آثار البلاد وأخبار العباد

زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني

آثار البلاد وأخبار العباد

المؤلف:

زكريّا بن محمّد بن محمود القزويني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار صادر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٦٦٧

أمر بحفر زمزم. قال : وما زمزم؟ قالوا : لا تنزف ولا تهدم يسقي الحجيج الأعظم عند نقرة الغراب الأعصم. فغدا عبد المطّلب ومعه الحرث ابنه ، فوجد الغراب ينقر بين أساف ونائلة ، فحفر هناك ، فلمّا بدا الطيّ كبّر ، فاستشركه قريش وقالوا : انّه بئر أبينا إسمعيل ولنا فيه حقّ! فتحاكموا إلى كاهنة بني سعد باشراف الشام وساروا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نفد ماؤهم وظمئوا وأيقنوا بالهلاك ، فانفجرت من تحت خفّ عبد المطّلب عين ماء فشربوا منها وعاشوا. وقالوا : قد والله قضي لك علينا لا نخاصمك فيها أبدا ، إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم! فانصرفوا فحفر عبد المطّلب زمزم ، فوجد فيها غزالين من ذهب وأسيافا قلعيّة كانت جرهم دفنتها فيها وقت خروجهم من مكّة ، فضرب الغزالين بباب الكعبة وأقام سقاية الحاج بمكّة ، والله الموفق.

وينسب إلى مكّة المهاجرون الذين أكثر الله تعالى عليهم من الثناء في كتابه المجيد ، وخصّ بعضهم بمزيد فضيلة وهم المبشرة العشرة ، ذكر أن رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، قال : إنّهم في الجنّة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير ، وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح ، رضوان الله عليهم أجمعين.

ملتان

هي آخر مدن الهند ممّا يلي الصين ، مدينة عظيمة منيعة حصينة جليلة عند أهل الصين والهند ، وانّها بيت حجّهم ودار عبادتهم كمكّة لنا. وأهلها مسلمون وكفّار. والمدينة في دولة المسلمين ، وللكفّار بها القبّة العظمى والبدّ الأكبر ، والجامع مصاقب لهذه القبّة ، والإسلام بها ظاهر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل ؛ كلّ ذلك عن مسعر بن مهلهل.

وقال الاصطخري : مدينة حصينة منيعة ، دار الملك ومجمع العسكر ،

١٢١

والملك مسلم لا يدخل المدينة إلّا يوم الجمعة ، يركب الفيل ويدخل المدينة لصلاة الجمعة.

بها صنم يعظّمه الهند ويحجّ إليه من أقصى بلاد الهند ، ويتقرّب إليه كلّ سنة بأموال عظيمة ، لينفق على بيت الصنم والمعتكفين منهم. وبيت الصنم قصر مبنيّ في أعمر موضع بين سوق العاجنين وسوق الصّفّارين ، وفي وسط القصر قبّة فيها الصنم.

قال مسعر بن مهلهل : سمك القبّد في الهواء ثلاثمائة ذراع ، وطول الصنم عشرون ذراعا ، وحول القبّة بيوت يسكنها خدم الصنم العاكفون عليه ، وليس في ملتان عبّاد الصنم إلّا في هذا القصر.

وصورة الصنم إنسان جالس مربّعا على كرسي ، وعيناه جوهرتان ، وعلى رأسه إكليل ذهب ، مادّ ذراعيه على ركبتيه ، منهم من يقول من خشب ، ومنهم من يقول من غير خشب ، ألبس بدنه مثل جلد السختيان الأحمر ، إلّا أن يديه لا تنكشفان وجعل أصابعه من يديه كالقابض أربعة في الحساب ، وملك ملتان لا يبطل ذلك الصنم لأنّه يحمل إليه أموالا عظيمة يأخذها الملك ، وينفق على سدنة الصنم شيئا معلوما. وإذا قصدهم الهند محاربين أخرج المسلمون الصنم ويظهرون كسره أو إحراقه فيرجعون عنهم.

حكى ابن الفقيه أن رجلا من الهند أتى هذا الصنم ، وقد اتّخذ لرأسه تاجا من القطن ملطخا بالقطران ولأصابعه كذلك ، وأشعل النار فيها ، ووقف بين يدي الصنم حتى احترق.

وينسب إليها هارون بن عبد الله مولى الأزد ، كان شجاعا شاعرا ، ولمّا حارب الهند المسلمين بالفيل لم يقف قدام الفيل شيء ، وقد ربطوا في خرطومه سيفا هذاما طويلا ثقيلا ، يضرب به يمينا وشمالا لا يرفعه فوق رأس الفيالين على ظهره ويضرب به ، فوثب هارون وثبة أعجله بها عن الضرب ولزق بصدر الفيل ، وتعلّق بأنيابه ، فجال به الفيال جولة كاد يحطمه من شدّة ما جال به.

