الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

وقتلت الخوارج يومئذ فلم يفلت منهم غير تسعة أنفس صار منهم رجلان الى سجستان. ومن اتباعهما خوارج سجستان ورجلان صارا الى اليمن. ومن أتباعهما أباضية اليمن ورجلان صارا الى عمان ومن اتباعهما خوارج عمان ورجلان صارا الى ناحية الجزيرة. ومن اتباعهما كان خوارج الجزيرة ورجل منهم صار الى تلّ مورون وقال عليّ لاصحابه يومئذ. اطلبوا ذا الثدية فوجدوه تحت دالية ورأوا تحت يده عند الابط مثل ثدى المرأة فقال صدق الله ورسوله وأمر فقتل فهذه قصة المحكّمة الاولى. وكان دينهم اكفار عليّ وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية واصحابه والحكمين ومن رضى بالتحكيم وإكفار كلّ ذى ذنب ومعصية ثم خرج على عليّ بعد ذلك من الخوارج جماعة كانوا على رأي المحكمة الاولى منهم أشرس بن عوف وخرج عليه بالأنبار وغلفة التيمى من تيم عدىّ خرج عليه بماسيذان والاشهب بن بشر العرنى خرج عليه بحرجرايا وسعد بن قفل خرج عليه بالمدائن وابو مريم السعديّ خرج عليه فى سواد الكوفة فاخرج عليّ الى كلّ واحد منهم جيشا مع قائد حتى قتلوا أولئك الخوارج ثم قتل عليّ رضى الله عنه فى تلك السنة فى شهر رمضان سنة ثمانى وثلاثين من الهجرة فلما استوت الولاية لمعاوية خرج عليه وعلى من بعده الى

٦١

زمان الازارقة (٢٥ ب) قوم كانوا على رأى المحكّمة الأولى منهم عبد الله بن جوشا الطائىّ خرج على معاوية بالنخيلة من سواد الكوفة فأخرج معاوية إليه اهل الكوفة حتى قتلوا اولئك الخوارج ثمّ خرج عليه حوثرة بن وداع الأسدىّ وكان من المستأمنين الى عليّ يوم النهروان فى سنة احدى وأربعين ثم خرج قروة بن نوفل الأشجعىّ والمستورد بن علقمة التميمي على المغيرة بن شعبة وهو يومئذ امير الكوفة من قبل معاوية فقتلا فى حربه ثم خرج معاذ بن جرير على المغيرة فقتل فى حربه ثم خرج زياد بن خرّاش العجلى على زياد بن أبيه فقتل فى حربه وخرج قريب بن مرّة على عبيد الله بن زياد وخرج عليه أيضا زحاف بن رحر الطائى واستعرضا الناس فى الطريق بالسيف فأخرج بن زياد إليهما بعباد بن الحصين الحيطى فى جيش فقتلوا اولئك الخوارج فهؤلاء هم الخوارج الذين عاونوا على المحكمة الاولى قبل فتنة الأزارقة والله اعلم

ذكر الأزارقة منهم ـ هؤلاء نافع بن الازرق الحنفى المكنّى بأبى راشد ولم تكن للخوارج قط فرقة اكثر عددا ولا أشدّ منهم شوكة والّذي جمعهم من الدين أشياء منها قولهم بأن مخالفيهم من هذه الامة مشركون. وكانت المحكمة الاولى يقولون

