الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

وفيها ضروب القار (١) والزفت والمها (٢)

وأصناف كبريت مطاولة الوقد

ومن إثمد جوز وكلس (٣) وفضة

ومن توتيا فى معاربها هندى

وكل يواقيت الانام وحليها

من الارض والاحجار فاخرة المجد

وفيها مقام الحل والركن والصفا

ومستلم الحجّاج من جنّة الخلد

مفاخر للطين الّذي كان أصلنا

ونحن بنوه غير شك ولا جحد

فذلك تدبير ونفع وحكمة

وأوضح برهان على الواحد الفرد

فيا بن حليف الشؤم واللؤم والعمى

وابعد خلق الله من طرق الرشد

أتهجو أبا بكر وتخلع بعده

عليّا وتعزو كل ذاك الى برد

__________________

(١) القار شيء اسود يطلى به السفن والابل وقيل هو الزفت

(٢) المها جمع مهاة والمهاة البلور

(٣) الكلس النورة واخلاطها

٤١

كأنك غضبان على الدين كله

وطالب ذحل (١) لا يبيت على حقد

تواتب أقمارا وأنت مشوّه

وأقرب خلق الله من نسب القرد

وقد هجا حماد عجرد بشارا وقال فى هجائه

ويا أقبح من قرد اذا عمى القرد

وقيل ان بشّارا ما جزع من شيء جزعه من هذا البيت وقال يرانى فيصفنى ولا أراه فأصفه

قال عبد القاهر أكفّر هؤلاء الكاملية من وجهين أحدهما من جهة تكفيرها جميع الصحابة من غير تخصيص. والثانى من جهة تفضيلها النار على الارض وقد ذكرنا بعض فضائح بشّار بن يرد وقد فعل الله به ما استحقّه وذلك أنه هجا المهدىّ فأمر به حتى غرق فى دجلة (٢) ذلك له خزى فى الدنيا ولأهل ضلالته فى الآخرة عذاب أليم

ذكر المحمدية ـ هؤلاء ينتظرون محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على بن ابى طالب ولا يصدقون بقتله ولا بموته ويزعمون أنه فى جبل حاجر من ناحية نجد الى ان يؤمر

__________________

(١) الذحل. الثأر

(٢) الاصل الدجلة

٤٢

بالخروج. وكان المغيرة بن سعيد العجلىّ فى صلاته فى التشبيه يقول لأصحابه إن المهدىّ المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسين بن عليّ ويستدلّ على ذلك بان اسمه محمد كاسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسم ابيه عبد الله كاسم أبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال فى الحديث عن النبىّ عليه‌السلام قوله فى المهدىّ ان اسمه يوافق اسمى واسم ابيه اسم ابى فلما اظهر محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن عليّ دعوته بالمدينة استولى على مكة والمدينة واستولى اخوه إبراهيم بن عبد الله على البصرة واستولى أخوهما الثالث وهو ادريس بن عبد الله على بعض بلاد المغرب وكان ذلك فى زمان الخليفة أبى جعفر المنصور فبعث المنصور الى حرب محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بعيسى بن موسى فى جيش كثيف وقاتلوا محمدا بالمدينة وقتلوه فى المعركة. ثم أنفذ بعيسى بن موسى أيضا الى حرب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن عليّ مع جنده فقتلوا ابراهيم بباب حمرين على ستة عشر فرسخا من الكوفة ومات فى تلك الفتنة إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بارض المغرب وقيل إنه سمّ بها ومات عبد الله بن الحسن بن الحسين والد اولئك الاخوة الثلاثة فى سجن المنصور وقبره

٤٣

بالقادسيّة وهو مشهد معروف يزار فلما قتل محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسين بالمدينة اختلفت المغيرية فيه فرقتين فرقة أقرّوا بقتله وتبرّءوا من المغيرة بن سعيد العجلى وقالوا إنه كذب فى قوله إنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين هو المهدىّ الّذي ملك الارض لانه قتل وما ملك الأرض. وفرقة منهم ثبتت على موالاة المغيرة بن سعيد العجلى وقالت إنه صدق فى قوله إن المهدىّ محمد بن عبد الله وإنه لم يقتل وإنما غاب عن عيون الناس وهو فى جبل حاجر من ناحية نجد مقيم هناك الى ان يؤمر بالخروج فيخرج ويملك الارض وتعقد البيعة بمكة بين الركن والمقام ويحيا له من الاموات سبعة عشر رجلا يعطى كل واحد منهم حرفا من حروف الاسم الأعظم فيهزمون الجيوش.

