معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)) (١) وقال تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)) (٢) الآية. وأمته عليه‌السلام لا يستحلون أن يوجدوا شيئا من الدين غير ما جاء به ، ولا يبتدعون بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله ، لكن ما قصه عليهم من أخبار الأنبياء واممهم ، اعتبروا به ، وما حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه ، وما لم يعلم صدقه ولا كذبه أمسكوا عنه ، وما عرفوا بأنه باطل كذبوه ، ومن أدخل فى الدين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان أو غيرهم ، كان عندهم من أهل الإلحاد والابتداع. وهذا هو الدين الّذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتابعون ، وهو الّذي عليه أئمة الدين الذين لهم فى الأمة لسان صدق ، وعليه جماعة المسلمين وعامتهم ، ومن خرج من ذلك كان مذموما مدحورا عند الجماعة ، وهو مذهب أهل السنة والجماعة ، الظاهرين إلى قيام الساعة ، الذين قال فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة» وقد يتنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الأصل الّذي هو دين الرسل عموما ، ودين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خصوصا ، ومن خالف فى هذا الأصل كان عندهم ملحدا مذموما ، ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا

__________________

(١) سورة البقرة ، الآيتان : ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٢) سورة البقرة : الآيتان : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

٢١

ما قام به أكابر علمائهم وعبادهم وقاتل عليه ملوكهم ، ودان به جمهورهم ، وهو دين مبتدع ليس هو دين المسيح ولا دين غيره من الأنبياء ، والله سبحانه أرسل رسله بالعلم النافع ، والعمل الصالح ، فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والآخرة ، وإنما دخل فى البدع من قصر فى اتباع الأنبياء علما وعملا. ولما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهدى ودين الحق ، تلقى ذلك عنه المسلمون (من أمته) ، فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد ، أخذوه عن نبيهم كما ظهر لكل عاقل أن أمته أكمل الأمم فى جميع الفضائل ، العلمية والعملية ، ومعلوم أن كل كمال فى الفرع المتعلّم هو فى الأصل المعلم ، وهذا يقتضي أنه عليه‌السلام كان أكمل الناس علما ودينا. وهذه الأمور توجب العلم الضرورى بأنه كان صادقا فى قوله : «إنى رسول الله إليكم جميعا» لم يكن كاذبا مفتريا ، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار الناس وأكملهم ، إن كان صادقا ، أو من هو من أشر الناس وأخبثهم إن كان كاذبا ، وما ذكر من كمال علمه ودينه يناقض الشر والخبث والجهل ؛ فتعين أنه متصف بغاية الكمال فى العلم والدين ، وهذا يستلزم أنه كان صادقا فى قوله : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (١) لأن الّذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب أو مخطئا والأول يوجب أنه كان ظالما غاويا ، والثانى يقتضي أنه كان جاهلا ضالا ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان علمه ينافى جهله ، وكمال دينه ينافى تعمد الكذب ، فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن يتعمد الكذب ولم يكن جاهلا يكذب بلا علم ، وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقا عالما بأنه صادق ولهذا نزهه الله عن هذين الأمرين بقوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤)) (٢) وقال تعالى عن الملك الّذي جاء به (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٨.

(٢) سورة النجم ، الآيات : ١ ـ ٤.

٢٢

(٢١) (١) ثم قال عنه : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)) (٢) وقال تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)) (٣) إلى قوله : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣)) (٤) بين سبحانه أن الشيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه ، فإن الشيطان يقصد الشر ، وهو الكذب والفجور ، ولا يقصد الصدق والعدل ، فلا يقترن إلا بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ وفجورا أيضا فإن الخطأ فى الدين هو من الشيطان أيضا كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة : أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه ، فإن رسول الله بريء من تنزل الشياطين عليه فى العمد والخطأ ، بخلاف غير الرسول فإنه قد يخطئ ويكون خطؤه من الشيطان ، وإن كان خطؤه مغفورا له ، فإذا لم يعرف له خبرا أخبر به كان فيه مخطئا ، ولا أمرا أمر به كان فيه فاجرا علم أن الشيطان لم ينزل عليه وإنما ينزل عليه ملك كريم ، ولهذا قال فى الآية الأخرى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)) (٥) انتهى ما ذكره ، وهذا عين ما أورده بحروفه.

__________________

(١) سورة التكوير ، الآيات : ١٩ ـ ٢١.

