معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

أئمة هذا الشأن ، ووقوع ذلك فى زمان عليّ معلوم ضرورة لأهل العلم قاطبة ، وأما كيفية خروجهم وسببه ومناظرة ابن عباس لهم فى ذلك ، ورجوع كثير منهم إليه ، فسيأتى بيان ذلك فى موضعه إن شاء الله تعالى.

إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمقتل على بن أبى طالب فكان كما أخبر (١)

قال الإمام أحمد : حدثنا على بن بحر ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا محمد ابن إسحاق ، حدثنى زيد بن محمد بن خيثم المحاربى عن محمد بن كعب (القرظي عن محمد) (٢) بن خيثم عن عمار ابن ياسر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى ـ حين ولى غزوة العثيرة ـ يا أبا تراب ـ لما يرى عليه من التراب ـ ألا أحدثك بأشقى الناس رجلين؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال أحيمر ثمود الّذي عقر الناقة والّذي يضربك يا على على هذه ـ يعنى قرنه ـ حتى يبل هذه ـ يعنى لحيته ـ.

وروى البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن الحسن بن مكرم عن أبى النضر عن محمد بن راشد عن عبد الله ابن محمد بن عقيل عن فضالة بن أبى فضالة الأنصارى ـ وكان أبوه من أهل بدر ـ قال : خرجت مع أبى عائدا لعلى ابن أبى طالب فى مرض أصابه فقتل منه ، قال : فقال أبى ما يقيمك بمنزلك هذا؟ فلو أصابك أجلك لم يكن إلا أعراب جهينة ، تحملك إلى المدينة ، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك ، فقال على : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إلى أن لا أموات حتى تخضب هذه ـ يعنى لحيته ـ من دم هذه ـ يعنى هامته ـ فقتل وقتل أبو فضالة مع على يوم صفين (٣).

وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن

__________________

(١) السيرة الحلبية (٣ / ٣٤٢).

(٢) ما بين معكوفتين من مسند أحمد (٤ / ٦٢٣).

(٣) أحمد في مسنده (١ / ١٠٢).

٣٠١

وهب قال : جاء رأس الخوارج إلى على فقال له : اتق الله فإنك ميت ، فقال : لا والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ولكن مقتول من ضربة على هذه تخضب هذه ـ وأشار بيده إلى لحيته ـ عهد معهود ، وقضاء مقضى ، وقد خاب من افترى.

وقد روى البيهقى بإسناد صحيح عن زيد بن أسلم عن أبى سنان المدركى عن على فى إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتله ، وروى من حديث هشيم عن إسماعيل بن سالم عن أبى إدريس الأزدى عن على قال : إن مما عهد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن الأمة ستغدر بك بعدى ، ثم ساقه من طريق قطر بن خليفة وعبد العزيز ابن سياه عن حبيب بن أبى ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحمامى قال : سمعت عليا يقول : إنه لعهد النبي الأمى إلى ، إن الأمة ستغدر بك بعدى.

قال البخارى : ثعلبة هذا فيه نظر ولا يتابع على حديثه هذا.

وروى البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعانى عن أبى الأجوب الأحوص بن خباب عن عمار ابن زريق عن الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن ثعلبة بن يزيد قال : قال على : والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه ، للحيته من رأسه ، فما يحبس أشقاها ، فقال عبد الله بن سبيع : والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأثرنا عشيرته ، فقال : أنشدك بالله أن لا تقتل بى غير قاتلى ، قالوا يا أمير المؤمنين ألا تستخلف؟ قال : ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا : فما تقول لربك إذا تركتنا هملا؟ قال : أقول اللهم استخلفتنى فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتنى وتركتك فيهم ، فإن شئت أصلحتهم ، وإن شئت أفسدتهم.

وهكذا روى البيهقى هذا ، وهو موقوف وفيه غرابة من حيث اللفظ ومن حيث المعنى ، ثم المشهور عن على أنه لما طعنه عبد الرحمن بن ملجم

٣٠٢

الخارجى وهو خارج لصلاة الصبح عند السدة ، فبقى على يومين من طعنته ، وحبس ابن ملجم ، وأوصى على إلى ابنه الحسن بن على كما سيأتى بيانه وأمره أن يركب فى الجنود وقال له : لا يجر على كما تجر الجارية ، فلما مات قتل عبد الرحمن بن ملجم قودا ، وقيل : حدا ، والله أعلم ، ثم ركب الحسن بن على فى الجنود وسار إلى معاوية كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.

إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك وسيادة ولده الحسن بن على فى تركه

الأمر من بعده وإعطائه لمعاوية

قال البخارى فى دلائل النبوة : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا يحيى ابن آدم ، حدثنا حسين الجعفى عن أبى موسى عن الحسن عن أبى بكرة قال : أخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم الحسن بن على فصعد به على المنبر فقال : إن ابنى هذا سيد : ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين (١).

وقال فى كتاب الصلح : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان عن أبى موسى قال : سمعت الحسن يقول : استقبل والله الحسن بن على معاوية بن أبى سفيان بكتائب أمثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : إنى لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها ، فقال له معاوية ، فكان والله خير الرجلين : أى عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء ، وهؤلاء هؤلاء ، من لى بأمور الناس؟ من لى بنسائهم؟ من لى بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بنى عبد شمس : عبد الرحمن بن سمرة ، وعبد الله ابن عامر بن كريز ، فقال : اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه ، فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له ، وطلبا إليه ، فقال لهما الحسن بن على : إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال ، وإن هذه الأمة قد عاثت فى دمائها ، قالا : فإنه يعرض

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦٢٩) (١٠ / ٥٠١).

٣٠٣

عليك كذا وكذا ، ويطلب إليك ويسألك ، قال : فمن لى بهذا؟ قالا : نحن لك به ، فما سألهما شيئا إلا قالا : نحن لك به ، فصالحه ، فقال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر والحسن ابن على إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ، ويقول : إن ابنى هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

وقال البخارى : قال لى على بن عبد الله : إنما ثبت لنا سماع الحسن ابن أبى بكرة بهذا الحديث.

وقد رواه البخارى أيضا فى فضل الحسن وفى كتاب الفتن عن على بن المدينى عن سفيان بن عيينة عن أبى موسى وهو إسرائيل بن موسى بن أبى إسحاق ـ ورواه أبو داود والترمذي من حديث أشعث ، وأبو داود أيضا والنسائى من حديث على ابن زيد بن جدعان كلهم عن الحسن البصرى عن أبى بكرة به.

وقال الترمذي : صحيح ، وله طرق عن الحسن مرسلا ، وعن الحسن وعن أم سلمة به.

وهكذا وقع الأمر كما أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سواء ، فإن الحسن بن على لما صار إليه الأمر بعد أبيه وركب فى جيوش أهل العراق ، وسار إليه معاوية ، فتصافا بصفين على ما ذكره الحسن البصرى ، فمال الحسن بن على إلى الصلح ، وخطب الناس وخلع نفسه من الأمر وسلمه إلى معاوية ، وذلك سنة أربعين ، فبايعه الأمراء من الجيشين ، واستقل بأعباء الأمة ، فسمى ذلك العام عام الجماعة ، لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد ، وسنورد ذلك مفصلا فى موضعه إن شاء الله تعالى.

وقد شهد الصادق المصدوق للفرقتين بالإسلام ، فمن كفرهم أو واحدا منهم لمجرد ما وقع فقد أخطأ وخالف النص النبوى المحمدى الّذي لا ينطق

٣٠٤

عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى ، وقد تكمل بهذه السنة المدة التى أشار إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها مدة الخلافة المتتابعة بعده ، كما تقدم فى حديث سفينة مولاه أنه قال : الخلافة بعدى ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا ، وفى رواية عضوضا ، وفى رواية عن معاوية أنه قال : رضينا بها ملكا ، وقد قال نعيم ابن حماد فى كتابه الفتن والملاحم : سمعت محمد بن فضيل عن السرى ابن إسماعيل عن عامر الشعبى عن سفيان بن عيينة قال : سمعت الحسن بن على يقول : سمعت عليا يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا تذهب الأيام والليالى حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع القدم ، ضخم البلغم ، يأكل ولا يشبع وهو عرى.

وهكذا وقع فى هذه الرواية ، وفى رواية بهذا الإسناد : لا تذهب الأيام والليالى حتى تجتمع هذه الأمة على معاوية.