وزعم هؤلاء أن الذي قتله جند عيسى بن موسى بالمدينة لم يكن محمد بن عبد الله بن الحسن فهذه الطائفة يقال لهم المحمدية لانتظارهم محمد بن عبد الله بن الحسن وكان جابر بن يزيد الجعفىّ على هذا المذهب وكان يقول برجعة الأموات الى الدنيا قبل القيامة وفى ذلك قال شاعر هذه الفرقة فى شعر له

الى يوم يئوب الناس فيه

الى دنياهم قبل الحساب

وقال أصحابنا لهذه الطائفة. إن أجزتم ان يكون المقتول بالمدينة

٤٤

غير محمد بن عبد الله بن الحسن واجزتم ان يكون المقتول هنا شيطانا تصوّر للناس فى صورة محمد بن عبد الله بن الحسن فأجيزوا بأن يكون المقتولون بكربلاء غير الحسين وأصحابه وإنما كانوا شياطين تصوّر وللناس بصور الحسين واصحابه وانتظروا حسينا كما انتظرتم محمد بن عبد الله بن الحسن او انتظروا عليا كما انتظرته السبّابية منكم الذين زعموا أنه فى السحاب والّذي قتله عبد الرحمن بن ملجم كان شيطانا تصوّر للناس بصورة عليّ وهذا ما لا انفصال لهم عنه والحمد لله على ذلك

ذكر الباقرية منهم ـ هؤلاء قوم ساقوا الإمامة من عليّ ابن ابى طالب رضى الله عنه فى اولاده الى محمد بن عليّ المعروف بالباقر وقالوا انّ عليّا نصّ على إمامة ابنه الحسن ونصّ الحسن على إمامة اخيه الحسين ونصّ الحسين على إمامة ابنه عليّ بن الحسين زين العابدين ونصّ زين العابدين على إمامة محمد بن عليّ المعروف بالباقر وزعموا انه هو المهدىّ المنتظر بما روى أن النبىّ عليه‌السلام قال لجابر بن عبد الله الانصارىّ انك تلقاه فاقرأه متى السلام وكان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة وكان قد عمى فى آخر عمره وكان يمشى فى المدينة ويقول يا باقر يا باقر متى ألقاك فمرّ يوما فى بعض سكك المدينة

٤٥

(*)

انّ جعفرا نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده فلما مات اسماعيل فى حياة أبيه علمنا أنه إنما نصب ابنه اسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل والى هذا القول مالت الاسماعيلية من الباطنية وسنذكرهم فى فرق الغلاة بعد هذا

ذكر الموسوية منهم. هؤلاء الذين ساقوا الإمامة الى جعفر ، ثم زعموا أن الإمام بعد جعفر كان ابنه موسى بن جعفر ، وزعموا أن موسى بن جعفر حىّ لم يمت وانه هو المهديّ المنتظر ، وقالوا إنه دخل دار الرشيد ولم يخرج منها. وقد علمنا إمامته وشككنا فى موته فلا نحكم فى موته إلّا بيقين. فقيل لهذه الفرقة الموسوية اذا شككتم فى حياته وموته فشكّوا فى إمامته ولا تقطعوا القول بانه باق وانه هو المهدىّ المنتظر هذا مع علمكم بأن مشهد موسى بن جعفر معروف فى الجانب الغربى من بغداد يزار. ويقال لهذه الفرقة موسوية لانتظارها موسى بن جعفر ويقال لها الممطورة أيضا لان يونس بن عبد الرحمن القمىّ كان من القطيعية وناظر بعض الموسوية فقال فى بعض كلامه انتم أهون على عينى من الكلاب الممطورة

__________________

(*) (ملاحظة) الورقة رقم ١٩ مفقودة من الاصل وقد ذكر ذلك فى (كتالوج) برلين ولذا لزم التنبيه

