معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

نظر ، وبيان ذلك أن الخلفاء إلى زمن الوليد ابن اليزيد هذا أكثر من اثنى عشر على كل تقدير ، وبرهانه أن الخلفاء الأربعة ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ، خلافتهم محققة بنص حديث سفينة : الخلافة بعدى ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن على كما وقع ، لأن عليا أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق ، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام حتى اصطلح هو ومعاوية ، كما دل عليه حديث أبى بكرة فى صحيح البخارى ، ثم معاوية ، ثم ابنه يزيد بن معاوية ، ثم ابنه معاوية بن يزيد ، ثم مروان بن الحكم ، ثم ابنه عبد الملك بن مروان ، ثم ابنه الوليد بن عبد الملك ، ثم سليمان بن عبد الملك ، ثم عمر ابن عبد العزيز ، ثم يزيد بن عبد الملك ، ثم هشام بن عبد الملك ، فهؤلاء خمسة عشر ، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، فإن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر ، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر ابن عبد العزيز ، فهذا الّذي سلكه على هذا التقدير يدخل فى الاثنى عشر يزيد بن معاوية ، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز ، الّذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه ، وعدوه من الخلفاء الراشدين ، وأجمع الناس قاطبة على عدله ، وأن أيامه كانت من أعدل الأيام حتى الرافضة يعترفون بذلك ، فإن قال : أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد على بن أبى طالب ولا ابنه ، لان الناس لم يجتمعوا عليهما وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، وعد حبيب معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير ، كأن الأمة لم تجتمع على واحد منهما ، فعلى هذا نقول فى مسلكه هذا عادا للخلفاء أبى بكر وعمر وعثمان ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد بن سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام فهؤلاء عشرة ،. ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق ، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك ؛ لأنه يلزم منه إخراج على وابنه الحسن من هؤلاء الاثنى عشر وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة بل والشيعة ، ثم هو خلاف ما دل عليه نصا حديث سفينة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال :

٣٦١

الخلافة بعدى ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا عضوضا ، وقد ذكر سفينة تفصيل هذه الثلاثين سنة فجمعها من خلافة الأربعة ، وقد بينا دخول خلافة الحسن وكانت نحوا من ستة أشهر فيها أيضا ، ثم صار الملك إلى معاوية لما سلّم الأمر إليه الحسن بن على.

وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة ، وبيان أن الخلافة قد انقطعت بعد الثلاثين سنة لا مطلقا ، بل انقطع تتابعها ، ولا ينفى وجود خلفاء راشدين بعد ذلك ، كما دل عليه حديث جابر بن سمرة.

وقال نعيم بن حماد : حدثنا راشد بن سعد عن ابن لهيعة عن خالد بن أبى عمران عن حذيفة بن اليمان قال : يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بنى أمية ، قيل له : خلفاء؟ قال : لا بل ملوك.

وقد روى البيهقى من حديث حاتم بن صفرة عن أبى بحر قال : كان أبو الجلد جارا لى ، فسمعته يقول يحلف عليه : أن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، منهم رجلان من أهل البيت ، أحدهما يعيش أربعين سنة ، والآخر ثلاثين سنة.

ثم شرع البيهقى فى رد ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الرد وهذا عجيب منه وقد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء. ولعل قوله أرجح لما ذكرنا وقد كان ينظر فى شيء من الكتب المتقدمة ، وفى التوراة التى بأيدى أهل الكتاب ما معناه : إن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل ، وإنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثنى عشر عظيما.

قال شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية : وهؤلاء المبشر بهم فى حديث جابر بن سمرة ، وقرر أنهم يكونون مفرقين فى الأمة ، ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا ، وغلط كثير ممن تشرف بالإسلام من اليهود فظنوا أنهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم.

٣٦٢

وقد قال نعيم بن حماد : حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن أبى المنهال عن أبى زياد عن كعب قال : إن الله وهب لإسماعيل من صلبه اثنى عشر قيما ، أفضلهم أبو بكر وعمر وعثمان ، وقال نعيم : حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن يحيى بن عمرو الشيبانى قال : ليس من الخلفاء من لم يملك المسجدين : المسجد الحرام والمسجد الأقصى.

