معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

انقياد الشجرة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وفى إفراد مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبى حرزة يعقوب ابن مجاهد عن عبادة بن الوليد عن ابن عبادة عن جابر بن عبد الله فى حديث طويل قال فيه : سرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلنا واديا أفيح ، فذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقضى حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم ير شيئا يستتر به ، وإذا بشجرتين بشاطئ الوادى ، فانطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : انقادى على بإذن الله ، فانقادت معه كالبعير المخشوش (١) الّذي بصانع قائدة ، حتى أتى الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال : انقادى على (بإذن الله) فانقادت معه (كذلك) حتى إذا كان بالمنتصف مما بينهما لاءم بينهما ـ يعنى جمعهما ـ فقال : التئما على بإذن الله ، فالتأمتا ، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله بقربى فيبتعد فجلست أحدث نفسى فحانت منى لفتة ، فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإذا بالشجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق فرأيت رسول الله وقف وقفة فقال برأسه هكذا : يمينا وشمالا ، ثم أقبل فلما انتهى إلى قال : يا جابر هل رأيت مقامى؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا فأقبل بهما حتى إذا قمت مقامى فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن شمالك ، قال جابر فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحددته فاندلق (٢) لى فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا ، ثم أقبلت حتى قمت مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلت غصنا من يمينى وغصنا عن يسارى ، ثم لحقت فقلت : قد فعلت يا رسول الله ، قال فقلت : فلم ذاك؟ قال : إنى مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتى أن يرفع

__________________

(١) البعير المخشوش : هو البعير الذي يكون في أنفه عود يشد به حبل لينقاد به.

(٢) اندلق : التقدم ، وكل ما ندر خارجا.

٦١

ذلك عنهما ما دام الغصنان رطبين ، قال : فأتينا العسكر فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا جابر ناد الوضوء ، فقلت : ألا وضوء ألا وضوء ألا وضوء؟ قال : قلت يا رسول الله ما وجدت فى الركب من قطرة ، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله فى أشجاب له على حمارة من جريد قال : فقال لى : انطلق إلى فلان الأنصارى فانظر هل ترى فى أشجابه من شيء؟ قال : فانطلقت إليه فنظرت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة فى غر (١) لا شجب (٢) منها ـ لو أنى أفرغته لشربه يابسه ، فأتيت رسول الله فقلت : يا رسول الله لم أجد فيها إلا قطرة فى غر لا شجب منها لو أنى أفرغته لشربه يابسه قال : اذهب فأتنى به ، فأتيته فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدرى ما هو ، وغمزنى بيده ثم أعطانيه فقال : يا جابر ناد بجفنة ، فقلت : يا جفنة الركب ، فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه ، فقال رسول الله بيده فى الجفنة هكذا فبسطها وفرق بين أصابعه ثم وضعها فى قعر الجفنة وقال : خذ يا جابر فصب على وقل : بسم الله ، فصببت عليه وقلت : بسم الله ، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت فقال : يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء ، قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا ، فقلت : هل بقى أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده من الجفنة وهى ملأى. قال : وشكا الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجوع ، فقال : عسى الله أن يطعمكم ، فأتينا سيف (٣) البحر فزجر زجرة فألقى دابة فأورينا على شقها النار فطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا ، قال جابر : فدخلت أنا وفلان وفلان وفلان حتى عد خمسة فى محاجر عينها ما يرانا أحد ، حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقوسناه ثم دعونا بأعظم جمل فى الركب وأعظم حمل فى الركب وأعظم كفل فى الركب فدخل تحتها ما يطاطئ رأسه ، وقال البخارى : حدثنا موسى ابن

__________________

(١) الغر : الشق في الأرض والنهر الدقيق.

(٢) الشجب : الخشاب الثلاث التي يعلق دلوه ومسقاه.

(٣) سيف البحر : سمكة بحرية ذات منقار.

٦٢

إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، حدثنا حصين عن سالم بن أبى الجعد عن جابر بن عبد الله قال : عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين يديه ركوة يتوضأ فجهش الناس نحوه قال : مالكم؟ قالوا : ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك ، فوضع يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا ، قلت : كم كنتم؟ قال لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة (١).

