معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

تأمرنا يا رسول الله؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم (١) ، ورواه مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة عن أبى أسام.

وقال البخارى : قال محمود : حدثنا أبو داود ، أخبرنا شعبة عن أبى التياح قال : سمعت أبا زرعة ، وحدثنا أحمد بن محمد المكى ، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد الأموى عن جده قال : كنت مع مروان وأبى هريرة فسمعت أبا هريرة يقول : سمعت الصادق المصدوق يقول : هلاك أمتى على يدى غلمة من قريش ، فقال مروان : غلمة؟ قال أبو هريرة : إن شئت أن أسميهم فلان وبنى فلان (٢) ، تفرد به البخارى.

وقال أحمد : حدثنا روح ، حدثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو ابن سعيد بن العاص ، أخبرنى جدى سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبى هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : هلكة أمتى على يدى غلمة ، قال مروان : وهم معنا فى الحلقة قبل أن يلى شيئا ، فلعنة الله عليهم غلمة ، قال : أما والله لو أشاء أن أقول بنى فلان وبنى فلان لفعلت ، قال : فكنت أخرج مع أبى وجدى إلى بنى مروان ـ بعد ما ملكوا ـ فإذا هم يبايعون الصبيان ، ومنهم من يبايع له وهو فى خرقة ، قال لنا : عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الّذي سمعت أبا هريرة يذكران هذه الملوك يشبه بعضها بعضا (٣).

وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن سماك ، حدثنى عبد الله بن ظالم قال : سمعت أبا هريرة قال : سمعت حبى أبا القاسم صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن فساد أمتى على يدى غلمة سفهاء من قريش (٤) ، ثم رواه أحمد عن

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦٠٤) (١٠ / ٤٧٨).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦٠٥) (١٠ / ٤٧٩).

(٣) أحمد في مسنده (٢ / ٣٢٤).

(٤) أحمد في مسنده (٢ / ٢٨٨).

٣٢١

زيد بن الخباب عن سفيان وهو الثورى عن سماك عن مالك بن ظالم عن أبى هريرة فذكره ، ثم روى غندر وروح بن عبادة عن سفيان عن سماك بن حرب عن مالك بن ظالم قال : سمعت أبا هريرة ، زاد روح : يحدث مروان بن الحكم ، قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصادق المصدوق يقول : هلاك أمتى على يد غلمة أمراء سفهاء من قريش.

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حياة حدثنى بشر ابن أبى عمرو الخولانى : أن الوليد بن قيس التجيبى حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يكون خلف من بعد الستين سنة (أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)) (١) ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ، ومنافق ، وفاجر ، وقال بشير : فقلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة؟ قال : المنافق كافر به ، والفاجر يتأكل به ، والمؤمن يؤمن به (٢) ، تفرد به أحمد ، وإسناده جيد على شرط السنن.

وقد روى البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن الحسن ابن على بن عفان عن أبى أسامة عن مجالد عن الشعبى قال : لما رجع على من صفين قال : أيها الناس ، لا تكرهوا إمارة معاوية ، فإنه لو فقدتموه لقد رأيتم الرءوس تنزو من كواهلها كالحنظل.

ثم روى عن الحاكم وغيره عن الأصم عن العباس بن الوليد بن زيد عن أبيه عن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه أنه قال : كان أبو هريرة يمشى فى سوق المدينة وهو يقول : اللهم لا تدركنى سنة الستين ، ويحكم تمسكوا بصدغى معاوية ، اللهم لا تدركنى إمارة الصبيان.

__________________

(١) سورة مريم : الآية ، ٥٩

(٢) أحمد في مسنده (٣ / ٢٤٢ ، ٢٦٥).

٣٢٢

قال البيهقى : وعلى وأبو هريرة إنما يقولان : هذا الشيء سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال يعقوب ابن سفيان : أنا عبد الرحمن بن عمرو الحزامى ، حدثنا محمد بن سليمان عن أبى تميم البعلبكى عن هشام بن الغار عن ابن مكحول عن أبى ثعلبة الخشنى عن أبى عبيدة بن الجراح قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بنى أمية.

وروى البيهقى من طريق عوف الأعرابى عن أبى خلدة عن أبى العالية عن أبى ذر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن أول من يبدل سنتى رجل من بنى أمية ، وهذا منقطع بين أبى العالية وأبى ذر وقد رجحه البيهقى بحديث أبى عبيدة المتقدم ، قال : ويشبه أن يكون هذا الرجل هو يزيد بن معاوية ابن أبى سفيان ، والله أعلم.