١٢٢

وكان هارون شديد الخلق رابط الجأش فاعتمد في تلك الحالة على نابيه ، وأصلهما مجوّف ، فانقلعا من أصلهما وأدبر الفيل وبقي النابان في يد هارون ، وكان ذلك سبب هزيمة الهند ، وغنم المسلمون ، فقال هارون في ذلك :

مشيت إليه رادعا متمهّلا

وقد وصلوا خرطومه بحسام

فقلت لنفسي : إنّه الفيل ضاربا

بأبيض من ماء الحديد هذام

فإن تنكإي منه فعذرك واضح

لدى كلّ منخوب الفؤاد عبام

ولمّا رأيت السّيف في رأس هضبة

كما لاح برق من خلال غمام

فعافسته حتى لزقت بصدره

فلمّا هوى لازمت أيّ لزام

وعذت بنابيه وأدبر هاربا

وذلك من عادات كلّ محامي

مليبار

ناحية واسعة بأرض الهند تشتمل على مدن كثيرة ، بها شجرة الفلفل وهي شجرة عالية لا يزول الماء من تحتها ، وثمرتها عناقيد إذا ارتفعت الشمس واشتدّ حرّها تنضمّ على عناقيدها أوراقها ، وإلّا أحرقتها الشمس قبل إدراكها ، وشجر الفلفل مباح إذا هبّت الريح سقطت عناقيدها على وجه الماء ، فيجمعها الناس ، وكذلك تشنّجها ، ويحمل الفلفل من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب ، وأكثر الناس انتفاعا به الفرنج يحملونه في بحر الشام إلى أقصى المغرب.

منى

بلدة على فرسخ من مكّة طولها ميلان ، وهي بين جبلين مطلّين عليها ، بها مصانع وآبار وخانات وحوانيت تعمر أيّام الموسم ، وتخلو بقيّة السنة إلّا ممّن يحفظها.

من عجائبها أن الجمار التي ترمى منذ حجّ الناس إلى زماننا هذا لا يظهر بها

١٢٣

من غير أن تكسحها السيول أو يأخذها الناس ، ولولا الآية الأعجوبة التي فيها لكان ذلك الموضع كالجبال الشاهقة.

وبها مسجد الخيف ومسجد الكبش ، وقلّ أن يكون في الإسلام بلد إلّا ولأهله مضرب.

مندورفين

مدينة بأرض الهند ؛ قال مسعر بن مهلهل : بها غياض هي منابت القنا ، ومنها يحمل الطباشير ، والطباشير رماد هذا القنا ، وذلك انّها إذا جفّت وهبّت بها الرياح احتكّ بعضها ببعض واشتدّت فيها الحرارة ، فانقدحت فيها نار ربّما أحرقت مسافة خمسين فرسخا ، فرماد هذا القنا هو الطباشير يحمل إلى سائر البلاد.

مندل

مدينة بأرض الهند يكثر بها العود حتى يقال للعود المندل ، وليس هي منبته ، فإن منابته لا يصل إليها أحد ، قالوا : ان منابت العود جزائر وراء خطّ الاستواء ويأتي به الماء إلى جانب الشمال ، فما انقلع رطبا فإذا أصابته ريح الشمال يبقى رطبا وهو الذي يقال له القامروني ، وما جفّ ورمته يابسا فإنّه المندلي الثقيل المصمت ، فإن رسب في الماء فهو غاية جدّا ليس فوقه خير منه.

المنصورة

مدينة مشهورة بأرض السند كثيرة الخير ، بناها المنصور أبو جعفر الثاني من خلفاء بني العبّاس ، وفيها ينزل الولاة ، لها خليج من نهر مهران يحيط بالمدينة ، وهي في وسطه كالجزيرة إلّا أنّها شديدة الحرّ كثيرة البقّ.

بها ثمرتان لا توجدان في مدينة غيرها : إحداهما الليمو على قدر التفّاح ،

١٢٤

والأخرى الانبج على شبه الخوخ.

وأهل المدينة موافقون على أنّهم لا يشترون شيئا من المماليك السنديّة ، وسببه أن بعض رؤسائها من آل مهلّب ربّى غلاما سنديّا ، فلمّا بلغ رآه يوما مع زوجته فجبّه ثمّ عالجه حتى هدأ ، وكان لمولاه ابنان : أحدهما بالغ ، والآخر طفل ، فأخذ الغلام الصبيّين وصعد بهما إلى أعالي سور الدار ثمّ قال لمولاه : والله لئن لم تجبّ نفسك الآن لأرمينّ بهما! فقال الرجل : الله الله فيّ وفي ولديّ! فقال : دع عنك هذا ، والله ما هي إلّا نفس ، وإني لأسمح بها من شربة ماء! وأهوى ليرمي بهما فأسرع الرجل وأخذ مدية وجبّ نفسه ، فلمّا رأى الغلام ذلك رمى بالصبيّين وقال : فعلت بك ما فعلت بي وزيادة قتل الولدين. فقتل الغلام بأفظع العذاب وأخرج من المدينة جميع المماليك السندية ، فكانوا يتداولون في البلاد ولا يرغب أحد بالثمن اليسير في شرائهم.

بها نهر مهران عرضه كعرض دجلة أو أكثر ، يقبل من المشرق آخذا جهة الجنوب متوجها إلى المغرب حتى يقع في بحر فارس أسفل السند ؛ قال الاصطخري : مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ، ويظهر بملتان على حدّ سمندور ثمّ على المنصورة ، ثمّ يقع في البحر ، وهو نهر كبير عذب جدّا يقال فيه تماسيح كما في النيل ، وجريه مثل جريه ، يرتفع على الأرض ثمّ ينصبّ ويزرع عليه مثل ما يزرع على النيل بأرض مصر.

وقال الجاحظ : ان تماسيح نهر مهران أصغر حجما من تماسيح النيل وأقلّ ضررا ، وذكر أنّه يوجد في هذا النهر سبائك الذهب. والله الموفق.

