وبقي سائر أصحاب الحسين على القول الأول بامامته حتى مضى

ثم افترقوا بعده ثلاث فرق : (ففرقة) قالت بامامة محمد بن الحنفية وزعمت أنه لم يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام من محمد بن الحنفية فهو أولى الناس بالامامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد الحسن فمحمد هو الامام بعد الحسين

(وفرقة) قالت أن محمد بن الحنفية رحمه‌الله تعالى هو الامام المهدي وهو وصي علي بن ابي طالب عليه‌السلام ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولا يشهر سيفه إلا باذنه وإنما خرج الحسن بن علي إلى معاوية محاربا له باذن محمد ووادعه وصالحه باذنه وأن الحسين إنما خرج لقتال يزيد باذنه ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلا وأن من خالف

٢٦

محمد بن الحنفية كافر مشرك وأن محمدا استعمل المختار بن ابي عبيد على العراقين بعد قتل الحسين وأمره بالطلب بدم الحسين وثأره وقتل قاتليه وطلبهم حيث كانوا وسماه كيسان لكيسه ولما عرف من قيامه ومذهبه فيهم فهم يسمون (المختارية) ويدعون (الكيسانية)

فلما توفي محمد بن الحنفية بالمدينة في المحرم سنة احدى وثمانين وهو ابن خمس وستين سنة عاش في زمان ابيه اربعا وعشرين سنة وبقي بعد ابيه احدى واربعين سنة وأمه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد ابن يربع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن طيم (١) بن علي بن بكر ابن وائل وإليها كان محمد ينسب تفرق أصحابه فصاروا ثلاث فرق :

«فرقة» قالت أن محمد بن الحنفية هو المهدي سماه علي عليه‌السلام مهديا لم يمت ولا يموت ولا يجوز ذلك ولكنه غاب ولا يدرى أين هو وسيرجع ويملك الأرض ولا إمام بعد غيبته إلى رجوعه وهم أصحاب «ابن كرب» ويسمون «الكربية» وكان «حمزة (٢) بن عمارة البربري» منهم وكان من اهل المدينة ففارقهم وادعى أنه نبي وأن محمد بن الحنفية هو الله عزوجل تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ وأن حمزة هو الامام وأنه ينزل

__________________

(١) الحطيم ـ خ ل ـ

(٢) حمزة بن عمارة البربري من السبعة الذين لعنهم الامام الصادق عليه‌السلام كما ذكره الكشي والعلامة الحلي في الخلاصة وغيرهما :

٢٧

عليه سبعة اسباب من السماء فيفتح بهن الأرض ويملكها ، فتبعه على ذلك ناس من أهل المدينة وأهل الكوفة فلعنه ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام وبرئ منه وكذبه وبرئت منه الشيعة فاتبعه على رأيه رجلان من نهد يقال لأحدهما (صائد (١)) وللآخر «بيان (٢)» فكان بيان تبانا يتبن التبن بالكوفة ثم ادعى أن محمد بن علي بن الحسين اوصى إليه ، وأخذه خالد بن عبد الله القسري هو وخمسة عشر رجلا من أصحابه فشدهم باطنان القصب وصب عليهم النفط في مسجد الكوفة وألهب فيهم النار فافلت منهم رجل فخرج بنفسه ثم التفت فرأى أصحابه تأخذهم النار فكر راجعا إلى أن القى نفسه في النار فاحترق معهم ، وكان حمزة بن عمارة نكح ابنته وأحل جميع المحارم وقال من عرف الامام فليصنع ما شاء فلا إثم عليه فاصحاب «ابن كرب» واصحاب «صائد» وأصحاب (بيان) ينتظرون رجوعهم ورجوع

__________________

(١) صائد النهدي قد وردت في ذمه رواية بريد العجلي عن الامام ابي عبد الله الصادق عليه‌السلام حيث عد الشياطين المقصودين بقوله تعالى «هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم» سبعة أحدهم صائد النهدي وقد عده الصادق (ع) في رواية عنه فيمن كذب عليه ، انظر رجال الكشي والخلاصة وغيرهما ـ

