معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

كيف تفعل فى فتنة تخرج فى أطراف الأرض كأنها صياصى نفر (١)؟ قلت : لا أدرى ما خار الله لى ورسوله ، قال : فكيف تفعل فى أخرى تخرج بعدها كأن الأولى منها انتفاجة أرنب؟ قلت : لا أدرى ما خار الله لى ورسوله ، قال : ابتغوا هذا ، قال : ورجل مقفى حينئذ ، قال: فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : هذا؟ قال: نعم ، قال : فإذا هو عثمان بن عفان رضى الله عنه (٢).

وثبت فى صحيح مسلم من حديث يحيى ابن آدم عن زهير بن معاوية عن سهل عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : منعت العراق درهما وقفيزها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، شهد على ذلك لحم أبى هريرة ودمه ، وقال يحيى بن آدم وغيره من أهل العلم : هذا من دلائل النبوة حيث أخبر عما ضربه عمر على أرض العراق من الدراهم والقفزان ، وعما ضرب من الخراج بالشام ومصر قبل وجود ذلك ، صلوات الله وسلامه عليه ، وقد اختلف الناس فى معنى قوله عليه‌السلام : منعت العراق الخ ، فقيل : معناه أنهم يسلمون فيسقط عنهم الخراج ، ورجحه البيهقى ، وقيل : معناه أنهم يرجعون عن الطاعة ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم ، ولهذا قال : وعدتم من حيث بدأتم ، أى رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك.

كما ثبت فى صحيح مسلم : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ، ويؤيد هذا القول ما رواه الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل عن الحريرى عن أبى نصرة قال : كنا عند جابر ابن عبد الله فقال : يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم ، قلنا : من أين ذلك؟ قال : من قبل

__________________

(١) في مسند أحمد : بقر.

(٢) أحمد في مسنده (٤ / ١٠٩).

٢٦١

العجم ، يمنعون ذلك ، ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم دينار ولا مد ، قلنا : من أين ذلك؟ قال : من قبل الروم ، يمنعون ذلك ، قال : ثم سكت هنيهة ، ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون فى آخر أمتى خليفة يحثى المال حثيا ، لا يعده عدا ، قال الجريرى : فقلت لأبى نصرة وأبى العلاء : أتريانه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا : لا (١).

وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن علية وعبد الوهاب الثقفى كلاهما عن سعيد بن إياس الجريرى عن أبى نصرة المنذر بن مالك بن قطفة العبدى عن جابر كما تقدم ، والعجب أن الحافظ أبا بكر البيهقى احتج به على ما رجحه من أحد القولين المتقدمين ، وفيما سلكه نظر ، والظاهر خلافه.

وثبت فى الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل اليمن يلملم.

وفى صحيح مسلم عن جابر : ولأهل العراق ذات عرق ، فهذا من دلائل النبوة ، حيث أخبر عما وقع من حج أهل الشام واليمن والعراق ، صلوات الله وسلامه عليه.

وفى الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليأتين على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس ، فيقال لهم: هل فيكم من صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فيقال : نعم ، فيفتح الله لهم (٢) ، ثم يأتى على الناس زمان فيغزو فئام من الناس ، فيقال لهم : هل فيكم من صحب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فيقال : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يأتى على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس ،

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٣١٧).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (٢٨٩٧) (٩ / ٣٧).

٢٦٢

فيقال : هل فيكم من صحب من صاحبهم؟ فيقال : نعم ، فيفتح الله لهم.

وثبت فى الصحيحين من حديث ثور بن زيد عن أبى الغيث عن أبى هريرة قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) (١) فقال رجل : من هؤلاء يا رسول الله؟ فوضع يده على سلمان الفارسى وقال : لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ، وهكذا وقع كما أخبر به عليه‌السلام.

وروى الحافظ البيهقى من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن عوف عن عبد الله بن بشر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والّذي نفسى بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم الله عزوجل.

وروى الإمام أحمد والبيهقى وابن عدى وغير واحد من حديث أوس بن عبد الله بن يزيد عن أخيه سهل عن أبيه عبد الله بن بريدة بن الخصيب مرفوعا : ستبعث بعوث فكن فى بعث خراسان ، ثم اسكن مدينة مرو ، فإنه بناها ذو القرنين ، ودعا لها بالبركة ، وقال : لا يصيب أهلها سوء (٢) ، وهذا الحديث يعد من غرائب المسند ، ومنهم من يجعله موضوعا ، فالله أعلم.

