معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

حديث آخر

قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنى يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر قالت : لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال : ما يبكيك؟ فقلت : وما لي لا أبكى وأنت تموت بفلاة من الأرض ولا يدلى بدفنك ، وليس عندى ثوب يسعك فأكفنك فيه ، قال فلا تبكى وابشرى ، فإنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين ، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات فى قرية أو جماعة ، وإنى أنا الّذي أموت بالفلاة ، والله ما كذب ولا كذبت (١) ، تفرد به أحمد رحمه‌الله.

وقد رواه البيهقى من حديث على بن المدينى عن يحيى بن سليم الطائفى به مطولا ، والحديث مشهور فى موته رضى الله عنه بالربذة سنة ثنتين وثلاثين ، فى خلافة عثمان بن عفان ، وكان فى النفر الذين قدموا عليه (وهو) فى السياق عبد الله ابن مسعود وهو الّذي صلى عليه ثم قدم المدينة فأقام بها عشر ليال ومات رضى الله عنه.

حديث آخر

قال البيهقى : أنا الحاكم ، أنا الأصم ، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعانى ، حدثنا عمر بن سعيد الدمشقى ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن أبى عبد الله الأشعرى عن أبى الدرداء. قال : قلت : يا رسول الله بلغنى أنك تقول : ليرتدن أقوام بعد إيمانهم ، قال : أجل ، ولست منهم. قال : فتوفى أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا صفوان حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الله أو عبد الغفار بن إسماعيل بن عبد

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ١٥٥).

٢٨١

الله عن أبيه أنه حدثه عن شيخ من السلف قال : سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنى فرطكم على الحوض ، أنتظر من يرد على منكم ، فلا ألفتن أنازع أحدكم ، فأقول : إنه من أمتى ، فيقال : هل تدري ما أحدثوا بعدك؟ قال أبو الدرداء : فتخوفت أن أكون منهم ، فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : إنك لست منهم ، قال فتوفى أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان ، وقبل أن تقع الفتن.

قال البيهقى : تابعه يزيد بن أبى مريم عن أبى عبيد الله مسلم بن يشكر عن أبى الدرداء إلى قوله : لست منهم ، قلت : قال سعيد بن عبد العزيز توفى أبو الدرداء لسنتين بقيتا من خلافة عثمان ، وقال الواقدى وأبو عبيد وغير واحد : توفى سنة ثنتين وثلاثين ، رضى الله عنه.

٢٨٢

ذكر أخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان

وخلافة علي رضي الله عنهما

ثبت فى الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن الزهرى عن عروة عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة فقال : هل ترون ما أرى؟ إنى لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر (١).

وروى الإمام أحمد ومسلم من حديث الزهرى عن أبى إدريس الخولانى : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : والله إنى لأعلم الناس بكل فتنة هى كائنة فيما بينى وبين الساعة ، وما ذاك أن يكون رسول الله يحدثنى من ذلك شيئا أسره إلى لم يكن حدث به غيرى ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ـ وهو يحدث مجلسا أنا فيه ـ سئل عن الفتن وهو يعد الفتن فيهن ثلاث لا تذوق شيئا منهن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار ، قال حذيفة : فذهب أولئك الرهط كلهم غيرى ، وهذا لفظ أحمد.

قال البيهقى : مات حذيفة به الفتنة الأولى بقتل عثمان ، وقل الفتنتين الآخرتين فى أيام على ، قلت : قال العجلى وغير واحد من علماء التاريخ : كانت وفاة حذيفة بعد مقتل عثمان بأربعين يوما ، وهو الّذي قال : لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبنا ، ولكنه كان ضلالة فاحتلبت به الأمة دما ، وقال : لو أن أحدا ارتقص لما صنعتم بعثمان لكان جديرا أن يرقص.

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهرى عن عروة عن زينب بنت أبى سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبى سفيان عن أمها أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال سفيان أربع نسوة ، قالت :

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة (١٨٧٨) (٦ / ١٧٣).

٢٨٣

استيقظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ـ وحلق بإصبعه الإبهام والتى تليها ـ قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث (١).

هكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان عيينة به ، وكذلك رواه مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة وسعد بن عمرو والأشعثي وزهير بن حرب وابن أبى عمر كلهم عن سفيان بن عيينة به سواء ، ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومى وغير واحد : كلهم عن سفيان بن عيينة.

وقال الترمذي : حسن صحيح ، وقال الترمذي : قال الحميدى عن سفيان : حفظت من الزهرى فى هذا الإسناد أربع نسوة ، قلت وقد أخرجه البخارى عن مالك بن إسماعيل ومسلم عن عمرو الناقد عن الزهرى عن عروة عن زينب عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش فلم يذكروا حبيبة فى الإسناد ، وكذلك رواه عن الزهرى شعيب وصالح بن كيسان وعقيل ومحمد بن إسحاق ومحمد بن أبى عتيق ويونس بن يزيد فلم يذكروا عنه فى الأسناد حبيبة والله أعلم ، فعلى ما رواه أحمد ومن تابعه عن سفيان بن عيينة ، يكون قد اجتمع فى هذا الإسناد تابعيان ، وهما الزهرى وعروة بن الزبير ، وأربع صحابيات وبنتان وزوجتان وهذا عزيز جدا.

ثم قال البخارى بعد رواية الحديث المتقدم : عن أبى اليمان عن شعيب عن الزهرى فذكره إلى آخره ، ثم قال : وعن الزهرى حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة قالت : استيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : سبحان الله ما ذا أنزل من الخزائن؟ أو ما ذا أنزل من الفتن؟.

وقد أسنده البخارى فى مواضع أخر من طرق عن الزهرى به ، ورواه

__________________

(١) أحمد في مسنده (٦ / ٤٢٨).

٢٨٤

الترمذي من حديث معمر عن الزهرى وقال : حسن صحيح ، وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا الصلت بن دينار ، حدثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردى قالا : سمعنا الزبير وهو يتلو هذه الآية (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (١) قال : لقد تلوت هذه الآية زمنا وما أرانى من أهلها ، فأصبحنا من أهلها ، وهذا الإسناد ضعيف ، ولكن روى من وجه آخر.

فقال الإمام احمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا جرير قال : سمعت أنسا قال : قال الزبير بن العوام : نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) فجعلنا نقول : ما هذه الفتنة؟ وما نشعر أنها تقع حيث وقعت ، ورواه النسائى عن إسحاق بن إبراهيم عن مهدى عن جرير بن حازم به ، وقد قتل الزبير بوادى السباع مرجعه من قتال يوم الجمل على ما سنورده فى موضعه إن شاء الله تعالى.

وقال أبو داود السجستانى فى سننه : حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ـ سلام بن سليم ـ عن منصور عن هلال ابن يساف عن سعيد بن زيد ، قال : كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر فتنة وعظم أمرها ، فقلنا : يا رسول الله لئن أدركتنا هذه لتهلكنا فقال : كلا إن بحسبكم القتل ، قال سعيد : فرأيت إخوانى قتلوا ، تفرد به أبو داود.

وقال أبو داود السجستانى : حدثنا الحسن بن على ، حدثنا يزيد ، أنا هشام عن محمد ، قال قال حذيفة : ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فإنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا تضرك الفتنة ، وهذا منقطع.

وقال أبو داود الطيالسى ، حدثنا شعبة عن أشعث ابن أبى أشعث سمعت أبا بردة يحدث عن ثعلبة بن أبى ضبيعة سمعت حذيفة يقول : إنى لأعرف

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٢٥.

٢٨٥

رجلا لا تضره الفتنة ، فأتينا المدينة فإذا فسطاط مضروب ، وإذا محمد بن مسلمة الأنصارى ، فسألته فقال : لا أستقر بمصر من أمصارهم حتى تنجلى هذه الفتنة عن جماعة المسلمين.

قال البيهقى : ورواه أبو داود ـ يعنى السجستانى ـ عن عمرو بن مرزوق عن شعبة به ، وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا أبو عوانة عن أشعث ابن سليم عن أبى بردة عن ضبيعة بن حصين الثعلبى عن حذيفة بمعناه ، قال البخارى فى التاريخ : هذا عندى أول.

