الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

الباب الثالث

(من أبواب هذا الكتاب)

فى بيان تفصيل مقالات فرق الاهواء وبيان فضائح كل فرقة منها على التفصيل ـ هذا باب يشتمل على فصول ثمانية وهذه ترجمتها :

فصل فى بيان مقالات فرق الرّفض

فصل فى بيان مقالات فرق الخوارج

فصل فى بيان مقالات فرق الاعتزال والقدر

فصل فى بيان مقالات الضرارية والبكرية والجهمية (٨ ب و ٩ ا)

فصل فى بيان مقالات الكرامية

فصل فى بيان مقالات المشبّهة الداخلة فى غمار الفرق التى ذكرناها وسنذكر فى كل فصل منها مقتضاه على شرطه ان شاء الله عزوجل

٢١

الفصل الأوّل

(من فصول هذا الباب فى بيان مقالات فرق الرفض)

قد ذكرنا قبل هذا ان الزيديّة منهم ثلاث فرق والكيسانية منهم فرقتان والامامية منهم خمس عشرة فرقة ونبدأ بذكر الزيدية ثم الامامية ثم الكيسانية على الترتيب ان شاء الله عزوجل

ذكر الجارودية من الزيدية. أو لا اتباع المعروف بأبى الجارود وقد زعموا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص على إمامة عليّ بالوصف دون الاسم وزعموا أيضا ان الصحابة كفروا بتركهم بيعة عليّ وقالوا أيضا ان الحسن بن عليّ كان هو الامام بعد عليّ ثم أخوه الحسين كان إماما بعد الحسن وافترقت الجارودية فى هذا الترتيب فرقتين فرقة قالت إنّ عليّا نصّ على إمامة ابنه الحسن ثم نصّ الحسن على إمامة أخيه الحسين بعده ثم صارت الامامة بعد الحسن والحسين شورى في ولدي الحسن والحسين فمن خرج منهم شاهرا سيفه داعيا الى دينه وكان عالما ورعا فهو الإمام وزعمت الفرقة الثانية منهم ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الّذي نصّ على إمامة الحسن بعد عليّ وإمامة الحسين بعد

٢٢

الحسن ثم افترقت الجارودية بعد هذا في الامام المنتظر فرقا منهم من لم يعيّن واحدا بالانتظار وقال كل من شهر سيفه ودعا الى دينه من ولدى الحسن والحسين فهو الامام ومنهم من ينتظر محمد بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبى طالب (٩ ا و ٩ ب) ولا يصدّق بقتله ولا بموته ويزعم انه هو المهدىّ المنتظر الّذي يخرج فيملك الارض. وقول هؤلاء فيه كقول المحمدية من الإمامية في انتظارها محمد بن عبد الله بن الحسن بن عليّ ومنهم من ينتظر محمد بن القاسم صاحب الطالقان ولا يصدق بموته ومنهم من ينتظر محمد بن عمر الّذي خرج بالكوفة ولا يصدق بقتله ولا بموته فهذا قول الجارودية وتكفيرهم واجب لتكفيرهم اصحاب رسول الله عليه‌السلام

ذكر السليمانية او الجريرية منهم. هؤلاء اتباع سليمان بن جرير الزيدي الذي قال ان الإمامة شورى وانها تنعقد بعقد رجلين من خيار الامة وأجاز إمامة المفضول واثبت إمامة ابى بكر وعمر وزعم أنّ الامة تركت الاصلح في البيعة لهما لان عليا كان اولى بالإمامة منهما الا أن الخطأ في بيعتهما لم يوجب كفرا ولا فسقا وكفّر سليمان بن جرير بالاحداث التي نقمها الناقمون منه وأهل السنة يكفّرون سليمان بن جرير من اجل

٢٣

أنه كفّر عثمان رضى الله عنه

ذكر البترية منهم. هؤلاء اتباع رجلين أحدهما الحسن بن صالح بن حىّ والا خير كثير النوّاء الملقّب بالأبتر وقولهم كقول سليمان بن جرير في هذا الباب غير انهم توقفوا في عثمان ولم يقدموا على ذمّه ولا على مدحه. وهؤلاء احسن حالا عند أهل السنة من أصحاب سليمان بن جرير وقد اخرج مسلم بن الحجاج حديث الحسن بن صالح بن حىّ فى مسنده الصحيح ولم يخرج محمد بن اسماعيل البخارى حديثه فى الصحيح ولكنه قال فى كتاب التاريخ الكبير. الحسن بن صالح بن حىّ الكوفىّ سمع سمّاك بن حرب ومات سنة سبع وستين ومائة وهو من ثغور (١) همذان وكنيته ابو عبد الله (٩ ب و ١٠ ا)