مهيمة

قرية بين مكّة والمدينة على ميل من الأبواء. بها ماء مهيمة ، وهو ماء ساكن لا يجري إذا شربته الإبل يأخذها الهيام ، وهو حميّ الإبل ، لا تعيش الإبل بها.

والقرية موبأة لفساد مائها.

١٢٥

نجران

من مخاليف اليمن من ناحية مكّة ، بناها نجران بن زيدان بن سبا بن يشجب ، قال ، صلّى الله عليه وسلّم : القرى المحفوظة أربع : مكّة والمدينة وإيليا ونجران ، وما من ليلة إلّا وينزل على نجران سبعون ألف ملك ، يسلّمون على أصحاب الأخدود ثمّ لا يعودون إليها أبدا.

كان بها كعبة نجران ، بناها عبد المدان بن الريان الحرثي مضاهاة للكعبة ، وعظّموها وسمّوها كعبة نجران ، وكان بها أساقفة مقيمون ، وهم الذين جاءوا رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، للمباهلة.

قال هشام بن الكلبي : انّها كانت قبّة من أدم من ثلاثمائة جلد ، إذا جاءها الخائف أمن ، أو طالب حاجة قضيت حاجته أو مسترفد أرفد. وكانت القبة على نهر يستغلّ عشرة آلاف دينار تستغرق القبّة جميعها.

ينسب إليها عبد الله بن النامر ، سيّد شهداء نجران ؛ قال محمّد بن القرطي : كان أهل نجران أهل الشرك ، وكان عندهم ساحر يعلّم صبيانهم السحر ، فنزل بهم رجل صالح وابتنى خيمة بجنب قرية الساحر ، فجعل أهل نجران يبعثون أولادهم إلى الساحر لتعلّم السحر ، وفيهم غلام اسمه عبد الله ، وكان ممرّه على خيمة الرجل الصالح ، فأعجبه عبادة الرجل ، فجعل يجلس إليه ويسمع منه أمور الدين حتى أسلم ، وتعلّم منه الشريعة والاسم الأعظم.

فقال له الرجل الصالح : عرفت الاسم الأعظم فاحفظ على نفسك ، وما أظن أن تفعل. فجعل عبد الله إذا رأى أحدا من أصحاب العاهات يقول له : إن دخلت في ديني فإني أدعو الله ليعافيك! فيقول : نعم. فيدخل فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد ذو ضربة ، فرفع أمره إلى الملك فأحضره وقال : أفسدت على أهل نجران وخالفت ديني ودين آبائي ، لأمثلنّ بك! فقال عبد الله : أنت لا تقدر على ذلك! فجعل يلقيه من شاهق فيقوم سليما ويرميه في ماء مغرق

١٢٦

فيخرج سليما! فقال له عبد الله : لا تقدر على قتلي حتى تؤمن بمن آمنت به.

فوحّد الله ودخل في دينه ثمّ ضربه بعصا كانت في يده فشجّه شجّة يسيرة ، فمات عليها. فلمّا رأى أهل نجران ذلك قالوا : آمنّا بربّ عبد الله. فحفر الملك اخدودا وملأها حطبا وأضرم فيه النار وأحضر القوم ، فمن رجع عن دينه تركه ، ومن لم يرجع ألقاه في النار ؛ فذلك قوله تعالى : قتل أصحاب الأخدود. وذكر أن عبد الله بن النامر أخرج في زمن عمر بن الخطّاب وإصبعه على شجّته ، كما وضعها عليها حين قتل.

النّدهة

أرض واسعة بالسند بها خلق كثير إلّا أنّهم كالزطّ. وبها خير كثير ، وأكثر زروعهم الرزّ. وبها الموز والعسل والنارجيل. وبها الجمل الفالج ذو السنامين ، وهذا الصنف من الإبل لا يوجد إلّا هناك ، يجلب منها إلى خراسان وفارس ، ويجعل فحلا للنوق العربيّة فتولد منهما البخاتي.

الهند

هي بلاد واسعة كثيرة العجائب. تكون مسافتها ثلاثة أشهر في الطول وشهرين في العرض ، وهي أكثر أرض الله جبالا وأنهارا ، وقد اختصّت بكريم النبات وعجيب الحيوان ، ويحمل منها كلّ طرفة إلى سائر البلاد مع أن التجّار لا يصلون إلّا إلى أوائلها. وأمّا أقصاها فقلّما يصل إليها أهل بلادنا لأنّهم كفّار يستبيحون النفس والمال.

والهند والسند كانا أخوين من ولد توقير بن يقطن بن حام بن نوح ، عليه السلام ، وهم أهل ملل مختلفة : منهم من يقول بالخالق دون النبيّ ، وهم البراهمة ، ومنهم من لا يقول بهما ، ومنهم من يعبد الصنم ، ومنهم من يعبد القمر ، ومنهم من يعبد النار ، ومنهم من يبيح الزنا.