٤٦

ذكر المباركية. هؤلاء يريدون الإمامة فى ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر كدعوى الباطنية فيه وقد ذكر أصحاب الانساب فى كتبهم أن محمد بن إسماعيل بن جعفر مات ولم يعقّب

ذكر القطيعية منهم ـ هؤلاء ساقوا الإمامة من جعفر الصادق الى ابنه موسى وقطعوا بموت موسى وزعموا أن الإمام بعده سبط محمد بن الحسن الّذي هو سبط عليّ بن موسى الرضا. ويقال لهم الاثنا عشرية أيضا لدعواهم أن الإمام المنتظر هو الثانى عشر من نسبه الى عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه واختلفوا فى سن هذا الثانى عشر عند موت ابنه. فمنهم من قال كان ابن أربع سنين. ومنهم من قال كان ابن ثمانى سنين واختلفوا فى حكمه فى ذلك الوقت. فمنهم من زعم أنه فى ذلك الوقت كان إماما عالما بجميع ما يجب أن يعلمه الإمام وكان مفروض الطاعة على الناس. ومنهم من قال كان فى ذلك الوقت إماما على معنى ان الإمام لا يكون غيره. وكانت الاحكام يومئذ الى العلماء من اهل مذهبه الى أوان بلوغه فلما بلغ تحققت إمامته ووجبت طاعته وهو الآن الإمام الواجب طاعته وان كان غائبا

ذكر الهشامية منهم ـ هؤلاء فرقتان فرقة تنسب الى هشام ابن الحكم الرافض والفرقة الثانية تنسب الى هشام بن سالم

٤٧

الجواليقى وكلتا الفرقتان قد ضمّت الى خيرتها فى الامامة ضلالتها فى التجسيم وبدعتها فى التشبيه

ذكر قول هشام بن الحكم ـ زعم هشام بن الحكم ان معبوده جسم ذو حدّ ونهاية وانه طويل عريض عميق وأنّ طوله مثل عرضه مثل عمقه ولم يثبت طولا غير الطويل ولا عرضا غير العريض. وقال ليس ذهابه فى جهة الطول أزيد على ذهابه فى جهة العرض وزعم أيضا أنه نور ساطع يتلألأ كالسبيكة الصافية من الفضة وكاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها. وزعم أيضا أنه ذو لون وطعم ورائحته ومجسّة وان لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ورائحته هو مجسّته ولم يثبت لونا وطعما هما نفسه بل زعم انه هو اللون وهو الطعم. ثم قال قد كان الله ولا مكان ثم خلق المكان بان تحرّك فحدث مكانه بحركته فصار فيه ومكانه هو العرش

وحكى بعضهم عن هشام أن قال فى معبوده أنه سبعة اشبار بشبر نفسه كأنه قاسه على الانسان لأن كل انسان فى الغالب من العادة سبعة اشبار بشبر نفسه

وذكر ابو الهذيل فى بعض كتبه انه لقى هشام بن الحكم في مكة عند جبل أبى قبيس فسأله أيّهما أكبر معبوده أم هذا الجبل؟ قال فاشار الى ان الجبل يوفى عليه تعالى ان الجبل أعظم منه

٤٨

وحكى ابن الرّاوندي في بعض كتبه عن هشام أنه قال بين الله وبين الاجسام المحسوسة تشابه من بعض الوجوه لو لا ذلك ما دلت عليه

وذكر الجاحظ في بعض كتبه عن هشام انه قال انّ الله عزوجل انما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه والذاهب فى عمق الأرض. وقالوا لو لا مماسة شعاعه لما وراء الاجسام السائرة لما رأى ما وراءها ولا علمها. وذكر أبو عيسى الورّاق فى كتابه أنّ بعض أصحاب هشام أجابه الى أنّ الله عزوجل مماس لعرشه لا يفصل عن العرش ولا يفصل العرش عنه. وقد روى أنّ هشاما مع ضلالته فى التوحيد ضلّ فى صفات الله أيضا فأحال القول بأنّ الله لم يزل عالما بالاشياء وزعم أنه علم الأشياء بعد أن لم يكن عالما بها بعلم وان العلم صفة له ليست هى هو ولا غيره ولا بعضه قال ولا يقال لعلمه انه قديم ولا محدث لانه صفة وزعم ان الصفة لا توصف. وقال أيضا فى قدرة الله وسمعه وبصره وحياته وإرادته انها لا قديمة ولا محدثة لان الصفة لا توصف وقال فيها انها هى هو ولا غيره. وقال أيضا لو كان لم يزل عالما بالمعلومات لكانت المعلومات أزلية لانه لا يصح عالم الّا بمعلوم موجود كأنه أحال تعلق العلم بالمعدوم