(٢) هم اتباع بيان بن سمعان النهدي بالباء ثم الياء بعدهما الألف والنون على ما في الطبري والمقريزي والفرق بين الفرق للبغدادي وقد ضبطه الشهرستاني في الملل والنحل بالباء ثم النون وسمى الفرقة المنسوبة إليه البنانية قتل سنة ١١٩ وقد ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار والطبري في التأريخ والصفدي في الوافي والكشي في رجاله والذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة بيان الزنديق وغير هؤلاء :

٢٨

أصحابه ويزعمون أن محمد بن الحنفية يظهر بنفسه بعد الاستتار عن خلقه ينزل إلى الدنيا ويكون أمير المؤمنين وهذه آخرتهم

«وفرقة» قالت أن محمد بن الحنفية حي لم يمت وأنه مقيم بجبال رضوي بين مكة والمدينة تغذوه الآرام تغدو عليه وتروح فيشرب من ألبانها ويأكل من لحومها وعن يمينه أسد وعن يساره أسد ، يحفظانه إلى أوان خروجه ومجيئه وقيامه ، وقال بعضهم : عن يمينه أسد وعن يساره نمر ، وهو عندهم الإمام المنتظر الذي بشر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه يملأ الأرض عدلا وقسطا فثبتوا على ذلك حتى فنوا وانقرضوا إلا قليلا من أبنائهم وهم احدى فرق الكيسانية

ومن الكيسانية السيد اسماعيل (١) بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري الشاعر وهو الذي يقول :

يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى

حتى متى تحمى (٢) وأنت قريب

يا ابن الوصي ويا سمي محمد

وكنيه نفسي عليك تذوب

لو غاب عنا عمر نوح أيقنت

منا النفوس بأنه سيئوب

ويقول فيه أيضا :

__________________

(١) لقبه الامام الصادق (ع) بسيد الشعراء وهو ليس علويا ولا هاشميا وإنما السيد لقب له ، أكثر شعره في أهل البيت عليهم‌السلام ولد سنة ١٠٥ وتوفي سنة ١٧٣

(٢) تخفى ـ خ ل ـ

٢٩

ألا حي المقيم بشعب رضوى

وأهد له بمنزله السلاما (١)

أضر بمعشر والوك منا

وسموك الخليفة والاماما

وعادوا فيك أهل الأرض طرا

مقامك عنهم (٢) سبعين عاما

لقد أمسى بجانب شعب رضوى

تراجعه الملائكة الكلاما

وما ذاق ابن خولة طعم موت

ولا وارت له أرض عظاما

وإن له به لمقيل صدق

وأندية تحدثه كراما

وقد روى قوم أن السيد ابن محمد رجع عن قوله هذا وقال بامامة جعفر ابن محمد عليه‌السلام وقال في توبته ورجوعه في قصيدة اولها :

ـ تجعفرت باسم الله والله أكبر (٣) ـ

وكان السيد يكنى أبا هاشم ،

«وفرقة منهم قالت أن محمد بن الحنفية مات والامام بعده عبد الله بن محمد ابنه وكان يكنى أبا هاشم وهو أكبر ولده وإليه اوصى ابوه فسميت

__________________

(١) وردت ابيات من هذه القصيدة في الأغاني ج ٨ ص ٣٢ وفي عيون الأخبار لابن قتيبة (طبعة دار الكتب المصرية) ج ٢ ص ١٤٤ وفي المنتظم لابن الجوزي عند ذكره من توفي في سنة ١٧٩ وفي تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة لسبط ابن الجوزي طبعة طهران سنة ١٢٨٧ ص ١٦٦ وفي بحار الأنوار ج ٩ ص ١٧٢ ـ ١٧٣ و ٦١٧ وفي كتاب البدء والتأريخ ج ٥ ص ١٢٨

(٢) كذا في عيون الأخبار والأغاني وفي بعض النسخ ـ عندهم ـ

(٣) وردت ستة أبيات من هذه القصيدة في روضات الجنات للخوانساري ص ٢٩ وبعضها في بحار الأنوار ج ٩ ص ١٧٣ وج ١١ ص ٢٠٠ وراجع أيضا الأغاني ج ٧ ص.

