معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

والمشركين ، ما دل ذوى البصائر والنّهى على أن محمدا رسول الله حقا ، وأن ما جاء به من الوحى عن الله صدق ، وقد أوقع له فى صدور أعدائه وقلوبهم رعبا ومهابة وخوفا.

كما ثبت عنه فى الصحيحين أنه قال : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وهذا من التأييد والنصر الّذي آتاه الله عزوجل ، وكان عدوه يخافه وبينه وبينه مسيرة شهر ، وقيل : كان إذا عزم على غزوة قوم أرعبوا قبل مجيئه إليهم ، ووروده عليهم بشهر ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.

إخباره بما وقع على حقيقته

وأما الأحاديث الدالة على إخباره بما وقع كما أخبر ، فمن ذلك ما أسلفناه فى قصة الصحيفة التى تعاقدت فيها بطون قريش ، وتمالئوا على بنى هاشم وبنو المطلب أن لا يؤووهم ولا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم ، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدخلت بنو هاشم وبنو المطلب بمسلمهم وكافرهم شعب أبى طالب انفين لذلك ممتنعين منه أبدا ، ما بقوا دائما ، ما تناسلوا وتعاقبوا ، وفى ذلك عمل أبو طالب قصيدته اللامية التى يقول فيها :

كذبتم وبيت الله نبزى محمدا

ولما نقاتل دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وما ترك قوم لا أبا لك سيدا

يحوط الذمار غير ذرب مواكل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده فى نعمة وفواضل

وكانت قريش قد علقت صحيفة الزعامة في سقف الكعبة ، فسلط الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من أسماء الله لئلا يجتمع بما فيها من الظلم

٢٤١

والفجور ، وقيل : إنها أكلت ما فيها إلا أسماء الله عزوجل ، فأخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمه أبا طالب ، فجاء أبو طالب إلى قريش فقال : إن ابن أخى قد أخبرني بخبر عن صحيفتكم ، فإن الله قد سلط عليها الأرضة فأكلتها إلا ما فيها من أسماء الله ، أو كما قال: فأحضروها ، فإن كان كما قال وإلا أسلمته إليكم ، فأنزلوها ففتحوها فإذا الأمر كما أخبر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعند ذلك نقضوا حكمها ودخلت بنو هاشم وبنو المطلب مكة ، ورجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك ، كما أسلفنا ذكره ولله الحمد ، ومن ذلك حديث خباب ابن الأرت ، حين جاء هو وأمثاله من المستضعفين يستنصرون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يتوسد رداءه فى ظل الكعبة فيدعو لهم لما هم فيه من العذاب والإهانة ، فجلس محمرا وجهه وقال : إن من كان قبلكم كان أحدهم يشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه ، والله ليتمن الله هذا الأمر ولكنكم تستعجلون.

ومن ذلك الحديث الّذي رواه البخارى : حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا حماد بن أسامة عن يزيد بن عبد الله بن أبى بردة عن أبيه عن جده أبى بردة عن أبى موسى ، أراه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : رأيت فى المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض فيها نخل ، فذهب وهلى إلى إنها اليمامة أو هجر (١) ، فإذا هى المدينة يثرب ، ورأيت فى رؤياى هذه أنى هززت سيفا فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت فيها بقرا والله خير ، فإذا هم المؤمنون يوم أحد (٢) ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الّذي أتانا بعد يوم بدر ، ومن ذلك قصة سعد بن معاذ مع أمية بن خلف حين قدم عليه مكة.

قال البخارى : حدثنا أحمد بن إسحاق ، حدثنا عبيد الله ابن موسى ، حدثنا

__________________

(١) هجر : مدينة بالبحرين.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (٤٠٨١) (١١ / ٥٥٥).

