الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

ذكر المعبدية منهم ـ والفرقة الثانية منهم معبدية قالت بإمامة رجل منهم بعد ثعلبة اسمه معبد خالف جمهور الثعالبة فى أخذ الزكاة من العبيد فى إعطائهم منها واكفر من لم يقل بذلك وأكفره سائر الثعالبة فى قوله

الأخنسية ـ والفرقة الثالثة منهم الاخنسية اتباع رجل منهم كان يعرف بالأخنس وكان فى بدء أمره على قول الثعالبة فى موالاة الأطفال ثم خنس من بينهم فقال يجب علينا ان نتوقف عن جميع من فى دار التقية إلا من عرفنا منه ايمانا فنولّيه عليه او كفرا فبرئنا منه. وقالوا بتحريم القتل والاغتيال فى السر وإن يبدأ أحد من أهل القبلة بقتال حتى يدعى إلا من عرفوه بعينه وصار له تبع على هذا القول وبرئ من سائر الثعالبة وبرئ منه سائرهم

الشيبانية منهم ـ والفرقة الرابعة من الثعالبة شيبانية هم اتباع شيبان بن سلمة الخارجىّ الّذي خرج فى ايام أبى مسلم صاحب دولة بني العباس وأعان أبا مسلم على أعدائه فى حروبه وكان مع (٣٤ ب) ذلك يقول بتشبيه الله سبحانه لخلقه فأكفره سائر الثعالبة مع أهل السنّة فى قوله بالتشبيه وأكفرته الخوارج كلها فى معاونته أبا مسلم. والذين أكفروه من الثعالبة يقال لهم زيادية أصحاب زياد بن عبد الرحمن. والشيبانية يزعمون أن شيبان

٨١

تاب من ذنوبه وقالت الزيادية إن ذنوبه كان منها مظالم العباد التي لا تسقط بالتوبة. وأنه أعان أبا مسلم على قتاله مع الثعالبة كما أعانه على قتاله مع بنى أمية

ذكر الرشيدية منهم ـ والفرقة الخامسة من الثعالبة يقال لهم رشيدية نسبوا الى رجل اسمه رشيد وانفردوا بأن قالوا فيما سقى بالعيون والأنهار الجارية نصف العشر. وإنما يجب العشر الكامل فيما سقته السماء فحسب. وخالفهم زياد بن عبد الرحمن فأوجب فيما سقى بالعيون والأنهار الجارية العشر الكامل

ذكر المكرمية منهم ـ والفرقة الثالثة من الثعالبة يقال لهم المكرمية اتباع أبي مكرم زعموا ان تارك الصلاة كافر لاجل ترك الصلاة لكن لجهله بالله عزوجل. وزعموا ان كل ذى ذنب جاهل بالله والجهل بالله كفر. وقالوا أيضا بالموافاة فى الولاية والعداء. فهذا بيان فرق الثعالبة وبيان اقوالها

ذكر الاباضية وفرقها ـ أجمعت الاباضية على القول بامامة عبد الله بن أباض وافترقت فيما بينهما فرقا يجمعها القول بأن كفار هذه الامة يعنون (٣٥ ا) بذلك مخالفيهم من هذه الامة براء من الشرك والإيمان وانهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفّار. وأجازوا شهادتهم وحرّموا دماءهم فى السرّ واستحلّوها

٨٢

فى العلانية وصححوا مناكحهم والتوارث منهم. وزعموا انهم فى ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق وقالوا باستحلال بعض اموالهم دون بعض والّذي استحلّوه الخيل والسلاح. فأما الذهب والفضة فانهم يردونهما على أصحابهما عند الغنيمة ـ ثم افترقت الاباضية فيما بينهم أربع فرق وهى الحفصية والحارثية واليزيدية واصحاب طاعة لا يراد الله بها. واليزيدية منهم غلاة لقولهم بنسخ شريعة الاسلام فى آخر الزمان وسنذكرهم فى باب فرق الغلاة المنتسبين الى الاسلام بعد هذا. وانما نذكر فى هذا الباب الحفصية والحارثية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها

