آثار البلاد وأخبار العباد

زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني

آثار البلاد وأخبار العباد

المؤلف:

زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٧

مذيخرة

قلعة حصينة قرب عدن ، على قلّة جبل لا سبيل للفكر إلى استخلاصها إذ لا مصير إليها إلّا من طريق واحد ، وهو صعب جدّا ، وفيها عين عظيمة على رأس الجبل تسقي عدّة قرى.

قال الاصطخري : أعلى هذا الجبل نحو من عشرين فرسخا ، فيها مزارع ومياه كثيرة ، ونباتها الورس ، تغلّب عليها محمّد بن الفضل القرمطي الذي خرج من اليمن ، وقصّته مشهورة ، والله الموفق.

مرباط

مدينة بين حضر موت وعمان ، وهي فرضة ظفار ، لأن ظفار مرساها غير جيّد ، بها اللبان يحمل منها إلى سائر البلدان وهو غلّة للملك.

أهلها عرب موصوفون بقلّة الغيرة ، وذلك ان كلّ ليلة نساؤهم يخرجن إلى خارج المدينة ، ويسامرن الرجال الأجانب ، ويجالسنهم ويلاعبنهم إلى نصف الليل ، فيجوز الرجل على زوجته وأخته وأمّه وهي تلاعب آخر وتحادثه فيعرض عنها ويمشي إلى زوجة غيره يحادثها.

وقال صاحب معجم البلدان : رأيت بجزيرة قيس رجلا عاقلا أديبا من مرباط ، فقلت له : بلغني منكم حديث أنكرته. فقال : لعلّك تقول عن السمر؟ فقلت : نعم أخبرني أصحيح أم لا؟ فقال : إنّه صحيح! وبالله أقسم إنّه لقبيح ، ولكن على ذلك نشأنا ، ولو استطعنا لأزلناه ولكن لا سبيل إلى إزالته!

٦١

مسور

مخلاف باليمن ، بها قرى كثيرة ومزارع وأودية كثيرة من خواصّها العجيبة أن البرّ والشعير والذرة يبقى بها مدّة طويلة لا يتغيّر ، وذكر أنّهم ادّخروا حنطة ، فرأوها بعد ثلاثين سنة ولم يتغيّر منها شيء.

مقدشو

مدينة في أوّل بلاد الزنج ، في جنوبي اليمن على ساحل البحر. وأهلها عرباء لا سلطان لهم ، ويدبّر أمرهم المتقدّمون على الاصطلاح ، وحكى التجّار أنّهم يرون بها القطب الجنوبي مقاربا لوسط السماء وسهيلا ، ولا يرون القطب الشمالي البتّة ، وانّهم يرون هناك شيئا مقدار جرم القمر شبه قطعة غيم بيضاء ، لا يغيب أبدا ولا يبرح مكانه ، يحمل منها الصندل والآبنوس والعنبر والعاج إلى غيرها من البلاد.

مقرى

قرية على مرحلة من صنعاء ، بها معدن العقيق ونيله من أجود أنواع العقيق ، حكى معالجوه أنّهم يجدون قطعة نحو عشرين منّا ، فيكسر ويلقى في الشمس عند شدّة الحرّ ، ثمّ يسجر له التنّور بأبعار الإبل ، ويجعلونه في شيء يكنّه عن ملامسة النار ، فسيّر منه ماء يجري في مجرى وضعوه له ، ثمّ يستخرجونه لم يبق منه إلّا الجوهر وما عداه صار رمادا.

مهرة

أرض باليمن ؛ قال ابن الفقيه : بها شجرة إذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء ، فيمتلئ منه الحياض والمصانع ، وإذا مرّت الأشهر الحرم انقطع الماء.

٦٢

منها النجائب المهريّة ، وانّها كريمة جدّا ، ذكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله باليمن ليشتري له نجائب مهرية ، فطلبوا فلم يجدوا شيئا ، فقدم رجل من بجيلة على جمل عظيم الهامة ، فساوموه فقال : لا أبيعه.

فقالوا : لا نغصبك ولا ندعك ، لكن نحبسك ونكاتب أمير المؤمنين حتى يأتينا أمره! فقال : هلّا خيرا من هذا؟ قالوا : وما هو؟ قال : معكم نجائب كرام وخيل سبّق ، دعوني حتى أركب جملي واتبعوني ، فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن. ثمّ قال : تأهّبوا. فصاح في أذنه ثمّ أثاره ، فوثب وثبة شديدة فتبعوه فلم يدركوه.

وبار

قال اللّيث : هو أرض بين اليمن وجبال يبرين من محالّ عاد ، فلمّا أهلكوا أورث الله أرضهم الجنّ فلا يتقاربها أحد من الناس.

قال أهل السير : هي مسمّاة بوبار بن ارم بن سام بن نوح ، عليه السلام ، وهي ما بين الشّحر إلى صنعاء زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها.

قال أحمد بن محمّد الهمذاني : وبار كانت أكثر الأرضين خيرا وأخصبها ضياعا وأكثرها شجرا ومياها وثمرا ، فكثرت بها القبائل وعظمت أموالهم ، وكانوا ذوي أجسام فأشروا وبطروا لم يعرفوا حقّ نعم الله تعالى عليهم ، فبدّل الله تعالى خلقهم وصيّرهم نسناسا ، لأحدهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة ، فخرجوا يرعون في تلك الغياض على شاطىء البحر كما ترعى البهائم ، وهم فيما بين وبار وأرض الشّحر وأطراف اليمن ، يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الديار بالكلاب ، ينفّرونهم عن زروعهم وحدائقهم.