وهكذا رواه مسلم من حديث حصين وأخرجاه من حديث الأعمش ، زاد مسلم وشعبة ثلاثتهم عن جابر بن سالم ابن جابر ، وفى رواية الأعمش كنا أربع عشرة مائة ، وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى (بن حماد) حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن شقيق العبدى أن جابر بن عبد الله قال غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن يومئذ بضع عشر ومائتان فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل فى القوم من ماء؟ فجاءه رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء ، قال فصبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قدح ، قال فتوضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأحسن الوضوء ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح تمسحوا وتمسحوا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك ، قال : فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفه فى الماء ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله ، ثم قال : اسبغوا الوضوء ، قال جابر : فو الّذي هو ابتلانى ببصرى لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما رفعها حتى توضئوا أجمعون (٢).

وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد ، وظاهره كأنه قصة أخرى غير ما تقدم ، وفى صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال : قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن أربع عشرة مائة أو أكثر من ذلك وعليها خمسون رأسا لا يرويها

__________________

(١) البخاري في كتاب المناقب (٣٥٧٦) (١٠ / ٤٣١).

(٢) أحمد في مسنده (٢ / ١٦٩ ، ١٩٣).

٦٣

فقعد رسول الله على شفا الركية فإما دعا وإما بصق فيها قال : فجاشت فسقينا واستقينا ، وفى صحيح البخارى من حديث الزهرى عن عروة عن المسور ومروان ابن الحكم فى حديث صلح الحديبية الطويل فعدل عنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه تبرضا (١) فلم يلبثه الناس حتى نزحوه (٢) وشكا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فو الله ما زال يجيش لهم بالرى حتى صدروا عنه ، وقد تقدم الحديث بتمامه فى صلح الحديبية ، فأغنى عن إعادته ، وروى ابن إسحاق عن بعضهم أن الّذي نزل بالسهم ناجية بن جندب سائق البدن ، قال وقيل : البراء بن عازب. ثم رجح ابن إسحاق الأول.

حديث آخر عن ابن عباس في ذلك

قال الإمام أحمد : حدثنا حسين الأشقر ، حدثنا أبو كدينة عن عطاء عن أبى الضحى عن ابن عباس : أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم وليس فى العسكر ماء فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ليس فى العسكر ماء ، قال : هل عندك شيء؟ قال : نعم ، قال : فأتنى ، قال : فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل ، قال : فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصابعه فى فم الإناء وفتح أصابعه ، قال فانفجرت من بين أصابعه عيون وأمر بلالا فقال : ناد فى الناس الوضوء المبارك (٣) ، تفرد به أحمد ، ورواه الطبرانى من حديث عامر الشعبى عن ابن عباس بنحوه.

حديث عن عبد الله بن مسعود في ذلك

قال البخارى : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبو أحمد الزبيرى ، حدثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سفر فقل الماء فقال :

__________________

(١) يتبرضه تبرضا : يتبلغ بالقليل منه.

(٢) نزحوه : انفدوه.

(٣) أحمد في مسنده (١ / ٢٥١).

٦٤

اطلبوا فضلة من ماء ، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده فى الإناء ثم قال : حي على الطهور المبارك والبركة من الله عزوجل ، قال : فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل (١) ، ورواه الترمذي عن بندار عن ابن أحمد وقال : حسن صحيح.