٣٠

هذه الفرقة «الهاشمية» بابي هاشم

وقالت «فرقة» مثل قول الكيسانية في أبيه بانه المهدي وأنه حي لم يمت وأنه يحي الموتى وغلوا فيه ، فلما توفي «ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية» تفرق أصحابه اربع فرق

«ففرقة» منهم قالت : مات «عبد الله بن محمد» وأوصى إلى أخيه «علي بن محمد» وكانت أمه قضاعية تسمى أم عثمان بنت ابي جدير بن عبدة (١) بن معتب بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة بن حرام ابن جعل بن عمرو بن جشم بن (٢) ودم بن ذبيان بن هميم بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، وأن الذين ذكروا أنه اوصى إلى (محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب) غلطوا في الاسم فاوصى علي بن محمد إلى ابنه (الحسن) وأمه أم ولد وأوصى الحسن إلى ابنه (علي بن الحسن) وأمه لبانة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية واوصى علي بن الحسن إلى ابنه (الحسن بن علي) وأمه علية بنت عون بن علي بن محمد بن الحنفية والوصية عندهم في ولد محمد بن الحنفية لا تخرج إلى غيرهم ومنهم يكون القائم المهدي وهم (الكيسانية) الخلص الذين غلبوا على هذا الاسم وهذه الفرقة خاصة تسمى (المختارية) إلا أنه خرجت منهم (فرقة) فقطعوا الامامة بعد ذلك من عقبه وزعموا أن

__________________

(١) غبرة ـ خ ل ـ

(٢) بن دينار بن روم بن هيثم الخ ـ خ ل ـ

٣١

«الحسن» مات ولم يوص إلى أحد ولا وصى بعده ولا إمام حتى يرجع «محمد بن الحنفية» فيكون هو القائم المهدي

«وفرقة» قالت : أوصى (ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية) إلى (عبد الله (١) بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب) الخارج بالكوفة وأمه أم عون بنت عون بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وهو يومئذ غلام صغير فدفع الوصية إلى «صالح بن مدرك» وأمره أن يحفظها حتى يبلغ (عبد الله بن معاوية) فيدفعها إليه فهو الامام وهو العالم بكل شيء حتى غلوا فيه وقالوا ان الله عزوجل نور وهو في عبد الله بن معاوية وهؤلاء أصحاب (عبد الله (٢) بن الحارث) فهم يسمون (الحارثية) وكان ابن الحارث هذا من أهل المدائن فهم كلهم غلاة يقولون : من عرف الامام فليصنع ما شاء و (عبد الله

__________________

(١) عبد الله بن معاوية من شجعان الطالبيين ورؤسائهم وشعرائهم ظهر سنة ١٧٧ بالكوفة خالعا طاعة بني مروان وداعيا إلى نفسه فبايع له أهل الكوفة وأتته بيعة المدائن ثم قاتله عبد الله بن عمر والي الكوفة فتفرق عنه أصحابه فخرج إلى المدائن فلحق به جمع من أهل الكوفة فغلب بهم على حلوان والجبال وهمذان واصبهان والري واستفحل أمره فجبى له خراج فارس وكورها وأقام باصطخر فسير ابن هبيرة امير العراق الجيوش لقتاله فصبر لها ثم انهزم إلى شيراز ومنها إلى هراة قبض عليه عاملها وقتله بامر أبي مسلم الخراساني سنة ١٢٩ : ذكره ابن الأثير في حوادث سنة ١٢٧ وسنة ١٢٩

(٢) ذكر عبد الله بن الحارث في كثير من الكتب الرجالية كمنهج المقال ومنتهى المقال والخلاصة وغيرهما وذكر الكشي فيه رواية تدل على ذمه

٣٢

ابن معاوية) هو صاحب اصفهان الذي قتله ابو مسلم في جيشه (١)

«وفرقة» قالت : اوصى «عبد الله بن محمد بن الحنفية» إلى (محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب) لأنه مات عنده بارض الثراة بالشام وأنه دفع إليه الوصية إلى أبيه (علي بن عبد الله بن العباس) وذلك أن (محمد بن علي) كان صغيرا عند وفاة أبي هاشم وأمره أن يدفعها إليه إذا بلغ فلما بلغ دفعها إليه فهو الامام وهو الله عزوجل وهو العالم بكل شيء فمن عرفه فليصنع ما شاء ، وهؤلاء غلاة (الروندية (٢)) واختصم أصحاب (عبد الله بن معاوية) وأصحاب (محمد بن علي) في وصية أبي هاشم فرضوا برجل منهم يكنى أبا رياح وكان من رءوسهم وعلمائهم فشهد أن «أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية (٣)» اوصى إلى (محمد بن علي بن العباس) فرجع جل أصحاب «عبد الله بن معاوية» إلى القول بامامة «محمد بن علي» وقويت الروندية (٤) بهم

