معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

باب

معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفوق معجزات الأنبياء السابقين

البينة على ذكر معجزات لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مماثلة لمعجزات جماعة من الأنبياء قبله ، وأعلى منها ، خارجة عما اختص به من المعجزات العظيمة التى لم يكن لاحد قبله منهمعليهم‌السلام.

فمن ذلك القرآن العظيم الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، فإنه معجزة مستمرة على الآباد ، ولا يخفى برهانها ، ولا يتفحص مثلها ، وقد تحدى به الثقلين من الجن والإنس على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة من مثله ، فعجزوا عن ذلك كما تقدم تقرير ذلك فى أول كتاب المعجزات.

وقد سبق الحديث المتفق على إخراجه فى الصحيحين من حديث الليث بن سعد بن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : ما من نبى إلا وقد أوتى من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الّذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة.

والمعنى أن كل نبى أوتى من خوارق المعجزات ما يقتضي إيمان من رأى ذلك من أولى البصائر والنهى ، لا من أهل العناد والشقاء ، وإنما كان الّذي أوتيته ، أى جله وأعظمه وأبهره ، القرآن الّذي أوحاه الله إليّ ، فإنه لا يبيد ولا يذهب كما ذهبت معجزات الأنبياء وانقضت بانقضاء أيامهم ، فلا تشاهد ، بل يخبر عنها بالتواتر والآحاد ، بخلاف القرآن العظيم الّذي أوحاه الله إليه فإنه معجزة متواترة عنه ، مستمرة دائمة البقاء بعده ، مسموعة لكل من ألقى السمع وهو شهيد.

٣٨١

وقد تقدم فى الخصائص ذكر ما اختص به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن بقية إخوانه من الأنبياءعليهم‌السلام ، كما ثبت فى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ، فأينما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لأحد قبلى ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة ، وقد تكلمنا على ذلك وما شاكله فيما سلف بما أغنى عن إعادته ولله الحمد.

وقد ذكر غير واحد من العلماء أن كل معجزة (لنبى) من الأنبياء فهى معجزة لخاتمهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك أن كلا منهم بشر بمبعثه ، وأمر بمتابعته ، كما قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢)) (١).

وقد ذكر البخارى وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه العهد والميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به وليتبعنه ولينصرنه.

وذكر غير واحد من العلماء أن كرامات الأولياء معجزات للأنبياء ؛ لأن الولى إنما نال ذلك ببركة متابعته لنبيه ، وثواب إيمانه.

والمقصود أنه كان الباعث لى على عقد هذا الباب أنى وقفت على مولد اختصره من سيرة الإمام محمد بن إسحاق بن يسار وغيرهما شيخنا الإمام العلامة شيخ الإسلام كمال الدين أبو المعالى محمد بن على الأنصارى السماكى ، نسبه إلى أبى دجانة الأنصارى سماك بن حرب بن حرشة الأوسى ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآيتان : ٨١ ـ ٨٢.

٣٨٢

رضى الله عنه ، شيخ الشافعية فى زمانه بلا مدافعة ، المعروف بابن الزملكانى عليه رحمة الله ، وقد ذكر في أواخره شيئا من فضائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعقد فصلا فى هذا الباب فأورد فيه أشياء حسنة ، ونبه على فوائد جمة ، وفوائد مهمة ، وترك أشياء أخرى حسنة ، ذكرها غيره من الأئمة المتقدمين ، ولم أره استوعب الكلام إلى آخره ، فأما أنه قد سقط من خطه ، أو أنه لم يكمل تصنيفه ، فسألنى بعض أهله من أصحابنا ممن تتأكد إجابته ، وتكرر ذلك منه ، فى تكميله وتبويبه وترتيبه ، وتهذيبه ، والزيادة عليه والإضافة إليه ، فاستخرت الله حينا من الدهر ، ثم نشطت لذلك ابتغاء الثواب والأجر.

وقد كنت سمعت من شيخنا الإمام العلامة الحافظ ، أبى الحجاج المزى تغمده الله برحمته ، أن أول من تكلم فى هذا المقام الإمام أبو عبد الله محمد ابن إدريس الشافعى رضى الله عنه.