حديث عن عمران بن حصين في ذلك

قال البخارى : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا مسلم بن زيد ، سمعت أبا رجاء قال : حدثنا عمران بن حصين أنهم كانوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس ، فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر ، وكان لا يوقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من منامه حتى يستيقظ ، فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي ص فنزل وصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا ، فلما انصرف قال يا فلان ما يمنعك أن تصلى معنا؟ قال : أصابتنى جنابة ، فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى ، وجعلنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ركوب بين يديه ، وقد عطشنا عطشا شديدا ، فبينما نحن نسير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين (٢) فقلنا لها : أين الماء؟ قالت : إنه لا ماء : فقلنا : كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت : يوم وليلة ، فقلنا : انطلقى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : وما رسول الله؟ فلم نملكها من أمرها حتى استقبلنا بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحدثته بمثل الّذي حدثتنا غير أنها حدثته أنها موتمة فأمر بمزادتيها فمسح فى العزلاوين (٣) فشربنا عطاشا أربعين رجلا حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة ، غير أنه لم نسق بعيرا وهى تكاد تفضى من الملء ، ثم قال : هاتوا ما عندكم ، فجمع له من الكسر

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٧٩) (١٠ / ٤٣٨).

(٢) المزادة : وعاء من جلد يوضع فيه ماء.

(٣) العزلاء : مصب الماء من القربة.

٦٥

والتمر حتى أتت أهلها ، قالت : أتيت أسحر بالناس أو هو نبى كما زعموا ، فهدى الله ذاك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا (١).

وكذلك رواه مسلم من حديث سلم بن رزين ، وأخرجاه من حديث عوف الأعرابى ، كلاهما عن رجاء العطاردى ـ واسمه عمران بن تيم ـ عن عمران بن حصين به ، وفى رواية لهما فقال لها : اذهبى بهذا معك لعيالك واعلمى أنا لم نرزأك (٢) من مائك شيئا غير أن الله سقانا ، وفيه أنه لما فتح العزلاوين سمى الله عزوجل.

حديث عن أبي قتادة في ذلك

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سفر فقال : إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا ، وانطلق سرعان الناس يريدون الماء ، ولزمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمالت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم راحلته فنعس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعمته فادعم ثم مال فدعمته فادعم ، ثم نال حتى كاد أن ينجفل (٣) عن راحلته فدعمته فانتبه فقال : من الرجل؟ فقلت : أبو قتادة ، قال : منذ كم كان مسيرك؟ قلت : منذ الليلة ، قال : حفظك الله كما حفظت رسوله ، ثم قال : لو عرسنا ، فمال إلى شجرة فنزل فقال : انظر هل ترى أحدا؟ قلت : هذا راكب ، هذان راكبان ، حتى بلغ سبعة. فقال : احفظوا علينا صلاتنا ، فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس فانتبهنا فركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسار وسرنا هنيهة ، ثم نزل فقال : أمعكم ماء؟ قال : قلت : نعم معى ميضأة فيها شيء من ماء ، قال : ائت بها ، قال : فأتوته بها فقال : مسوا منها مسوا منها ، فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال : ازدهر بها يا أبا قتادة فإنه

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٧١) (١٠ / ٤٢٥).

(٢) نرزأك : نصيبك.

(٣) ينجفل : يقع.

٦٦

سيكون لها نبأ ، ثم أذن بلال وصلوا الركعتين قبل الفجر ثم صلوا الفجر ، ثم ركب وركبنا فقال بعضهم لبعض : فرطنا فى صلاتنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم ، وإن كان أمر دينكم فإلى ، قلنا : يا رسول الله فرطنا فى صلاتنا ، فقال لا تفريط فى النوم ، إنما التفريط فى اليقظة ، فإذا كان ذلك فصلوها ومن الغد وقتها ، ثم قال : ظنوا بالقوم ، قالوا : إنك قلت بالأمس : إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا ، فالناس بالماء ، قال : فلما أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم ، فقال بعضهم لبعض : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالماء وفى القوم أبو بكر وعمر ، فقالا : أيها الناس إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم ، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا ، قالها ثلاثا ، فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله هلكنا عطشا ، تقطعت الأعناق ، فقال : لا هلك عليكم ، ثم قال : يا أبا قتادة ائت بالميضأة ، فأتيته بها فقال : احلل لى غمرى ـ يعنى قدحه ـ فحللته فأتيته به ، فجعل يصب فيه ويسقى الناس فازدحم الناس عليه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا أيها الناس أحسنوا الملأ فكلكم سيصدر عن ري ، فشرب القوم حتى لم يبق غيرى وغير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصب لى فقال اشرب يا أبا قتادة ، قال : قلت : اشرب أنت يا رسول الله ، قال إن ساقى القوم آخرهم ، فشربت وشرب بعدى وبقى فى الميضأة نحو مما كان فيها ، وهم يومئذ ثلاثمائة ، قال عبد الله : فسمعنى عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث فى المسجد الجامع فقال : من الرجل؟ قلت : أنا عبد الله بن رباح الأنصارى ، قال : القوم أعلم بحديثهم ، انظر كيف تحدث فإنى أحد السبعة تلك الليلة ، فلما فرغت قال : ما كنت أحسب أحدا يحفظ هذا الحديث غيرى (١).