وقد تقدم حديث أبى هريرة ، من جميع طرقه فى قتال الترك ، وقد وقع ذلك كما أخبر به سواء بسواء ، وسيقع أيضا.

وفى صحيح البخارى من حديث شعبة عن قراب القزاز عن أبى حازم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبيّ خلفه نبيّ ، وإنه لا نبى بعدى وإنه سيكون خلفاء فيكثرون ، قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم

__________________

(١) سورة الجمعة ، الآية : ٣.

(٢) أحمد في مسنده (٥ / ٣٥٧).

٢٦٣

حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم (١).

وفى صحيح مسلم من حديث أبى رافع عن عبد الله ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما كان نبى إلا كان له حواريون يهدون بهداه ، ويستنون بسنته ، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويعلمون ما ينكرون (٢).

وروى الحافظ البيهقى من حديث عبد الله بن الحرث بن محمد ابن حاطب الجمحى عن إسماعيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ، ويعدلون فى عبادة الله ، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ، ويقتلون الرجال ، ويصطفون الأموال ، فمغير بيده. ومغير بلسانه ، وليس وراء ذلك من الإيمان شيء.

وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا جرير بن حازم عن ليث عن عبد الرحمن ابن سابط عن أبى ثعلبة الخشنى عن أبى عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عزة وجبرية وفسادا فى الأمة ، يستحلون الفروج والخمور والحرير ، وينصرون على ذلك ، ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عزوجل ، وهذا كله واقع.

وفى الحديث الّذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ـ وحسنه ـ والنسائى من حديث سعيد بن جهمان عن سفينة مولى رسول الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الخلافة بعدى ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا ، وفى رواية : ثم

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء (٣٤٥٥) (١٠ / ٢٥٦) ، وأحمد في مسنده (٢ / ٢٩٧).

(٢) أحمد في مسنده (١ / ٤٥٨ ، ٤٦١).

٢٦٤

يؤتى الله ملكه من يشاء (١) ، وهكذا وقع سواء ، فإن أبا بكر رضى الله عنه كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال ، وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام ، وخلافة عثمان اثنتا عشرة سنة إلا اثنا عشر يوما ، وكانت خلافة على ابن أبي طالب خمس سنين إلا شهرين. قلت : وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن على نحوا من ستة أشهر ، حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين من الهجرة ، كما سيأتى بيانه وتفصيله ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنى محمد بن فضيل ، حدثنا مؤمل ، حدثنا حماد بن سلمة عن على ابن زيد عن عبد الرحمن بن أبى بكرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : خلافة نبوة ثلاثون عاما ثم يؤتى الله ملكه من يشاء ، فقال معاوية : رضينا بالملك (٢).

وهذا الحديث فيه رد صريح على الروافض المنكرين لخلافة الثلاثة ، وعلى النواصب من بنى أمية ومن تبعهم من أهل الشام ، فى إنكار خلافة على بن أبى طالب ، فإن قيل : فما وجه الجمع بين حديث سفينة هذا.

وبين حديث جابر بن سمرة المتقدم فى صحيح مسلم : لا يزال هذا الدين قائما ما كان فى الناس اثنا عشر خليفة كلهم من قريش؟ فالجواب : إن من الناس من قال : إن الدين لم يزل قائما حتى ولى اثنا عشر خليفة ، ثم وقع تخبيط بعدهم فى زمان بنى أمية ، وقال آخرون : بل هذا الحديث فيه بشارة بوجود اثنى عشر خليفة عادلا من قريش. وإن لم يوجدوا على الولاء ، إنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة فى ثلاثين سنة ، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون ، فيهم عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموى رضى الله عنه.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ٤٤).

(٢) أحمد في مسنده (٤ / ٢٧٣).

٢٦٥

وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين ، غير واحد من الأئمة ، حتى قال أحمد بن حنبل رضى الله عنه : ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر ابن عبد العزيز ، ومنهم من ذكر من هؤلاء المهدى الله العباسى ، والمهدى المبشر بوجوده فى آخر الزمان منهم أيضا بالنص على كونه من أهل البيت ، واسمه محمد بن عبد الله ، وليس المنتظر فى سرداب سامرا ، فإن ذاك ليس بموجود بالكلية. وإنما ينتظره الجهلة من الروافض.