وروى البيهقى من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ـ وهو ضعيف ـ عن عبد الملك بن عمار قال : قال معاوية : والله ما حملنى على الخلافة إلا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لى : يا معاوية إن ملكت فأحسن ، ثم قال البيهقى : وله شواهد ، من ذلك حديث عمرو بن يحيى عن سعيد بن العاص عن جده سعيد أن معاوية أخذ الأداوة فتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنظر إليه فقال : يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل ، قال معاوية : فما زلت أظن أنى مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

ومنها حديث الثورى عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد الدارى عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم ، أو كدت أن تفسدهم ، ثم يقول أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنفعه الله بها ، رواه أبو داود ، وروى البيهقى من

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ١٠١).

٣٠٥

طريق هشيم عن العوام بن حوشب عن سليمان ابن أبى سليمان عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الخلافة بالمدينة والملك بالشام.

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا يحيى ابن حمزة عن زيد بن واقد ، حدثنى بشر بن عبيد الله ، حدثنى أبو إدريس الخولانى عن أبى الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب رفع احتمل من تحت رأسى ، فظننت أنه مذهوب به ، فأتبعته بصرى ، فعمد به إلى الشام ، ألا وإن الأيمان ـ حين تقع الفتن ـ بالشام هاهنا (١) رواه البيهقى من طريق يعقوب ابن سفيان عن عبد الله بن يوسف عن يحيى بن حمزة السلمى به.

قال البيهقى : وهذا إسناد صحيح.

وروى من وجه آخر ، ثم ساقه من طريق عقبة بن علقمة عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقى عن عطية بن قيس عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنى رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا نور ساطع عمد به إلى الشام ، ألا إن الأيمان إذا وقعت الفتن بالشام.

ثم أورده البيهقى من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن يونس ابن ميسرة عن عبد الله بن عمرو قال : قال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر نحوه ، إلا أنه قال : فأتبعته بصرى حتى ظننت أنه مذهوب به ، قال : وإنى أولت أن الفتن إذا وقعت ، أن الأيمان بالشام ، قال الوليد : حدثنى عنبر بن معدان أنه سمع سليمان بن عامر يحدث عن أبى أمامة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل ذلك ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنى نصر ابن محمد بن سليمان الحمصى ، ـ حدثنا أبى أبو ضمرة ـ محمد بن سليمان السلمى ـ حدثنى عبد الله ابن أبى قيس ، سمعت عمر بن الخطاب يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : رأيت

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ١٩٩).

٣٠٦

عمودا من نور خرج من تحت رأسى ساطعا حتى استقر بالشام.

وقال عبد الرزاق : أنا معمر عن الزهرى عن عبد الله بن صفوان قال : قال رجل يوم صفين : اللهم العن أهل الشام ، فقال له على : لا تسب أهل الشام جما غفيرا ، فإن بها الأبدال ، فإن بها الابدال ، فإن بها الأبدال.

وقد روى من وجه آخر عن على.

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنى شريح ـ يعنى ابن عبيد الحضرمى ـ قال : ذكر أهل الشام عند على بن أبى طالب وهو بالعراق فقالوا : العنهم يا أمير المؤمنين ، قال : لا ، إنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : الأبدال يكونون بالشام ، وهم أربعون رجلا ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا ، يستسقى بهم الغيث ، وينتصر بهم على الأعداء ، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب ، تفرد به أحمد ، وفيه انقطاع ، فقد نص أبو حاتم الرازى على أن شريح بن عبيد هذا لم يسمع من أبى أمامة ولا من أبى مالك الأشعرى وأنه رواية عنهما مرسلة ، فما ظنك بروايته عن على ابن أبى طالب ، وهو أقدم وفاة منهما.

إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن غزاة البحر إلى قبرص

قال مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها يوما فأطعمته ثم جلست تفلي رأسه ، فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم استيقظ وهو يضحك ، قالت : فقلت : ما يضحك يا رسول الله؟ قال : ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ، ملوكا على الأسرة ، أو مثل الملوك على الأسرة ، شك إسحاق ، فقلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى منهم ، فدعا لها ، ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك ، قالت : قلت ما يضحك يا رسول الله؟

٣٠٧

قال : ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله ، كما قال فى الأولى ، قالت : قلت يا رسول الله : ادع الله أن يجعلنى منهم فقال : أنت من الأولين ، قال : فركبت أم حرام بنت ملحان البحر فى زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت (١).

