الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

العقل فقال له أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر فقال ما خلقت خلقا اكرم منك وبك اعطى وبك آخذ. وقالا ان المسيح تذرع جسدا وكان قبل التذرع عقلا. قال عبد القاهر قد شارك هذان الكافران الثنوية والمجوس فى دعوى خالقين. وقولهم شر من قولهم لان الثنوية والمجوس اضافوا اختراع جميع الخيرات الى الله تعالى وانما اضافوا فعل الشرور الى الظلمة والى الشيطان. واضاف ابن حائط وفضل الحدثى فعل الخيرات كلها الى عيسى بن مريم واضافا إليه محاسبة الخلق فى الآخرة. والعجب فى قولهما ان عيسى خلق جده آدم عليه‌السلام فيا عجبا من فرع يخلق اصله ومن عد هذين الضالين من فرق الاسلام كمن عد النصارى من فرق الاسلام

الفصل الرابع عشر

(من فصول هذا الباب)

في ذكر الحمارية من القدرية وبيان خروجهم عن فرق الأمة

هؤلاء قوم من معتزلة عسكر مكرم اختاروا من بدع اصناف القدرية ضلالات مخصوصة فاخذوا من ابن حائط قوله بتناسخ الأرواح في الاجساد والقوالب واخذوا من عباد بن

٢٦١

سليمان الضميري قوله بان الذين مسخهم الله قردة وخنازير كانوا بعد المسخ ناسا وكانوا معتقدين للكفر بعد المسخ واخذوا من جعد بن درهم الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري قوله بان النظر الذي يوجب المعرفة تكون تلك المعرفة فعلا لا فاعل لها. ثم زعموا بعد ذلك ان الخمر ليست من فعل الله تعالى وإنما هي من فعل الخمار لأن الله تعالى لا يفعل ما يكون سبب المعصية. وزعموا ان الانسان قد يخلق أنواعا من الحيوانات كاللحم اذا دفنه الانسان او يضعه في الشمس فيدوّد زعموا ان تلك الديدان من خلق الانسان وكذلك العقارب التي تظهر من التبن تحت الآجرّ زعموا انها من اختراع من جمع بين الآجرّ والتبن وهؤلاء (٥. ا ب) شرّ من المجوس الذين اضافوا اختراع الحيات والحشرات والسموم الى الشيطان. ومن عدهم من فرق الامة كمن عد المجوس من فرق الامة

٢٦٢

الفصل الخامس عشر

(من فصول هذا الباب)

في ذكر اليزيدية من الخوارج وبيان خروجهم عن فرق الاسلام

هؤلاء اتباع يزيد بن ابي أنيسة الخارجي وكان من البصرة ثم انتقل الى تون من ارض فارس وكان على رأي الاباضية من الخوارج ثم انه خرج عن قول جميع الامة لدعواه ان الله عزوجل يبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء وينسخ بشرعه شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وزعم ان اتباع ذلك النبي المنتظر هم الصابئون المذكورون فى القرآن فاما المسمون بالصابئة من اهل واسط وحرّان فما هم الصابئون المذكورون في القرآن. وكان مع هذه الضلالة يتولى من شهد لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنبوة من اهل الكتاب وان لم يدخل في دينه وسماهم بذلك مؤمنين وعلى هذا القول يجب ان يكون العيسوية والرعيانية من اليهود مؤمنين لانهم أقرّوا بنبوّة محمد عليه‌السلام ولم يدخلوا في دينه وليس بجائزان يعدّ في فرق الاسلام من يعد اليهود من المسلمين وكيف يعد من فرق الاسلام من يقول بنسخ شريعة الاسلام؟

٢٦٣

الفصل السادس عشر

(من هذا الباب)

فى ذكر الميمونية من الخوارج وبيان خروجهم

عن فرق الاسلام

هؤلاء اتباع رجل من الخوارج الشخرية كان اسمه ميمونا وكان على مذهب العجاردة من الخوارج ثم انه خالف العجاردة فى الإرادة والقدر والاستطاعة وقال في هذه الابواب الثلاثة بقول القدرية المعتزلة عن الحق. وزعم مع ذلك أن أطفال المشركين فى الجنّة ولو بقى ميمون هذا على هذه البدع التى حكيناها عنه ولم يزد عليها ضلالة سواها لنسبناه الى الخوارج لقوله بتكفير عليّ وطلحة والزبير وعائشة وعثمان. وقوله بتكفير أصحاب الذنوب والى القدرية لقوله فى باب الإرادة والقدر والاستطاعة بأقوال القدرية فيها (١٠٦ ا) ولكنه زاد على القدرية وعلى الخوارج بضلالة اشتقها من دين المجوس وذلك أنه أباح نكاح بنات الاولاد من الاجداد وبنات أولاد الاخوة والاخوات وقال انما ذكر الله تعالى فى تحريم النساء بالنسب الامهات والبنات والاخوات

