معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

فذكره. وقال : اختصرته من حديث طويل. ، وهذا إسناد مظلم ويحيى ابن يزيد وأبوه وشيخه داود بن فراهيج كلهم مضعفون ،. وهذا هو الّذي أشار ابن الجوزى إلى أن ابن مردويه رواه من طريق داود بن فراهيج عن أبى هريرة وضعف داود هذا شعبة والنسائى وغيرهما.

والّذي يظهر أن هذا مفتعل من بعض الرواة ، أو قد دخل على أحدهم وهو لا يشعر (والله أعلم).

[حديث أبي سعيد الخدري]

قال : وأما حديث أبى سعيد فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجانى كتابة أن أبا طاهر محمد بن على الواعظ أخبرهم : أنا محمد بن أحمد بن متيم ، أنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن عمر بن على ابن أبى طالب : (حدثنى أبى عن أبيه محمد عن أبيه عبد الله عن أبيه عمر قال : (قال الحسين ابن على سمعت أبا سعيد الخدرى يقول : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا رأسه فى حجر على وقد غابت الشمس فانتبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : يا على أصليت العصر؟ قال : لا يا رسول الله ما صليت كرهت أن أضع رأسك من حجرى وأنت وجع ، فقال رسول الله : يا على ادع يا على أن ترد عليك الشمس ، فقال على يا رسول الله ادع أنت وأنا أؤمن ، فقال : يا رب إن عليا فى طاعتك وطاعة نبيك فاردد عليه الشمس ، قال أبو سعيد : فو الله لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة حتى رجعت بيضاء نقية ، وهذا إسناد مظلم أيضا ومتنه منكر ، ومخالف لما تقدمه من السياقات ، وكل هذا يدل على أنه موضوع مصنوع مفتعل يسرقه هؤلاء الرافضة بعضهم من بعض ، ولو كان له أصل من رواية أبى سعيد لتلقاه عنه كبار أصحابه كما أخرجا فى الصحيحين من طريقه حديث قتال الخوارج ، وقصة المخدج وغير ذلك من فضائل على.

٤١

[حديث على بن أبى طالب]

قال : وأما حديث امير المؤمنين على فأخبرنا أبو العباس الفرغانى ، أنا أبو الفضل الشيبانى ، حدثنا رجاء بن يحيى السامانى ، حدثنا هارون بن سعدان بسامرا سنة أربعين ومائتين ، حدثنا عبد الله بن عمرو بن الأشعث عن داود بن الكميت عن عمه المستهل بن زيد عن أبيه زيد بن سلهب عن جويرية بنت شهر قال : خرجت مع على بن أبى طالب فقال : يا جويرية إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يوحى إليه ورأسه فى حجرى فذكر الحديث.

وهذا الإسناد مظلم وأكثر رجاله لا يعرفون والّذي يظهر والله أعلم أنه مركب مصنوع مما عملته أيدى الروافض قبحهم الله ولعن من كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعجل له ما توعده الشارع من العذاب والنكال حيث قال وهو الصادق فى المقال : من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. وكيف يدخل فى عقل أحد من أهل العلم أن يكون هذا الحديث يرويه على بن أبى طالب وفيه منقبة عظيمة له ودلالة معجزة باهرة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم لا يروى عنه إلا بهذا الاسناد المظلم المركب على رجال لا يعرفون ، وهل لهم وجود فى الخارج أم لا؟ الظاهر (والله أعلم) لا ، ثم هو عن امرأة مجهولة العين والحال فأين أصحاب على الثقات كعبيدة السلمانى وشريح القاضى وعامر الشعبى وأضرابهم؟ ثم فى ترك الأئمة كمالك وأصحاب الكتب الستة وأصحاب المسانيد والسنن والصحاح والحسان رواية هذا الحديث وإيداعه فى كتبهم أكبر دليل على أنه لا أصل له عندهم وهو مفتعل مأفوك بعدهم ، وهذا أبو عبد الرحمن النسائى قد جمع كتابا فى خصائص على بن أبى طالب ولم يذكره ، وكذلك لم يروه الحاكم فى مستدركه وكلاهما ينسب إلى شيء من التشيع ولا رواه من رواه من الناس المعتبرين إلا على سبيل الاستغراب والتعجب ، وكيف يقع مثل هذا نهارا جهرة وهو مما تتوفر الدواعى على نقله ،

٤٢

ثم لا يروى إلا من طرق ضعيفة منكرة وأكثرها مركبة موضوعة وأجود ما فيها ما قدمناه من طريق أحمد بن صالح المصرى عن ابن أبى فديك عن محمد بن موسى الفطرى عن عون بن محمد عن أمه أم جعفر عن أسماء على ما فيها من التعليل الّذي أشرنا إليه فيما سلف.

