معجزات النبي

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

معجزات النبي

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨

باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة

قصة البعير الناد وسجوده له وشكواه إليه

قال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا خلف بن خليفة عن حفص هو ابن عمر عن عمه أنس ابن مالك قال : كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وأن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إنه كان لنا جمل نسنى عليه وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره ، وقد عطش الزرع والنخل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : قوموا ، فقاموا فدخل الحائط والجمل فى ناحيته ، فمشى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه، فقالت الأنصار : يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب الكلب وإنا نخاف عليك صولته ، فقال : ليس عليّ منه بأس ، فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقبل نحوه حتى خرّ ساجدا بين يديه ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بناصيته أذل ما كانت قط ، حتى أدخله فى العمل ، فقال له أصحابه : يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ، ونحن أحق أن نسجد لك ، فقال : لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ، والّذي نفسى بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه (١) ، وهذا إسناد جيد وقد روى النسائى بعضه من حديث خلف بن خليفة به.

رواية جابر في ذلك

قال الإمام أحمد : حدثنا مصعب بن سلام سمعته من أبى مرتين ، حدثنا الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال : أقبلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بنى النجار ، إذا فيه جمل

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ١٥٩).

١٤١

لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه قال : فذكروا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه ، قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هاتوا خطاما ، فخطمه ودفعه إلى صاحبه ، قال : ثم التفت إلى الناس فقال : إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أنى رسول الله إلا عاصى الجن والانس (١) ، تفرد به الإمام أحمد ، وسيأتى عن جابر من وجه آخر بسياق آخر إن شاء الله وبه الثقة.

رواية ابن عباس

قال الحافظ أبو القاسم الطبرانى : حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا يزيد بن مهران أخو خالد الجيار ، حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأجلح عن الذيال بن حرملة عن ابن عباس قال : جاء قوم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله إن لنا بعيرا قد ندّ فى حائط ، فجاء إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : تعال ، فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه ، فقال له أبو بكر الصديق : يا رسول الله. كأنه علم أنك نبى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أنى نبى الله إلا كفرة الجن والإنس ، وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدا.

والأشبه رواية الإمام أحمد عن جابر ، اللهم إلا أن يكون الأجلح قد رواه عن الذيال عن جابر وعن ابن عباس والله أعلم.

طريق أخرى عن ابن عباس

قال الحافظ أبو القاسم الطبرانى : حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطى ، حدثنا أبو عون الزيادى ، حدثنا أبو عزة الدباغ عن أبى يزيد المدينى عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من الأنصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطا فسد عليهما الباب ، ثم جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأراد أن يدعو له ، والنبي قاعد معه نفر

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٣١٠).

١٤٢

من الأنصار ، فقال : يا نبى الله إنى جئت فى حاجة فإن فحلين لى اغتلما ، وإنى أدخلتهما حائطا وسددت عليهما الباب ، فأحب أن تدعو لى أن يسخرهما الله لى ، فقال لأصحابه : قوموا معنا ، فذهب حتى أتى الباب فقال : افتح ، فأشفق الرجل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : افتح ، ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريبا من الباب ، فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سجد له ، فقال رسول الله : ائت بشيء أشد رأسه وأمكنك منه ، فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ، ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر ، فلما رآه وقع له ساجدا ، فقال للرجل : ائتنى بشيء أشد رأسه ، فشد رأسه وأمكنه منه ، فقال : اذهب فإنهما لا يعصيانك ، فلما رأى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك قالوا : يا رسول الله هذان فحلان سجدا لك أفلا نسجد لك؟ قال لا آمر أحدا أن يسجد لأحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، وهذا إسناد غريب ومتن غريب.

(ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد فى كتابه دلائل النبوة عن أحمد ابن حمدان السحرى عن عمر بن محمد بن بجير البحترى عن بشر بن آدم عن محمد بن عون أبى عون الزيادى به ، وقد رواه أيضا من طريق مكى ابن إبراهيم عن قائد أبى الورقاء عن عبد الله بن أبى أوفى عن النبي ص بنحو ما تقدم عن ابن عباس.