٦٢

إنهم كفرة لا مشركون ومنها قولهم إنّ القعدة ممن كان على رأيهم عن الهجرة إليهم مشركون وإن كانوا على رأيهم. وكانت المحكمة الاولى لا يكفّرون القعدة عنهم اذا كانوا على رأيهم. ومنها أنهم أوجبوا امتحان من قصد عسكرهم (٢٦ ا) إذا ادّعى أنه منهم أن يدفع إليه اسير من مخالفيهم وأمروه بقتله فإن قتله صدّقوه فى دعواه أنه منهم وان لم يقتله قالوا هذا منافق ومشرك وقتلوه. ومنها أنهم استباحوا قتل نساء مخالفيهم وقتل أطفالهم وزعموا أن الاطفال مشركون وقطعوا بأن أطفال مخالفيهم مخلّدون فى النار واختلفوا فى أول من أحدث ما انفردت الأزارقة به من إكفار القعدة عنهم ومن امتحان من قصد عسكرهم فمنهم من زعم أن أوّل من أحدث ذلك منهم عبد ربه الكبير ومنهم من قال عبد ربه الصغير ومنهم من قال أول من قال ذلك رجل منهم اسمه عبد الله ابن الوضين وخالف نافع بن الأزرق فى ذلك واستتابه منه فلما مات ابن الوضين رجع نافع واتباعه الى قوله وقالوا. كان الصواب معه ولم يكفّر نافع نفسه بخلافه إياه حين خالفه وأكفر من يخالفه بعد ذلك ولم يتبرّأ من المحكمة الاولى فى تركهم إكفار القعدة عنهم وقال ان هذا شيء ما زلنا دونهم وأكفر من يخالفهم بعد ذلك فى اكفار القعدة عنهم وزعم نافع واتباعه أن دار مخالفيهم دار كفر

٦٣

ويجوز فيها قتل الأطفال والنساء وأنكرت الأزارقة الرجم واستحلّوا كفر الأمانة التى أمر الله تعالى بأدائها وقالوا. ان مخالفينا مشركون فلا يلزمنا إذا امانتنا إليهم ولم يقيموا الحدّ على قاذف الرجل المحصن وأقاموه على قاذف المحصنات من النساء وقطعوا يد السارق فى القليل والكثير ولم يعتبروا فى السرقة نصابا وأكفرتهم الأمة فى هذه البدع التى (٢٦ ب) أحدثوها بعد كفرهم الّذي شاركوا فيه المحكمة الاولى فباءوا بكفر على كفر كمن باء بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين. ثم الازارقة بعد اجتماعها على البدع التى حكيناها عنهم بايعوا نافع بن الازرق وسمّوه أمير المؤمنين وانضمّ إليهم خوارج عمان واليمان فصاروا اكثر من عشرين ألفا واستولوا على الأهواز وما وراءها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها. وعامل البصرة يومئذ عبد الله بن الحرث الخزاعىّ من قبل عبد الله بن الزبير فأخرج عبد الله بن الحرث جيشا مع مسلم بن عبس بن كريز بن حبيب بن عبد شمس لحرب الأزارقة فاقتتل الفريقان بدولاب الاهواز فقتل مسلم ابن عبس وأكثر أصحابه فخرج الى حربهم من البصرة عثمان ابن عبيد الله بن معمر التميمى فى ألفى فارس فهزمته الازارقة فخرج إليهم حارثة بن بدر الفدانى فى ثلاثة آلاف من جند البصرة

٦٤

فهزمتهم الازارقة فكتب عبد الله بن الزبير من مكة الى المهلّب ابن أبى صفرة وهو يومئذ بخراسان يأمره بحرب الازارقة وولّاه ذلك فرجع المهلّب الى البصرة وانتخب من جندها عشرة آلاف وانضمّ إليه قومه من الأزد فصار فى عشرين ألفا وخرج وقاتل الأزارقة وهزمهم عن دولاب الأهواز إلى الأهواز ومات نافع ابن الأزرق فى تلك الهزيمة وبايعت الأزارقة بعده عبيد الله بن مأمون التميمى وقاتلهم المهلب بعد ذلك بالاهواز فقتل عبيد الله بن مأمون فى تلك الواقعة وقتل (٢٧ ا) أيضا أخوه عثمان بن مأمون مع ثلاثمائة من أشدّ الأزارقة وانهزم الباقون منهم الى ايدج وبايعوا قطرىّ بن الفجاءة وسمّوه أمير المؤمنين. وقاتلهم المهلّب بعد ذلك حروبا كانت سجالا وانهزمت الأزارقة فى آخرها الى سابور من أرض فارس وجعلوها دار هجرتهم وثبت المهلّب وبنوه وأتباعهم على قتالهم تسع عشرة سنة بعضها فى أيام عبد الله بن الزبير وباقيها فى زمان خلافة عبد الملك بن مروان وولاية الحجاج على العراق وقرر الحجاج المهلّب على حرب الازارقة فدامت الحرب فى تلك السنين بين المهلّب وبين الازارقة كرّا وفرّا فيما بين فارس والاهواز الى أن وقع الخلاف بين الازارقة ففارق عبد ربّه الكبير قطريّا وصار الى واد بجيرفت كرمين فى سبعة آلاف رجل وفارقه

