معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

ذكر ضيافة أبي طلحة الأنصاري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

قال البخارى : حدثنا عبد الله بن يوسف وأخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول : قال أبو طلحة لأم سليم : لقد سمعت صوت رسول الله ضعيفا أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء؟ قالت : نعم ، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدى ولاثتني ببعضه ، ثم أرسلتنى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فذهبت به فوجدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسجد ومعه الناس ، فقمت عليهم فقال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرسلك أبو طلحة؟ فقلت نعم : قال بطعام؟ قلت : نعم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن معه : قوموا ، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم ، فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو طلحة معه ، فقال رسول الله : هلم يا أم سليم ، ما عندك؟ فأتت بذلك الخبز ، فأمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته ، ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول ـ ، ثم قال : ائذن لعشرة ، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال : ائذن لعشرة ، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال : ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال : ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم سبعون أو ثمانون رجلا (١) ، وقد رواه البخارى فى مواضع أخر من صحيحه ومسلم من غير وجه عن مالك.

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٧٨) (١٠ / ٤٣٢).

٨١

طريق آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه

قال أبو يعلى : حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا مبارك بن فضالة ، حدثنا بكير وثابت البنانى عن أنس أن أبا طلحة رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طاويا فجاء إلى أم سليم فقال : إنى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طاويا فهل عندك من شيء؟ قالت : ما عندنا إلا نحو من مد دقيق شعير قال : فاعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيأكل عندنا ، قال : فعجنته وخبزته فجاء قرصا فقال : يا أنس ادع رسول الله ، فأتيت رسول الله ومعه أناس ، قال مبارك أحسبه قال : بضعة وثمانون قال : فقلت : يا رسول الله أبو طلحة يدعوك ، فقال لأصحابه : أجيبوا أبا طلحة ، فجئت جزعا حتى أخبرته أنه قد جاء بأصحابه قال بكر فعدى قدمه وقال ثابت قال أبو طلحة : رسول الله أعلم بما فى بيتى منى ، وقالا جميعا عن أنس فاستقبله أبو طلحة فقال : يا رسول الله ما عندنا شيء إلا قرص ، رأيتك طاويا فأمرت أم سليم فجعلت لك قرصا ، قال : فدعا بالقرص ودعا بجفنة فوضعه فيها وقال : هل من سمن؟ قال أبو طلحة قد كان فى العكة شيء ، قال : فجاء بها ، قال : فجعل رسول الله وأبو طلحة يعصرانها حتى خرج شيء مسح رسول الله به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال : بسم الله فانتفخ القرص فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص فى الجفنة يميع ، فقال : ادع عشرة من أصحابى ، فدعوت له عشرة ، قال : فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده وسط القرص وقال : كلوا بسم الله ، فأكلوا من حوالى القرص حتى شبعوا ، ثم قال ، ادع لى عشرة أخرى ، فدعوت له عشرة أخرى ، فقال : كلوا بسم الله ، فأكلوا من حوالى القرص حتى شبعوا ، فلم يزل يدعو عشرة عشرة يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالى القرص حتى شبعوا وأن وسط القرص حيث وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده كم هو ، وهذا إسناد على شرط أصحاب

٨٢

السنن ولم يخرجوه فالله أعلم.

طريق أخرى عن أنس بن مالك

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا سعد ـ يعنى ابن سعيد بن قيس ـ أخبرنى أنس ابن مالك قال : بعثنى أبو طلحة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأدعوه وقد جعل له طعاما ، فأقبلت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع الناس ، قال : فنظر إلى فاستحييت فقلت : أجب أبا طلحة ، فقال للناس : قوموا ، فقال أبو طلحة : يا رسول الله إنما صنعت شيئا لك قال : فمسها رسول الله ودعا فيها بالبركة ، ثم قال : أدخل نفرا من أصحابى عشرة ، فقال : كلوا فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا ، وقال : أدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع ثم هيأها فإذا هى مثلها حين أكلوا منها (١) ، وقد رواه مسلم عن أبى بكر ابن أبى شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن عبد الله بن نمير وعن سعيد بن يحيى الأموى عن أبيه كلاهما عن سعد بن سعيد بن قيس الأنصارى.