[تصحيح أحمد بن صالح للحديث والرد عليه]

وقد اغتر بذلك أحمد بن صالح رحمه‌الله ومال إلى صحته ، ورجح ثبوته ، قال الطحاوى فى كتابه مشكل الحديث : عن على بن عبد الرحمن عن أحمد بن صالح المصرى أنه كان يقول : لا ينبغى لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء فى رد الشمس ؛ لأنه من علامات النبوة. وهكذا مال إليه أبو جعفر الطحاوى أيضا فيما قيل.

ونقل أبو القاسم الحسكانى هذا عن أبى عبد الله البصرى المتكلم المعتزلى أنه قال : عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا فيما يقتضي نقله ، لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين فانه من أعلام النبوة وهو مقارن لغيره فى فضائله فى كثير من أعلام النبوة.

وحاصل هذا الكلام يقتضي أنه كان ينبغى أن ينقل هذا نقلا متواترا ، وهذا حق لو كان الحديث صحيحا ، ولكنه لم ينقل كذلك فدل على أنه ليس بصحيح فى نفس الأمر والله أعلم.

[اعتراض ابن كثير على تصحيح أحمد بن صالح]

قلت : والأئمة فى كل عصر ينكرون صحة هذا الحديث ويردونه ويبالغون فى التشنيع على رواته كما قدمنا عن غير واحد من الحفاظ ، كمحمد ويعلى بن عبيد الطنافسيين ، وكإبراهيم بن يعقوب الجوزجانى خطيب دمشق وكأبي بكر محمد بن حاتم البخارى المعروف بابن زنجويه ، وكالحافظ أبى القاسم بن عساكر والشيخ أبى الفرج ابن الجوزى وغيرهم من المتقدمين

٤٣

والمتأخرين.

وممن صرح بأنه موضوع شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزى والعلامة أبو العباس بن تيمية ، وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابورى : قرأت على قاضى القضاة أبى الحسن محمد بن صالح الهاشمى : حدثنا عبد الله بن الحسين بن موسى ، حدثنا عبد الله بن على (بن) المدينى قال : سمعت أبى يقول : خمسة أحاديث يروونها ولا أصل لها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث : لو صدق السائل ما أفلح من رده ، وحديث لا وجع إلا وجع العين ولا غم ، إلا غم الدين ، وحديث أن الشمس ردت على على بن أبى طالب ، وحديث أنا أكرم على الله من أن يدعنى تحت الأرض مائتى عام ، وحديث أفطر الحاجم والمحجوم إنهما كانا يغتابان.

والطحاوى رحمه‌الله وإن كان قد اشتبه عليه أمره فقد روى عن أبى حنيفة رحمه‌الله إنكاره والتهكم بمن رواه ، قال أبو العباس بن عقدة : حدثنا جعفر ابن محمد بن عمير ، حدثنا سليمان بن عباد سمعت بشار ابن دراع قال : لقى أبو حنيفة محمد بن النعمان فقال : عمن رويت حديث رد الشمس؟ فقال : عن غير الّذي رويت عنه : يا سارية الجبل ، فهذا أبو حنيفة رحمه‌الله وهو من الأئمة المعتبرين وهو كوفى لا يتّهم على حب على بن أبى طالب وتفضيله بما فضله الله به ورسوله وهو مع هذا ينكر على رواية وقول محمد بن النعمان له ليس بجواب بل مجرد معارضة بما لا يجدى ، أى أنا رويت فى فضل على هذا الحديث وهو وإن كان مستغربا فهو فى الغرابة نظير ما رويته أنت فى فضل عمر ابن الخطاب فى قوله : يا سارية الجبل.

وهذا ليس بصحيح من محمد بن النعمان ، فان هذا ليس كذا إسنادا ولا متنا ، وأين مكاشفة إمام (قد شهد الشارع له بأنه محدّث) بأمر خير من رد الشمس طالعة بعد مغيبها الّذي هو أكبر علامات الساعة؟.

٤٤

والّذي وقع ليوشع بن نون ليس ردا للشمس عليه. بل حبست ساعة قبل غروبها بمعنى تباطأت فى سيرها حتى أمكنهم الفتح والله تعالى أعلم.