٢٦٤

والعمّات والخالات وبنات الأخ وبنات الاخوات ولم يذكر بنات البنات ولا بنات البنين ولا بنات أولاد الاخوة ولا بنات أولاد الاخوات. فان طرد قياسه فى امهات الامهات وامهات الآباء والأجداد المخض فى المجوسيّة وان لم يجر نكاح الجدّات وقاس الجدات على الامهات لزمه قياس بنات الاولاد على بنات الصلب. وان لم يطرد قياسه فى هذا الباب نقض اعتلاله. وحكى الكرابيسى عن الميمونيّة من الخوارج أنهم انكروا أن تكون سورة يوسف من القرآن ومنكر بعض القرآن كمنكر كله. ومن استحلّ بعض ذوات المحارم فى حكم المجوس. ولا يكون المجوسى معدودا فى فرق الاسلام

الفصل السابع عشر

(من فصول هذا الباب)

فى ذكر الباطنيّة وبيان خروجهم عن جميع فرق الاسلام

اعلموا اسعدكم الله ان ضرر الباطنية على فرق المسلمين اعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم بل اعظم من مضرّة الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم بل اعظم من ضرر

٢٦٥

الدجّال الّذي يظهر في آخر الزمان. لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم الى يومنا اكثر من الذين يضلّون بالدجّال فى وقت ظهوره لان فتنة الدجّال لا تزيد مدتها على اربعين يوما. وفضائح الباطنية اكثر من عدد الرمل والقطر. وقد حكى أصحاب المقالات أن الذين أسسوا دعوة الباطنية جماعة. منهم ميمون بن ديصان المعروف بالقداح وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق وكان من الاهواز. ومنهم محمد بن الحسين الملقب بذيذان وميمون بن ديصان فى سجن والى العراق اسسوا فى ذلك السجن مذاهب الباطنية ثم ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن من جهة المعروف بذيذان وابتدأ بالدعوة من ناحية فدخل فى دينه جماعة من اكراد الجبل مع اهل الجبل المعروف بالبدين ثم رحل ميمون بن ديصان الى ناحية المغرب وانتسب فى تلك الناحية الى عقيل بن ابى طالب وزعم انه من نسله. فلما دخل فى دعوته قوم من غلاة الرفض والحلولية منهم (١٠٦ ب) ادعى انه من ولد محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق فقبل الاغبياء ذلك منه على أصحاب الانتساب بان محمد بن اسماعيل بن جعفر مات ولم يعقب ثم ظهر فى دعوته الى دين الباطنية رجل يقال له حمدان قرمط لقب بذلك لقرمطة فى خطه او فى خطوه وكان فى

٢٦٦

ابتداء أمره اكّارا من اكرة سواد الكوفة وإليه تنسب القرامطة ثم ظهر بعده فى الدعوة الى البدعة ابو سعيد الجنابي وكان من مستجيبة حمدان وتغلب على ناحية البحرين ودخل فى دعوته بنو سنير. ثم لما تمادت الايام بهم ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين ابن احمد بن عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح فغير اسم نفسه ونسبه. وقال لاتباعه أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن اسماعيل ابن جعفر الصادق. ثم ظهرت فتنته بالمغرب واولاده اليوم مستولون على أعمال مضر. وظهر منهم المعروف بابن كرويه بن مهرويه الدندانى وكان من تلامذة حمدان قرمط وظهر مأمون اخو حمدان قرمط بارض فارس. وقرامطة فارس يقال لهم المأمونية لاجل ذلك. ودخل أرض الديلم رجل من الباطنية يعرف بابى حاتم فاستجاب له جماعة من الديلم منهم أسفار بن شرويه. وظهر بنيسابور داعية لهم يعرف بالشعرانىّ فقتل بها فى ولاية أبى بكر بن محتاج عليها. وكان الشعرانى قد دعا الحسين بن على المرورودي قام بدعوته بعده محمد بن احمد النسفى داعية أهل ما وراء النهر وابو يعقوب السجزلى المعروف ببندانه وصنف النسفى لهم كتاب المحصول وصنف لهم ابو يعقوب كتاب أساس الدعوة وكتاب تأويل الشرائع وكتاب كشف الاسرار وقتل النسفى والمعروف ببندانه