وقد تقدم فى الصحيحين من حديث الزهرى عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لقد هممت أن أدعو أباك وأخاك وأكتب كتابا لئلا يقول قائل ، أو يتمنى متمن ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ، وهكذا وقع ، فإن الله ولاه وبايعه المؤمنون قاطبة كما تقدم.

وفى صحيح البخارى : أن امرأة قالت : يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ ـ كأنها تعرض بالموت ـ فقال : إن لم تجدينى فأت أبا بكر.

وثبت فى الصحيحين من حديث ابن عمر وأبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بينا أنا نائم رأيتنى على قليب ، فنزعت منها ما شاء الله ، ثم أخذها ابن أبى قحافة فنزع منها ذنوبا (١) أو ذنوبين ، وفى نزعه ضعف والله يغفر له ، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غربا(٢) ، فلم أر عبقريا من الناس يفرى فريه ، حتى ضرب الناس بعطن (٣).

قال الشافعى رحمه‌الله : رؤيا الأنبياء وحى ، وقوله : وفى نزعه ضعف ، قصر مدته ، وعجله موته ، واشتغاله بحرب أهل الردة عن الفتح الّذي ناله عمر بن الخطاب فى طول مدته ، قلت : وهذا فيه البشارة بولايتهما

__________________

(١) الذنوب : الدلو المملوءة.

(٢) الغرب : الدلو العظيمة.

(٣) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي (٣٦٩٧) (١٠ / ٦٠٦).

٢٦٦

على الناس ، فوقع كما أخبر سواء ، ولهذا جاء فى الحديث الآخر الّذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان من حديث ربعى بن خراش عن حذيفة ابن اليمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : اقتدوا باللذين من بعدى ، أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.

وقال الترمذي : حسن ، وأخرجه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتقدم من طريق الزهرى عن رجل عن أبى ذر حديث تسبيح الحصى فى يد رسول الله ، ثم يد أبى بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، وقوله عليه‌السلام : هذه خلافة النبوة.

وفى الصحيح عن أبى موسى قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حائطا فدلى رجليه فى القف فقلت : لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجلست خلف الباب فجاء رجل فقال : افتح ، فقلت : من أنت؟ قال : أبو بكر ، فأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : افتح له وبشره بالجنة ، ثم جاء عمر فقال كذلك ، ثم جاء عثمان فقال : ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ، فدخل وهو يقول : الله المستعان (١).

وثبت فى صحيح البخارى من حديث سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن أنس قال : صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم الجبل ، فضربه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برجله وقال : اثبت ، فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان (٢) ، وقال عبد الرزاق : أنا معمر عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن حراء ارتج وعليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اثبت ما عليك إلا نبى وصديق وشهيدان ، قال معمر : قد سمعت قتادة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله.

__________________

(١) البخاري في كتاب الاستئذان (٦٢٨٥ ، ٦٢٨٦) (١٦ / ٦٠٣).

(٢) البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي (٣٦٨٩) (١٠ / ٥٩٢).

٢٦٧

وقد روى مسلم عن قتيبة عن الدراوردى عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير ، فتحركت الصخرة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اهدأ فما عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد ، وهذا من دلائل النبوة ، فإن هؤلاء كلهم أصابوا الشهادة ، واختص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأعلى مراتب الرسالة والنبوة ، واختص أبو بكر بأعلى مقامات الصديقية.

وقد ثبت فى الصحيح الشهادة للعشرة بالجنة بل لجميع من شهد بيعة الرضوان عام الحديبية ، وكانوا ألفا وأربعمائة وقيل : وثلاثمائة ، وقيل وخمسمائة ، وكلهم استمر على السداد والاستقامة حتى مات رضى الله عنهم أجمعين.

وثبت فى صحيح البخارى البشارة لعكاشة بأنه من أهل الجنة فقتل شهيدا يوم القيامة.

وفى الصحيحين من حديث يونس عن الزهرى عن سعيد عن أبى هريرة أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب ، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر ، فقام عكاشة بن محصن الأسدى يجر نمرة عليه ، فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى منهم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم اجعله منهم ، ثم قام رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى منهم ، فقال : سبقك بها عكاشة ، وهذا الحديث قد روى من طرق متعددة تفيد القطع ، وسنورده فى باب صفة الجنة ، وسنذكر فى قتال أهل الردة أن طلحة الأسدى قتل عكاشة ابن محصن شهيدا رضى الله عنه ، ثم رجع طلحة الأسدى عما كان يدعيه من النبوة وتاب إلى الله ، وقدم على أبى بكر الصديق واعتمر وحسن إسلامه.