وتقم ما أورده هذا المصرى من طرق هذا الحديث عن على وأبى هريرة وأبى سعيد وأسماء بنت عميس ، وقد وقع فى كتاب أبى بشر الدولابى فى الذرية الطاهرة من حديث الحسين ابن على ، والظاهر أنه عنه عن أبى سعيد الخدرى كما تقدم والله أعلم.

وقد قال شيخ الرافضة جمال الدين يوسف بن الحسن الملقب بابن المطهر الحلى فى كتابه فى الإمامة الّذي رد عليه فيه شيخنا (العلامة) أبو العباس ابن تيمية قال ابن المطهر : التاسع رجوع الشمس مرتين إحداهما فى زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والثانية بعده ، أما الأولى فروى جابر وأبو سعيد : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل عليه جبريل يوما يناجيه من عنده الله ، فلما تغشاه الوحى توسد فخذ أمير المؤمنين فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس ، فصلى عليّ العصر بالإيماء فلما استيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : سل الله أن يرد عليك الشمس فتصلى قائما. فدعا فردت الشمس فصلى العصر قائما. وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من الصحابة بدوابهم وصلى لنفسه فى طائفة من أصحابه العصر وفات كثيرا منهم فتكلموا فى ذلك فسأل الله رد الشمس فردت قال وقد نظمه الحميرى فقال :

ردّت عليه الشمس لماّ فاته

وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

حتى تبلّج نورها فى وقتها

للعصر ثمّ هوت هوىّ الكوكب

وعليه قد ردّت ببابل مرّة

أخرى وما ردت لخلق مقرب

قال شيخنا أبو العباس (ابن تيمية) رحمه‌الله : فضل على وولايته وعلو منزلته عن الله معلوم ولله الحمد بطرق ثابتة أفادتنا العلم اليقينى لا يحتاج معها إلى ما لا يعلم صدقه أو يعلم أنه كذب ، وحديث رد الشمس قد ذكره

٤٥

طائفة كأبي جعفر الطحاوى والقاضى عياض وغيرهما وعدوا ذلك من معجزات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لكن المحققين من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع ، ثم أورد طرقه واحدة (واحدة) كما قدمنا وناقش أبا القاسم الحسكانى فيما تقدم ، وقد أوردنا كل ذلك وزدنا عليه ونقصنا منه والله الموفق ، واعتذر عن أحمد بن صالح المصرى فى تصحيحه (هذا الحديث) بأنه اغتر بسنده ، وعن الطحاوى بأنه لم يكن عنده نقل جيد للأسانيد كجهابذة الحفاظ ، وقال فى عيوب كلامه : والّذي يقطع به أنه كذب مفتعل.

قلت : وإيراد ابن المطهر لهذا الحديث من طريق جابر غريب ولكن لم يسنده وفى سياقه ما يقتضي أن عليا (هو الّذي) دعا برد الشمس فى الأولى والثانية ، وأما إيراده لقصة بابل فليس لها إسناد وأظنه (والله أعلم) من وضع الزنادقة من الشيعة ونحوهم ؛ فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه يوم الخندق قد غربت عليهم الشمس ولم يكونوا صلوا العصر بل قاموا إلى بطحان وهو واد هناك فتوضئوا وصلوا العصر بعد ما غربت الشمس ، وكان على أيضا فيهم ولم ترد لهم. وكذلك كثير من الصحابة الذين ساروا إلى بنى قريظة فاتتهم العصر يومئذ حتى غربت الشمس ولم ترد لهم ، وكذلك لما نام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس صلوها بعد ارتفاع النهار ولم يرد لهم الليل ، فما كان الله عزوجل ليعطى عليا وأصحابه شيئا من الفضائل لم يعطها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه. وأما نظم الحميرى فليس (فيه) حجة بل هو كهذيان ابن المطهر هذا لا يعلم ما يقول من النثر وهذا لا يدرى صحة ما ينظم بل كلاهما كما قال الشاعر :

إن كنت أدرى فعلىّ بدنهمن

كثرة التخليط أنى من أنه

والمشهور عن على فى أرض بابل ما رواه أبو داود رحمه‌الله فى سننه عن على أنه مر بأرض بابل وقد حانت صلاة العصر فلم يصل حتى جاوزها ،

٤٦

وقال : نهانى خليلى ص أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة ، وقد قال أبو محمد بن حزم فى كتابه الملل والنخل مبطلا لرد الشمس على علي بعد كلام ذكره رادا على من ادعى باطلا من الأمر فقال ولا فرق بين من ادعى شيئا مما ذكرنا لفاضل وبين دعوى الرافضة رد الشمس على على بن أبى طالب مرتين حتى ادعى بعضهم أن حبيب بن أوس قال :

فردّت علينا الشمس والليل راغم

بشمس لهمّ من جانب الخدر تطلع

نضا (١) ضوءها صبغ الدجنّة (٢) وانطوى

لبهجتها نور السماء المرجّع

فو الله ما أدرى عليّ بدا لنا فردّت

له أم كان فى القوم يوشع

هكذا أورده ابن حزم فى كتابه ، وهذا الشعر تظهر عليه الركة والتركيب وأنه مصنوع والله أعلم.