٢٦٧

على ضلالتهما. وذكر أصحاب التواريخ ان دعوة الباطنية ظهرت أولا فى زمان المأمون وانتشرت فى زمان المعتصم. وذكروا انه دخل فى دعوتهم الافشين صاحب جيش المعتصم وكان مراهنا لبابك الخرمى وكان الخرمى مستعصيا بناحية البدين وكان أهل جبله خرمية على طريقة المزدكية فصارت الخرمية مع الباطنية يدا واحدة. واجتمع مع بابك من أهل البدين وممن انضم إليهم من الديلم مقدار ثلاثمائة الف رجل. وأخرج الخليفة لقتالهم الافشين فظنه ناصحا للمسلمين وكان فى سره مع بابك وتوانى (١٠٧ ا) فى القتال معه ودله على عورات عساكر المسلمين وقتل الكثير منهم. ثم لحقت الأمداد بالافشين ولحق به محمد بن يوسف الثغرى وابو دلف القسم بن عيسى العجلى ولحق به بعد ذلك قواد عبد الله ابن طاهر واشتدت شوكة البابكية والقرامطة على عسكر المسلمين حتى بنوا لانفسهم البلدة المعروفة ببيرزند خوفا من بيان البابكية ودامت الحرب بين الفريقين سنين كثيرة الى ان أظفر الله المسلمين بالبابكية فأسر بابك وصلب بسرّ من رأى (١) سنة ثلاث وعشرين ومائتين ثم اخذ أخوه اسحاق وصلب ببغداد مع المازيار صاحب المحمرة بطبرستان وجرجان. ولما قتل بابك ظهر للخليفة غدر

__________________

(١) موضع

٢٦٨

الافشين وخيانته للمسلمين فى حروبه مع بابك فامر بقتله وصلبه فصلب لذلك. وذكر اصحاب التواريخ ان الذين وضعوا اساس دين الباطنيّة كانوا من أولاد المجوس وكانوا مائلين الى دين اسلافهم ولم يجسروا على إظهاره خوفا من سيوف المسلمين فوضع الأغمار منهم أساسا من قبلها منهم صار فى الباطن الى تفصيل اديان المجوس وتأوّلوا آيات القرآن وسنن النبي عليه‌السلام على موافقة اساسهم. وبيان ذلك ان الثنوية زعمت ان النور والظلمة صانعان قديمان والنور منهما فاعل الخيرات والمنافع. والظلام فاعل الشرور والمضار. وان الاجسام ممتزجة من النور والظلمة وكل واحد منهما مشتمل على اربع طبائع وهى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. والاصلان الاولان مع الطبائع الاربع مدبرات هذا العالم. وشاركهم المجوس في اعتقاد صانعين غير أنهم زعموا ان أحد الصانعين قديم وهو الاله الفاعل للخيرات والآخر شيطان محدث فاعل للشرور. وذكر زعماء الباطنية فى كتبهم ان الاله خلق النفس فالاله هو الاول والنفس هو الثانى وهما مدبرا هذا العالم. وسموهما الاول والثانى وربما سموهما العقل والنفس. ثم قالوا انهما يدبران هذا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الاول. وقولهم ان الاول والثانى يدبران العالم هو بعينه قول المجوس باضافة الحوادث لصانعين احدهما