قال عبد القاهر. هؤلاء البترية والسليمانية من الزيدية كلهم يكفّرون الجارودية من الزيدية لإقرار الجارودية على تكفير أبى بكر وعمر. والجارودية يكفّرون السليمانية والبترية لتركهما تكفير أبى بكر وعمر. وحكى شيخنا أبو الحسن الاشعرىّ فى مقالته عن قوم من الزيدية يقال لهم اليعقوبية اتباع رجل اسمه يعقوب أنهم كانوا يتولّون (٢) أبا بكر وعمرو لكنهم لا

__________________

(١) الاصل ثور

(٢) تولى فلان فلانا اتخذه وليا

٢٤

يتبرّءون ممن تبرأ منهما. قال عبد القاهر اجتمعت الفرق الثلاث الذين ذكرناهم من الزيدية على القول بأن أصحاب الكبائر من الامة يكونون مخلّدين فى النار فهم من هذا الوجه كالخوارج الذين أيأسوا أسراء المذنبين من رحمة الله تعالى ولا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون إنما قيل لهذه الفرق الثلاث واتباعها زيدية لقولهم بإمامة زيد بن عليّ بن الحسن بن على بن أبى طالب فى وقته وإمامة ابنه يحيى بن زيد بعد زيد. وكان زيد ابن عليّ قد بايعه على إمامته خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة وخرج بهم على والى العراق وهو يوسف بن عمر الثقفىّ عامل هشام بن عبد الملك على العراقيين فلما استمرّ القتال بينه وبين يوسف بن عمر الثقفىّ قالوا له انا ننصرك على أعدائك بعد ان تخبرنا برأيك في أبى بكر وعمر اللذين ظلما جدّك عليّ ابن أبى طالب فقال زيد إنى لا أقول فيهما إلّا خيرا وما سمعت أبى يقول فيهما الّا خيرا وانما خرجت على بنى امية الذين قاتلوا جدى الحسين وأغاروا على المدينة يوم الحرّة ثم رموا بيتا لله بحجر المنجنيق (١٠ ب) والنار ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم رفضتموني ومن يومئذ سمّوا رافضة وثبت معه نصر بن حريمة العنسى ومعاوية بن اسحاق بن يزيد بن حارثة في مقدار مائتى رجل

٢٥

وقاتلوا جند يوسف بن عمر الثقفىّ حتى قتلوا عن آخرهم وقتل زيد ثم نبش من قبره وصلب ثم أحرق بعد ذلك وهرب ابنه يحيى بن يزيد الى خراسان وخرج بناحية الجوزجانى على نصر بن بشّار والى خراسان فبعث نصر بن بشار إليه مسلم ابن احوز المازنىّ فى ثلاثة آلاف رجل فقتلوا يحيى بن زيد ومشهده بجوزجان معروف قال عبد القاهر. روافض الكوفة موصوفون بالغدر والبخل وقد سار المثل بهم فيهما حتى قيل أبخل من كوفىّ وأغدر من كوفىّ والمشهور من غدرهم ثلاثة اشياء. أحدها انهم بعد قتل عليّ رضى الله عنه بايعوا ابنه الحسن فلما توجه لقتال معاوية غدروا به فى ساباط المدائن فطعنه سنان الجعفى فى جنبه فصرعه عن فرسه وكان ذلك أحد اسباب مصالحته معاوية. والثانى انهم كاتبوا الحسين بن عليّ رضى الله عنه ودعوه الى الكوفة لينصروه على يزيد بن معاوية فاغترّ بهم وخرج إليهم فلما بلغ كربلاء غدروا به وصاروا مع عبيد الله بن زياد يدا واحدة عليه حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء. والثالث غدرهم يزيد بن عليّ بن الحسين بن على بن أبى طالب بعد ان خرجوا معه على يوسف بن عمر ثم نكتوا بيعته وأسلموه عند اشتداد القتال حتى قتل وكان من امره (١١ ا) ما كان