رواية أبي هريرة

قال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه : أخبرنا أحمد بن حمدان ، أنا عمر بن محمد بن بجير ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جرير عن يحيى ابن عبيد الله عن أبيه عن أبى هريرة قال : انطلقنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ناحية فأشرفنا إلى حائط فإذا نحن بناضح ، فلما أقبل الناضح رفع رأسه فبصر برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع جرانه على الأرض ، فقال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فنحن أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة ، فقال : سبحان الله ، أدون الله؟

١٤٣

ما ينبغى لأحد أن يسجد لاحد دون الله ، ولو أمرت أحدا أن يسجد لشيء من دون الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).

رواية عبد الله بن جعفر في ذلك

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا مهدى بن ميمون عن محمد بن أبى يعقوب عن الحسن ابن سعد عن عبد الله بن جعفر وحدثنا بهز وعفان قالا : حدثنا مهدى ، حدثنا محمد بن أبى يعقوب عن الحسن بن سعد ـ مولى الحسن بن على ـ عن عبد الله بن جعفر قال : أردفنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلى حديثا لا أخبر به أحدا أبدا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحب ما استتر به فى حاجته هدف أو حائش (١) نخل ، فدخل يوما حائطا من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه ، وقال بهز وعفان : فلما رأى رسول الله حن وذرفت عيناه ، فمسح رسول الله سراته وذفراه فسكن ، فقال : من صاحب الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار قال : هو لى يا رسول الله ، فقال : أما تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملككها الله لك؟ إنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه (٢) ، وقد رواه مسلم من حديث مهدى بن ميمون به.

رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد وعفان قالا : حدثنا حماد ـ هو ابن سلمة ـ عن على بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان فى نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه : يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر ، فنحن أحق أن نسجد لك. فقال : اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود

__________________

(١) حائش : بستان.

(٢) أحمد في مسنده (١ / ٢٠٤).

١٤٤

ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان يصغى لها أن تفعله (١).

وهذا الإسناد على شرط السنن ، وإنما روى ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة عن عفان عن حماد به : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها إلى آخره.

رواية يعلي بن مرة الثقفي ، أو هي قصة اخرى

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعى ، حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم ابن بهدلة عن حسين عن أبى جبيرة عن يعلى بن سيابة قال : كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مسير له فأراد أن يقضى حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الأخرى ، ثم أمرهما فرجعتا إلى منابتهما ، وجاء بعير فضرب بجرانه إلى الأرض ثم جرجر حتى ابتل ما حوله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتدرون ما يقول البعير؟ إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره ، فبعث إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أواهبه أنت لى؟ فقال : يا رسول الله ما لي مال أحب إلى منه ، فقال : استوص به معروفا ، فقال : لا جرم لا أكرم مالى لى كرامته يا رسول الله ، قال وأتى على قبر يعذب صاحبه فقال : إنه يعذب فى غير كبير ، فأمر بجريدة فوضعت على قبره ، وقال : عسى أن يخفف عنه ما دامت رطبة.

طريق أخرى عنه

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن جعفر عن يعلى بن مرة الثقفى قال : ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه ، فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه ، فوقف عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أين صاحب هذا البعير؟ فجاء ، فقال : بعنيه ، فقال : لا بل أهبه لك ، فقال: لا بل بعنيه ، قال : لا بل نهبه لك إنه لأهل بيت مالهم معيشة غيره ، قال : أما إذ ذكرت هذا من

__________________

(١) أحمد في مسنده (٦ / ٧٦).

١٤٥

أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه ، قال : ثم سرنا فنزلنا منزلا فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها ، فلما استيقظ ذكرت له ، فقال : هى شجرة استأذنت ربها عزوجل فى أن تسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأذن لها ، قال : ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة ، فأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمنخره فقال : اخرج أنى محمد رسول الله ، قال سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء فأتته امرأة بجزر (١) ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا من اللبن ، فسألها عن الصبى فقالت : والّذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك.