حكى ابن الكيس النمري قال : كنّا في رفقة أضللنا الطريق ، فوقعنا في غيضة على ساحل البحر لا يدرك طرفاه ، فإذا أنا بشيخ طويل كالنخلة ، له

٦٣

نصف رأس ونصف بدن وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة ، فأسرع مثل حضر الفرس العتيق وهو يقول :

فررت من جور الشّراة شدّا

إذ لم أجد من الفرار بدّا

قد كنت دهرا في شبابي جلدا

فها أنا اليوم ضعيف جدّا

زعم العرب أن سكّان أرض وبار جنّ ، ولا يدخلها إنسي أصلا ، فإن دخلها غالطا أو عامدا حثوا في وجهه التراب ، فإن أبى إلّا الدخول خبّلوه أو قتلوه ، أو ضلّ فيها ولا يعرف له خبر ، ولهذا قال الفرزدق :

ولقد ضللت أباك تطلب دارما

كضلال ملتمس طريق وبار

لا تهتدي به أبدا ولو بعثت به

بسبيل واردة ولا آثار

منها الإبل الحوشية ، تزعم العرب أنّها التي ضربها إبل الجنّ ، وهي إبل لم ير أحسن منها ؛ قال الشاعر :

كأني على حوشيّة أو نعامة

لها نسب في الطّير أو هي طائر

حكي أن رجلا من أهل اليمن يوما رأى في إبله فحلا كأنّه كوكب بياضا وحسنا ، فأقرّه فيها حتى ضرب إبله ، فلمّا لقحها لم يره حتى كان العام المقبل ، وقد نتجت النوق أولادا لم ير أحسن منها ، وهكذا في السنة الثانية والثالثة. فلمّا ألقحها وأراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده ، فتبعها الرجل حتى وصل إلى أرض وبار ، فرأى هناك أرضا عظيمة وبها من الإبل الحوشية والبقر والحمير والظباء ما لا يحصى كثرة ، ورأى نخلا كثيرا حاملا وغير حامل ، والتمر ملقى حول النخل قديما وحديثا بعضه على بعض ، ولم ير أحدا من الناس ، فبينا هو كذلك إذ أتاه آت من الجنّ وقال له : ما وقوفك هاهنا؟ فقصّ عليه قصّته وما كان من الإبل ، فقال له : لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك!

٦٤

وإياك والمعاودة ، فإن ذاك لفحل من إبلنا ، عمد إلى أولاده فجاء بها. وأعطاه جملا ، وقال : انج بنفسك وهذا الجمل لك.

قالوا : إن النجائب المهريّة من نسل ذلك الجمل.

ورور

حصن منيع في جبال صنعاء ، من استولى عليه يختلّ دماغه ، يدّعي نبوة أو خلافة أو سلطنة ، ولمّا استولى عليه عبد الله بن حمزة الزيدي ادّعى الإمامة ، وأجابه خلق من اليمن ، زعم أنّه من ولد أحمد بن الحسين بن القاسم بن إسمعيل ابن الحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ورواة الأنساب يقولون : ان أحمد لم يعقب ، وكان ذا لسان وبلاغة ، وله تصانيف في مذهب الزيدية ، وله أشعار منها :

لا تحسبوا أنّ صنعا جلّ مأربتي

ولا ذمار إذا أشمتّ حسّادي

واذكر إذا شئت تشجيني وتطريبي

كرّ الجياد على أبواب بغداد

اليمن

بلاد واسعة من عمان إلى نجران ، تسمّى الخضراء لكثرة أشجارها وزروعها ، تزرع في السنة أربع مرّات ، ويحصد كلّ زرع في ستّين يوما ، وتحمل أشجارهم في السنة مرّتين.

وأهلها أرقّ الناس نفوسا وأعرفهم للحقّ ، سمّاهم الله تعالى الناس حيث قال : ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس ، وقال ، صلّى الله عليه وسلّم :إني لأجد نفس الرحمن من صوب اليمن. أراد به نصرة الأوس والخزرج.

وقال أيضا : الإيمان يمان والحكمة يمانية.

قال الأصمعي : أربعة أشياء قد ملأت الدنيا ولا تكون إلّا باليمن : الورس والكندر والخطر والعقيق.

٦٥

وبها الأحقاف وهي الآن تلال من الرمل بين عدن وحضر موت ، وكانت مساكن عاد أعمر بلاد الله وأكثرها عمارة وزرعا وشجرا ، فلمّا سلّط الله تعالى عليهم الريح طمّها بالرمل ، وهي إلى الآن تحت تلك الأحقاف ، جعلها الله تعالى عبرة للناظرين وخبرة للغابرين ، كما قال تعالى : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ، كانوا أكثر منهم وأشدّ قوّة ، وأثاروا الأرض وعمروها أكثر ممّا عمروها.