طريق أخرى

رواه مسلم فى الأطعمة عن عبد بن حميد عن خالد بن مخلد عن محمد بن موسى عن عبد الله بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس فذكر نحو ما تقدم ، وقد رواه أبو يعلى الموصلى عن محمد ابن عباد المكى (عن حاتم) عن معاوية بن أبى مربد عن عبد الله بن عبد الله بن أبى طلحة عن أبيه عن أبى طلحة فذكره والله أعلم.

طريق اخرى عن أنس

قال الإمام أحمد : حدثنا على بن عاصم ، حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أنس بن مالك قال : أتى أبو طلحة بمدين من

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ١٤٧ ، ٢١٨).

٨٣

شعير فأمر به فصنع طعاما ثم قال لى : يا أنس انطلق ائت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فادعه وقد تعلم ما عندنا ، قال : فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه عنده فقلت : إن أبا طلحة يدعوك إلى طعامه ، فقام وقال للناس : قوموا فقاموا ، فجئت أمشى بين يديه حتى دخلت على أبى طلحة فأخبرته ، قال : فضحتنا ، قلت : إنى لم أستطع أن أرد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره ، فلما انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لهم : اقعدوا ، ودخل عاشر عشرة فلما دخل أتى بالطعام تناول فأكل وأكل معه القوم حتى شبعوا ، ثم قال لهم : قوموا ، وليدخل عشرة مكانكم ، حتى دخل القوم كلهم وأكلوا ، قال : قلت : كم كانوا؟ قال : كانوا نيفا وثمانين ، قال : وفضل لأهل البيت ما أشبعهم (١) ، وقد رواه مسلم فى الأطعمة عن عمرو الناقد عن عبد الله بن جعفر الرقى عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أنس قال : أمر أبو طلحة أم سليم قال : اصنعى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنفسه خاصة يأكل منه ، فذكر نحو ما تقدم.

طريق أخرى عن أنس

قال أبو يعلى : حدثنا شجاع بن مخلد ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبى ، سمعت جرير بن يزيد يحدث عن عمرو بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك قال : رأى أبو طلحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسجد مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن ، فأتى أم سليم فقال : رأيت رسول الله مضطجعا فى المسجد يتقلب ظهرا لبطن ، فخبزت أم سليم قرصا ، ثم قال لى أبو طلحة : أذهب فادع رسول الله ، فأتيته وعنده أصحابه فقلت : يا رسول الله يدعوك أبو طلحة ، فقام وقال : قوموا ، قال : فجئت أسعى إلى أبى طلحة فأخبرته أن رسول الله قد كان تبعه أصحابه ، فتلقاه أبو طلحة ، فقال : يا رسول الله إنما هو قرص ، فقال : إن الله سيبارك فيه ، فدخل رسول الله وجيء بالقرص فى

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٢١٨).

٨٤

قصعة ، فقال : هل من سمن؟ فجىء بشيء من سمن فغور القرص بإصبعه هكذا ، ورفعها ، ثم صب وقال : كلوا من بين أصابعى ، فأكل القوم حتى شبعوا ، وثم قال : أدخل على عشرة ، فأكلوا حتى شبعوا ، حتى أكل القوم فشبعوا وأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتى شبعنا وفضلت فضلة أهديت لجيران لنا ، ورواه مسلم فى الأطعمة من صحيحه عن حسن الحلوانى وعن وهب بن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد عن عمرو بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك فذكر نحو ما تقدم.

طريق أخرى عن أنس

قال الامام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا حماد ـ يعنى ابن زيد ـ عن هشام عن محمد ـ يعنى ابن سيرين ـ عن أنس قال حماد : والجعد قد ذكره ، قال : عمدت أم سليم إلى نصف مد شعير فطحنته ثم عمدت إلى عكة كان فيها شيء من سمن فاتخذت منه خطيفة قال : ثم أرسلتنى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فأتيته وهو فى أصحابه فقلت : إن أم سليم أرسلتنى إليك تدعوك ، فقال : أنا ومن معى ، قال : فجاء هو ومن معه ، قال : فدخلت فقلت لأبى طلحة : قد جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن معه ، فخرج أبو طلحة فمشى إلى جنب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : يا رسول الله إنما هى خطيفة اتخذتها أم سليم من نصف مد شعير ، قال : فدخل فأتى به ، قال : فوضع يده فيها ثم قال : أدخل عشرة ، قل فدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا ، ثم دخل عشرة فأكلوا ثم عشرة فأكلوا حتى أكل منها أربعون كلهم أكلوا حتى شبعوا ، قال : وبقيت كما هى ، قال : فأكلنا (١) ، وقد رواه البخارى فى الأطعمة عن الصلت بن محمد عن حماد بن زيد عن الجعد أبى عثمان عن أنس. وعن هشام بن محمد عن أنس. وعن سنان بن ربيعة عن أبى ربيعة عن أنس أن أم سليم عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت منه خطيفة وعمدت إلى عكة فيها