قلت : الناس فى يزيد بن معاوية أقسام فمنهم من يحبه ويتولاه ، وهم طائفة من أهل الشام ، من النواصب ، وأما الروافض فيشنعون عليه ويفترون عليه أشياء كثيرة ليست فيه ويتهمه كثير منهم بالزندقة ، ولم يكن كذلك ، وطائفة أخرى لا يحبونه ولا يسبونه لما يعلمون من أنه لم يكن زنديقا كما تقوله الرافضة ، ولما وقع فى زمانه من الحوادث الفظيعة ، والأمور المستنكرة البشعة الشنيعة ، فمن أنكرها قتل الحسين بن على بكربلاء ، ولكن لم يكن ذلك من علم منه ، ولعله لم يرض به ولم يسؤه ، وذلك من الأمور المنكرة جدا ، ووقعة الحرة كانت من الأمور القبيحة بالمدينة النبوية على ما سنورده إذا انتهينا إليه فى التاريخ إن شاء الله تعالى.

الأخبار بمقتل الحسين بن على رضى الله عنهما

وقد ورد فى الحديث بمقتل الحسين فقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ابن حسان ، حدثنا عمارة ـ يعنى ابن زاذان ـ عن ثابت عن أنس قال : استأذن ملك المطر أن يأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأذن له ، فقال لأم سلمة : احفظى

٣٢٣

علينا الباب لا يدخل علينا أحد ، فجاء الحسين بن على ، فوثب حتى دخل ، فجعل يصعد على منكب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له الملك : أتحبه؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم ، قال : فإن أمتك تقتله ، وإن شئت أريتك المكان الّذي يقتل فيه ، قال : فضرب بيده فأراه ترابا أحمر ، فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته فى طرف ثوبها ، قال : فكنا نسمع يقتل بكربلاء (١).

ورواه البيهقى من حديث بشر بن موسى عن عبد الصمد عن عمارة ، فذكره ، ثم قال : وكذلك رواه سفيان بن فروخ عن عمارة ، وعمارة بن زاذان هذا هو الصيدلانى أبو سلمة البصرى اختلفوا فيه ، وقد قال فيه أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين ، وضعفه أحمد مرة ووثقه أخرى ، وحديثه هذا قد روى عن غيره من وجه آخر ، فرواه الحافظ البيهقى من طريق عمارة بن عرفة عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن عائشة رضى الله عنها نحو هذا.

وقد قال البيهقى : أنا الحاكم فى آخرين ، قالوا : أنا الأصم ، أنا عباس الدورى ، حدثنا محمد بن خالد بن مخلد ، حدثنا موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم عن عتبة بن أبى وقاص عن عبد الله ابن وهب بن زمعة ، أخبرتنى أم سلمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو حائر ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه فى المرة الأولى ، ثم اضطجع واستيقظ وفى يده تربة حمراء وهو يقلبها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال : أخبرنى جبريل أن هذا مقتل بأرض العراق للحسين ، قلت له : يا جبريل أرنى تربة الأرض التى يقتل بها ، فهذه تربتها.

ثم قال البيهقى : تابعه أبو موسى الجهنى عن صالح بن يزيد النخعى

__________________

(١) أحمد في مسنده (٦ / ٣٣٩ ، ٣٤٠).

٣٢٤

عن أم سلمة ، وأبان عن شهر بن حوشب عن أم سلمة.

وقال الحافظ أبو بكر البزار فى مسنده : حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفى ، حدثنا الحسين ابن عيسى ، حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان الحسين جالسا فى حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال جبريل : أتحبه؟ فقال : وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادى؟ فقال : أما إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة فإذا تربة حمراء ، ثم قال البزار : لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد ، والحسين بن عيسى قد حدث عن الحكم بن أبان بأحاديث لا نعلمها عند غيره ، قلت : هو الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفى أبو عبد الرحمن الكوفى أخو سليم القارى.

قال البخارى : مجهول ـ يعنى مجهول الحال ـ وإلا فقد روى عنه سبعة نفر ، وقال أبو زرعة : منكر الحديث.

وقال أبو حاتم : ليس بالقوى ، روى عن الحكم بن أبان أحاديث منكرة ، وذكره ابن حبان فى الثقات ، وقال ابن عدى : قليل الحديث ، وعامة حديثه غرائب ، وفى بعض أحاديثه المنكرات.

