معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

الاشارة النبوية إلى دولة عمر بن عبد العزيز تاج بني امية (١)

[وخامس الخلفاء الراشدين]

قد تقدم حديث أبى إدريس الخولانى عن حذيفة قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل بعد هذا الخير من شر؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه؟ قال : قوم يستنون بغير سنتى ، ويهدون بغير هديى ، يعرف منهم وينكر ، الحديث ، فحمل البيهقى وغيره هذا الخير الثانى على أيام عمر بن عبد العزيز.

وروى عن الحاكم عن الأصم عن العباس بن الوليد بن مرثد عن أبيه قال : سئل الأوزاعى عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الشر الّذي يكون بعد ذلك الخير ، فقال الأوزاعى : هى الردة التى كانت بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفى مسألة حذيفة ، فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : نعم ، وفيه دخن ، قال الأوزاعى : فالخير الجماعة ، وفى ولاتهم من يعرف سيرته ، وفيهم من ينكر سيرته. قال : فلم يأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قتالهم ما صلوا الصلاة.

وروى أبو داود الطيالسى عن داود الواسطى ، وكان ثقة ، عن حبيب ابن سالم عن نعمان بن سالم عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنكم فى النبوة ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها لكم إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، قال : فقدم عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد بن النعمان ، فكتبت إليه أذكره الحديث وكتبته إليه أقول : إنى أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الخيرية ، قال : فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسر به وأعجبه ، وقال نعيم بن حماد : حدثنا روح بن عبادة عن سعيد بن أبى عروبة

__________________

(١) السيرة الحلبية (٣ / ٣٤٢).

٣٤١

عن قتادة قال : قال عمر ابن عبد العزيز : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده عمر وعثمان وعلى، فقال لى : ادن ، فدنوت حتى قمت بين يديه ، فرفع بصره إلى وقال : أما إنك ستلى أمر هذه الأمة وستعدل عليهم ، وسيأتى فى الحديث الآخر إن شاء الله أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ، وقد قال كثير من الأئمة إنه عمر بن عبد العزيز، فانه تولى سنة إحدى ومائة.

وقال البيهقى : أنا الحاكم ، أنا أبو حامد أحمد بن على المقرى ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عثمان بن عبد الحميد ابن لاحق عن جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب قال : إن من ولدى رجلا بوجهه شين يلى فيملأ الأرض عدلا ، قال نافع من قبله : ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز.

وقد رواه نعيم بن حماد عن عثمان بن عبد الحميد به ، ولهذا طرق عن ابن عمر أنه كان يقول : ليت شعرى ، من هذا الّذي من ولد عمر بن الخطاب فى وجهه علامة يملأ الأرض عدلا.

وقد روى ذلك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب نحوا من هذا ، وقد كان هذا الأمر مشهورا قبل ولايته وميلاده بالكلية أنه يلى رجل من بنى أمية يقال له : أشج بنى مروان ، وكانت أمه أروى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ، وكان أبوه عبد العزيز بن مروان نائبا لأخيه عبد الملك على مصر ، وكان يكرم عبد الله بن عمر ، ويبعث إليه بالتحف والهدايا والجوائز فيقبلها ، وبعث إليه مرة بألف دينار فأخذها ، وقد دخل عمر بن عبد العزيز يوما إلى اصطبل أبيه وهو صغير ، فرمحه فرس فشجه فى جبينه ، فجعل أبوه يسلت عنه الدم ويقول : أما لئن كنت أشج بنى مروان ، إنك إذا لسعيد ، وكان الناس يقولون : الأشج والناقص أعدلا بنى مروان ، فالأشج هو عمر ابن عبد العزيز ، والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك ، الّذي يقول فيه

٣٤٢

الشاعر :

رأيت اليزيد بن الوليد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

قلت : وقد ولى عمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفا ، فملأ الأرض عدلا ، وفاض المال حتى كان الرجل يهمه لمن يعطى صدقته.

وقد حمل البيهقى الحديث المتقدم عن عدى بن حاتم ، على أيام عمر ابن عبد العزيز ، وعندى فى ذلك نظر ، والله أعلم.