__________________

(١) أحمد في مسنده (٢ / ٢٩٧).

٨٥

شيء من سمن فعصرته ثم بعثتنى إلى رسول الله وهو فى أصحابه ، الحديث بطوله ، ورواه أبو يعلى الموصلى : «حدثنا عمرو عن الضحاك ، حدثنا أبى ، سمعت أشعث الحرانى قال : قال محمد بن سيرين : حدثنى أنس بن مالك أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طعام ، فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير فعمل يومه ذلك فجاء به وأمر أم سليم أن تعمله خطيفة ، وذكر الحديث.

طريق أخر عن أنس

قال الامام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أنس ابن مالك قال : قالت أم سليم : اذهب إلى نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقل : إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل ، فجئته فبلغته ، فقال : ومن عندى؟ قلت : نعم ، قال : انهضوا ، قال: فجئته فدخلت على أم سليم وأنا لدهش لمن أقبل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فقالت أم سليم : ما صنعت يا أنس؟ فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على إثر ذلك فقال : هل عندك سمن؟ قالت : نعم ، قد كان منه عندى عكة فيها شيء من سمن ، قال : فأت بها قالت : فجئت بها ففتح رباطها ثم قال : بسم الله اللهم أعظم فيها البركة ، قال فقال اقلبيها ، فقلبتها فعصرها نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يسمى ، فأخذت نقع قدر فأكل منها بضع وثمانون رجلا وفضل فضلة فدفعها إلى أم سليم فقال : كلى وأطعمى جيرانك (١).

وقد رواه مسلم فى الأطعمة عن حجاج بن الشاعر عن يونس بن محمد المؤدب به.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٣٤٢).

٨٦

طريق أخرى

قال أبو القاسم البغوى : حدثنا على بن المدينى ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن عمرو ابن يحيى بن عمارة المازنى عن أبيه عن أنس بن مالك أن أمه أم سليم صنعت خزيرا فقال أبو طلحة : اذهب يا بنى فادع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فجئته وهو بين ظهرانى الناس ، فقلت : إن أبى يدعوك ، قال : فقام وقال للناس : انطلقوا ، قال : فلما رأيته قام بالناس تقدمت بين أيديهم فجئت أبا طلحة فقلت : يا أبت قد جاءك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالناس ، قال : فقام أبو طلحة على الباب وقال : يا رسول الله إنما كان شيئا يسيرا ، فقال : هلمه ، فإن الله سيجعل فيه البركة ، فجاء به فجعل رسول الله يده فيه ، ودعا الله بما شاء أن يدعو ، ثم قال : أدخل عشرة عشرة ، فجاءه منهم ثمانون فأكلوا وشبعوا ، ورواه مسلم فى الأطعمة عن عبد بن حميد عن القعنبى عن الدراوردى عن يحيى بن عمارة بن أبى حسن الأنصارى المازنى (عن أبيه) عن أنس بن مالك بنحو ما تقدم.

طريق أخرى

ورواه مسلم فى الأطعمة أيضا عن حرملة عن ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثى عن يعقوب ابن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس كنحو ما تقدم ، قال البيهقى : وفى بعض حديث هؤلاء : ثم أكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكل أهل البيت وأفضلوا ما بلغ جيرانهم ، فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه شاهد ذلك على ما فيه من اختلاف عنه فى بعض حروفه ، ولكن أصل القصة متواتر لا محالة كما ترى ، ولله الحمد والمنة ، فقد رواه عن أنس ابن مالك إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة وبكر بن عبد الله المزنى وثابت ابن أسلم البنائى (والجعد بن عثمان) وسعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصارى وسنان بن ربيعة وعبد الله بن عبد الله بن أبى طلحة وعبد الرحمن