وقد روى الحافظ أبو بكر البيهقى رحمه‌الله فى كتابه دلائل بالنبوة ، عن شيخه الحاكم أبى عبد الله ، أخبرنى أبو أحمد بن أبى الحسن ، أنا عبد الرحمن بن أبى حاتم الرازى عن أبيه ، قال عمر ابن سوار : قال الشافعى : مثل ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : أعطى عيسى إحياء الموتى ، فقال : أعطى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجذع الّذي كان يخطب إلى جنبه حين بنى له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته ، فهذا أكبر من ذلك ، هذا لفظه رضى الله عنه ، والمراد من إيراد ما نذكره فى هذا الباب ، والبينة على ما أعطى الله أنبياءه عليهم‌السلام من الآيات البينات ، والخوارق القاطعات ، والحجج الواضحات ، وأن الله جمع لعبده ورسوله سيد الأنبياء وخاتمهم من جميع أنواع المحاسن والآيات مع ما اختصه الله به مما لم يؤت أحدا قبله ، كما ذكرنا فى خصائصه وشمائله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ووقفت على فصل مليح فى هذا المعنى ، فى كتاب دلائل النبوة للحافظ أبى نعيم ، أحمد بن عبد الله الأصبهانى ، وهو كتاب حافل فى ثلاث

٣٨٣

مجلدات ، عقد فيه فصلا فى هذا المعنى ، وكذا ذكر ذلك الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد ، فى كتابه دلائل النبوة ، وهو كتاب كبير جليل حافل ، مشتمل على فرائد نفيسة ، وكذا الصرصرى الشاعر يورد فى بعض قصائده أشياء من ذلك كما سيأتى ، وها أنا أذكر بعون الله مجامع ما ذكرنا من هذه الأماكن المتفرقة بأوجز عبارة ، وأقصر إشارة ، وبالله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

٣٨٤

القول فيما أوتي نوح عليه‌السلام

قال الله تعالى : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥)) (١).

وقد ذكرت القصة مبسوطة فى أول هذا الكتاب وكيف دعا على قومه فنجاه الله ومن اتبعه من المؤمنين فلم يهلك منهم أحد ، وأغرق من خالفه من الكافرين فلم يسلم منهم أحد حتى ولا ولده.

قال شيخنا العلامة أبو المعالى محمد بن على الأنصارى الزملكانى ، ومن خطه نقلت : وبيان أن كل معجزة لنبى فلنبينا أمثالها ، إذا تم يستدعى كلاما طويلا ، وتفصيلا لا يسعه مجلدات عديدة ، ولكن ننبه بالبعض على البعض ، فلنذكر جلائل معجزات الأنبياء عليهم‌السلام ، فمنها نجاة نوح فى السفينة بالمؤمنين ، ولا شك أن حمل الماء للناس من غير سفينة أعظم من السلوك عليه فى السفينة ، وقد مشى كثير من الأولياء على متن الماء ، وفى قصة العلاء بن زياد ، صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يدل على ذلك.

روى منجاب قال : غزونا مع العلاء بن الحضرمى دارين ، فدعا بثلاث دعوات فاستجيبت له ، فنزلنا منزلا فطلب الماء فلم يجده ، فقام وصلى ركعتين وقال : اللهم إنا عبيدك وفى سبيلك ، نقاتل عدوك ، اللهم اسقنا غيثا نتوضأ به ونشرب ، ولا يكون لأحد فيه نصيب غيرنا ، فسرنا قليلا فإذا نحن بماء حين أقلعت السماء عنه ، فتوضأنا منه وتزودنا ، وملأت إداوتى وتركتها مكانها حتى أنظر هل استجيب له أم لا ، فسرنا قليلا ثم قلت لأصحابى :

__________________

(١) سورة القمر ، الآيات : ١٠ ـ ١٥.