وقد روى البيهقى من حديث إسماعيل بن أبى أويس : حدثنى أبو معن الأنصارى ، حدثنا أسيد قال : بينما عمر بن عبد العزيز يمشى إلى مكة بفلاة من الأرض إذ رأى حية ميتة فقال : على بمحفار ، فقالوا : نكفيك أصلحك الله ، قال : لا ، ثم أخذه ثم لفه فى خرقة ودفنه ، فإذا هاتف يهتف : رحمة الله عليك يا سرق ، فقال له عمر بن عبد العزيز : من أنت يرحمك الله؟ قال : أنا رجل من الجن وهذا سرق ، ولم يبق ممن بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيرى وغيره ، وأشهد لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : تموت يا سرق بفلاة من الأرض ويدفنك خير أمتى.

وقد روى هذا من وجه آخر وفيه : أنهم كانوا تسعة بايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه أن عمر بن عبد العزيز حلفه ، فلما حلف بكى عمر ابن عبد العزيز ، وقد رجحه البيهقى وحسنه ، فالله أعلم.

حديث آخر

في صحته نظر في ذكر وهب بن منبه بالمدح ، وذكر غيلان بالذم

روى البيهقى من حديث هشام بن عمار وغيره عن الوليد بن أسلم عن مروان بن سالم البرقانى عن الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبادة

٣٤٣

ابن الصامت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون فى أمتى رجل يقال له : وهب ، يهب الله له الحكمة ، ورجل يقال له : غيلان ، وهو أضر على أمتى من إبليس ، وهذا لا يصح لأن مروان بن سالم هذا متروك ، وبه إلى الوليد : حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبى هريرة قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر.

قال البيهقى : وفى هذا وأمثاله إشارة إلى غيلان وما ظهر بالشام بسببه من التكذيب بالقدر حتى قتل.

الإشارة الى محمد بن كعب القرظى وعلمه بتفسير القرآن وحفظه

قال حرملة عن ابن وهب : أخبرنى أبو صخر عن عبد الله بن مغيث عن أبى بردة الظفرى عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج فى أحد الكاهنين رجل قد درس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده.

وروى البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن إسماعيل القاضى ، حدثنا أبو ثابت ، حدثنا ابن وهب ، حدثنى عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون فى أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره قال : فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظى ، قال أبو ثابت : الكاهنان ، قريظة والنضير.

وقد روى من وجه آخر مرسل : يخرج من الكاهنين رجل أعلم الناس بكتاب الله ، وقد قال عون ابن عبد الله : ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من محمد ابن كعب.

ذكر الأخبار بانخرام قرنة صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره

ثبت فى الصحيحين من حديث الزهرى عن سالم وأبى بكر بن سليمان

٣٤٤

بن أبى خيثمة عن عبد الله بن عمر قال : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة العشاء ليلة فى آخر عمره ، فلما سلم قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ، قال عمر : فوهل الناس من مقالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث من مائة سنة (١) ، وإنما يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن ، وفى رواية : إنما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انخرام قرنه.

وفى صحيح مسلم من حديث ابن جريج : أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول قبل موته بشهر : يسألون عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، فأقسم بالله ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم ، يأتى عليها مائة سنة ، وهذا الحديث وأمثاله مما يحتج به من ذهب من الأئمة إلى أن الخضر ليس بموجود الآن ، كما قدمنا ذلك فى ترجمته فى قصص الأنبياء عليهم‌السلام ، وهو نص على أن جميع الأحياء فى الأرض يموتون إلى تمام مائة سنة من إخباره عليه‌السلام ، وكذا وقع سواء فما نعلم تأخر أحد من أصحابه إلى ما يجاوز هذه المدة ، وكذلك جميع الناس ، ثم قد طرد بعض العلماء هذا الحكم فى كل مائة سنة ، وليس فى الحديث تعرض لهذا ، والله أعلم.

حديث آخر

[إخباره عن غلام يعيش مائة سنة فعاش]

قال محمد بن عمر الواقدى : حدثنى شريح بن يزيد عن إبراهيم بن محمد ابن زياد الألهانى عن أبيه عن عبد الله بن بسر ، قال : وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده على رأسى وقال : هذا الغلام يعيش قرنا ، قال : فعاش مائة سنة.

__________________

(١) أحمد في مسنده (١ / ٢٩٣).

٣٤٥

وقد رواه البخارى فى التاريخ عن أبى حياة شريح بن يزيد به فذكره ، قال : وزاد غيره: وكان فى وجهه ثالول ، فقال : ولا يموت حتى يذهب الثالول من وجهه ، فلم يمت حتى ذهب الثالول من وجهه.