رواه البخارى عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك به ، وأخرجاه فى الصحيحين من حديث الليث وحماد بن زيد كلاهما عن يحيى بن سعيد. وعن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان ، فذكر الحديث إلى أن قال : فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازية أول ما ركبوا مع معاوية ، أو أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية بن أبى سفيان ، فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين فنزلوا الشام ، فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.

ورواه البخارى من حديث أبى إسحاق الفزارى عن زائدة عن أبى حوالة عبد الله بن عبد الرحمن عن أنس به ، وأخرجه أبو داود من حديث معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أخت أم سليم.

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (٢٧٨٨ ـ ٢٧٨٩) (١٠ / ٥٠١).

٣٠٨

باب

ما قيل فى قتال الروم

حدثنا إسحاق بن يزيد الدمشقى ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العنسى حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل إلى ساحل حمص ، وهو فى بناء له ، ومعه أم حرام ، قال عمير : فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا ، قالت أم حرام : فقلت : يا رسول الله أنا فيهم؟ قال : أنت فيهم ، قالت : ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ، قلت : أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : لا (١) ، تفرد به البخارى دون أصحاب الكتب الستة.

وقد رواه البيهقى فى الدلائل عن الحاكم عن أبى عمرو بن أبى جعفر عن الحسن بن سفيان عن هشام بن عمار الخطيب عن يحيى بن حمزة القاضى به وهو يشبه معنى الحديث الأول.

وفيه من دلائل النبوة ثلاث إحداها الإخبار عن الغزوة الأولي فى البحر وقد كانت فى سنة سبع وعشرين مع معاوية بن أبى سفيان حين غزا قبرص وهو نائب الشام عن عثمان بن عفان ، وكانت معهم أم حرام بنت ملحان هذه صحبة زوجها عبادة بن الصامت ، أحد النقباء ليلة العقبة ، فتوفيت مرجعهم من الغزو قتل بالشام كما تقدم فى الرواية عند البخارى ، وقال ابن زيد : توفيت بقبرس سنة سبع وعشرين ، والغزوة الثانية غزوة قسطنطينية مع أول جيش غزاها ، وكان أميرها يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ، وذلك فى سنة ثنتين وخمسين ، وكان معهم أبو أيوب ، خالد بن زيد الأنصارى ، فمات

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (٢٩٢٤) (٩ / ٥٩).

٣٠٩

هنالك رضى الله عنه وأرضاه ، ولم تكن هذه المرأة معهم ، لأنها كانت قد توفيت قبل ذلك فى الغزوة الأولى ، فهذا الحديث فيه ثلاث آيات من دلائل النبوة ، الأخبار عن الغزوتين ، والأخبار عن المرأة بأنها من الأولين وليست من الآخرين ، وكذلك وقع ، صلوات الله وسلامه عليه.

٣١٠

الإخبار عن غزوة الهند

قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم عن سيار بن حسين بن عبيدة عن أبى هريرة قال : وعدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة الهند فإن استشهدت كنت من خير الشهداء ، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر ، رواه النسائى من حديث هشيم وزيد بن أنيسة عن يسار عن جبر ، ويقال : جبير ، عن أبى هريرة قال : وعدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة الهند فذكره.

وقال أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا البراء عن الحسن عن أبى هريرة قال : حدثنى خليلى الصادق المصدوق ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يكون فى هذه الأمة بعث إلى السند والهند ، فإن أنا أدركته فاستشهدت فذاك ، وإن أنا وإن أنا فذكر كلمة رجعت فأنا أبو هريرة المحدث قد أعتقنى من النار ، تفرد به أحمد.

وقد غزا المسلمون الهند فى أيام معاوية سنة أربع وأربعين ، وكانت هنالك أمور سيأتى بسطها فى موضعها ، وقد غزا الملك الكبير الجليل محمود ابن سبكتكين ، صاحب غزنة ، فى حدود أربعمائة ، بلاد الهند فدخل فيها وقتل وأسر وسبى وغنم ودخل السومنات وكسر الند الأعظم الّذي يعبدونه ، واستلب سيوفه وقلائده ، ثم رجع سالما مؤيدا منصورا.

٣١١
٣١٢

فصل

فى الإخبار عن قتال الترك كما سنبينه إن شاء الله

قال البخارى : حدثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر ، وحتى تقاتل الترك صغار الأعين حمر الوجوه ، ذلف الأنوف ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، وتجدون من حير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر حتى يقع فيه ، والناس معادن : خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام ، وليأتين على أحدكم زمان لأن ترانى أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله ، تفرد به من هذا الوجه.