٨٧

ابن أبى ليلى وعمرو بن عبد الله بن أبى طلحة ومحمد بن سيرين والنضر بن أنس ويحيى ابن عمارة بن أبى حسن ويعقوب بن عبد الله بن أبى طلحة ، وقد تقدم فى غزوة الخندق حديث جابر فى إضافته صلى‌الله‌عليه‌وسلم على صاع من شعير وعناق (١) ، فعزم عليه‌السلام على أهل الخندق بكمالهم، فكانوا ألفا أو قريبا من ألف ، فأكلوا كلهم من تلك العناق وذلك الصاع حتى شبعوا وتركوه كما كان ، وقد أسلفناه بسنده ومتنه وطرقه ولله الحمد والمنة ، ومن العجب الغريب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن بن محمد بن المنذر الهروى ـ المعروف بشكر ـ فى كتاب العجائب الغربية ، فى هذا الحديث فإنه أسنده وساقه بطوله وذكر فى آخره شيئا غريبا فقال : حدثنا محمد بن على بن طرخان ، حدثنا محمد بن مسرور ، أنا هاشم بن هاشم ويكنى بأبى برزة بمكة فى المسجد الحرام ، حدثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصارى من أهل المدينة من الناقلة الذين نقلهم هارون إلى بغداد ، سمعت منه بالمصيصة عن أبيه سهل بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن كعب عن أبيه كعب بن مالك قال : أتى جابر بن عبد الله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرف فى وجهه الجوع فذكر أنه رجع إلى منزله فذبح داجنا كانت عندهم وطبخها وثرد تحتها فى جفنة وحملها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمره أن يدعو له الأنصار فأدخلهم عليه إرسالا فأكلوا كلهم وبقى مثل ما كان ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرهم أن يأكلوا ولا يكسروا عظما ، ثم إنه جمع العظام فى وسط الجفنة (٢) فوضع عليها يده ثم تكلم بكلام لا أسمعه إلا أنى أرى شفتيه تتحرك ، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها فقال : خذ شاتك يا جابر بارك الله لك فيها ، قال : فأخذتها ومضيت ، وإنها لتنازعنى أذنها حتى أتيت بها البيت ، فقالت لى المرأة : ما هذا يا جابر؟ فقلت : هذه والله شاتنا التى ذبحناها لرسول الله ، دعا الله فأحياها لنا ، فقالت : أنا أشهد أنه رسول الله ، أشهد أنه رسول الله ، أشهد أنه رسول الله.

__________________

(١) عناق : الانثى من أولاد المعز والغنم ، من ولادتها إلى بلوغ السنة.

(٢) الجفنة : القصعة للطعام.

٨٨

حديث آخر عن أنس في معنى ما تقدم

قال أبو يعلى الموصلى والباغندى : حدثنا شيبان ، حدثنا محمد بن عيسى بصرى ـ وهو صاحب الطعام ـ حدثنا ثابت البنائى قلت لأنس بن مالك : يا أنس أخبرنى بأعجب شيء رأيته ، قال : نعم يا ثابت خدمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين فلم يعب عليّ شيئا أسأت فيه وإن نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما تزوج زينب بنت جحش قالت لى أمى : يا أنس إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصبح عروسا ولا أدرى أصبح له غداء فهلم تلك العكة ، فأتيتها بالعكة وبتمر فجعلت له حيسا فقالت : يا أنس اذهب بهذا إلى نبى الله وامرأته ، فلما أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس قال : دعه ناحية البيت وادع لى أبا بكر وعمر وعليا وعثمان ونفرا من أصحابه ، ثم ادع لى أهل المسجد ومن رأيت فى الطريق ، قال : فجعلت أتعجب من قلة الطعام ومن كثرة ما يأمرنى أن أدعو الناس وكرهت أن أعصيه حتى امتلأ البيت والحجرة ، فقال : يا أنس هل ترى من أحد؟ فقلت : لا يا رسول الله ، قال : هات ذلك التور ، فجئت بذلك التور فوضعته قدامه ، فغمس ثلاث أصابع فى التور فجعل التمر يربو فجعلوا يتغذون ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون وبقى فى التور نحو ما جئت به ، فقال : ضعه قدام زينب ، فخرجت وأسقفت عليهم بابا من جريد ، قال ثابت : قلنا : يا أبا حمزة كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور؟ فقال : أحسب واحدا وسبعين أو اثنين وسبعين ، وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه.