[من دلائل النبوة]

ومما يتعلق بالآيات السماوية فى باب دلائل النبوة ، استسقاؤه عليه‌السلام ربه (عزوجل) لأمته حين تأخر المطر فأجابه إلى سؤاله سريعا بحيث لم ينزل عن منبره إلا والمطر يتحادر على لحيته عليه‌السلام وكذلك استصحاؤه ، قال البخارى : حدثنا عمرو بن على ، حدثنا أبو قتيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه قال : سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبى طالب :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال (٣) اليتامى عصمة للأّرامل

قال البخارى : وقال أبو عقيل الثقفى عن عمرو بن حمزة : حدثنا سالم عن أبيه ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستسقى ،

__________________

(١) نضا ضوؤها : أزال الظلمة.

(٢) الدجنة : الظلمة.

(٣) الثمال : الذي يقوم بأمر قومه وتدبير شئونهم.

٤٧

فما ينزل حتى يجيش (١) كل ميزاب.

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأّرامل

وهو قول أبى طالب ، تفرد به البخارى وهذا الّذي علقه قد أسنده ابن ماجه فى سننه فرواه عن أحمد بن الأزهر عن أبى النضر عن أبى عقيل عن عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه.

وقال البخارى : حدثنا محمد ـ هو ابن سلام ـ حدثنا أبو ضمرة ، حدثنا شريك ابن عبد الله بن أبى نمر أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم يخطب ، فاستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائما. فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل ، فادع الله لنا يغيثنا ، قال : فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه فقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، (اللهم اسقنا) قال أنس : ولا (والله) ما نرى فى السماء من سحاب ولا قزعة (٢) ولا شيئا ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، قال : فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، قال : والله ما رأينا الشمس ستا ، ثم دخل رجل من ذلك الباب فى الجمعة المقبلة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم يخطب ، فاستقبله قائما ، وقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ، ادع الله ينسمها ، قال : فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه ثم قال : اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال (والظراب (٣)) ومنابت الشجر ، قال : فانقطعت وخرجنا نمشى فى الشمس ، قال شريك : فسألت أنسا أهو الرجل الّذي سأل أولا؟ قال : لا أدرى (٤).

__________________

(١) يجيش : يتدفق الماء.

(٢) قزعة : سحاب متفرق.

(٣) الظراب : التلة والجبل المنبسط.

(٤) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (١٠١٣) (١٣ / ٥٣٠).

٤٨

وهكذا رواه البخارى أيضا ومسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن شريك به.

وقال البخارى : حدثنا مسدد ، حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة عن أنس قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم جمعة إذ جاء رجل فقال : يا رسول الله قحط المطر ، فادع الله أن يسقينا ، فدعا فمطرنا فما كدنا أن نصل إلى منازلنا فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة ، قال : فقام ذلك الرجل أو غيره ، فقال : يا رسول الله ادع الله أن يصرفه عنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم حوالينا ولا علينا ، قال : فلقد رأيت السحاب يتقطع يمينا وشمالا يمطرون ولا يمطر (أهل) المدينة (١) ، تفرد به البخارى من هذا الوجه.

[حديث أنس]

وقال البخارى : حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن شريك بن عبد الله ابن أبى نمر عن أنس قال : جاء رجل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هلكت المواشى وتقطعت السبل ، فادع الله ، فدعا فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة ثم جاء فقال : تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشى (فادع الله أن يمسكها) فقال : اللهم ، على الآكام والظراب والأدوية ومنابت الشجر ، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب (٢).

وقال البخارى : حدثنا محمد بن مقاتل ، حدثنا عبد الله حدثنا الأوزاعى ، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة الأنصارى ، حدثنى أنس بن مالك قال : أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة ، فقام أعرابى فقال : يا رسول الله هلك المال ، وجاع العيال ، فادع الله أن يسقينا ، قال : فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه وما (رأينا) فى السماء قزعة فو الّذي نفسى بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال ثم

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (١٠١٦) (٣ / ٥٤١).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (١٠٣٣) (٣ / ٥٥٨).