٢٦٩

قديم والآخر محدث الا أن الباطنية عبّرت عن الصانعين بالاول والثانى (١٠٧ ب) وعبّر المجوس عنهما بيزدان وأهرمن فهذا هو الّذي يدور في قلوب الباطنيّة ووضعوا اساسا يؤدى إليه ولم يمكنهم إظهار عبادة الثيران فاحتالوا بأن قالوا للمسلمين ينبغي ان تجمّر المساجد كلها وأن تكون في كل مسجد مجمرة يوضع عليها الند والعود فى كل حال. وكانت البرامكة قد زينوا للرشيد أن يتخذ فى جوف الكعبة مجمرة يتبخّر عليها العود أبدا فعلم الرشيد أنهم أرادوا من ذلك عبادة النار فى الكعبة وأن تصير الكعبة بيت نار فكان ذلك أحد أسباب قبض الرشيد على البرامكة. ثم ان الباطنية لما تأوّلت اصول الدين على الشرك احتالت أيضا لتأويل أحكام الشريعة على وجوه تؤدى الى رفع الشريعة أو الى مثل أحكام المجوس. والّذي يدل على ان هذا مرادهم بتأويل الشريعة أنهم قد أباحوا لاتباعهم نكاح البنات والاخوات وأباحوا شرب الخمر وجميع اللذات. ويؤكد ذلك ان الغلام الّذي ظهر منهم بالبحر بن والاحساء بعد سليمان بن الحسين القرمطى سنّ لأتباعه اللواط وأوجب قتل الغلام الّذي يمتنع على من يريد الفجور به وأمر بقطع يد من اطفأ نارا بيده وبقطع لسان من اطفأها بنفخة. وهذا الغلام هو المعروف بابن أبى زكريا الطامى وكان ظهوره فى سنة تسع

٢٧٠

عشرة وثلاثمائة. وطالت فتنته الى أن سلّط الله تعالى عليه من ذبحه على فراشه ويؤكد ما قلناه من ميل الباطنيّة الى دين المجوس أنّا لا نجد على ظهر الارض مجوسيا إلا وهو موادّ لهم منتظر لظهورهم على الديار يظنون أن الملك يعود إليهم بذلك. وربما استدل أغمارهم على ذلك بما يرويه المجوس عن زرادشت أنه قال لكتتاسب ان الملك يزول عن الفرس الى الروم واليونانية ثم يعود الى الفرس ثم يزول عن الفرس الى العرب ثم يعود الى الفرس. وساعده جاماسب المنجم على ذلك. وزعم ان الملك يعود الى العجم لتمام الف وخمسمائة سنة من وقت ظهور زرادشت. وكان فى الباطنية رجل يعرف بأبى عبد الله العردىّ يدّعى علم النجوم ويتعصّب للمجوس وصنّف كتابا وذكر فيه ان القرن الثامن عشر من مولد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠٨ ا) يوافق الألف العاشر وهو نوبة المشترى والقوس. وقال عند ذلك يخرج انسان يعيد الدولة المجوسية ويستولى على الارض كلها. وزعم انه يملك مدة سبع قرانات. وقالوا قد تحقق حكم زرادشت وجاماسب فى زوال ملك العجم الى الروم واليونانية فى ايام الاسكندر ثم عاد الى العجم بعد ثلاثمائة سنة ثم زال بعد ذلك ملك العجم الى العرب وسيعود الى العجم لتمام المدة التى ذكرها جاماسب. وقد وافق الوقت الّذي ذكروه ايام المكتفى والمقتدر

٢٧١

وأخلف موعودهم وما رجع الملك فيه الى المجوس. وكانت القرامطة قبل هذا الميقات يتواعدون فيما بينهم ظهور المنتظر فى القرآن السابع فى المثلثة النارية. وخرج منهم سليمان بن الحسين من الاحياء على هذه الدعوى وتعرض للحجيج وأسرف فى القتل منهم ثم دخل مكة وقتل من كان فى الطواف وأغار على استار الكعبة وطرح القتلى فى بئر زمزم وكسر عساكر كثيرة من عساكر المسلمين وانهزم فى بعض حروبه الى هجر فكتب للمسلمين قصيدة يقول فيها

أغرّكم منى رجوعى الى هجر

عما قليل سوف يأتيكم الخبر

اذا طلع المرّيخ في أرض بابل

وقارنه النجمات فالحذر الحذر

ألست أنا المذكور فى الكتب كلها

ألست أنا المبعوث فى سورة الزمر

سأملك أهل الأرض شرفا ومغربا

الى قيروان الروم والترك والخزر

وأراد بالنجمين زحل والمشترى. وقد وجد هذا القران فى منى ظهوره ولم يملك من الارض شيئا غير بلدته التى خرج منها