وبها قصران من قصور عاد ، ولمّا بعث معاوية عبد الرحمن بن الحكم إلى اليمن واليا ، بلغه أن بساحل عدن قصرين من قصور عاد وان في بحرها كنزا ، فطمع فيه وذهب في مائة فارس إلى ساحل عدن إلى أقرب القصرين فرأى ما حولهما من الأرض سباخا بها آثار الآبار ، ورأى قصرا مبنيّا بالصخر والكلس ، وعلى بعض أبوابه صخرة عظيمة بيضاء مكتوب عليها :

غنينا زمانا في عراضة ذا القصر

بعيش رخيّ غير ضنك ولا نزر

يفيض علينا البحر بالمدّ زاخرا

وأنهارنا بالماء مترعة تجري

خلال نخيل باسقات نواضر

تأنّق بالقسب المجزّع والتّمر

ونصطاد صيد البرّ بالخيل والقنا

وطورا نصيد النّون من لجج البحر

ونرفل في الخزّ المرقّم تارة

وفي القزّ أحيانا وفي الحلل الحضر

يلينا ملوك يبعدون عن الحنا

شديد على أهل الخيانة والغدر

يقيم لنا من دين هود شرائعا

ويؤمن بالآيات والبعث والنّشر

إذا ما عدوّ حلّ أرضا يريدنا

برزنا جميعا بالمثقّفة السّمر

نحامي على أولادنا ونسائنا

على الشّهب والكمت المعانيق والشّقر

نقارح من يبغي علينا ويعتدي

بأسيافنا حتى يولّون بالدّبر

ثمّ مضى إلى القصر الآخر وبينهما أربعة فراسخ ، فرأى حوله آثار الجنان

٦٦

والبساتين. قال : فدنونا من القصر فإذا هو من حجارة وكلس غلب عليه ماء البحر ورأينا على بابه صخرة عظيمة عليها مكتوب :

غنينا بهذا القصر دهرا فلم يكن

لنا همّة إلّا التّلذّذ والقصف

يروح علينا كلّ يوم هنيدة

من الإبل يعشو في معاطنها الطّرف

وأضعاف تلك الإبل شاء كأنّها

من الحسن آرام أو البقر القطف

فعشنا بهذا القصر سبعة أحقب

بأطيب عيش جلّ عن ذكره الوصف

فجاءت سنون مجد بات قواحل

إذا ما مضى عام أتى آخر يقفو

فظلنا كأن لم تغن في الخير لمحة

فماتوا ولم يبق خفّ ولا ظلف

كذلك من لم يشكر الله لم تزل

معالمه من بعد ساحته تعفو

قال : فعجبنا من ذلك ، ثمّ مضينا إلى الساحل الذي ذكر أن فيه كنزا ، فأمرنا الغوّاصين فغاصوا وأخرجوا جرارا من صفر مطبقة بصفر ، فلم نشكّ انّه مال حتى جمعت جرار كثيرة ، ففتحنا بعضها فخرج منها شيطان وقال :يا ابن آدم إلى متى تحبسنا؟ فبينا نحن نتعجّب من ذلك إذ رأينا سوادا عظيما أقبل من جزيرة قريبة من الساحل ، ففزعنا فزعا فاقتحم الماء وأقبل نحونا ، فإذا هي قردة قد اجتمع منها ما لا يعلم عددها إلّا الله.

وكانت تلك الجزيرة مأواها ، وأمامها قرد عظيم في عنقه لوح حديد معلّق بسلسلة ، فأقبل إلينا ورفع اللوح نحونا ، فأخذنا اللوح من عنقه فإذا فيه كتابة بالسريانيّة ، وكان معنا من يحسن قراءتها فقرأها فإذا هي : بسم الله العظيم الأعظم. هذا كتاب من سليمان بن داود رسول الله لمن في هذه الجزيرة من القردة ، إني قد أمرتهم بحفظ هؤلاء الشياطين ، المحبّسين في هذه الناحية في هذه الجرار الصفر ، وجعلت لهن أمانا من جميع الجنّ والإنس ، فمن أرادهن أو عرض لهنّ فهو بريء مني ، وأنا بريء منه في الدنيا والآخرة.

٦٧

فأردنا أن نمضي باللّوح إلى معاوية لينظر إليه ، فلمّا ولّينا وقفت القردة كلّها أمامنا وحاصرتنا ، وضجّت ضجّة فرددنا اللوح إليها ، فأخذته واقتحمت الماء وعادت إلى الجزيرة.

ومن عجائب اليمن ما ذكر ابن فنجويه أن بأرض عاد تمثالا على هيئة فارس.

ومياه تلك الأرض كلّها ملحة ، فإذا دخلت الأشهر الحرم يفيض من ذلك التمثال ماء كثير عذب ، لا يزال يجري إلى انقضاء الأشهر الحرم ، وقد تطفّحت حياضهم من ذلك الماء فيكفيهم إلى تمام السنة ؛ قال الشاعر :

وبأرض عاد فارس يسقيهم

بالعين عذبا كالفرات السّائح

في الأشهر الحرم العظيمة قدرها

يغنون عن شرب الزّعاق المالح

فإذا انقضى الشّهر الحرام تطفّحت

تلك الحياض بماء عين السّافح

وبها جبل الشّبّ ، وعلى رأس هذا الجبل ماء يجري من كلّ جانب ، وينعقد حجرا قبل أن يصل إلى الأرض ، والشبّ اليماني الأبيض من ذلك.