٢٦

ذكر الكيسانية من الرافضة ـ هؤلاء اتباع المختار بن ابى عبيد الثقفى الذي قام بثأر الحسين بن عليّ بن ابي طالب وقتل اكثر الذين قتلوا حسينا بكربلاء. وكان المختار ويقال له كيسان. وقيل انه أخذ مقالته عن مولى لعلى رضى الله عنه كان اسمه كيسان. وافترقت الكيسانية فرقا يجمعها شيئان أحدهما قولهم بإمامة محمد ابن الحنفية وإليه كان يدعو المختار بن ابى عبيد والثانى قولهم بجواز البدء على الله عزوجل ولهذه البدعة قال بتكفيرهم كل من لا يجيز البدء على الله سبحانه. واختلفت الكيسانية في سبب إمامة محمد ابن الحنفية فزعم بعضهم أنه كان إماما بعد أبيه عليّ بن ابى طالب رضى الله عنه واستدلّ على ذلك بان عليا دفع إليه الراية يوم الجمل وقال له (ابيك تحمد لا خير في الحرب اذا لم تزبك) (كذا) وقال آخرون منهم إن الامامة بعد عليّ كانت لابنه الحسن ثم للحسين بعد الحسن ثم صارت الى محمد بن الحنفية بعد اخيه الحسين بوصيّة اخيه الحسين إليه حين هرب من المدينة الى مكة حين طولب بالبيعة ليزيد بن معاوية ثم افترق الذين قالوا بإمامة محمد ابن الحنفية فزعم قوم منهم يقال لهم الكربية اصحاب ابى كرب الضرير ان محمد بن الحنفية حىّ لم يمت وانه فى جبل رضوى وعنده عين من الماء وعين من العسل يأخذ منهما رزقه وعن

٢٧

يمينه أسد وعن يساره نمر يحفظانه من أعدائه الى وقت خروجه وهو المهدىّ المنتظر وذهب الباقون من الكيسانية (١١ ب) الى الاقرار بموت محمد بن الحنفية واختلفوا في الامام بعده فمنهم من زعم أن الامامة بعده رجعت الى ابن اخيه عليّ بن الحسين زين العابدين. ومنهم من قال برجوعها بعده الى ابى هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية واختلف هؤلاء في الامام بعد ابى هاشم. فمنهم من نقلها الى أبى محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بوصيّة ابى هاشم إليه وهذا قول الروندية. ومنهم من زعم أن الامامة بعد ابى هاشم صارت الى بيان بن سمعان وزعموا أن روح الله تعالى كانت فى ابى هاشم ثم انتقلت منه الى بيان. ومنهم من زعم أن تلك الروح انتقلت من ابى هاشم الى عبد الله بن عمرو بن حرب وادعت هذه الفرقة إلهيّة عبد الله بن عمرو بن حرب والبيانية والحربية كلتاهما من فرق الغلاة نذكرهما فى الباب الّذي نذكر فيه فرق الغلاة ـ وكان كثير الشاعر على مذهب الكيسانية الذين ادعوا حياة محمد بن الحنفية ولم يصدّقوا بموته ولذا قال فى قصيدة له