قال حماد بن سلمة وحدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزنى عن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة الموصلى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمثله وزاد قال :

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ٢٩٨).

٦٧

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا عرس (١) وعليه ليل توسد يمينه ، وإذا عرس الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده ، وقد رواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة الحرث ابن ربعى الأنصارى بطوله وأخرج من حديث حماد بن سلمة بسنده الأخير أيضا.

حديث آخر عن أنس يشبه هذا

روى البيهقى من حديث الحافظ أبى يعلى الموصلى : حدثنا شيبان ؛ حدثنا سعيد ابن سليمان الضبعى ، حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جهز جيشا إلى المشركين فيهم أبو بكر فقال لهم : جدوا السير فإن بينكم وبين المشركين ماء إن يسبق المشركون إلى ذلك الماء شق على الناس وعطشتم عطشا شديدا أنتم ودوابكم ، قال : وتخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ثمانية أنا تاسعهم ، وقال لأصحابه : هل لكم أن نعرس قليلا ثم نلحق بالناس؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، فعرسوا فما أيقظهم إلا حر الشمس ، فاستيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستيقظ أصحابه ، فقال لهم : تقدموا واقضوا حاجاتكم ، ففعلوا ثم رجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لهم : هل مع أحد منكم ماء؟ قال رجل منهم : يا رسول الله معى ميضأة فيها شيء من ماء ، قال : فجىء بها فجاء بها فأخذها نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسحها بكفيه ودعا بالبركة فيها وقال لأصحابه : تعالوا فتوضئوا ، فجاءوا وجعل يصب عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى توضئوا كلهم ، فأذن رجل منهم وأقام فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم وقال لصاحب الميضأة ازدهر بميضأتك فسيكون لها شأن ، وركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الناس وقال لأصحابه: ما ترون الناس فعلوا؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم. فقال لهم : فيهم أبو بكر وعمر وسيرشد الناس ، فقدم الناس وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء فشق ذلك على الناس وعطشوا عطشا شديدا ركابهم ودوابهم ، فقال

__________________

(١) عرّس : نزل للاستراحة.

٦٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أين صاحب الميضأة؟ قالوا : هو هذا يا رسول الله ، قال جئنى بميضأتك، فجاء بها وفيها شيء من ماء ، فقال لهم : تعالوا فاشربوا ، فجعل يصب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى شرب الناس كلهم وسقوا دوابهم وركابهم وملئوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة ، ثم نهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المشركين ، فبعث الله ريحا فضرب وجوه المشركين وأنزل الله نصره وأمكن من ديارهم فقتلوا مقتلة عظيمة ، وأسروا أسارى كثيرة ، واستاقوا غنائم كثيرة ، ورجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس وافرين صالحين ، وقد تقدم قريبا عن جابر ما يشبه هذا وهو فى صحيح مسلم ، وقدمنا فى غزوة تبوك ما رواه مسلم من طريق مالك عن أبى الزبير عن أبى الطفيل عن معاذ بن جبل. فذكر حديث جمع الصلاة فى غزوة تبوك إلى أن قال : وقال ـ يعنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى ضحى النهار ، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى ، قال : فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء ، فسألهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا : نعم ، فسبهما وقال لهما : ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع فى شيء ، ثم غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير ، فاستقى الناس ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا ، وذكرنا فى باب الوفود من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن الحارث الصيداني فى قصة وفادته فذكر حديثا طويلا فيه ، ثم قلنا : يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها ، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا ، وكل من حولنا عدو ، فادع الله لنا فى بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق ، فدعا بسبع حصيات ففر كهن بيده ودعا فيهن ثم قال : اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا الله عزوجل ، قال الصيداني : ففعلنا ما قال لنا ، فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر

٦٩

إلى عمرها ـ يعنى البئر.