«وفرقة» قالت أن الامام القائم المهدي هو (ابو هاشم) وولي

__________________

(١) حبسه ـ خ ل ـ

(٢) وفي بعض النسخ (الزيدية) ولعل الصحيح الروندية نسبة إلى عبد الله بن الخرب الكنادي الكوفي الروندي العالم المشهور المتوفي سنة ٢٩٨ وقيل سنة ٣٠١.

(٣) قال ابن حجر في تقريب التهذيب : عبد الله بن محمد بن علي بن ابي طالب الهاشمي ابو هاشم ابن الحنفية ثقة قرنه الزهري باخيه الحسن من الرابعة مات سنة ٩٩ بالشام ا ه

(٤) الزيدية ـ خ ل ـ ولعل الصحيح (الروندية) كما تقدم :

٣٣

الخلق ويرجع فيقوم بامور الناس ويملك الأرض ولا وصي بعده وغلوا فيه وهم «البيانية» أصحاب (بيان النهدي) وقالوا أن أبا هاشم نبي بيانا عن الله عزوجل فبيان نبي وتأولوا في ذلك قول الله عزوجل : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً) (٤ : ١٣٨) وادعى (بيان) بعد وفاة ابي هاشم النبوة وكتب إلى ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام يدعوه إلى نفسه والاقرار بنبوته ويقول له أسلم تسلم وترتق في سلم وتنج وتغنم فانك لا تدري أين يجعل الله النبوة والرسالة وما على الرسول إلا البلاغ وقد أعذر من أنذر ، فأمر ابو جعفر عليه‌السلام محمد بن علي رسول «بيان» فأكل قرطاسه الذي جاء به وقتل (بيان) على ذلك وصلب وكان اسم رسوله «عمر (١) بن أبي عفيف الازدي»

فلما قتل ابو مسلم «عبد الله بن معاوية» في حبسه (٢) افترقت فرقته بعده ثلاث فرق ، وقد كان مال إلى «عبد الله بن معاوية» شذاذ صنوف الشيعة برجل من أصحابه يقال له «عبد الله بن الحارث» وكان ابوه زنديقا من أهل المدائن فابرز (٣) لأصحاب «عبد الله» فأدخلهم فى الغلو والقول بالتناسخ والأظلة والدور وأسند ذلك إلى

__________________

(١) عمرو ـ خ ل ـ

(٢) في جيشه ـ خ ل ـ

(٣) فأخرج من شيعة عبد الله جمعا إلى الغلو الخ ـ خ ل ـ

٣٤

«جابر بن (١) عبد الله الأنصاري» ثم إلى «جابر (٢) بن يزيد الجعفي» فخدعهم بذلك حتى ردهم عن جميع الفرائض والشرائع والسنن وادعى أن هذا مذهب جابر بن عبد الله وجابر بن يزيد رحمهما‌الله فانهما قد كانا من ذلك بريئين

(وفرقة) منهم قالت أن (عبد الله بن معاوية) حي لم يمت وأنه مقيم في جبال اصفهان لا يموت ابدا حتى يقود نواصيها إلى رجل من بني هاشم من ولد علي وفاطمة

(وفرقة) قالت أن (عبد الله بن معاوية) هو القائم المهدي الذي بشر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه يملك الأرض ويملأها قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ثم يسلم عند وفاته إلى رجل من بني هاشم من ولد علي بن ابي طالب عليه‌السلام فيموت حينئذ

(وفرقة) قالت أن (عبد الله بن معاوية) قد مات ولم يوص وليس بعده إمام فتاهوا وصاروا مذبذبين بين صنوف الشيعة وفرقها لا

__________________

(١) جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة توفي بالمدينة سنة ٧٨ او سنة ٧٤ ذكره ابن حجر في الاصابة وغيره

(٢) جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوث الجعفي لقي أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق عليهما‌السلام ثقة جليل توفي سنة ١٢٨ ذكره ابن سعد في الطبقات والذهبي في ميزان الاعتدال وغيرهما :