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أبى بردة قال : مررت بالربذة فإذا فسطاط ، فقلت : لمن هذا؟ فقيل : لمحمد بن مسلمة ، فاستأذنت عليه فدخلت عليه فقلت : رحمك الله إنك من هذا الأمر بمكان ، فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت ، فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف ، فاذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه ، وكسر نبلك ، واقطع وترك ، واجلس فى بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعفيك الله ، فقد كان ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفعلت ما أمرنى به ، ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط واخترطه فإذا سيف من خشب فقال قد فعلت ما أمرنى به واتخذت هذا أرهب به الناس ، تفرد به أحمد.

وقال البيهقى : أنا الحاكم ، حدثنا على بن عيسى المدنى ، أنا أحمد بن بحرة القرشى ، حدثنا يحيى بن عبد الحيد ، أنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه عن محمود بن لبيد عن محمد ابن مسلمة أنه قال : يا رسول الله كيف أصنع إذا اختلف المضلون؟ قال : اخرج بسيفك إلى الحرة فتضربها به ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة ، وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا زياد بن مسلم أبو عمر ، حدثنا أبو الأشعث الصنعانى قال : بعثنا يزيد ابن معاوية إلى ابن

٢٨٦

الزبير ، فلما قدمت المدينة دخلت على فلان ـ نسى زياد اسمه ـ فقال : إن الناس قد صنعوا ما صنعوا فما ترى؟ قال : أوصانى خليلى أبو القاسم إن أدركت شيئا من هذه الفتن فاعمد إلى أحد فاكسر به حد سيفك ثم اقعد فى بيتك ، فإن دخل عليك أحد البيت فقم إلى المخدع ، فإن دخل عليك المخدع فاجثو على ركبتيك وقل : بؤ بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ، فقد كسرت سيفى وقعدت فى بيتى (١).

هكذا وقع إيراد هذا الحديث فى مسند محمد بن مسلمة عند الإمام أحمد ، ولكن وقع إبهام اسمه ، وليس هو لمحمد بن مسلمة بل صحابى آخر ، فإن محمد بن مسلمة رضى الله عنه لا خلاف عند أهل التاريخ أنه توفى فيما بين الأربعين إلى الخمسين ، فقيل سنة ثنتين وقيل : ثلاث ، وقيل : سبع وأربعين ، ولم يدرك أيام يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير بلا خلاف ، فتعين أنه صحابى آخر خبره كخبر محمد بن مسلمة وقال نعيم بن حماد فى الفتن والملاحم : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة حدثنا أبو عمرو السلمى عن بنت أهبان الغفارى أن عليا أتى أهبان فقال : ما يمنعك أن تتبعنا؟ فقال : أوصانى خليلى وابن عمك صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن ستكون فرفة وفتنة واختلاف ، فإذا كان ذلك فاكسر سيفك واقعد فى بيتك واتخذ سيفا من خشب.

وقد رواه أحمد عن عفان وأسود بن عامر ومؤمل ثلاثتهم عن حماد ابن سلمة به ، وزاد مؤمل فى روايته بعد قوله : واتخذ سيفا من خشب واقعد فى بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية ، ورواه الإمام أحمد أيضا والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبيد الديلى عن عديسة بنت أهبان بن صيفى عن أبيها به.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ٢٢٦).

٢٨٧

وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد ، كذا قال ، وقد تقدم من غير طريقه.

وقال البخارى : حدثنا عبد العزيز الأويسى ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشى ، والماشى فيها خير من الساعى ، من تشرف لها تستشرفه ، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به (١) ، وعن ابن شهاب : حدثنى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود عن نوفل ابن معاوية مثل حديث أبى هريرة هذا (٢).

وقد روى مسلم حديث أبى هريرة من طريق إبراهيم بن سعد كما رواه البخارى ، وكذلك حديث نوفل بن معاوية بإسناد البخارى ولفظه ، ثم قال البخارى : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنى سفيان عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ستكون أثرة وأمور تنكرونها ، فقالوا : يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال : تؤدون الحق الّذي عليكم وتسألون الله الّذي لكم (٣) ، ورواه مسلم من حديث الأعمش به.

وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا عثمان الشحام ، حدثنا سلمة بن أبى بكرة عن أبى بكرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إنها ستكون فتنة ثم تكون فتنة ، ألا فالماشى فيها خير من الساعى إليها ، والقاعد فيها خير من القائم فيها ، ألا والمضطجع فيها خير من القاعد ، ألا فإذا نزلت فمن كان له غنم فليلحق بغنمه ، ألا ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ، ألا ومن كانت

__________________

(١) البخاري في كتاب المناقب (٣٦٠١) (١٠ / ٤٧٦).

(٢) البخاري في كتاب المناقب (٣٦٠٢) (١٠ / ٤٧٧).

(٣) أخرجه أحمد في مسنده (٥ / ٣٩ ، ٤٨).

٢٨٨

له إبل فليلحق بإبله ، فقال رجل من القوم : يا نبى الله جعلنى الله فداك ، أرأيت من ليست له غنم ولا أرض ولا إبل كيف يصنع؟ قال : يأخذ سيفه ثم ليعمد به إلى صخرة ، ثم ليدق على حده بحجر ، ثم لينج إن استطاع النجاء ، اللهم هل بلغت ، إذ قال رجل : يا رسول الله جعلنى الله فداك ، أرأيت إن أخذ بيدى مكرها حتى ينطلق بى إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين؟ ـ شك عثمان ـ فيحذفنى رجل بسيفه فيقتلنى ، ما ذا يكون من شأنى؟ قال : يبوء بإثمك وإثمه ويكون من أصحاب النار (١).

وهكذا رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه ، وهذا إخبار عن إقبال الفتن ، وقد وردت أحاديث كثيرة فى معنى هذا ، وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسماعيل ، حدثنا قيس قال : لما أقبلت عائشة ـ يعنى فى مسيرها إلى وقعة الجمل ـ وبلغت مياه بنى عامر ليلا ، نبحت الكلاب فقالت : أى ماء هذا؟ قالوا : ماء الحوأب ، فقالت : ما أظننى إلا راجعة ، فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم ، قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لنا ذات يوم : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب(٢).

ورواه أبو نعيم بن حماد فى الملاحم عن يزيد بن هارون عن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم به ، ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن إسماعيل ابن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب فسمعت نباح الكلاب فقالت : ما أظنى إلا راجعة ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لنا : أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب ، فقال لها الزبير : ترجعين؟ عسى الله أني صلح بك بين الناس.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٦ / ٥٢ ، ٩٧).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣٧٧٢) (١١ / ٨٢) ، وأحمد في مسنده (٤ / ٢٦٥).

٢٨٩

وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه ، وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد ابن عثمان بن كرامة ، حدثنا عبيد الله بن موسى عن عصام بن قدامة البجلي عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليت شعرى أيتكن صاحبة الجمل الاديب تسير حتى تنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وعن يسارها خلق كثير ، ثم قال : لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد.

وقال الطبرانى : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهانى ، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ، حدثنا نوح بن دراج عن الأجلح بن عبد الله عن زيد بن على عن أبيه عن ابن الحسين عن ابن عباس قال : لما بلغ أصحاب على ، حين ساروا إلى البصرة ، أن أهل البصرة قد اجتمعوا لطلحة والزبير ، شق عليهم ، ووقع فى قلوبهم ، فقال على : والّذي لا إله غيره ليظهرنه على أهل البصرة ، وليقتلن طلحة والزبير وليخرجن إليكم من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا ، أو خمسة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا ، شك الأجلح ، قال ابن عباس : فوقع ذلك فى نفسى ، فلما أتى الكوفة خرجت فقلت : لأنظرن ، فان كان كما يقول فهو أمر سمعه ، وإلا فهو خديعة الحرب ، فلقيت رجلا من الجيش فسألته ، فو الله ما عتم أن قال ما قال على ، قال ابن عباس : وهو ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخبره.