٢٤٢

إسرائيل عن أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال : انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف ، أبى صفوان ، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد ، فقال أمية لسعد : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت ، فبينا سعد يطوف فإذا أبو جهل ، فقال : من هذا الّذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد : أنا سعد ، فقال أبو جهل : تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ فقال : نعم ، فتلاحيا بينهما ، فقال أمية لسعد : لا ترفع صوتك على أبى الحكم فإنه سيد أهل الوادى ، ثم قال سعد : والله لئن منعتنى أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام ، قال : فجعل أمية يقول لسعد : لا ترفع صوتك ، وجعل يمسكه ، فغضب سعد فقال : دعنا عنك ، فإنى سمعت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزعم أنه قاتلك ، قال : إياى؟ قال : نعم ، قال : والله ما يكذب محمد إذ حدث ، فرجع إلى امرأته فقال : أما تعلمين ما قال لى أخى اليثربى؟ قالت : وما قال لك؟ قال : زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلى ، قالت : فو الله ما يكذب محمد ، قال : فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ ، قالت له امرأته : ما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربى؟ قال : فأراد أن لا يخرج ، فقال له أبو جهل : إنك من أشراف الوادى ، فسر يوما أو يومين ، فسار معهم فقتله الله.

وهذا الحديث من أفراد البخارى ، وقد تقدم بأبسط من هذا السياق ، ومن ذلك قصة أبى بن خلف الّذي كان يعلف حصانا له ، فإذا مر برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنى سأقتلك عليه ، فيقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل أنا أقتلك إن شاء الله ، فقتله يوم أحد كما قدمنا بسطه ، ومن ذلك إخباره عن مصارع القتلى يوم بدر كما تقدم الحديث فى الصحيح أنه جعل يشير قبل الوقعة إلى محلها ويقول : هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله ، وهذا مصرع فلان ، قال : فو الّذي بعثه بالحق ما حاد أحد منهم عن مكانه الّذي أشار إليه رسول الله

٢٤٣

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن ذلك قوله لذلك الرجل الّذي كان لا يترك للمشركين شاذة ولا فاذة إلا أتبعها ففراها بسيفه ، وذلك يوم أحد ، وقيل : خيبر وهو الصحيح ، وقيل : فى يوم حنين ، فقال الناس : ما أغنى أحد اليوم ما أغنى فلان ، يقال : إنه قرمان ، فقال : إنه من أهل النار ، فقال بعض الناس : أنا صاحبه ، فاتبعه فجرح فاستعجل الموت فوضع ذباب سيفه فى صدره ثم تحامل عليه حتى أنفذه ، فرجع ذلك الرجل فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال : وما ذاك؟ فقال : إن الرجل الّذي ذكرت آنفا كان من أمره كيت وكيت ، فذكر الحديث كما تقدم ، ومن ذلك إخباره عن فتح مدائن كسرى وقصور الشام وغيرها من البلاد يوم حفر الخندق ، لما ضرب بيده الكريمة تلك الصخرة فبرقت من ضربه ، ثم أخرى ، ثم أخرى كما قدمناه ، ومن ذلك إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك الذراع أنه مسموم ، فكان كما أخبر به ، اعترف اليهود بذلك ، ومات من أكل معه ـ بشر بن البراء ابن معرور ـ.

ومن ذلك ما ذكره عبد الرزاق عن معمر أنه بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذات يوم : اللهم نج أصحاب السفينة ، ثم مكث ساعة ، ثم قال : قد استمرت.

والحديث بتمامه فى دلائل النبوة للبيهقى ، وكانت تلك السفينة قد أشرفت على الغرق وفيها الأشعريون الذين قاموا عليه وهو بخيبر ، ومن ذلك إخباره عن قبر أبى رغال ، حين مرّ يعليه وهو ذاهب إلى الطائف وأن معه غصنا من ذهب ، فحفروه فوجدوه كما أخبر ، صلوات الله وسلامه عليه ، رواه أبو داود من حديث أبى إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن بحر بن أبى بحر عن عبد الله ابن عمرو به ، ومن ذلك قوله عليه‌السلام للأنصار ، لما خطبهم تلك الخطبة مسليا لهم عما كان وقع فى نفوس بعضهم من الإيثار عليهم فى القسمة لما تألف قلوب من تألف من سادات العرب ، ورءوس قريش ، وغيرهم ، فقال : أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ،

٢٤٤

وتذهبون برسول الله تحوزونه إلى رحالكم؟ ، وقال : إنكم ستجدون بعدى أيره فاصبروا حتى تلقونى على الحوض ، وقال : إن الناس يكثرون وتقل الأنصار ، وقال لهم فى الخطبة قبل هذه على الصفا : بل المحيا محياكم ، والممات مماتكم ، وقد وقع جميع ذلك كما أخبر به سواء بسواء.

