معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

السيرة وغيره ، وكذلك بسطناه ثم ولله الحمد والمنة ، وقد دخل بعض ولده وهو عاصم بن عمر ابن قتادة على عمر بن عبد العزيز فسأل عنه فأنشأ يقول :

أنا ابن الّذي سالت على الخد عينه

فردت بكف المصطفى أحسن الرد

فعادت كما كانت لأول أمرها

فيا حسن ما عين ويا حسن ما خد

فقال عمر بن عبد العزيز

تلك المكارم لا قعبان (١) من لبن

شيبا (٢) بماء فعادا بعد أبوالا

ثم أجازه فأحسن جائزته.

وقد روى الدارقطنى أن عينيه أصيبتا معا حتى سالتا على خديه ، فردها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكانهما. والمشهور الأول كما ذكر ابن إسحاق.

__________________

(١) القعبان : جمع قعب وهو القدح الكبير الغليظ.

(٢) شيبا : مزجا.

٤٦١
٤٦٢

قصة الاعمى الذي رد الله عليه بصره بدعاء الرسول

قال الإمام أحمد : حدثنا روح وعثمان بن عمر قالا : حدثنا شعبة عن أبى جعفر المدينى سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ادع الله لى أن يعافينى ، فقال : إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك ، وإن شئت دعوت : قال : بل ادع الله لى ، قال : فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتوضأ ويصلى ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء : اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة ، إنى أتوجه به فى حاجتى هذه فتقضى.

وقال فى رواية عثمان بن عمر : فشفعه فى ، قال : ففعل الرجل فبرأ ، ورواه الترمذي وقال : حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبى جعفر الخطمى. وقد رواه البيهقى عن الحاكم بسنده إلى أبى جعفر الخطمى عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف فذكره نحوه ، قال عثمان : فو الله ما تفرقنا ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأن لم يكن به ضر قط (١).

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ١٣٨).

٤٦٣
٤٦٤

قصة أخرى

[في شفاء رجل من العمى]

قال أبو بكر بن أبى شيبة : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا عبد العزيز بن عمر ، حدثنى رجل من بنى سلامان بن سعد عن أمه عن خاله ، أو أن خاله أو خالها حبيب بن قريط حدثها أن أباه خرج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا ، فقال له : ما أصابك؟ قال : كنت (١) حملا لى فوقعت رجلى على بيض حية فأصيب بصرى ، فنفث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى عينيه فأبصر ، فرأيته وإنه ليدخل الخيط فى الإبرة ، وإنه لابن ثمانين سنة ، وإن عينيه لمبيضتان. قال البيهقى : وغيره يقول حبيب بن مدرك.

وثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفث فى عينى على يوم خيبر وهو أرمد فبرأ من ساعته ، ثم لم يرمد بعدها أبدا ، ومسح رجل جابر بن عتيك وقد انكسرت رجله ليلة قتل أبا رافع ـ تاجر أهل الحجاز الخيبرى ـ فبرأ من ساعته أيضا.

وروى البيهقى أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح يد محمد بن حاطب وكانت قد احترقت بالنار فبرأ من ساعته ، ومسح رجل سلمة بن الأكوع وقد أصيبت يوم خيبر فبرأت من ساعتها ، ودعا لسعد بن أبى وقاص أن يشفى من مرضه ذلك فشفى ، وروى البيهقى أن عمه أبا طالب مرض فسأل منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدعو له ربه فدعا له فشفى من مرضه ذلك وكم له من مثلها وعلى مسلكها ، من إبراء آلام ، وإزالة أسقام ، مما يطول شرحه وبسطه.

وقد وقع فى كرامات الأولياء إبراء الأعمى بعد الدعاء عليه بالعمى

__________________

(١) بياض في الأصل.

٤٦٥

أيضا ، كما رواه الحافظ ابن عساكر من طريق أبى سعيد بن الأعرابى عن أبى داود : حدثنا عمر بن عثمان ، حدثنا بقية عن محمد بن زياد عن أبى مسلم أن امرأة خبثت عليه امرأته ، فدعا عليها فذهب بصرها فأتته فقالت : يا أبا مسلم ، إنى كنت فعلت وفعلت ، وإنى لا أعود لمثلها ، فقال : اللهم إن كانت صادقة فاردد عليها بصرها ، فأبصرت.