٣٨٥

نسيت إداوتي ، فرجعت إلى ذلك المكان فكأنه لم يصبه ماء قط ، ثم سرنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم ، فقال : يا على يا حكيم ، إنا عبيدك وفى سبيلك ، نقاتل عدوك ، فاجعل لنا إليهم سبيلا ، فدخلنا البحر فلم يبلغ الماء ليودنا ، ومشينا على متن الماء ولم يبتل لنا شيء ، وذكر بقية القصة ، فهذا أبلغ من ركوب السفينة ، فإن حمل الماء للسفينة معتاد ، وأبلغ من قلق البحر لموسى ، فإن هناك انحسر الماء حتى مشوا على الأرض ، فالمعجز انحسار الماء ، وهاهنا صار الماء جسدا يمشون عليه كالأرض ، وإنما هذا منسوب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبركته ، انتهى ما ذكره بحروفه فيما يتعلق بنوح عليه‌السلام.

وهذه القصة التى ساقها شيخنا ذكرها الحافظ أبو بكر البيهقى فى كتابه الدلائل من طريق أبى بكر بن أبى الدنيا عن أبى كريب عن محمد بن فضيل عن الصلت بن مطر العجلى عن عبد الملك ابن أخت سهم عن سهم بن منجاب قال : غزونا مع العلاء بن الحضرمى فذكره.

وقد ذكرها البخارى فى التاريخ الكبير من وجه آخر.

ورواها البيهقى من طريق أبى هريرة رضى الله عنه أنه كان مع العلاء وشاهد ذلك.

وساقها البيهقى من طريق عيسى بن يونس عن عبد الله عن عون عن أنس بن مالك قال : أدركت فى هذه الأمة ثلاثا لو كانت فى بنى إسرائيل لما تقاسمها الأمم ، قلنا : ما هن يا أبا حمزة؟ قال : كنا فى الصفة عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ ، فأضاف المرأة إلى النساء ، وأضاف ابنها إلينا ، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أياما ثم قبض ، فغمضه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر بجهازه ، فلما أردنا أن نغسله قال : يا أنس ائت أمه ، فأعلمها فأعلمتها ، قال : فجاءت حتى جلست عند قدميه ، فأخذت بهما ثم قالت : اللهم إنى أسلمت لك طوعا ، وخلعت الأوثان ، فلا تحملنى من

٣٨٦

هذه المصيبة ما لا طاقة لى بحمله ، قال : فو الله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه ، وعاش حتى قبض الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحتى هلكت أمه ، قال أنس : ثم جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمى ، قال أنس : وكنت فى غزاته ، فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء ، والحر شديد ، فجدنا العطش ودوابنا ، وذلك يوم الجمعة ، فلما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين ثم مد يده إلى السماء وما نرى فى السماء شيئا ، قال : فو الله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب ، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا ، قال : ثم أتينا عدونا وقد جاوز خليجا فى البحر إلى جزيرة ، فوقف على الخليج وقال : يا على يا عظيم ، يا حليم يا كريم ، ثم قال : أجيزوا بسم الله ، قال : فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا ، فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو عليه ، فقتلنا وأسرنا وسبينا ، ثم أتينا الخليج ، فقال مثل مقالته ، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا.

ثم ذكر موت العلاء ودفنهم إياه فى أرض لا تقبل الموتى ، ثم إنهم حفروا عليه لينقلوه منها إلى غيرها فلم يجدوه ثم ، وإذا اللحد يتلألأ نورا ، فأعادوا التراب عليه ثم ارتحلوا ، فهذا السياق أتم ، فيه قصة المرأة التى أحيى الله لها ولدها بدعائها ، وسننبه على ذلك فيما يتعلق بمعجزات المسيح عيسى ابن مريم مع ما يشابهها إن شاء الله تعالى ، كما سنشير إلى قصة العلاء هذه مع ما سنورده معها هاهنا ، فيما يتعلق بمعجزات موسى عليه‌السلام ، فى قصة فلق البحر لبنى إسرائيل ، وقد أرشد إلى ذلك شيخنا فى عيون كلامه.