وروى البيهقى عن الحكم وغيره عن أبى الأحوص عن محمد بن الهيثم القاضى : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعى عن أبى عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله إنى رأيت حلما منكرا الليلة ، قال : وما هو؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت فى حجرى ، قال : رأيت خيرا ، تلك فاطمة إن شاء الله تلد غلاما فيكون فى حجرك ، فولدت فاطمة الحسين ، فكان فى حجرى كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوضعته فى حجره ثم حانت منى التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تهريقان الدموع ، قالت : قلت يا نبى الله بأبى أنت وأمى ، مالك؟ قال : أتانى جبريل عليه‌السلام فأخبرنى أن أمتى ستقتل

٣٢٥

ابنى هذا ، فقلت : هذا؟ قال : نعم ، وأتانى بتربة من تربته حمراء.

وقد روى الإمام أحمد عن عفان عن وهيب عن أيوب عن صالح أبى الخليل عن عبد الله ابن الحارث عن أم الفضل قالت : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : إنى رأيت فى منامى أن فى بيتى أو حجرى عضوا من أعضائك ، قال : تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فتكفلينه ، فولدت له فاطمة حسينا ، فدفعته إليها فأرضعته بلبن قثم ، فأتيت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما أزوره ، فأخذه فوضعه على صدره فبال فأصاب البول إزاره ، فزخخت بيدى على كتفيه ، فقال : أوجعت ابنى أصلحك الله ، أو قال : رحمك الله ، فقلت : اعطنى إزارك أغسله ، فقال : إنما يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام (١) ، ورواه أحمد أيضا عن يحيى بن بكير عن إسرائيل عن سماك عن قابوس بن مخارق عن أم الفضل فذكر مثله سواء ، وليس فيه الأخبار بقتله فالله أعلم.

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أنا عمار بن أبى عمارة عن ابن عباس. قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائل : أشعث أغبر ، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، ما هذا؟ قال : دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، قال : فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل فى ذلك اليوم رضى الله عنه ، قال قتادة : قتل الحسين يوم الجمعة ، يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وله أربع وخمسون سنة وستة أشهر ونصف شهر.

وهكذا قال الليث وأبو بكر بن عياش الواقدى والخليفة بن خياط وأبو معشر وغير واحد : إنه قتل يوم عاشوراء عام إحدى وستين ، وزعم بعضهم أنه قتل يوم السبت ، والأول أصح ، وقد ذكروا فى مقتله أشياء كثيرة أنها وقعت من كسوف الشمس يومئذ ، وهو ضعيف ، وتغيير آفاق السماء ، ولم

__________________

(١) أحمد في مسنده (١ / ٢٤٣ ، ٢٨٣).

٣٢٦

ينقلب حجر إلا وجد تحته دم ، ومنهم من خصص ذلك بحجارة بيت المقدس ، وأن الورس استحال رمادا ، وأن اللحم صار مثل العلقم وكان فيه النار إلى غير ذلك مما فى بعضها نكارة ، وفى بعضها احتمال ، والله أعلم ، وقد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو سيد ولد آدم فى الدنيا والآخرة ، ولم يقع شيء من هذه الأشياء ، وكذلك الصديق بعده ، مات ولم يكن شيء من هذا ، وكذا عمر بن الخطاب قتل شهيدا وهو قائم يصلى فى المحراب صلاة الفجر ، وحصر عثمان فى داره وقتل بعد ذلك شهيدا ، وقتل على بن أبى طالب شهيدا بعد صلاة الفجر ، ولم يكن شيء من الأشياء ، والله أعلم.

وقد روى حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمارة عن أم سلمة أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن على ، وهذا صحيح ، وقال شهر ابن حوشب : كنا عند أم سلمة فجاءها الخبر بقتل الحسين فخرت مغشيا عليها ، وكان سبب قتل الحسين أنه كتب إليه أهل العراق يطلبون منه أن يقدم إليهم ليبايعوه بالخلافة ، وكثر تواتر الكتب عليه من العامة ومن ابن عمه مسلم ابن عقيل ، فلما ظهر على ذلك عبيد الله بن زياد نائب العراق ليزيد بن معاوية ، فبعث إلى مسلم ابن عقيل يضرب عنقه ورماه من القصر إلى العامة ، فتفرق ماؤهم وتبددت كلمتهم ، هذا وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق ، ولم يشعر بما وقع ، فتحمل بأهله ومن أطاعه وكانوا قريبا من ثلاثمائة ، وقد نهاه عن ذلك جماعة من الصحابة ، منهم أبو سعيد ، وجابر ، وابن عباس ، وابن عمر ، فلم يطعهم ، وما أحسن ما نهاه ابن عمر عن ذلك ، واستدل له على أنه لا يقع ما يريده فلم يقبل.