وقال البخارى : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: وأخبرنى سعيد ابن المسيب عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والّذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما فى سبيل الله (١) ، ورواه مسلم عن حرملة عن أبى وهب عن يونس به ، وقال البخارى : حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن عبد الملك ابن عمير عن جابر بن سمرة رفعه : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وقال : لتنفقن كنوزهما فى سبيل الله (٢).

وقد رواه البخارى أيضا ومسلم من حديث جرير ، وزاد البخارى وابن عوانة ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير به ، وقد وقع مصداق ذلك بعده فى أيام الخلفاء الثلاثة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، استوثقت هذه الممالك فتحا على أيدى المسلمين ، وأنفقت أموال قيصر ملك الروم ، وكسرى ملك الفرس ، فى سبيل الله ، على ما سنذكره بعد إن شاء الله. وفى هذا الحديث بشارة عظيمة للمسلمين ، وهى أن ملك فارس قد انقطع فلا عودة له ، وملك الروم للشام قد زال عنها ، فلا يملكوها بعد ذلك ، ولله الحمد والمنة ، وفيه دلالة على صحة خلافة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، والشهادة لهم بالعدل ، حيث أنفقت الأموال المغنومة فى زمانهم فى سبيل الله على الوجه المرضى الممدوح.

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦١٨) (١٠ / ٤٩٥).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦١٩) (١٠ / ٤٩٧).

٢٤٥

وقال البخارى : حدثنا محمد ابن الحكم ، حدثنا النضر ، حدثنا إسرائيل ، حدثنا سعد الطائى ، أنا محل بن خليفة عن عدى بن حاتم ، قال : بينا أنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أتاه يرجل فشكى إليه الفاقة ، ثم أتاه آخر فشكى إليه قطع السبيل ، فقال : يا عدى هل رأيت الحيرة؟ قلت : لم أرها ، وقد أنبئت عنها ، قال : فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ما تخاف أحدا إلا الله عزوجل : قلت فيما بينى وبين نفسى : فأين دعار (١) طيئ الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى ، قلت : كسرى ابن هرمز؟ قال : كسرى بن هرمز ، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه ، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن له : ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول : بلى ، فيقول : ألم أعطك مالا (وولدا) وأفضلت عليك؟ فيقول : بلى ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم ، قال عدى : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فإن لم تجد فبكلمة طيبة ، قال عدى : فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة فلا تخاف إلا الله عزوجل ، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج ملء كفه (٢).

ثم رواه البخارى عن عبيد الله ابن محمد ـ هو أبو بكر بن أبى شيبة ـ عن أبى عاصم النبيل عن سعد بن بشر عن أبى مجاهد ـ سعد الطائى ـ عن محل عنه به.

وقد تفرد به البخارى من هذين الوجهين ، ورواه النسائى من حديث شعبة عن محل عنه : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، وقد رواه البخارى من حديث

__________________

(١) دعار : قطاع الطريق ، جمع داعر.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٩٥) (١٠ / ٤٧١).

٢٤٦

شعبة ، ومسلم من حديث زهير ، كلاهما عن أبى إسحاق عن عبد الله بن مغفل عن عدى مرفوعا اتقوا النار ولو بشق تمرة.

وكذلك أخرجاه فى الصحيحين من حديث الأعمش عن خيثمة عن عبد الرحمن عن عدى ، وفيها من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن خيثمة عن عدى به ، وهذه كلها شواهد لأصل هذا الحديث الّذي أوردناه ، وقد تقدم فى غزوة الخندق الأخبار بفتح مدائن كسرى وقصوره وقصور الشام وغير ذلك من البلاد ، وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا إسماعيل عن قيس عن خباب قال : أتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو فى ظل الكعبة متوسدا بردة له ، فقلنا : يا رسول الله ، ادع الله لنا واستنصره ، قال : فاحمر لونه أو تغير ، فقال : لقد كان من قبلكم تحفر له الحفيرة ويجاء بالميشار فيوضع على رأسه فيشق ما يصرفه عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظم أو لحم أو عصب ما يصرفه عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت ما يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون.