ورواه أيضا من طريق أبى بكر بن أبى الدنيا : حدثنا عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا ضمرة حدثنا عاصم ، حدثنا عثمان بن عطاء قال : كان أبو مسلم الخولانى إذا دخل منزله .. فإذا بلغ وسط الدار كبر وكبرت امرأته فإذا دخل البيت كبر وكبرت امرأته فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه بطعام يأكل ، فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه ، ثم جاء إلى باب البيت فكبر وسلم فلم تجبه ، وإذا البيت ليس فيه سراج ، وإذا هى جالسة بيدها عود تنكت فى الأرض به ، فقال لها : ما لك؟ فقالت الناس بخير ، وأتت لو أتيت معاوية فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئا تعيش به ، فقال : اللهم من أفسد على أهلى فأعم بصره ، قال : وكانت أتتها امرأة فقالت لامرأة أبى مسلم : لو كلمت زوجك ليكلم معاوية فيخدمكم ويعطيكم؟ قال : فبينما هذه المرأة فى منزلها والسراج مزهر ، إذ أنكرت بصرها ، فقالت : سراجكم طفئ؟ قالوا : لا ، قالت : إن الله أذهب بصرى ، فأقبلت كما هى إلى أبى مسلم فلم يزل تناشده وتتلطف إليه ، فدعا الله فرد بصرها ، ورجعت امرأته على حالها التى كانت عليها.

٤٦٦

مائدة عيسى وما يناسبها من معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وأما قصة المائدة التى قال الله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥)) (١).

وقد ذكرنا فى التفسير بسط ذلك واختلاف المفسرين فيها هل نزلت أم لا على قولين ، والمشهور عن الجمهور أنها نزلت ، واختلفوا فيما كان عليها من الطعام على أقوال.

وذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير ، الّذي فتح البلاد المغربية أيام بنى أمية وجد المائدة ، ولكن قيل : إنها مائدة سليمان بن داود مرصعة بالجواهر وهى من ذهب فأرسل به إلى الوليد بن عبد الملك فكانت عنده حتى مات ، فتسلمها أخوه سليمان ، وقيل : إنها مائدة عيسى ، لكن يبعد هذا أن النصارى لا يعرفون المائدة كما قاله غير واحد من العلماء والله أعلم.

والمقصود أن المائدة سواء كانت قد نزلت أم لم تنزل وقد كانت موائد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تمد من السماء وكانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل بين يديه ، وكم قد أشبع من طعام يسير ألوفا ومئات وعشرات ما تعاقبت الأوقات ، وما دامت الأرض والسموات ، وهذا أبو مسلم الخولانى.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآيات : ١١٢ ـ ١١٥.

٤٦٧

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر فى ترجمته من تاريخه أمرا عجيبا وشأنا غريبا ، حيث روى من طريق إسحاق بن يحيى الملطى عن الأوزاعى قال : أتى أبا مسلم الخولانى نفر من قومه فقالوا : يا أبا مسلم أما تشتاق إلى الحج؟ قال : بلى لو أصبت لى أصحابا ، فقالوا : نحن أصحابك قال : لستم لى بأصحاب ، إنما أصحابى قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد ،. فقالوا : سبحان الله ، وكيف يسافر أقوام بلا زاد ولا مزاد؟ قال لهم : ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها؟ وهى لا تبيع ولا تشترى ، ولا تحرث ولا تزرع والله يرزقها؟ قال : فقالوا : فأنا نسافر معك ، قال : فهبوا على بركة الله تعالى ، قال : فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاد ولا مزاد ، فلما انتهوا إلى المنزل قالوا : يا أبا مسلم طعام لنا وعلف لدوابنا ، قال : فقال لهم : نعم ، فسجا غير بعيد فيمم مسجد أحجار فصلى فيه ركعتين ، ثم جثى على ركبتيه فقال : إلهى قد تعلم ما أخرجنى من منزلى. وإنما خرجت آمرا لك ، وقد رأيت البخيل من ولد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى وإنا أضايفك وزوارك ، فأطعمنا ، واسقنا ، واعلف دوابنا ، قال : فأتى بسفرة مدت بين أيديهم ، وجيء بجفنة من ثريد ، وجيء بقلتين من ماء ، وجيء بالعلف لا يدرون من يأتى به ، فلم تزل تلك حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا ، لا يتكلفون زادا ولا مزادا ، فهذه حال ولى من هذه الأمة ، نزل عليه وعلى أصحابه مائدة كل يوم مرتين مع ما يضاف إليها من الماء والعلوفة لدواب أصحابه ، وهذا اعتناء عظيم ، وإنما نال ذلك ببركة متابعته لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.