(٢) سورة التكوير ، الآيات : ٢٢ ـ ٢٧.

(٣) سورة الشعراء ، الآيات : ١٩٢ ـ ١٩٥.

(٤) سورة الشعراء ، الآيات : ٢٢١ ـ ٢٢٣.

(٥) سورة الحاقة ، الآيات : ٤٠ ـ ٤٣.

٢٣
٢٤

باب

دلائل النبوة الحسيّة

ومن أعظم ذلك كله انشقاق القمر المنير فرقتين ، قال الله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥)) (١) وقد اتفق العلماء مع بقية الأئمة على أن انشقاق القمر كان فى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد وردت الأحاديث بذلك من طرق تفيد القطع عند الأمة.

رواية أنس بن مالك

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن قتادة عن أنس قال : سأل أهل مكة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آية فانشق القمر بمكة فرقتين فقال : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)) (٢).

ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق.

وقال البخارى : حدثنى عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا بشر ابن المفضل ، حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أنس ابن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين ، حتى رأوا حراء بينهما.

وأخرجاه فى الصحيحين من حديث شيبان عن قتادة ، ومسلم من

__________________

(١) سورة القمر الآيات : ١ ـ ٥.

(٢) سورة القمر ، الآية : ١. والحديث أخرجه أحمد في مسنده (١ / ٣٧٧ ، ٤١٣ ، ٤٤٧).

٢٥

حديث شعبة عن قتادة.

رواية جبير بن مطعم

قال أحمد : حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سليمان بن بكير ، عن حصين ابن عبد الرحمن ، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصار فرقتين : فرقه على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد ، فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس. تفرد به أحمد. ورواية ابن جرير والبيهقى من طرق عن حصين بن عبد الرحمن به.

رواية حذيفة بن اليمان

قال أبو جعفر بن جرير : حدثنى يعقوب ، حدثنى ابن علية ، أنا عطاء ابن السائب عن أبى عبد الرحمن السلمى قال : نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ فجاءت الجمعة فحضر أبى وحضرت معه ، فخطبنا حذيفة فقال : إن الله تعالى يقول : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١) ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشق ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق. فقلت لأبى : أتستبق الناس غدا؟ فقال : يا بنى إنك الجاهل ، إنما هو السباق بالأعمال ، ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرها فخطب حذيفة ، فقال : ألا إن الله يقول : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ،

ورواه أبو زرعة الرازى فى كتاب دلائل النبوة من غير وجه عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن عن حذيفة فذكر نحوه ، وقال : ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، ألا وإن الغاية النار ، والسباق من سبق إلى الجنة.

__________________

(١) سورة القمر ، الآية : ١.

٢٦

رواية عبد الله بن عباس

قال البخارى : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا بكر عن جعفر عن عراك بن مالك ، عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : انشق القمر فى زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

ورواه البخارى أيضا ومسلم من حديث بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة به.

طريق أخرى عنه ـ قال ابن جرير : حدثنا ابن مثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود بن أبى هند عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (٢) قال : قد مضى ذلك ، كان قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه.

وروى العوفى عن ابن عباس نحوا من هذا. وقد روى من وجه آخر عن ابن عباس فقال أبو القاسم الطبرانى : حدثنا أحمد بن عمر والبزار ، حدثنا محمد بن يحيى القطيعى ، حدثنا محمد بن بكير ، حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : سحر القمر ، فنزلت : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) وهذا سياق غريب. وقد يكون حصل للقمر مع انشقاقه كسوف فيدل على أن انشقاقه إنما كان فى ليالى إبداره والله أعلم.

__________________

(١) البخاري في كتاب التفسير (٤٨٦٦) (١٣ / ٦٠١).

(٢) سورة القمر ، الآيتان : ١ ـ ٢.

٢٧

رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب

قال الحافظ أبو بكر البيهقى : أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضى قالا : حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا العباس بن محمد الدورى : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة عن الأعمش (عن مجاهد) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب فى قوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).

قال : وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انشق فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم اشهد.

وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد قال : مسلم كرواية مجاهد عن أبى معمر عن ابن مسعود وقال الترمذي : حسن صحيح.

رواية عبد الله بن مسعود

قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن أبى نجيح عن مجاهد عن أبى معمر عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شقتين حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اشهدوا (١) ، ورواه البخارى ومسلم من حديث سفيان ابن عيينة ، وأخرجاه من حديث الأعمش عن إبراهيم عن أبى معمر عبد الله ابن سخبرة عن ابن مسعود به.