وثبت فى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بينا أنا نائم رأيت كأنه وضع فى يدى سواران فقطعتهما ، فأوحى إلى فى المنام :

٢٦٨

أن انفخهما ، فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان ، صاحب صنعاء ، وصاحب اليمامة ، وقد تقدم فى الوفود أنه قال لمسيلمة حين قدم مع قومه وجعل يقول : إن جعل لى محمد الأمر من بعده اتبعته ، فوقف عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال له : والله لو سألتنى هذا العسيب ما أعطيتكه ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وإنى لأراك الّذي أريت فيه ما أريت ، وهكذا وقع ، عقره الله وأهانه وكسره وغلبه يوم اليمامة ، كما قتل الأسود العنسى بصنعاء ، على ما سنورده إن شاء الله تعالى ، وروى البيهقى من حديث مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال : لقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسيلمة فقال له مسيلمة : أتشهد أنى رسول الله؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : آمنت بالله وبرسله ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن هذا رجل أخر لهلكة قومه.

وقد ثبت فى الحديث الآخر أن مسيلمة كتب بعد ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، من مسيلمة رسول الله ، إلى محمد رسول الله ، سلام عليك ، أما بعد فأنى قد أشركت فى الأمر بعدك ، فلك المدر ولى الوبر ولكن قريشا قوم يعتدون ، فكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وقد جعل الله العاقبة لمحمد وأصحابه ، لأنهم هم المتقون وهم العادلون المؤمنون ، لا من عداهم.

وقد وردت الأحاديث المروية من طرق عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الأخبار عن الردة التى وقعت فى زمن الصديق فقاتلهم الصديق بالجنود المحمدية حتى رجعوا إلى دين الله أفواجا ، وعذب ماء الإيمان كما كان بعد مصار أجاجا ، وقد قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (١) الآية ، قال

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ، ٥٤

٢٦٩

المفسرون : هم أبو بكر وأصحابه رضى الله عنهم.

وثبت فى الصحيحين من حديث عامر الشعبى عن مسروق عن عائشة فى قصة مسارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابنته فاطمة وإخباره إياها بأن جبريل كان يعارضه بالقرآن فى كل عام مرة ، وأنه عارضنى العام مرتين ، وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلى ، فبكت ، ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة ، وأنها أول أهله لحوقا به (١) ، وكان كما أخبر.

قال البيهقى : واختلفوا فى مكث فاطمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقيل : شهران ، وقيل : ثلاثة ، وقيل : سنة ، وقيل : ثمانية ، قال : وأصح الروايات رواية الزهرى عن عروة عن عائشة قالت : مكثت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستة أشهر ، أخرجاه فى الصحيحين.

__________________

(١) أحمد في مسنده (٦ / ٤٠٥).

٢٧٠

ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم

عن الغيوب المستقبلة

فمن ذلك ما ثبت فى الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبى سلمة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه قد كان فى الأمم محدثون ، فإن يكن فى أمتى فعمر ابن الخطاب (١) ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا عبيد الله بن موسى ، أنا أبو إسرائيل كوفى عن الوليد ابن العيزار عن عمر ابن ميمون عن على رضى الله عنه ، قال : ما كنا ننكر ونحن متوافرون أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن السكينة تنطق على لسان عمر.

قال البيهقى : تابعه ذر ابن حبيش والشعبى عن على ، وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسان ملك ، وقد ذكرنا فى سيرة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أشياء كثيرة ، من مكاشفاته وما كان يخبر به من المغيبات كقصة سارية بن زنيم ، وما شاكلها ولله الحمد والمنة.

ومن ذلك ما رواه البخارى من حديث فراس عن الشعبى عن مسروق عن عائشة رضى الله عنها أن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اجتمعن عنده فقلن يوما : يا رسول الله أيتنا أسرع بك لحوقا؟ فقال : أطولكن يدا ، وكانت سودة أطولنا ذراعا ، فكانت أسرعنا به لحوقا.

هكذا وقع فى الصحيح عند البخارى أنها سودة ، وقد رواه أنس ابن بكير عن زكريا بن أبى زائدة عن الشعبى فذكر الحديث مرسلا وقال : فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا فى الخير والصدقة ، والّذي رواه

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ٢٢٨).

٢٧١

مسلم عن محمود بن غيلان عن الفصل بن موسى عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها ، فذكرت الحديث وفيه : فكانت زينب أطولنا يدا ، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق ، وهذا هو المشهور عن علماء التاريخ أن زينب بنت جحش كانت أول أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفاة.