وهكذا رواه البخارى عن مسدد ، ومحمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد ، عن إسماعيل بن أبى خالد به ، ثم قال البخارى فى كتاب علامات النبوة : حدثنا سعيد بن شرحبيل ، حدثنا ليث عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الحسين عن عتبة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : أنا فرطكم ، وأنا شهيد عليكم ، إنى والله لأنظر إلى حوضى الآن ، وإنى قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، وإنى والله ما أخاف بعدى أن تشركوا ، ولكنى أخاف أن تنافسوا فيها (١).

وقد رواه البخارى أيضا من حديث حياة بن شريح ، ومسلم من حديث يحيى بن أيوب ، كلاهما عن يزيد بن أبى حبيب كرواية الليث عنه ،

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٥٩٦) (١٠ / ٤٧٤).

٢٤٧

ففى هذا الحديث مما نحن بصدده أشياء ، منها أنه أخبر الحاضرين أنه فرطهم ، أى المتقدم عليهم فى الموت ، وهكذا وقع ، فإن هذا كان فى مرض موته عليه‌السلام ، ثم أخبر أنه شهيد عليهم ، وإن تقدم وفاته عليهم ، وأخبر أنه أعطى مفاتيح خزائن الأرض ، أى فتحت له البلاد كما جاء فى حديث أبى هريرة المتقدم ، قال أبو هريرة : فذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنتم تفتحونها كفرا كفرا ، أى بلدا بلدا ، وأخبر أن أصحابه لا يشركون بعده ، وهكذا وقع ولله الحمد والمنة ، ولكن خاف عليهم أن ينافسوا فى الدنيا ، وقد وقع هذا فى زمان على ومعاوية رضى الله عنهما ثم من بعدهما ، وهلم جرا إلى وقتنا هذا ، ثم قال البخارى : حدثنا على بن عبد الله ، أنا أزهر بن سعد ، أنا ابن عون ، أنبأنى موسى بن أنس ابن مالك عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتقد ثابت بن قيس ، فقال رجل : يا رسول الله أعلم لك علمه؟ فأتاه فوجده جالسا فى بيته منكسا رأسه ، فقال : ما شأنك؟ فقال : شرا كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد حبط عمله وهو من أهل النار ، فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا ، قال موسى : فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة ، فقال : اذهب إليه فقل له : إنك لست من أهل النار ، ولكن من أهل الجنة (١).

تفرد به البخارى ، وقد قتل ثابت بن قيس بن شماس شهيدا يوم اليمامة كما سيأتى تفصيله ، وهكذا ثبت فى الحديث الصحيح البشارة لعبد الله بن سلام أنه يموت على الإسلام ، ويكون من أهل الجنة ، وقد مات رضى الله عنه على أكمل أحواله وأجملها ، وكان الناس يشهدون له بالجنة فى حياته لإخبار الصادق عنه بأنه يموت على الإسلام ، وكذلك وقع.

وقد ثبت فى الصحيح الإخبار عن العشرة بأنهم من أهل الجنة ، بل ثبت أيضا الإخبار عنه صلوات الله وسلامه عليه بأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وقيل : وخمسمائة ، ولم ينقل أن أحدا

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦١٣) (١٠ / ٤٨٦).

٢٤٨

من هؤلاء رضى الله عنه عاش إلا حميدا ، ولا مات إلا على السداد والاستقامة والتوفيق ، ولله الحمد والمنة ، وهذا من أعلام النبوات ، ودلالات الرسالة.