وهذا إسناد على شرط السنن ، ولم يخرجوه ، ورواه البيهقى عن الحاكم عن محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى عن الفضل بن محرز الشعرانى ، حدثنا حياة بن شريح عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهانى عن أبيه عن عبد الله ابن بسر ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : يعيس هذا الغلام قرنا ، فعاش مائة سنة ، قال الواقدى وغير واحد : توفى عبد الله بن بسر بحمص سنة ثمان وثمانين عن أربع وتسعين ، وهو آخر من بقى من الصحابة بالشام.

الإخبار عن الوليد بما فيه له من الوعيد الشديد

وإن صح فهو الوليد بن يزيد لا الوليد بن عبد الملك

قال يعقوب بن سفيان : حدثنى محمد بن خالد بن العباس السكسكى ، حدثنى الوليد بن مسلم ، حدثنى أبو عمر الأوزاعى عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب قال : ولد لأخى أم سلمة غلام فسموه الوليد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد جعلتم تسمون بأسماء فراعنتكم ، إنه سيكون فى هذه الأمة رجل يقال له الوليد ، وهو أضر على أمتى من فرعون على قومه ، قال أبو عمر الأوزاعى : فكان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك ، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد ، لفتنة الناس به ، حتى خرجوا عليه فقتلوه ، وانفتحت على الأمة الفتنة والهرج.

وقد رواه البيهقى عن الحاكم ، وغيره عن الأصم عن سعيد بن عثمان التنوخي عن بشر بن بكر عن الأوزاعى عن الزهرى عن سعيد ، فذكره ولم يذكر قول الأوزاعى ، ثم قال : وهذا مرسل حسن ، وقد رواه نعيم ابن حماد عن الوليد بن مسلم به ، وعنده قال الزهرى : إن استخلف الوليد ابن يزيد ،

٣٤٦

فهو هو ، وإلا فهو الوليد بن عبد الملك ، وقال نعيم بن حماد : حدثنا هشيم عن أبى حمزة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيكون رجل اسمه الوليد ، يسد به ركن من أركان جهنم وزاوية من زواياها ، وهذا مرسل أيضا.

حديث آخر

[إخباره عن حكم بني أبي العاص]

قال سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا بلغ بنو أبى العاص أربعين رجلا ، اتخذوا دين الله دغلا ، وعباد الله خولا (١) ، ومال الله دولا ، رواه البيهقى من حديثه ، وقال نعيم بن حماد : حدثنا بقية بن الوليد وعبد القدوس عن أبى بكر بن أبى مريم عن راشد بن سعد عن أبى ذر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إذا بلغت بنو أمية أربعين ، اتخذوا عباد الله خولا ، ومال الله نحلا (٢) ، وكتاب الله دغلا (٣) ، وهذا منقطع بين راشد بن سعد وبين أبى ذر.

وقال إسحاق بن راهويه : أنا جرير عن الأعمش عن عطية عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دغلا ومال الله دولا ، وعباد الله خولا (٤) ، ورواه أحمد عن عثمان ابن أبى شيبة عن جرير به.

وقال البيهقى : أنا على بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا بسام ـ وهو محمد بن غالب ـ ، حدثنا كامل بن طلحة ، حدثنا ابن لهيعة عن أبى قبيل أن ابن وهب أخبره أنه كان عند معاوية ابن أبى سفيان

__________________

(١) خولا : تكرما به.

(٢) نحلا : تبرعا.

(٣) دغلا : ريبا وشكا.

(٤) أحمد في مسنده (٣ / ٨٠).

٣٤٧

فدخل عليه مروان فكلمه فى حاجته فقال : اقض حاجتى يا أمير المؤمنين فو الله إن مئونتي لعظيمة ، وإنى لأبو عشرة ، وعم عشرة ، وأخو عشرة ، فلما أدبر مروان ـ وابن عباس جالس مع معاوية على السرير ـ قال معاوية : أنشدك بالله يا ابن عباس ، أما تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله بينهم دولا ، وعباد الله خولا ، وكتاب الله دغلا؟ فإذا بلغوا سبعة وتسعين وأربعمائة ، كان هلاكهم أسرع من لوك ثمرة؟ فقال ابن عباس : اللهم نعم ، قال : وذكر مروان حاجة له فرد عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها ، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية : أنشدك بالله يا ابن عباس ، أما تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر هذا فقال : أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عباس : اللهم نعم ، وهذا الحديث فيه غرابة ونكارة شديدة ، وابن لهيعة ضعيف ، وقد قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا سعد بن زيد ، أخو حماد بن زيد ، عن على بن الحكم البنانى عن أبى الحسن عن عمرو بن مرة ، وكانت له صحبة ، قال : جاء الحكم بن أبى العاص يستأذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعرف كلامه فقال : ائذنوا له ، حية ، أو ولد حية ، عليه لعنة الله ، وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين ، وقليل ما هم ، ليترفون فى الدنيا ويوضعون فى الآخرة ، ذوو مكر وخديعة ،. يعطون فى الدنيا ومالهم فى الآخرة من خلاق ، قال الدارمى : أبو الحسن هذا حمصى ، وقال نعيم بن حماد فى الفتن والملاحم : حدثنا عبد الله بن مروان المروانى عن أبى بكر بن أبى مريم عن راشد بن سعد أن مروان بن الحكم لما ولد دفع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليدعو له ، فأبى أن يفعل ثم قال : ابن الزرقاء ، هلاك أمتى على يديه ويدى ذريته ، وهذا حديث مرسل.