وبها جبل شبام ؛ قال محمّد بن أحمد بن إسحاق الهمذاني : إنّه جبل عظيم بقرب صنعاء ، بينها وبينه يوم واحد ، وهو صعب المرتقى ليس إليه إلّا طريق واحد ، وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة ومزارع وكروم ونخيل ، والطريق إليها في دار الملك ، وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك ، فمن أراد النزول إلى السهل استأذن الملك حتى يأذن بفتح الباب له ، وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا تسلك ولا يعلم أحد ما وراءها إلّا الله. ومياه هذا الجبل تنكسب إلى سدّ هناك ، فإذا امتلأ السدّ ماء فتح ليجري إلى صنعاء ومخاليفها.

وبها جبل كوكبان ، إنّه بقرب صنعاء عليه قصران مبنيان بالجواهر ، يلمعان بالليل كالكوكبين ولا طريق إليهما. قيل : إنّهما من بناء الجنّ.

وبها نهر اليمن ؛ قال صاحب تحفة الغرائب : بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب ، وعند غروبها من المغرب إلى المشرق.

٦٨

وبها العلس ، وهو نوع من الحنطة حبّتان منه في كمام لا يوجد إلّا باليمن ، وهو طعام أهل صنعاء.

وبها الورس ، وهو نبت له خريطة كما للسمسم ، ذكروا انّه يزرع سنة ويبقى عشرين سنة.

وبها الموز وهي ثمرة شبيهة بالعنب إلّا أنّه حلو دسم ، لا تحمل شجرتها إلّا مرّة واحدة.

وبها نوع من الكمثرى ، من أكل منها واحدة يطلق عشر مرّات ، وان أكل اثنتين يطلق عشرين مرّة ، وإن أكل ثلاثا يطلق ثلاثين. ويتّخذ منه عسل يلعق منه صاحب القولنج فينفتح في الحال.

ويجلب منها سيوف ليس في شيء من البلاد مثلها ، ويجلب منها البرود اليمانية ، وقرودها أخبث القرود وأسرع قبولا للتعليم.

وبها الغدار ، وهو نوع من المتشيطنة يوجد بأكناف اليمن ، يلحق الإنسان ويقع عليه ، فإذا أصيب الإنسان منه يقول أهل تلك النواحي : أمنكوح هو أم مذعور؟ فإن قالوا منكوح أيسوا منه ، وإن كان مذعورا سكن روعه وشجع ، ومن الناس من لم يكترث به لشجاعة نفسه.

وحكي عن الشافعي أنّه قال : دخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت فيها إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن امرأة ، ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرّقان بأربع أيد ورأسين ووجهين ، وهما يتلاطمان مرّة ويصطلحان أخرى ، ويأكلان ويشربان.

ثمّ غبت عنهما سنين ورجعت ، فسألت عنها فقيل لي : أحسن الله عزاءك في أحد الجسدين! توفي فربط من أسفله بحبل حتى ذبل ثمّ قطع ، والجسد الآخر تراه في السوق ذاهبا وجائيا.

ومنها أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني افتخار اليمن ، كان من أعلم الناس بالحلال والحرام ، له نسل بقزوين مشايخ وعلماء إلى الآن ، وهو جدّي من قبل الأم ، ذكر يوسف بن اسباط أن طاووسا مرّ بنهر سلطاني ، فهمّت

٦٩

بغلته أن تشرب منه فمنعها. وذكر بشر بن عبد الله أن طاووسا مرّ بالسوق فرأى رؤوسا مشويّة بارزة الأسنان فلم ينعس تلك الليلة ، وقال إن الله تعالى يقول : تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.

وقال منعم بن ادريس : صلّى طاووس اليماني صلاة الفجر بوضوء العتمة أربعين سنة. توفي سنة ستّ ومائة بمكّة قبل يوم التروية عن بضع وتسعين سنة.

وكان الناس يقولون : رحم الله أبا عبد الرحمن ، حجّ أربعين حجّة وصلّى عليه هشام بن عبد الملك ، وهو خليفة حجّ تلك السنة.

ومنها أويس بن عامر القرني. روى أبو هريرة عن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، أن لله تعالى من خلقه الأصفياء الأحفياء ، الشعثة شعورهم الغبرة وجوههم الخمصة بطونهم ، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذنوا ، وإن خطبوا المنعّمات لم ينكحوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم ، وإن مرضوا لم يعادوا ، وإن ماتوا لم يشهدوا.

قالوا : يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال : ذاك أويس القرني! قالوا : وما أويس القرني؟ قال : أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين الكتفين معتدل القامة ، آدم شديد الأدمة ، ضارب بذقنه إلى صدره ، رام ببصره إلى موضع سجوده ، واضع بيمينه على شماله ، يتلو القرآن ، يبكي على نفسه ، ذو طمرين لا يؤبه له ، متّزر بإزار صوف ورداء صوف ، مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء ، لو أقسم على الله لأبرّ قسمه! الا وان تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء ، الا وانّه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد : ادخلوا الجنّة ، وقيل لأويس : قف واشفع! يشفّعه الله ، عزّ وجلّ ، في مثل عدد ربيعة ومضر. يا عمر ويا عليّ إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما. فكانا يطلبانه عشرين سنة ، فلمّا كان سنة هلك فيها عمر قام على أبي قبيس ونادى بأعلى صوته : يا أهل الحجيج من اليمن ، أفيكم أويس؟ فقام شيخ كبير وقال : إنّا لا ندري ما أويس ، لكن لي ابن أخ يقال له أويس ، هو أخمل ذكرا وأقلّ

٧٠

مالا وأهون أمرا من أن نرفعه إليك! وإنّه ليرعى إبلنا حقين بين أظهرنا! فقال له عمر : إن ابن أخيك هذا عزمنا! قال : نعم. قال : فأين يصاب؟ قال : بأراك عرفات.