٦٥

عبد ربّه الصغير فى أربعة آلاف وصار الى ناحية اخرى من كرمان وبقى قطرىّ فى بضعة عشر ألف رجل بأرض فارس وقاتله المهلّب بها وهزمه الى أرض كرمان وتبعه وقاتله بأرض كرمان وهزمه منها الى الرّىّ. ثم قاتل عبد ربّه الكبير فقتله وبعث بابنه يزيد بن المهلّب الى عبد ربّه الصغير فأتى عليه وعلى أصحابه. وبعث الحجاج سفين بن الأبرد الكلبىّ فى جيش كثيف الى قطرى بعد أن انحاز من الرىّ الى طبرستان فقتلوه بها وأنفذوا برأسه الى الحجاج وكان عبيدة بن هلال اليشكري قد فارق قطريّا وانحاز الى قومس فتبعه سفين بن الابرد وحاصره فى حصن قومس الى ان قتله وقتل اتباعه وطهّر الله بذلك الأرض (٢٧ ب) من الازارقة والحمد لله على ذلك

ذكر النجدات منهم ـ هؤلاء اتباع نجدة بن عامر الحنفى وكان السبب فى رئاسته وزعامته أن نافع بن الازرق لما أظهر البراءة من القعدة عنه ان كانوا على رأيه وسمّاهم مشركين واستحلّ قتل أطفال مخالفيه ونسائهم وفارقه أبو قديل وعطية الحنفى وراشد الطويل ومقلاص وأيوب الأزرق وجماعة من اتباعهم وذهبوا الى اليمامة فاستقبلهم نجدة بن عامر فى جند من الخوارج يريدون اللحوق بعسكر نافع فاخبروهم بأحداث نافع وردّوهم الى اليمامة

٦٦

وبايعوا بها نجدة بن عامر وأكفروا من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم وأكفروا من قال بإمامة نافع وأقاموا على إمامة نجدة الى أن اختلفوا عليه فى امور نقموها منه فلما اختلفوا عليه صاروا ثلاث فرق. فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفى الى سجستان وتبعهم خوارج سجستان ولهذا قيل لخوارج سجستان فى ذلك الوقت عطوية. وفرقة صارت مع أبى قديل حربا على نجدة وهم الذين قتلوا نجدة. وفرقة غدروا نجدة فى احداثه وأقاموا على إمامته. والّذي نقمه على نجدة اتباعه أشياء منها انه بعث جيشا فى غزو البرّ وجيشا فى غزو البحر ففضّل الذين بعثهم فى البرّ على الذين بعثهم فى البحر فى الرزق والعطاء. ومنها أنه بعث جيشا فأغاروا على مدينة الرسول عليه‌السلام وأصابوا منها جارية من بنات عثمان بن عفان (٢٨ ا) فكتب إليه عبد الملك فى شأنها فاشتراها من الّذي كانت فى يديه وردّها الى عبد الملك بن مروان فقالوا له إنك رددت جارية لنا على عدوّنا. ومنها أنه عذر أهل الخطأ فى الاجتهاد بالجهالات وكان السبب فى ذلك أنه بعث ابنه المطرح مع جند من عسكره الى القطيف فأغاروا عليها وسبوا منها النساء والذّرّية وقوّموا النساء على أنفسهم ونكحوهنّ قبل إخراج الخمس من الغنيمة وقالوا ان دخلت النساء فى قسمنا فهو مرادنا وان زادت قيمهنّ على