حديث آخر عن أبي هريرة في ذلك

قال جعفر بن محمد الفريابى : حدثنا عثمان بن أبى شيبة ، حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أنيس بن أبى يحيى عن إسحاق بن سالم عن أبى هريرة قال خرج على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ادع لى أصحابك من أصحاب الصفة ،

٨٩

فجعلت أنبههم رجلا رجلا فجمعتهم فجئنا باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستأذنا فأذن لنا ، قال أبو هريرة : فوضعت بين أيدينا صحفة أظن أن فيها قدر مد من شعير ، قال : فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليها يده وقال : كلوا بسم الله ، قال : فأكلنا ما شئنا ثم رفعنا أيدينا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين وضعت الصحفة : والّذي نفسى بيده ما أمسى فى آل محمد طعام ليس ترونه ، قيل لأبى هريرة : قدركم كانت حين فرغتم منها؟ قال : مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع ، وهذه قصة غير قصة أهل الصفة المتقدمة فى شربهم اللبن كما قدمنا.

حديث آخر عن أبي أيوب في ذلك

قال جعفر الفريابى : حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريرى عن أبى الورد عن أبى محمد الحضرمى عن أبى أيوب الأنصارى قال : صنعت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأبى بكر طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اذهب فادع لى ثلاثين من أشراف الأنصار ، قال : فشق ذلك على ، ما عندى شيء أزيده ، قال : فكأنى تثاقلت ، فقال : اذهب فادع لى ثلاثين من أشراف الأنصار ، فدعوتهم فجاءوا فقال: اطعموا ، فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله ثم بايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال : اذهب فادع لى ستين من أشراف الأنصار ، قال أبو أيوب : فو الله لأنا بالستين أجود منى بالثلاثين ، قال : فدعوتهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تربعوا فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا ، قال : فاذهب فادع لى تسعين من الأنصار ، قال : فلأنا أجود بالتسعين والستين منى بالثلاثين ، قال : فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا ، قال : فأكل من طعامى ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار ، وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا. وقد رواه البيهقى من حديث محمد بن أبى بكر المقدمى عن عبد الأعلى به.

٩٠

قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة

قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا سحل بن الحنظلية ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنى ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه ، فطاف فى منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا ، فأتى فاطمة فقال : يا بنية هل عندك شيء آكله فإنى جائع؟ فقالت : لا والله بأبى أنت وأمى ، فلما خرج من عندها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته فى جفنة لها وغطت عليها وقالت : والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على نفسى ومن عندى ، وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجع إليها ، فقالت : له بأبى أنت وأمى قد أتى الله بشيء فخبأته لك ، قال : هلمى يا بنية ، فكشفت عن الجفنة فإذا هى مملوءة خبزا ولحما ، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله فحمدت الله وصلت على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقدمته إلى رسول الله ، فلما رآه حمد الله وقال : من أين لك هذا يا بنية؟ قالت : يا أبت هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فحمد الله وقال : الحمد لله الّذي جعلك يا بنية شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا فسئلت عنه قالت : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى على ثم أكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى وفاطمة وحسن وحسين ، وجميع أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا ، قالت : وبقيت الجفنة كما هى ، فأوسعت بقيتها على جميع جيرانها ، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا ، وهذا حديث غريب أيضا إسنادا ومتنا ، وقد قدمنا فى أول البعثة حين نزل قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١) حديث ربيعة ابن ماجد عن على

__________________

(١) سورة الشعراء ، الآية : ٢١٤.

٩١

فى دعوته عليه‌السلام بنى هاشم ـ وكانوا نحوا من أربعين ـ فقدم إليهم طعام من مد فأكلوا حتى شبعوا وتركوه كما هو ، وسقاهم من عس شرابا حتى رووا وتركوه كما هو ثلاثة أيام متتابعة ، ثم دعاهم إلى الله كما تقدم.