٤٩

وقال أيضا لو كان عالما بما يفعله عباده قبل وقوع الافعال منهم لم يصح منه الّا اختيار العباد وتكليفهم. وكان هشام يقول فى القرآن انه لا خالق ولا مخلوق ولا يقال انه غير مخلوق لانه صفة والصفة لا توصف عنده. واختلفت الرواية عنه فى أفعال العباد فروى عنه انها مخلوقة لله عزوجل وروى عنه انها معان وليست باشياء ولا أجسام لان الشيء عنده لا يكون إلا جسما. وكان هشام يجيز على الأنبياء العصيان مع قوله بعصمة الائمة من (١) الذنوب وزعم ان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عصى ربّه عزوجل فى أخذ الفداء من أسارى بدر غير ان الله عزوجل عفى عنه وتأول على ذلك قول الله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) وفرق فى ذلك بين النبي والإمام بانّ النبي إذا عصى اتاه الوحى بالتنبيه على خطاياه والإمام لا ينزل عليه الوحى فيجب أن يكون معصوما عن المعصية. وكان هشام على مذهب الإمامية فى الامامة وأكفره سائر الامامية باجازته المعصية على الأنبياء وكان هشام يقول بنفى نهاية أجزاء الجسم وعنه أخذ النظام إبطال الجزء الّذي لا يتجزى

وحكى زرقان عنه فى مقالته أنه قال بمداخلة الاجسام بعضها

__________________

(١) الاصل مع

٥٠

فى بعض كما أجاز النظّام تداخل الجسمين اللطيفين فى حيّز واحد

وحكى عنه زرقان انه قال : الانسان شيئان بدن وروح والبدن موات والروح حسّاسة مدركة فاعلة وهى نور من الانوار : وقال هشام فى سبيل الزلزلة. ان الارض مركبة من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضا فاذا ضعفت طبيعة منها غلبت الاخرى فكانت الزلزلة فان ازدادت الطبيعة ضعفا كان الخسف

وحكى زرقان عنه أنه أجاز المشى على الماء لغير نبىّ مع قوله بأنه لا يجوز ظهور الاعلام المعجزة على غير نبىّ

ذكر هشام بن سالم الجواليقى ـ هذا الجواليقى مع رفضه على مذهب الامامية مفرط فى التجسيم والتشبيه لانه زعم ان معبوده على صورة الانسان ولكنه ليس بلحم ولا دم بل هو نور ساطع بياضا. وزعم انه ذو حواس خمس كحواس الانسان وله يد ورجل وعين وأذن وأنف وفم وانه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة وأن نصفه الأعلى مجوّف ونصفه الاسفل مصمت وحكى ابو عيسى الورّاق أنه زعم أن لمعبوده وفرة سوداء وانه نور أسود وباقيه نور أبيض

وحكى شيخنا أبو الحسن الاشعرىّ فى مقالاته أنّ هشام بن سالم قال فى إرادة الله تعالى بمثل قول هشام بن الحكم فيها وهى

٥١

أن ارادته حركة وهى معنى لا هى الله ولا غيره وان الله تعالى اذا أراد شيئا تحرك فكان ما أراد قال. ووافقهما أبو مالك الحضرمىّ وعليّ بن ميثم وهما من شيوخ الروافض ان إرادة الله تعالى حركة غير انهما قالا إن إرادة الله تعالى غير

وحكى أيضا عن الجواليقى أنه قال فى أفعال العباد أنها أجسام لانه لا شيء فى العالم إلا الاجسام وأجاز ان يفعل العباد الاجسام وروى مثل هذا القول عن شيطان الطاق أيضا