قال الواقدى : توفيت سنة عشرين ، وصلى عليها عمر بن الخطاب ، قلت : وأما سودة فإنها توفيت فى آخر إمارة عمر بن الخطاب أيضا ، قاله ابن أبى خيثمة ، ومن ذلك ما رواه مسلم من حديث أسيد بن جابر عن عمر بن الخطاب فى قصة أويس القرنى ، وإخباره عليه‌السلام عنه بأنه خير التابعين وأنه كان به برص فدعا الله فأذهبه عنه ، إلا موضعا قدر الدرهم من جسده ، وأنه بار بأمه وأمره لعمر بن الخطاب أن يستغفر له ، وقد وجد هذا الرجل فى زمان عمر بن الخطاب على الصفة والنعت الّذي ذكره فى الحديث سواء.

وقد ذكرت طرق هذا الحديث وألفاظه والكلام عليه مطولا فى الّذي جمعته من مسند عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولله الحمد والمنة.

ومن ذلك ما رواه أبو داود : حدثنا عثمان ابن أبى شيبة ، حدثنا وكيع ، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ، حدثنى جرير بن عبد الله وعبد الرحمن بن خلاد الأنصارى عن أم ورقة بنت نوفل أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما غزا بدرا قالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ائذن لى فى الغزو معك أمرض مرضاكم ، لعل الله يرزقنى بالشهادة ، فقال لها : قرى فى بيتك فإن الله يرزقك الشهادة ، فكانت تسمى الشهيدة ، وكانت قد قرأت القرآن ، فاستأذنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تتخذ فى بيتها مؤذنا يؤذن لها ، وكانت دبرت غلاما لها وجارية ، فقاما إليها بالليل فغماها فى قطيفة لها حتى ماتت وذهبا ، فأصبح عمر فقام فى الناس وقال : من عنده من هذين علم أو من رآهما فيلجئ بهما ، فجيء بهما ، فأمر بهما فصلبا ، وكانا أول مصلوبين بالمدينة.

٢٧٢

وقد رواه البيهقى من حديث أبى نعيم : حدثنا الوليد بن جميع ، حدثتني جدتى عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزورها ويسميها الشهيدة ، فذكر الحديث وفى آخره فقال عمر : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول : انطلقوا بنا نزور الشهيدة.

ومن ذلك ما رواه البخارى من حديث أبى إدريس الخولانى عن عوف بن مالك فى حديثه عنه فى الآيات الست بعد موته وفيه : ثم موتان بأحدكم كقصاص الغنم ، وهذا قد وقع فى أيام عشر ، وهو طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة ، ومات بسببه جماعات من سادات الصحابة ، منهم معاذ بن جبل ، وأبو عبيدة ، ويزيد بن أبى سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، وأبو جندل سهل بن عمر وأبوه ، والفضل بن العباس بن عبد المطلب ، رضى الله عنهم أجمعين.

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا النهاس بن قهم ، حدثنا شداد أبو عمار عن معاذ ابن جبل قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ست من أشراط الساعة ، موتى ، وفتح بيت المقدس ، وموت يأخذ فى الناس كقصاص الغنم ، وفتنة يدخل حريمها بيت كل مسلم ، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيسخطها ، وأن يغزو الروم فيسيرون إليه بثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا (١).

وقد قال الحافظ البيهقى : أنا أبو زكريا بن أبى إسحاق ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا بحر بن نصر ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنى ابن لهيعة عن عبد الله بن حبان أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة فقام عمرو ابن العاص فقال : يا أيها الناس ، إنما هذا الوجع رجس فتنحوا عنه ، فقام شرحبيل بن حسنة فقال : يا أيها الناس ، إنى قد

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ١٩٥ ، ١٩٦).

٢٧٣

سمعت قول صاحبكم ، وإنى والله لقد أسلمت وصليت ، وإن عمرا لأضل من بعير أهله ، وانما هو بلاء انزله الله عزوجل ، فاصبروا ، فقام معاذ بن جبل فقال : يا أيها الناس ، إنى قد سمعت قول صاحبيكم هذين ، وإن هذا الطاعون رحمة بكم ودعوة نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنى قد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنكم ستقدمون الشام فتنزلون أرضا يقال لها : أرض عموسة ، فيخرج بكم فيها خرجان له ذباب كذباب الدملى. يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكى به أموالكم ، اللهم إن كنت تعلم أنى قد سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فارزق معاذا وآل معاذ منه الحظ الأوفى ولا تعافه منه ، قال : فطعن فى السبابة فجعل ينظر إليها ويقول : اللهم بارك فيها ، فإنك إذا باركت فى الصغير كان كبيرا ، ثم طعن ابنه فدخل عليه فقال : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)) (١) فقال (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)) (٢).