١٢٧

بها من المعدنيات جواهر نفيسة ، ومن النبات أشياء غريبة ، ومن الحيوانات حيوانات عجيبة ومن العمارة رفيعة ؛ قال أبو الضلع السندي يذكر بلاد الهند وما يجلب منها :

لقد أنكر أصحابي وما ذلك بالأمثل

إذا ما مدح الهند وسهم الهند في المقتل

لعمري إنّها أرض إذا القطر بها ينزل

يصير الدّرّ والياقوت والدّرّ لمن يعطل

فمنها المسك والكافور والعنبر والمندل

وأصناف من الطيّب ليستعمل من يتفل

وأنواع الأفاويه وجوز الطّيب والسّنبل

ومنها العاج والسّاج ومنها العود والصّندل

وإنّ التّوتيا فيها كمثل الجبل الأطول

ومنها الببر والنّمر ومنها الفيل والدّغفل

ومنها الكرك والببغاء والطّاووس والجوزل

ومنها شجر الرّانج والسّاسم والفلفل

سيوف ما لها مثل قد استغنت عن الصّيقل

وأرماح إذا ما هزّت اهتزّ بها الجحفل

فهل ينكر هذا الفضل إلّا الرّجل الأخطل

ومن عجائب الهند حجر موسى ، فإنّه يوجد بالليل ولا يوجد بالنهار ، يكسر كلّ حجر ولا يكسره حجر.

ومن عجائبها شجرة كسيوس فإنّها شجرة حلوة الثمرة تقع الحمام عليها وتأكل من ثمرتها فيغشى على الحمام فتأتي الحيّة لقصد الحمام ، فإن كان على

١٢٨

غصن الشجرة أو ظلّها لا تقدر الحيّة أن تقربها.

ومن عجائبها البيش ، وهو نبت لا يوجد إلّا بالهند ، سمّ قاتل ، ايّ حيوان يأكل منه يموت ، ويتولد تحته حيوان يقال له فأرة البيش ، يأكل منه ولا يضرّه ، وممّا ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلى الجواري إذا ولدن ، وفرشوا من هذا النبت تحت مهودهن زمانا ، ثمّ تحت فراشهن زمانا ، ثمّ تحت ثيابهن زمانا ، ثمّ يطعمونهن منه في اللبن ، حتى تصير الجارية إذا كبرت تتناول منه ولا يضرّها ، ثمّ بعثوا بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإنّه إذا غشيها مات.

وبها غنم لها ستّ ألايا : إحداها على المكان المعهود ، والثانية على الصدر ، والثالثة والرابعة على الكتفين ، والخامسة والسادسة على الفخذين ، رأيت واحدة منها حملت إلى بلادنا.

وبها حيّات إذا لسعت إنسانا يبقى كالميت ، فيشدّونه على لوح ويلقونه في الماء ، والماء يذهب به إلى موضع فيه مارستان ، وعلى الماء من يترصّد الملسوعين فيأخذهم ويعالجونهم ، فيرجع بعد مدّة إلى أهله سالما.

وبها طير عظيم الجثّة جدّا ؛ قالوا : إنّه في بعض جزائرها إذا مات نصف منقاره يتّخذ مركبا يركب الناس فيه في البحر ، وعظم ريشه يتّخذ آزون الطعام ويسع الواحد منه أحمالا كثيرة.

ومن عجائبها مدينة إذا دخلها غريب لم يقدر على المجامعة أصلا ، ولو أقام بها ما أقام ، فإذا خرج عنها زال عنه المانع ورجع إلى حاله.

قال صاحب تحفة الغرائب : بأرض الهند بحيرة مقدار عشرة فراسخ في مثلها ، ماؤها ينبع من أسفلها لا يأتيها شيء من الأنهار. وفي تلك البحيرة حيوانات على صورة الإنسان ، إذا كان الليل يخرج منها عدد كثير يلعبون على ساحل البحر ويرقصون ويصفّقون باليدين ، وفيهم جوار حسناوات. ويخرج منها أيضا حيوانات على غير صورة الإنسان عجيبة الأشكال ، والناس في الليلة

١٢٩

القمراء يقعدون من البعد وينظرون إليهم ، وكلّما كان النظار أكثر كان الخارجون أكثر. وربّما جاءوا بالفواكه الكثيرة أكلوها وتركوا ما فضل منها على الساحل ، وإن مات منهم أحد أخرجوه من البحيرة وستروا سوأته بالطين ، والناس يدفنونه ، وما دام يبقى على الساحل لا يخرج من الماء أحد البتة.

قال صاحب عجائب الأخبار : بأقصى بلاد الهند أرض رملها مخلوط بالذهب ، وبها نوع من النمل عظام ، وهي أسرع عدوا من الكلب! وتلك الأرض شديدة الحرارة جدّا ، فإذا ارتفعت الشمس واشتدّت الحرارة تهرب النمل إلى أسراب تحت الأرض وتختفي فيها إلى أن تنكسر سورة الحرّ فتأتي الهند بالدواب عند اختفاء النمل ويحمل من ذلك الرمل ، ويسرع في المشي مخافة أن يلحقهم النمل فيأكلهم.

قال المسعودي : بأرض الهند هيكل عظيم عندهم يقال له بلاذري ، ليس لهم هيكل أعظم منه ، له بلد قد وقف عليه ، وحوله ألف مقصورة فيها جوار موقوفة على الصنم لمن جاءه زائرا. ومن جاء سجد له وأقام في ضيافته ثلاثا وبات عند جارية من جواريه ثمّ رجع.

بها جبل ؛ قال صاحب تحفة الغرائب : على هذا الجبل صورة أسدين يخرج من فمهما ماء كثير يصير ساقيتين ، عليهما شرب قريتين ، على كلّ ساقية قرية ، فوقعت بين القريتين خصومة فكسروا فم أحدهما فانقطع ماؤه ، فأصلح المكسور ليرجع إلى حاله فما أفاد شيئا.