ذكر الحفصية منهم ـ هؤلاء قالوا بامامة حفص بن أبى المقدام وهو الّذي زعم أنّ بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحدها فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول او جنّة او نار او عمل بجميع المحرّمات من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر المحرّمات فهو كافر برئ من الشرك. ومن جهل بالله تعالى وأنكره فهو مشرك وتأوّل هؤلاء فى عثمان بن عفان مثل تأوّل الرافضة فى أبى بكر (٣٥ ب) وعمر وزعموا أنّ عليا هو الّذي أنزل الله تعالى فيه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (بقرة ٢٠٥)

٨٣

وأنّ عبد الرحمن بن ملجم هو الّذي أنزل الله فيه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (بقرة ٢٠٨) ثم قالوا بعد هذا كلّه ان الإيمان بالكتب والرسل متّصل بتوحيد الله عزوجل. فمن كفر بذلك فقد أشرك بالله عزوجل. وهذا نقيض قولهم إنّ الفصل بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحده. وأن من عرفه فقد برئ من الشرك وإن كفر بما سواه من رسول او جنّة أو نار فصار قولهم فى هذا الباب متناقضا

ذكر الحارثية منهم ـ هؤلاء اتباع حارث بن مزيد الأباضيّ وهم الذين قالوا فى باب القدر بمثل قول المعتزلة وزعموا أيضا أن الاستطاعة قبل الفعل وأكفرهم سائر الأباضية فى ذلك لان جمهورهم على قول أهل السنّة فى ان الله تعالى خالق أعمال العباد وفى ان الاستطاعة مع الفعل. وزعمت الحارثية انه لم يكن لهم إمام بعد المحكمة الأولى إلا عبد الله بن أباضى وبعده حارث ابن مزيد الاباضى

ذكر اصحاب طاعة لا يراد الله بها ـ زعم هؤلاء أنه يصح وجود طاعات كثيرة ممن لا يريد الله تعالى بها. كما قاله أبو الهزيل وأتباعه من القدرية وقال أصحابنا أن ذلك لا يصح إلا فى طاعة (٣٦ ا) واحدة وهو النظر الاول فإن صاحبه اذا استذل به كان

٨٤

مطيعا لله تعالى فى فعله وإن لم يقصد به التقرّب الى الله تعالى لاستحالة تقرّبه إليه قبل معرفته فاذا عرف الله تعالى فلا يصحّ منه بعد معرفته طاعة منه لله تعالى إلا بعد قصده التقرّب بها إليه. وزعمت الأباضية كلها أنّ دور مخالفيهم من أهل مكة دار توحيد الا معسكر السلطان فإنه دار بغى عندهم واختلفوا فى النفاق على ثلاثة أقوال فقال فريق منهم إن النفاق براءة من الشرك والايمان جميعا واحتجّوا بقول الله عزوجل فى المنافقين (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) (النساء ١٤٢) وفرقة منهم قالت كلّ نفاق شرك لأنه يضادّ التوحيد. وفرقة ثالثة قالت لا نزيل اسم النفاق عن موضعه ولا نسمى بالنفاق غير القوم الذين سمّاهم الله تعالى منافقين ومن قال منهم بأنّ المنافق ليس بمشرك زعم أنّ المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا موحّدين وكانوا أصحاب كبائر فكفروا وإن لم يدخلوا فى حدّ الشرك. قال عبد القاهر بعد الجملة التى حكيناها عنهم شذوذ من الأقوال انفردوا بها. منها أنّ فريقا منهم زعموا أن لا حجة لله تعالى على الخلائق فى التوحيد وغيره الا بالخبر وما يقوم مقام الخبر من إشارة وايماء. ومنها أن قوما منهم قالوا. كلّ من دخل فى دين الاسلام وجبت عليه (٣٦ ب) الشرائع والاحكام سمعها أو