٢٧٢

وطمع فى ان يملك سبع قرانات وما ملك سبع سنين بل قتل بهيت رمته امرأة من سطحها بلبنة على رأسه فدمغته وقتيل. النساء أخس قتيل واهون فقيد. وفى آخر سنة ألف ومائتين واربعين للاسكندر تمّ من تاريخ زرادشت ألف وخمسمائة سنة وما عاد فيها ملك الارض الى المجوس بل اتسع بعدها نطاق الاسلام فى الأرض وفتح الله تعالى للمسلمين بعدها بلاد بلاساغون وارض التبت واكثر نواحى الصين ثم فتح لهم بعدها جميع ارض الهند من لمفات الى قنوح وصارت أرض الهند الى سيترسيقا بحرها من رقعة الاسلام فى أيام امين الدولة أمين الملة (١٠٨ ب) محمود بن سبكتكين رحمه‌الله. وفى هذا رغم انوف الباطنية والمجوس الجاماسبية الذين حكموا بعود الملك إليهم فذاقوا وبال أمرهم وكان عاقبة امانيهم بوارا لهم بحمد الله ومنّه. ثم ان الباطنية خرج منهم عبيد الله بن الحسن بناحية القيروان وخدع قوما من كتامه وقوما من المصامدة وشرذمة من أغنام بربر بحيل ونير نجات أظهرها لهم كروية الخيالات بالليل من خلف الرداء والازار وظن الاغمار أنها معجزة له فتبعوه لا جلها على بدعته فاستولى بهم على بلاد المغرب ثم خرج المعروف منهم بابى سعيد الحسين بن بهرام على أهل الأحساء والقطيف والبحرين فأتى باتباعه على اعدائه وسبى نساءهم

٢٧٣

وذراريهم واحرق المصاحف والمساجد ثم استولى على هجر وقتل رجالها واستعبد ذراريهم ونساءهم. ثم ظهر المعروف منهم بالصناديقى باليمن وقتل الكثير من اهلها حتى قتل الاطفال والنساء وانضم إليه المعروف منهم بابن الفضل فى اتباعه ثم ان الله تعالى سلط عليهما وعلى اتباعهما الاكلة والطاعون فماتوا بهما. ثم خرج بالشام حفيد لميمون بن ديصان يقال له ابو القاسم بن مهرويه وقالا لمن تبعهما هذا وقت ملكنا. وكان ذلك سنة تسع وثمانين ومائتين فقصدهم سبك صاحب المعتضد فقتلوا سبكا فى الحرب ودخلوا مدينة الرصافة واحرقوا مسجدها الجامع وقصدوا بعد ذلك دمشق فاستقبلهم الحمامى غلام بن طيون وهزمهم الى الرقة فخرج إليهم محمد بن سليمان كاتب المكتفى فى جند من اجناد المكتفى فهزمهم وقتل منهم الالوف فانهزم الحسن بن زكريا بن مهرويه الى الرملة فقبض عليه والى الرملة فبعث به وبجماعة من اتباعه الى المكتفى فقتلهم ببغداد فى الشارع باشدّ عذاب. ثم انقطعت بقتلهم شوكة القرامطة الى سنة عشر وثلاثمائة. وظهر بعدها فتنة سليمان بن الحسن فى سنة احدى عشرة وثلاثمائة فانه كبس فيها البصرة وقتل اميرها سبكا المقلجى ونقل اموال البصرة الى البحرين. وفى سنة اثنتى عشرة وثلاثمائة وقع على الحجيج فى المتهيبر لعشر بقين من المحرّم

٢٧٤

وقتل اكثر الحجيج وسبى الحرم والذرارى. ثم دخل الكوفة فى سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة فقتل الناس وانتهب الاموال (١٠٩ ا) وفى سنة خمس عشرة وثلاثمائة حارب ابن أبى الساج وأسره وهزم أصحابه وفى سنة سبع عشرة وثلاثمائة دخل مكة وقتل من وجده فى الطواف. وقيل انه قتل بها ثلاثة آلاف وأخرج منها سبعمائة بكر واقتلع الحجر الاسود وحمله الى البحرين ثم ردفها الى الكوفة ورد بعد ذلك من الكوفة إلى مكة على يد أبى إسحاق إبراهيم بن محمد ابن يحيى مزكي نيسابور فى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وقصد سليمان ابن الحسن بغداد فى سنة ثماني عشرة وثلاثمائة فلما ورد هيت رمته امرأة من سطحها بلبنة فقتلته وانقطعت بعد ذلك شوكة القرامطة وصاروا بعد قتل سليمان بن الحسن مبدرقين للحجيج من الكوفة والبصرة الى مكة فحضاة. ومال مضمون لهم إلى ان غلبهم الأصغر العقيلى على بعض ديارهم. وكانت ولاية مصر واعمالها للاخشادية وانضم بعضهم الى ابن عبيد الله الباطنى الّذي كان قد استولى على قيروان ودخلوا مصر فى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وابتنوا بها مدينة سموها القاهرة يسكنها اهل بدعته. واهل مصر ثابتون على السنة الى يومنا وان اطاعوا صاحب القاهرة فى اداء خراجهم إليه. وكان ابو شجاع فناخسرو بن بويه قد تأهب لقصد مصر وانتزاعها