وقال البيهقى : أنا عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد ، حدثنا أحمد بن نصر ، حدثنا أبو نعيم الفضل ، حدثنا عبد الجبار بن الورد عن عمار الذهبى عن سالم بن أبى الجعد عن أم سلمة قالت : ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين ، فضحكت عائشة ، فقال لها : انظرى يا حميراء أن لا تكونى أنت ، ثم التفت إلى على وقال : يا على إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها ، وهذا حديث غريب جدا ، وأغرب منه ما رواه البيهقى أيضا عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعانى عن أبى نعيم عن عبد

٢٩٠

الجبار ابن العباس الشامى عن عطاء بن السائب عن عمر بن الهجيع عن أبى بكرة قال : قيل له ما يمنعك أن لا تكون قاتلت على نصرتك يوم الجمل؟ فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج قومى هلكى لا يفلحون ، قائدهم امرأة ، قائدهم فى الجنة ، وهذا منكر جدا.

والمحفوظ ما رواه البخارى من حديث الحسن البصرى عن أبى بكرة قال : نفعنى الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبلغه أن فارس ملكوا عليهم امرأة كسرى. فقال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن الحكم ، سمعت أبا وائل قال : لما بعث على عمارا والحسن إلى الكوفة يستنفرهم ، خطب عمار فقال : إنى لأعلم أنها زوجته فى الدنيا والآخرة ، لكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها (١) ، ورواه البخارى عن بندار عن غندر ، وهذا كله وقع فى أيام الجمل ، وقد ندمت عائشة رضى الله عنها على ما كان من خروجها ، على ما سنورده فى موضعه ، وكذلك الزبير بن العوام أيضا ، تذكر وهو واقف فى المعركة أن قتاله فى هذا الموطن ليس بصواب ، فرجع عن ذلك ، قال عبد الرزاق : أنا معمر عن قتادة قال : لما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا ، فقال : لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقيهما فى سقيفة بنى ساعدة فقال : أتحبه يا زبير؟ فقال : وما يمنعنى؟ قال : فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له؟ قال : فيرون أنه إنما ولى لذلك ، وهذا مرسل من هذا الوجه.

وقد أسنده الحافظ البيهقى من وجه آخر فقال : أنا أبو بكر ـ أحمد بن الحسن القاضى ـ حدثنا أبو عمرو بن مطر ، أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمى الكوفى ، حدثنا منجاب بن الحرث ، حدثنا عبد الله بن الأجلح ، حدثنا

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦٠٨) (١٠ / ٤٨٠) ، وأحمد في مسنده (٢ / ٣١٣).

٢٩١

أبى عن يزيد الفقير عن أبيه قال : وسمعت فضل بن فضالة يحدث أبى عن أبى حرب ابن أبى الأسود الدؤلي عن أبيه ، دخل حديث أحدهما فى حديث صاحبه ، قال : لما دنا على وأصحابه من طلحة والزبير ، ودنت الصفوف بعضها من بعض ، خرج على وهو على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنادى : ادعوا لى الزبير بن العوام ، فأتى على ، فدعا له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما ، فقال على يا زبير ناشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكان كذا وكذا فقال : يا زبير تحب عليا؟ فقلت : ألا أحب ابن خالى وابن عمى وعلى دينى؟ فقال : يا على أتحبه؟ فقلت : يا رسول الله ألا أحب ابن عمتى وعلى دينى؟ فقال : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له ، فقال الزبير : بلى ، والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ذكرته الآن ، والله لا أقاتلك ، فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف ، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير فقال : ما لك؟ فقال : ذكرنى على حديثا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سمعته وهو يقول : لتقاتلنه وأنت ظالم له ، فلا أقاتلنه ، فقال وللقتال جئت؟ إنما جئت تصلح بين الناس ، ويصلح الله هذا الأمر ، قال : قد حلفت أن لا أقاتله. قال : فاعتق غلامك خير وقف حتى تصلح بين الناس ، فأعتق غلامه ووقف ، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه.

قال البيهقى : وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا الامام أبو الوليد ، حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا قطن بن بشير ، حدثنا جعفر ابن سليمان ، حدثنا عبد الله ابن محمد الرقاشى ، حدثنا جدى ـ وهو عبد الملك بن مسلم ـ عن أبى وجرة المازنى ، قال : سمعت عليا والزبير وعلى يقول له : ناشدتك الله يا زبير ، أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنك تقاتلنى وأنت لى ظالم؟ قال : بلى وكنى نسيت ، وهذا غريب كالسياق الّذي قبله.