ثم قال البخارى : حدثنا يحيى ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبى هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم ، حمر الوجوه ، فطس (١) الأنوف ، صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة (٢) ، نعالهم الشعر (٣) ، تابعه غيره عن عبد الرزاق.

وقد ذكر عن الإمام أحمد أنه قال : أخطأ عبد الرزاق فى قوله : خوزا ، بالخاء ، وإنما هو بالجيم جوزا وكرمان ، هما بلدان معروفان بالشرق ، فالله أعلم.

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن الزهرى عن سعيد عن أبى هريرة فبلغ به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان

__________________

(١) الفطس : الانفراش.

(٢) وجوههم كالمجان المطرقة : قال البيضاوي : شبه وجوههم بالترسة لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها.

(٣) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٩٠) (١٠ / ٤٦٥).

٣١٣

المطرقة ، نعالهم الشعر.

وقد رواه الجماعة إلا النسائى من حديث سفيان بن عيينة به.

وقال البخارى : حدثنا على بن عبد الله ، حدثنا سفيان قال : قال إسماعيل : أخبرنى قيس قال : أتينا أبا هريرة رضى الله عنه فقال : صحبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث سنين لم أكن فى سنى أحرص على أن أعى الحديث منى فيهن ، سمعته يقول : وقال هكذا بيده بين يدى الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر ، وهو هذا البارز ، وقال سفيان مرة : وهم أهل البارز.

وقد رواه مسلم عن أبى كريب عن أبى أسامة ووكيع كلاهما عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس ابن أبى حازم عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم القيامة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة ، حمر الوجوه ، صغار الأعين ، قلت : وأما قول سفيان بن عيينة : إنهم هم أهل البارز فالمشهور فى الرواية تقديم الراء على الزاى ، ولعله تصحيف اشتبه على القائل البازر وهو السوق بلغتهم ، فالله أعلم.

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا جرير بن حازم سمعت الحسن قال : حدثنا عمرو بن ثعلب قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما نعالهم الشعر ، أو ينتعلون الشعر ، وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة (١).

ورواه البخارى عن سليمان بن حرب وأبى النعمان عن جرير بن حازم به ، والمقصود أن قتال الترك وقع فى آخر أيام الصحابة ، قاتلوا القان الأعظم ، فكسروه كسرة عظيمة على ما سنورده فى موضعه إذا انتهينا (إليه) بحول الله وقوته وحسن توفيقه.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ٧٠) ، والبخاري في كتاب المناقب (٣٥٩٢) (١٠ / ٤٧٠).

٣١٤

خبر آخر عن عبد الله بن سلام

قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف الازرق ، حدثنا ابن عون عن محمد هو ابن سيرين عن بشر بن عباد قال : كنت فى المسجد فجاء رجل فى وجهه أثر خشوع فدخل فصلى ركعتين فأوجز فيهما ، فقال القوم : هذا رجل من أهل الجنة ، فلما خرج اتبعته حتى دخل منزله فدخلت معه فحدثته ، فلما استأنس قلت له : إن القوم لما دخلت المسجد قالوا كذا وكذا قال : سبحان الله ، والله ما ينبغى لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك إنى رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقصصتها عليه ، رأيت كأنى فى روضة خضراء ـ قال ابن عون : فذكر من خضرتها وسعتها ـ وسطها عمود حديد أسفله فى الأرض وأعلاه فى السماء ، فى أعلاه عروة ، فقيل لى : اصعد عليه ، فقلت : لا أستطيع ، فجاء بنصيف ـ قال ابن عون : وهو الوصيف ـ فرفع ثيابى من خلفى فقال : اصعد عليه ، فصعدت حتى أخذت بالعروة ، فقال : استمسك بالعروة ، فاستيقظت وإنها لفى يدى ، قال : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقصصتها عليه فقال : أما الروضة فروضة الإسلام ، وأما العمود فعمود الإسلام ، وأما العروة فهى العروة الوثقى ، أنت على الإسلام تموت ، قال : وهو عبد الله بن سلام.

ورواه البخارى من حديث عون.