٨٥

عرفها أو لم يسمعها ولم يعرفها. وقال سائر الامة لا يأثم بترك ما لم يقف عليه منها إلّا أن ثبتت عليه الحجة فيه. ومنها ان قوما منهم قالوا بجواز ان يبعث الله تعالى الى خلقه رسولا بلا دليل يدلّ على صدقه. ومنها ان قوما منهم قالوا من ورد عليه الخبر بأنّ الله تعالى قد حرّم الخمر او انّ القبلة قد حوّلت فعليه ان يعلم ان الّذي أخبره به مؤمن او كافر وعليه ان يعلم ذلك بالخبر وليس عليه ان يعلم أنّ ذلك عليه بالخبر. ومنها قول بعضهم ليس على الناس المشى الى الصلاة ولا الركوب والمسير للحج ولا شيء من الاسباب التى يتوصل بها الى أداء الواجب. وانما يجب عليهم فعل الطاعات الواجبة بأعيانها دون اسبابها الموصلة إليها. ومنها قولهم جميعا بوجوب استتابة مخالفيهم فى تنزيل او تأويل فان تابوا والا قتلوا سواء كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله او فيما لا يسع جهله وقالوا من زنى او سرق أقيم عليه الحدّ ثم استتيب فان تاب والا قتل. وقالوا انّ العالم يفنى كله اذا أفنى الله أهل التكليف ولا يجوز الا ذلك. لأنه انما خلقه لهم. وأجازت الاباضية وقوع حكمين مختلفين فى شيء واحد من وجهين. كمن دخل زرعا بغير إذن مالكه فان الله قد نهاه عن الخروج منه اذا كان خروجه منه مفسدا للزرع وقد أمره به. وقالوا لا يتبع المدبر فى الحرب اذا

٨٦

كان من أهل القبلة (٣٧ ا) وكان موحّدا ولا نقبل منهم امرأة ولا ذرّية وأباحوا قتل المشبهة واتباع مدبرهم وسبى نسائهم وذراريهم. وقالوا ان هذا كما فعله أبو بكر بأهل الرّدّة. وقد كان من الاباضية رجل يعرف بابراهيم دعا قوما من اهل مذهبه الى داره وأمر جارية له كانت على مذهبه بشيء فأبطأت عليه فحلف ليبيعنّها فى الاعراب فقال له رجل منهم اسمه ميمون وليس هو صاحب الميمونية من العجاردة. كيف تبيع جارية مؤمنة الى الكفرة؟ فقال له ابراهيم انّ الله تعالى قد أحلّ البيع وقد مضى أصحابنا وهم يستحلّون ذلك فتبرّأ منهم ميمون وتوقّف آخرون منهم فى ذلك وكتبوا بذلك الى علمائهم فأجابوهم بأنّ بيعها حلال وبأنه يستتاب ميمون ويستتاب من توقّف فى ابراهيم فصاروا فى هذا ثلاث فرق ـ إبراهيمية ـ وميمونية ـ وواقفة ـ وتبع إبراهيم على إجازة هذا البيع قوم يقال لهم الضّحاكية وأجازوا نكاح المسلمة من كفّار قومهم فى دار التقية. فأما فى دار حكمهم فلا يستحلّون ذلك. وقوم منهم توقفوا فى هذه المسلمة وفى أمر الزوجة وقالوا ان ماتت لم نصلّ عليها ولم نأخذ ميراثها لأنّا لا ندرى ما حالها. وتبع بعد هؤلاء الإبراهيمية قوم يقال لهم البيهسية أصحاب أبى بيهس هيصم بن عامر. قالوا ان ميمونا

٨٧

كفر بأن حرّم بيع الأمة فى دار التقية من كفّار قومنا وكفرت الواقفة (٣٧ ب) بأن لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم وكفر إبراهيم بأن لم يتبرّأ من أهل الوقف. قالوا وذلك أن الوقوف بما يسع على الأبدان وانما الوقوف على الحكم بعينه ما لم يوافقه أحد فاذا وافقه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك إلّا أن يعرف من عرف الحقّ ودان به ومن أظهر الباطل ودان به ثم ان البيهسية قالت ان من واقع ذنبا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالى ويحدّ ولا نسمّيه قبل الرفع الى الوالى مؤمنا ولا كافرا. وقال بعض البيهسية فاذا كفر الإمام كفرت الرعية وقال بعضهم. كلّ شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه كل ما كان منه فى السكر من ترك الصلاة والشتم لله عزوجل وليس فيه حدّ ولا كفر ما دام فى سكره. وقال قوم من البيهسية يقال لهم العوفية. السكر كفر اذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه وافترقت العوفية من البيهسية فرقتين. فرقة قالت من رجع عنا من دار هجرته ومن الجهاد الى حال القعود برئنا منه. وفرقة قالت بل نتولّاه لانّه رجع إلى أمر كان مباحا له قبل هجرته إلينا. وكلا الفريقين قال اذا كفر الإمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد. وللأباضية والبيهسية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها

٨٨

فى كتاب الملل والنحل. وفيما ذكرنا منه فى هذا الكتاب كفاية

ذكر الشبيبية منهم ـ هؤلاء يعرفون بالشبيبيّة لانتسابهم (٣٨ ا) إلى شبيب بن يزيد الشيبانى المكنى بأبى الصحارى ويعرفون بالصالحية أيضا لانتسابهم الى صالح بن مشرح الخارجىّ وكان شبيب بن يزيد الخارجىّ من أصحاب صالح ثم تولّى الأمر بعده على جنده وكان السبب فى ذلك أن صالح بن مشرح التميمى كان مخالفا للأزارقة وقد قال انه كان صفريا وقيل إنه لم يكن صفريا ولا أزرقيا وكان خروجه على بشر بن مروان فى أيام ولايته على العراق من جهة أخيه عبد الملك بن مروان وبعث بشر إليه بالحارث بن عمير وذكر المدائني أن خروج صالح كان على الحجّاج بن يوسف وأن الحجاج بعث بالحارث بن عمير الى قتاله وأن القتال وقع بين الفريقين على باب حصن حلولا وانهزم صالح جريحا فلما أشرف على الموت قال لأصحابه قد استخلفت عليكم شبيبا وأعلم ان فيكم من هو أفقه منه ولكنه رجل شجاع مهيب فى عدّوكم فليعنه الفقيه منكم بفقهه. ثم مات وبايع أتباعه شبيبا إلى أن خالف صالحا فى شيء واحد وهو أنه مع أتباعه أجازوا إمامة المرأة منهم اذا قامت بأمورهم وخرجت على مخالفيهم وزعموا أن غزالة أم شبيب كانت الإمام

٨٩

بعد قتل شبيب إلى أن قتلت واستدلّوا على ذلك بأن شبيبا لما دخل الكوفة اقام أمه على منبر الكوفة حتى خطبت. وذكر أصحاب التواريخ أن شبيبا فى ابتداء أمره قصد الشام ونزل على روح (٣٨ ب) بن زنباع وقال له سل أمير المؤمنين أن يفرض لى فى أهل الشرف فإن لى فى بنى شيبان تبعا كثيرا فسأل روح بن زنباع عبد الملك بن مروان ذلك. فقال هذا رجل لا أعرفه وأخشى أن يكون حروريا فذكر روح لشبيب أن عبد الملك بن مروان ذكر أنه لا يعرفه. فقال سيعرفنى بعد هذا ورجع إلى بنى شيبان وجمع من الخوارج الصالحية مقدار الف رجل واستولى بهم على ما بين كسكر والمدائن فبعث الحجاج إليه بعبيد بن أبى المخارق المتنبّي فى ألف فارس فهزمه شبيب فوجّه إليه بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزمه شبيب وبعث بعتاب بن ورقاء التميمى فقتله شبيب. وما زال كذلك حتى هزم للحجاج عشرين جيشا في مدة سنتين ثم إنه كبس الكوفة ليلا ومعه ألف من الخوارج ومعه أمه غزالة وامرأته جهزية فى مائتين من نساء الخوارج قد اعتقلن الرماح وتقلّدن السيوف فلما كبس الكوفة ليلا قصد المسجد الجامع وقتل حرّاس المسجد والمعتكفين فيه ونصب أمه غزالة على المنبر حتى خطبت