٣٦٣
٣٦٤

الإخبار عن أمور وقعت في دولة بني العباس

فمن ذلك حدثنا أبو جعفر عبد الله ومحمد بن على بن عبد الله بن عباس الخليفة بعد أخيه الخليفة السفاح وهو المنصور البانى لمدينة بغداد ، فى سنة خمس وأربعين ومائة ، قال نعيم ابن حماد فى كتابه : عن أبى المغيرة عن أرطاة بن المنذر عمن حدثه عن ابن عباس أنه أتاه رجل وعنده حذيفة فقال : يا ابن عباس قوله (حم (١) عسق (٢)) (١) ، فأطرق ساعة وأعرض عنه ، ثم كررها فلم يجبه بشيء ، فقال له حذيفة : أنا أنبئك ، وقد عرفت لم كررها ، إنما نزلت فى رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله ، أو عبد الله ، ينزل على نهر من أنهار المشرق ، يبنى عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا ، يجتمع فيهما كل جبار عنيد.

وقال أبو القاسم الطبرانى : حدثنى أحمد بن عبد الوهاب بن نجد الحوطى ، حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الله بن السمط ، حدثنا صالح بن على الهاشمى عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لأن يربى أحدكم بعد أربع وخمسين ومائة جرو كلب ، خير من أن يربى ولدا لصلبه.

قال شيخنا الذهبى : هذا الحديث موضوع ، واتهم به عبد الله بن السمط هذا.

وقال نعيم بن حماد الخزاعى شيخ البخارى ، فى كتابه الفتن والملاحم : حدثنا أبو عمرو البصرى عن أبى بيان المعافرى عن بديع عن كعب قال : إذا كانت سنة ستين ومائة انتقص فيها حلم ذوى الاحلام ، ورأى ذوى الرأى.

__________________

(١) سورة الشورى ، الآيتان : ١ ، ٢.

٣٦٥

حديث آخر

فيه إشارة إلي مالك بن أنس الإمام

روى الترمذي من حديث ابن عيينة عن ابن جريج عن أبى الزبير عن أبى صالح عن أبى هريرة رواية : يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة ، ثم قال : هذا حديث حسن وهو حديث ابن عيينة.

وقد روى عنه أنه قال : هو مالك بن أنس ، وكذا قال عبد الرزاق ، قلت : وقد توفى مالك رحمه‌الله سنة تسع وسبعين ومائة.

حديث آخر

فيه إشارة إلي محمد بن إدريس الشافعي

قال أبو داود الطيالسى : حدثنا جعفر بن سليمان عن النضر بن معبد الكندى أو العبدلى عن الجارود عن أبى الأحوص عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما ، اللهم إنك أذقت أولها وبالا ، فأذق آخرها نوالا ، وقد رواه الحاكم من طريق أبى هريرة.

قال الحافظ أبو نعيم الأصبهانى : وهو الشافعى ، قلت : وقد توفى الشافعى رحمه‌الله فى سنة أربع ومائتين وقد أفردنا ترجمته فى مجلد وذكرنا معه تراجم أصحابه من بعده.

٣٦٦

حديث آخر

[إخباره عن خير الناس بعد المائتين]

روى رواد عن الجراح بن سفيان الثورى عن منصور عن ربعى عن حذيفة مرفوعا : خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ ، قالوا : وما خفيف الحاذ يا رسول الله؟ قال : من لا أهل له ولا مال ولا ولد.

٣٦٧

حديث آخر

[إخباره عن طبقات الناس]

قال ابن ماجه : حدثنا الحسن بن على الخلال ، حدثنا عون بن عمارة ، حدثنى عبد الله بن المثنى ، حدثنا ثمامة (١) بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أبيه عن جده أنس بن مالك عن أبى قتادة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الآيات بعد المائتين.

وحدثنا نصر بن على الجهضمى ، حدثنا نوح ابن قيس ، حدثنا عبد الله ابن معقل عن يزيد الرقاشى عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أمتى على خمس طبقات ، فأربعون سنة أهل بر وتقوى ، ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة سنة أهل تراحم وتواصل ، ثم الذين يلونهم إلى ستين ومائة ، أهل تدابر وتقاطع ثم الهرج الهرج النجاء النجاء.

وحدثنا نصر بن على ، حدثنا حازم أبو محمد العنزى ، حدثنا المسور ابن الحسن عن أبى معن عن أنس ابن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمتى على خمس طبقات كل طبقة أربعون عاما ، فأما طبقتى وطبقة أصحابى فأهل علم وإيمان وأما الطبقة الثانية ما بين الأربعين إلى الثمانين ، فأهل بر وتقوى ، ثم ذكره نحوه. هذا لفظه وهو حديث غريب من هذين الوجهين ، ولا يخلو عن نكارة والله أعلم.