ألا إنّ الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

عليّ والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

٢٨

فسبط سبط ايمان وبرّ

وسبط غيّبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها (١) اللواء

تغيّب لا يرى فيهم زمانا

برضوى عنده عسل وماء

(١٢ ا) قال عبد القاهر أجبناه عن أبياته هذه بقولنا

ولاة الحق أربعة ولكن

لثانى اثنين قد سبق العلاء

وفاروق الورى أضحى إماما

وذو النونين بعد له الولاء

عليّ بعدهم أضحى إماما

بترتيبي لهم نزل القضاء

ومبغض من ذكرناه لعين

وفى نار الجحيم له الجزاء

وأهل الرّفض قوم كالنصارى

حيارى ما لحيرتهم دواء

وقال كثيّر أيضا فى رفضه

برئت الى الإله من ابن أروى

ومن دين الخوارج أجمعينا

ومن عمر برئت ومن عتيق

غداة دعى أمير المؤمنينا

وقد أجبناه عن هذين البيتين

برئت من الإله ببغض قوم

بهم أحيا الإله المؤمنينا

وما ضرّ ابن أروى منك بغض

وبغض البرّ دين الكافرينا

ابو بكر به جذلى إمام

على زعم الروافض اجمعينا

وفاروق الورى عمر بحق

يقال له أمير المؤمنينا

__________________

(١) يقدمها. يسبقها

٢٩

ألا قل للوصىّ فدتك نفسى

أطلت بذلك الجبل المقاما

أضرّ بمعشر والوك منّا

وسمّوك الخليفة والإماما

وعادوا فيك اهل الأرض طرّا

مقامك عندهم ستين عاما

(١٢ ا و ١٢ ب) ثم قال فى هذه القصيدة

وما ذاق بن خولة طعم موت

ولا وارت له ارض عظاما

لقد أمسى بمجرى شعب رضوى

تراجعه الملائكة الكلاما

وإن له لرزقا من إمام

وأشربة يعلّ بها الطعاما

وقد أجبناه عن هذا الشعر بقولنا

لقد أفنيت عمرك بانتظار

لمن وارى التراب له عظاما

فليس بشعب رضواء إمام

تراجعه الملائكة الكلاما

ولا من عنده عسل وماء

وأشربة يعلّ بها الطعاما

وقد ذاق ابن خولة طعم موت

كما قد ذاق والده الحماما

ولو خلد امرؤ لعلوّ مجد

لعاش المصطفى ابدا وداما

وكان الشاعر المعروف بالسيّد الحميرى أيضا على مذهب الكيسانية الذين ينتظرون محمد بن الحنفية ويزعمون أنه محبوس بجبل رضوى الى أن يؤذن له بالخروج ولهذا قال فى شعر له

ولكن كلّ من فى الأرض فان

بذا حكم الّذي خلق الإماما

وكان اوّل من قام بدعوة الكيسانية الى إمامة محمد بن

٣٠

الحنفية المختار بن ابى عبيد الثقفىّ وكان السبب فى ذلك أن عبيد الله بن زياد لما فرغ من قتل مسلم بن عقيل وفرغ من قتل الحسين بن عليّ رضى الله عنه رفع إليه ان المختار بن أبى عبيد (١٢ ب) كان ممّن خرج مع مسلم بن عقيل ثم اختفى فأمر باحضاره فلما دخل عليه رماه بعمود كان فى يده فشتر عينه وحبسه فتشفّع إليه فى امره قوم فأخرجه من الحبس وقال له قد أجّلتك ثلاثة أيام فان خرجت فيها من الكوفة والّا ضربت عنقك فخرج المختار هاربا من الكوفة الى مكة وبايع عبد الله بن الزبير وبقى معه الى ان قاتل بن الزبير جند يزيد بن معاوية الذين كانوا تحت راية الحصين بن نمير السكوتىّ واشتدّت نكاية المختار فى تلك الحروب على اهل الشام ثم مات يزيد بن معاوية ورجع جند الشام الى الشام واستقام لابن الزبير ولاية الحجاز واليمن والعراق وفارس ولقى المختار من ابن الزبير جفوة فهرب منه الى الكوفة وواليها يومئذ عبد الله بن يزيد الانصارىّ من قبل عبد الله بن الزبير فلما دخل الكوفة بعث رسله الى شيعة الكوفة ونواحيها الى المدائن ودعاهم الى البيعة له ووعدهم انه يخرج طالبا بثأر الحسين بن على رضى الله عنه ودعاهم الى محمد بن الحنفية وزعم ان ابن الحنفية قد استخلفه وأنه قد أمرهم بطاعته وعزل

٣١

ابن الزبير فى خلال ذلك عبد الله بن يزيد الانصارىّ عن الكوفة وولّاها عبد الله بن مطيع العدويّ واجتمع الى المختار من بايعه فى السرّ وكانوا زهاء سبعة عشر الف رجل ودخل فى بيعته عبيد الله بن الحرّ الّذي لم يكن فى زمانه اشجع منه وابراهيم بن ملك الأشتر ولم يكن فى شيعة الكوفة (١٣ ا) أجمل منه ولا أكثر منه تبعا فخرج به على والى الكوفة عبد الله بن مطيع وهو يومئذ فى عشرين الف ودامت الحرب بينهما اياما ووقعت الهزيمة فى آخرها على الزيدية واستولى المختار على الكوفة ونواحيها وقتل كلّ من كان بالكوفة من الذين قاتلوا الحسين بن عليّ بكربلاء ثم خطب الناس فقال فى خطبته ـ الحمد لله الّذي وعد وليّه النصر وعدوّه الخسر وجعلهما فيهما الى آخر الدهر قضاء مقضيا ووعدا مأتيّا يا أيها الناس قد سمعنا دعوة الداعي وقبلنا قول الداعي فكم من باغ وباغية وقتلى فى الواعية فهلمّوا عباد الله الى بيعة الهدى ومجاهدة العدى فانى انا المسلّط على المحلّين والطالب بثأر ابن بنت خاتم النبيين ـ ثم نزل عن منبره وانفذ بصاحب شرطته الى دار عمر بن سعد حتى أخذ رأسه ثم أخذ رأس ابنه جعفر بن عمر وهو ابن أخت المختار وقال ذاك برأس الحسين وهذا برأس ابن الحسين الكبير ثم بعث بابراهيم بن ملك