٩٠

وقال خزيم بن فاتك الأسدىّ فى ذلك

أقامت غزالة سيوف الضراب (كذا) لأهل العراقين حولا قميطا

سمت للعراقين فى جيشها

فلاق العراقان منها طيطا

وصبر الحجّاج لهم فى داره لان جيشه كانوا متفرقين إلى أن اجتمع جنده إليه بعد الصبح (٣٩ ا) وصلّى شبيب بأصحابه فى المسجد وقرأ فى ركعتى الصبح سورتى البقرة وآل عمران ثم وافاه الحجّاج فى أربعة آلاف من جنده واقتتل الفريقان فى سوق الكوفة إلى أن قتل أصحاب شبيب وانهزم شبيب فيمن بقى معه الى الأنبار فوجّه الحجّاج فى طلبه جيشا فهزموا شبيبا من الأنبار الى الأهواز وبعث الحجّاج سفين بن الأبرد الكليبىّ فى ثلاثة آلاف لطلب شبيب فنزل سفين على شط الدجيل وركب شبيب جسر الدجيل ليعبر إليه وأمر سفين أصحابه بقطع حبال الجسر فاستدار الجسر وغرق شبيب مع فرسه وهو يقول ذلك تقدير العزيز العليم. وبايع أصحاب شبيب في الجانب الآخر من الدجيل غزالة أم شبيب وعقد سفين بن الأبرد الجسر وعبر مع جنده الى أولئك الخوارج وقتل اكثرهم وقتل غزالة أم شبيب وامرأته جهيزة وأسر الباقين من اتباع شبيب وأمر الغواصين بإخراج شبيب من الماء وأخذ رأسه وانفذه مع الاسرى الى

٩١

الحجّاج فلما وقف الاسرى بين يدى الحجّاج أمر بقتل رجل منهم قال له اسمع مني بيتين أختم بهما عملي ثم أنشأ يقول

أبرأ الى الله من عمرو وشيعته

ومن عليّ ومن أصحاب صفين

ومن معاوية الطاغى وشيعته

لا بارك الله فى القوم الملاعين

فأمر بقتله وبقتل جماعة منهم وأطلق الباقين. قال عبد القاهر يقال للشبيبية من الخوارج. أنكرتم على أم المؤمنين عائشة خروجها الى البصرة (٣٩ ب) مع جندها الّذي كلّ واحد منهم محرم (١) لها لأنها أمّ جميع المؤمنين فى القرآن وزعمتم أنها كفرت بذلك وتلوتم عليها قول الله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) : (أحزاب ٣٢) فهلا تلوتم هذه الآية على غزالة أم شبيب وهلا قلتم بكفرها وكفر من خرجن معها من نساء الخوارج الى قتال جيوش الحجّاج فان أجزتم لهنّ ذلك لانه كان معهنّ أزواجهنّ او بنوهنّ واخوتهنّ فقد كان مع عائشة أخوها عبد الرحمن وابن اختها عبد الله بن الزبير وكل واحد منهم محرم لها. وجميع المسلمين بنوها وكل واحد محرم لها فهلّا أجزتم لها ذلك على ان من أجاز منكم إمامة غزالة فإمامتها لائقة به وبدينه والحمد لله على العصمة من البدعة

__________________

(١) محرم. يقال هو مرحم من فلانة اى لا تحل له

٩٢

الفصل الثالث

(من فصول هذا الباب)

«في بيان مقالات فرق الضلال من القدرية المعتزلة عن الحق»

قد ذكرنا قبل هذا أن المعتزلة افترقت فيما بينها عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها وهنّ : الواصلية. والعمرية. والهذيلية. والنظّامية. والاسوارية. والمعمّرية. والاسكافية. والجعفرية. والبشرية. والمردارية. والهشامية. والتمامية. والجاحظية. والحائطية. والحمارية. والخياطية. واصحاب صالح قبة. والمويسية. والشحامية. والكعبية. والجبابية. والبهشمية. المنسوبة الى أبى هاشم بن الحبالى فهذه ثنتان وعشرون فرقة فرقتان منها من جملة (٤٠ ا) فرق الغلاة فى الكفر. نذكرها فى الباب الّذي نذكر فيه فرق الغلاة وهما الحائطية والحماريه. وعشرون منها قدرية محضة يجمعها كلها فى بدعتها امور منها نفيها كلها عن الله عزوجل صفاته الازلية وقولها بأنه ليس لله عزوجل علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفة أزلية وزادوا على هذا بقولهم ان الله تعالى لم يكن له فى الازل