قال البخارى : وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله بمكة ، وهذا الّذي علقه البخارى قد أسنده أبو داود الطيالسى فى مسنده ، فقال : حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبى الضحى عن مسروق بن عبد الله بن مسعود قال :

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسنده (١ / ٣٧٧) ، والبخاري في كتاب التفسير (٤٨٦٤) (١٣ / ٦٠٠).

٢٨

انشق القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت قريش : هذا سحر ابن أبى كبشة ، قال : فقالوا : انظروا ما يأتينا به السفار فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم ، قال : فجاء السّفار فقالوا ذلك.

وروى البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن ابن عباس الدورى عن سعيد ابن سليمان عن هشام عن مغيرة عن أبى الضحى عن مسروق عن عبد الله قال : انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين ، فقالت كفار قريش أهل مكة : هذا سحر سحركم به ابن أبى كبشة انظروا المسافرين فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق ، وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به ، قال : فسئل السفار ـ وقدموا من كل وجه ـ فقالوا : رأيناه.

ورواه ابن جرير من حديث المغيرة وزاد : فأنزل الله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).

وقال الإمام أحمد : حدثنا مؤمل عن إسرائيل عن سماك عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى رأيت الجبل بين فرقتى القمر.

وروى ابن جرير عن يعقوب الدورى عن ابن علية عن أيوب عن محمد ابن سيرين قال : نبئت أن ابن مسعود كان يقول : لقد انشق القمر ، ففى صحيح البخارى عن ابن مسعود أنه كان يقول : خمس قد مضين : الروم ، واللزام ، والبطشة ، والدخان ، والقمر ، فى حديث طويل عنه مذكور فى تفسير سورة الدخان.

(وقال أبو زرعة فى الدلائل : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقى حدثنا الوليد ، عن الأوزاعى عن ابن بكير قال : انشق القمر بمكة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الهجرة فخر شقتين فقال المشركون : سحره ابن أبى كبشة ، وهذا مرسل من هذا الوجه).

٢٩

فهذه طرق عن هؤلاء الجماعة من الصحابة ، وشهرة هذا الأمر تغنى عن إسناده مع وروده فى الكتاب العزيز.

وما يذكره بعض القصاص من أن القمر دخل فى جيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخرج من كمه ، ونحو هذا الكلام فليس له أصل يعتمد عليه ، والقمر فى حال انشقاقه لم يزايل السماء بل انفرق باثنتين وسارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء ، والأخرى من الناحية الأخرى ، وصار الجبل بينهما ، وكلتا الفرقتين فى السماء وأهل مكة ينظرون إلى ذلك ، وظن كثير من جهلتهم أن هذا شيء سحرت به أبصارهم ، فسألوا من قدم عليهم من المسافرين فأخبروهم بنظير ما شاهدوه ، فعلموا صحة ذلك وتيقنوه.

فإن قيل : فلم لم يعرف هذا فى جميع أقطار الأرض؟ فالجواب ومن ينفى ذلك ، ولكن تطاول العهد والكفرة يجحدون بآيات الله ، ولعلهم لما أخبروا أن هذا كان آية لهذا النبي المبعوث ، تداعت آراؤهم الفاسدة على كمانة وتناسيه. على أنه قد ذكر غير واحد من المسافرين أنهم شاهدوا هيكلا بالهند مكتوبا عليه أنه نبى فى الليلة التى انشق القمر فيها ، ثم لما كان انشقاق القمر ليلا قد يخفى أمره على كثير من الناس لأمور مانعة من مشاهدته فى تلك الساعة ، من غيوم متراكمة كانت تلك الليلة فى بلدانهم ، ولنوم كثير منهم ، أو لعله كان فى أثناء الليل حيث ينام كثير من الناس وغير ذلك من الأمور والله أعلم ، وقد حررنا هذا فيما تقدم فى كتابنا التفسير.