فركب عمر وعليّ سراعا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلّي إلى شجرة والإبل حوله ترعى ، فأقبلا إليه وقالا : السلام عليك ورحمة الله وبركاته! فردّ عليهما جواب السلام. قالا له : من الرجل؟ قال : راعي إبل وأجير قوم! قالا :ما اسمك؟ قال : عبد الله. قالا : اسمك الذي سمّتك أمّك به؟ قال : يا هذان ما تريدان إليّ؟ قالا : وصف لنا رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، أويسا القرني وقد عرفنا الصهوبة والشهولة ، أخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء أوضحها لنا. فأوضح منكبه ، فإذا اللمعة فابتدار يقبّلانه وقالا : نشهد أنّك أويس القرني! فاستغفر لنا يغفر الله لك! فقال : ما أخصّ باستغفاري نفسي ولا أحدا من ولد آدم ، ولكنّه من في البحر والبرّ من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. يا هذان ، قد شهر الله لكما حالي وعرّفكما أمري فمن أنتما؟ قال عليّ : أمّا هذا فعمر أمير المؤمنين ، وأمّا أنا فعليّ بن أبي طالب! فاستوى أويس وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، وعليك يا عليّ بن أبي طالب ، فجزا كما الله عن هذه الأمّة خيرا! قالا : وأنت جزاك الله عن نفسك خيرا! فقال له عمر : مكانك يرحمك الله ، حتى أدخل مكّة وآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي ، هذا المكان ميعاد بيني وبينك. فقال : يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك ، لا أراك بعد اليوم تعرفني ، ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى عليّ إزارا ورداء من صوف متى تراني أبليهما؟ أما ترى أني أخذت رعائي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين ، إن بين يديّ ويديك عقبة كؤودا لا يجاوزها إلّا ضامر مخفّ مهزول! فلمّا سمع عمر ذلك ضرب بدرّته الأرض ثمّ قال بأعلى صوته : يا ليت عمر لم تلده أمّه! يا ليتها كانت عاقرا لم تعالج حملها! قال : يا أمير

٧١

المؤمنين خذ أنت هاهنا حتى آخذ أنا هاهنا ؛ فولّى عمر نحو ناحية مكّة وساق أويس إبله ، فأتى القوم بإبلهم وخلّى الرعاية وأقبل على العبادة.

وحكي أن أويسا إذا خرج يرميه الصبيان بالحجارة ، وهو يقول : إن كان لا بدّ فبالصغار حتى لا تدموا ساقيّ فتمنعوني من الصلاة. وحدّث عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنّه نادى يوم صفّين رجل من أهل الشام : أفيكم أويس القرني؟ قلنا : نعم! ما تريد منه؟ قال : إني سمعت رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، يقول : أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته ودخل مع أصحاب عليّ فنادى مناد في القوم : أويس! فوجد في قتلى عليّ ، كرّم الله وجهه.

ومنها أبو عبد الله وهب بن منبّه ، وكان الغالب عليه قصص الأنبياء وأخبار القرون الماضية والوعظ ؛ قال : قرأت في بعض الكتب أن مناديا ينادي من السماء الرابعة كلّ صباح : أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده! أبناء الخمسين ماذا قدّمتم وماذا أخّرتم؟ أبناء الستّين لا عذر لكم! ليت الخلق لم يخلقوا وإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا. قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم ؛ قال منعم بن ادريس : إن وهب بن منبّه صلّى أربعين سنة صلاة الفجر بوضوء العشاء. مات سنة أربع عشرة ومائة.

هذا آخر ما عرفناه من الإقليم الأوّل.

٧٢

الاقليم الثاني

هو حيث يكون ظلّ الاستواء ، في أوّله نصف النهار إذا استوى الليل والنهار قدمين وثلاثة أخماس قدم ، وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار ثلاثة أقدام ونصف وعشر سدس قدم ، يبتدىء من المشرق فيمرّ على بلاد الصين وبلاد الهند والسند ، ويمرّ بملتقى البحر الأخضر ، ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ، ثمّ يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب.

ويكون أطول نهار هؤلاء في أوّل الإقليم ثلاث عشرة ساعة وربع الساعة ، وآخره ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع ، وأوسطه ثلاث عشرة ساعة ونصف ، وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر ميلا واثنتان وأربعون دقيقة ، وعرضه أربعمائة ميل وميلان واحدى وخمسون دقيقة ، ومساحتها مكسرا ثلاثة آلاف ألف وستّمائة ألف ميل ، وتسعون ألف ميل ، وثلاثمائة وأربعون ميلا وأربع وخمسون دقيقة ، وأمّا المدن الواقعة فيها فسنذكرها مرتّبة على حروف المعجم ، ما انتهى خبرها إلينا ، والله المستعان.