فروى الحافظ البيهقى من حديث يحيى بن سالم الأسدى ، ورواه أبو داود الطيالسى فى مسنده عنه ، قال : سمعت الشعبى يقول : كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أن الحسين بن على قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة ، قال : أين تريد؟ قال العراق ومعه طوامير

٣٢٧

وكتب ، فقال : لا تأتهم ، فقال : هذه كتبهم وبيعتهم ، فقال : إن الله خير نبيه صلىصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنكم بضعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والله لا يليها أحد منكم أبدا ، وما صرفها عنكم إلى الّذي هو خير منكم ، فارجعوا ، فأبى وقال : هذه كتبهم وبيعتهم ، قال : فاعتنقه ابن عمر وقال : أستودعك الله من قتيل ، وقد وقع ما فهمه عبد الله ابن عمر من ذلك سواء ، من أنه لم يل أحد من أهل البيت الخلافة على سبيل الاستقلال ويتم له الأمر ، وقد قال ذلك عثمان بن عفان ، وعلى بن أبى طالب إنه لا يلى أحد من أهل البيت أبدا ، ورواه عنهما أبو صالح الخليل ابن أحمد بن عيسى بن الشيخ فى كتابه الفتن والملاحم. قلت : وأما الخلفاء الفاطميون الذين كانوا بالديار المصرية ، فإن أكثر العلماء على أنهم أدعياء وعلى بن أبى طالب ليس من أهل البيت ، ومع هذا لم يتم له الأمر كما كان للخلفاء الثلاثة قبله ، ولا اتسعت يده فى البلاد كلها ، ثم تنكدت عليه الأمور ، وأما ابنه الحسن رضى الله عنه فإنه لما جاء فى جيوشه وتصافى هو وأهل الشام ، ورأى أن المصلحة فى ترك الخلافة ، تركها لله عزوجل ، وصيانة لدماء المسلمين ، أثابه الله ورضى عنه ، وأما الحسين رضى الله عنه فإن ابن عمر لما أشار عليه بترك الذهاب إلى العراق وخالفه ، اعتنقه مودعا وقال : أستودعك الله من قتيل ، وقد وقع ما تفرسه ابن عمر ، فإنه لما استقل ذاهبا بعث إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو ابن سعد بن أبى وقاص ، وذلك بعد ما استعفاه فلم يعفه ، فالتقوا بمكان يقال له كربلاء بالطف ، فالتجأ الحسين بن على وأصحابه إلى مقصبة هنا لك ، وجعلوها منهم بظهر ، وواجهوا أولئك ، وطلب منهم الحسين إحدى ثلاث : إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء ، وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه ، أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد بن معاوية فيضع يده فى يده. فيحكم فيه بما شاء ، فأبوا عليه واحدة منهن ، وقالوا : لا بد من قدومك على عبيد الله بن زياد فيرى فيك رأيه ، فأبى أن يقدم عليه أبدا ، وقاتلهم دون ذلك ،

٣٢٨

فقتلوه رحمه‌الله ، وذهبوا برأسه إلى عبيد الله بن زياد فوضعوه بين يديه ، فجعل ينكت (١) بقضيب فى يده على ثناياه ، وعنده أنس بن مالك جالس ، فقال له : يا هذا ، ارفع قضيبك ، قد طال ما رأيت رسول الله يقبل هذه الثنايا ، ثم أمر عبيد الله بن زياد أن يسار بأهله ومن كان معه إلى الشام ، إلى يزيد بن معاوية ، ويقال : إنه بعث معهم بالرأس حتى وضع بين يدى يزيد فأنشد حينئذ قول بعضهم :

نفلق هاما (٢) من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أعق (٣) وأظلما

ثم أمر بتجهيزهم إلى المدينة النبوية ، فلما دخلوها تلقتهم امرأة من بنات عبد المطلب ناشرة شعرها ، واضعة كفها على رأسها تبكى وهى تقول :

ما ذا تقولون إن قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتى وبأهلى بعد مفتقدى

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائى إذ نصحت لكم

أن تخلفونى بشر فى ذوى رحمى

وسنورد هذا مفصلا فى موضعه إذا انتهينا إليه إن شاء الله ، وبه الثقة وعليه التكلان ، وقد رثاه الناس بمراث كثيرة ومن أحسن ذلك ما أورده الحاكم أبو عبد الله النيسابورى وكان فيه تشيع :

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد

متزملا (٤) بدمائه تزميلا

فكأنما بك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا

__________________

(١) ينكت : يحفر ويقلب.