٣٨٧
٣٨٨

قصة أخرى تشبه قصة العلاء بن الحضرمى

[قصة اقتحام أبي عبيدة الثقفي دجلة]

روى البيهقى فى الدلائل ـ وقد تقدم ذلك أيضا ـ من طريق سليمان ابن مروان الأعمش عن بعض أصحابه ، قال : انهينا إلى دجلة وهى مادة والأعاجم خلفها ، فقال رجل من المسلمين : بسم الله ، ثم اقتحم فرسه فارتفع على الماء ، فقال الناس : بسم الله ، ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء ، فنظر إليهم الأعاجم ، وقالوا : ديوان ، ديوان ، أى مجانين ، ثم ذهبوا على وجوههم ، قال فما فقد الناس إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج ، فلما خرجوا أصابوا الغنائم واقتسموا ، فجعل الرجل يقول : من يبادل صفراء ببيضاء؟.

وقد ذكرنا فى السيرة العمرية وأيامها ، وفى التفسير أيضا : أن أول من اقتحم دجلة يومئذ أبو عبيدة النفيعى أمير الجيوش فى أيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وأنه نظر إلى دجلة فتلا قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) (١) ثم سمى الله تعالى واقتحم بفرسه الماء واقتحم الجيش وراءه ، ولما نظر إليهم الأعاجم يفعلون ذلك جعلوا يقولون : ديوان ديوان ، أى مجانين مجانين ، ثم ولوا مدبرين فقتلهم المسلمون وغنموا منهم مغانم كثيرة.

قصة أخرى شبيهة بذلك

قصة اقتحام أبي مسلم الخولاني دجلة

وروى البيهقى من طريق أبى النضر عن سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولانى جاء إلى دجلة وهى ترمى الخشب من مدها فمشى على الماء والتفت

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٥.

٣٨٩

إلى أصحابه ، وقال : هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله تعالى؟ ثم قال : هذا إسناد صحيح ، قلت :

وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر ، فى ترجمة أبى عبد الله ابن أيوب الخولانى هذه القصة بأبسط من هذه من طريق بقية بن الوليد : حدثنى محمد بن زياد عن أبى مسلم الخولانى أنه كان إذا غزا أرض الروم فمروا بنهر قال : أجيزوا بسم الله ، قال : ويمر بين أيديهم فيمرون على الماء فما يبلغ من الدواب إلا إلى الركب ، أو فى بعض ذلك ، أو قريبا من ذلك ، قال : وإذا جازوا قال للناس : هل ذهب لكم شيء؟ من ذهب له شيء فأنا ضامن ، قال : فألقى مخلاة عمدا ، فلما جاوزوا قال الرجل : مخلاتى وقعت فى النهر ، قال له : اتبعنى ، فإذا المخلاة قد تعلقت ببعض أعواد النهر ، فقال : خذها.

وقد رواه أبو داود من طريق الأعرابى عنه عن عمرو ابن عثمان عن بقية به ، ثم قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا سليمان ابن المغيرة عن حميد أن أبا مسلم الخولانى أتى على دجلة وهى ترمى بالخشب من مدها فوقف عليها ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر مسير بنى إسرائيل فى البحر ، ثم لهز دابته فخاضت الماء وتبعه الناس حتى قطعوا ، ثم قال : هل فقدتم شيئا من متاعكم فأدعو الله أن يرده على؟ ، وقد رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن عبد الكريم بن رشيد عن حميد بن هلال العدوى : حدثنى ابن عمى أخى أبى قال : خرجت مع أبى مسلم فى جيش فأتينا على نهر عجاج منكر ، فقلنا لأهل القرية : أين المخاضة؟ فقالوا : ما كانت هاهنا مخاضة ولكن المخاضة أسفل منكم على ليلتين ، فقال أبو مسلم : اللهم أجزت بنى إسرائيل البحر ، وإنا عبيدك وفى سبيلك ، فأجزنا هذا النهر اليوم ، ثم قال : اعبروا بسم الله ، قال ابن عمى : وأنا على فرس فقلت : لأدفعنه أول الناس خلف فرسه ، قال : فو الله ما بلغ الماء بطون الخيل حتى عبر الناس كلهم ، ثم وقف

٣٩٠

وقال : يا معشر المسلمين ، هل ذهب لأحد منكم شيء فأدعو الله تعالى يرده؟.