ذكر الأخبار عن خلفاء بنى أمية جملة من جملة (١)

قال يعقوب بن سفيان : حدثنا أحمد بن محمد أبو محمد الزرقى ، حدثنا

__________________

(١) السيرة الحلبية (٣ / ٣٤٢).

٣٤٨

الزنجى ـ يعنى مسلم ابن خالد ـ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : رأيت فى المنام بنى الحكم ـ أو بنى أبى العاص ـ ينزون على منبرى كما تنزو القردة ، قال : فما رآنى رسول الله مستجمعا ضاحكا حتى توفى.

وقال الثورى : عن على بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى أمية على منابرهم فساءه ذلك ، فأوحى إليه : إنما هى دنيا أعطوها ، فقرت به عينه وهى قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (١) يعنى بلاء للناس : على بن زيد بن جدعان ضعيف ، والحديث مرسل أيضا ، وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا القاسم بن الفضل ـ هو الحدائى ـ حدثنا يوسف بن مازن الراسبى قال : قام رجل إلى الحسن بن على بعد ما بايع معاوية ، فقال يا مسود وجوه المؤمنين ، فقال الحسن : لا تؤنبنى رحمك الله ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى بنى أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا ، فساءه ذلك فنزلت (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١)) (٢) ـ يعنى نهرا فى الجنة ـ ونزلت : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)) (٣) يملكه بنو أمية ، قال القاسم : فحسبنا ذلك فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوما ولا ينقص يوما.

وقد رواه الترمذي وابن جرير الطبرى ، والحاكم فى مستدركه ، والبيهقى فى دلائل النبوة. كلهم من حديث القاسم بن الفضل الحذاء ، وقد وثقه يحيى بن سعيد القطان ، وابن مهدى ، عن يوسف بن سعد ، ويقال : يوسف بن مازن الراسبى ، وفى رواية ابن جرير عيسى بن مازن.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية : ٦٠.

(٢) سورة الكوثر ، الآية : ١.

(٣) سورة القدر ، الآيات : ١ ـ ٣.

٣٤٩

قال الترمذي : وهو رجل مجهول ، وهذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، فقوله : إن يوسف هذا مجهول ، مشكل ، والظاهر أنه أراد أنه مجهول الحال ، فأنه قد روى عنه جماعة ، منهم حماد بن سلمة ، وخالد الحذاء ، ويونس بن عبيد.

وقال يحيى بن معين : هو مشهور ، وفى رواية عنه قال : هو ثقة ، فارتفعت الجهالة عنه مطلقا ، قلت : ولكن فى شهوده قصة الحسن ومعاوية نظر ، وقد يكون أرسلها عمن لا يعتمد عليه ، والله أعلم.

وقد سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزى رحمه‌الله عن هذا الحديث فقال : هو حديث منكر وأما قول القاسم بن الفضل رحمه‌الله : إنه حسب دولة بنى أمية فوجدها ألف شهر ، لا تزيد يوما ولا تنقصه ، فهو غريب جدا ، وفيه نظر ، وذلك لأنه لا يمكن إدخال دولة عثمان ابن عفان رضى الله عنه ، وكانت ثنتا عشرة سنة ، فى هذه المدة ، لا من حيث الصورة ولا من حيث المعنى ، وذلك أنها ممدوحة ؛ لأنه أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ، وهذا الحديث إنما سبق لذم دولتهم ، وفى دلالة الحديث على الذم نظر ، وذلك أنه دل على أن ليلة القدر خير من ألف شهر التى هى دولتهم ، وليلة القدر ليلة خيرة ، عظيمة المقدار والبركة ، كما وصفها الله تعالى به ، فما يلزم من تفضيلها على دولتهم ذم دولتهم ، فليتأمل هذا فإنه دقيق يدل على أن الحديث فى صحته نظر ؛ لأنه إنما سبق لذم أيامهم والله تعالى أعلم ، وأما إذا أراد أن ابتداء دولتهم منذ ولى معاوية حين تسلمها من الحسن بن على ، فقد كان ذلك سنة أربعين ، أو إحدى وأربعين ، وكان يقال له عام الجماعة ؛ لأن الناس كلهم اجتمعوا على إمام واحد.