[معجزة رد الشمس بعد مغيبها]

فأما حديث رد الشمس بعد مغيبها فقد أنبأنى شيخنا المسند الرحلة بهاء الدين القاسم بن المظفر ابن تاج الأمناء بن عساكر (إذنا و) قال : أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن عساكر المشهور بالنسابة ، قال : أخبرنا أبو المظفر ابن القشيرى وأبو القاسم المستملى قالا : حدثنا أبو عثمان المحبر أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن الدنايعانى بها ، أنا محمد بن

٣٠

أحمد بن محبوب ، وفى حديث ابن القشيرى : حدثنا أبو العباس المحبوبى ، حدثنا سعيد ابن مسعود ح ، قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر وأنا أبو الفتح الماهانى ، أنا شجاع بن على، أنا أبو عبد الله بن منده ، أنا عثمان بن أحمد الننسى ، أنا أبو أمية محمد بن إبراهيم قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا فضيل بن مرزوق عن إبراهيم ابن الحسن ، زاد أبو أمية بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوحى إليه ورأسه فى حجر على فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صليت العصر؟ وقال أبو أمية : صليت يا على؟ قال : لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال أبو أمية : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللهم إنه كان فى طاعتك وطاعة نبيك ، وقال أبو أمية : رسولك ، فاردد عليه الشمس ، قالت أسماء : فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.

وقد رواه الشيخ أبو الفرج ابن الجوزى فى الموضوعات من طريق أبى عبد الله بن منده كما تقدم.

ومن طريق أبى جعفر العقيلى : حدثنا أحمد ابن داود ، حدثنا عمار بن مطر ، حدثنا فضيل بن مرزوق فذكره.

ثم قال : وهذا حديث موضوع ، وقد اضطرب الرواة فيه فرواه سعيد ابن مسعود عن عبيد الله ابن موسى عن فضيل بن مرزوق عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن على بن الحسن عن فاطمة بنت على عن أسماء ، وهذا تخليط فى الرواية. قال : وأحمد بن داود ليس بشيء ، قال الدارقطنى متروك كذاب ، وقال ابن حبان كان يضع الحديث ، وعمار بن مطر قال فيه العقيلى : كان يحدث عن الثقات بالمناكير (١) ، وقال ابن عدى : متروك الحديث. قال : وفضيل بن مرزوق قد ضعفه يحيى ، وقال ابن حبان : يروى الموضوعات ويخطئ عن الثقات.

__________________

(١) المناكير : الأمور المستهجنة.

٣١

وبه قال الحافظ بن عساكر ، قال : وأخبرنا أبو محمد عن طاوس ، أنا عاصم ابن الحسن أنا أبو عمرو بن مهدى ، أنا أبو العباس بن عقدة ، حدثنا أحمد بن يحيى الصوفى ، حدثنا عبد الرحمن بن شريك ، حدثنى أبى عن عروة بن عبد الله بن قشير قال : دخلت على فاطمة بنت على فرأيت فى عنقها خرزة ، ورأيت فى يديها مسكتين غليظتين ـ وهى عجوز كبيرة ـ فقلت لها : ما هذا؟ فقالت : إنه يكره للمرأة أن تتشبه بالرجال ، ثم حدثتني أن أسماء بنت عميس حدثتها أن على بن أبى طالب دفع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أوحى إليه فجلله بثوبه فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس يقول : غابت أو كادت أن تغيب ، ثم إن نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرّى عنه فقال : أصليت يا على؟ قال : لا ، فقال النبي ص اللهم ردّ على علي الشمس ، فرجعت حتى بلغت نصف المسجد ، قال عبد الرحمن : وقال أبى حدثنى موسى الجهنى نحوه ، ثم قال الحافظ ابن عساكر : هذا حديث منكر ، وفيه غير واحد من المجاهيل.

وقال الشيخ أبو الفرج بن الجوزى فى الموضوعات : وقد روى ابن شاهين هذا الحديث عن ابن عقدة فذكره ، ثم قال : وهذا باطل ، والمتهم به ابن عقدة ، فإنه كان رافضيا يحدث بمثالب الصحابة.

قال الخطيب : حدثنا على بن محمد بن نصر ، سمعت حمزة ابن يوسف يقول : كان ابن عقدة بجامع براثا (١) يملى مثالب الصحابة أو قال : الشيخين فتركته ، وقال الدارقطنى : كان ابن عقدة رجل سوء ، وقال ابن عدى : سمعت أبا بكر بن أبى غالب يقول : ابن عقدة لا يتدين بالحديث لأنه كان يحمل شيوخا بالكوفة على الكذب فيسوى لهم نسخا ويأمرهم أن يرووها ، وقد بينا كذبه من عند شيخ بالكوفة.

وقال الحافظ أبو بشر الدولابى فى كتابه «الذرية الطاهرة» : حدثنا إسحاق بن يونس ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا المطلب بن زياد عن إبراهيم بن

__________________

(١) براثا : اسم محلة كانت بطرف العراق.