٣٢

الاشتر مع ستة آلاف رجل الى حرب عبيد الله بن زياد وهو يومئذ بالموصل فى ثمانين الف من جند الشام قد ولّاه عليهم عبد الملك بن مروان فلما التقى الجيشان على باب الموصل انهزم جند الشام وقتل منهم سبعون الف فى المعركة وقتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير السكوتى وانفذ ابراهيم بن الاشتر برءوسهم الى المختار فلما تمّت للمختار ولاية الكوفة والجزيرة والماهين الى حدود ارمينيّة تكهّن بعد ذلك وسجع كأسجاع (١٣ ب) الكهنة وحكى أيضا انه ادّعى نزول الوحى عليه فمن اسجاعه قوله ـ اما والذي أنزل القرآن. وبيّن الفرقان. وشرع الاديان. وكره العصيان. لأقتلنّ النعاة من أزد عمان. ومذحج وهمذان. ونهد وخولان. وبكر وهزّان. وثعل ونبهان. وعبس وذبيان. وقيس وعيلان. ثم قال وحقّ السميع العليم. العلىّ العظيم. العزيز الحكيم. الرحمن الرحيم. لأعركنّ عرك الاديم. أشراف بنى تهيم. ثم رفع خبر المختار الى ابن الحنفية وخاف من جهة الفتنة فى الدين فأراد قدوم العراق ليصير إليه الذين اعتقدوا إمامته وسمع المختار ذلك فخاف من قدومه العراق ذهاب رئاسته وولايته فقال لجنده انا على بيعة المهدى ولكن للمهدى علامة وهو أن يضرب بالسيف ضربة فان لم يقطع

٣٣

السيف جلده فهو المهدى وانتهى قوله هذا الى ابن الحنفية فأقام بمكة خوفا من ان يقتله المختار بالكوفة ثم ان المختار خدعته السبّابية الغلاة من الرافضة فقالوا له انت حجّة هذا الزمان وحملوه على دعوى النبوّة فادعاها عند خواصه وزعم أن الوحى ينزل عليه وسجع بعد ذلك فقال. أما وتمشّى السحاب. الشديد العقاب. السريع الحساب. الغزير الوهاب. القدير الغلّاب. لأنبشنّ قبر ابن شهاب. المفترى الكذاب. المجرم المرتاب. ثم وربّ العالمين. وربّ البلد الأمين. لأقتلنّ الشاعر المهين. وراجز المارقين. واولياء الكافرين. وأعوان الظالمين. وإخوان الشياطين. الذين اجتمعوا على الاباطيل. (١٤ ا) وتقوّلوا عليّ الاقاويل. الاخطوبى لذوى الاخلاق الحميدة. والافعال الشديدة. والآراء العتيدة. والنفوس السعيدة. ثم خطب بعد ذلك فقال فى خطبته الحمد لله الّذي جعلنى بصيرا ونوّر قلبى تنويرا والله لأحرقنّ بالمصر دورا. ولا نبشنّ بها قبورا. ولأشفينّ منها صدورا. وكفى بالله هاديا ونصيرا. ثم أقسم فقال بربّ الحرم. والبيت المحرّم. والركن المكرّم. والمسجد المعظّم. وحق ذى القلم. ليرفعنّ لى علم. من هنا الى أضم. ثم الى اكناف ذى سلم. ثم قال اما ورب السماء. لينزلنّ نار من السماء. فليحرقنّ دار أسماء. فأنهى هذا القول الى