وقد تقدم الحديث فى صحيح البخارى عن أبى بكرة أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول للحسن بن على : إن ابنى هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به

٣٥٠

بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، فكان هذا فى هذا العام ، ولله الحمد والمنة ، واستمر الأمر فى أيدى بنى أمية من هذه السنة إلى سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، حتى انتقل إلى بنى العباس كما سنذكره ، ومجموع ذلك ثنتان وتسعون سنة ، وهذا لا يطابق ألف شهر ، لأن معدل ألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، فإن قال : أنا أخرج منها ولاية ابن الزبير وكانت تسع سنين ، فحينئذ يبقى ثلاث وثمانون سنة ، فالجواب أنه وإن خرجت ولاية ابن الزبير ، فإنه لا يكون ما بقى مطابقا لألف شهر تحديدا ، بحيث لا ينقص يوما ولا يزيد ، كما قاله ، بل يكون ذلك تقريبا ، هذا وجه ،.

الثانى أن ولاية ابن الزبير كانت بالحجاز والأهواز والعراق فى بعض أيامه ، وفى مصر فى قول ، ولم تنسلب يد بنى أمية من الشام أصلا ، ولا زالت دولتهم بالكلية فى ذلك الحين.

الثالث أن هذا يقتضي دخول دولة عمر ابن عبد العزيز فى حساب بنى أمية ، ومقتضى ما ذكره أن تكون دولته مذمومة ، وهذا لا يقوله أحد من أئمة الإسلام ، وإنهم مصرحون بأنه أحد الخلفاء الراشدين ، حتى قرنوا أيامه تابعة لأيام الأربعة ، وحتى اختلفوا فى أيهما أفضل؟ هو أو معاوية بن أبى سفيان أحد الصحابة.

وقد قال أحمد بن حنبل : لا أرى قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز ، فإذا علم هذا ، فإن أخرج أيامه من حسابه انحرم حسابه ، وإن أدخلها فيه مذمومة ، خالف الأئمة ، وهذا ما لا محيد عنه ، وكل هذا مما يدل على نكارة هذا الحديث والله أعلم.

وقال نعيم بن حماد : حدثنا سفيان عن العلاء ابن أبى العباس ، سمع أبا الطفيل ، سمع عليا يقول : لا يزال هذا الأمر فى بنى أمية ما لم يختلفوا بينهم ، حدثنا ابن وهب عن حرملة بن عمران عن سعد ابن سالم عن أبى سالم الجيشانى سمع عليا يقول : الأمر لهم حتى يقتلوا قتيلهم ، ويتنافسوا

٣٥١

بينهم ، فإذا كان ذلك بعث الله عليهم أقواما من المشرق يقتلوهم بددا ويحصروهم عددا ، والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ، ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعا.

وقال نعيم بن حماد : حدثنا الوليد بن مسلم عن حصين بن الوليد عن الزهرى بن الوليد سمعت أم الدرداء سمعت أبا الدرداء يقول : إذا قتل الخليفة الشاب من بنى أمية بين الشام والعراق مظلوما ، ما لم تزل طاعة يستخف بها ، ودم مسفوك بغير حق ـ يعنى الوليد بن يزيد ـ ومثل هذه الأشياء إنما تقال عن توقيف.

٣٥٢

الإخبار عن دولة بني العباس

وكان ظهورهم من خرسان في سنة ثنتين وثلاثين ومائة (١)

قال يعقوب بن سفيان : حدثنى محمد بن خالد بن العباس ، حدثنا الوليد ابن مسلم ، حدثنى أبو عبد الله عن الوليد بن هشام المعيطى عن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط قال : قدم عبد الله ابن عباس على معاوية وأنا حاضر ، فأجازه فأحسن جائزته ، ثم قال : يا أبا العباس هل لكم دولة؟ فقال : اعفنى يا أمير المؤمنين ، فقال : لتخبرنى ، قال : نعم ، فأخبره ، قال : فمن أنصاركم؟ قال : أهل خراسان ، ولبنى أمية من بنى هاشم بطحات ، رواه البيهقى.