وأما قوله عن عيسى بن مريم عليه‌السلام : إنه قال لبنى إسرائيل (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (١) الآية ، فهذا شيء يسير على الأنبياء ، بل وعلى كثير من الأولياء ، وقد قال يوسف الصديق لذينك

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٤٩.

٤٦٨

الفتيين المحبوسين معه (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) (١) الآية.

وقد أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأخبار الماضية طبق ما وقع وعن الأخبار الحاضرة سواء بسواء كما أخبر عن أكل الأرضة لتلك الصحيفة الظالمة التى كانت بطون قريش قديما كتبتها على مقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها فى سقف الكعبة ، فأرسل الله الأرضة فأكلتها إلا مواضع اسم الله تعالى ، وفى رواية : فأكلت اسم الله منها تنزيها لها أن تكون مع الذين فيها من الظلم والعدوان ، فأخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمه أبا طالب وهم بالشعب ، فخرج إليهم أبو طالب وقال لهم عما أخبرهم به ، فقالوا : إن كان كما قال وإلا فسلموه إلينا ، فقالوا : نعم ، فأنزلوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سواء بسواء ، فأقلعت بطون قريش عما كانوا عليه لبنى هاشم وبنى المطلب ، وهدى الله بذلك خلقا كثيرا ، وكم له مثلها كما تقدم بسطه وبيانه فى مواضع من السيرة وغيرها ولله الحمد والمنة.

وفى يوم بدر لما طلب من العباس عمه فداء ادعى أنه لا مال له ، فقال له : فأين المال الّذي دفنته أنت وأم الفضل تحت أسكفة الباب ، وقلت لها : إن قتلت فهو للصبية؟ فقال : والله يا رسول الله إن هذا شيء لم يطلع عليه غيرى وغير أم الفضل إلا الله عزوجل.

وأخبر بموت النجاشى يوم مات وهو بالحبشة ، وصلى عليه ، وأخبر عن قتل الأمراء يوم مؤتة واحدا بعد واحد وهو على المنبر وعيناه تذرفان.

وأخبر عن الكتاب الّذي أرسل به حاطب بن بلتعة مع شاكر مولى بنى عبد المطلب ، وأرسل فى طلبها عليا والزبير والمقداد ، فوجدوها قد جعلته فى

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ٣٧.

٤٦٩

عقاصها ، وفى رواية فى حجزتها ، وقد تقدم ذلك فى غزوة الفتح.

وقال لأميرى كسرى اللذين بعث بهما نائب اليمن لكسرى ليستعلما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن ربى قد قتل الليلة ربكما ، فأرخا تلك الليلة ، فإذا كسرى قد سلط الله عليه ولده فقتله ، فأسلما وأسلم نائب اليمن ، وكان سبب ملك اليمن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأما إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الغيوب المستقبلة فكثيرة جدا كما تقدم بسط ذلك ، وسيأتى فى أبناء التواريخ ليقع ذلك طبق ما كان سواء.

وذكر ابن حامد فى مقابلة جهاد عيسى عليه الصلاة والسلام جهاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفى مقابلة زهد عيسى عليه الصلاة والسلام ، زهادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كنوز الأرض حين عرضت عليه فأباها ، وقال : أجوع يوما وأشبع يوما وأنه كان له ثلاث عشرة زوجة يمضى عليهن الشهر والشهران لا توقد عندهن نار ولا مصباح إنما هو الاسودان : التمر والماء ، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع ، وما شبعوا من خبز بر ثلاث ليال تباعا ، وكان فراشه من أدم وحشوه ليف ، وربما اعتقل الشاة فيحلبها ، ورقع ثوبه ، وخصف نعله بيده الكريمة ، صلوات الله وسلامه عليه ، ومات صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودرعه مرهونة عند يهودى على طعام اشتراه لأهله ، هذا وكم آثر بآلاف مؤلفة والإبل والشاء والغنائم والهدايا ، على نفسه وأهله للفقراء والمحاويج والأرامل والأيتام والأسرى والمساكين.