طريق أخرى عنه

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عثمان بن حكيم ، أخبرنى عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال : لقد رأيت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلى ، ولا يراها أحد بعدى : لقد خرجت معه فى سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبى لها فقالت : يا رسول الله هذا صبى أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء ، يؤخذ فى اليوم ما أدرى كم مرة ، قال : ناولينيه ، فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ، ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا وقال : بسم الله أنا عبد الله ، اخسأ عدو الله ، ثم ناولها إياه ، فقال : القينا فى الرجعة فى هذا المكان فأخبرينا ما فعل ، قال : فذهبنا ورجعنا فوجدناها فى ذلك المكان معها شياه ثلاث ، فقال : ما فعل صبيك؟ فقالت : والّذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة ، فاجترر هذه الغنم ، قال : انزل فخذ منها واحدة ورد البقية ، قال : وخرجت ذات يوم إلى الجبانة حتى إذا برزنا قال : ويحك انظر هل ترى من شيء يوارينى؟ قلت : ما أرى شيئا يواريك إلا شجرة ما أراها تواريك ، قال : فما بقربها؟ قلت : شجرة مثلها أو قريب منها ، قال : فاذهب إليهما فقل : إن رسول الله يأمركما

__________________

(١) جزر : الشاة الصالحة للذبح.

١٤٦

أن تجتمعا بإذن الله ، قال فاجتمعنا فبرز لحاجته ثم رجع فقال : اذهب إليهما فقل لهما : إن رسول الله يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فرجعت. قال : وكنت معه جالسا ذات يوم إذ جاء جمل نجيب حتى صوى بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا ، قال : فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال : ما شأن جملك هذا؟ فقال وما شأنه؟ قال : لا أدرى والله ما شأنه ، عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه ، قال : فلا تفعل ، هبة لى أو بعنيه ، فقال : بل هو لك يا رسول الله ، فوسمه بسمة الصدقة ثم بعث به (١).

طريق أخرى عنه

قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش بن المنهال عن عمرو عن يعلى ابن مرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أتته امرأة بابن لها قد أصابه لمم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اخرج عدو الله أنا رسول الله ، قال : فبرأ ، قال : فأهدت إليه كبشين وشيئا من أقط وشيئا من سمن ، قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خذ الأقط والسمن وأحد الكبشين ورد عليها الآخر ، ثم ذكر قصة الشجرتين كما تقدم (٢) ، وقال أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا أبو بكر بن عياش عن حبيب بن أبى عمرة عن المنهال ابن عمرو عن يعلى قال : ما أظن أن أحدا من الناس رأى من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا دون ما رأيت فذكر أمر الصبى والنخلتين وأمر البعير إلا أنه قال : ما لبعيرك يشكوك؟ زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد تنحره ، قال : صدقت والّذي بعثك بالحق قد أردت ذلك ، والّذي بعثك بالحق لا أفعل (٣).

__________________

(١) أحمد في مسنده (٤ / ١٧٠ ـ ١٧١).

(٢) أحمد في مسنده (٤ / ١٧١).

(٣) أحمد في مسنده (٤ / ١٧٣).

١٤٧

طريق أخرى عنه

روى البيهقى عن الحاكم وغيره من الأصم : حدثنا عباس بن محمد الدورى ، حدثنا حمدان بن الأصبهانى حدثنا يزيد عن عمرو بن عبد الله بن يعلى ابن مرة عن أبيه عن جده قال : رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث (أشياء ما رآها أحد قبلى ، كنت معه فى طريق مكة فمر بامرأة معها ابن لها به لمم ما رأيت لمما أشد منه ، فقالت : يا رسول الله ابنى هذا كما ترى ، فقال إن شئت دعوت له ، فدعا له : ثم مضى فمر على بعير ناد جرانه يرغو ، فقال: على بصاحب هذا البعير ، فجىء به ، فقال : هذا يقول : نتجت عندهم فاستعملونى حتى إذا كبرت عندهم أرادوا أن ينحرونى ، قال : ثم مضى ورأى شجرتين متفرقتين فقال لى : اذهب فمرهما فليجتمعا لى ، قال : فاجتمعتا فقضى حاجته ، قال : ثم مضى فلما انصرف مر على الصبى وهو يلعب مع الغلمان وقد ذهب ما به وهيأت أمه أكبشا فأهدت له كبشين ، وقالت : ما عاد إليه شيء من اللمم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما من شيء إلا ويعلم أنى رسول الله ، إلا كفرة أو فسقة الجن والإنس ، فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع عن المتبحرين أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة فى الجملة.