وقال ابن عدى : سمعت ابن حماد ، أنا محمد بن عبده بن حرب ، حدثنا سويد بن سعيد ، أنا حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال مررت بالنبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم وإذا معه جبريل ، وأنا أظنه دحية الكلبى ، فقال جبريل للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه لوسخ الثياب وسيلبس ولده من بعده السواد ، وذكر تمام الحديث فى ذهاب بصره ، ثم عوده إليه قبل موته.

قال البيهقى : تفرد به حجاج بن تميم وليس بالقوى.

وقال البيهقى : أنا الحاكم ، حدثنا أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن بالويه فى آخرين قالوا : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا عبيد الله ابن أبى قرة ، حدثنا الليث بن سعيد عن أبى فضيل عن أبى ميسرة مولى العباس قال : سمعت العباس قال كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة فقال : انظر هل ترى فى السماء من شيء؟ قلت : نعم ، قال : ما ترى؟ قلت :

__________________

(١) السيرة الحلبية (٣ / ٣٤٢).

٣٥٣

الثريا ، قال : أما إنه سيملك هذه الأمة بعددها من صلبك.

قال البخارى : عبيد بن أبى قرة بغدادى سمع الليث ، لا يتابع على حديثه فى قصة العباس.

وروى البيهقى من حديث محمد بن عبد الرحمن العامرى ـ وهو ضعيف ـ عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للعباس : فيكم النبوة وفيكم الملك ، وقال أبو بكر بن خيثمة : حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبى معبد قال : قال ابن عباس : كما فتح الله بأولنا فأرجو أن يختمه بنا ، هذا إسناد جيد ، وهو موقوف على ابن عباس من كلامه.

وقال يعقوب بن سفيان : حدثنى إبراهيم ابن أيوب ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الملك بن حميد عن أبى عتبة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال : سمعت ابن عباس ونحن نقول : اثنا عشر أميرا واثنا عشر ، ثم هى الساعة ، فقال ابن عباس : ما أحمقكم؟! إن منا أهل البيت بعد ذلك ، المنصور ، والسفاح والمهدى ، يرفعها إلى عيسى بن مريم ، وهذا أيضا موقوف ، وقد رواه البيهقى من طريق الأعمش عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا : منا السفاح ، والمنصور ، والمهدى. وهذا إسناد ضعيف ، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئا على الصحيح ، فهو منقطع والله أعلم.

وقد قال عبد الرزاق عن الثورى عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة (١) ، عن أسماء موقوفا. ثم قال البيهقي : أنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا محمد بن غالب ، حدثنا كثير بن يحيى ، حدثنا

__________________

(١) أبو قلابة : هو عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي الضرير. وقيل عنه صدوق كثير الخطأ.

٣٥٤

شريك ، عن علي بن زيد ، عن أبى قلابة أبى أسماء عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقتل عند كيركم هذه ثلاثة كلهم ولد خليفة ، لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تقبل الرايات السود من خراسان فيقتلونهم مقتلة لم يروا مثلها ، ثم يجيء خليفة الله المهدى ، فاذا سمعتم فأتوه فبايعوه ولو حبوا على الثلج ، فإنه خليفة الله المهدى ، أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن يوسف السلمى ، ومحمد بن يحيى الذهلى ، كلاهما عن عبد الرزاق به ، ورواه البيهقى من طرق عن عبد الرزاق ، ثم قال : تفرد به عبد الرزاق.

قال البيهقى : ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أسماء موقوفا ، ثم قال البيهقى : أنا على بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد ابن عبيد الصفار ، حدثنا محمد ابن غالب ، حدثنا كثير بن يحيى ، حدثنا شريك عن على بن زيد عن أبى قلابة عن أبى أسماء عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا أقبلت الرايات السود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج ، فإن فيها خليفة الله المهدى.

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا الفضل بن سهل ، حدثنا عبد الله بن داهر الرازى ، حدثنا أبى عن ابن أبى ليلى عن الحكم عن إبراهيم عن عبد الله ابن مسعود أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر فتية من بنى هاشم ، فاغرورقت عيناه ، وذكر الرايات ، قال : فمن أدركها فليأتها ولو حبوا على الثلج ، ثم قال : وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحكم إلا ابن أبى ليلى ، ولا نعلم يروى إلا من حديث داهر بن يحيى ، وهو من أهل الرأى صالح الحديث ، وإنما يعرف من حديث يزيد بن أبى زياد عن إبراهيم.