وثبت فى الصحيحين من حديث الأعمش وجامع ابن أبى راشد عن شقيق بن سلمة عن حذيفة قال : كنا جلوسا عند عمر فقال : أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الفتنة؟ قلت : أنا ، قال هات ، إنك لجريء ، فقلت : ذكر فتنة الرجل فى أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فقال : ليس هذا أعنى إنما أعني التى تموج موج البحر ، فقلت يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا ، قال : ويحك ، يفتح الله أم يكسر؟ قلت : بل يكسر ، قال : إذا لا يغلق أبدا ، قلت : أجل ، فقلنا لحذيفة : فكان عمر يعلم من الباب؟ قال : نعم ، وإنى حدثته حديثا ليس بالأغاليط ، قال : فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب ، فقلنا لمسروق قاله ، فقال من بالباب؟ قال : عمر (٣) ، وهكذا وقع من بعد مقتل عمر ،

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٤٧.

(٢) سورة الصافات ، الآية : ١٠٢.

(٣) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٨٦) (١٠ / ٤٦٠).

٢٧٤

وقعت الفتن فى الناس ، وتأكد ظهورها بمقتل عثمان بن عفان رضى الله عنهما ، وقد قال يعلى بن عبيد عن الأعمش عن سفيان عن عروة ابن قيس قال خطبنا خالد بن الوليد فقال : إن أمير المؤمنين عمر بعثنى إلى الشام فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا أراد أن يؤثر بها غيرى ويبعثنى إلى الهند ، فقال رجل من تحته : اصبر أيها الأمير ، فإن الفتن قد ظهرت ، فقال خالد : أما وابن الخطاب حي فلا ، وإنما ذاك بعده.

وقد روى الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن سالم عن أبيه قال : أبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عمر ثوبا فقال : أجديد ثوبك أم غسيل؟ قال : بل غسيل ، قال : البس جديدا ، وعش حميدا ، ومت شهيدا ، وأظنه قال : ويرزقك الله قرة عين فى الدنيا والآخرة (١).

وهكذا رواه النسائى وابن ماجة من حديث عبد الرزاق به ، ثم قال النسائى : هذا حديث منكر ، أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق ، وقد روى عن الزهرى من وجه آخر مرسلا ، قال حمزة بن محمد الكنانى الحافظ : لا أعلم أحدا رواه عن الزهرى غير معمر ، وما أحسبه بالصحيح ، والله أعلم ، قلت : رجال إسناده واتصاله على شرط الصحيحين.

وقد قيل الشيخان ، تفرد معمر عن الزهرى فى غير ما حديث ، ثم قد روى البزار هذا الحديث من طريق جابر الجعفى ـ وهو ضعيف ـ عن عبد الرحمن ابن سابط عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله سواء.

وقد وقع ما أخبر به فى هذا الحديث فإنه رضى الله عنه قتل شهيدا وهو قائم يصلى الفجر فى محرابه من المسجد النبوى ، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ، وقد تقدم حديث أبى ذر في تسبيح الحصا فى يد أبى بكر ثم عمر ثم عثمان ، وقوله عليه‌السلام : هذه خلافة النبوة ، وقال نعيم بن حماد :

__________________

(١) أحمد في مسنده (٢ / ٨٩).

٢٧٥

حدثنا عبد الله بن المبارك ، أنا خرج بن نباتة عن سعيد بن جهمان عن سفينة قال : لما بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجد المدينة جاء أبو بكر بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هؤلاء يكونون خلفاء بعدى ، وقد تقدم فى حديث عبد الله بن حوالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثلاث من نجا منهن فقد نجا : موتى ، وقتل خليفة مضطهد ، والدجال ، وفى حديثه الآخر ، الأمر باتباع عثمان عند وقوع الفتنة.