وأصل هذا الحديث فى المسند (١) وسنن أبى داود والترمذي وابن ماجه وأما الحديث بطوله ففى دلائل النبوة للبيهقى رحمه‌الله.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ١٦٩).

٧٠

وقال البيهقى :

باب

ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته

أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوى ، حدثنا أبو حامد بن الشرقى ، أنا أحمد بن حفص ابن عبد الله ، أنا أبى ، حدثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى ابن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك ، قال : فدللته عليها ، فقال : لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فينزح فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر بذنوب فسقى فإما أن يكون توضأ منه ، وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر به فأعيد فى البئر ، قال : فما نزحت بعد ، قال : فرأيته بال ثم جاء فتوضأ ومسح على جنبه ثم صلى ، وقال أبو بكر البزار : حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين ، حدثنا محمد بن عبد الله بن مثنى عن أبيه عن ثمامة عن أنس قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلنا فسقيناه من بئر لنا فى دارنا كانت تسمى النزور فى الجاهلية فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد ، ثم قال لا نعلم هذا يروى إلا من هذا الوجه.

٧١
٧٢

باب تكثيره عليه‌السلام الأطعمة

تكثيره اللبن فى مواطن أيضا ، قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا عمر ابن ذر عن مجاهد أن أبا هريرة كان يقول : والله إن كنت لأعتمد بكبدى على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطنى من الجوع ، ولقد قدمت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عزوجل ما سألته إلا ليستتبعنى فلم يفعل ، فمر عمر رضى الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعنى فلم يفعل ، فمر أبو القاسم صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرف ما فى وجهى وما فى نفسى فقال : أبا هريرة ، قلت له : لبيك يا رسول الله ، فقال : الحق واستأذنت فأذن لى فوجدت لبنا فى قدح قال : من أين لكم هذا اللبن؟ فقالوا : أهداه لنا فلان أو آل فلان ، قال أبا هر ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : انطلق إلى أهل الصفة فادعهم لى ، قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لم يأووا إلى أهل ولا مال إذا جاءت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هدية أصاب منها وبعث إليهم منها وإذا جاءته الصدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها ـ قال : وأحزننى ذلك وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربه أتقوى بها بقية يومى وليلتى ، وقلت : أنا الرسول ، فإذا جاء القوم كنت أبا الّذي أعطيهم ، وقلت : ما يبقى لى من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد ، فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال : أبا هر خذ فأعطهم ، فأخذت القدح فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى ثم يرد القدح حتى أتيت على آخرهم ، ودفعت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ القدح فوضعه فى يده وبقى فيه فضلة ثم رفع رأسه ونظر إلى وتبسم وقال : أبا هر ، فقلت لبيك رسول الله قال : بقيت أنا وأنت ، فقلت: صدقت يا رسول الله قال : فاقعد فاشرب ، قال : فقعدت فشربت ثم قال لى : اشرب ، فشربت ، فما زال يقول لى :