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو هشام ابن يزيد بن رفاعة ، حدثنا أبو بكر ابن عياش ، حدثنا يزيد بن أبى زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ـ هو ابن مسعود ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تجيء رايات سود من قبل المشرق ، تخوض الخيل الدم إلى أن يظهروا العدل ويطلبون العدل فلا يعطونه ،

٣٥٥

فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه ، وهذا إسناد حسن ، وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان ، وقتيبة ابن سعيد ، قالا : حدثنا رشد بن سعد ، قال يحيى بن غيلان فى حديثه قال : حدثنى يونس ابن يزيد عن ابن شهاب عن قبيصة ـ هو ابن ذؤيب الخزاعى ـ عن أبى هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيليا ، وقد رواه الترمذي عن قتيبة به وقال : غريب ، ورواه البيهقى والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود عن رشد بن سعد.

وقال البيهقى : تفرد به رشد بن سعد ، وقد روى قريب من هذا عن كعب الأحبار ولعله أشبه والله أعلم ، ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان : حدثنا محمد عن أبى المغيرة عبد القدوس عن إسماعيل بن عياش عمن حدثه عن كعب الأحبار قال : تظهر رايات سود لبنى العباس حتى ينزلوا بالشام ، ويقتل الله على أيديهم كل جبار وكل عدو لهم.

وقال الإمام أحمد : حدثنا عثمان بن أبى شيبة ، حدثنا جرير عن الأعمش عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يخرج عند انقطاع من الزمان ، وظهور من الفتن ، رجل يقال له السفاح ، فيكون إعطاؤه المال حثوا (١) ، ورواه البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الصمد عن أبى عوانة عن الأعمش به ، وقال فيه يخرج رجل من أهل بيتى يقال له السفاح ، فذكره.

وهذا الإسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه ، فهذه الأخبار فى خروج الرايات السود من خراسان وفى ولاية السفاح وهو أبو العباس عبد الله ابن محمد علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وقد وقعت ولايته فى حدود سنة ثلاثين ومائة ، ثم ظهر بأعوانه ومعهم الرايات السود ،

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٨٠).

٣٥٦

وشعارهم السواد ، كما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح ، وعلى رأسه المغفر وفوقه عمامة سوداء ، ثم بعث عمه عبد الله لقتال بنى أمية ، فكسرهم فى سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وهرب من المعركة آخر خلفائهم ، وهو مروان ابن محمد بن مروان ويلقب بمروان الحمار ، ويقال له مروان الجعدى ، لاشتغاله على الجعد بن درهم فيما قيل ، ودخل عمه دمشق واستحوذ على ما كان لبنى أمية من الملك والأملاك والأموال ، وجرت خطوب كثيرة سنوردها مفصلة فى موضعها إن شاء الله تعالى.

وقد ورد عن جماعة من السلف فى ذكر الرايات السود التى تخرج من خراسان بما يطول ذكره ، وقد استقصى ذلك نعيم بن حماد فى كتابه.

وفى بعض الروايات ما يدل على أنه لم يقع أمرها بعد ، وأن ذلك يكون فى آخر الزمان ، كما سنورده فى موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة وعليه التكلان.

وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم الساعة حتى تكون الدنيا للكع بن لكع ، قال أبو معمر : هو أبو مسلم الخراسانى ـ يعنى الّذي أقام دولة بنى العباس ـ والمقصود أنه تحولت الدولة من بنى أمية إلى بنى العباس فى هذه السنة ، وكان أول قائم منهم أبو العباس السفاح ، ثم أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور بانى مدينة السلام ، ثم من بعده ابنه المهدى محمد بن عبد الله ، ثم من بعده ابنه الهادى ، ثم ابنه الآخر هارون الرشيد ، ثم انتشرت الخلافة فى ذريته على ما سنفصله إذا وصلنا إلى تلك الأيام ، وقد نطقت هذه الأحاديث التى أوردناها آنفا بالسفاح والمنصور والمهدى ، ولا شك أن المهدى الّذي هو ابن المنصور ثالث خلفاء بنى العباس ، ليس هو المهدى الّذي وردت الأحاديث المستفيضة بذكره ، وأنه يكون فى آخر الزمان ، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، وقد أفردنا للأحاديث الواردة فيه جزءا على حدة ، كما أفرد له أبو داود كتابا

٣٥٧

فى سننه ، وقد تقدم فى بعض هذه الأحاديث آنفا أنه يسلم الخلافة إلى عيسى ابن مريم إذا نزل إلى الأرض ، والله أعلم.