وقد روى البيهقى من طريق الهذيل بن بلال ـ وفيه ضعف ـ عن عبد الرحمن بن مسعود العبدى عن على قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من سره أن

٢٩٢

ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فينظر إلى زيد بن صوحان ، قلت : قتل زيد هذا فى وقعة الجمل من ناحية على.

وثبت فى الصحيحين من حديث همام بن منية عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة (١).

ورواه البخارى أيضا عن أبى اليمان عن شعيب عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة مثله ، ورواه البخارى أيضا عن أبى اليمان عن شعيب عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة ، وهاتان الفئتان هما أصحاب الجمل ، وأصحاب صفين ، فإنهما جميعا يدعون إلى الإسلام ، وإنما يتنازعون فى شيء من أمور الملك ، ومراعاة المصالح العائد نفعها على الأمة والرعايا ، وكان ترك القتال أولى من فعله ، كما هو مذهب جمهور الصحابة كما سنذكره ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمر وقال : كان أهل الشام ستين ألفا ، فقتل منهم عشرون ألفا وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا ، فقتل منهم أربعون ألفا ، ولكن كان على وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية ، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم.

كما ثبت فى صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبى سلمة عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى قال : حدثنى من هو خير منى ـ يعنى أبا قتادة ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية ، ورواه أيضا من حديث ابن علية عن ابن عون عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقتل عمارا الفئة الباغية ، وفى رواية : وقاتله فى النار ، وقد تقدم الحديث بطرقه عند بناء المسجد النبوى فى أول الهجرة النبوية ، وما يزيده بعض الرافضة فى هذا الحديث من قولهم به : لا أنالها الله شفاعتى يوم

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ٣١٩).

٢٩٣

القيامة ، فليس له أصل يعتمد عليه ، بل هو من اختلاق الروافض قبحهم الله.

وقد روى البيهقى من حديث أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مولاة لعمار قالت : اشتكى عمار شكوى أرق منها ، فغشى عليه فأفاق ونحن نبكى حوله ، فقال : ما تبكون؟ أتخشون أن أموت على فراشى؟ أخبرنى حبيبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه تقتلنى الفئة الباغية وأن آخر زادى من الدنيا مذقة لبن ، وقال الإمام أحمد : حدثنى وكيع ، حدثنا سفيان عن حبيب بن أبى ثابت عن أبى البخترى قال : قال عمار يوم صفين : ائتونى بشربة لبن ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن ، فشربها ثم تقدم فقتل ، وحدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن حبيب عن أبى البخترى ، أن عمار بن ياسر أتى بشربة لبن فضحك وقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لى : اخر شراب أشربه لبن حين أموت(١).

وروى البيهقى من حديث عمار الذهبى عن سالم بن أبى الجعد عن ابن مسعود سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ـ إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ، ومعلوم أن عمارا كان فى جيش على يوم صفين ، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام ، وكان الّذي تولى قتله رجل يقال له أبو الفادية ، رجل من أفناد الناس ، وقيل : إنه صحابى ، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر وغيره فى أسماء الصحابة وهو أبو الغادية ومسلم وقيل : يسار بن أزيهر الجهنى من قضاعة ، وقيل : مزنى ، وقيل : هما اثنان ، سكن الشام ثم صار إلى واسط ، روى له أحمد حدثنا وله عند غيره آخر ، قالوا : وهو قاتل عمار بن ياسر ، وكان يذكر صفة قتله لعمار لا يتحاشى من ذلك ، وسنذكر ترجمته عند قتله لعمار أيام معاوية فى وقعة صفين ، وأخطأ من قال : كان بدريا ، وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا العوام ، حدثنى ابن مسعود

__________________

(١) أحمد في مسنده (٢ / ١٦٤ ـ ٢٠٦) ، (٣ / ٢٢).