وثبت فى الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن شريك ابن أبى نمير عن سعيد بن المسيب عن أبى موسى قال : توضأت فى بيتى ، ثم خرجت فقلت : لأكونن اليوم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجئت المسجد فسألت عنه فقالوا : خرج وتوجه هاهنا ، فخرجت فى أثره حتى جئت بئر أريس ـ وما بها من جريد ـ فمكثت عند بابها حتى علمت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قضى حاجته وجلس ، فجئته فسلمت عليه فإذا هو قد جلس على قف بئر أريس فتوسطه ثم دلى رجليه فى البئر وكشف عن ساقيه ، فرجعت إلى الباب وقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم أنشب أن دق الباب فقلت : من هذا؟ قال : أبو بكر ، قلت : على رسلك ، وذهبت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال : ائذن له وبشره بالجنة ، قال : فخرجت مسرعا حتى قلت لأبى بكر : ادخل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبشرك بالجنة ، قال : فدخل حتى جلس إلى جنب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى القف (١) على يمينه ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : ثم رجعت وقد كنت تركت أخى يتوضأ وقد كان قال لى : أنا على إثرك ، فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به ، قال : فسمعت تحريك الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عمر ، قلت : على رسلك ، قال : وجئت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسلمت عليه وأخبرته ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة ، قال : فجئت وأذنت له وقلت له :

__________________

(١) القف : ما ارتفع من الأرض وصلبت حجارته.

٢٧٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبشرك بالجنة ، قال : فدخل حتى جلس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على يساره وكشف عن ساقيه ودلى رجليه فى البئر كما صنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ، قال : ثم رجعت فقمت : إن يرد الله بفلان خيرا يأت به ، ويريد أخاه ، فإذا تحريك الباب ، فقلت : من هذا؟ قال : عثمان بن عفان ، قلت : على رسلك ، وذهبت إلى رسول الله فقلت : هذا عثمان يستأذن ، فقال : ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ، قال : فجئت فقلت : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك ، فدخل وهو يقول : الله المستعان ، وفلم يجد فى القف مجلسا فجلس وجاههم من شق البئر ، وكشف عن ساقيه ودلاهما فى البئر ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر ، رضى الله عنهما ، قال سعيد بن المسيب : فأولتها قبورهم (١) ، اجتمعت وانفرد عثمان.

وقد روى البيهقى من حديث عبد الأعلى بن أبى المساور عن إبراهيم ابن محمد بن حاطب عن عبد الرحمن بن بجير عن زيد بن أرقم قال : بعثنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : انطلق حتى تأتى أبا بكر فتجده فى داره جالسا محتبيا فقل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة ، ثم انطلق حتى تأتى الثنية فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته ، فقل : إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر بالجنة ، ثم انصرف حتى تأتى عثمان فتجده فى السوق يبيع ويبتاع ، فقل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ عليك السلام. ويقول : أبشر بالجنة بعد بلاء شديد.

فذكر الحديث فى ذهابه إليهم فوجد كلا منهم كما ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكلا منهم يقول : أين رسول الله؟ فيقول : فى مكان كذا وكذا ، فيذهب إليه ، وأن عثمان لما رجع قال : يا رسول الله وأى بلاء يصيبنى؟ والّذي بعثك بالحق ما تغيبت ولا تمنيت ولا مسست ذكرى بيمينى منذ بايعتك

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣٦٧٤) (١٠ / ٥٦٨).

٢٧٧

فأى بلاء يصيبنى؟ فقال : هو ذاك ثم قال البيهقى : عبد الأعلى ضعيف ، فإن كان حافظ هذا الحديث فيحتمل أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إليهم زيد بن أرقم فجاء وأبو موسى الأشعرى جالس على الباب كما تقدم ، وهذا البلاء الّذي أصابه هو ما اتفق وقوعه على يدى من أنكر عليه من رعاع أهل الأمصار بلا علم ، فوقع ما سنذكره فى دولته إن شاء الله من حصرهم إياه فى داره حتى آل الحال بعد ذلك كله إلى اضطهاده وقتله وإلقائه على الطريق أياما ، لا يصلى عليه ولا يلتفت إليه ، حتى غسل بعد ذلك وصلى عليه ودفن بحش كوكب ـ بسنان فى طريق البقيع ـ رضى الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس متقلبه ومثواه.

كما قال الإمام أحمد ، حدثنا يحيى عن إسماعيل بن قيس عن أبى سهلة مولى عثمان بن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادعوا لى بعض أصحابى ، قلت : أبو بكر؟ قال : لا ، قلت : عمر؟ قال : لا ، قلت : ابن عمك على؟ قال : لا ، قلت : عثمان؟ قال : نعم ، فلما جاء عثمان قال : تنحى ، فجعل يساره ولون عثمان يتغير ، قال أبو سهلة : فلما كان يوم الدار وحضر فيها ، قلنا يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قال : لا ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إلى عهدا وإنى صابر نفسى عليه ، تفرد به أحمد.