٣٢

حبان عن عبد الله بن حسن عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين قال : كان رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حجر على وهو يوحى إليه فذكر الحديث بنحو ما تقدم ، إبراهيم بن حبان هذا تركه الدارقطنى وغيره ، وقال محمد بن ناصر البغدادى الحافظ : هذا الحديث موضوع ، قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبى : وصدق ابن ناصر ، وقال ابن الجوزى : وقد رواه ابن مردويه من طريق حديث داود بن واهج عن أبى هريرة قال : نام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورأسه فى حجر علي ولم يكن صلى العصر حتى غربت الشمس فلما قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا له فردت عليه الشمس حتى صلى ثم غابت ثانية ، ثم قال : وداود ضعفه شعبة ، ثم قال ابن الجوزى ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضله ولم يتلمح عدم الفائدة فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاء فرجوع الشمس لا يعيدها أداء ، وفى الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن الشمس لم تحبس على أحد إلا ليوشع.

قلت : هذا الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه فلا تخلو واحدة منها عن شيعى ومجهول الحال وشيعى ومتروك ومثل هذا الحديث لا يقبل فيه خبر واحد إذا اتصل سنده ؛ لأنه من باب ما تتوفر الدواعى على نقله فلا بد من نقله بالتواتر والاستفاضة لا أقل من ذلك ، ونحن لا ننكر هذا فى قدرة الله تعالى وبالنسبة إلى جناب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد ثبت فى الصحيح أنها ردت ليوشع بن نون ، وذلك يوم حاصر بيت المقدس ، واتفق ذلك فى آخر يوم الجمعة وكانوا لا يقاتلون يوم السبت فنظر إلى الشمس وقد تنصفت للغروب فقا : إنك مأمورة ، وأنا مأمور ، اللهم احبسها على ، فحبسها الله عليه حتى فتحوها ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعظم جاها وأجل منصبا وأعلى قدرا من يوشع ابن نون ، بل من سائر الأنبياء على الإطلاق ولكن لا نقول إلا ما صح عندنا (عنه) ولا نسند إليه ما ليس بصحيح ، ولو صح لكنا من أول القائلين به ، والمعتقدين له وبالله المستعان.

٣٣

وقال الحافظ أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه البخارى فى كتابه «إثبات إمامة أبى بكر الصديق» فإن قال قائل من الروافض : إن أفضل فضيلة لأبى الحسن وأدل (دليل) على إمامته ما روى عن أسماء بنت عميس قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوحى إليه فى حجر على بن أبى طالب فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى : صليت؟ قال : لا ، فقال رسول الله : اللهم إنه كان فى طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس ، قالت أسماء : فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت. قيل له : كيف لنا لو صح هذا الحديث فنحتج على مخالفتنا من اليهود والنصارى ، ولكن الحديث ضعيف حدا لا أصل له ، وهذا مما كسبت أيدى الروافض ، ولو ردت الشمس بعد ما غربت لرآها المؤمن والكافر ونقلوا إلينا أن فى يوم كذا من شهر كذا فى سنة كذا ردت الشمس بعد ما غربت. ثم يقال للروافض : أيجوز أن ترد الشمس لأبى الحسن حين فاتته صلاة العصر ، ولا ترد لرسول الله ولجميع المهاجرين والأنصار وعلي فيهم حين فاتتهم صلاة الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق؟ قال : وأيضا مرة أخرج عرس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمهاجرين والأنصار حين قفل من غزوة خيبر ، فذكر نومهم عن صلاة الصبح وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس ، قال : فلم يرد الليل على رسول الله وعلى أصحابه ، قال : ولو كان هذا فضلا أعطيه رسول الله وما كان الله ليمنع رسوله شرفا وفضلا ـ يعنى أعطيه على بن أبى طالب ـ ثم قال : وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى : قلت لمحمد بن عبيد الطنافسى ما تقول فيمن يقول : رجعت الشمس على علي بن أبى طالب حتى صلى العصر؟ فقال : من قال هذا فقد كذب ، وقال إبراهيم بن يعقوب : سألت يعلى بن عبيد الطنافسى قلت : إن ناسا عندنا يقولون : إن عليا وصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجعت عليه الشمس ، فقال : كذب هذا كله.