(٢) هاما : رءوسا ، قامات.

(٣) أعق : لم يبر بوالديه وأقربائه.

(٤) متزملا : متشحا.

٣٢٩

قتلوك عطشانا ولم يترقبوا

فى قتلك التنزيل والتأويلا

ويكبرون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبير والتهليلا

ذكر الأخبار عن وقعة الحرة التى كانت فى زمن يزيد أيضا

قال يعقوب بن سفيان : حدثنى إبراهيم بن المنذر ، حدثنى ابن فليح عن أبيه عن أيوب بن عبد الرحمن عن أيوب بن بشير المعافرى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج في سفر من أسفاره ، فلما مر بحرة زهرة وقف فاسترجع ، فساء ذلك من معه ، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم ، فقال عمر ابن الخطاب : يا رسول الله ما الّذي رأيت؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما إن ذلك ليس من سفركم هذا ، قالوا : فما هو يا رسول الله؟ قال : يقتل بهذه الحرة خيار أمتى بعد أصحابى ، هذا مرسل ، وقد قال يعقوب بن سفيان : قال وهب بن جرير : قالت جويرية : حدثنى ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها) (١) قال : لأعطوها ، يعنى إدخال بنى حارثة أهل الشام على أهل المدينة.

وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ، وتفسير الصحابى فى حكم المرفوع عند كثير من العلماء ، وقال نعيم بن حماد فى كتاب الفتن والملاحم : حدثنا أبو عبد الصمد العمى ، حدثنا أبو عمران الجونى ، عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال : قال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أبا ذر أرأيت أن الناس قتلوا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء ، كيف أنت صانع؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : تدخل بيتك ، قال : قلت : فإن أتى على؟ قال : يأتى من أنت منه ، قال : قلت : وأحمل السلاح؟ قال : إذا تشرك معهم ، قال : قلت : فكيف أصن ع يا رسول الله؟ قال : إن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية : ١٤.

٣٣٠

طائفة من ردائك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه ، ورواه الإمام أحمد فى مسنده عن مرحوم ـ هو ابن عبد العزيز ـ عن أبى عمران الجونى ، فذكره مطولا ، قلت : وكان سبب وقعة الحرة أن وفدا من أهل المدينة قدموا على يزيد بن معاوية بدمشق فأكرمهم وأحسن جائزتهم ، وأطلق لأميرهم ـ وهو عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر ـ قريبا من مائة ألف ، فلما رجعوا ذكروا لأهليهم عن يزيد ما كان يقع منه من القبائح فى شربه الخمر ، وما يتبع ذلك من الفواحش التى من أكبرها ترك الصلاة عن وقتها ، بسبب السكر ، فاجتمعوا على خلعه ، فخلعوه عند المنبر النبوى ، فلما بلغه ذلك بعث إليهم سرية ، يقدمها رجل يقال له : مسلم بن عقبة ، وإنما يسميه السلف : مسرف ابن عقبة ، فلما ورد المدينة استباحها ثلاثة أيام ، فقتل فى غضون هذه الأيام بشرا كثيرا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها ، وزعم بعض علماء السلف أنه قتل فى غضون ذلك ألف بكر فالله أعلم.

وقال عبد الله بن وهب عن الإمام مالك : قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن ، حسبت أنه قال : وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك فى خلافة يزيد ، وقال يعقوب بن سفيان : سمعت سعيد بن كثير ابن عفير الأنصارى يقول : قتل يوم الحرة عبد الله بن يزيد المازنى ومعقل بن سليمان الأشجعى ، ومعاذ بن الحارث القارى ، وقتل عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر ، قال يعقوب : وحدثنا يحيى بن عبد الله ابن بكير عن الليث قال : كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لثلاث بقين من الحجة سنة ثلاث وستين ، ثم انبعث مسرف بن عقبة إلى مكة قاصدا عبد الله بن الزبير ليقتله بها ؛ لأنه فر من بيعة يزيد ، فمات يزيد بن معاوية فى غضون ذلك ، واستفحل أمر عبد الله ابن الزبير فى الخلافة بالحجاز ، ثم أخذ العراق ومصر ، وبويع بعد يزيد لابنه معاوية بن يزيد ، وكان رجلا صالحا ، فلم تطل مدته ، مكث أربعين يوما ، وقيل عشرين يوما ، ثم مات رحمه‌الله ، فوثب مروان بن الحكم على