٢٧٥

من ايدي الباطنية وكتب على اعلامه بالسواد : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين الطائع لله أمير المؤمنين ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين : وقال قصيدة أولها

أما ترى الاقدار لى طوائعا

قواضيا لى بالعيان كالخبر

ويشهد الانام لى بأنى

ذاك الّذي يرجّى وذاك المنتظر

لنصرة الاسلام والداعي الى

خليفة الله الإمام المفتخر

فلما خرج مضاربه للخروج الى مصر غامضه الاجل فمضى لسبيله فلما قضى (١٠٩ ب) فناخسرو نحبه طمع زعيم مصر فى ملوك نواحى الشرق فكاتبهم يدعوهم الى البيعة له فاجاب قابوس بن وشمكين عن كتابه بقوله. انى لا اذكرك الا على المستراح. وأجابه ناصر الدولة ابو الحسن محمد بن إبراهيم بن سيمجور بان كتب على ظهر كتابه إليه (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (الكافرون ١ و ٢) الى آخر السورة واجابه نوح بن منصور والى خراسان بقتل دعاته الى بدعته. ودخل فى دعوته بعض ولاة الجرجانية من ارض خوارزم فكان دخوله فى دينه شؤما عليه فى ذهاب ملكه وقتله اصحابه. ثم استولى يمين الدولة وامين الملة محمود بن سبكتكين على ارضهم وقتل من كان بها من دعاة الباطنية. وكان ابو على بن سيمجور قد وافقهم فى السر فذاق وبال امره

٢٧٦

في ذلك وقبض عليه والى خراسان نوح بن منصور وبعث به الى سبكتكين فقتل بناحية غزنه وكان ابو القسم الحسن بن عليّ الملقّب بدالشمند داعية ابى على بن سيمجور الى مذهب الباطنية وظفر به بكقوزن صاحب جيش السامانية بنيسابور فقتله ودفن فى مكان لا يعرف وكان اميرك الطوسى والي ناحية ثارويه قد دخل فى دعوة الباطنية فأسر وحمل الى غزنه وقتل بها فى الليلة التى قتل فيها ابو على بن سيمجور. وكان اهل مولتان من ارض الهند داخلين فى دعوة الباطنية فقصدهم محمود رحمه‌الله فى عسكره وقتل منهم الالوف وقطع ايدى ألف منهم. وباد بذلك نصراء الباطنية من تلك الباطنية ومن هذا بيان شؤم الباطنية على منتحليها فليعتبر بذلك المعتبرون. وقد اختلف المتكلمون فى بيان اغراض الباطنية فى دعوتها الى بدعتها فذهب اكثرهم الى ان غرض الباطنية الدعوة الى دين المجوس بالتأويلات التى يتأولون عليها القرآن والسنّة واستدلوا على ذلك بان زعيمهم الاول ميمون بن ديصان كان مجوسيا من سبى الاهواز. ودعا ابنه عبد الله بن ميمون الناس الى دين ابيه واستدلوا أيضا بان داعيهم المعروف بالبزدهي قال فى كتابه المعروف بالمحصول ان المبدع (١١٠ ا) الأول أبدع النفس. ثم إن الأول والثانى مدبرا العالم بتدبير الكواكب