وقد تفرد بهذا كله الإمام أحمد دون أصحاب الكتب الستة ولم يرو أحد منهم شيئا سوى ابن ماجه فإنه روى عن يعقوب بن حميد بن كاسب عن يحيى بن سليم عن خيثم عن يونس بن خباب عن يعلى بن مرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد. وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم بحديث البعير فى كتابه دلائل النبوة ، وطرقه من وجوه كثيرة ، ثم أورد حديث عبد الله بن قرط اليمانى قال : جيء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ ، وقد قدمت الحديث فى حجة الوداع. قلت : قد أسلفنا عن جابر بن

١٤٨

عبد الله نحو قصة الشجرتين ، وذكرنا آنفا عن غير واحد من الصحابة نحوا من حديث الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون (غير) هذا فالله أعلم.

١٤٩
١٥٠

[قصة الصبي الذي كان يصرع]

وسيأتى حديث الصبى الّذي كان يصرع ودعاؤه عليه‌السلام له وبرؤه فى الحال من طرق أخرى وقد روى الحافظ البيهقى عن أبى عبد الله الحاكم وغيره عن أبى العباس الأصم عن أحمد ابن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن إسماعيل بن عبد الملك عن أبى الزبير عن جابر قال : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سفر ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد ، فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر ، فقال لى : يا جابر خذ الأداوة وانطلق بنا ، فملأت الأداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى ، فإذا شجرتان بينهما أذرع ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا جابر انطلق فقل لهذه الشجرة : يقول لك رسول الله : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ، ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها ، فجلس خلفكما حتى قضى حاجته ، ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رءوسنا الطير تظلنا ، وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابنى هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه ، فوقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال : اخسأ عدوّ الله ، أنا رسول الله ، وأعاد ذلك ثلاث مرات ، ثم ناولها إياه ، فلما رجعنا وكنا بذلك الماء عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصبى تحمله ، فقالت : يا رسول الله اقبل منى هديتى ، فو الّذي بعثك بالحق أن عاد إليه بعد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خذوا أحدهما وردوا الآخر ، قال : ثم سرنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيننا ، فجاء جمل ناد ، فلما كان بين السماطين خر ساجدا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أيها الناس من صاحب هذا الجمل؟ فقال فتية من الأنصار : هو لنا يا رسول الله ، قال : فما شأنه؟ قالوا : سنونا عليه منذ عشرين سنة فلما كبرت سنه وكانت عليه شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبيعونيه؟ قالوا :

١٥١

يا رسول الله هو لك ، قال : فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله ، قالوا : يا رسول الله نحن أحق أن نسجد لك من البهائم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا ينبغى لبشر أن يسجد لبشر ، ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن ، وهذا إسناد جيد رجاله ثقات.

وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك بن أبى الصفراء عن أبى الزبير عن جابر أن رسول الله كان إذا ذهب المذهب أبعد.

ثم قال البيهقى : وحدثنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو بكر بن إسحاق ، أنا الحسين ابن على بن زياد ، حدثنا أبو حمنة ، حدثنا أبو قرة عن زياد ـ هو ابن سعد ـ عن أبى الزبير أنه سمع يونس بن خباب الكوفى يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان فى سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى لا يراه أحد ، قال : فلم يجد شيئا يتوارى به ، فبصر بشجرتين ، فذكر قصة الشجرتين وقصة الجمل بنحو من حديث جابر ، قال البيهقى : وحديث جابر أصح ، قال : وهذه الرواية ينفرد بها زمعة ابن صالح عن زياد ـ أظنه ابن سعد ـ عن أبى الزبير ، قلت : وقد يكون هذا أيضا محفوظا ، ولا ينافى حديث جابر ويعلى بن مرة ، بل يشهد لهما ويكون هذا الحديث عند أبى الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكى عن جابر. وعن يونس بن خباب عن أبى عبيدة بن عبد الله ابن مسعود عن أبيه والله أعلم.