قصة أخرى في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

قال الإمام أحمد : حدثنا على بن عاصم ، حدثنا سليمان التيمى عن أبى العلاء ابن الشخير عن سمرة بن جندب قال : بينما نحن عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أتى بقصعة فيها ثريد ، قال : فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر ، يأكل قوم ثم يقومون ويجيء قوم فيتعاقبونه ، قال : فقال له رجل : هل كانت تمد بطعام؟ قال : أما من الأرض فلا ، إلا أن تكون كانت تمد من السماء (١).

ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن سليمان عن أبى العلاء عن سمرة أن رسول الله أتى بقصعة فيها ثريد فتعاقبوها إلى الظهر من غدوة ، يقوم ناس ويقعد آخرون ، قال له رجل: هل كانت تمد؟ فقال له : فمن أين تعجب ما كانت تمد إلا من هاهنا ، وأشار إلى السماء (٢).

وقد رواه الترمذي والنسائى أيضا من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبى العلاء واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير عن سمرة بن جندب به.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ١٢).

(٢) أحمد في مسنده (٥ / ١٨).

٩٢

قصة قصعة بيت الصديق

ولعلها هي القصة المذكورة في حديث سمرة والله أعلم

قال البخارى : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا معتمر عن أبيه ، حدثنا أبو عثمان أنه حدثه عبد الرحمن ابن أبى بكر رضى الله عنهما : أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال مرة : من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس أو كما قال ، وإن أبا بكر جاء بثلاثة ، وانطلق النبي ص بعشرة ، وأبو بكر بثلاثة قال : فهو أنا وأبى وأمى : ولا أدرى هل قال امرأتى وخادمى من بيتنا وبيت أبى بكر ، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله ، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك؟ قال : أو ما عشيتهم؟ قالت : أبوا حتى تجيء قد عرضوا عليهم فغلبوهم فذهبت فاختبأت فقال يا غنثر فجدع وسب وقال : كلوا (فى رواية أخرى لا هنيئا) وقال : لا أطعمه أبدا ، والله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل : فنظر أبو بكر فإذا هى شيء أو أكثر فقال لامرأته (فى رواية أخرى : ما هذا) يا أخت بنى فراس؟ قالت : لا وقرة عينى هى الآن أكثر مما قبل بثلاث مرار : فأكل منها أبو بكر وقال ، إنما كان الشيطان ـ يعنى يمينه ـ ثم أكل منها لقمة ثم حملها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأصبحت عنده وكان بيننا وبين قوم عهد فمضى الأجل فعرفنا اثنى عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس والله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم ، قال : فأكلوا منها أجمعون أو كما قال وغيرهم يقول : فتفرقنا (١) ، هذا لفظه وقد رواه فى مواضع أخر من صحيحه ومسلم من غير وجه عن أبى عثمان عبد

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٨١) (١٠ / ٤٤٤).

٩٣

الرحمن بن مل النهدى عن عبد الرحمن بن أبى بكر.

حديث آخر عن عبد الرحمن بن أبى بكر في هذا المعنى

قال الإمام أحمد : حدثنا حازم ، حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبى عثمان عن عبد الرحمن ابن أبى بكر أنه قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثين ومائة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل يغنم يسوقها ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبيعا أم عطية؟ أو قال : أم هدية؟ قال : لا ، بل بيع ، فاشترى منه شاة فصنعت وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسواد البطن أن يشوى ، قال : وأيم الله ما من الثلاثين والمائة إلا قد حز له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حزة من سواد بطنها ، إن كان شاهدا أعطاه إياه ، وإن كان غائبا خبأ له ، قال : وجعل منها قصعتين ، قال فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا وفضل فى القصعتين فجعلناه على البعير ، أو كما قال (١).

وقد أخرجه البخارى ومسلم من حديث معتمر بن سليمان.

حديث آخر في تكثير الطعام في السفر

قال الإمام أحمد : حدثنا فزارة بن عمر ، أنا فليح عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة غزاها فأرمل فيها المسلمون واحتاجوا إلى الطعام ، فاستأذنوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نحر الإبل فأذن لهم ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : فجاء فقال : يا رسول الله إبلهم تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها؟ ادع يا رسول الله بغبرات الزاد فادع الله عزوجل فيها بالبركة ، قال : أجل ، فدعا بغبرات الزاد فجاء الناس بما بقى معهم ، فجمعه ثم دعا الله عزوجل فيه بالبركة ودعاهم بأوعيتهم فملأها وفضل فضل كثيره ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك

__________________

(١) أحمد في مسنده (١ / ١٩٧ ـ ١٩٨).