٣٣١

الشام فأخذها ، فأبقى تسعة أشهر ثم مات ، وقام بعده ابنه عبد الملك ، فنازعه فيها عمرو بن سعيد بن الأشدق وكان نائبا على المدينة من زمن معاوية وأيام يزيد ومروان ، فلما هلك مروان زعم أنه أوصى له بالأمر من بعد ابنه عبد الملك ، فضاق به ذرعا ، ولم يزل به حتى أخذه بعد ما استفحل أمره بدمشق فقتله فى سنة تسع وستين ، ويقال : فى سنة سبعين ، واستمرت أيام عبد الملك حتى ظفر بابن الزبير سنة ثلاث وسبعين ، قتله الحجاج بن يوسف الثقفى عن أمره بمكة ، بعد محاصرة طويلة اقتضت أن نصب المنجنيق على الكعبة من أجل أن ابن الزبير لجأ إلى الحرم ، فلم يزل به حتى قتله ، ثم عهد فى الأمر إلى بنيه الأربعة بعده الوليد ، ثم سليمان ، ثم يزيد ، ثم هشام بن عبد الملك.

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أسود ويحيى بن أبى بكير ، حدثنا كامل أبو العلاء ، سمعت أبا صالح وهو مولى ضباعة المؤذن واسمه مينا ـ قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تعوذا بالله من رأس السبعين ، وإمارة الصبيان ، وقال : لا تذهب الدنيا حتى يظهر اللكع (١) ابن لكع ، وقال الأسود : يعنى اللئيم (٢) ابن اللئيم.

وقد روى الترمذي من حديث أبى كامل عن أبى صالح عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عمر أمتى من ستين سنة إلى سبعين سنة ، ثم قال : حسن غريب.

وقد روى الإمام أحمد عن عفان وعبد الصمد عن حماد ابن سلمة عن على بن يزيد : حدثنى من سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لينعقن (٣) (وقال عبد الصمد فى روايته : ليزعقن) جبار من جبابرة

__________________

(١) اللكع : اللئيم الأحمق.

(٢) أحمد في مسنده (٢ / ٣٢٦ ، ٣٥٥ ، ٤٤٨).

(٣) أحمد في مسنده (٢ / ٣٨٥ ، ٥٢٢).

٣٣٢

بنى أمية على منبرى هذا ، زاد عبد الصمد حتى يسيل رعافه ، قال : فحدثنى من رأى عمرو بن سعيد ابن العاص : يرعف على منبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى سال رعافه ، قلت : على بن يزيد بن جدعان فى روايته غرابة ونكارة وفيه تشيع ، وعمرو بن سعيد هذا ، يقال له : الأشدق ، كان من سادات المسلمين وأشرافهم ، (فى الدنيا لا فى الدين).

وروى عن جماعة من الصحابة ، منهم فى صحيح مسلم عن عثمان فى فصل الطهور ، وكان نائبا على المدينة لمعاوية ولابنه يزيد بعده ، ثم استفحل أمره حتى كان يصاول عبد الملك بن مروان ، ثم خدعه عبد الملك حتى ظفر به فقتله فى سنة تسع وستين ، أو سنة سبعين ، فالله أعلم ، وقد روى عنه من المكارم أشياء كثيرة من أحسنها أنه لما حضرته الوفاة قال لبنيه ، وكانوا ثلاثة ، عمرو هذا ، وأمية ، وموسى ، فقال لهم : من يتحمل ما على؟ فبدر ابنه عمرو هذا وقال : أنا يا أبة ، وما عليك؟ قال : ثلاثون ألف دينار ، قال : نعم ، قال : وأخواتك لا تزوجهن إلا بالأكفاء ولو أكلن خبز الشعير ، قال : نعم ، قال : وأصحابى من بعدى ، إن فقدوا وجهى فلا يفقدوا معروفى ، قال : نعم ، قال : أما لئن ، قلت ذلك ، فلقد كنت أعرفه من حماليق وجهك وأنت فى مهدك.