٩٣

اسم ولا صفة. ومنها قولهم باستحالة رؤية الله عزوجل بالابصار وزعموا أنه لا يرى نفسه ولا يراه غيره واختلفوا فيه هل هو راء لغيره أم لا فأجازه قوم منهم وأباه قوم آخرون منهم. ومنها اتفاقهم على القول بحدوث كلام الله عزوجل وحدوث أمره ونهيه وخبره. وكلهم يزعمون ان كلام الله عزوجل حادث وأكثرهم اليوم يسمون كلامه مخلوقا. ومنها قولهم جميعا بأن الله تعالى غير خالق لأكساب الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات وقد زعموا ان الناس هم الذين يقدرون أكسابهم وانه ليس لله عزوجل فى اكسابهم ولا فى اعمار سائر الحيوانات صنع ولا تقدير. ولأجل هذا القول سمّاهم المسلمون قدرية. ومنها اتفاقهم على دعواهم فى الفاسق من أمة الاسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهى انه فاسق لا مؤمن ولا كافر ولأجل هذا سمّاهم المسلمون معتزلة لاعتزالهم قول الأمة بأسرها. ومنها قولهم ان كل ما لم يأمر الله تعالى (٤٠ ب) به أو نهى عنه من أعمال العباد لم يشأ الله شيئا منها وزعم الكعبىّ فى مقالاته أن المعتزلة اجتمعت على أن الله عزوجل شيء لا كالاشياء وأنه خالق الأجسام والأعراض وأنه خلق كلّ ما خلقه لا من شيء وعلى أن العباد يفعلون أعمالهم بالقدر التى خلقها الله سبحانه وتعالى فيهم. قال وأجمعوا على أنه لا يغفر لمرتكبى الكبائر

٩٤

بلا توبة. وفى هذا الفصل من كلام الكعبىّ غلط منه على أصحابه من وجوه. منها قوله إن المعتزلة اجتمعت على أن الله تعالى شيء لا كالاشياء وليست هذه الخاصية لله تعالى وحده عند جميع المعتزلة فإن الجبائى وابنه أبا هاشم قد قالا إن كل قدرة محدثة شيء لا كالاشياء ولم يخصوا ربهم بهذا المدح. ومنها حكايته عن جميع المعتزلة قولها بأن الله عزوجل خالق الأجسام والأعراض. وقد علم أن الاصم من المعتزلة ينفى الأعراض كلها وأن المعروف منهم بمعمّر يزعم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الأعراض وأن ثمامة يزعم أن الاعراض المتولّدة لا فاعل لها فكيف يصحّ دعواه إجماع المعتزلة على أن الله سبحانه خالق الأجسام والأعراض. وفيهم من ينكر وجود الأعراض وفيهم من يثبت الأعراض ويزعم أن الله تعالى لم يخلق شيئا منها. وفيهم من يزعم أن المتولّدات أعراض لا فاعل لها. والكعبىّ مع سائر المعتزلة زعموا أن الله تعالى لم يخلق أعمال العباد وهي (٤١ ا) أعراض عند من أثبت الأعراض فبان غلط الكعبىّ فى هذا الفصل على أصحابه ومنها دعوى إجماع المعتزلة على أن الله خلق ما خلق لا من شيء وكيف يصحّ اجماعهم على ذلك. والكعبىّ مع سائر المعتزلة سوى الصالحىّ يزعمون أن الحوادث كلها