وبها نهر كبك ، وهو نهر عظيم ، وللهند فيه اعتقاد عظيم ، من مات من عظمائهم يلقون عظامه في هذا النهر ، ويقولون إنّها تساق إلى الجنّة ، وبين هذا النهر وسومناة مائتا فرسخ ، يحمل كلّ يوم من مائه إلى سومناة ليغسلوا به بيوت الأصنام وغيرها يتبرّكون به.

وبها عين العقاب ؛ قال صاحب تحفة الغرائب : بأرض الهند جبل فيه عين ماء إذا هرمت العقاب تأتي بها أفراخها هذه العين وتغسلها فيها ، تمّ تضعها في الشمس

١٣٠

فإن ريشها يتساقط عنها وينبت لها ريش جديد ، ويزول عنها الضعف وترجع إلى القوّة والشباب.

حكي انّه ذكر في مجلس كسرى أنوشروان أن بأرض الهند جبلا فيه شجر ثمرتها تحيي الموتى ، فبعث رجلا إلى بلاد الهند ليأتيه بصحة هذا الكلام ، فذهب إلى بلاد الهند يسأل عن الجبل حتى اجتمع ببعض البراهمة ، فقال له : هذا الكلام مرموز من كلام الحكماء ، أرادوا بالجبل الرجل العالم ، وبالشجرة علمه ، وبثمرتها فائدة علمه ، وبالحياة حياة الآخرة. فقال كسرى : صدق عالم الهند ؛ الأمر كما ذكر.

يترب

قرية من قرى اليمامة كثيرة النخل ؛ قال ابن الكلبي : كان بها رجل من العمالقة يقال له عرقوب ، فأتاه أخ له مستميحا ، فقال له عرقوب : إذا أطلعت نحلي فلك طلعها. فلمّا أطلعت قال : دعها حتى تصير بلحا ؛ فلمّا أبلحت قال :دعها حتى تصير زهوا ، ثمّ حتى تصير بسرا ، ثمّ حتى تصير رطبا ثمّ تمرا.

فلمّا أتمرت عمد إليها ليلا فجدّها ، فصار مثلا في الخلف ؛ قال الأصمعي :

وعدت وكان الخلف منك سجيّة

مواعيد عرقوب أخاه بيترب

اليمامة

ناحية بين الحجاز واليمن ، أحسن بلاد الله وأكثرها خيرا ونخلا وشجرا.

كانت في قديم الزمان منازل طسم وجديس ، وهما من ولد لاوذ بن ارم بن لاوذ بن سام بن نوح ، عليه السلام. أقاموا باليمامة فكثروا بها وملك عليهم رجل من طسم يقال له عمليق بن حيّاش ، وكان جبّارا ظلوما يحكم بينهم بما شاء.

حكي انّه احتكم إليه رجل وامرأة في مولود بينهما ، فقال الزوج واسمه قابس :أيّها الملك أعطيتها المهر كاملا ولم أصب منها طائلا إلّا ولدا جاهلا ، فافعل

١٣١

ما كنت فاعلا! فقالت الزوجة واسمها هزيلة : أيّها الملك هذا ولدي حملته تسعا ووضعته دفعا وأرضعته شبعا ، ولم أنل منه نفعا ، حتى إذا تمّت فصاله واشتدّت أوصاله أراد زوجي أخذه كرها وتركي ولهى! فقال الزوج : إني حملته قبل أن تحمله وكفلت أمّه قبل أن تكفله! فقالت الزوجة : إنّه أيّها الملك حمله خفّا وأنا حملته ثقلا ، ووضعه شهوة وأنا وضعته كرها! فلمّا رأى عمليق متانة حجّتها تحيّر ، ورأى أن يجعل الغلام في جملة غلمانه حتى يتبيّن له الرأي فيه ، فقالت له هزيلة :

أتينا أخا طسم ليحكم بيننا

فأظهر حكما في هزيلة ظالما

ندمت وكم أندم وأنّى بعثرتي

وأصبح بعلي في الحكومة نادما

فلمّا سمع عمليق ذلك غضب على نساء جديس ، وأمر أن لا تزوّج بكر من نساء جديس حتى تدخل عليه فيكون هو مفترعها! فلقوا من ذلك ذلّا حتى تزوّجت غفيرة بنت غفار ، أخت الأسود بن غفار سيّد جديس ، فلمّا كانت ليلة الزفاف أخرجت لتحمل إلى الملك والقينات حولها يضربن بمعازفهن ويقلن :

ابدي بعمليق وقومي واركبي

وبادري الصّبح بأمر معجب!

فسوف تلقين الذي لم تطلبي

وما لبكر دونه من مهرب!

فأدخلت على عمليق فامتنعت عليه ، وكانت أيّدة فافترعها بحديدة وأدماها ، فخرجت ودمها يسيل على قدميها فمرّت باكية إلى أخيها وهو في جمع عظيم ، وهي تقول :

لا أحد أذلّ من جديس

أهكذا يفعل بالعروس؟

فقال أخوها : ما شأنك؟ فأنشأت تقول :

١٣٢

أيجمل أن يؤتى إلى فتياتكم

وأنتم رجال فيكم عدد الرّمل؟

أيجمل تمشي في الدّماء فتاتكم

صبيحة زفّت في العشاء إلى بعل؟

فلو أنّنا كنّا رجالا وكنتم

نساء لكنّا لا نقرّ على الذّلّ!

فدبّوا إليهم بالصّوارم والقنا

وكلّ حسام محدث الأمر بالصّقل

ولا تجزعوا للحرب قومي فإنّما

يقوم رجال للرّجال على رجل!