الأبلق

حصن السّموأل بن عاديا اليهودي الذي يضرب به مثل الوفاء ، والحصن يسمّى الابلق الفرد ، لأنّه كان في بنائه بياض وحمرة ، وهو بين الحجاز والشام على تلّ من تراب ، والآن بقي على التلّ آثار الأبنية القديمة ، بناه أبو السموأل عاديا اليهودي. يقال : أوفى من السموأل.

وكان من قصّته أن امرأ القيس بن حجر الكندي ، لمّا قتل أبوه مرّ إلى قيصر

٧٣

يستنجده على قتلة أبيه ، وكان اجتيازه على الأبلق الفرد ، فرآها قلعة حصينة ذاهبة نحو السماء ، وكان معه أدراع تركها عند السموأل وديعة وذهب.

فبلغ هذا الخبر الحرث بن ظالم الغسّاني ، فسار نحو الأبلق لأخذ الدروع ، فامتنع السموأل من تسليمها إليه ، فظفر بابن السموأل وكان خارج الحصن يتصيّد ، فجاء به إلى أسفل الحصن وقال : إن دفعت الدروع إليّ وإلّا قتلت ابنك! فقال السموأل : لست أخفر ذمّتي فاصنع ما شئت! فذبحه والسموأل ينظر إليه وانصرف الملك على يأس! فضرب العرب المثل في الوفاء. وقال السموأل :

بنى لي عاديا حصنا حصينا

وماء كلّما شئت استقيت

رفيعا تزلق العقبان عنه

إذا ما نابني ضيم أبيت

وأوصى عاديا قدما بأن لا

تهدّم يا سموأل ما بنيت

وفيت بأدرع الكنديّ إني

إذا ما خان أقوام وفيت

أجأ وسلمى

جبلان بأرض الحجاز ، وبها مسكن طيّء وقراهم. موضع نزه كثير المياه والشجر. قيل : أجأ اسم رجل وسلمى اسم امرأة كانا يألفان عند امرأة اسمها معروجا ، فعرف زوج سلمى بحالهما فهربا منه ، فذهب خلفهما وقتل سلمى على جبل سلمى وأجأ على جبل أجأ ، ومعروجا ، فسميّت المواضع بهم ، وقال الكلبي : كان على أجأ أنف أحمر كأنّه تمثال إنسان يسمّونه فلسا ، كان طيّء يعبدونه إلى عهد رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فلمّا جاء الإسلام بعث رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، عليّ بن أبي طالب في مائة وخمسين من الأنصار ، فكسروا فلسا وهدموا بيته وأسروا بنت حاتم.

ينسب إليها أبو سليمان داود بن نصير الطائي الزاهد العابد ؛ قيل إنّه سمع

٧٤

امرأة عند قبر تقول :

مقيم إلى أن يبعث الله خلقه

لقاؤك لا يرجى وأنت قريب

تزيد بلى في كلّ يوم وليلة

وتبقى كما تبلى وأنت حبيب

كان ذلك سبب توبته. وقيل : إنّه ورث من أبيه أربعمائة درهم ، أنفقها ثلاثين سنة ، وصام أربعين سنة ، ما علم أهله أنّه صائم. وكان حرّازا يأخذ أوّل النهار غداءه معه إلى الدكان ، ويتصدّق به في الطريق ، ويرجع آخر النهار يتعشّى في بيته ، ولا يعلم أهله أنّه كان صائما. وكان له داية قالت : يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز؟ قال : يا داية بين أكل الخبز وشرب القنيت أقرأ خمسين آية! وقال حفص بن عمر الجعفي : إن داود الطائي مرّ بآية يذكر فيها النار فكرّرها في ليلة مرارا ، فأصبح مريضا ، فوجدوه مات ورأسه على لبنة ، سنة خمس وستّين ومائة في خلافة المهدي.

وينسب إليها أبو تمام حبيب بن أوس الطائي ، الشاعر المفلق ، فاق على كلّ من كان بعده بفصاحة اللفظ وجزالة المعنى ؛ قيل إنّه أنشد قصيدته في مدح المعتصم :

ما في وقوفك ساعة من باس

تقضي ذمام الأربع الدّرّاس

فلمّا انتهى إلى المديح قال :

إقدام عمرو في سماحة حاتم

في حلم أحنف في ذكاء إياس

قال بعض الحاضرين : مه! من هؤلاء حتى تشبّه الخليفة بهم؟ فأطرق أبو تمام هنيّة ثمّ رفع رأسه وقال :

لا تنكروا ضربي له من دونه

مثلا شرودا في النّدى والباس

فالله قد ضرب الأقلّ لنوره

مثلا من المشكاة والنّبراس

٧٥

فتعجّب الخليفة والحاضرون من قدرته على الكلام فولّاه الموصل.