٢٤٩
٢٥٠

فصل

في الإخبار بغيوب ماضية ومستقبلة

روى البيهقى من حديث إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة قال : جاء رجل فقال: يا رسول الله إن فلانا مات ، فقال : لم يمت ، فعاد الثانية فقال : إن فلانا مات ، فقال : لم يمت ، فعاد الثالثة فقال : إن فلانا نحر نفسه بمشقص عنده ، فلم يصلّ عليه ، ثم قال البيهقى تابعه زهير عن سماك ، ومن ذلك الوجه رواه مسلم مختصرا فى الصلاة ، وقال أحمد : حدثنا أسود ابن عامر ، وحدثنا هريم بن سفيان عن سنان بن بشر عن قيس بن أبى حازم عن قيس ابن أبى شهم قال : مرت بى جارية بالمدينة فأخذت بكشحها ، قال : وأصبح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبايع الناس ، قال : فأتيته فلم يبايعنى ، فقال : صاحب الجبيذة؟ قال : قلت: والله لا أعود ، قال فبايعنى (١) ، ورواه النسائى عن محمد بن عبد الرحمن الحربى عن أسود بن عامر به ، ثم رواه أحمد عن سريح عن يزيد بن عطاء عن سنان بن بشر عن قيس عن أبى هاشم فذكره.

وفى صحيح البخارى : عن أبى نعيم عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله ابن عمر قال : كنا نتقى الكلام والانبساط إلى نسائنا فى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خشية أن ينزل فينا شيء ، فلما توفى تكلمنا وانبسطنا (٢) ، وقال ابن وهب : أخبرنى عمرو ابن الحرث عن سعيد بن أبى هلال عن أبى حازم عن سهل بن سعد أنه قال : والله لقد كان أحدنا يكف عن الشيء مع امرأته وهو إياها فى ثوب واحد تخوفا أن ينزل فيه شيء من القرآن ، وقال أبو داود : حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا ابن إدريس ، حدثنا عاصم بن كليب عن

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ٢٩٤).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب النكاح (٥١٨٧) (١٤ / ٤٨٧) ، وأحمد في مسنده (٢ / ٦٢).

٢٥١

أبيه عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى جنازة فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على القبر يوصى الحافر : أوسع من قبل رجليه ، أوسع من قبل رأسه ، فلما رجع استقبله داعى امرأة ، فجاء وجيء بالطعام فوضع يده فيه ووضع القوم أيديهم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يلوك لقمة فى فيه ، ثم قال : أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها ، قال فأرسلت المرأة : يا رسول الله إنى أرسلت إلى البقيع يشترى لى شاة فلم توجد ، فأرسلت إلى جار لى قد اشترى شاة : أن أرسل بها إلى بثمنها فلم يوجد ، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلى بها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أطعميه الأسارى.

٢٥٢

فصل

في ترتيب الأخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ثبت فى صحيح البخارى ومسلم من حديث الأعمش عن أبى وائل عن حذيفة بن اليمان : قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فينا مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ، وقد كنت أرى الشيء قد كنت نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه (١).

وقال البخارى : حدثنا يحيى بن موسى ، حدثنا الوليد ، حدثنى ابن جابر ، حدثنى بشر بن عبيد الله الحضرمى ، حدثنى أبو إدريس الخولانى أنه سمع حذيفة ابن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى ، فقلت : يا رسول الله إنا كنا فى جاهلية وشر ، فجاء الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال : نعم ، قلت وهل بعد ذلك لشر من خير؟ قال : نعم ، وفيه دخن ، قلت : وما دخنه؟ فقال : قوم يهدون بغير هديى يعرف منهم ينكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ، قال : هم من جلدتنا ، ويكلمون بألسنتنا ، قلت : فما أمرنى إن أدركنى ذلك؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.

وقد رواه البخارى أيضا ومسلم عن محمد ابن المثنى عن الوليد عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر به ، قال البخارى ، حدثنا محمد بن مثنى ، حدثنا يحيى

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦٠٦) (١٠ / ٤٧٩).

٢٥٣

ابن سعيد عن إسماعيل عن قيس عن حذيفة قال : تعلم أصحابى الخير : وتعلمت الشر ، تفرد به البخارى ، وفى صحيح مسلم من حديث شعبة عن عدى بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن حذيفة قال : لقد حدثنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة ، غير أنى لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها.