٣٥

يرجعون إلى أحد ، فالكيسانية كلها لا إمام لها وإنما ينتظرون الموتى إلا (العباسية) فانها تثبت الامامة في ولد العباس وقادوها فيهم إلى اليوم ، فهذه فرق (الكيسانية) و (العباسية) و (الحارثية)

ومنهم تفرقت فرق (الخرمدينية (١)) ومنهم كان بدء الغلو فى القول حتى قالوا أن الأئمة آلهة وأنهم أنبياء وأنهم رسل وأنهم ملائكة وهم الذين تكلموا بالأظلة وفي التناسخ في الأرواح وهم أهل القول بالدور في هذه الدار وابطال القيامة والبعث والحساب وزعموا أن لا دار إلا الدنيا وأن القيامة إنما هي خروج الروح من بدن ودخوله في بدن آخر غيره إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا وأنهم مسرورون في هذه الأبدان أو معذبون فيها والأبدان هي الجنات وهي النار وأنهم منقولون (٢) فى الأجسام الحسنة الانسية المنعمة في حياتهم ومعذبون فى الأجسام الردية المشوهة من كلاب وقردة وخنازير وحيات وعقارب وخنافس وجعلان محولون من بدن إلى بدن معذبون فيها هكذا أبد الأبد فهي جنتهم ونارهم لا قيامة ولا بعث ولا جنة ولا نار غير هذا على قدر أعمالهم وذنوبهم وإنكارهم لأئمتهم ومعصيتهم لهم فانما تسقط الأبدان

__________________

(١) سيأتي أن الخرمدينية هم الأبامسلمية أصحاب أبي مسلم الخراساني

(٢) كذا في النسخ المخطوطة : ولعل الصحيح ـ مثوبون ـ بتشديد الواو :

٣٦

وتخرب اذ هي مساكنهم فتتلاشى الأبدان وتفنى وترجع الروح فى قالب آخر منعم او معذب وهذا معنى الرجعة عندهم وإنما الأبدان قوالب ومساكن بمنزله الثياب التي يلبسها الناس فتبلى وتطرح ويلبس غيرها وبمنزلة البيوت يعمرها الناس فاذا تركوها وعمروا غيرها خربت والثواب والعقاب على الأرواح دون الأجساد ، وتأولوا في ذلك قول الله تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨٢ : ٨) وقوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) (٦ : ٣٨) وقوله عزوجل : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٣٥ : ٢٤) فجميع الطير والدواب والسباع كانوا أمما ناسا خلت فيهم نذر من الله عزوجل واتخذ بهم عليهم الحجة فمن كان منهم صالحا جعل روحه بعد وفاته وإخراب قالبه وهدم مسكنه إلى بدن صالح فأكرمه ونعمه ومن كان منهم كافرا عاصيا نقل روحه إلى بدن خبيث مشوه يعذبه فيه بالدنيا وجعل قالبه (ظ) في أقبح صورة ورزقه أنتن رزق وأقذره ، وتأولوا في ذلك قول الله عزوجل : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (٨٩ : ١٥ ـ ١٦) فكذب الله تعالى هؤلاء ورد عليهم قولهم لمعصيتهم إياه فقال : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (٨٩ : ١٧) وهو النبي صلى الله

٣٧

عليه وآله ، (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٨٩ : ١٨) وهو الامام ، (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) (٨٩ : ١٩) لا تخرجون حق الامام ، مما رزقكم وأجراه لكم

ومنهم فرقة تسمى (المنصورية) وهم أصحاب (أبي منصور (١)) وهو الذي ادعى أن الله عزوجل عرج به إليه فأدناه منه وكلمه ومسح يده على رأسه وقال (٢) له بالسرياني اي بني وذكر أنه نبي ورسول وأن الله اتخذه خليلا ، وكان «ابو منصور» هذا من أهل الكوفة من عبد القيس وله فيها دار وكان منشأه بالبادية وكان أميا لا يقرأ فادعى بعد وفاة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام أنه فوض إليه امره وجعله وصيه من بعده ثم ترقى به الأمر إلى أن قال كان علي بن ابي طالب عليه‌السلام نبيا ورسولا وكذا الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وأنا نبي ورسول والنبوة في ستة من ولدي يكونون بعدي أنبياء آخرهم القائم وكان يأمر أصحابه بخنق من خالفهم وقتلهم بالاغتيال ويقول من خالفكم فهو كافر مشرك فاقتلوه فان هذا جهاد خفي ، وزعم أن جبرئيل عليه