٣٤

أسماء بن خارجة فقال قد سجع بى أبو إسحاق وانه سيحرق دارى وهرب من داره وبعث المختار الى داره من أحرقها بالليل وأظهر من عنده ان نارا من السماء نزلت فاحرقتها ثم إن اهل الكوفة خرجوا على المختار لما تكهّن واجتمعت السبّابية إليه مع عبيد اهل الكوفة لانه وعدهم أن يعطيهم اموال ساداتهم وقاتل بهم الخارجين عليه فظفر بهم وقتل منهم الكثير وأسر جماعة منهم وكان فى الأسراء رجل يقال له سراقة بن مرداس البارقىّ فقدم الى المختار وخاف البارقىّ أن يأمر بقتله فقال للذين أسروه وقدّموه الى المختار ما انتم أسرتمونا ولا انتم هزمتمونا بعدتكم وانما هزمنا الملائكة الذين رأيناهم على الخيل البلق فوق عسكركم فأعجب المختار قوله هذا فاطلق عنه فلحق بمصعب بن الزبير بالبصرة وكتب منها الى المختار هذه الابيات (١٤ ب)

ألا أبلغ أبا إسحاق أنى

رأيت البلق دهما مصمتات

أرى عينىّ ما لم تنظراه

كلانا عالم بالتّرّهات

كفرت بوحيكم وجعلت نذرا

عليّ قتالكم حتى الممات

وفى هذا الّذي ذكرناه بيان سبب كهانة المختار ودعواه الوحى إليه. واما سبب قوله بجواز البدء على الله عزوجل فهو أن ابراهيم بن الأشتر لما بلغه ان المختار تكهّن وادّعى نزول الوحى

٣٥

إليه قعد عن نصرته واستولى لنفسه على بلاد الجزيرة وعلم مصعب ابن الزبير ان ابراهيم بن الاشتر لا ينصر المختار فطمع عند ذلك فى قهر المختار ولحق به عبيد الله بن الحر الجعفى ومحمد بن الاشعث الكندىّ واكثر سادات الكوفة غيظا منهم على المختار لاستيلائه على اموالهم وعبيدهم واطمعوا مصعبا فى أخذ الكوفة قهرا فخرج مصعب من البصرة فى سبعة آلاف رجل من عنده سوى من انضمّ إليه من سادات الكوفة وجعل على مقدمته المهلّب بن ابى صفرة مع اتباعه من الأزد وجعل أعنّة الخليل الى عبيد الله بن معمر التيمى وجعل الأحنف بن قيس على خيل تميم فلما انتهى خبرهم الى المختار اخرج صاحبه احمد ابن شميط الى قتال مصعب فى ثلاثة آلاف رجل من نخبة عسكره وأخبرهم بان الظفر يكون لهم وزعم أنّ الوحى قد نزل عليه بذلك فالتقى الجيشان بالمدائن وانهزم اصحاب المختار وقتل اميرهم ابن شميط واكثر قوّاد المختار ورجع فلولهم الى المختار وقالوا له لم تعدنا بالنصر على عدونا فقال ان الله تعالى كان قد وعدنى ذلك لكنه بدا له واستدلّ على الله (١٥ ا) بقول الله عزوجل (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) فهذا كان سبب قول الكيسانية بالبدء

٣٦

ثم ان المختار باشر قتال مصعب بن الزبير بنفسه بالمذار من ناحية الكوفة وقتل فى تلك الواقعة محمد بن الأشعث الكندى. قال المختار. طابت نفسي بقتله ان لم يكن قد بقى من قتلة الحسين غيره ولا أبالي بالموت بعد هذا ثم وقعت الهزيمة على المختار واصحابه فانهزموا الى دار الامامة بالكوفة وتحصّن فيها مع أربعمائة من اتباعه وحاصرهم مصعب فيها ثلاثة أيام حتى فنى طعامهم ثم خرجوا إليه فى اليوم الرابع مستقتلين فقتلوا وقتل المختار معهم قتله أخوان يقال لهما طارف وطريف ابنا عبد الله بن دجاجة من بنى حنيفة وقال أعشى همدان فى ذلك

لقد نبئت والأنباء تنمي

بما لاقى الكوارث بالمذار

وما إن سرنى اهلاك قومي

وان كانوا وحقك فى خسار

ولكنى سررت بما يلاقى

أبو إسحاق من خزى وعار

فهذا بيان سبب قول الكيسانية بجواز البدء على الله عزوجل واختلفت الكيسانية الذين انتظروا محمد بن الحنفية وزعموا انه حىّ محبوس بجبل رضوى الى ان يؤذن له بالخروج واختلفوا فى سبب حبسه هنالك بزعمهم. فمنهم من قال لله فى امره سرّ لا يعلمه إلا هو ولا يعرف سبب حبسه. ومنهم من قال إنّ الله تعالى عاقبه بالحبس لخروجه بعد قتل الحسين بن عليّ الى يزيد