فهذه الكرامات لهؤلاء الأولياء ، هى معجزات لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما تقدم تقريره ؛ لأنهم إنما نالوها ببركة متابعته ، ويمن سفارته ، إذ فيها حجة فى الدين ، أكيدة للمسلمين ، وهى مشابهة نوح عليه‌السلام فى مسيره فوق الماء بالسفينة التى أمره الله تعالى بعملها ، ومعجزة موسى عليه‌السلام فى فلق البحر ، وهذه فيها ما هو أعجب من ذلك ، من جهة مسيرهم على متن الماء من غير حائل ، ومن جهة أنه ماء جار والسير عليه أعجب من السير على الماء القار الّذي يجاز ، وإن كان ماء الطوفان أطم وأعظم ، فهذه خارق ، والخارق لا فرق بين قليله وكثيره ، فإن من سلك على وجه الماء الخضم الجارى العجاج فلم يبتل منه نعال خيولهم ، أو لم يصل إلى بطونها ، فلا فرق فى الخارق بين أن يكون قامة أو ألف قامة ، أو أن يكون نهرا أو بحرا ، بل كونه نهرا عجاجا كالبرق الخاطف والسيل الجارى ، أعظم وأغرب ، وكذلك بالنسبة إلى فلق البحر ، وهو جانب بحر القلزم ، حتى صار كل فرق كالطود العظيم ، أى الجبل الكبير ، فانحاز الماء يمينا وشمالا حتى بدت أرض البحر ، وأرسل الله عليها الريح حتى أيبسها ، ومشت الخيول عليها بلا انزعاج ، حتى جاوزوا عن آخرهم ، وأقبل فرعون بجنوده (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩)) (١) وذلك أنهم لما توسطوه وهموا بالخروج منه ، أمر الله البحر فارتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم ، فلم يفلت منهم أحد ، كما لم يفقد من بنى إسرائيل واحد ، ففى ذلك آية عظيمة بل آيات معدودات ، كما بسطنا ذلك فى التفسير ولله الحمد والمنة.

والمقصود أن ما ذكرناه من قصة العلاء بن الحضرمى ، وأبى عبد الله الثقفى ، وأبى مسلم الخولانى ، من مسيرهم على تيار الماء الجارى ، فلم

__________________

(١) سورة طه ، الآيتان : ٧٨ ، ٧٩.

٣٩١

يفقد منهم أحد ، ولم يفقدوا شيئا من أمتعتهم ، هذا وهم أولياء ، منهم صحابى وتابعيان فما الظن لو (كان) الاحتياج إلى ذلك بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيد الأنبياء وخاتمهم ، وأعلاهم منزلة ليلة الإسراء ، وإمامهم ليلتئذ ببيت المقدس الّذي هو محل ولايتهم ، ودار بدايتهم ، وخطبهم يوم القيامة ، وأعلاهم منزلة فى الجنة ، وأول شافع فى الحشر ، وفى الخروج من النار ، وفى دخول الجنة ، وفى رفع الدرجات بها ، كما بسطنا أقسام الشفاعة وأنواعها ، فى آخر الكتاب فى أهوال يوم القيامة ، وبالله المستعان.

وسنذكر فى المعجزات الموسوية ما ورد من المعجزات المحمدية ، مما هو أظهر وأبهر منها ونحن الآن فيما يتعلق بمعجزات نوح عليه‌السلام ، ولم يذكر شيخنا سوى ما تقدم.