٧٣

اشرب فأشرب حتى قلت : لا والّذي بعثك بالحق ما أجد له فى مسلكا ، قال : ناولنى القدح ، فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة (١) ، ورواه البخارى عن أبى نعيم وعن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك ، وأخرجه الترمذي عن عباد بن يونس بن بكير ثلاثتهم عن عمر بن ذر وقال الترمذي : صحيح ، وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر بن عباش ، حدثنى عن ذر عن ابن مسعود قال : كنت أرعى غنما لعقبة بن أبى معيط فمر بى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر فقال : يا غلام هل من لبن؟ قال : فقلت : نعم ولكنى مؤتمن. قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه فى إناء فشرب وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : أقلص ، فقلص ، قال : ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمنى من هذا القول ، قال : فمسح رأسى وقال : يا غلام يرحمك الله ، فانك عليم معلم ، ورواه البيهقى من حديث أبى عوانة عن عاصم عن أبى النجود عن ذر عن ابن مسعود ، وقال فيه : فأتيته بعناق جذعة فاعتقلها ثم جعل يمسح ضرعها ويدعو ، وأتاه أبو بكر بجفنة فحلب فيها وسقى أبا بكر ثم شرب ، ثم قال للضرع : اقلص فقلص فقلت : يا رسول الله علمنى من هذا القول ، فمسح رأسى وقال : إنك غلام معلم ، فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر ، وتقدم فى الهجرة حديث أم معبد وحلبه عليه‌السلام شاتها ، وكانت عجفاء لا لبن لها فشرب هو وأصحابه وغادر عندها إناء كبيرا من لبن حتى جاء زوجها ، وتقدم فى ذكر من كان يخدمه من غير مواليه عليه‌السلام المقداد بن الأسود حين شرب اللبن الّذي كان قد جاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قام فى الليل ليذبح له شاة فوجد لبنا كثيرا فحلب ما ملأ منه إناء كبيرا جدا ، الحديث ، وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا زهير عن أبى إسحاق عن ابنه حباب أنها أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشاة فاعتقلها وحلبها ، فقال : ائتنى بأعظم إناء لكم ، فأتيناه بجفنة (٢)

__________________

(١) أحمد في مسنده (٢ / ٥١٥) ، والبخاري في كتاب الرقاق (٦٤٥٢) (١٧ / ٢٤٢).

(٢) جفنة : وعاء القصعة للطعام.

٧٤

العجين ، فحلب فيها حتى ملأها ، ثم قال اشربوا أنتم وجيرانكم.

حديث نافع

وقال البيهقى : أنا أبو الحسين بن بشران ببغداد ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أنا محمد بن الفرج الأزرق ، حدثنا عصمة بن سليمان الخراز ، حدثنا خلف بن خليفة عن أبى هاشم الرمانى عن نافع ـ وكانت له صحبة ـ قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سفر وكنا زهاء أربعمائة فنزلنا فى موضع ليس فيه ماء فشق ذلك على أصحابه وقالوا : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلم ، قال : فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحلبها فشرب حتى روي وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم قال يا نافع املكها الليلة وما أراك تملكها ، قال : فأخذتها فوتدت لها وتدا ثم ربطتها بحبل ثم قمت فى بعض الليل فلم أر الشاة ، ورأيت الحبل مطروحا ، فجئت رسول الله فأخبرته من قبل أن يسألنى وقال يا نافع ذهب بها الّذي جاء بها.

قال البيهقى : ورواه محمد بن سعد عن خلف بن الوليد ـ أبى الوليد الأزدى ـ عن خلف بن خليفة عن أبان ، وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا.

حديث سعد مولى أبى بكر

ثم قال البيهقى : أنا أبو سعيد المالينى ، أنا أبو أحمد بن عدى ، أنا ابن العباس بن محمد بن العباس ، حدثنا أحمد بن سعيد بن أبى مريم ، حدثنا أبو حفص الرياحى ، حدثنا عامر بن أبى عامر الخراز عن أبيه عن الحسن عن سعد ـ يعنى مولى أبى بكر ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : احلب لى العنز ، قال : وعهدى بذلك الموضع لا عنز فيه ، قال : فأتيت فإذا العنز حافل ، قال : فاحتلبتها واحتفظت بالعنز وأوصيت بها قال فاشتغلنا بالرحلة ففقدت فقلت : يا رسول الله قد فقدت العنز ، فقال : إن لها ربا ، وهذا أيضا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا وفى إسناده من لا يعرف حاله ، وسيأتى حديث الغزالة فى قسم ما يتعلق من المعجزات بالحيوانات.