وروى البيهقى من حديث معاوية بن يحيى الصيرفى ـ وهو ضعيف ـ عن الزهرى عن خارجة بن زيد عن أسامة ابن زيد حدثنا طويلا نحو سياق حديث يعلى بن مرة وجابر بن عبد الله ، وفيه قصة الصبى الّذي كان يصرع ومجىء أمه بشاة مشوية فقال : ناولينى الذراع فناولته ، ثم قال ، ناولينى الذراع فناولته ، ثم قال : ناولينى الذراع ، فقلت كم للشاة من ذراع؟ فقال : والّذي نفسى بيده لو سكت لناولتينى ما دعوت ، ثم ذكر قصة النخلات

١٥٢

واجتماعهما وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رجما خلف النخلات وليس فى سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده وبالله المستعان ،

(وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلان بن سلمة الثقفى بسنده إلى يعلى بن منصور الرازى عن شبيب بن شيبة عن بشر بن عاصم عن غيلان بن سلمة قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأينا عجبا فذكر قصة الشجرتين واستتاره بهما عند الخلاء ، وقصة الصبى الّذي كان يصرع ، وقوله : بسم الله أنا رسول الله ، اخرج عدو الله فعوفى ، ثم ذكر قصة البعيرين النادين وأنهما سجدا له بنحو ما تقدم فى البعير الواحد ، فلعل هذه قصة أخرى ، والله أعلم).

١٥٣
١٥٤

[دعاؤه لجمل جابر فسبق إبل القوم]

وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصة جمله الّذي كان قد أعيى ، وذلك مرجعهم من تبوك وتأخره فى أخريات القوم ، فلحقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا له وضربه فسار سيرا لم يسر مثله حتى جعل يتقدم أمام الناس ، وذكرنا شراءه عليه‌السلام منه وفى ثمنه اختلاف كثير وقع من الرواة لا يضر أصل القصة كما بيناه.

ركوبه فرس طلحة فأصبح سابقا بعد أن كان بطيئا

وتقدم حديث أنس فى ركوبه عليه‌السلام على فرس أبى طلحة حين سمع الناس صوتا بالمدينة فركب ذلك الفرس ، وكان يبطئ ، وركب الفرسان نحو ذلك الصوت ، فوجدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد رجع بعد ما كشف ذلك الأمر ، فلم يجد له حقيقة ، وكان قد ركبه عريا لا شيء عليه وهو متقلد سيفا ، فرجع وهو يقول : لن تراعوا لن تراعوا ، ما وجدنا من شيء ، وإن وجدناه لبحرا. أى لسابقا ، وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك الليلة فكان بعد ذلك لا يجارى ولا يكشف له غبار وذلك كله ببركته عليه الصلاة والسلام.

حديث آخر غريب في قصة البعير

قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه فى كتابه «دلائل النبوة» وهو مجلد كبير حافل كثير الفوائد : أخبرنى أبو على الفارسى ، حدثنا أبو سعيد عن عبد العزيز بن شهلان القواس ، حدثنا أو عمرو عثمان بن محمد ابن خالد الراسبى ، حدثنا عبد الرحمن بن على البصرى ، حدثنا سلامة ابن سعيد بن زياد بن أبى هند الرازى ، حدثنى أبى عن أبيه عن جده ، حدثنا غنيم بن أوس ـ يعنى الرازى ـ قال : كنا جلوسا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزعا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيها

١٥٥

البعير اسكن ، فإن تك صادقا فلك صدقك ، وإن تك كاذبا فعليك كذبك ، مع أن الله تعالى قد أمن عائذنا ، ولا يخلف لائذنا ، قلنا : يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ قال : هذا بعيرهم أهله بنحره فهرب منهم فاستغاث بنبيكم ، فبينا نحن كذلك إذا أقبل أصحابه يتعادون فلما نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منا منذ ثلاثة أيام فلم نلقه إلا بين يديك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يشكو مر الشكاية ، فقالوا : يا رسول الله ما يقول؟ قال : يقول إنه ربى فى إبلكم جوارا وكنتم تحملون عليه فى الصيف إلى موضع الكلأ فإذا كان الشتاء رحلتم إلى موضع الدفء ، فقالوا : قد كان ذلك يا رسول الله ، فقال : ما جزاء العبد الصالح من مواليه؟ قالوا : يا رسول الله فإنا لا نبيعه ولا ننحره ، قال فقد استغاث يبفلم يغيثوه ، وأنا أولى بالرحمة منكم ؛ لأن الله نزع الرحمة من قلوب المنافقين وأسكنها فى قلوب المؤمنين ، فاشتراه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائة درهم ، ثم قال : أيها البعير انطلق فأنت حر لوجه الله ، فرغا على هامة رسول الله فقال : رسول الله : آمين ثم رغا الثانية فقال آمين ، ثم رغا الثالثة فقال : آمين ، ثم رغا الرابعة فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلنا : يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ قال : يقول : جزاك الله أيها النبي عن الاسلام والقرآن خيرا ، قلت آمين ، قال : سكن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكنت رعبي قلت : آمين قال : حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمى ، قلت : آمين ، قال : لا جعل الله بأسها بينها ، فبكيت وقلت : هذه خصال سألت ربى فأعطانيها ومنعنى واحدة وأخبرنى جبريل عن الله أن فناء أمتك بالسيف فجرى القلم بما هو كائن.