٦٧

نصيبنا من الغنيمة غرمنا الزيادة من أموالنا فلما رجعوا الى نجدة سألوه عما فعلوا من وطء النساء ومن أكل طعام الغنيمة قبل إخراج الخمس منها وقبل قسمة أربعة أخماسها بين الغانمين. فقال لهم لم يكن لكم ذلك فقالوا لم نعلم ان ذلك لا يحلّ لنا فعذرهم بالجهالة ثم قال. ان الدّين أمران. أحدهما معرفة الله تعالى ومعرفة رسله وتحريم دماء المسلمين وتحريم غصب أموال المسلمين والإقرار بما جاء من عند الله تعالى جملة. فهذا واجب معرفته على كل مكلف وما سواه فالناس معذورون بجهالته حتى يقيم عليه الحجة فى الحلال والحرام. فمن استحلّ باجتهاده شيئا محرما فهو معذور. ومن خاف العذاب على المجتهد المخطئ قبل قيام الحجة عليه فهو كافر. ومن بدع نجدة أيضا أنه تولى اصحاب الحدود من موافقيه وقال لعل الله يعذبهم بذنوبهم فى غير نار جهنم ثم يدخلهم الجنة وزعم أن النار يدخلها من خالفه فى دينه. ومن ضلالاته أيضا أنه (٢٨ ب) أسقط حدّ الخمر ومنها أيضا أنه قال. من نظر نظرة صغيرة او كذب كذبة صغيرة وأصرّ عليها فهو مشرك. ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصرّ عليه فهو مسلم اذا كان من موافقيه على دينه فلما أحدث هذا الإحداث وعذر اتباعه بالجهالات استتابه أكثر أتباعه من إحداثه وقالوا له اخرج الى المسجد وتب من

٦٨

إحداثك ففعل ذلك. ثم ان قوما منهم ندموا على استتابته وانضموا الى العاذرين له وقالوا له. أنت الإمام ولك الاجتهاد ولم يكن لنا ان نستتيبك فتب من توبتك واستتب الذين استتابوك وإلّا نابذناك. ففعل ذلك فافترق عليه أصحابه وخلعه اكثرهم وقالوا له. اختر لنا إماما فاختار أبا فديك وصار راشد الطويل مع أبى فديك يدا واحدة. فلما استولى أبو فديك على اليمامة علم ان أصحاب نجدة اذا عادوا من غزاوتهم أعادوا نجدة الى الإمارة فطلب عبده ليقتله فاختفى نجدة فى دار بعض عاذريه ينتظر رجوع عساكره الذين كان قد فرّقهم فى سواحل الشام ونواحى اليمن. ونادى منادى أبى فديك من دلّنا على نجدة فله عشرة آلاف درهم. وأى مملوك دلنا عليه فهو حرّ. فدلت عليه أمة للذين كان نجدة عندهم فأنفذ أبو فديك راشدا الطويل فى عسكر إليه فكبسوه وحملوا رأسه الى أبى فديك فلما قتل نجدة صارت النجدات بعده ثلاث فرق. فرقة أكفرته وصارت الى أبى فديك كراشد (٢٩ ا) الطويل وأبى بيهس وأبى الشمراخ واتباعهم. وفرقة عذرته (١) فيما فعل وهم النجدات اليوم. وفرقة من النجدات بعدوا عن اليمامة وكانوا بناحية البصرة شكّوا فيما حكى من احداث

__________________

(١) الاصل عذرتهم

٦٩

نجدة توقفوا فى أمره وقالوا لا ندرى هل أحدث تلك الأحداث أم لا فلا نبرأ منه الّا باليقين. وبقى أبو فديك بعد قتل نجدة الى ان بعث إليه عبد الملك بن مروان يعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي فى جند فقتلوا أبا فديك وبعثوا برأسه الى عبد الملك بن مروان فهذه قصة النجدات

ذكر الصّفرية من الخوارج ـ هؤلاء اتباع زياد بن الأصفر. وقولهم في الجملة كقول الأزارقة في أن اصحاب الذنوب مشركون غير أن الصّفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم. والأزارقة يرون ذلك وقد زعمت فرقة من الصّفرية. أن ما كان من الأعمال عليه حدّ واقع لا يسمى صاحبه الّا بالاسم الموضوع له كزان وسارق وقاذف وقاتل عمد وليس صاحبه كافرا ولا مشركا. وكلّ ذنب ليس فيه حدّ كترك الصلاة والصوم فهو كفر وصاحبه كافر وان المواعن (كذا) المذنب اسم الايمان فى الوجهين جميعا. وفرقة ثالثة من الصّفرية قالت بقول من قال من البيهسية ان صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالي فيحدّه. فصارت الصفرية على هذا التقدير ثلاث فرق. فرقة تزعم أنّ صاحب كل ذنب مشرك كما قالت الأزارقة. والثانية تزعم أن اسم الكفر واقع على صاحب دين ليس فيه حدّ والمحدود فى ذنبه خارج عن (٢٩ ب)