وحكى البحتري أنّه دخل على بعض الولاة ، ومدحه بقصيدة قرأها عليه ، قال : فلمّا تمّمتها قال رجل من الحاضرين : يا هذا أما تستحي تأتي بشعري وتنشده بحضوري؟ قلت : تعني أن هذه القصيدة لك؟ قال : خذها! وجعل يعيدها إلى آخرها. قال : فبقيت لا أرى بعيني شيئا واسودّ وجهي ، فقمت حتى أخرج فلمّا شاهد مني تلك الحالة قام وعانقني وقال : الشعر لك وأنت أمير الشعراء بعدي! فسألت عنه ، قالوا : هو أبو تمام الطائي.

وينسب إليها حاتم الطائي ، وكان جوادا شاعرا شجاعا ، إذا قاتل غلب وإذا غنم نهب وإذا سئل وهب ، وكان أقسم بالله أن لا يقتل واحد أمّه ، وكان يقول لعبده يسار إذا اشتدّ كلب الشتاء :

أوقد فإنّ اللّيل ليل قرّ

والرّيح يا واقد ريح صرّ

عسى يرى نارك من يمرّ

إن جاءنا ضيف فأنت حرّ

وقالوا : لم يكن يمسك إلّا فرسه وسلاحه.

وحكي أنّه اجتاز في سفره على عترة ، فرأى فيهم أسيرا ، فاستغاث بحاتم ، فاشتراه من العتريّين وقام مقامه في القدّ حتى أدّى فكاكه.

ومن العجب ما ذكر أن قوما نزلوا عند قبر حاتم ، وباتوا هناك وفيهم رجل يقال له أبو الخيبري ، يقول طول ليله : يا حفر اقر أضيافك! فقيل له :مهلا ما تكلّم من رمّة بالية! فقال : إن طيّئا يزعم أنّه لم ينزل به أحد إلّا قراه! فلمّا نام رأى في نومه كأن حاتما جاء ونحر راحلته ، فلمّا أصبح جعل يصيح : وا راحلتاه! فقال أصحابه : ما شأنها؟ قال : عقرها حاتم بسيفه والله وأنا أنظر إليها حتى عقرها! فقالوا : لقد قراك! فظلّوا يأكلونها واردفوه ، فاستقبلهم في اليوم الثاني راكب قارن جملا ، فإذا هو عديّ بن حاتم فقال :أيّكم أبو الخيبري؟ قالوا : هذا. فقال : إن أبي جاءني في النوم وذكر شتمك

٧٦

إيّاه ، وأنّه قد قرى براحلتك أصحابك ، وقال في ذلك أبياتا وهي هذه :

أبا الخيبريّ وأنت امرؤ

حسود العشيرة شامها

لماذا عمدت إلى رمّة

بدوّية صخب هامها

تبغي أذاها وإعسارها

وحولك غوث وأنعامها

وإنّا لنطعم أضيافنا

من الكوم بالسّيف نعتامها

وأمرني ببعير لك فدونكه! فأخذه وركبه وذهب مع أصحابه.

وقال ابن دارة لمّا مدح عديّا :

أبوك أبو سفّانة الخير لم يزل

لدن شبّ حتّى مات في الخير راغبا

به تضرب الأمثار في النّاس ميّتا

وكان له إذ كان حيّا مصاحبا

قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به

ولم يقر قبر قبله قطّ راكبا

ارام

مدينة بأرض الهند ، فيها هيكل فيه صنم مضطجم ، يسمع منه في بعض الأوقات صفير فيرى قائما ، فإذا فعل ذلك كان دليلا على الرخص والخصب في تلك السنة ، وإن لم يفعل يدلّ على الجدب ، والناس يمتارون من المواضع البعيدة ، ذكره صاحب تحفة الغرائب.

البحرين

ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر ، بها مغاص الدرّ ، ودرّه أحسن الأنواع ، وينتقل إليها قفل الصدف في كلّ سنة من مجمع البحرين ، يحمل الصدف بالدرّ بمجمع البحرين ، ويأتي إلى البحرين ويستوي خلقه هاهنا ، وإذا وصل قفل الصدف يهنىء الناس بعضهم بعضا ، وليس لأحد من الملوك مثل

٧٧

هذه الغلّة ، ومن سكن بالبحرين يعظم طحاله وينتفخ بطنه ، ولهذا قال الشاعر :

ومن سكن البحرين يعظم طحاله

ويعظم فيها بطنه وهو جائع

وبها نوع من البسر ، من شرب من نبيذه وعليه ثوب أبيض صبغه عرقه حتى كأنّه ثوب أحمر.

ينسب إليها القرامطة أبو سعيد وأبو طاهر ، خالفوا ملّة الإسلام وقتلوا الحجّاج ونهبوا سلب الكعبة ، وخروجهم سنة خمس وسبعين ومائتين في عهد المعتمد بن المتوكّل ، وقلعوا الحجر الأسود وأخذوه ، وبعث إليهم الخليفة العبّاس بن عمرو الغنوي في عسكر كثيف قتلوا الجميع ، وأسروا العبّاس ثمّ أطلقوه وحده حتى يخبر الناس بما جرى عليهم ، والحجر الأسود بقي عندهم سنين حتى اشتراه المطيع بالله بأربعة وعشرين ألف دينار وردّه إلى مكانه.

حكي أن بعض القرامطة قال لبعض علماء الإسلام : عجبت من عقولكم! بذلتم مالا كثيرا في هذا الحجر ، فما يؤمنكم انّا ما أمسكناه ورددنا إليكم غيره؟ فقال العالم : لنا في ذلك علامة وهي أنّه يطفو على الماء ولا يرسب!فألقمه الحجر.