ثم قد رواه الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن المسيب بن رافع عن حرشة بن الحر عن عبد الله بن سلام ، فذكره مطولا ، وفيه قال : حتى انتهيت إلى جبل زلق فأخذ بيدى ودحانى ، فإذا أنا على ذروته ، فلم أتقار ولم أتماسك ، وإذا عمود حديد فى يدى ذروته حلقة ذهب ، فأخذ بيدى ودحانى حتى أخذت بالعروة ، وذكر تمام الحديث ،

٣١٥

وأخرجه مسلم فى صحيحه من حديث الأعمش عن سليمان بن مسهر عن حرشة بن الحر عن عبد الله بن سلام فذكره وقال : حتى أتى بى جبلا فقال لى : اصعد ، فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على رأسى ، حتى فعلت ذلك مرارا ، وأن رسول الله قال له حين ذكر رؤياه : وأما الجبل فهو منزل الشهداء ، ولن تناله ، قال البيهقى : وهذه معجزة ثانية ، حيث أخبر أنه لا ينال الشهادة ، وهكذا وقع ، فإنه مات سنة ثلاث وأربعين فيما ذكره أبو عبيد القاسم ابن سلام وغيره.

٣١٦

الإخبار عن بيت ميمونة بنت الحارث بسرف

قال البخارى فى التاريخ : أنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عبد الله بن عبد الله بن الأصم ، حدثنا يزيد بن الأصم قال : ثقلت ميمونة بمكة وليس عندها من بنى أختها أحد ، فقالت : أخرجونى من مكة فإنى لا أموت بها ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرنى أنى لا أموت بمكة ، فحملوها حتى أتوا بها إلى سرف ، الشجرة التى بنى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحتها فى موضع القبة ، فماتت رضى الله عنها ، قلت : وكان موتها سنة إحدى وخمسين على الصحيح.

ما روى فى إخباره عن مقتل حجر بن عدى وأصحابه

قال يعقوب بن سفيان : حدثنا ابن بكير ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنى الحارث عن يزيد عن عبد الله ابن رزين الغافقى قال : سمعت على بن أبى طالب يقول : يا أهل العراق ، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء (١) ، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود ، فقتل حجر بن عدى وأصحابه ، وقال يعقوب بن سفيان : قال أبو نعيم : ذكر زياد بن سمية على بن أبى طالب على المنبر فقبض حجر على الحصباء ، ثم أرسلها وحصب من حوله زيادا فكتب إلى معاوية يقول : إن حجرا حصبنى وأنا على المنبر ، فكتب إليه معاوية أن يحمل حجرا ، فلما قرب من دمشق بعث من يتلقاهم ، فالتقى معهم بعذراء فقتلهم.

قال البيهقى : لا يقول على مثل هذا إلا أنه يكون سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب ، أخبرنى ابن لهيعة عن أبى الأسود قال : دخل معاوية على عائشة فقالت : ما حملك على قتل أهل عذراء حجرا وأصحابه؟ فقال : يا أم المؤمنين ، إنى رأيت قتلهم

__________________

(١) عذراء : هو اسم قرية من قرى غوطة دمشق.

٣١٧

إصلاحا للأمة ، وأن بقاءهم فسادا ، فقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن سعيد بن المسيب عن مروان ابن الحكم قال : دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ، فقالت : يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه وفعلت الّذي فعلت ، أما خشيت أن أخبأ لك رجلا فيقتلك؟ قال : لا ، إني فى بيت أمان ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : الإيمان قيد الفتك لا يفتك ، لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين ، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك؟ قالت : صالح ، قال : فدعينى وحجرا حتى نلتقى عند ربنا عزوجل.

حديث آخر

قال يعقوب بن سفيان : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبى حدثنا شعبة عن أبى سلمة عن أبى نضرة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعشرة من أصحابه : آخركم موتا فى النار ، فيهم سمرة بن جندب ، قال أبو نضرة : فكان سمرة آخرهم موتا.

قال البيهقى : رواته ثقات إلا أن أبا نضرة العبدى لم يثبت له من أبى هريرة سماع والله أعلم.

ثم روى من طريق إسماعيل ابن حكيم عن يونس ابن عبيد عن الحسن عن أنس بن حكيم قال : كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فلا يبدأ بشيء حتى يسألنى عن سمرة ، فلو أخبرته بحياته وصحته فرح وقال : إنا كنا عشرة فى بيت ، وإن رسول الله قام علينا ونظر فى وجوهنا وأخذ بعضادتى الباب وقال : آخركم موتا فى النار ، فقد مات منا ثمانية ولم يبق غيرى وغيره ، فليس شيء أحب إلى من أن أكون قد ذقت الموت.