٧٠

الايمان وغير داخل فى الكفر. والثالثة تزعم أن اسم الكفر يقع على صاحب الذنب اذا حدّه الوالى على ذنبه. وهذه الفرق الثلاث من الصفرية يخالفون الأزارقة فى الاطفال والنساء كما بيّنّاه قبل هذا. وكلّ الصفرية يقولون بموالاة عبد الله بن وهب الراسبى وحرقوص بن زهير واتباعهما من المحكمة الاولى ويقولون بإمامة ابى بلال مرداس الخارجى بعدهم وبإمامة عمران بن حطّان السدويسي بعد ابى بلال. فأما ابو بلال مرداس فإنه خرج فى أيام يزيد بن معاوية بناحية البصرة على عبيد الله بن زياد فبعث إليه عبيد الله بن زياد بزرعة بن مسلم العامرى فى ألفى فارس وكان زرعة يميل الى قول الخوارج فلما اصطفّ الفريقان للقتال قال زرعة لأبى بلال أنتم على الحق ولكنا نخاف من ابن زياد أن يسقط عطانا فلا بدّ لنا من قتالكم فقال له أبو بلال. وددت لو كنت قبلت فيكم قول أخى عروة فإنه اشار عليّ بالاستعراض لكم كما استعرض قريب وزحاف الناس فى طرقهم بالسيف ولكنى خالفتهما وخالفت أخى. ثم حمل ابو بلال وأتباعه على زرعة وجنده فهزموهم ثم إن عبيد الله بن زياد بعث إليه بعباد بن أخضر التميمى فقاتل أبا بلال بنوّج وقتله مع اتباعه فلما ورد على ابن زياد خبر قتل أبى بلال قتل من وجدهم بالبصرة من الصفرية وظفر بعروة

٧١

أخى مرداس فقال له يا عدوّ الله أشرت على أخيك مرداس بالاستعراض للناس فقد انتقم الله تعالى للناس منك (٣٠ ا) ومن أخيك ثم أمر به فقطّعت يداه ورجلاه وصلبه فلما قتل مرداس اتخذت الصفرية عمران بن حطّان إماما وهو الّذي رثى مرداسا بقصائد يقول فى بعضها.

أنكرت بعدك ما قد كنت اعرفه

ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

وكان عمران بن حطّان هذا ناسكا شاعرا شديدا فى مذهب الصفرية وبلغ من خبثه فى غزوة عليّ رضى الله عنه أنه رثى عبد الرحمن بن ملجم وقال فى ضربه عليا

يا ضربة من منيب ما أراد بها

الّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنى لأذكره يوما فأحسبه

أو فى البرية عند الله ميزانا

قال عبد القاهر وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا

يا ضربة من كفور ما استفاد بها

إلا الجداء بما يصليه نيرانا

إنى لألعنه دينا وألعن من

يرجو له أبدا عفوا وغفرانا

وذاك ابن ملجم أشقى الناس كلهم

أخفهم عند رب الناس ميزانا

ذكر العجاردة من الخوارج ـ العجاردة كلها أتباع عبد الكريم بن عجرد وكان عبد الكريم من اتباع عطية بن الاسود الحنفى. وقد كانت العجاردة مفترقة عشر فرق يجمعها

٧٢

القول بأن الطفل يدعى إذا بلغ وتجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى الى الاسلام او يصفه هو. وفارقوا الازارقة فى شيء آخر وهو ان الازارقة استحلّت أموال مخالفيهم بكل حال. والعجاردة لا يرون أموال مخالفيهم فيئا الا بعد قتل صاحبه. فكانت العجاردة على هذه الجملة الى ان افترقت فرقها التى نذكرها بعد هذا