وقد ذكر البيهقى من طريق عبد الله بن صالح ـ كاتب الليث ـ عن حرملة ابن عمران عن أبيه عن يزيد بن أبى حبيب أنه سمعه يحدث عن محمد ابن يزيد بن أبى زياد الثقفى ، قال : اصطحب قيس بن حرشة وكعب حتى إذا بلغا صفين ، وقف كعب الأحبار فذكر كلامه فيما يقع هناك من سفك دماء المسلمين ، وأنه يجد ذلك فى التوراة ، وذكر عن قيس بن حرشة أنه بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن يقول الحق ، وقال : يا قيس ابن حرشة عسى إن عذبك الدهر حتى يكبك بعدى من لا تستطيع أن تقول بالحق معهم ، فقال : والله لا أبايعك على شيء إلا وفيت لك به ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا لا

٣٣٣

يضرك بشر ، فبلغ قيس إلى أيام عبيد الله بن زياد بن أبى سفيان ، فنقم عليه عبيد الله فى شيء فأحضره فقال : أنت الّذي زعم أنه لا يضرك بشر؟ قال : نعم ، قال : لتعلمن اليوم أنك قد كذبت ، ائتونى بصاحب العذاب ، قال : فمال قيس عند ذلك فمات.

٣٣٤

معجزة أخرى

[إخباره عما يناله ابن عباس في حياته من العلم والبلاء]

روى البيهقى من طريق الدراوردى عن ثور بن يزيد عن موسى بن ميسرة : أن بعض بنى عبد الله سايره فى بعض طريق مكة ، قال : حدثنى العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حاجة ، فوجد عنده رجلا فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل ، فلقى العباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره بذلك ، فقال : ورآه؟ قال : نعم ، قال : أتدري من ذلك الرجل؟ ذاك جبريل ، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما ، وقد مات ابن عباس سنة ثمان وستين بعد ما عمى رضى الله عنه.

وروى البيهقى من حديث المعتمر بن سليمان ، حدثتنا سيابة بنت يزيد عن خمارة عن أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل على زيد يعوده فى مرض كان به ، قال : ليس عليك من مرضك بأس ، ولكن كيف بك إذا عمرت بعدى فعميت؟ قال : إذا أحتسب وأصبر ، قال : إذا تدخل الجنة بغير حساب ، قال : فعمى بعد ما مات رسول الله ، ثم رد الله عليه بصره ثم مات.

فصل

في إخباره عن الكذابين الذين يظهرون

وثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة ، وعند مسلم عن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن بين يدى الساعة ثلاثين كذابا دجالا ، كلهم يزعم أنه نبى (١).

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦٠٩) (١٠ / ٤٨١).

٣٣٥

وقال البيهقى عن المالينى عن أبى عدى عن أبى يعلى الموصلى : حدثنا عثمان بن أبى شيبة ، حدثنا محمد بن الحسن الأسدى ، حدثنا شريك عن أبى إسحاق عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا ، منهم مسيلمة ، والعنسى ، والمختار. وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف ، قال ابن عدى : محمد بن الحسن له إفرادات ، وقد حدث عنه الثقات ، ولم أر بتحديثه بأسا.

وقال البيهقى : لحديثه فى المختار شواهد صحيحة.

ثم أورد من طريق أبى داود الطيالسى ، حدثنا الأسود بن شيبان عن أبى نوفل عن أبى عقرب عن أسماء بنت أبى بكر أنها قالت للحجاج ابن يوسف : أما إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثنا أن فى ثقيف كذابا ومبيرا ، فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه ، قال : ورواه مسلم من حديث الأسود ابن شيبان ، وله طرق عن أسماء وألفاظ سيأتى إيرادها فى موضعه.

وقال البيهقى : أنا الحاكم وأبو سعيد عن الأصم عن عباس الدراوردى عن عبيد الله بن الزبير الحميدى ، حدثنا سفيان بن عيينة عن أبى المحيا عن أمه قالت : لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير دخل الحجاج على أسماء بنت أبى بكر فقال : يا أمه ، إن أمير المؤمنين أوصانى بك ، فهل لك من حاجة؟ فقالت : لست لك بأم ، ولكنى أم المصلوب على رأس الثنية ، وما لى من حاجة ، ولكن أنتظر حتى أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير ، فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فأنت ، فقال الحجاج : مبير المنافقين.

وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا شريك عن أبى علوان ـ عبد الله بن عصمة ـ عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن فى ثقيف كذابا ومبيرا ، وقد تواتر خبر المختار ابن أبى عبيد الكذاب الّذي كان نائبا على العراق وكان يزعم أنه نبى ، وأن جبريل كان يأتيه بالوحى ، وقد قيل لابن

٣٣٦

عمر وكان زوج أخت المختار وصفيه : إن المختار يزعم أن الوحى يأتيه. قال : صدق ، قال الله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) (١).

وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا قرة بنت خالد عن عبد الملك بن عمير عن رفاعة بن شداد ، قال : كنت ألصق شيء بالمختار الكذاب ، قال : فدخلت عليه ذات يوم فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسى ، قال : فأهويت إلى قائم السيف لأضربه حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعى ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا أمن الرجل الرجل على دمه ثم قتله رفع له لواء الغدر يوم القيامة ، فكففت عنه ، وقد رواه أسباط بن نصر وزائدة والثورى عن إسماعيل السدى عن رفاعة ابن شداد القبانى فذكر نحوه.

وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا أبو بكر الحميدى ، حدثنا سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبى ، قال : فاخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة ، والأحنف ساكت لا يتكلم ، فلما رآنى غلبتهم أرسل غلاما له فجاء بكتاب فقال : هاك اقرأ ، فقرأته فإذا فيه : من المختار لله يذكر أنه نبى ، يقول الأحنف : أنى فينا مثل هذا ، وأما الحجاج بن يوسف فقد تقدم الحديث أنه الغلام المبير الثقفى ، وسنذكر ترجمته إذا انتهينا إلى أيامه ، فإنه كان نائبا على العراق لعبد الملك بن مروان ، ثم لابنه الوليد بن عبد الملك ، وكان من جبابرة الملوك ، على ما كان فيه من الكرم والفصاحة على ما سنذكره.

وقد قال البيهقى : حدثنا الحاكم عن أبى نصر الفقيه ، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمى ، أن معاوية بن صالح حدثه عن شريح بن عبيد عن أبى عذبة قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم ، فخرج غضبان فصلى لنا الصلاة فسها فيها حتى جعل الناس يقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، فلما سلم أقبل على الناس فقال : من هاهنا من أهل الشام؟ فقام رجل ثم قام آخر ، ثم قمت أنا ثالثا أو رابعا ، فقال: يا أهل

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٢١.

٣٣٧

الشام استعدوا لأهل العراق ، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ ، اللهم إنهم قد لبسوا على فألبس عليهم بالغلام الثقفى يحكم فيهم بحكم أهل الجاهلية ، لا يقبل من محسنهم ، ولا يتجاوز عن مسيئهم ، قال عبد الله : وحدثنى ابن لهيعة بمثله ، قال : وولد الحجاج يومئذ ، ورواه الدارمى أيضا عن أبى اليمان عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبى عذبة الحمصى عن عمر فذكر مثله ، قال أبو اليمان : علم عمر أن الحجاج خارج لا محالة ، فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة ، قلت : فإن كان هذا نقله عمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقد تقدم له شاهد عن غيره ، وإن كان عن تحديث ، فكرامة الولى معجزة لنبيه.

وقال عبد الرزاق : أنا جعفر ـ يعنى ابن سليمان ـ عن مالك بن دينار عن الحسن قال : قال على لأهل الكوفة : اللهم كما ائتمنتهم فخانونى ، ونصحت لهم فغشونى ، فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال الميال ، يأكل خضرتها ، ويلبس فروتها ويحكم فيها بحكم الجاهلية ، قال : فتوفى الحسن وما خلق الله الحجاج يومئذ ، وهذا منقطع.

وقد رواه البيهقى أيضا من حديث معتمر ابن سليمان عن أبيه عن أيوب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن على بن أبى طالب أنه قال : الشاب الذيال أمير المصرين ، يلبس فروتها ، ويأكل خضرتها ، ويقتل أشراف أهلها ، يشتد منه العرق ، ويكثر منه الأرق ، ويسلطه الله على شيعته ، وله من حديث يزيد بن هارون : أنا العوام بن حوشب ، حدثنى حبيب بن أبى ثابت قال : قال على : لامت حتى تدرك فتى ثقيف ، فقيل : يا أمير المؤمنين وما فتى ثقيف؟ فقال : ليقالن له يوم القيامة : اكفنا زاوية من زوايا جهنم رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة ، لا يدع الله معصية إلا ارتكبها ، حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها ، يفتن بمن أطاعه من عصاه ، وهذا معضل ، وفى صحته عن على نظر والله

٣٣٨

أعلم.

وقال البيهقى عن الحاكم عن الحسين بن الحسن بن أيوب عن أبى حاتم الرازى عن عبد الله بن يوسف الثنينى ، حدثنا هشام بن يحيى الغسانى قال : قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئناهم بالحجاج لغلبناهم ، وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبى عن أبى النجود : ما بقيت لله حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج ، وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس أن أباه لما تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥)) (١) قلت : وقد توفى الحجاج سنة خمس وتسعين.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ٤٥.

٣٣٩
٣٤٠