٤٩

لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته قال : فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والّذي يليه إلى الجمعة الأخرى ، فقام ذلك الأعرابى أو قال غيره ، فقال : يا رسول الله تهدم البناء ، وغرق المال فادع الله لنا ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه فقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، قال : فما جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة فى مثل الجوبة وسال الوادى قناة شهرا ، ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود ، ورواه البخارى أيضا فى الجمعة ومسلم من حديث الوليد عن الأوزاعى.

وقال البخارى : وقال أيوب ابن سليمان : حدثنى أبو بكر بن أبى أويس عن سليمان بن بلال قال : قال يحيى بن سعيد : سمعت أنس بن مالك قال : أتى (رجل) أعرابى من أهل البدو إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الجمعة فقال : يا رسول الله هلكت الماشية ، هلك العيال ، هلك الناس ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعون قال : فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى ، فأتى الرجل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله يشق المسافر ومنع الطريق.

قال البخارى : وقال الأويسى ـ يعنى عبد الله ـ : حدثنى محمد بن جعفر ـ هو ابن كثير ـ عن يحيي ابن سعيد وشريك ، سمعا أنسا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه (١). هكذا علق هذين الحديثين ولم يسندهما أحد من أصحاب الكتب الستة بالكلية.

وقال البخارى : حدثنا محمد بن أبى بكر قال : حدثنا معتمر عن عبيد الله عن ثابت عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم جمعة فقام الناس فصلوا فقالوا : يا رسول الله قحط المطر ، واحمرت الشجر ، وهلكت البهائم فادع الله أن يسقينا ، فقال : اللهم اسقنا مرتين ، وأيم الله ما نرى فى

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (١٠٢٩ ، ١٠٣٠) (٣ / ٥٥٣).

٥٠

السماء قزعة من سحاب ، فنشأت سحابة وأمطرت ونزل عن المنبر فصلى فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التى تليها ، فلما قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب صاحوا إليه : تهدمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله يحبسها عنا ، قال : فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : اللهم حوالينا ولا علينا ، فتكشطت (١) المدينة فجعلت تمطر حولها ولا تمطر بالمدينة قطرة ، فنظرت إلى المدينة وإنها لفى مثل الإكليل (٢) ، وقد رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان عن عبيد الله ، وهو ابن عمر العمري ، وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد قال : سئل أنس هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرفع يديه؟ فقال : قيل له يوم جمعة : يا رسول الله قحط المطر. وأجدبت الأرض ، وهلك المال ، قال : فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه فاستسقى ، ولقد رفع يديه فاستسقى ولقد رفع يديه وما نرى فى السماء سحابة فما قضينا الصلاة حتى أن الشاب قريب الدار ليهمه الرجوع إلى أهله ، قال : فلما كانت الجمعة التى تليها قالوا : يا رسول الله تهدمت البيوت واحتبست الركبان ، فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سرعة ملالة ابن آدم وقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، قال : فتكشطت عن المدينة(٣).

وهذا إسناد ثلاثى على شرط الشيخين ولم يخرجوه.

وقال البخارى وأبو داود واللفظ له : حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس ابن مالك وعن يونس بن عبيد عن ثابت عن أنس رضى الله عنه قال : أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبينا هو يخطب يوم جمعة إذ قام رجل فقال : يا رسول الله هلكت الكراع ، هلكت الشاء ، فادع الله يسقينا ، فمد يده ودعا. قال أنس : وإن السماء

__________________

(١) تكشطت : ارتفع الغيم عنها وانكشفت.

(٢) البخاري في كتاب الاستسقاء (١٠٢١) (٣ / ٥٤٧).

(٣) أحمد في مسنده (٣ / ١٠٤ ، ١٨٨).