ذكر الخازمية منهم ـ هؤلاء أكثر عجاردة سجستان وقد قالوا فى باب القدر والاستطاعة والمشيئة بقول أهل السنّة. أن لا خالق إلّا الله ولا يكون إلا ما شاء الله. وأن الاستطاعة مع الفعل وأكفروا الميمونية الذين قالوا فى باب القدر والاستطاعة بقول القدرية المعتزلة عن الحق ثم إن الخازمية خالفوا أكثر الخوارج فى الولاية والعداوة وقالوا انهما صفتان لله تعالى. وإنّ الله عزوجل إنما يتولى العبد على ما هو صائر إليه من الايمان وإن كان فى أكثر عمره كافرا ويرى منه ما يصير إليه من الكفر فى آخر عمره وإن كان فى أكثر عمره مؤمنا. وان الله تعالى لم يزل محبّا لأوليائه ومبغضا لأعدائه وهذا القول منهم موافقا لقول أهل السنّة فى الموافاة غير ان أهل السنّة ألزموا الخازمية على قولها بالموافاة ان يكون عليّ وطلحة والزبير وعثمان من أهل الجنة لأنهم من أهل بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى

٧٣

فيهم (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (الفتح ١٧) وقالوا لهم. اذا كان الرضا من الله تعالى عن العبد انما يكون عن علم انه يموت على الايمان وجب ان يكون المبايعون تحت الشجرة على هذه الصفة وكان عليّ وطلحة والزبير منهم وكان عثمان يومئذ أسيرا فبايع له النبىّ عليه‌السلام وجعل يده بدلا عن يده وصحّ بهذا بطلان قول من أكفر هؤلاء الاربعة

ذكر الشّعيبية منهم ـ قول هؤلاء فى باب القدر والاستطاعة والمشيئة كقول الخازمية وانما ظهر ذكر الشّعيبية حين نازع زعيمهم المعروف بشعيب رجلا من الخوارج اسمه ميمون وكان السبب فى ذلك أنه كان لميمون على شعيب مال فتقاضاه فقال له شعيب أعطيكه ان شاء الله فقال له ميمون قد شاء الله ذلك الساعة فقال شعيب لو كان قد شاء ذلك لم أستطع ألّا أعطيكه فقال ميمون قد أمرك الله بذلك وكلّ ما أمر به فقد شاءه وما لم يشأ لم يأمر به فافترقت العجاردة عند ذلك. فتبع قوم شعيبا وتبع آخرون ميمونا وكتبوا فى ذلك الى عبد الكريم بن عجرد وهو يومئذ فى حبس السلطان فكتب فى جوابهم. إنما نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سوءا فوصل الجواب إليهم بعد موت ابن عجرد وادعى ميمون

٧٤

أنه قال بقوله لأنه قال. لا نلحق بالله سوءا وقال شعيب بل قال بقولى لأنه قال نقول. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ومالت الخازمية وأكثر العجاردة الى شعيب ومالت الحمزية مع القدرية الى ميمون ثم زادت الميمونية على كفرها فى القدر نوعا من المجوسية فأباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين. ورأوا قتال السلطان ومن رضي بحكمه فرضا. فأما من أنكره فلا يرون قتله إلّا اذا أغار عليهم أو طعن فى دينهم أو كان دليلا للسلطان. وسنذكر الميمونية فى جملة فرق الغلاة الخارجين عن الملّة فى باب بعد هذا إن شاء الله عزوجل. وقد كان من جملة الميمونية رجل يقال له خلف. ثم أنه خالف الميمونية فى القدر والاستطاعة والمشيئة وقال فى هذه الثلاثة بقول أهل السنّة وتبعه على ذلك خوارج كرمان ومكرّان فيقال لهم الخلفية وهم الذين قاتلوا حمزة ابن اكرك الخارجىّ فى أرض كرمان

ذكر الخلفية منهم ـ هم أتباع خلف الّذي قاتل حمزة الخارجىّ. والخلفية لا يرون القتال إلّا مع إمام منهم. وقد كفّوا أيديهم عن القتال لفقدهم من يصلح للإمامة منهم. وصارت الخلفية الى قول الأزارقة فى شيء واحد. وهو دعواهم أن أطفال مخالفيهم فى النار