٤٧٠

تبشير مريم البشريات التي صاحبت مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وذكر أبو نعيم فى مقابلة تبشير الملائكة لمريم الصديقة بوضع عيسى ما بشرت به آمنة أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين حملت به فى منامها ، وما قيل له : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فسميه محمدا ، وقد بسطنا ذلك فى المولد كما تقدم.

وقد أورد الحافظ أبو نعيم هاهنا حديثا غريبا مطولا بالمولد أحببنا أن نسوقه ليكون الختام نظير الافتتاح ، وبالله المستعان ، وعليه التكلان ولله الحمد ، فقال : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا حفص ابن عمرو بن الصباح ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلى ، أنا أبو بكر بن أبى مريم عن سعيد بن عمر الأنصارى عن أبيه ، قال : قال ابن عباس : فكان من دلالات حمل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة : قد حمل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورب الكعبة ، وهو أمان الدنيا وسراج أهلها ، ولم يبق كاهن فى قريش ولا قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها ، وانتزع علم الكهنة منها ، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا ، والملك مخرسا لا ينطق يومه لذلك ، وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب بالبشارات ، وكذلك أهل البحار بشر بعضهم بعضا ، وفى كل شهر من شهوره نداء فى الأرض ونداء فى السموات : أبشروا فقد آن لأبى القاسم أن يخرج إلى الأرض ميمونا مباركا قال : وبقى فى بطن أمه تسعة أشهر وهلك أبوه عبد الله وهو فى بطن أمه ، فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا ، بقى نبيك هذا يتيما ، فقال الله تعالى للملائكة : أنا له ولى وحافظ ونصير ، فتبركوا بمولده ميمونا مباركا. وفتح الله لمولده أبواب السماء وجناته ، وكانت آمنة تحدث عن نفسها وتقول : أتى لى آت حين مر لى من حمله ستة أشهر فوكزنى برجله فى المنام وقال : يا آمنة إنك حملت بخير العالمين طرا ، فإذا

٤٧١

ولدتيه فسميه محمدا أو النبي ، شأنك. قال : وكانت تحدث عن نفسها وتقول : لقد أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد من القوم ، ذكر ولا أنثى ، وإنى لوحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه ، قالت : فسمعت وجبة شديدة ، وأمرا عظيما ، فهالنى ذلك ، وذلك يوم الاثنين ، ورأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادى فذهب كل رعب وكل فزع ووجل كنت أجد ، ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا ، وكنت عطشانة ، فتناولتها فشربتها فأصابنى نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل الطوال ، كأنهن من بنات عبد المطلب يحدقن بى ، فبينا أنا أعجب وأقول : وا غوثاه من أين علمن بى؟ واشتد بى الأمر وأنا أسمع الوجبة فى كل ساعة أعظم وأهول ، وإذا أنا بديباج أبيض قد مد بين السماء والأرض ، وإذا قائل يقول : خذوه عن أعين الناس ، قالت : رأيت رجالا وقفوا فى الهواء بأيديهم أباريق فضة وأنا يرشح منى عرق كالجمان ، أطيب ريحا من المسك الأزفر ، وأنا أقول : يا ليت عبد المطلب قد دخل على ، قالت : ورأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتى ، مناقيرها من الزمرد ، وأجنحتها من اليواقيت ، فكشف الله لى عن بصيرتى ، فأبصرت من ساعتى مشارق الأرض ومغاربها ، ورأيت ثلاث علامات مضروبات ، علم بالمشرق ، وعلم بالمغرب ، وعلم على ظهر الكعبة ، فأخذنى المخاض واشتد بى الطلق جدا ، فكنت كأنى مسندة إلى أركان النساء ، وكثرن على حتى كأنى مع البيت وأنا لا أرى شيئا ، فولدت محمدا ، فلما خرج من بطنى درت فنظرت إليه فإذا هو ساجد وقد رفع إصبعيه كالمتضرع المبتهل ، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته ، فغيب عن عينى ، فسمعت مناديا ينادى يقول : طوفوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم شرق الأرض وغربها ، وأدخلوه البحار كلها ، ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ، ويعلموا أنه سمى الماحى ، لا يبقى شيء من الشرك إلا محى به ، قالت : ثم تخلوا عنه فى أسرع وقت فإذا أنا به مدرج فى ثوب صوف أبيض ، أشد بياضا من اللبن ، وتحته حريرة خضراء ، وقد قبض محمد ثلاثة مفاتيح