قلت : هذا الحديث غريب جدا لم أر أحدا من هؤلاء المصنفين فى الدلائل أورده سوى هذا بالمصنف ، وفيه غرابة ونكارة فى إسناده ومتنه أيضا والله أعلم.

١٥٦

حديث في سجود الغنم له صلى‌الله‌عليه‌وسلم

قال أبو محمد عبد الله بن حامد أيضا : قال يحيى بن صاعد : حدثنا محمد بن عوف الحمصى ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدى ، حدثنا عباد بن يوسف الكندى أبو عثمان ، حدثنا أبو جعفر الرازى عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال : دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حائطا للأنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الأنصار ، وفى الحائط غنم فسجدت له ، فقال أبو بكر : يا رسول الله كنا نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم ، فقال : إنه لا ينبغى أن يسجد أحد لأحد ، ولو كان ينبغى لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، غريب وفى إسناده من لا يعرف).

قصة الذئب وشهادته بالرسالة

قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى قال : عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعى فانتزعها منه ، فأقعى الذئب على ذنبه فقال : ألا تتقى الله تنزع منى رزقا ساقه الله إلى؟ فقال : يا عجبى ذئب يكلمنى كلام الإنس! فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق ، قال : فأقبل الراعى يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ، ثم أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنودى الصلاة جامعة ، ثم خرج فقال للراعى : أخبرهم ، فأخبرهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صدق ، والّذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الأنس ، ويكلم الرجل عذبة سوطه ، وشراك نعله ، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده (١) ، وهذا إسناد على شرط الصحيح وقد صححه البيهقى ولم يروه

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٨٣ ـ ٨٤).

١٥٧

إلا الترمذي من قوله : والّذي نفسى بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس إلى آخره ، عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن القاسم بن الفضل ، ثم قال : وهذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث وثقه يحيى وابن مهدى.

طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، حدثنى عبد الله بن أبى حسين ، حدثنى شهر أن أبا سعيد الخدرى حدثه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بينا أعرابى فى بعض نواحى المدينة فى غنم له عدا عليه الذئب فأخذ شاة من غنمه فأدركه الأعرابى فاستنقذها منه وهجهجه فعانده الذئب يمشى ثم أقعى مستذفرا بذنبه يخاطبه فقال : أخذت رزقا رزقنيه الله ، قال : واعجبا من ذئب مستذفر بذنبه يخاطبنى! فقال : والله إنك لتترك أعجب من ذلك من ذلك ، قال : وما أعجب من ذلك؟ قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى النخلتين بين الحرتين يحدث الناس عن أنباء ما قد سبق وما يكون بعد ذلك ، قال : فنعق الأعرابى بغنمه حتى ألجأها إلى بعض المدينة ثم مشى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ضرب عليه بابه ، فلما صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أين الأعرابى صاحب الغنم؟ فقام الأعرابى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حدث الناس بما سمعت وبما رأيت ، فحدث الأعرابى الناس بما رأى من الذئب وما سمع منه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك : صدق ، آيات تكون قبل الساعة ، والّذي نفسى بيده لا تقوم يا لساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده (١) ، وهذا على شرط أهل السنن ولم يخرجوه ، وقد رواه البيهقى من حديث النفيلي قال : قرأت على معقل بن عبد الله بن شهر بن حوشب عن أبى سعيد فذكره.