٧٥

ذكر المعلومية والمجهولية منهم ـ هاتان فرقتان من جملة الخازمية ثم ان المعلومية منهما خالفت سلفها فى شيئين. أحدهما دعواها أنّ من لم يعرف الله تعالى بجميع أسمائه فهو جاهل به والجاهل به كافر. والثانى أنهم قالوا إنّ أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى. ولكنهم قالوا فى الاستطاعة والمشيئة بقول أهل السنّة فى أنّ الاستطاعة مع الفعل وأنه لا يكون إلّا ما شاء الله. وهذه الفرقة تدّعى إمامة من كان على دينها وخرج بسيفه على اعدائه من غير براءة منهم عن القعدة عنهم. وأما المجهولية منهم فقولهم كقول المعلومية غير أنهم قالوا من عرف الله ببعض اسمائه فقد عرفه وأكفروا المعلومية منهم فى هذا الباب

ذكر الصلتية منهم ـ هؤلاء منسوبون الى صلت بن عثمان وقيل صلت بن أبى الصلت. وكان من العجاردة غير أنه قال. إذا استجاب لنا الرجل وأسلم تولّيناه وبرئنا من أطفاله لأنه ليس لهم إسلام حتى يدركوا فيدعون حينئذ الى الاسلام فيقبلونه. وبإزاء هذه الفرقة فرقة أخرى وهى التاسعة من العجاردة زعموا أنه ليس لأطفال المؤمنين ولا لأطفال المشركين ولاية ولا عداوة حتى يدركوا فيدعوا الى الإسلام فيقبلوا او ينكروا

ذكر الحمزية منهم ـ هؤلاء اتباع حمزة بن أكرك الذي

٧٦

عاث سجستان وخراسان ومكران وقهستان وكرمان وهزم الجيوش الكثيرة وكان فى الأصل من العجاردة الخازمية ثم خالفهم فى باب القدر والاستطاعة فقال فيهما بقول القدرية فأكفرته الخازمية فى ذلك. ثم زعم مع ذلك أنّ أطفال المشركين فى النار فأكفرته القدرية فى ذلك. ثم إنه والى القعدة من الخوارج مع قوله بتكفير من لا يوافقه على قتال مخالفيه من فرق هذه الامة مع قوله بأنهم مشركون. وكان اذا قاتل قوما وهزمهم أمر باحراق أموالهم وعقد دوابهم وكان مع ذلك يقتل الاسراء من مخالفيهم. وكان ظهوره فى أيام هارون الرشيد فى سنة تسع وسبعين ومائة. وبقى الناس فى فتنته الى أن مضى صدر من أيام خلافة المأمون ولما استولى على بعض البلدان جعل قاضيه أبا يحيى يوسف بن بشار وصاحب جيشه رجلا اسمه جيويه بن معبد وصاحب حرسه عمرو بن صاعد وكان معه جماعة من شعراء الخوارج كطلحة بن فهد وأبى الجلندى وأقرانهم. وبدأ بقتال البيهسية من الخوارج وقتل الكثير منهم فسمّوه عند ذلك أمير المؤمنين وقال الشاعر طلحة بن فهد فى ذلك

أمير المؤمنين على رشاد

وغير هداية نعم الأمير

امير يفضل الأمراء فضلا

كما فضل السها القمر المنير

٧٧

ثم انّ حمزة أسرى سرية الى الخازمية من الخوارج بناحية فلجرد فقتل منهم مقتلة عظيمة. ثم قصد بنفسه هراة فمنعه اهلها من دخولها فاستعرض الناس خارج المدينة وقتل منهم الكثير فخرج إليه عمرو بن يزيد الازدىّ وهو يومئذ والى هراة مع جنده فدامت الحرب بينهم شهورا وقتل من ارض هراة جماعة وقتل من أصحاب هيصم الشاري. وكان داعية حمزة يدعو الناس الى ضلالته. ثم أغار حمزة على كروخ من رستاق هراة وأحرق أموالهم وعقر أشجارهم. ثم حارب عمرو بن يزيد الأزدىّ بقرب بوشنج وقتل عمر. ثم انتصب عليّ بن عيسى بن هاديان وهو يومئذ والى خراسان لحرب حمزة فانهزم منه الى ارض سجستان بعد ان قتل من قواده ستون رجلا سوى اتباعه فلما وصل الى سجستان منعه أهل زرنخ عن دخول البلد فاستعرض الناس بالسيف فى صحراء البلد. ثم تنكّر لأهل زرنخ بان ألبس أصحابه السواد يوهمهم انهم أصحاب السلطان وأنذرهم بذلك منذر فمنعوه من دخول البلدة فعقر نخلهم فى سوادهم وقتل المجتازين فى صحاريهم ثم قصد نهر شعبة وقتل بها الكثير من الخوارج الخلفية وعقر اشجارهم وأحرق أموالهم وانهزم منه رئيس للخلفية اسمه مسعود بن قيس وعبر فى هزيمته واديا وغرق فيه وشك أتباعه فى موته وهم ينتظرونه الى