فلمّا سمعت جديس ذلك امتلأت غيظا ، قال الأسود لجديس : يا قوم اتبعوني فإني عبر الدّهر! فقال القوم : إنّا لك مطيعون لكن عرفت أن القوم أكثر منّا عددا وعددا! فقال الأسود : اني أرى أن أتّخذ للملك طعاما ، فإذا حضروا أنا أقوم إلى الملك وكلّ واحد منكم إلى رئيس من رؤسائهم ونقتلهم! فصنع الأسود طعاما وأمر أن يدفن كلّ واحد سيفه تحت الرمل مكان جلوسه ، فلمّا جاءهم الملك وقومه وجلسوا للأكل قتل الأسود الملك ، وقتل كلّ واحد منهم شريفا من أشراف طسم ، فلمّا فرغوا منهم شرعوا في بقايا طسم فهرب واحد منهم اسمه رياح بن مرّة حتى لحق بحسّان بن تبّع الحميري وقال له :عبيدك ورعيتك قد اعتدى علينا جديس ، فقال له : ما شأنك؟ فرفع عقيرته ينشد :

أجبني إلى قوم دعونا لغدرهم

إلى قتلهم فيها لك الأجر

فإنّك لن تسمع بيوم ولن ترى

كيوم أباد الحيّ طسما به المكر

أتيناهم في أزرنا ونعالنا

علينا الملاء الحمر والحلل الخضر

بصرنا طعوما بالعراء وطعمة

ينازع فينا الطّير والذّئب والنّمر

فدونك قوما ليس لله فيهم

ولا لهم منه حجاب ولا ستر

فأجابه حسّان إلى سؤاله ووعده بنصره ثمّ سار في جيوشه إليهم ، فصبحهم واصطلمهم ، فهرب الأسود بن غفار بأخته في نفر منهم وقتل البقيّة وسباهم.

وينسب إليها زرقاء اليمامة ، وانّها كانت ترى الشخص من مسيرة يوم

١٣٣

وليلة ، ولمّا سار حسّان نحو جديس قال له رياح بن مرّة : أيّها الملك إن لي أختا مزوّجة في جديس واسمها الزرقاء ، وانّها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة ، أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا. فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار وتستّروا بها لتشبّهوا على اليمامة. وساروا بالليل فقال الملك : وفي الليل أيضا؟ فقال : نعم! ان بصرها بالليل أنفذ! فأمر الملك أصحابه أن يفعلوا ذلك ، فلمّا دنوا من اليمامة ليلا نظرت الزرقاء وقالت : يا آل جديس سارت إليكم الشجراء وجاءتكم أوائل خيل حمير. فكذّبوها فأنشأت تقول :

خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم

فليس ما قد أرى مل أمر يحتقر

إني أرى شجرا من خلفها بشر

لأمر اجتمع الأقوام والشّجر

فلمّا دهمهم حسّان قال لها : ماذا رأيت؟ قالت : الشجر خلفها بشر! فأمر بقلع عينيها وصلبها على باب جوّ ، وكانت المدينة قبل هذا تسمّى جوّا ، فسمّاها تبّع اليمامة وقال :

وسمّيت جوّا باليمامة بعد ما

تركت عيونا باليمامة همّلا

نزعت بها عيني فتاة بصيرة

رعاما ولم أحفل بذلك محفلا

تركت جديسا كالحصيد مطرّحا

وسقت نساء القوم سوقا معجّلا

أدنت جديسا دين طسم بفعلها

ولم أك لولا فعلها ذاك أفعلا

وقلت خذيها يا جديس بأختها!

وأنت لعمري كنت في الظّلم أوّلا!

فلا تدع جوّا ما بقيت بإسمها

ولكنّها تدعى اليمامة مقبلا

وينسب إليها مسيلمة الكذّاب الذي يقال له رحمن اليمامة ، ادّعى النبوة في عهد رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فطلبوا منه المعجزة فأخرج قارورة ضيّقة الرأس فيها بيضة ، فآمن به بعضهم ، وهم بنو حنيفة أقلّ الناس عقلا ،

١٣٤

فاستخفّ قومه فأطاعوه! وبنو حنيفة اتّخذوا في الجاهليّة صنما من العسل والسمن يعبدونه ، فأصابتهم في بعض السنين مجاعة فأكلوه ، فضحك على عقولهم الناس وقالوا فيهم :

أكلت حنيفة ربّها

زمن التّقحّم والمجاعه

لم يحذروا من ربّهم

سوء العواقب والتّباعه

والبيضة إذا تركت في الخلّ زمانا لانت ، فأدخلها في القارورة ثمّ صبّ الماء عليها فعادت إلى حالها ، وكان ظهوره في السنة العاشرة من الهجرة ، وحكي انّه كتب إلى رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : من مسيلمة رسول الله إلى محمّد رسول الله. سلام عليك! أمّا بعد فإني أشركت في الأمر معك ، وان لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ، لكن قريشا يعتدون ؛ وانفذه مع رسولين فكتب إليه رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم : من محمّد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب ، السلام على من اتّبع الهدى! أمّا بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين. قتل مسيلمة خالد بن الوليد في زمن أبي بكر.