ذكر الزرارية منهم. هؤلاء اتباع عليّ زرارة بن أعين وكان على مذهب الفطحية القائلين بامامة عبد الله بن جعفر ثم انتقل الى مذهب الموسوية وبدعته المنسوبة إليه قوله بان الله عزوجل لم يكن حيّا ولا قادرا ولا سميعا ولا بصيرا ولا عالما ولا مريدا حتى خلق لنفسه حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا فصار بعد أن خلق لنفسه هذه الصفات حيّا قادرا عالما مريدا سميعا بصيرا. وعلى منوال هذا الضال نسجت القدرية البصرية بحدوث الله وحدوث كلامه وعليه نسجت الكرامية قولها بحدوث قول الله وإرادته وإدراكاته

ذكر اليونسية منهم. هؤلاء اتباع يونس بن عبد الرحمن القمّى وكان فى الامامية على مذهب القطيعية الذين قطعوا بموت

٥٢

موسى بن جعفر وهو الّذي لقّب الواقفة فى موت موسى بالكلاب الممطورة وأفرط يونس هذا فى باب التشبيه فزعم ان الله عزوجل يحمله حملة عرشه وهو أقوى منهم كما ان الكرسىّ يحمله رجلاه وهو أقوى من رجليه واستدلّ على أنه محمول بقوله (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) وقال اصحابنا الآية دلالة على ان العرش هو المحمول دون الربّ تعالى

ذكر الشيطانية منهم. هؤلاء أتباع محمد بن النعمان الرافضىّ الملقب بشيطان الطاق الى ابنه موسى وقطع بموت موسى وانتظر بعض أسباطه وشارك هشام بن سالم الجواليقى فى دعواهما أن أفعال العباد أجسام وأن العبد يصحّ أن يفعل الجسم وشارك هشام بن الحكم وتكليفهم وزعم أيضا أن الله تعالى إنما يعلم الاشياء اذا قدّرها وأرادها ولا يكون قبل تقديره الاشياء عالما بها

قال عبد القاهر قد ذكرنا فى هذا الفصل فرق الرفض بين الزيدية والكيسانية والامامية. والكيسانية منهم اليوم مغمورون فى غمار أخلاط الزيدية والإمامية وبين الزيدية والامامية منهم معاداة تورث تضليل بعضهم بعضا وقال بعض شعراء الإمامية يهجى الزيدية

يا ايّها الزيدية المهملة

إمامكم ذا آفة مرسله

٥٣

يا ضماث الحق تبّا لكم

غصتم فاخرجتم لنا جندله

فاجابه شاعر الزيدية

إمامنا منتصب قائم

لا كالذى يطلب بالعربله

كل إمام لا يرى جهرة

ليس يساوى عندنا خردله

قال عبد القاهر قد أجبنا الفريقين عن شعرهما بقولنا

يا أيّها الرافضة المبطلة

دعواكم من أصلها مبطله

إمامكم ان غاب فى ظلمة

فاستدركوا الغائب بالمشعلة

أو كان مغمورا باغماركم

فاستخرجوا المغمور بالغربله

لكن إمام الحق فى قولنا

من سنة أو أيّة منزله

وفيهما للمهتدى مقنع

كفى بهذين لنا منزله

الفصل الثانى

(من فصول هذا الباب فى بيان مقالات فرق الخوارج)

قد ذكرنا قبل هذا أنّ الخوارج عشرون فرقة وهذه اسماؤها. المحكّمة الاولى. الأزارقة. والنجدات. والصّفرية. ثم العجاردة المفترقة فرقا منها الخازمية. والشعيبية. والمعلومية. والمجهولية.

٥٤

وأصحاب طاعة لا يراد الله تعالى بها والصلتية. والاخنسية. والشّيبية. والشّيبانية. والمعبدية. والرشيدية. والمكرمية. والخمرية. والشمراخية. والابراهيمية. والواقفة. والاباضية منهم افترقت فرقا معظمها فريقان حفصية وحادثية فأما اليزيدية من الأباضية والميمونية من العجاردة فانهما فرقتان من غلاة الكفرة الخارجين عن فرق الامة وسنذكرهما فى باب ذكر فرق الغلاة بعد هذا ان شاء الله عزوجل. وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها فذكر الكعبىّ فى مقالاته أن الّذي يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار عليّ وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضى بتحكيم الحكمين والإكفار بارتكاب الذنوب ووجوب الخروج على الإمام الجائر. وقال شيخنا أبو الحسن الّذي يجمعها إكفار عليّ وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضى بالتحكيم وصوّب الحكمين او أحدهما ووجوب الخروج على السلطان الجائر ولم يرض ما حكاه الكعبىّ من إجماعهم على تكفير مرتكبى الذنوب. الصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم وقد أخطأ الكعبىّ فى دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبى الذنوب منهم. وذلك ان النجدات من الخوارج لا يكفّرون أصحاب الحدود من موافقتهم وقد قال قوم من الخوارج ان