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع بن الأعمش ، حدثنا هلال بن بيان عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يتسمنون يحبون السمن يعطون الشهادة

__________________

(١) في التقريب : عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري أبو المثنى البصري صدوق كثير الخطأ من السادسة.

٣٦٨

قبل أن يسألوها ، ورواه الترمذي من طريق الأعمش.

وقد رواه البخارى ومسلم من حديث شعبة عن أبى حمزة عن زهدم بن مضرب سمعت عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خير أمتى قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ـ قال عمران : فلا أدرى أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ـ ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن (١) ، لفظ البخارى.

وقال البخارى : حدثنا محمد بن كثير ، أنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خير القرون قرنى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ، قال إبراهيم : وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار (٢).

وقد رواه بقية الجماعة إلا أبا داود من طرق متعددة عن منصور به.

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣٦٥١) (١٠ / ٥٢١).

(٢) أحمد في مسنده (٤ / ١٩٣).

٣٦٩

حديث آخر

[إخباره عن الخليفة الذي يدعو الناس إلى كفر]

قال نعيم بن حماد : حدثنا أبو عمرو البصرى عن ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت البنانى عن أبيه عن الحرث الهمدانى عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : السابع من ولد العباس يدعو الناس إلى الكفر فلا يجيبونه ، فيقول له أهل بيته : تريد أن تخرجنا من معايشنا؟ فيقول : إنى أسير فيكم بسيرة أبى بكر وعمر ، فيأبون عليه فيقتله عدو له من أهل بيته من بنى هاشم ، فإذا وثب عليه اختلفوا فيما بينهم فذكر اختلافا طويلا إلى خروج السفيانى ، وهذا الحديث ينطبق على عبد الله المأمون الّذي دعا الناس إلى القول بخلق القرآن ، ووقى الله شرها ، كما سنورد ذلك فى موضعه ، والسفيانى رجل يكون آخر الزمان منسوب إلى أبى سفيان يكون من سلالته ، وسيأتى فى آخر كتاب الملاحم.

٣٧٠

حديث آخر

[إخباره عن غزوة القسطنطينية]

قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا ليث عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه سمعت أبا ثعلبة الخشنى صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سمعه يقول وهو بالفسطاط فى خلافة معاوية وكان معاوية أغزى الناس القسطنطينية فقال : والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم إذا رأيت الشام مائدة رجل واحد وأهل بيته فعند ذلك فتح القسطنطينية ، هكذا رواه أحمد موقوفا على أبى ثعلبة.

وقد أخرجه أبو داود فى سننه من حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبى ثعلبة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم ، تفرد به أبو داود.

ثم قال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو المغيرة حدثنى صفوان عن سريج بن عبيد عن سعد بن أبى وقاص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إنى لأرجو أن لا يعجز أمتى عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم ، قيل لسعد : وكم نصف يوم؟ قال : خمسمائة سنة ، تفرد به أبو داود وإسناده جيد ، وهذا من دلائل النبوة ، فإن هذا يقتضي وقوع تأخير الأمة نصف يوم وهو خمسمائة سنة كما فسره الصحابى ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧)) (١) ثم هذا الإخبار بوقوع هذه المدة لا ينفى وقوع ما زاد عليها ، فأما ما يذكره كثير من الناس من أنه عليه‌السلام لا يؤلف فى قبره ، بمعنى لا يمضى عليه ألف سنة من يوم مات إلى حين تقام الساعة ، فإنه حديث لا أصل له فى شيء من كتب الإسلام والله أعلم.

__________________

(١) سورة الحج ، الآية : ٤٧.

٣٧١

حديث آخر

فيه الأخبار عن ظهور النار التى كانت بأرض الحجاز حتى أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، وقد وقع هذا فى سنة أربع وخمسين وستمائة.

قال البخارى فى صحيحه : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب عن الزهرى قال : قال سعيد بن المسيب : أخبرنى أبو هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى» (١) تفرد به البخارى.

وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس ، وتواتر وقوع هذا فى سنة أربع وخمسين وستمائة ، قال الشيخ الإمام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين فى زمانه ، شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الملقب بأبى شامة فى «تاريخه» : إنها ظهرت يوم الجمعة فى خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة ، وأنها استمرت شهرا وأزيد منه ، وذكر كتبا متواترة عن أهل المدينة ، فى كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادى شظا ، تلقاء أحد ، وأنها ملأت تلك الأدوية ، وأنه يخرج منها شرر يأكل الحجاز ، وذكر أن المدينة زلزلت بسببها ، وأنهم سمعوا أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام ، أول ذلك مستهل الشهر يوم الاثنين ، فلم تزل ليلا ونهارا حتى ظهرت يوم الجمعة فانبجست تلك الأرض عند وادى شظا عن نار عظيمة جدا صارت مثل طوله أربعة فراسخ فى عرض أربعة أميال وعمقه قامة ونصف ، يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك ، ثم يصير كالفحم الأسود ، وذكر أن ضوءها يمتد الى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها فى الليل ، وكأن فى بيت كل منهم مصباحا ، ورأى الناس سناها من مكة شرفها الله ، قلت : وأما بصرى

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الفتن (٧١١٨) (١٩ / ٧٦).

٣٧٢

فأخبرنى قاضى القضاة صدر الدين على بن أبى قاسم التيمى الحنفى قال : أخبرنى والدى ، وهو الشيخ صفى الدين أحد مدرسى بصرى ، أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى ، أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم فى ضوء هذه النار التى ظهرت من أرض الحجاز وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجئوا فى هذه الأيام إلى المسجد النبوى ، وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها ، واستغفروا عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما سلف منهم وأعتقوا الغلمان ، وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم وقد قال قائلهم فى ذلك :

يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا

فقد أحاطت بنا يا رب بأساء

نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها

حملا ونحن بها حقا أحقاء

زلازل تخشع الصم الصلاد لها

وكيف تقوى على الزلزال صماء

أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت

عن منظر منه عين الشمس عشواء (١)

بحر من النار تجرى فوقه سفن

من الهضاب لها فى الأرض إرساء

يرى لها شرر كالقصر (٢) طائشة

كأنها ديمة تنصب هطلاء (٣)

تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت

رعبا وترعد مثل الشهب أضواء

منها تكاثف فى الجو الدخان إلى

أن عادت الشمس منه وهى دهماء (٤)

قد أثرت سعفة فى البدر لفحتها

فليلة التم بعد النور ليلاء (٥)

__________________

(١) العشواء : المظلمة ، وناقة عشواء : لا تبصر أمامها.

(٢) القصر : الحطب الغليظ العظيم.

(٣) هطلاء : ممطرة.

(٤) الدهماء : المسودة.

(٥) ليلاء : مظلمة شديدة السواد.

٣٧٣

فيا لها آية من معجزات رسول

الله يعقلها القوم الألباء (١)

وما قيل من هذه النار مع غرق بغداد فى هذه السنة :

سبحان من أصبحت مشيئته

جارية فى الورى بمقدار

أغرق بغداد بالمياه كما

أحرق أرض الحجاز بالنار

__________________

(١) الألباء : العقلاء.

٣٧٤

حديث آخر

[إخباره عن القوم الذين يخرجون آخر الزمان

وفي أيديهم مثل أذناب البقر]

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا أفلح بن سعيد الأنصارى ، شيخ من أهل قبا من الأنصار ، حدثنى عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن طالت بكم مدة أوشك أن تروا قوما يغدون فى سخط الله ويروحون فى لعنته ، فى أيديهم مثل أذناب البقر (١).

ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عن زيد ابن الخباب عن أفلح بن سعيد به ، وروى مسلم أيضا عن زهير بن حرب عن جرير عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت (٢) المائلة لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ، وهذان الصنفان وهما الجلادون الذين يسمون بالرجالة ، والجناندارية ، كثيرون فى زماننا هذا ومن قبله وقبل قبله بدهر ، والنساء الكاسيات العاريات أى عليهن لبس لا يوارى سوآتهن ، بل هو زيادة فى العورة ، وإبداء للزينة. مائلات فى مشيهن مميلات غيرهن إليهن ، وقد عم البلاء بهن فى زماننا هذا ، ومن قبله أيضا ، وهذا

__________________

(١) أحمد في مسنده (٢ / ٣٢٣).