وأما الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهانى ، فإنه قال فى آخر كتابه فى دلائل النبوة ، وهو فى مجلدات ثلاث : الفصل الثالث والثلاثون فى ذكر موازنة الأنبياء فى فضائلهم ، بفضائل نبينا ، وما قبلة ما أوتوا من الآيات بما أوتى ، إذ أوتى ما أوتوا وشبهه ونظيره ، فكان أول الرسل نوح عليه‌السلام ، وآيته التى أوتى شفاء غيظه ، وإجابة دعوته ،. فى تعجيل نقمة الله لمكذبيه ، حتى هلك من على بسيط الأرض من صامت وناطق ، إلا من آمن به ودخل معه فى سفينته ، ولعمرى إنها آية جليلة ، وافقت سابق قدر الله وما قد علمه فى هلاكهم ، وكذلك نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما كذبه قومه وبالغوا فى أذيته ، والاستهانة بمنزلته من الله عزوجل ، حتى ألقى السفيه عقبة بن أبى معيط سلا الجزور على ظهره وهو ساجد ، فقال : اللهم عليك بالملإ من قريش (١).

ثم ساق الحديث عن ابن مسعود كما تقدم.

كما ذكرنا له فى صحيح البخارى وغيره فى وضع الملأ من قريش على

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الجزية (٣١٨٥) (٩ / ٤٠٦).

٣٩٢

ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ساجد عند الكعبة سلا تلك الجزور ، واستضحاكهم من ذلك ، حتى أن بعضهم يميل على بعض من شدة الضحك ، ولم يزل على ظهره حتى جاءت ابنته فاطمة عليها‌السلام فطرحته عن ظهره ، ثم أقبلت عليهم تسبهم ، فلما سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صلاته رفع يديه فقال : اللهم عليك بالملإ من قريش ، ثم سمى فقال : اللهم عليك بأبى جهل وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبى معيط وعمارة بن الوليد ، قال عبد الله بن مسعود : فو الّذي بعثه بالحق لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ، وكذلك لما أقبلت قريش يوم بدر فى عددها وعديدها ، فحين عاينهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رافعا يديه : اللهم هذه قريش جاءتك بفخرها وخيلائها ، تجادل وتكذب رسولك ، اللهم أصبهم الغداة ، فقتل من سراتهم سبعون وأسر من أشرافهم سبعون ، ولو شاء الله لاستأصلهم عن آخرهم ، ولكن من حلم وشرف نبيه أبقى منهم من سبق فى قدره أن سيؤمن به وبرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد دعا على عتبة بن أبى لهب أن يسلط عليه كلبه بالشام ، فقتله الأسد عند وادى الزرقاء قبل مدينة بصرى ، وكم له من مثلها ونظيرها ، كسبع يوسف فقحطوا حتى أكلوا العكبر ، وهو الدم بالوتر ، وأكلوا العظام وكل شيء ، ثم توصلوا إلى تراحمه وشفقته ورأفته ، فدعا لهم ، ففرج الله عنهم وسقوا الغيث ببركة دعائه.

وقال الإمام الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد فى كتاب دلائل النبوة ـ وهو كتاب حافل ـ : ذكر ما أوتى نوح عليه‌السلام من الفضائل ، وبيان ما أوتى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما يضاهى فضائله ويزيد عليها ، إن قوم نوح لما بلغوا من أذيته والاستخفاف به ، وترك الإيمان بما جاءهم به من عند الله دعا عليهم فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦)) (١) فاستجاب الله دعوته ، وغرق قومه ، حتى لم يسلم شيء من الحيوانات والدواب إلا من

__________________

(١) سورة نوح ، الآية : ٢٦.

٣٩٣

ركب السفينة ، وكان ذلك فضيلة أوتيها ، إذ أجيبت دعوته ، وشفى صدره بإهلاك قومه ، قلنا : وقد أوتى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف ، فأنزل الله إليه ملك الجبال وأمره بطاعته فيما يأمره به من إهلاك قومه ، فاختار الصبر على أذيتهم ، والابتهال فى الدعاء لهم بالهداية ، قلت : وهذا أحسن.

وقد تقدم الحديث بذلك عن عائشة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فى قصة ذهابه إلى الطائف ، فدعاهم فآذوه فرجع وهو مهموم ، فلما كان عند قرن الثعالب ناداه ملك الجبال فقال : يا محمد إن ربك قد سمع قول قومك وما ردوا عليك ، وقد أرسلنى إليك لأفعل ما تأمرنى به ، فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين ـ يعنى جبلى مكة اللذين يكتنفانها جنوبا وشمالا ، أبو قبيس وزر ، فقال : بل استأنى بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئا.