٥١

لمثل الزجاجة ، فهاجت الريح أنشأت سحابا ، ثم اجتمع ، ثم أرسلت السماء عزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم يزل تمطر إلى الجمعة الأخرى ، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال : يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله يحبسه ، فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : حوالينا ولا علينا ، فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل ، فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك لأنها تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن ، وقال البيهقى بإسناده من غير وجه إلى أبى معمر سعيد بن أبى خيثم الهلالى عن مسلم الملائى عن أنس بن مالك قال: جاء أعرابى فقال : يا رسول الله والله لقد أتيناك ، وما لنا بعير يبسط ولا صبى يصطبح وأنشد :

أتيناك والعذراء يدمى لبانها (١)

وقد شغلت أمّ الصبى عن الطّفل

وألقى بكفّيه الفتى لاستكانة

من الجوع ضعفا قائما وهو لا يخلى

ولا شيء ممّا يأكل النّاس عندنا

سوى الحنظل العامىّ والعلهز (٢) الفسل (٣)

وليس لنا إلّا إليك فرارنا

وأين فرار الناس إلا إلى الرّسل

قال : فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم رفع يديه نحو السماء وقال : اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا سريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائث ، نافعا غير ضار تملأ به الضرع ، وتنبت به الزرع ، ويحيى به الأرض (بعد موتها) وكذلك تخرجون. قال : فو الله ما رد يده إلى نحره حتى ألقت السماء بأوراقها ، وجاء أهل البطانة يصيحون : يا رسول الله الغرق الغرق ، فرفع يديه إلى السماء وقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل فضحك رسول

__________________

(١) لبانها : صدرها.

(٢) العلهز : نبات.

(٣) الفسل : الرديء.

٥٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال : لله در أبى طالب لو كان حيا قرت عيناه من ينشد قوله؟ فقام على بن أبى طالب فقال : يا رسول الله كأنك أردت قوله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجه

هثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلّاك من آل هاشم

فهم عنده فى نعمة وفواضل

كذبتم وبيت الله يبزى (١) محمد

ولما نقاتل دونه ونناضل

ونسلمه حتّى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

قال : وقام رجل من بنى كنانة فقال :

لك الحمد والحمد ممن شكر

سقينا بوجه النّبي المطر

دعا الله خالقه دعوة

إليه وأشخص منه البصر

فلم يك إلّا كلفّ الرداء

وأسرع حتى رأينا الدّرر (٢)

رقاق العوالى عمّ البقاع

أغاث به الله عينا مضر

وكان كما قاله عمه

أبو طالب أبيض ذو غرر

به الله يسقى بصوب الغمام

وهذا العيان كذاك الخبر

فمن يشكر الله يلقى المزيد

ومن يكفر الله يلقى الغير

قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن يك شاعر يحسن فقد أحسنت ، وهذا السياق فيه غرابة ولا يشبه ما قدمنا من الروايات الصحيحة المتواترة عن أنس فإن كان هذا هكذا محفوظا فهو قصة أخرى غير ما تقدم والله أعلم.

__________________

(١) يبزي : يترك دون نصرة.

(٢) الدرر : المطر المتساقط ، والدر : الحلب.

٥٣

وقال الحافظ البيهقى : أنا أبو بكر بن الحارث الأصبهانى ، حدثنا أبو محمد ابن حبان ، حدثنا عبد الله بن مصعب ، حدثنا عبد الجبار ، حدثنا مروان ابن معاوية ، حدثنا محمد بن أبى ذئب المدنى عن عبد الله بن محمد بن عمر بن حاطب الجمحي عن أبى وجرة يزيد بن عبيد السلمى قال : لما قفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بنى فزارة فيهم بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن الحصين ، والحر بن قيس ـ وهو أصغرهم ـ ابن أخى عيينة بن حصن ، فنزلوا فى دار رملة بنت الحارث من الأنصار ، وقدموا على إبل ضعاف عجاف وهم مسنتون ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقرين بالإسلام ، فسألهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن بلادهم قالوا : يا رسول بالله ، أسنتت بلادنا ، وأجدبت أحياؤنا ، وعريت عيالنا ، وهلكت مواشينا ، فادع ربك أن يغيثنا ، وتشفع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سبحان الله ، ويلك هذا ما شفعت إلى ربى ، فمن ذا الّذي يشفع ربنا إليه؟ لا إله إلا الله وسع كرسيه السموات والأرض وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الجديد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله يضحك من شفقتكم وأزلكم وقرب غياثكم ، فقال الأعرابى : ويضحك ربنا يا رسول الله؟ قال : نعم ، فقال الأعرابى : لن نعدم يا رسول الله من رب يضحك خيرا ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قوله ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصعد المنبر وتكلم بكلام ورفع يديه ـ وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يرفع يديه فى شيء من الدعاء إلا فى الاستسقاء ـ ورفع يديه حتى رئى بياض إبطيه ، وكان مما حفظ من دعائه : الله اسق بلدك وبهائمك ، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار. اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق ، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء ، فقام أبو لبابة بن عبد المنذر فقال : يا رسول الله إن التمر فى المرابد (١) ، فقال رسول الله : اللهم اسقنا ، فقال أبو لبابة التمر فى المرابد ، ثلاث مرات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم

__________________

(١) المرابد : جمع مربد وهو ما يبسط فيه التمر ويجفف.