وفى صحيح مسلم من حديث على بن أحمر عن أبى يزيد ـ عمرو بن أخطب ـ قال : أخبرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، فأعلمنا أحفظنا ، وفى الحديث الآخر : حتى دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، وقد تقدم حديث خباب بن الأرت : والله ليتمن الله هذا الأمر ولكنكم تستعجلون ، وكذا حديث عدى بن حاتم فى ذلك ، وقال الله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (١) وقال تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٢) الآية.

وفى صحيح مسلم من حديث أبى نضرة عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت النساء (٣).

وفى حديث آخر : ما تركت بعدى فتنة هى أضر على الرجال من النساء.

وفى الصحيحين من حديث الزهرى عن عروة بن المسور عن عمرو بن عوف ، فذكر قصة بعث أبى عبيدة إلى البحرين قال : وفيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أبشروا واملوا ما يسركم ، فو الله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٣٣.

(٢) سورة النور ، الآية : ٥٥.

(٣) أحمد في مسنده (٣ / ٢٢).

٢٥٤

أخشى أن تنبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم (١).

وفى الصحيحين من حديث سفيان الثورى عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل لكم من أنماط؟ قال : قلت يا رسول الله : وأنى يكون لنا أنماط؟ فقال : أما إنها ستكون لكم أنماط ، قال : فأنا أقول لامرأتى : نحى عنى أنماطك ، فتقول : ألم يقل رسول الله : إنها ستكون لكم أنماط؟ فأتركها (٢).

وفى الصحيحين والمسانيد والسنن وغيرها من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبى زهير قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفتح اليمن فيأتى قوم يبثون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون (٣) ، كذلك رواه عن هشام بن عروة جماعة كثيرون وقد أسنده الحافظ ابن عساكر من حديث مالك وسفيان بن عيينة وابن جريج وأبو معاوية ومالك بن سعد بن الحسن وأبو ضمرة أنس ابن عياض وعبد العزيز بن أبى حازم وسلمة بن دينار وجرير بن عبد الحميد ، ورواه أحمد ، عن يونس عن حماد بن زيد عن هشام ابن عروة ، وعبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام ، ومن حديث مالك عن هشام به بنحوه.

ثم روى أحمد عن سليمان بن داود الهاشمى عن إسماعيل بن جعفر : أخبرنى يزيد بن حصيفة أن بشر بن سعيد أخبره أنه سمع فى مجلس المكيين يذكرون أن سفيان أخبرهم ، فذكر قصة وفيها : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : ويوشك الشام أن يفتح فيأتيه رجال من هذا البلد ـ يعنى المدينة ـ فيعجبهم ربعهم ورخاؤه والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ثم يفتح العراق فيأتى قوم

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ١٣٧).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٣٦٣١) (١٠ / ٥٠١).

(٣) أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة (١٨٧٥) (٦ / ١٦٨).

٢٥٥

يثبون فيحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وأخرجه ابن خزيمة من طريق إسماعيل.

ورواه الحافظ ابن عساكر من حديث أبى ذر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحوه ، وكذا حديث ابن حوالة ، ويشهد لذلك : منعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وهو فى الصحيح ، وكذا حديث : المواقيت لأهل الشام واليمن ، وهو فى الصحيحين وعند مسلم : ميقات أهل العراق ، ويشهد لذلك أيضا حديث : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والّذي نفسى بيده لتنفقن كنوزهما فى سبيل الله عزوجل.

وفى صحيح البخارى من حديث أبى إدريس الخولانى عن عوف بن مالك أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة تبوك : اعدد ستا بين يدى الساعة ، فذكر موته عليه‌السلام ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان ـ وهو الوباء ـ ثم كثرة المال ، ثم فتنة ، ثم هدنة بين المسلمين والروم ، وسيأتى الحديث فيما بعد.

وفى صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن شماسة عن أبى زر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا ، فان لهم ذمة ورحما ، فاذا رأيت رجلين يختصمان فى موضع لبنة فاخرج منها. قال : فمر بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة يختصمان فى موضع لبنة فخرج منها ـ يعنى ديار مصر على يدى عمرو بن العاص فى سنة عشرين كما سيأتى.