ثم قد رواه أحمد عن وكيع عن إسماعيل عن قيس عن عائشة فذكر مثله ، وأخرجه ابن ماجه من حديث وكيع ، وقال نعيم بن حماد فى كتابه الفتن والملاحم : حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن مجاهد عن عائشة رضى الله عنها قالت : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعثمان بين يديه يناجيه ، فلم أدرك من مقالته شيئا إلا قول عثمان : ظلما وعدوانا يا رسول الله؟ فما دريت ما هو حتى قتل عثمان ، فعلمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما عنى قتله ، قالت عائشة : وما أحببت أن يصل إلى عثمان شيء إلا وصل إلى مثله غيره إن شاء الله علم أنى لم أحسب قتله ، ولو أحببت قتله لقتلت ، وذلك لما

٢٧٨

رمى هودجها من النبل حتى صار مثل القنفذ ، وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبى عمرو مولى المطلب عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ، ويرث دنياكم شراركم (١).

وقال البيهقى : أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا على ابن محمد المصرى ، حدثنا محمد بن إسماعيل السلمى ، حدثنا عبد الله بن صالح. حدثنى الليث ، حدثنى خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن ربيعة بن سيف أنه حدثه أنه جلس يوما مع شفى الأصبحى فقال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : سيكون فيكم اثنا عشر خليفة ، أبو بكر الصديق ، لا يلبث خلفى إلا قليلا ، وصاحب رحى العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا ، فقال رجل : ومن هو يا رسول الله؟ قال : عمر بن الخطاب ، ثم التفت إلى عثمان فقال : وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله ، والّذي بعتني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط ، ثم روى البيهقى من حديث موسى بن عقبة : حدثنى جدى أبو أمى ، أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها ، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان فى الكلام فأذن له ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنكم ستلقون بعدى فتنة واختلافا ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله؟ أو ما تأمرنا؟ فقال : عليكم بالأمين وأصحابه ، وهو يشير إلى عثمان بذلك (٢) ، وقد رواه الإمام أحمد عن عفان عن وهيب عن موسى بن عقبة به.

وقد تقدم فى حديث عبد الله بن حوالة شاهدان له بالصحة والله أعلم ، وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن ربعى عن

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ٣٨٩).

(٢) أحمد في مسنده (٢ / ٣٤٥).

٢٧٩

البراء بن ناجية عن عبد الله ـ هو ابن مسعود ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين ، أو ست وثلاثين ، أو سبع وثلاثين ، فان هلكوا فسبيل من قد هلك ، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما ، قال : قلت : أمما مضى أو مما بقى (١)؟.

ورواه أبو داود عن محمد بن سليمان الأنبارى عن عبد الرحمن بن مهدى به.

ثم رواه أحمد عن إسحاق ، وحجاج عن سفيان عن منصور عن ربعى عن البراء ابن ناجية الكاهلى عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن رحى الإسلام ستزول لخمس وثلاثين ، أو سبع وثلاثين ، فإن تهلك فسبيل من هلك ، وأن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما ، قال : قال : عمر : يا رسول الله أبما مضى أو بما بقى؟ قال : بل بما بقى ، وهكذا رواه يعقوب ابن سفيان عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن منصور به ، فقال له عمر فذكره ، قال البيهقى : وقد تابع إسرائيل الأعمش وسفيان الثورى عن منصور ، قال : وبلغنى أن فى هذا إشارة إلى الفتنة التى كان منها قتل عثمان سنة خمس وثلاثين ، ثم إلى الفتن التى كانت فى أيام على ، وأراد بالسبعين ملك بنى أمية ، فإنه بقى بين ما استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان وضعف أمر بنى أمية ودخل الوهن فيه ، نحوا من سبعين سنة ، قلت : ثم انطوت هذه الحروب أيام صفين ، وقاتل على الخوارج فى أثناء ذلك ، كما تقدم الحديث المتفق على صحته ، وفى الأخبار بذلك ، وفى صفتهم وصفة الرجل المخدج(٢) فيهم.

__________________

(١) أحمد في مسنده (١ / ٣٩٠).

(٢) المخدج : الناقص الخلقة.

٢٨٠