٥٤

اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب (١) مربده بإزاره ، قال : فلا والله ما فى السماء من قزعة ولا سحاب وما بين المسجد وسلع من بناء ولا دار ، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت ، فو الله ما رأوا الشمس ستا. وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بازاره لئلا يخرج التمر منه ، فقال رجل: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل ، فصعد النبي ص المنبر فدعا ورفع يديه حتى رئى بياض إبطيه ، ثم قال : اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ، ومنابت الشجر ، فانجابت السحابة عن المدينة كانجياب الثوب ، وهذا السياق يشبه سياق مسلم الملائى عن أنس ، ولبعضه شاهد فى سنن أبى داود ، وفى حديث أبى رزين العقيلى شاهد لبعضه والله أعلم ، وقال الحافظ أبو بكر البيهقى فى الدلائل : أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن على بن المؤمل ، أنا أبو أحمد محمد ابن محمد الحافظ ، أنا عبد الرحمن بن أبى حاتم ، حدثنا محمد بن حماد الظهرانى ، أنا سهل بن عبد الرحمن المعروف بالسدى بن عبدويه عن عبد الله بن عبد الله ابن أبى أويس المدنى عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصارى قال : استسقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم جمعة وقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، فقام أبو لبابة فقال : يا رسول الله إن التمر فى المرابد ، وما فى السماء من سحاب نراه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم اسقنا ، فقام أبو لبابة فقال يا رسول الله إن التمر فى المرابد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم اسقنا ، حتى يقوم أبو لبابة يسد ثعلب مربده بازاره ، فاستهلت السماء ومطرت وصلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتى (القوم) أبا لبابة يقولون له : يا أبا لبابة إن السماء والله لن تقلع حتى تقوم عريانا فتسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره فأقلعت السماء ، وهذا إسناد حسن ولم يروه أحمد ولا أهل الكتب والله أعلم ، وقد وقع مثل هذا الاستسقاء فى

__________________

(١) الثعلب : مخرج الماء من الحوض

٥٥

غزوة تبوك فى أثناء الطريق كما قال عبد الله بن وهب : أخبرنى عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبى هلال عن عتبة ابن أبى عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب : حدثنا عن شأن ساعة العسرة ، فقال عمر : خرجنا إلى تبوك فى قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ، حتى أن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرجل فلا يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقى على كبده ، فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله إن الله قد عودك فى الدعاء خيرا ، فادع الله لنا ، فقال : أو تحب ذلك؟ قال : نعم ، قال : فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملئوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر ، وهذا إسناد جيد قوى ولم يخرجوه ، وقد قال الواقدى كان مع المسلمين فى هذه الغزوة اثنا عشر ألف بعير ومثلها من الخيل ، وكانوا ثلاثين ألفا من المقاتلة، قال : ونزل من المطر ماء أغدق الأرض حتى صارت الغدران تسكب بعضها فى بعض وذلك فى حمأة القيظ أى شدة الحر البليغ ، فصلوات الله وسلامه عليه ، وكم له عليه‌السلام من مثل هذا فى غير ما حديث صحيح ولله الحمد ، وقد تقدم أنه لما دعا على قريش حين استعصت أن يسلط الله عليها سبعا كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا العظام والكلاب والعلهز ، ثم أتى أبو سفيان يشفع عنده فى أن يدعو الله لهم ، فدعا لهم فرفع ذلك عنهم ، وقد قال البخارى : حدثنا الحسن بن محمد ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصارى ، حدثنا أبى عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس ابن مالك أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك نعم نبينا فاسقنا ، قال فيسقون (١) ، تفرد به البخارى.

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء (١٠١٠) (٣ / ٥٢٤).

٥٦

فصل

واما المعجزات الأرضية

فمنها ما هو متعلق بالجمادات

ومنها ما هو متعلق بالحيوانات

[نبع الماء من بين أصابعه]

فمن المتعلق بالجمادات تكثيره الماء فى غير ما موطن على صفات متنوعة سنوردها بأسانيدها إن شاء الله ، وبدأنا بذلك لأنه أنسب باتباع ما أسلفنا ذكره من استسقائه وإجابة الله له :

قال البخارى : حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده فى ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضئوا من فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم (١) ، وقد رواه مسلم والترمذي والنسائى من طرق عن مالك به وقال الترمذي : حسن صحيح.