٣٧

ابن معاوية وطلبه الأمان منه وأخذه عطاه ثم لخروجه فى وجه ابن الزبير من مكة الى عبد الملك بن مروان هاربا من ابن (١٥ ب) الزبير وزعموا ان صاحبه عامر بن واثلة الكنانىّ سار بين يديه وقال فى ذلك المسير لأتباعه. يا إخوانى يا شيعتى لا تبعدوا. ووازروا المهدىّ كيما تهتدوا. محمد الخيرات يا محمد انت الإمام الطاهر المسدّد. لا ابن الزبير السامرىّ الملحد. ولا الّذي نحن إليه نقصد. وقالوا انه كان يجب عليه ان يقاتل ابن الزبير ولا يهرب فعصى ربه بتركه قتاله وعصاه بقصده عبد الملك بن مروان وكان قد عصاه قبل ذلك بقصده يزيد بن معاوية ثم إنه رجع من طريقه الى ابن مروان الى الطائف ومات بها ابن عباس ودفنه ابن الحنفية بالطائف ثم سار منها الى الذر فلما بلغ شعب رضوى اختلفوا فيه فزعم المقرّون بموته انه مات فيه وزعم المنتظرون له أن الله حبسه هنالك (١) وغيّبه عن عيون الناس عقوبة له على الذنوب التى أضافوها إليه الى ان يؤذن له بالخروج وهو المهدىّ المنتظر

ذكر الامامية من الرافضة. هؤلاء الامامية المخالفة للزيدية والكيسانية والغلاة خمس عشرة فرقة. كاملية. ومحمدية. وباقرية.

__________________

(١) الاصل هالك

٣٨

وناووسية. وشميطية. وعمارية. واسماعيلية. ومباركية. وموسوية. وقطيعية. واثنى عشرية. وهشامية. وزرارية. ويونسية. وشيطانية ذكر الكاملية منهم : ـ هؤلاء أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبى كامل وكان يزعم ان الصحابة كفروا بتركهم بيعة على وكفر عليّ بتركه قتالهم وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال اصحاب صفّين وكان بشار بن برد الشاعر الأعمى على هذا المذهب وروى انه قيل له ما تقول فى الصحابة قال كفروا فقيل له فما تقول فى عليّ فتمثّل بقول الشاعر

وما شرّ الثلاثة أمّ عمر

بصاحبك الّذي لا تصحبينا

وحكى أصحاب المقالات عن بشّار أنه ضمّ الى ضلالته فى تكفير الصحابة وتكفير عليّ معهم ضلالتين أخريين إحداهما قوله يرجع برجعة الاموات الى الدنيا قبل يوم القيامة كما ذهب إليه اصحاب الرجعة من الرافضة. والثانية قوله بتصويب إبليس فى تفضيل النار على الارض واستدلوا على ذلك بقول بشّار فى شعر له

الأرض مظلمة والنار مشرقة

والنار معبودة مذ كانت النار

وقد ردّ عليه صفوان الأنصارى فى قصيدته التى قال فيها

زعمت بأن النار اكرم عنصرا

وفى الأرض تحيا في الحجارة والزند

٣٩

ويخلق فى أرحامها وارومها

أعاجيب لا تحصى بخطّ ولا عقد

وفي القعر من لجّ البحار منافع

من اللؤلؤ المكنون والعنبر الورد

ولا بدّ من أرض لكل مطيّر

وكل سبوح فى العمائر ذى خدّ

كذاك وما ينساخ في الارض ماشيا

على بطنه يمشى المجانب للقصد

وفى فلك الاجبال فوق مقطم

زبرجد املاك الورى ساعة الحشد

وفى الحرّة (١) معادن

لهنّ مغارات يتحبس بالنقد

من الذهب الإبريز والفضّة التى

تروق وتغنى ذا القناعة والزهد

وكل فلذ من نحاس وآنك (٢)

ومن زئبق حىّ ونوشادر سندى

وفيها روانيخ وشب ومرتب

ومزمر قشّا غير كاب ولا مكدى

__________________

(١) هنا بياض بالاصل

(٢) الآنك. الرصاص

٤٠