__________________

(١) هو ابو منصور العجلي وقد لعنه الامام الصادق عليه‌السلام ثلاثا كما ذكره الكشي في رجاله ص ١٩٦ وصلبه يوسف بن عمر الثقفي والي العراق في أيام هشام بن عبد الملك أنظر الطبري والملل والنحل للشهرستاني وعيون الأخبار لابن قتيبة والفرق بين الفرق للبغدادي والمقريزي :

(٢) ثم قال له أي بنى ـ خ ل ـ وفي رجال الكشي وقال له بالفارسي يا بسر. وفي الفرق بين الفرق : وقال له يا بني بلغ عني ،

٣٨

السلام يأتيه بالوحي من عند الله عزوجل وأن الله بعث محمدا بالتنزيل وبعثه هو «يعني نفسه» بالتأويل فطلبه خالد بن عبد الله القسري فأعياه ثم ظفر عمر الخناق بابنه «الحسين بن ابي منصور» وقد تنبأ وادعى مرتبة ابيه وجبيت إليه الأموال وتابعه على رأيه ومذهبه بشر كثير وقالوا بنبوته ، فبعث به للمهدي فقتله في خلافته وصلبه بعد أن أقر بذلك وأخذ منه مالا عظيما وطلب أصحابه طلبا شديدا وظفر بجماعة منهم فقتلهم وصلبهم

فهؤلاء صنوف «الغالية «من أصحاب «عبد الله بن معاوية» و (العباسية الروندية) وغيرهم غير ان أصحاب (عبد الله بن معاوية) يزعمون أنهم يتعارفون في انتقالهم في كل جسد صاروا فيه على ما كانوا عليه مع نوح عليه‌السلام فى السفينة ومع (١) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل عصر وزمانه ويسمون انفسهم بأسماء أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويزعمون أن أرواحهم فيهم ويتأولون في ذلك قول علي بن ابي طالب عليه‌السلام وقد روي أيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فنحن نتعارف كما قال علي عليه‌السلام وكما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال بعضهم بالتناسخ وتنقل الارواح مدة ووقت وهو أن كل دور

__________________

(١) ومع كل نبي في عصره وزمانه ـ خ ل ـ

٣٩

فى الأبدان الانسية فذلك للمؤمنين خاصة فتحول إلى الدواب للنزهة مثل الأفراس والشهاري وفي غيرها مما يكون لمواكب (١) الملوك والخلفاء على قدر أديانهم وطاعتهم لأئمتهم فيحسن إليها في علفها وإمساكها وتجليلها بالديباج وغيره من الجلال النظيفة المرتفعة والسروج المحلاة وكذلك ما كان منها لأوساط الناس والعوام فانما ذلك على قدر ايمانهم فتمكث في ذلك الانتقال الف سنة ثم تحول إلى الأبدان الانسية عشرة آلاف سنة وإنما ذلك امتحان لها لكيلا يدخلهم العجب فتزول طاعتهم ، وأما الكفار والمشركون والمنافقون والعصاة فينتقلون فى الأبدان المشوهة الوحشة عشرة آلاف سنة ما بين الفيل والجمل إلى البقة الصغيرة ، وتأولوا في ذلك قول الله عزوجل : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) (٧ : ٤٠) ونحن نعلم ما هو في خلق الجمل وما كان مثله من الخلق لا يقدر أن يلج في سم الخياط وقول الله لا يكذب ولا بد من أن يكون ذلك ولا يتهيأ إلا بنقصان خلقه وتصغيره في كل دور حتى يرجع الفيل والجمل إلى حد البقة الصغيرة فتدخل حينئذ في سم الخياط فاذا خرج من سم الخياط رد إلى الأبدان الانسية الف سنة فصار في الخلق الضعيف المحتاج وكلف الأعمال والتعب وطلب المكسب بالمشقة فبين دباغ وحجام وكناس وغير

__________________

(١) لمراكب ـ خ ل ـ

٤٠