٩٤

أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني عبد الله ورسوله ، ومن لقي الله عزوجل بهما غير شاك دخل الجنة (١).

وكذلك رواه جعفر الفريابى عن أبى مصعب الزهرى عن عبد العزيز بن أبى حازم عن أبيه سهيل به ، ورواه مسلم والنسائى جميعا عن أبى بكر بن أبى النضر عن أبيه عن عبيد الله الأشجعى عن مالك ابن مغول عن طلحة بن مصرف عن أبى صالح عن أبى هريرة به ، وقال الحافظ أو يعلى الموصلى : حدثنا زهير ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبى صالح سعيد ، أو عن أبى هريرة ـ شك الأعمش ـ قال : لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا؟ فقال : افعلوا فجاء عمر فقال : يا رسول الله إن فعلوا قل الظهر ، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل فى ذلك البركة ، فأمر رسول الله بنطع فبسط ودعا بفضل أزوادهم ، قال : فجعل الرجل يجيء بكف التمر والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شيء من ذلك يسير ، فدعا عليهم بالبركة ثم قال : خذوا فى أوعيتكم ، فأخذوا فى أوعيتهم حتى ما تركوا فى العسكر وعاء إلا ملأه ، وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله. لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحتجب عنه الجنة ، وهكذا رواه مسلم أيضا عن سهل بن عثمان وأبى كريب كلاهما عن أبى معاوية عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد وأبى هريرة فذكر مثله.

حديث آخر في هذه القصة

قال الإمام أحمد : حدثنا على بن إسحاق ، حدثنا عبد الله ـ هو ابن المبارك ـ أنا الأوزاعى ، أنا المطلب بن حنطب المخزومى ، حدثنى عبد الرحمن ابن أبى عمرة الأنصارى ، حدثنى أبى قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزاة

__________________

(١) أحمد في مسنده (٢ / ٤٢١).

٩٥

فأصاب الناس مخمصة (١) فاستأذن الناس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نحر بعض ظهورهم وقالوا : يبلغنا الله به ، فلما رأى عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد هم أن يأذن لهم فى نحر بعض ظهورهم ، قال : يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم وتجمعها ثم تدعو الله فيها بالبركة فإن الله سيبلغنا بدعوتك ، أو سيبارك لنا فى دعوتك ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببقايا أزوادهم فجعل الناس يجيئون بالحبة من الطعام وفوق ذلك ، فكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر ، فجمعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قام فدعا ما شاء الله أن يدعو ثم دعا الجيش بأوعيتهم وأمرهم أن يحتثوا ، فما بقى فى الجيش وعاء إلا ملئوه ، وبقى مثله ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت نواجذه وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنى رسول الله ، لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة (٢).

وقد رواه النسائى من حديث عبد الله بن المبارك باسناده نحو ما تقدم.

حديث آخر في تكثير الطعام في السفر

قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن المعلى الآدمى ، حدثنا عبد الله ابن رجاء ، حدثنا سعيد بن سلمة ، حدثنى أبو بكر ـ أظنه من ولد عمر بن الخطاب ـ عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبى ربيعة أنه سمع أبا حنيس الغفارى أنه كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة تهامة حتى إذا كنا بعسفان جاءه أصحابه فقالوا : يا رسول الله جهدنا الجوع فأذن لنا فى الظهر أن نأكله ، قال : نعم ، فاخبر بذلك عمر بن الخطاب فجاء رسول الله فقال : يا نبى الله ما صنعت؟ أمرت الناس أن ينحروا الظهر فعلى ما يركبون؟ قال : فما ترى يا ابن الخطاب؟ قال : أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه فى

__________________

(١) مخمصة : الجوع.

(٢) أحمد في مسنده (٣ / ٤١٨).