(٢) أسنمة البخت : لفظ أعجمي بمعنى الإبل الخراسانية ، ويقصد بها هنا ارتفاع الغدائر فوق رءوسهن وجمعها حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس.

٣٧٥

من أكبر دلالات النبوة إذ وقع الأمر فى الخارج طبق ما أخبر به عليه‌السلام ، وقد تقدم حديث جابر : أما إنها ستكون لكم أنماط ، وذكر تمام الحديث فى وقوع ذلك واحتجاج امرأته عليه بهذا.

٣٧٦

حديث آخر

[إخباره عن اتساع الدنيا على أمته]

روى الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن داود بن أبى هند ، وأخرجه البيهقى من حديثه عن أبى حرب بن أبى الأسود الدؤلى عن طلحة بن عمرو البصرى أنه قدم المدينة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبينما هو يصلى إذ أتاه رجل فقال : يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتحرقت عنا الحيف ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : لقد رأيتنى وصاحبى وما لنا طعام غير البرير (١) حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم وكان طعامهم التمر ، والّذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز والتمر لأطعمتكموه ، وسيأتى عليكم زمان أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة ، ويغدى ويراح عليكم بالجفان ، قالوا : يا رسول الله أنحن يومئذ خير أم اليوم؟ قال : بل أنتم اليوم خير ، أنتم اليوم إخوان ، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض (٢).

وقد روى سفيان الثورى عن يحيى بن سعيد عن أبى موسى بحلس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا مشت أمتى المطيطا (٣) وخدمتهم فارس والروم ، سلط الله بعضهم على بعض.

وقد أسنده البيهقى من طريق موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) البرير : تمر الأراك عامة وهو أول ما يظهر في غر الأراك وهو حلو.

(٢) أحمد في مسنده (٣ / ٤٨٧).

(٣) المطيطا : التبختر والخيلاء في المشي.

٣٧٧

حديث آخر

[أخباره عن مجددي الدين]

قال أبو داود : حدثنا سليمان بن داود المنقري ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا سعيد ابن أبى أيوب عن شراحيل بن زيد المعافرى عن أبى علقمة عن أبى هريرة فلما أعلم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.

قال أبو داود : عبد الرحمن بن شريح الاسكندرانى لم يحدثه شراحيل ، تفرد به أبو داود ، وقد ذكر كل طائفة من العلماء فى رأس كل مائة سنة عالما من علمائهم ينزلون هذا الحديث عليه.

وقال طائفة من العلماء هل الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية فى أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف كما جاء فى الحديث من طرق مرسلة وغير مرسلة : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا هذا ، ونحن فى القرن الثامن ، والله المسئول أن يحتم لنا بخير وأن يجعلنا من عباده الصالحين ، ومن ورثة جنة النعيم أمين أمين يا رب العالمين.

وسيأتى الحديث المخرج من الصحيح : لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك.

وفى صحيح البخارى وهم بالشام وقد قال كثير من علماء السلف : أنهم أهل الحديث وهذا أيضا من دلائل النبوة فإن أهل الحديث بالشام أكثر من

٣٧٨

سائر أقاليم الاسلام ، ولله الحمد ، ولا سيما بمدينة دمشق حماها الله وصانها ، كما ورد فى الحديث الّذي سنذكره أنها تكون معقل المسلمين عند وقوع الفتن.

وفى صحيح مسلم عن النواس بن سمعان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر عن عيسى بن مريم أنه ينزل من السماء على المنارة البيضاء شرقى دمشق ولعل أصل لفظ الحديث على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق وقد بلغنى أنه كذلك فى بعض الأجزاء ولم أقف عليه إلى الآن والله الميسر.

وقد جددت هذه المنارة البيضاء الشرقية بجامع دمشق بعد ما أحرقها النصارى من أيامنا هذه بعد سنة أربعين وسبعمائة فأقاموها من أموال النصارى مقاصة على ما فعلوا من العدوان وفى هذا حكمة عظيمة وهو أن ينزل على هذه المبنية من أموالهم عيسى بن مريم نبى الله فيكذبهم فيما افتروه عليه من الكذب عليه وعلى الله ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية أى يتركها ولا يقبل من أحد منهم ولا من غيرهم إلا الإسلام ، يعنى أو يقتله وقد أخبر بهذا عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرره عليه وسوغه له صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم باحسان.

٣٧٩
٣٨٠