وروى ابن وهب عن مالك والليث عن الزهرى عن ابن لكعب ابن مالك ، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما ، رواه البيهقى من حديث إسحاق بن راشد عن الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه.

٢٥٦

وحكى أحمد بن حنبل عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن قوله : ذمة ورحما ، فقال : من الناس من قال : إن أم إسماعيل ـ هاجر ـ كانت قبطية ، ومن الناس من قال : أم إبراهيم ، قلت : الصحيح الّذي لا شك فيه أنهما قبطيتان كما قدمنا ذلك (١) ، ومعنى قوله: ذمة ، يعنى بذلك هدية المقوقس إليه وقبوله ذلك منه ، وذلك نوع ذمام ومهادنة ، والله تعالى أعلم.

وتقدم ما رواه البخارى من حديث محل بن خليفة عن عدى بن حاتم فى فتح كنوز كسرى وانتشار الأمن ، وفيضان المال حتى لا يتقبله أحد ، وفى الحديث أن عديا شهد الفتح ورأى الظعينة ترتحل من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله ، قال : ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من كثرة المال حتى لا يقبله أحد.

قال البيهقى : وقد كان ذلك فى زمن عمر بن عبد العزيز ، قلت : ويحتمل أن يكون ذلك متأخرا إلى زمن المهدى كما جاء فى صفته ، أو إلى زمن نزول عيسى بن مريم عليه‌السلام بعد قتله الدجال ، فإنه قد ورد فى الصحيح أنه يقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد والله تعالى أعلم.

وفى صحيح مسلم من حديث ابن أبى ذئب عن مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، ثم يخرج كذابون بين يدى الساعة ، وليفتحن عصابة من المسلمين كنز القصر الأبيض ، قصر كسرى ، وأنا فرطكم على الحوض ، الحديث بمعناه.

وتقدم حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبى هريرة مرفوعا : إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، والّذي

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ١٧٤).

٢٥٧

نفسى بيده لتنفقن كنوزهما فى سبيل الله عزوجل ، أخرجاه ، وقال البيهقى : المراد زوال ملك قيصر ، عن الشام ، ولا يبقى فيها ملكه على الروم ، لقوله عليه‌السلام ، لما عظم كتابه : ثبت ملكه ، وأما ملك فارس فزال بالكلية ، لقوله : مزق الله ملكه ، وقد روى أبو داود عن محمد بن عبيد عن حماد عن يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب.

وروينا فى طريق أخرى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما جيء بفروة كسرى وسيفه ومنطقته وتاجه وسواريه ، ألبس ذلك كله لسراقة بن مالك بن جعشم ، وقال : قل الحمد لله الّذي ألبس ثياب كسرى لرجل أعرابى من البادية ، قال الشافعى : إنما ألبسه ذلك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لسراقة ـ ونظر إلى ذراعيه ـ : كأنى بك وقد لبست سوارى كسرى ، والله أعلم.

وقال سفيان بن عيينة : عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن عدى ابن حاتم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثلت لى الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها فقام رجل فقال : يا رسول الله هب لى ابنته نفيلة ، قال : هى لك ، فأعطوه إياها ، فجاء أبوها فقال : أتبيعها؟ قال : نعم ، قال : فبكم؟ أحكم ما شئت ، قال : ألف درهم ، قال : قد أخذتها ، فقالوا له : لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها ، فقال : وهل عدد أكثر من ألف؟.

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدى ، حدثنا معاوية عن ضمرة بن حبيب أن ابن زغب الأيادى حدثه قال : نزل على عبد الله بن حوالة الأزدى فقال لى : بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حول المدينة على أقدامنا لنغم ، فرجعنا ولم نغم شيئا ، وعرف الجهد فى وجوهنا ، فقام فينا فقال : اللهم لا تكلهم إلى فأضعف ، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم ، ثم قال : لتفتحن لكم الشام والروم وفارس ، أو الروم وفارس ، وحتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا ، ومن البقر كذا وكذا ، ومن الغنم كذا وكذا ، وحتى يعطى أحدكم مائة دينار فيسخطها ، ثم

٢٥٨

وضع يده على رأسى أو على هامتى فقال : يا ابن حوالة ، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام ، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدى هذه من رأسك (١).