٥٥

التكفير انما يكون بالذنوب التى ليس فيها وعيد مخصوص فاما الّذي فيه حدّ او عيد فى القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الّذي ورد فيه مثل تسميته زانيا وسارقا ونحو ذلك. وقد قالت النجدات إن صاحب الكبيرة من موافقتهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين وفى هذا بيان خطإ الكعبىّ فى حكايته عن جميع الخوارج تكفير أصحاب الذنوب كلهم منهم ومن غيرهم. وانما الصواب فيما يجمع الخوارج كلها ما حكاه شيخنا الحسن رحمه‌الله من تكفيرهم عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن صوّبهما او صوّب احدهما أو رضى بالتحكيم ونذكر الآن تفصيل كل فرقة منهم إن شاء الله عزوجل

ذكر المحكّمة الأولى منهم ـ يقال للخوارج محكّمة وشراة واختلفوا فى اوّل من تشرّى منهم فقيل عروة بن حدير أخو مرادس الخارجىّ وقيل اولهم يزيد بن عاصم المحاربيّ وقيل رجل من ربيعة من بنى يشكر كان مع عليّ بصفّين فلما رأى اتفاق الفريقين على الحكمين استوى على فرسه وحمل على أصحاب معاوية وقتل منهم رجلا وحمل على أصحاب عليّ وقتل منهم رجلا ثم نادى بأعلى صوته. ألا إنى قد خلعت عليّا ومعاوية وبرئت من حكمهما ثم قاتل أصحاب عليّ حتى قتله قوم من همذان ثم إن

٥٦

الخوارج بعد رجوع عليّ من صفّين الى الكوفة انحازوا الى حرورا وهم يومئذ اثنا عشر ألفا ولذلك سميت الخوارج حرورية وزعيمهم يومئذ عبد الله بن كوّاء وشبت بن ربعى وخرج إليهم عليّ وناظرهم ووضحت حجته عليهم فاستأمن إليه ابن الكوّاء مع عشرة من الفرسان وانحاز الباقون منهم الى النهروان وأمّروا على أنفسهم رجلين. أحدهما عبد الله بن وهب الراسبىّ والآخر حرقوص بن زهير البجليّ العرنى المعروف بذى الثدية والتقوا فى طريقهم الى نهروان برجل رأوه يهرب منهم فأحاطوا به وقالوا له من أنت؟ قال أنا عبد الله بن حباب بن الأرتّ. فقالوا له حدّثنا حديثا سمعته عن أبيك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال (٢٣ ب) سمعت أبى يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشى والماشى خير من الساعى فمن استطاع ان يكون فيها مقتولا فلا يكوننّ قاتلا. فشدّ عليه رجل من الخوارج يقال له مسمع بن قدلى بسيفه فقتله فجرى دمه فوق ماء النهر كالشراك الى الجانب الآخر ثم إنهم دخلوا منزله وكان فى القرية التى قتلوه على بابها فقتلوا ولده وجاريته أم ولده ثم عسكروا بنهروان وانتهى خبرهم الى عليّ رضى الله عنه فسار إليهم فى أربعة ألف من أصحابه وبين