* * *

٣٤

فصل

«إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة»

أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني يصنّف فيه

«تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشّمس»

وقال : قد روى ذلك من طريق أسماء بنت عميس وعلى بن أبى طالب وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى :

[حديث أسماء بنت عميس]

ثم رواه من طريق أحمد بن صالح المصرى ، وأحمد بن الوليد الأنطاكى ، والحسن بن داود ثلاثتهم عن محمد بن إسماعيل ابن أبى فديك ، وهو ثقة أخبرنى محمد بن موسى الفطرى المدنى وهو ثقة أيضا عن عون بن محمد ، قال : وهو ابن محمد بن الحنفية عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبى طالب عن جدتها أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى الظهر بالصهباء من أرض خيبر ثم أرسل عليا فى حاجة فجاء وقد صلى رسول الله العصر فوضع رأسه فى حجر علي ولم يحركه حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها ، قالت أسماء : فطلعت الشمس حتى رفعت على الجبال فقام علي فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس.

وهذا الإسناد فيه من يجهل حاله فإن عونا هذا وأمه لا يعرف أمرهما بعدالة وضبط يقبل بسببهما هبرهما فيما هو دون هذا المقام ، فكيف يثبت بخبرهما هذا الأمر العظيم الّذي يروه أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن ولا المسانيد المشهورة فالله أعلم.

٣٥

ولا ندرى أسمعت أم هذا من جدتها أسماء بنت عميس أم لا ، ثم أورده هذا المص من طريق الحسين بن الحسن الأشقر وهو شيعى جلد وضعفه غير واحد عن الفضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسين بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين الشهيد عن أسماء بنت عميس فذكر الحديث.

قال وقد رواه عن فضيل بن مرزوق جماعة منهم ، عبيد الله بن موسى ، ثم أورده من طريق أبى جعفر الطحاوى من طريق عبد الله.

وقد قدمنا روايتنا له من حديث سعيد بن مسعود وأبى أمية الطرسوسى عن عبيد الله بن موسى العبسى ، وهو من الشيعة ، ثم أوده هذا المص من طريق أبى جعفر العقيلى عن أحمد ابن داود عن عمار بن مطر عن فضيل بن مرزوق والأغر الرقاشى ويقال الرواس أبو عبد الرحمن الكوفى مولى بنى عنزة وثقة الثورى وابن عيينة ، وقال أحمد : لا أعلم إلا خيرا وقال ابن معين : ثقة ، وقال مرة : صالح ولكنه شديد التشيع ، وقال مرة : لا بأس به ، وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث يهم كثيرا يكتب حديثه ولا يحتج به.

وقال عثمان بن سعيد الدارمى : يقال : إنه ضعيف ، وقال النسائى : ضعيف ، وقال ابن عدى : أرجو أن لا بأس به. وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا كان يخطئ على الثقات ويروى عن عطية الموضوعات ، وقد روى له مسلم وأهل السنن الأربعة. فمن هذه ترجمته لا يتّهم بتعمد الكذب ولكنه قد يتساهل ولا سيما فيما يوافق مذهبه فيروى عمن لا يعرفه أو يحسن به الظن فيدلس حديثه ويسقطه ويذكر شيخه ولهذا قال فى هذا الحديث الّذي يجب الاحتراز فيه وتوقى الكذب فيه «عن» بصيغة التدليس ، ولم يأت بصيغة التحديث فلعل بينهما من يجهل أمره ، على أن شيخه هذا ـ إبراهيم بن الحسن بن على بن أبى طالب ـ ليس بذلك المشهور فى حاله ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب المتعمدة ، ولا روى عنه غير الفضيل ابن مرزوق هذا ويحيى ابن المتوكل ، قاله أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان ولم يتعرضا لجرح ولا

٣٦

تعديل.

وأما فاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب ـ وهى أخت زين العابدين ـ فحديثها مشهور روى لها أهل السنن الأربعة ، وكانت فيمن قدم بها مع أهل البيت بعد مقتل أبيها إلى دمشق ، وهى من الثقات ولكن لا يدرى أسمعت هذا الحديث من أسماء أم لا؟ فالله أعلم.

ثم رواه هذا المصنف من حديث أبى حفص الكنانى : حدثنا محمد بن عمر القاضى هو الجعابى. حدثنى محمد بن القاسم بن جعفر العسكرى من أصل كتابه ، حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم ، حدثنا خلف بن سالم ، حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان الثورى (عن أشعث أبى الشعثاء عن أمه عن فاطمة ـ يعنى : بنت الحسين ـ) عن أسماء أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا لعلى حتى ردت عليه الشمس ، وهذا إسناد غريب جدا.