٢٩٤

عن حنظلة بن خويلد العنزى قال : بينا أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان فى رأس عمار ، يقول كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال عبد الله ابن عمرو : ليطب به أحدكما لصاحبه نفسا فإنى سمعت النبي يقول : تقتله الفئة الباغية ، فقال معاوية : ألا نحّ عنا مجنونك يا عمرو ، فما بالك معنا ، قال : إن أبى شكانى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه ، فأنا معكم ولست أقاتل.

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن عبد الرحمن ابن زياد عن عبد الله بن الحرث ابن نوفل قال : إنى لأسير مع معاوية منصرفه من صفين ، بينه وبين عمرو بن العاص ، فقال عبد الله بن عمرو : يا أبة ، أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لعمار : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية؟ قال : فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية : لا يزال يأتينا بهنة ، أو نحن قتلناه؟ إنما قتله من جاءوا به (١).

ثم رواه أحمد عن أبى نعيم عن الثورى عن الأعمش عن عبد الرحمن ابن أبى زياد فذكر مثله. فقوله معاوية : إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا ، تأويل بعد جدا ، إذ لو كان كذلك لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون فى سبيل الله ، حيث قدمهم إلى سيوف الأعداء ، وقال عبد الرزاق أنا ابن

__________________

(١) أحمد في مسنده (٢ / ١٦١).

٢٩٥

عيينة ، أخبرنى عمرو بن دينار عن ابن أبى مليكة عن المسور بن مخرمة قال عمرو لعبد الرحمن بن عوف : أما علمت أنا كنا نقرأ (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) (١) فى آخر الزمان ، كما جاهدتم فى أوله؟ فقال عبد الرحمن (بن عوف) : ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : إذا كان بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء ، ذكره البيهقى هاهنا ، وكأنه يستشهد به على ما عقد له الباب بعده من ذكر الحكمين وما كان من أمرهما ، فقال.

إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الحكمين اللذين بعثا فى زمن علي

أخيرنا على بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا إسماعيل ابن الفضل ، حدثنا قتيبة بن سعيد عن جرير عن زكريا بن يحيى عن عبد الله بن يزيد وحبيب بن بشار عن سويد بن غفلة قال : إنى لأمشى مع علي بشط الفرات فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن بنى إسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا من اتبعها ، وإن هذه الأمة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وأضلا من

__________________

(١) سورة الحج ، الآية : ٧٨.

٢٩٦

اتبعهما ، هكذا أورده ولم يبين شيئا من أمره ، وهو حديث منكر جدا ، وآفته من زكريا بن يحيى هذا ـ وهو الكندى الحميرى الأعمى ـ.

قال يحيى بن معين : ليس بشيء ، والحكمان كانا من خيار الصحابة ، وهما عمرو بن العاص السهمى من جهة أهل الشام ، والثانى أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعرى ، من جهة أهل العراق ، وإنما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين ، وحقن لدمائهم ، وكذلك وقع ولم يضل بسببهما إلا فرقة الخوارج حيث أنكروا على الأمرين التحكيم ، وخرجوا عليهما وكفروهما ، حتى قاتلهم على بن أبى طالب ، وناظرهم ابن عباس ، فرجع منهم شرذمة إلى الحق ، واستمر بقيتهم حتى قتل أكثرهم بالنهروان وغيره من المواقف المرذولة عليهم كما سنذكره.

إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الخوارج وقتالهم (١)

قال البخارى : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب عن الزهرى ، قال : أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدرى قال : بينما نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقسم قسما ، أتاه ذو الخويصرة ـ وهو رجل من بنى تميم ـ

__________________

(١) السيرة الحلبية (٣ / ٣٤٢.

٢٩٧

فقال : يا رسول الله اعدل ، فقال : ويلك ، ومن يعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ، فقال عمر : يا رسول الله ائذن لى فيه فأضرب عنقه ، فقال : دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضبه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلم يوجد فيه شيء ، وقد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود ، إحدى عضديه مثل ثدى المرأة أو مثل البضعة تدردر ، ويخرجون على حين فرقة من الناس.

قال أبو سعيد فأشهد أنى سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وأشهد أن على ابن أبى طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الّذي نعته (١).

وهكذا رواه مسلم من حديث أبى سعيد ، ورواه البخارى أيضا من حديث الأوزاعى عن الزهرى عن أبى سلمة والضحاك عن أبى سعيد.