٢٧٧

السبعة والطبائع الأربع وهذا فى التحقيق معنى قول المجوس ان اليزدان خلق اهرمن وانه مع اهرمن مدبران للعالم غير ان اليزدان فاعل الخيرات واهرمن فاعل الشرور. ومنهم من نسب الباطنية الى الصائبين الذين هم بحران واستدل على ذلك بان حمدان قرمط داعية الباطنية بعد ميمون بن ديصان كان من الصابئة الحرانية. واستدل أيضا بان صابئة حران يكتمون اديانهم ولا يظهرونها إلا لمن كان منهم. والباطنية أيضا لا يظهرون دينهم الا لمن كان منهم بعد احلافهم اياه على ان لا يذكر اسرارهم لغيرهم. قال عبد القاهر الذي يصح عندي من دين الباطنية انهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلها الى استباحة كل ما يميل إليه الطبع. والدليل على انهم كما ذكرناه ما قرأته في كتابهم المترجم بالسياسة والبلاغ الاكيد والناموس الاعظم وهي رسالة عبيد الله بن الحسن القيرواني الى سليمان بن الحسن بن سعيد الجناني اوصاه فيها بان قال له : ادع الناس بان تتقرب إليهم بما يميلون إليه وأوهم كل واحد منهم بانك منهم فمن آنست منه رشدا فاكشف له الغطاء واذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به فعلى الفلاسفة معولنا وانّا وإياهم مجمعون على ان نواميس الأنبياء وعلى القول بقدم العالم لو ما ما يخالفنا فيه بعضهم

٢٧٨

من ان للعالم مدبرا لا يعرفه : وذكر فى هذا الكتاب إبطال القول بالمعاد والعقاب وذكر فيها ان الجنة نعيم الدنيا وان العذاب انما هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد. وقال أيضا فى هذه الرسالة. إن اهل الشرائع يعبدون إلها لا يعرفونه ولا يحصلون منه إلا على اسم بلا جسم : وقال فيها أيضا اكرم الدهرية فانهم منا ونحن منهم. وفى هذا تحقيق نسبة الباطنية الى الدهرية. والذي يؤكد هذا ان المجوس (١١٠ ب) يدعون نبوّة زرادشت ونزول الوحي عليه من الله تعالى والصائبين يدعون نبوّة هرمس وواليس ودور وتيوس وافلاطن وجماعة من الفلاسفة وسائر اصحاب الشرائع. كل صنف منهم مقرون بنزول الوحي من السماء على الذين اقروا بنبوتهم ويقولون ان ذلك الوحى شامل للامر والنهى والخبر عن عاقبة بعد الموت وعن ثواب وعقاب وجنة ونار يكون فيها الجزاء عن الاعمال السالفة. والباطنية يرفضون المعجزات وينكرون نزول الملائكة من السماء بالوحى والامر والنهى بل ينكرون ان يكون فى السماء ملك وانما يتأولون الملائكة على دعاتهم الى بدعتهم ويتأولون الشياطين على مخالفيهم والأبالسة على مخالفيهم. ويزعمون ان الأنبياء قوم أحبوا الزعامة فساسوا العامة بالنواميس والحيل طلبا للزعامة بدعوى النبوة

٢٧٩

والامامة. وكل واحد منهم صاحب دور مسبع اذا انقضى دوره سبعة تبعهم فى دور آخر واذا ذكروا النبي والوحى قالوا ان النبي هو الناطق والوحى اساسه الفاتق والى الفاتق تأويل نطق الناطق على ما تراه يميل إليه هواه فمن صار الى تأويله الباطن فهو من الملائكة البررة ومن عمل بالظاهر فهو من الشياطين الكفرة. ثم تأوّلوا لكل ركن من اركان الشريعة تأويلا يورث تضليلا فزعموا ان معنى الصلاة موالاة امامهم والحج زيارته وادمان خدمته. والمراد بالصوم الامساك عن افشاء سر الامام دون الامساك عن الطعام. والزنى عندهم افشاء سرّهم بغير عهد وميثاق. وزعموا ان من عرف معنى العبادة سقط عنه فرضها وتأولوا فى ذلك قوله (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر ٩٩) وحملوا اليقين على معرفة التأويل. وقد قال القيروانى فى رسالته الى سليمان بن الحسن : انى اوصيك بتشكيك الناس فى القرآن والتوراة والزبور والإنجيل وبدعوتهم الى ابطال الشرائع والى ابطال المعاد والنشور من القبور وابطال الملائكة فى السماء وابطال الجن فى الارض واوصيك (١١١ ا) بان تدعوهم الى القول بانه قد كان قبل آدم بشر كثير فان ذلك عون لك على القول بقدم العالم. وفى هذا تحقيق دعوانا على الباطنية انهم دهريه يقولون بقدم العالم ويجحدون الصانع. ويدل على

٢٨٠