وقد ذكر الحافظ أبو نعيم فى مقابلة قوله تعالى : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)) (١) أحاديث الاستسقاء عن أنس وغيره.

كما تقدم ذكرنا لذلك فى دلائل النبوة قريبا أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأله ذلك الأعرابى أن يدعوا الله لهم ، لما بهم من الجدب والجوع ، فرفع يديه فقال : اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا ، فما نزل عن المنبر حتى رؤى المطر يتحادر على لحيته الكريمة صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستحضر من استحضر من الصحابة رضى الله عنهم قول عمه أبى طالب فيه :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

__________________

(١) سورة القمر ، الآيات : ١٠ ، ١٢.

٣٩٤

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده فى نعمة وفواضل

وكذلك استسقى فى غير ما موضع للجدب والعطش فيجاب كما يريد على قدر الحاجة المائية ، ولا أزيد ولا أنقص ، وهكذا وقع أبلغ فى المعجزة ، وأيضا فإن هذا ماء رحمة ونعمة ، وماء الطوفان ماء غضب ونقمة ، وأيضا فإن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يستسقى بالعباس عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسقون ، وكذلك ما زال المسلمون فى غالب الأزمان والبلدان ، يستسقون فيجابون فيسقون ، و (غيرهم) لا يجابون غالبا ولا يسقون ولله الحمد.

قال أبو نعيم : ولبث نوح فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، فبلغ جميع من آمن رجال ونساء ، الذين ركبوا معه سفينته ، دون مائة نفس ، وآمن بنبينا ـ فى مدة عشرين سنة ـ ، الناس شرقا وغربا ، ودانت له جبابرة الأرض وملوكها ، وخافت زوال ملكهم ، ككسرى وقيصر ، وأسلم النجاشى والأقيال رغبة فى دين الله ، والتزم من لم يؤمن به من عظماء الأرض الجزية ، والأيادة عن صغار ، أهل نجران ، وهجر ، وأيلة وأنذر دومة ، فذلوا له منقادين ، لما أيده الله من الرعب الّذي يسير بين يديه شهرا ، وفتح الفتوح ، ودخل الناس فى دين الله أفواجا كما قال الله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢)) (١).

قلت : مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد فتح الله له المدينة وخيبر ومكة وأكثر اليمن وحضرموت ، وتوفى عن مائة ألف صحابى أو يزيدون ، وقد كتب فى آخر حياته الكريمة إلى سائر ملوك الأرض يدعوهم إلى الله تعالى ، فمنهم من أجاب ومنهم من صانع ودارى عن نفسه ، ومنهم من تكبر فخاب وخسر ، كما فعل كسرى بن هرمز حين عتى وبغى وتكبر ، فمزق ملكه ، وتفرق جنده شذر مذر ، ثم فتح خلفاؤه من بعده ، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على

__________________

(١) سورة النصر ، الآيتان : ١ ، ٢.

٣٩٥

التالى على الأثر مشارق الأرض ومغاربها ، من البحر الغربى إلى البحر الشرقى ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : زويت لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لى منها (١) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، والّذي نفسى بيده لتنفقن كنوزهما فى سبيل الله (٢) ، وكذا وقع سواء بسواء فقد استولت الممالك الإسلامية على ملك قيصر وحواصله ، إلا القسطنطينية ، وجميع ممالك كسرى وبلاد المشرق ، وإلى أقصى بلاد المغرب ، إلى أن قتل عثمان رضى الله عنه فى سنة ستة وثلاثين ، فكما عمت جميع أهل الأرض النقمة بدعوة نوح عليه‌السلام ، لما رآهم عليه من التمادى فى الضلال والكفر والفجور ، فدعا عليهم غضبا لله ولدينه ورسالته ، فاستجاب الله له ، وغضب لغضبه ، وانتقم منهم بسببه ، كذلك عمت جميع أهل الأرض ببركة رسالة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعوته ، فآمن من آمن من الناس ، وقامت الحجة على من كفر منهم ، كما قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)) (٣) وكما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنما أنا رحمة مهداة.