٤٧٢

من اللؤلؤ الرطب الأبيض ، وإذا قائل يقول : قبض محمد مفاتيح النصر ، ومفاتيح الريح ، ومفاتيح النبوة ، هكذا أورده وسكت عليه وهو غريب جدا.

وقال الشيخ جمال الدين أبو زكريا ، يحيى بن يوسف بن منصور بن عمر الأنصارى الصرصرى ، الماهر الحافظ للأحاديث واللغة. ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلذلك يشبه فى عصره بحسان بن ثابت رضى الله عنه ، وفى ديوانه المكتوب عنه فى مديح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد كان ضرير البصر ، بصير البصيرة ، وكانت وفاته ببغداد فى سنة ست وخمسين وستمائة ، قتله التتار فى كل بنت بغداد كما سيأتى ذلك فى موضعه ، فى كتابنا هذا إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة ، وعليه التكلان ، قال فى قصيدته من حرف الحاء المهملة من ديوانه :

محمد المبعوث للناس رحمة

يشيد ما أوهى الضلال ويصلح

لئن سبحت صم الجبال مجيبة

لداود أو لان الحديد المصفح

فإن الصخور الصم لانت بكفه

وإن الحصا فى كفه ليسبح

وإن كان موسى أنبع الما من العصا

فمن كفه قد أصبح الماء يطفح

وإن كانت الريح الرخاء مطيعة

سليمان لا تألو تروح وتسرح

فإن الصبا كانت لنصر نبينا

برعب على شهر به الخصم يكلح (١)

وإن أوتى الملك العظيم وسخرت

له الجن تشفى ما رضيه وتلدح (٢)

فإن مفاتيح الكنوز بأسرها

أتته فرد الزاهد المترجح

وإن كان إبراهيم أعطى خلة

وموسى بتكليم على الطور يمنح

__________________

(١) الكلح : كلح : زاد الوجه عبوسا.

(٢) تلدح : تضرب باليد.

٤٧٣

فهذا حبيب بل خليل مكلم

وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح

وخصص بالحوض العظيم وباللوا

ويشفع للعاصين والنار تلفح

وبالمقعد الأعلى المقرب عنده

عطاء ببشراه أقر وأفرح

وبالرتبة العليا الأسيلة (١) دونها

مراتب أرباب المواهب تلمح

وفى جنة الفردوس أول داخل

له سائر الأبواب بالخار (٢) تفتح

وهذا آخر ما يسر الله جمعه

من الأخبار بالمغيبات التى وقعت إلى زماننا

مما يدخل فى دلائل النبوة

والله الهادى [إلى سواء السبيل]

* * *

[انتهى كتاب معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والحمد لله رب العالمين]

__________________

(١) الأسيلة : الناعمة الرقيقة.

(٢) الخار : الغلبة الخيرة.

٤٧٤

فهرست الموضوعات

٤٧٥
٤٧٦

فهرست الموضوعات

كتاب دلائل النبوة............................................................... ٧

فصل......................................................................... ١٧

فصل......................................................................... ١٧

باب دلائل النبوة الحسية......................................................... ٢٥

رواية أنس بن مالك............................................................. ٢٥

رواية جبير بن مطعم............................................................ ٢٦

رواية حذيفة بن اليمان.......................................................... ٢٦

رواية عبد الله بن عباس.......................................................... ٢٧

رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب................................................ ٢٨

رواية عبد الله بن مسعود......................................................... ٢٨

معجزة رد الشمس بعد مغيبها.................................................... ٣٠

فصل......................................................................... ٣٥

حديث أسماء بت عميس........................................................ ٣٥

حديث أبي هريرة............................................................... ٤٠

حديث أبي سعيد الخدري........................................................ ٤١

حديث علي بن أبي طالب....................................................... ٤٢

تصحيح أحمد بن صالح للحديث والرد عليه........................................ ٤٣

اعتراض ابن كثير على تصحيح أحمد بن صالح...................................... ٤٣

من دلائل النبوة................................................................ ٤٧