٩٥

كانت قبل حدوثها أشياء. والبصريون منهم يزعمون ان الجواهر والاعراض كانت فى حال عدمها جواهر وأعراضا وأشياء. والواجب على هذا الفصل ان يكون الله خلق الشيء من شيء وإنما يصح القول بانه خلق الشيء لا من شيء على اصول اصحابنا الصفاتية الذين أنكروا كون المعدوم شيئا. واما دعوى إجماع المعتزلة على ان العباد يفعلون أفاعيلهم بالقدر التي خلقها الله تعالى فيهم فغلط منه عليهم لان معمّرا منهم زعم أن القدرة فعل الجسم القادر بها وليست من فعل الله تعالى. والاصم منهم ينفى وجود القدرة لأنه ينفى الأعراض كلها. وكذلك دعوى إجماع المعتزلة على أن الله سبحانه لا يغفر لمرتكبى الكبائر من غير توبة منهم غلط منه عليهم. لان محمد بن شبيب البصرى والصالحىّ والخالدى هؤلاء الثلاثة من شيوخ المعتزلة. وهم واقفية فى وعيد مرتكبى الكبائر. وقد أجازوا من الله تعالى مغفرة ذنوبهم من غير توبة وبأنّ ما ذكرناه غلط الكعبىّ فيما حكاه عن المعتزلة وصحّ ان المعتزلة يجمعها ما حكيناه عنهم مما أجمعوا عليه (٤١ ب) فاما الّذي اختلفوا فيه فيما بينهم فعلى ما نذكره فى تفصيل فرقهم إن شاء الله عزوجل

ذكر الواصلية منهم ـ هؤلاء اتباع واصل بن عطا الغزال رأس المعتزلة وداعيهم الى بدعتهم بعد معبد الجهنى وغيلان الدمشقى

٩٦

وكان واصل من منتابى مجلس الحسن البصرى فى زمان فتنة الازارقة وكان الناس يومئذ مختلفين فى اصحاب الذنوب من امة الاسلام على فرق. فرقة تزعم ان كل مرتكب لذنب صغير او كبير مشرك بالله. وكان هذا قول الازارقة من الخوارج وزعم هؤلاء ان اطفال المشركين مشركون ولذلك استحلوا قتل اطفال مخالفيهم وقتل نسائهم سواء كانوا من امة الاسلام او من غيرهم. وكانت الصفريّة من الخوارج يقولون فى مرتكبى الذنوب بانهم كفرة مشركون كما قالته الازارقة غير انهم خالفوا الازارقة فى الاطفال. وزعمت النجدات من الخوارج ان صاحب الذنب الّذي اجمعت الامة على تحريمه كافر مشرك وصاحب الذنب الّذي اختلفت الامة فيه حكم على اجتهاد اهل الفقه فيه وعذروا مرتكب ما لا يعلم تحريمه بجهالة تحريمه الى ان تقوم الحجة عليه فيه وكانت الاباضية من الخوارج يقولون ان مرتكب ما فيه الوعيد مع معرفته بالله عزوجل وبما جاء من عنده كافر كفران نعمة وليس بكافر كفر شرك. وزعم قوم من اهل ذلك العصران صاحب الكبيرة من هذه الامة (٤٢ ا) منافق. والمنافق شر من الكافر المظهر لكفره. وكان علماء التابعين فى ذلك العصر مع أكثر الامة يقولون إن صاحب الكبيرة من أمة الاسلام مؤمن لما فيه

٩٧

من معرفته بالرسل والكتب المنزّلة من الله تعالى ولمعرفته بأن كل ما جاء من عند الله حق ولكنّه فاسق بكبيرته وفسقه لا ينفى عنه اسم الايمان والإسلام. وعلى هذا القول الخامس مضى سلف الامة من الصحابة وأعلام التابعين. فلما ظهرت فتنة الأزارقة بالبصرة والأهواز واختلف الناس عند ذلك فى أصحاب الذنوب على الوجوه الخمسة التي ذكرناها خرج واصل بن عطا عن قول جميع الفرق المتقدمة وزعم أن الفاسق من هذه الامة لا مؤمن ولا كافر وجعل الفسق منزلة بين منزلتى الكفر والايمان. فلما سمع الحسن البصرىّ من واصل بدعته هذه التى خالف بها أقوال الفرق قبله طرده عن مجلسه فاعتزل عند سارية من سوارى مسجد البصرة وانضمّ إليه قرينه فى الضلالة عمرو ابن عبيد بن باب كعبد صريخه أمه فقال الناس يومئذ فيهما انهما قد اعتزلا قول الأمة وسمّى أتباعهما من يومئذ معتزلة. ثم إنهما أظهرا بدعتهما فى المنزلة بين المنزلتين وضمّا إليها دعوة الناس الى قول القدرية على رأى معبد الجهنى. فقال الناس يومئذ لواصل إنه مع كفره قدرىّ وجرى المثل بذلك فى كل كافر قدرىّ. ثم ان واصلا وعمرا وافقا الخوارج فى تأييد عقاب صاحب الكبيرة فى النار مع قولهما بأنه موحّد وليس (٤٢ ب) بمشرك ولا كافر.