٧٨

اليوم ثم رجع حمزة من كرمان وأغار فى طريقه على رستاق بست من رساتيق نيسابور. وكان بها قوم من الخوارج الثعالبة فقتلهم حمزة ودامت فتنة بخراسان وكرمان وقهستان وسجستان الى آخر ايام الرشيد وصدر من خلافة المأمون لاشتغال جند أكثر خراسان بقتال رافع بن ليث بن نصر بن سيان على باب سمرقند. فلما تمكن المأمون من الخلافة كتب الى حمزة كتابا استدعاه فيه الى طاعته فما ازداد الا عتوّا فى امره. فبعث المأمون بطاهر بن الحسين لقتال حمزة فدارت بين طاهر وحمزة حروب قتل فيها من الفريقين مقدار ثلاثين ألفا أكثرهم من اتباع حمزة وانهزم فيها حمزة الى كرمان وأتى طاهر على القعدة عن حمزة ممن كان على رأيه وظفر بثلاثمائة منهم فأمر بشدّ كلّ رجل منهم بالحبال بين شجرتين قد جذبت رءوس بعضها الى بعض ثم قطّع الرجل بين الشجرتين فرجعت كل واحدة من الشجرتين بالنصف من بدن المشدود عليها. ثم ان المأمون استدعى طاهر بن الحسين من خراسان وبعث به الى منصبه فطمع حمزة فى خراسان فأقبل فى جيشه من كرمان فخرج إليه عبد الرحمن النيسابورىّ فى عشرين ألف رجل من غزاة نيسابور ونواحيها فهزموا حمزة باذن الله وقتلوا الالوف من أصحابه وانفلت منهم حمزة جريحا ومات فى هزيمته

٧٩

هذه وأراح الله عزوجل منه ومن أتباعه العباد بعد ذلك وكانت هذه الواقعة التى هلك بعدها حمزة الخارجىّ القدرىّ من مفاخر اهل نيسابور والحمد لله على ذلك

ذكر الثعالبة منهم ـ هؤلاء اتباع ثعلبة بن مشكان والثعالبة تدّعى إمامته بعد عبد الكريم بن عجرد ويزعم أن عبد الكريم بن عجرد كان إماما قبل أن خالفه ثعلبة فى حكم الأطفال. فلما اختلفا فى ذلك كفر بن عجرد وصار ثعلبة إماما. والسبب فى اختلافهما أن رجلا من العجاردة خطب الى ثعلبة بنته فقال له بيّن مهرها فأرسل الخاطب امرأة الى أم تلك البنت يسألها هل بلغت البنت فإن كانت قد بلغت ووصفت الاسلام على الشرط الذي تعتبره العجاردة لم يبال كم كان مهرها فقالت أمها. هى مسلمة فى الولاية بلغت أم لم تبلغ فاخبر بذلك عبد الكريم بن عجرد وثعلبة بن مشكان فاختار عبد الكريم البراءة من الاطفال قبل البلوغ وقال ثعلبة نحن على ولايتهم صغارا وكبارا الى أن يبين لنا منهم إنكار للحق. فلما اختلفا فى ذلك برئ كل واحد منهما من صاحبه وصار أتباع كلّ واحد منهما فرقا. وقد ذكرنا فرق العجاردة قبل هذا. وصارت الثعالبة بعد ذلك ستّ فرق فرقة أقامت على إمامة ثعلبة ولم تقل بإمامة احد بعده ولم يكترثوا لما طهر فيهم من خلاف الاخنسية والمعبدية

٨٠