وله شاهد من وجه آخر ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا حجاج بن

٣١٨

منهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أوس بن خالد قال : كنت إذا قدمت على أبى محذورة سألنى عن سمرة ، وإذا قدمت على سمرة سألنى عن أبى محذورة ، فقلت لأبى محذورة : ما لك إذا قدمت عليك تسألنى عن سمرة ، وإذا قدمت على سمرة سألنى عنك؟ فقال : إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة فى بيت فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : آخركم موتا فى النار ، قال : فمات أبو هريرة ثم مات أبو محذورة ثم مات سمرة.

وقال عبد الرزاق : أنا معمر : سمعت ابن طاوس وغيره يقولون : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى هريرة وسمرة بن جندب ولرجل آخر : آخركم موتا فى النار ، فمات الرجل قبلهما وبقى أبو هريرة وسمرة ، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول : مات سمرة ، فإذا سمعه غشى عليه وصعق ، ثم مات أبو هريرة قبل سمرة وقتل سمرة بشرا كثيرا.

وقد ضعف البيهقى عامة هذه الروايات لانقطاع بعضها وإرساله ، ثم قال : وقد قال

بعض أهل العلم : إن سمرة مات فى الحريق ، ثم قال : ويحتمل أن يورد النار بذنوبه ثم ينجو منها بإيمانه فيخرج منها بشفاعة الشافعين ، والله أعلم.

ثم أورد من طريق هلال بن العلاء الرقى أن عبد الله بن معاوية حدثهم عن رجل قد سماه أن سمرة استجمر فغفل عن نفسه وغفل أهله عنه حتى أخذته النار ، قلت : وذكر غيره أن سمرة ابن جندب رضى الله عنه أصابه كرار شديد ، وكان يوقد له على قدر مملوءة ماء حارا فيجلس فوقها ليتدفأ ببخارها فسقط يوما فيها فمات رضى الله عنه ، وكان موته سنة تسع وخمسين بعد أبى هريرة بسنة ، وقد كان ينوب عن زياد بن سمية فى البصرة إذا سار إلى الكوفة ، وفى الكوفة إذا سار إلى البصرة ، فكان يقيم فى كل منهما ستة أشهر من السنة ، وكان شديدا على الخوارج ، مكثرا للقتل فيهم ، ويقول : هم شر قتلى تحت أديم السماء ، وقد كان الحسن البصرى ومحمد بن سيرين

٣١٩

وغيرهما من علماء البصرة يثنون عليه رضى الله عنه.

خبر رافع بن خديج

روى البيهقى من حديث مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن مرزوق الواضحى ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد بن رافع عن جدته أن رافع بن خديج رمى ـ قال عمر : لا أدرى أيهما قال ـ يوم أحد أو يوم حنين بسهم فى ثندوته ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله انزع لى السهم ، فقال له : يا رافع إن شئت نزعت السهم والقبضة جميعا ، وإن شئت نزعت السهم وتركت القبضة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد ، فقال يا رسول الله ، انزع السهم واترك القبضة واشهد لى يوم القيامة أنى شهيد ، قال : فعاش حتى كانت خلافة معاوية انتقض الجرح فمات بعد العصر.

هكذا وقع فى هذه الرواية أنه مات فى إمارة معاوية ، والّذي ذكره الواقدى وغير واحد أنه مات سنة ثلاث ، وقيل : أربع وسبعين ، ومعاوية رضى الله عنه كانت وفاته فى سنة ستين بلا خلاف ، والله أعلم.

إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما وقع من الفتن من بنى هاشم بعد موته

قال البخارى : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنى سفيان عن الأعمش عن زيد ابن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ستكون أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا : يا رسول الله : فما تأمرنا؟ قال : تؤدون الحق الّذي عليكم ، وتسألون الله الّذي لكم (١).

وقال البخارى : حدثنا محمد بن عبد الرحيم أنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا شعبة عن أبى التياح عن أبى زرعة عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يهلك الناس هذا الحى من قريش ، قالوا : فما

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦٠٣) (١٠ / ٤٧٨).

٣٢٠