وأما السفاح فقد تقدم أنه يكون فى آخر الزمان ، فيبعد أن يكون هو الّذي بويع أول خلفاء بنى العباس فقد يكون خليفة آخر ، وهذا هو الظاهر.

فإنه قد روى نعيم بن حماد عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المعافرى من قدوم الحميرى سمع نفيع بن عامر يقول : يعيش السفاح أربعين سنة اسمه فى التوراة طائر السماء قلت : وقد تكون صفة للمهدى الّذي يظهر فى آخر الزمان لكثرة ما يسفح أى يريق من الدماء لإقامة العدل ، ونشر القسط ، وتكون الرايات السود المذكورة فى هذه الأحاديث إن صحت هى التى تكون مع المهدى ، ويكون أول ظهور بيعته بمكة ، ثم تكون أنصاره من خراسان ، كما وقع قديما للسفاح ، والله تعالى أعلم.

هذا كله تفريع على صحة هذه الأحاديث ، وإلا فلا يخلو سند منها عن كلام ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

٣٥٨

الأخبار عن الأئمة الاثنى عشر الذين كلهم من قريش

وليسوا بالاثنى عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة ، فإن هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور الناس منهم إلا على بن أبى طالب وابنه الحسن ، وآخرهم فى زعمهم المهدى المنتظر فى زعمهم بسرداب سامرا وليس له وجود ، ولا عين ، ولا أثر ، بل هؤلاء من الأئمة الاثنى عشر المخبر عنهم فى الحديث ، الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ، رضى الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة فى تفسير الاثنى عشر كما سنذكره بعد إيراد الحديث.

ثبت فى صحيح البخارى من حديث شعبة ، ومسلم من حديث سفيان ابن عيينة ، كلاهما عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يكون اثنا عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أسمعها ، فقلت لأبى : ما قال؟ قال : قال كلهم من قريش (١) ، وقال أبو نعيم بن حماد فى كتاب الفتن والملاحم : حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا مجالد عن الشعبى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون بعدى من الخلفاء عدة أصحاب موسى.

وقد روى مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس وكعب الأحبار من قولهم ، وقال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا مروان ابن معاوية يعني إسماعيل بن أبى خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يزال هذا الأمر قائما حتى يكون عليهم اثنى عشر خليفة أو أميرا كلهم يجتمع عليهم الأمة ، وسمعت كلاما من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أفهمه ، فقلت لأبى : ما يقول؟ قال : يقول : كلهم من قريش.

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام.

٣٥٩

وقال أبو داود أيضا : حدثنا ابن نفيل ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا زياد بن خيثمة ، حدثنا الأسود بن سعيد الهمدانى عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ، ظاهرة على عدوها ، حتى يمضى اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، قال : فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا : ثم يكون ما ذا؟ قال: ثم يكون الهرج (١).

قال البيهقى : ففى الرواية الأولى بيان العدد ، وفى الثانية بيان المراد بالعدد ، وفى الثالثة بيان وقوع الهرج وهو القتل بعدهم ، وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة كما أخبر فى هذه الرواية ، ثم ظهر ملك العباسية ، كما أشار إليه فى الباب قبله ، وإنما يزيدون على العدد المذكور فى الخبر ، إذا تركت الصفة المذكورة فيه أو عد منهم من كان بعد الهرج المذكور فيه ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقى من الناس اثنان. ثم ساقه من حديث عاصم ابن محمد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكره.

وفى صحيح البخارى من طريق الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية بن أبى سفيان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الأمر فى قريش لا يعديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين (٢) ، قال البيهقى : أى أقاموا معالمه وإن قصروا هم فى أعمال أنفسهم ، ثم ساق أحاديث بقية ما ذكره فى هذا والله أعلم.

فهذا الّذي سلكه البيهقى وقد وافقه عليه جماعة ، من أن المراد بالخلفاء الاثنى عشر المذكورين فى هذا الحديث هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد ابن عبد الملك الفاسق الّذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد فإنه مسلك فيه

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ٩٢).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام (٧١٣٩) (١٩ / ١٢١).

٣٦٠