طريق أخرى عن أنس

قال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا حزم ، سمعت الحسن

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٧٣) (١٠ / ٤٣٠).

٥٧

يقول : حدثنا أنس ابن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج ذات يوم لبعض مخارجه معه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة فلم يجد القوم ما يتوضئون به فقالوا : يا رسول الله ما نجد ما نتوضأ به ، ورأى فى وجوه أصحابه كراهية ذلك ، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير ، فأخذ نبى الله فتوضأ منه ، ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم قال : هلموا فتوضئوا ، فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء ، قال الحسن : سئل أنس كم بلغوا؟ قال : سبعين أو ثمانين (١) ، وهكذا رواه البخارى عن عبد الرحمن بن المبارك العنسى عن حزم بن مهران القطيعى به.

طريق أخرى عن أنس

قال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبى عدى عن حميد ويزيد قال : أنا حميد المعنى عن أنس ابن مالك قال : نودى بالصلاة فقام كل قريب الدار من المسجد وبقى من كان أهله نائى الدار فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمخضب من حجارة فصغر أن يبسط كفه فيه قال فضم أصابعه قال فتوضأ بقيتهم ، قال حميد : وسئل أنس : كم كانوا؟ قال : ثمانين أو زيادة ، وقد روى البخارى عن عبد الله بن منير عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس بن مالك قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار من المسجد يتوضأ وبقى قوم فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء فوضع كفه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فضم أصابعه فوضعها فى المخضب فتوضأ القوم كلهم جميعا قلت : كم كانوا؟ قال : كانوا ثمانين رجلا (٢).

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٧٥) (١٠ / ٤٣١).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٧٢) (١٠ / ٤٢٧).

٥٨

طريق أخرى عنه

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا سعيد إملاء عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بالزوراء فأتى بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه أن يتوضئوا فوضع كفه فى الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم ، قال : فقلت لأنس : كم كنتم؟ قال : كنا ثلاثمائة ، وهكذا رواه البخارى عن بندار بن أبى عدى ومسلم عن أبى موسى عن غندر كلاهما عن سعيد بن أبى عروبة ، وبعضهم يقول عن شعبة ، والصحيح سعيد عن قتادة عن أنس قال : أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإناء وهو فى الزوراء فوضع يده فى الاناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم ، قال قتادة فقلت لأنس : كم كنتم؟ قال ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة لفظ البخارى.

حديث البراء بن عازب في ذلك

قال البخارى : حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن البراء بن عازب قال : كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائه ، والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة ، فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومج فى البئر فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وروت أو صدرت ركابنا (١) ، تفرد به البخارى إسنادا ومتنا.

حديث آخر عن البراء بن عازب

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان وهاشم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ،

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (٤١٥٠) (١٢ / ٥٧).

٥٩

حدثنا حميد بن هلال ، حدثنا يونس ـ هو ابن عبيدة مولى محمد بن القاسم ـ عن البراء قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سفر فأتينا على ركي ذمة يعنى قليلة الماء قال : فنزل فيها ستة أناس أنا سادسهم ماحة فأدليت إلينا دلو قال : ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على شفتى الركى فجعلنا فيها نصفها أو قراب ثلثيها فرفعت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال البراء : فكدت بإنائى هل أجد شيئا أجعله فى حلقى؟ فما وجدت فرفعت الدلو إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فغمس يده فيها فقال ما شاء الله أن يقول ، وأعيدت إلينا الدلو بما فيها ، قال : فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق قال : ثم ساحت ـ يعنى جرت نهرا ـ تفرد به الإمام أحمد ، وإسناده جيد قوى ، والظاهر أنها قصة أخرى غير يوم الحديبية والله أعلم.

حديث آخر عن جابر فى ذلك

قال الإمام أحمد : حدثنا سنان بن حاتم ، حدثنا جعفر ـ يعنى ابن سليمان ـ حدثنا الجعد أبو عثمان ، حدثنا أنس بن مالك عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال : اشتكى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه العطش قال فدعا بعس فصب فيه شيء من الماء ووضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه يده وقال : استقوا ، فاستقى الناس قال : فكنت أرى العيون تنبع من بين أصابع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تفرد به أحمد من هذا الوجه.

٦٠