وحديث عبد الرزاق وشيخه الثورى محفوظ عند الأئمة لا يكاد يترك منه شيء من المهمات فكيف لم يرو عن عبد الرزاق مثل هذا الحديث العظيم إلا خلف ابن سالم بما قبله من الرجال الذين لا يعرف حالهم فى الضبط والعدالة كغيرهم؟ ثم إن أم أشعث مجهولة فالله أعلم.

ثم ساقه هذا المصنف من طريق محمد بن مرزوق : حدثنا حسين الأشقر ـ وهو شيعى وضعيف كما تقدم ـ عن على بن هاشم بن الثريد ـ وقد قال فيه ابن حبان : كان غاليا فى التشيع يروى المناكير عن المشاهير ـ عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار عن على ابن الحسين بن الحسن عن فاطمة بنت على عن أسماء بنت عميس فذكره ، وهذا إسناد لا يثبت.

ثم أسنده من طريق عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن عروة بن عبد الله عن فاطمة بنت على عن أسماء بنت عميس فذكر الحديث كما قدمنا إيراده من طريق ابن عقدة عن أحمد بن يحيى الصوفى عن عبد الرحمن بن شريك عن

٣٧

عبد الله النخعى ، وقد روى عنه البخارى فى كتاب الأدب وحدث عنه جماعة من الأئمة وقال فيه أبو حاتم الرازى كان واهى الحديث وذكره ابن حبان فى كتاب الثقات و (قال) : ربما أخطأ ، وأرخ ابن عقدة وفاته سنة سبع وعشرين ومائتين وقد قدمنا أن الشيخ أبا الفرج بن الجوزى قال : إنما أنهم بوضعه أبا العباس بن عقدة ، ثم أورد كلام الأئمة فيه بالطعن والجرح وأنه كان يسوى النسخ للمشايخ فيرويهم إياها والله أعلم.

قلت : فى سياق هذا الاسناد عن أسماء أن الشمس رجعت حتى بلغت نصف المسجد ، وهذا يناقض ما تقدم من أن ذلك كان بالصهباء من أرض خيبر ، ومثل هذا يوجب توهين الحديث وضعفه والقدح فيه.

ثم سرده من حديث محمد بن عمر القاضى الجعابى : حدثنا على ابن العباس بن الوليد ، حدثنا عبادة بن يعقوب الرواجني ، حدثنا على بن هاشم عن صباح عن عبد الله بن الحسن ـ أبى جعفر ـ عن حسين المقتول عن فاطمة عن أسماء بنت عميس قالت : لما كان يوم شغل على لمكانه من قسم المغنم حتى غربت الشمس أو كادت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما صليت؟ قال : لا ، فدعا الله فارتفعت الشمس حتى توسطت السماء فصلى على ، فلما غربت الشمس سمعت لها صريرا كصرير الميشار فى الحديد.

وهذا أيضا سياق مخالف لما تقدم من وجوه كثيرة مع أن إسناده مظلم جدا فإن صباحا هذا لا يعرف وكيف يروى الحسين بن على المقتول شهيدا عن واحد عن واحد عن أسماء بنت عميس؟ هذا تخبيط اسنادا ومتنا ، ففى هذا أن عليا شغل بمجرد قسم الغنمية ، وهذا لم يقله أحد ولا ذهب إلى جواز ترك الصلاة لذلك ذاهب ، وإن كان قد جوز بعض العلماء تأخير الصلاة عن وقتها لعذر القتال كما حكاه البخارى عن مكحول والأوزاعى وأنس بن مالك فى جماعة من أصحابه ، واحتج له البخارى بقصة تأخير الصلاة يوم الخندق وأمره عليه‌السلام أن لا يصلى أحد منهم العصر إلا فى بنى قريظة ، وذهب

٣٨

جماعة من العلماء إلى أن هذا نسخ بصلاة الخوف ، والمقصود أنه لم يقل أحد من العلماء إنه يجوز تأخير الصلاة بعذر قسم الغنيمة حتى يسند هذا إلى صنيع على رضى الله عنه ، وهو الراوى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الوسطى هى العصر ، فان كان (هذا) ثابتا على ما رواه هؤلاء الجماعة وكان على متعمدا لتأخير الصلاة لعذر قسم الغنيمة وأقره عليه الشارع صار هذا وحده دليلا على جواز ذلك ويكون أقطع فى الحجة مما ذكره البخارى ، لأن هذا بعد مشروعية صلاة الخوف قطعا ، لأنه كان بخيبر سنة سبع ، وصلاة الخوف شرعت قبل ذلك ، وإن كان على ناسيا حتى ترك الصلاة إلى الغروب فهو معذور فلا يحتاج إلى رد الشمس بل وقتها بعد الغروب والحالة هذه إذن كما ورد به الحديث والله أعلم ، وهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث.