وقال هشام بن عمار فى كتب البعث : حدثنى عيسى بن عبد الله النعمانى ، حدثنا المسعودى عن سعيد بن أبى سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فى قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)) قال : من آمن بالله ورسله تمت له الرحمة فى الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ورسله عد فيمن يستحق تعجيل ما كان يصيب الأمم قبل ذلك من العذاب والفتن والقذف والخسف ، وقال تعالى : (لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨)) (٤) قال ابن عباس : النعمة محمد ، والذين بدلوا

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ١٢٣).

(٢) أحمد في مسنده (٢ / ٢٣٣) ، والبخاري في كتاب المناقب (٣٦١٨) (١٠ / ٤٩٥).

(٣) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٧.

(٤) سورة إبراهيم ، الآية : ٢٨.

٣٩٦

نعمة الله كفرا كفار قريش ـ يعنى وكذلك كل من كذب به من سائر الناس ـ كما قال : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) (١).

قال أبو نعيم : فإن قيل : فقد سمى الله نوحا عليه‌السلام باسم من أسمائه الحسنى ، فقال : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)) (٢) قلنا : وقد سمى الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسمين من أسمائه فقال : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)) (٣) قال : وقد خاطب الله الأنبياء بأسمائهم : يا نوح ، يا إبراهيم ، يا موسى ، يا داود ، يا يحيى ، يا عيسى ، يا مريم ، وقال مخاطبا لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ يا أيها الرسول ، يا أيها النبي ، يا أيها المزمل ، يا أيها المدثر ، وذلك قائم مقام الكنية بصفة الشرف ، ولما نسب المشركون أنبياءهم إلى السفه والجنون ، كل أجاب عن نفسه قال نوح : (يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧)) (٤) وكذا قال هود عليه‌السلام ، ولما قال فرعون : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١)) (٥) ، قال (موسى) : (قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢)) (٦) وأما محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن الله تعالى هو الّذي يتولى جوابهم عنه بنفسه الكريمة ، كما قال : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧)) (٧) قال الله تعالى : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨)) (٨) وقال تعالى :

__________________

(١) سورة هود ، الآية : ١٧.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٣.

(٣) سورة التوبة ، الآية : ١٢٨.

(٤) سورة الأعراف ، الآية : ٦٧.

(٥) سورة الإسراء ، الآية : ١٠١.

(٦) سورة الإسراء ، الآية : ١٠٢.

(٧) سورة الحجر ، الآيتان : ٦ ، ٧.

(٨) سورة الحجر ، الآية : ٨.

٣٩٧

(أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦)) (١) ، (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١)) (٢) وقال تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣)) (٣) ، (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١)) (٤) قال الله تعالى (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)) (٥) وقال تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)) (٦) وقال تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) (٧).

__________________

(١) سورة الفرقان ، الآيتان : ٥ ، ٦.

(٢) سورة الطور ، الآيتان : ٣٠ ، ٣١.

(٣) سورة الحاقة ، الآيات : ٤١ ـ ٤٣.

(٤) سورة القلم ، الآية : ٥١.

(٥) سورة القلم ، الآية : ٥٢.

(٦) سورة القلم ، الآيات : ١ ـ ٤.

(٧) سورة النحل ، الآية : ١٠٣.

٣٩٨

القول فيما أوتى هود عليه‌السلام

قال أبو نعيم ما معناه : إن الله تعالى أهلك قومه بالريح العقيم ، وقد كانت ريح غضب ، ونصر الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبا يوم الأحزاب ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩)) (١) ثم قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ح وحدثنا عثمان ابن محمد العثمانى ، أنا زكريا بن يحيى الساجى ، قال : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن عتاب عن داود بن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما كان يوم الأحزاب انطلقت الجنوب إلى الشمال فقالت : انطلقى بنا ننصر محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت الشمال للجنوب : إن الحرة لا ترى بالليل ، فأرسل الله عليهم الصبا ، فذلك قوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) ويشهد له الحديث المتقدم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٩.

٣٩٩
٤٠٠