٤٧٧

حديث أنس................................................................... ٤٩

فصل ـ وأما المعجزات الأرضية.................................................... ٥٧

نبع الماء من بين أصابعه......................................................... ٥٧

طريق أخرى عن أنس........................................................... ٥٧

طريق أخرى عن أنس........................................................... ٥٨

طريق أخرى عنه................................................................ ٥٩

حديث البراء بن عازب في ذلك.................................................. ٥٩

حديث آخر عن البراء بن عازب.................................................. ٥٩

حديث آخر عن جابر في ذلك................................................... ٦٠

انقياد الشجرة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.................................................... ٦١

حديث آخر عن ابن عباس في ذلك............................................... ٦٤

حديث عن عبد الله بن مسعود في ذلك........................................... ٦٤

حديث عن عمران بن حصين في ذلك............................................ ٦٥

حديث عن أبي قتادة في ذلك.................................................... ٦٦

حديث آخر عن أنس يشبه هذا.................................................. ٦٨

باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته..................................... ٧١

باب تكثيره عليه‌السلام الأطعمة....................................................... ٧٣

تكثيره عليه‌السلام السمن لأم سليم.................................................... ٧٧

حديث آخر في ذلك........................................................... ٧٧

حديث آخ.................................................................... ٧٨

حديث آخر في ذلك........................................................... ٧٨

ذكر ضيافة أبي طلحة الأنصاري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.................................... ٨١

٤٧٨

طريق آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه........................................ ٨٢

طريق آخر عن أنس بن مالك.................................................... ٨٣

طريق أخرى.................................................................... ٨٣

طريق أخرى عن أنس........................................................... ٨٣

طريق أخرى عن أنس........................................................... ٨٤

طريق أخرى عن أنس........................................................... ٨٥

طريق آخر عن أنس............................................................. ٨٦

طريق أخرى.................................................................... ٨٧

طريق أخرى.................................................................... ٨٧

حديث آخر عن أنس في معنى ما تقدم............................................ ٨٩

حديث آخر عن أبي هريرة في ذلك............................................... ٨٩

حديث آخر عن أبي أيوب في ذلك............................................... ٩٠

قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة........................................ ٩١

قصة أخرى في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................................... ٩٢

قصة قصعة بيت الصديق........................................................ ٩٣

حديث آخر عن عبد الرحمن بن أبي بكر.......................................... ٩٤

حديث آخر في تكثير الطعام في السفر............................................ ٩٤

حديث آخر في هذه القصة...................................................... ٩٥

حديث آخر في تكثير الطعام في السفر............................................ ٩٦

حديث آخر عن عمر بن الخطاب في هذه القصة................................... ٩٧

حديث آخر عن سلمة بن الأكوع في ذلك........................................ ٩٨

قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه‌السلام التمر......................................... ١٠١

٤٧٩

قصة سلمان في تكثيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلك القطعة من الذهب............................... ١٠٢

ذكر مزود أبي هريرة وتمره....................................................... ١٠٢

طريق أخرى عنه.............................................................. ١٠٣

طريق أخرى عن أبي هريرة في ذلك.............................................. ١٠٣

طريق أخرى.................................................................. ١٠٤

حديث عن العرباض بن سارية.................................................. ١٠٤

حديث آخر................................................................. ١٠٥

حديث آخر................................................................. ١٠٥

حديث آخر................................................................. ١٠٦

حديث آخر................................................................. ١٠٦

حديث آخر................................................................. ١٠٧

حديث آخر................................................................. ١٠٧

حديث آخر................................................................. ١٠٨

حديث آخر................................................................. ١٠٨

حديث الذراع................................................................ ١١١

طريق أخرى عن أبي رافع....................................................... ١١٢

طريق أخرى.................................................................. ١١٢

حديث آخر................................................................. ١١٣

حديث آخر................................................................. ١١٣

باب انقياد الشجر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.............................................. ١١٥

حديث آخر................................................................. ١١٥

حديث آخر................................................................. ١١٦

٤٨٠