٥٧

يديه عدىّ بن حاتم الطائىّ وهو يقول

نسير اذا ما كاع قوم وبلّدوا

برايات صدق كالنسور الخوافق

الى شرّ قوم من شراة تحزّبوا

وعادوا إله الناس رب المشارق

طغاة عماة مارقين عن الهدى

وكلّ ينفى قوله غير صادق

وفينا عليّ ذو المعالى يقودنا

إليهم جهارا بالسيوف البوارق

فلما قرب عليّ منهم أرسل إليهم عليّ أن سلّموا قاتل عبد الله ابن حبّاب فأرسلوا إليه. إنّا كلنا قتله ولئن ظفرنا بك قتلناك فاتاهم عليّ فى جيشه وبرزوا إليه بجمعهم فقال لهم قبل القتال ما ذا نقمتم منى؟ فقالوا له أوّل ما نقمنا منك أنا قاتلنا بين يديك يوم الجمل فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا فى عسكرهم من المال ومنعتنا من سبى نسائهم وذراريهم (٢٤ ا) فكيف استحللت مالهم دون النساء والذرّية؟! فقال إنما أبحت لكم أموالهم بدلا عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومى عليهم. والنساء والذرية لم يقاتلونا وكان لهم حكم الاسلام بحكم دار الاسلام ولم يكن منهم ردّة عن الاسلام ولا يجوز استرقاق من لم يكفر. وبعد لو أبحت لكم النساء أيّكم يأخذ عائشة فى سهمه؟ فخجل القوم من هذا ثم قالوا له. نقمنا عليك محو إمرة امير المؤمنين على اسمك فى الكتاب بينك وبين معاوية لما نازعك معاوية فى ذلك

٥٨

فقال. فعلت مثل ما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية حين قال له سهيل بن عمرو. لو علمت انك رسول الله لما نازعتك ولكن اكتب باسمك واسم ابيك فكتب (هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو) وأخبرنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان لى منهم يوما مثل ذلك فكانت قصتى فى هذا مع الأبناء قصة رسول الله عليه‌السلام مع الآباء فقالوا له فلم قلت للحكمين إن كنت اهلا للخلافة فأثبتانى فإن كنت فى شكّ من خلافتك فغيرك بالشّك فيك اولى فقال إنما أردت بذلك النّصفة (١) لمعاوية ولو قلت للحكمين احكما لى بالخلافة لم يرض بذلك معاوية. وقد دعا رسول الله عليه‌السلام نصارى نجران الى المباهلة وقال لهم : تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين : فانصفهم بذلك عن نفسه (٢٤ ب) ولو قال. ابتهل فاجعل لعنة الله عليكم لم يرض النصارى بذلك. لذلك أنصفت انا معاوية من نفسى ولم أدر غدر عمرو بن العاص قالوا. فلم حكمت الحكمين فى حقّ كان لك فقال وجدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حكّم سعد بن معاذ فى بنى قريظة ولو شاء لم يفعل وأقمت انا أيضا حكما لكن حكم رسول الله عليه

__________________

(١) النصفة. اسم من الانصاف

٥٩

السلام حكم بالعدل وحكمى خدع حتى كان من الامر ما كان فهل عندكم شيء سوى هذا فسكت القوم وقال اكثرهم صدق والله وقالوا التوبة واستأمن إليه منهم يومئذ ثمانية الف وانفرد منهم أربعة آلاف بقتاله مع عبد الله بن وهب الراسبىّ وحرقوص بن زهير البجلي وقال عليّ للذين استأمنوا إليه. اعتزلونى فى هذا اليوم. وقاتل الخوارج بالذين قدموا معه من الكوفة وقال لاصحابه قاتلوهم فو الّذي نفسى بيده لا يقتل منا عشرة ولا ينجو عشرة منهم فقتل من أصحاب عليّ يومئذ تسعة وهم دويبية بن وبرة البجلي وسعد بن مجالد السبيعي وعبد الله بن حمّاد الجهيرى ورقانة بن وائل الارجى والفياض بن خليل الازدى وكبسوم بن سلمة الجهنى وعتبة بن عبيد الخولانى وجميع بن جشم الكندى وحبيب بن عاصم الأودى قتل هؤلاء التسعة تحت راية عليّ رضى الله عنه فحسب. وبرز حرقوص بن زهير الى عليّ وقال يا بن أبى طالب والله لا نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة وقال له عليّ بل مثلكم كما قال الله عزوجل (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (٢٥ ا) (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) منهم أنتم وربّ الكعبة ثم حمل عليهم فى أصحابه وقتل عبد الله بن وهب فى المبارزة وصرع ذو الثدية عن فرسه

٦٠