٧٥
٧٦

تكثيره عليه‌السلام السمن لأم سليم

قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا شيبان ، حدثنا محمد بن زيادة البرجى عن أبى طلال عن أنس عن أمه قال : كانت لها شاة فجمعت من سمنها فى عكة (١) فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت : يا ربيبة أبلغى هذه العكة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتدم بها ، فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله : هذه (عكة) سمن بعثت بها إليك أم سليم ، قال : أفرغوا لها عكتها ، ففرغت العكة فدفعت إليها فانطلقت بها وجاءت وأم سليم ليست فى البيت فعلقت العكة على وتد ، فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر ، فقالت أم سليم : يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقى بها إلى رسول الله؟ فقالت : قد فعلت ، فان لم تصدقينى فانطلقى فسلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانطلقت ومعها ربيبة فقالت : يا رسول الله إنى بعثت معها إليك بعكة فيها سمن ، قال : قد فعلت ، قد جاءت ، قالت : والّذي بعثك بالحق ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمنا ، قال : فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه؟ كلى وأطعمى ، قالت : فجئت إلى البيت فقسمت فى قعب لنا وكذا وكذا وتركت فيها ما ائتدمنا به شهرا أو شهرين.

حديث آخر في ذلك

قال البيهقى : أنا الحاكم ، أنا الأصم ، حدثنا عباس الدورى ، حدثنا على بن بحر القطان ، حدثنا خلف ابن خليفة عن أبى هاشم الرمانى عن يوسف بن خالد عن أوس بن خالد عن أم أوس البهزية قالت : سليت سمنا لى فجعلته فى عكة فأهديته لرسول الله فقبله وترك فى العكة قليلا ونفخ فيها ودعا بالبركة ثم قال : ردوا عليها عكتها ، فردوها عليها وهى مملوءة سمنا ، قالت : فظننت

__________________

(١) عكة : إناء من فخار يوضع به السمن.

٧٧

أن رسول الله لم يقبلها فجاءت ولها صراخ ، فقالت : يا رسول الله إنما سليته لك لتأكله ، فعلم أنه قد استجيب له ، فقال : اذهبوا فقولوا لها فلتأكل كل سمنها وتدعوا بالبركة ، فأكلت بقية عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وولاية أبى بكر وولاية عمرو ولاية عثمان حتى كان من أمر على ومعاوية ما كان.

حديث آخر

روى البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس ابن بكير عن عبد الأعلى ابن المسور القرشى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبى هريرة قال : كانت امرأة من دوس يقال لها : أم شريك ، أسلمت فى رمضان ، فذكر الحديث فى هجرتها وصحبة ذلك اليهودى لها ، وأنها عطشت فأبى أن يسقيها حتى تهود ، فنامت فرأت فى النوم من يسقيها فاستيقظت وهى ريّانة ، فلما جاءت رسول الله قصت عليه القصة ، فخطبها إلى نفسها فرأت نفسها أقل من ذلك وقالت : بل زوجنى من شئت ، فزوجها زيدا وأمر لها بثلاثين صاعا ، وقال : كلوا ولا تكيلوا ، وكانت معها عكة سمن هدية لرسول الله ، فامرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله ، ففرغت وأمرها رسول الله إذا ردتها أن تعلقها ولا توكئها ، فدخلت أم شريك فوجدتها ملآى ، فقالت للجارية : ألم آمرك أن تذهبى بها إلى رسول الله؟ فقالت : قد فعلت ، فذكروا ذلك لرسول الله فأمرهم أن لا يوكئوها فلم تزل حتى أوكتها أم شريك ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء.

حديث آخر في ذلك

قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر أن أم مالك البهزية كانت تهدى فى عكة لها سمنا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبينما بنوها يسألونها الإدام وليس عندها شيء فعمدت إلى عكتها التى كانت تهدى فيها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أعصرتيه؟ فقلت : نعم قال : لو تركتيه ما زال ذلك مقيما ثم روى الإمام أحمد بهذا الإسناد عن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أتاه رجل يستطعمه

٧٨

فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته وضيف لهم حتى كالوه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو لم تكيلوه لأكلتم فيه ولقام لكم (١).

وقد روى هذين الحديثين مسلم من وجه آخر عن أبى الزبير عن جابر.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٣٤٠ ـ ٣٤٧).

٧٩
٨٠