ثم إن جعلناه قضية أخرى وواقعة غير ما تقدم ، فقد تعدد رد الشمس غير مرة ومع هذا لم ينقله أحد من أئمة العلماء ولا رواه أهل الكتب المشهورة وتفرد بهذه الفائدة هؤلاء الرواة الذين لا يخلو إسناد منها عن مجهول ومتروك ومتهم والله أعلم ، ثم أورد هذا النص من طريق أبى العباس ابن عقدة : حدثنا يحيى بن زكريا ، حدثنا يعقوب بن سعيد ، حدثنا عمرو ابن ثابت قال : سألت عبد الله بن حسن ابن حسين بن على (بن أبى طالب) عن حديث رد الشمس على على ابن أبى طالب : هل يثبت عندكم؟ فقال لى : ما أنزل الله فى كتابه أعظم من رد الشمس ، قلت : صدقت (جعلنى الله فداك) ولكنى أحب أن أسمعه منك ، فقال : حدثنى أبى ـ الحسن ـ عن أسماء بنت عميس أنها قالت : أقبل على بن أبى طالب ذات يوم وهو يريد أن يصلى العصر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوافق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد انصرف ونزل عليه الوحى فأسنده إلى صدره (فلم يزل مسنده إلى صدره) حتى أفاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أصليت العصر يا على؟ قال : جئت والوحى ينزل عليك فلم أزل مسندك إلى صدرى حتى الساعة ، فاستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القبلة ـ وقد غربت الشمس ـ وقال : اللهم إن عليا كان فى طاعتك فارددها عليه ، قالت أسماء :

٣٩

فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى حتى كانت فى موضعها وقت العصر ، فقام علي متمكنا فصلى ، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى ، فلما غابت اختلط الظلام وبدت النجوم.

وهذا منكر أيضا إسنادا ومتنا وهو مناقض لما قبله من السياقات ، وعمرو ابن ثابت هذا هو المتهم بوضع هذا الحديث أو سرقته من غيره ، وهو عمرو بن ثابت بن هرمز البكرى الكوفى مولى بكر بن وائل ، ويعرف بعمرو بن المقدام الحداد ، روى عن غير واحد من التابعين وحدث عنه جماعة منهم سعيد بن منصور وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان ، قال : تركه عبد الله بن المبارك وقال : لا تحدثوا عنه فانه كان يسب السلف ، ولما مرت به جنازته توارى عنها ، وكذلك تركه عبد الرحمن بن مهدى ، وقال أبو معين والنسائى : ليس بثقة ولا مأمون ولا يكتب حديثه. وقال مرة أخرى هو وأبو زرعة وأبو حاتم : كان ضعيفا ، زاد أبو حاتم : وكان ردىء الرأى شديد التشيع لا يكتب حديثه ، وقال البخارى : ليس بالقوى عندهم ، وقال أبو داود : كان من شرار الناس كان رافضيا خبيثا رجل سوء قال هنا : ولما مات لم أصلّ عليه لأنه قال لما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كفر الناس إلا خمسة ، وجعل أبو داود يذمه ، وقال ابن حبان : يروى الموضوعات (عن الأثبات) وقال ابن عدى : والضعف على حديثه بين ، وأرخوا وفاته فى سنة سبع وعشرين ومائة ، ولهذا قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية : وكان عبد الله بن حسن وأبوه أجل قدرا من أن يحدثا بهذا الحديث.

[حديث أبي هريرة]

قال هذا المصنف المنصف : وأما حديث أبى هريرة فأخبرنا عقيل بن الحسن العسكرى، أنا أبو محمد صالح بن الفتح النسائى ، حدثنا أحمد بن عمير ابن حوصاء ، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهرى ، حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلى عن أبيه ، حدثنا داود بن فراهيج ، وعن عمارة بن برد وعن أبى هريرة

٤٠