٩٦

ثوب ثم تدعو لهم ، فأمرهم فجمعوا فضل أزوادهم فى ثوب ثم دعا لهم ثم قال : ائتوا بأوعيتكم. فملأ كل إنسان وعاءه ، ثم أذن بالرحيل ، فلما جاوز مطروا فنزل ونزلوا معه وشربوا من ماء السماء فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع رسول الله وذهب الآخر معرضا ، فقال رسول الله : ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ، أما واحد فاستحى من الله فاستحى الله منه، وأما الآخر فأقبل تائبا فتاب الله عليه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ثم قال البزار : لا نعلم روى أبو حنيس إلا هذا الحديث بهذا الإسناد ، وقد رواه البيهقى عن الحسين ابن بشران عن أبى بكر الشافعى : حدثنا إسحاق بن الحسن الخرزي ، أنا أبو رجاء ، حدثنا سعيد بن سلمة ، حدثنى أبو بكر بن عمرو بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن أبى ربيعة أنه سمع أبا جنيس الغفارى فذكره.

حديث آخر عن عمر بن الخطاب في هذه القصة

قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا ابن هشام ـ محمد بن يزيد الرفاعى ـ ، حدثنا ابن فضل ، حدثنا يزيد ـ وهو ابن أبى زياد ـ عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن أبيه عن جده عمر قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزاة فقلنا : يا رسول الله إن العدو قد حضر وهم شباع والناس جياع ، فقالت الأنصار : ألا ننحر نواضحنا فنطعمها الناس؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من كان معه فضل طعام فيلجئ به ، فجعل الرجل يجيء بالمد والصاع وأقل وأكثر ، فكان جميع ما فى الجيش بضعا وعشرين صاعا ، فجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جنبه فدعا بالبركة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خذوا ولا تنتهبوا ، فجعل الرجل يأخذ فى جرابه وفى غرارته ، وأخذوا فى أوعيتهم حتى إن الرجل ليربط كم قميصه فيملؤه ، ففرغوا والطعام كما هو ، ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ، لا يأتى بها عبد محق إلا وقاه الله حر النار ، ورواه أبو يعلى أيضا عن إسحاق بن إسماعيل الطالقانى عن جرير عن يزيد بن أبى زياد فذكره. وما

٩٧

قبله شاهد له بالصحة كما أنه متابع لما قبله والله أعلم.

حديث آخر عن سلمة بن الاكوع في ذلك

قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمى القارى ، حدثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة خبير فأمرنا أن نجمع ما فى أزوادنا ـ يعنى من التمر ـ فبسط نطعا (١) نشرنا عليه أزوادنا قال : فتمطيت (٢) فتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة ونحن أربع عشرة مائة قال : فأكلنا ثم تطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل من وضوء؟ قال : فجاء رجل بنقطة فى إداوته. قال : فقبضها فجعلها فى قدح ، قال : فتوضأنا كلنا ندغفقها (٣) دغفقة ونحن أربع عشرة مائة قال فجاء أناس فقالوا : يا رسول الله ألا وضوء؟ فقال : قد فرغ الوضوء ، وقد رواه مسلم عن أحمد بن يوسف السلمى عن النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن إياس عن أبيه سلمة وقال : فأكلنا حتى شبعنا ثم حشونا جربنا ، وتقدم ما ذكره ابن إسحاق فى حفر الخندق حيث قال : حدثنى سعيد بن ميناء أنه قد حدث أن ابنة لبشير بن سعد ـ أخت النعمان بن بشير ـ قالت : دعتنى أمى عمرة بنت رواحة فأعطتنى جفنة من تمر فى ثوبى ثم قالت : أى بنية ، اذهبى إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما قالت : فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا ألتمس أبى وخالى ، فقال : تعالى يا بنية ، ما هذا معك؟ قالت : قلت يا رسول الله هذا تمر بعثتنى به أمى إلى أبى بشير بن سعد وخالى عبد الله بن رواحة يتغذيانه فقال : هاتيه ، قالت : فصببته فى كفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما ملأتهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم دعا بالتمر فنبذ فوق الثوب ، ثم قال لإنسان

__________________

(١) نطعا : بساطا من جلد.

(٢) تمطى : امتد وطال.

(٣) ندغفقها : نصب منها صبا.

٩٨

عنده : اصرخ فى أهل الخندق أن هلم إلى الغداء ، فاجتمع أهل الخندق عليه ، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر (١) أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب.

٩٩
١٠٠