٩٨

ولهذا قيل للمعتزلة إنهم مخانيث الخوارج لان الخوارج لما رأوا لأهل الذنوب الخلود فى النار سمّوهم كفرة وحاربوهم. والمعتزلة رأت لهم الخلود فى النار ولم تجسر على تسميتهم كفرة ولا جسرت على قتال اهل فرقة منهم فضلا عن قتال جمهور مخالفيهم ولهذا نسب إسحاق بن سويد العبدري واصلا وعمرو بن عبيد الى الخوارج لاتفاقهم على تأييد عقاب أصحاب الذنوب فقال فى بعض قصائده

برئت من الخوارج لست منهم

من الغزّال منهم وابن باب

ومن قوم اذا ذكروا عليّا

يردّون السلام على السحاب

ثم ان واصلا فارق السلف ببدعة ثالثة وذلك أنه وجد اهل عصره مختلفين فى عليّ وأصحابه وفى طلحة والزبير وعائشة وسائر أصحاب الجمل. فزعمت الخوارج ان طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم يوم الجمل كفروا بقتالهم عليّا وأن عليا كان على الحقّ فى قتال أصحاب الجمل وفى قتال اصحاب معاوية بصفّين الى وقت التحكيم ثم كفر بالتحكيم وكان اهل السنّة والجماعة يقولون بصحة إسلام الفريقين فى حرب الجمل. وقالوا ان عليا كان على الحق فى قتالهم. واصحاب الجمل كانوا عصاة مخطئين فى قتال عليّ ولم يكن خطؤهم كفرا ولا فسقا يسقط شهادتهم وأجازوا الحكم بشهادة

٩٩

عدلين من كل فرقة من الفريقين وخرج واصل عن قول الفريقين وزعم ان فرقة من الفريقين فسقة لا بأعيانهم وأنه لا يعرف الفسقة منهما وأجازوا ان يكون الفسقة من الفريقين (٤٣ ا) عليا واتباعه كالحسن والحسين وابن عباس وعمّار بن ياسر وأبى أيّوب الأنصارىّ وسائر من كان مع عليّ يوم الجمل وأجاز كون الفسقة من الفريقين عائشة وطلحة والزبير وسائر اصحاب الجمل. ثم قال فى تحقق شكّه فى الفريقين لو شهد عليّ وطلحة او عليّ والزبير او رجل من أصحاب عليّ ورجل من اصحاب الجمل عندى على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما لعلمى بأن أحدهما فاسق لا بعينه كما لا أحكم بشهادة المتلاعنين لعلمى بان أحدهما فاسق لا بعينه ولو شهد رجلان من احد الفريقين ايّهما كان قبلت شهادتهما ولقد سخنت (١) عيون الرافضة القائلين بالاعتزال بشكّ شيخ المعتزلة فى عدالة عليّ واتباعه ومقالة واصل فى الجملة كما قلنا في بعض أشعارنا

مقالة ما وصلت بواصل

بل قطع الله به أوصالها

وسنذكر تمام أبيات هذه القصيدة بعد هذا إن شاء الله عزوجل

ذكر العمريّة منهم ـ هؤلاء أتباع عمرو بن عبيد بن باب

__________________

(١) سخنت عيونهم. حزنو

١٠٠