وحكي أنّه رأى حمامة مقصوصة الجناح فقال : لم تعذّبون خلق الله؟ لو أراد الله من الطير غير الطيران ما خلق لها جناحا ، وإني حرّمت عليكم قصّ جناح الطائر! فقال بعضهم : سل الله الذي أعطاك آية البيض أن ينبت له جناحا! فقال : إن سألت فانبت له جناحا فطار تؤمنون بي؟ قالوا : نعم. فقال : إني أريد أناجي ربّي ، فأدخلوه معي هذا البيت حتى أخرجه وافي الجناح حتى يطير.

فلمّا خلا بالطائر أخرج ريشا كان معه وأدخل في قصبة كلّ ريشة مقطوعة ريشة ممّا كان معه ، فأخرجه وأرسله فطار فآمن به جمع كثير.

وحكي أنّه قال في ليلة منكرة الرياح مظلمة : إن الملك ينزل إليّ الليلة ولأجنحة الملائكة صلصلة وخشخشة ، فلا يخرجن أحدكم فإن من تأمّلهم اختطف بصره. ثمّ اتّخذ صورة من الكاغد لها جناحان وذنب ، وشدّ فيها

١٣٥

الجلاجل والخيوط الطوال فأرسل تلك الصورة وحملتها الريح ، والناس بالليل يرون الصورة ويسمعون صوت الجلاجل ولا يرون الخيط. فلمّا رأوا ذلك دخلوا منازلهم خوفا من أن تختطف أبصارهم ، فصاح بهم صائح : من دخل منزله فهو آمن! فأصبحوا مطبقين على تصديقه ؛ قال الهذلي :

ببيضة قارور وراية شادن

وتوصيل مقصوص من الطير جازف

فلمّا سمع سورة والذاريات قال : وقد أنزل عليّ مثلها ، وهي :والزارعات زرعا. فالحاصدات حصدا. فالطاحنات طحنا. فالخابزات خبزا.

فالآكلات أكلا! فقال بعض أهل المجون : قل والخاريات خريا!

ولمّا سمع سورة الفيل قال : قد أنزل عليّ مثلها ، وهي : الفيل. وما أدراك ما الفيل! له ذنب طويل ومشفر وثيل ، وان ذلك من خلق ربنا النبيل! ولمّا سمع سورة الكوثر قال : قد أنزل عليّ مثلها ، وهي : إنّا أعطيناك الجواهر ، فصلّ لربّك وهاجر ، ان شانئك هو الكافر!

فسبحان من أظهر إعجاز القرآن ، فلو كان من عند غير الله لكان مثل هذا.

١٣٦

الاقليم الثالث

أوّله حيث يكون الظلّ نصف النهار إذا استوى الليل والنهار ثلاثة أقدام ونصف وعشر وسدس عشر قدم ، وآخره حيث يكون ظلّ الاستواء فيه نصف النهار أربعة أقدام ونصفا وعشرين وثلاثة عشر قدما. وهو يبتدىء من المشرق فيمرّ على شمال بلاد الصين ثمّ الهند ثمّ السند ، ثمّ كابل وكرمان وسجستان وفارس والاهواز ، والعراقين والشام ومصر والاسكندريّة وبرقة وإفريقية ، وينتهي إلى حدّ البحر المحيط. وأطول نهار هؤلاء في أوّل الإقليم ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع ، وفي وسطه أربع عشرة ساعة ، وفي آخره أربع عشرة ساعة وربع ، وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانمائة ألف وسبعمائة وأربعة وسبعون ميلا وخمس وأربعون دقيقة ، وتكسيره مساحة ثلاثمائة ألف ألف وستّة آلاف وأربعمائة وثمانية وخمسون ميلا وتسع وعشرون دقيقة ، ولنذكر بعض بلاده مرتبا على حروف المعجم.

أبرقوه

بلدة مشهورة بأرض فارس. هم يسمّونها دركوه يعني قرب الجبل ، لأن بها تلّا عظيما. حكي في أخبار الفرس أن سعدى بنت تبّع كانت زوجة كيكاوس ، ملك الفرس ، عشقت ابن زوجها سياوش وراودته عن نفسه ، فامتنع عليها فأخبرت أباه أنّه راودها كذبا عليه. فغضب الملك على ابنه فأجّج سياوش نارا عظيمة بأبرقوه ليدخلها ، فإن كان بريئا لا تعمل فيه النار ، وإن كان خائنا يحترق ، وكان هذا يمينهم ، فدخلها سياوش وخرج منها سالما فانتفت

١٣٧

منه التهمة ، فتأذّى من أبيه وفارقه ، وذهب إلى افراسياب ملك الترك فأكرمه وزوّجه ببنته ، ثمّ قيل لافراسياب : انّه يريد الغدر بك ، فأخذه وقتله ، فوقعت الخصومة بين الفرس والترك إلى هذا الوقت ، فذكر أن التلّ العظيم بأبرقوه رماد نار سياوش.

ومن عجائب ابرقوه أن المطر لا يقع في داخلها إلّا قليلا ، وإنّما يقع في حواليها دون السور ، ويزعمون أن ذلك بدعاء الخليل ، عليه السلام ، وزعموا أن الخليل ، عليه السلام ، منعهم عن استعمال البقر في الزرع ، وهم لا يستعملونها مع كثرتها بها.

أبسوج

قرية بمصر في غربي النيل ، بها بيعة خاصيّتها دفع الفأر ، وذاك على بابها صورة فأرة في جحر ، والناس يأخذون طين النيل ويطبعونه على صورة الفأرة التي في الجحر ، ويحملونه إلى بيوتهم ، وتهرب الفأر عن بيوتهم.