ورواه أبو داود من حديث معاوية بن صالح ، وقال أحمد : حدثنا حياة ابن شريح ، ويزيد بن عبد ربه قالا : حدثنا بقية ، حدثنى بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن أبى قفيلة عن ابن حوالة أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيصير الأمر إلى أن تكون جنود مجندة ، جند بالشام ، وجند باليمن ، وجند بالعراق ، فقال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك ، فقال : عليك بالشام فإنه خيرة الله من أرضه يجيء إليه خيرته من عباده ، فان أبيتم فعليكم بيمنكم واسعوا من غدره ، فإن الله تكفل لى بالشام وأهله (٢).

وهكذا رواه أبو داود عن حياة بن شريح به ، وقد رواه أحمد أيضا عن عصام ابن خالد وعلى بن عباس كلاهما عن جرير بن عثمان عن سليمان بن سمير عن عبد الله بن حوالة فذكر نحوه ، ورواه الوليد ابن مسلم الدمشقى عن سعيد ابن عبد العزيز عن مكحول ، وربيعة بن يزيد عن أبى إدريس عن عبد الله ابن حوالة به.

وقال البيهقى : أنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنى أبو علقمة ـ نصر ابن علقمة ـ يروى الحديث إلى جبير بن نفير. قال : قال عبد الله بن حوالة : كنا عند رسول الله فشكونا إليه العرى والفقر ، وقلة الشيء ، فقال : أبشروا فو الله لأنا بكثرة الشيء أخوفنى عليكم من قلته ، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله عليكم أرض الشام ، أو قال : أرض فارس وأرض الروم وأرض حمير ، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة ، جند

__________________

(١) أحمد في مسنده (٥ / ٢٨٨).

(٢) أحمد في مسنده (٤ / ١١٠).

٢٥٩

بالشام ، وجند بالعراق ، وجند باليمن ، وحتى يعطى الرجل المائة فسيخطها ، قال ابن حوالة : قلت : يا رسول الله ومن يستطيع الشام وبه الروم ذوات القرون؟ قال : والله ليفتحها الله عليكم ، وليستخلفنكم فيها حتى تطل العصابة البيض منهم ، قمصهم الملحمية. أقباؤهم قياما على الرويحل ، الأسود منكم المحلوق ما أمرهم من شيء فعلوه ، وذكر الحديث.

قال أبو علقمة : سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول : فعرف أصحاب رسول الله نعت هذا الحديث فى جزء بن سهيل السلمى ، وكان على الأعاجم فى ذلك الزمان ، فكانوا إذا رجعوا إلى المسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله فيعجبون لنعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه وفيهم ، وقال أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا الليث بن سعد حدثنى يزيد بن أبى حبيب عن ربيعة بن لقيط النجيبى عن عبد الله بن حوالة الأزدى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من نجا من ثلاث فقد نجا ، قالوا : ما ذا يا رسول الله؟ قال : موتى ، ومن قتال خليفة مصطبر بالحق يعطيه ، والدجال (١).

وقال أحمد : حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم ، حدثنا الجريرى عن عبد الله ابن شقيق عن عبد الله بن حوالة قال : أتيت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس فى ظل دومة ، وهو عنده كاتب له يملى عليه ، فقال : ألا نكتبك يا ابن حوالة؟ قلت : فيم يا رسول الله؟ فأعرض عنى وأكب على كاتبه يملى عليه ، ثم قال : ألا نكتبك يا ابن حوالة؟ قلت : لا أدرى ما خار الله لى ورسوله ، فأعرض عني وأكب على كاتبه يملى عليه ، ثم قال : ألا نكتبك يا ابن حوالة؟ قلت : لا أدرى ما خار الله لى ورسوله؟ فأعرض عنى وأكب على كاتبه يملى عليه ، قال : فنظرت فإذا فى الكتاب عمر ، فقلت : لا يكتب عمر إلا فى خير ، ثم قال : أنكتبك يا ابن حوالة؟ قلت : نعم ، فقال : يا ابن حوالة ،

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ١١٠ ، ٥ / ٢٣).

٢٦٠