بدر

موضع بين مكّة والمدينة ، بها الواقعة المباركة التي كانت بين رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، والمشركين ، وحضر فيها الملائكة والجنّ والانس والمسلمون كلّهم. وبها بئر ألقي فيها قتلى المشركين ، فدنا منها رسول الله ، عليه السلام ، وقال : يا عتبة يا شيبة هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ فقيل : يا رسول الله هل يسمعون كلامنا؟ فقال رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : والذي نفسي بيده ، لستم بأسمع منهم إلّا أنّهم لا يقدرون على ردّ الجواب!

٧٨

تبّت

بلاد متاخمة للصين من إحدى جهاته وللهند من أخرى ، مقدار مسافتها مسيرة شهر ، بها مدن وعمارات كثيرة ، ولها خواصّ عجيبة في هوائها ومائها وأرضها من سهلها وجبلها ، ولا تحصى عجائب أنهارها وثمارها وآبارها. وهي بلاد تقوى بها طبيعة الدم ، فلهذا الغالب على أهلها الفرح والسرور ، فلا يزال الإنسان بها ضاحكا فرحا لا يعرض له الهمّ والحزن ، ولا يكاد يرى بها شيخ حزين أو عجوز كئيبة ، بل الطرب في الشيوخ والكهول والشبّان عام ، حتى يرى ذلك في وجه بهائمهم أيضا ، وفي أهلها رقّة طبع وبشاشة وأريحيّة تبعث على كثرة استعمال الملاهي وأنواع الرقص ، حتى ان أحدهم لو مات لا يدخل أهله كثير حزن.

وبها معدن الكبريت الأحمر الذي في الدنيا قليل من ظفر به فقد ظفر بمراده.

وبها جبل السمّ ، وهو جبل من مرّ به يضيق نفسه ، فإمّا يموت أو يثقل لسانه.

وبها ظباء المسك وانّها في صورة ظباء بلادنا ، إلّا أن لها نابين كنابات الخنازير ، وسرّتها مسك ولكن مسك ظباء تبّت أحسن أنواع المسك ، لأن ظباءها ترعى السنبل ، وأهل تبت لا يتعرّضون للمسك حتى ترميه الغزال ، وذلك أنّه يجتمع الدم في سرّتها مثل الخراج ، فإذا تمّ ذلك الخراج تأخذ الغزال شبه الحكّة ، فإذا رأت حجرا حادّا تحكّ به سرّتها والدم ينفجر منها ، والغزال تجد بذلك لذّة فتحكّ حتى تنصب المادة كلّها من السرّة وتقع على ذلك الحجر ، وأهل تبت يتبعون مراعيها ، فإذا وجدوا تلك المادّة المنفجرة على الحجر أخذوها وأودعوها النوافج ، فإنّها أحسن أنواع المسك لبلوغ نضجه ، وإن ذلك يكون عند ملوكهم يتهادون به قلّ ما يقع منه بيد التجّار.

وبها فارة المسك ، وهي دويبة تصاد وتشدّ سرّتها شدّا وثيقا ، فيجتمع

٧٩

فيها الدم ثمّ يذبحونها ويقوّرون سرّتها ويدفنونها في وسط الشعير أيّاما ، فيجمد الدم فيها فيصير مسكا ذكيّا بعدما كان نتن الرائحة ، وهي أحسن أنواع المسك وأعزّها ، وأيضا في بيوتهم جرذان سود لها رائحة المسك ولا يحصل من سرّتها شيء ينتفع به.

وأهل تبت ترك من نسل يافث بن نوح ، عليه السلام ، وبها قوم من حمير من نسل من حملهم إليها في زمن التبابعة.

تكناباذ

ناحية من أعمال قندهار ، في جبالها حجر إذا ألقي على النار ونظر إليه شيء من الحيوان ، ينتفخ بدنه حتى يصير ضعف ما كان.

حكى لي الأمير حسام الدين أبو المؤيّد نعمان أن تلك الخاصيّة في المرة الأولى كراكب البحر ، فإنّه في المرّة الأولى يغشاه الدوار والغشيان ، وبعد ذلك لا يكون شيء من ذلك.

وقال الأمير أبو المؤيد : حضرت عند بعض الأمراء بتلك الديار ، فأحضر عندنا مجمرة عليها عود ، فرأيت وجه من كان قاعدا عندي انتفخ وشخصت عيناه وتغيّر عليه الحال وتهوّع ، فأمر أمّ المثوى بإزالة المجمرة متبسّما فرجع صاحبي إلى حاله! قلت له : ما الذي دهمك ، فإني رأيت منك على صفة كذا؟ فقال لي : وأنا أيضا رأيت منك مثل ما رأيت مني! فأخبرتنا أمّ المثوى أن هذا من خاصيّة هذا الحجر ، وأنا أردت أن أريكم شيئا عجيبا.

جاجلى

مدينة بأرض الهند حصينة جدّا ، على رأس جبل مشرف نصفها على البحر ونصفها على البرّ. قالوا : ما امتنع على الإسكندر شيء من بلاد الهند إلّا هذه المدينة.

٨٠