وذكر أهل القرية أن مركبا كان فيه شعير وقف تحت هذه القرية ، فقصد صبيّ من المركب وأخذ شيئا من طين النيل وطبع به الفأرة ، ونزل المركب بالطين المطبوع فتبادرت فأر المركب ترمي نفسها في الماء. فتعجّب الناس من ذلك وجربوه في البيوت أيضا ، وكان أي طابع حصل في دار لم تبق فيها فأرة إلّا خرجت ، فتقتل أو تفلت إلى موضع لا طابع فيه. فأخذ أكثر الناس الطابع وتركوه في بيتهم.

أبيار

مدينة بقرب الإسكندريّة. بها معدن النطرون. من عجائبه أن كلّ شيء يقع فيه يصير نطرونا حتى لو وقع فيه ثور يصير نطرونا بجميع أجزائه ، والنطرون نوع من البورق يستعمل في الأدوية.

١٣٨

أجر

قرية في إفريقية بقرب القيروان ، لها حصن وقنطرة عجيبة في موضع زعر كثير الحجارة ، من عجائبها ان الريح العاصف دائمة الهبوب بها ، وأرضها مأسدة ، الأسود بها كثيرة ، فلا تخلو من الريح العاصف والأسد القاصف.

إخميم

بلدة صغيرة عامرة بالنخيل والزروع على النيل الشرقي. من عجائبها الجبل الذي في غربيها ، من أصغى إليه سمع صوتا كخرير الماء ولغطا شبيها بكلام ، ولم تعرف حقيقة ذلك.

وبها البرابي التي هي من عجائب مصر. والبربا عبارة عن بيت عمل فيه شجر أو طلسم. وبربا اخميم بيت فيه صور ثابتة في الحجارة بادية إلى الآن موجود. ذكر في كتاب أخبار مصر انّه لمّا أغرق الله تعالى فرعون وجنوده في البحر ، خلت مصر عن الرجال الأجناد. وكانت امرأة من بيت الفراعنة يقال لها دلوكة أرادت أن يبقى عليها اخميم ، لا يطمع فيها الملوك لعدم الأجناد.

وكان في زمانها ساحرة يقدّمها سحرة مصر في علم السحر ، يقال لها تدورة ، فقالت لها دلوكة : احتجنا إليك في شيء تصنعينه يكون حرزا لبلادنا ممّن يرومه من الملوك ، إذ بقينا بغير رجال. فأجابتها إلى ما أرادت وصنعت لها بربا ، وهو بيت له أربعة أبواب إلى أربع جهات ، وصوّرت فيها السفن والرجال والخيل والبغال والحمير وقالت : قد عملت لك شيئا يغنيك عن الرجال والسلاح والحصن ، فإن من أتاكم من البر يكون على الخيل والبغال والحمير ، وان من أتاكم من البحر يكون في السفن ، فعند ذلك تحرّكت الصور التي هي مثلهم وتشاكلهم فما فعلتم بالصور أصابهم مثل ذلك في أنفسهم. فكان بعد ذلك إذا أتاهم عدوّ تحرّكت الصور فقطعوا سوق الدواب ، وفقأوا عيون الرجال وبقروا بطونهم

١٣٩

فيصيبهم مثل ذلك. وهذه الحكاية وإن كانت شبه الخرافات لكنها في جميع كتب أخبار مصر مكتوبة والبيت باق إلى الآن.

وينسب إليها أبو الفيض ذو النون المصري ابن إبراهيم الاخميمي. انّه كان أوحد وقته علما وورعا وأدبا. وله حالات عجيبة أعجب من البرابي ، حكى سالم بن عبد الله المغربي قال : سألت ذا النون عن سبب توبته فقال : انّه عجيب لا تطيقه! فقلت : وحقّ معبودك الّا أخبرتني! فقال : خرجت من مصر أريد بعض القرى ، فنمت في بعض الطريق ففتحت عيني ، فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها على الأرض ، فانشقّت الأرض فخرجت منها سكرّجتان إحداهما ذهب والأخرى فضّة ، وفي إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء ، فجعلت تأكل من هذا وتشرب من هذا ، فقلت : حسبي لزمت الباب حتى قبلني. ١ توفي سنة خمس وأربعين ومائتين.

وحكى يوسف بن الحسين قال : بلغني أن ذا النون يعرف اسم الله الأعظم ، فقصدت مصر وخدمته سنة ثمّ قلت له : أيّها الأستاذ أثبتّ عليك حقّ الخدمة ، أريد أن تعرفني اسم الله الأعظم ولا تجد له موضعا مثلي. فسكت حتى أتى على هذا ستّة أشهر ، ثمّ أخرج لي يوما طبقا ومكنّة مشدودا في منديل ، وكان ذو النون بالجيزة ، قال لي : أتعرف صديقنا فلانا بالفسطاط؟ قلت : نعم. قال : أريد أن تؤدي إليه هذا. قال : فأخذت الطبق وامشي طول الطريق وأتفكّر في ذلك ، فلم أصبر حتى حللت المنديل ورفعت المكنّة ، فإذا فأرة على الطبق أفلتت ومرّت فاغتظت من ذلك وقلت له : إنّه يسخر بي! فرجعت إليه مغتاظا.

فلمّا رآني عرف ما في وجهي فقال : يا أحمق ائتمنتك على فأرة فخنتني! أفآتمنك على اسم الله الأعظم؟ مرّ عني لا أراك.

١٤٠