ثم رواه الحاكم وأبو سعيد بن عمرو عن الأصم عن أحمد بن عبد

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٨٣ ـ ٨٤).

١٥٨

الجبار عن يونس بن بكير عن عبد الجيد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أبى سعيد فذكره ، ورواه الحافظ أبو نعيم من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى سعيد فذكره.

حديث أبي هرير في ذلك

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن أشعث بن عبد الملك عن شهر بن حوشب عن أبى هريرة قال : جاء ذئب إلى راعى غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعى حتى انتزعها منه ، قال : فصعد الذئب على تل فأقعى فاستذفر وقال : عمدت إلى رزق رزقنيه الله عزوجل انتزعته منى ، فقال الرجل : لله إن رأيت كاليوم ذئبا يتكلم ، فقال الذئب : أعجب من هذا رجل فى النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم ، وكان الرجل يهوديا ، فجاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم وخبره فصدقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال رسول الله : إنها أمارة من أمارات بين يدى الساعة ، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أهله بعده (١).

تفرد به أحمد وهو على شرط السنن ولم يخرجوه ، ولعل شهر بن حوشب قد سمعه من أبى سعيد وأبى هريرة أيضا والله أعلم.

حديث أنس في ذلك

قال أبو نعيم فى دلائل النبوة : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا محمد ابن يحيى بن منده ، حدثنا على بن الحسن بن سالم ، حدثنا الحسين الرفا عن عبد الملك بن عمير عن أنس ح ، وحدثنا سليمان ـ هو الطبرانى ـ : حدثنا عبد الله ابن محمد بن ناجية ، حدثنا هشام بن يونس اللؤلؤى ، حدثنا حسين بن سليمان الرفا. عن عبد الملك بن عمير ، عن أنس بن مالك قال : كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة تبوك فشردت على غنمى ، فجاء الذئب فأخذ منها شاة ،

__________________

(١) أحمد في مسنده (٣ / ٨٩).

١٥٩

فاشتد الرعاء خلفه ، فقال : طعمة أطعمنيها الله تنزعونها منى؟ قال : فبهت القوم ، فقال : ما تعجبون من كلام الذئب وقد نزل الوحى على محمد فمن مصدق مكذب.

ثم قال أبو نعيم : تفرد به حسين بن سليمان عن عبد الملك ، قلت : الحسين بن سليمان الرفا هذا يقال له الطلحي كوفى أو رد له ابن عدى عن عبد الملك بن عمير أحاديث ثم قال : لا يتابع عليها.

حديث ابن عمر في ذلك

قال البيهقى : أخبرنا أبو سعد المالينى ، أنا أبو أحمد بن عدى ، حدثنا عبد الله ابن أبى داود السجستانى ،. حدثنا يعقوب بن يوسف بن أبى عيسى ، حدثنا جعفر ابن حسن ، أخبرنى أبو حسن ، حدثنا عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب قال : قال ابن عمر : كان راع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ جاء الذئب فأخذ شاة ووثب الراعى حتى انتزعها من فيه ، فقال له الذئب : أما تتقى الله أن تمنعنى طعمة أطعمنيها الله تنزعها منى؟ فقال له الراعى : العجب من ذئب يتكلم ، فقال الذئب : أفلا أدلك على ما هو أعجب من كلامى؟ ذلك الرجل فى النخل يخبر الناس بحديث الأولين والآخرين أعجب من كلامى ، فانطلق بالراعى حتى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره وأسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حدث به الناس.

قال الحافظ ابن عدى : قال لنا أبو بكر ابن أبى داود : ولد هذا الراعى يقال لهم : بنو مكلم الذئب ، ولهم أموال ونعم ، وهم من خزاعة ، واسم مكلم الذئب أهبان ، قال : ومحمد بن أشعث الخزاعى من ولده ، قال البيهقى : فدل على اشتهار ذلك ، وهذا مما يقوى الحديث.

وقد روى من حديث محمد بن إسماعيل البخارى فى التاريخ ، حدثنى أبو طلحة ، حدثنى سفيان بن حمزة الأسلمي ، سمع عبد الله بن عامر

١٦٠