وأخرجه البخارى أيضا من حديث سفيان ابن سعيد الثورى عن أبيه ، ومسلم عن هناد عن أبى الأحوص سلام ابن سليم عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن ابن يعمر عن أبى سعيد الخدرى به.

وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث داود بن أبى هند والقاسم بن الفضل وقتادة عن أبى نضرة عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تمرق مارقة عند فرقة المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ، ورواه أيضا من حديث أبى إسحاق الثورى عن حبيب بن أبى ثابت عن الضحاك المشرقى عن أبى سعيد مرفوعا.

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦١٠) (١٠ / ٤٨٢).

٢٩٨

وروى مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة عن ابن مسهر عن الشيبانى بن عمرو قال : سألت سهل بن حنيف ، هل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يذكر هؤلاء الخوارج؟ فقال : سمعته وأشار بيده نحو المشرق ـ وفى رواية نحو العراق ـ يخرج قوم يقرءون القرآن بألسنتهم لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، محلقة رءوسهم.

وروى مسلم من حديث حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر نحوه وقال : سيماهم التحليق ، شر الخلق والخليفة ، وكذلك رواه محمد بن كثير المصيصى عن الأوزاعى عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعا ، وقال : سيماهم التحليق ، شر الخلق والخليفة.

وفى الصحيحين من حديث الأعمش عن خيثمة عن سويد ابن غفلة عن على : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج قوم فى آخر الزمان حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من قول خير البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن فى قتلهم أجرا لمن قتلهم إلى يوم القيامة (١).

وقد روى مسلم عن قتيبة عن حماد عن أيوب عن محمد بن عبيدة عن على فى خبر مثدون اليد وهو ذو الثدية ، وأسنده من وجه آخر عن ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن على وفيه : أنه حلف عليا على ذلك فحلف له أنه سمع ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورواه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبى سليمان عن زيد بن وهب عن على بالقصة مطولة وفيه قصة ذى الثدية ، ورواه من حديث عبيد الله بن أبى رافع عن على ، ورواه أبو داود الطيالسى عن حماد بن زيد عن حميد بن مرة عن أبى العرضى والسحيمى عن على فى قصة ذى الثدية.

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦١١) (١٠ / ٤٨٥).

٢٩٩

ورواه الثورى عن محمد بن قيس عن أبى موسى ـ رجل من قومه ـ عن على بالقصة ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا الحميدى ، حدثنا سفيان حدثنى العلاء بن أبى العباس أنه سمع أبا الطفيل يحدث عن بكر بن قرقاش عن سعيد ابن أبى وقاص قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذا الثدية فقال : شيطان الردهة كراعى الخيل يحذره رجل من بجيلة يقال له : الأشهب ، أو ابن الأشهب علامة فى قوم ظلمة ، قال سفيان : فأخبرنى عمار الذهبى أنه جاء به رجل منهم يقال له : الأشهب ، أو ابن الأشهب.

قال يعقوب بن سفيان : وحدثنا عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبى إسحاق عن حامد الهمدانى سمعت سعد بن مالك يقول : قتل على ابن أبى طالب شيطان الردهة ـ يعنى المخدج ـ يريد والله أعلم قتلة أصحاب على ، وقال على بن عياش عن حبيب عن سلمة قال : لقد علمت عائشة أن جيش المروة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال ابن عباس : جيش المروة قتلة عثمان ، رواه البيهقى.

ثم قال البيهقى : أنا الحاكم ، أنا الأصم ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ، قال : لا ، فقال عمر : أنا هو يا رسول الله ، قال : لا ، ولكن خاصف النعل ـ يعنى عليّا ـ وقال يعقوب بن سفيان عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن عمران ابن جرير عن لاحق قال : كان الذين خرجوا على على بالنهروان أربعة آلاف فى الحديد ، فركبهم المسلمون فقتلوهم ولم يقتلوا من المسلمين إلا تسعة رهط ، وإن شئت فاذهب إلى أبى برزة فإنه يشهد بذلك ، قلت : الأخبار بقتال الخوارج متواترة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأن ذلك من طرق تفيد القطع عن

٣٠٠