الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

المرتدين الذين ارتدوا باسقاط الزكاة فى عهد الصحابة كانوا يرون وجوب الصلاة الى الكعبة وانما ارتدوا باسقاط وجوب الزكاة وهم المرتدون من بنى كنده وتميم. فاما المرتدون من بنى حنيفة وبنى اسد فانهم كفروا من وجهين. احدهما اسقاط وجوب الزكاة والثانى دعواهم نبوة مسيلمة وطليحة واسقط بنو حنيفة وجوب صلاة الصبح وصلاة المغرب فازدادوا كفرا على كفر. والصحيح عندنا ان اسم ملة الاسلام واقع على كل من أقر بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه وانه عادل حكيم مع نفى التشبيه والتعطيل عنه وأقرّ مع ذلك بنبوة جميع انبيائه وبصحة نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسالته الى الكافة وبتأييد شريعته وبأن كل ما جاء به حق وبأن القرآن منبع احكام شريعته وبوجوب الصلوات الخمس الى الكعبة وبوجوب الزكاة وصوم رمضان وحج البيت على الجملة. فكل من أقرّ بذلك فهو داخل في اهل ملة الاسلام وينظر فيه بعد ذلك (٩٣ ا) فان لم يخلط ايمانه ببدعة شنعاء تؤدى الى الكفر فهو الموحّد السّني. وان ضمّ الى ذلك بدعة شنعاء نظر فان كان على بدعة الباطنية أو البيانية أو المغيرية أو المنصورية أو الجناحية أو السبابية أو الخطابية من الرافضة. أو كان على دين الحلولية أو على دين أصحاب التناسخ أو على دين الميمونية أو

٢٢١

اليزيدية من الخوارج أو على دين الحائطية أو الحمارية من القدرية. أو كان ممن يحرّم شيئا مما نصّ القرآن على إباحته باسمه. أو أباح ما حرّم القرآن باسمه فليس هو من جملة امة الاسلام. وان كانت بدعته من جنس بدع الرافضة الزيدية أو الرافضة الامامية أو من جنس بدع اكثر الخوارج أو من جنس بدع المعتزلة أو من جنس بدع النجارية أو الجهمية أو الضرارية أو المجسمة من الامة كان من جملة امة الاسلام في بعض الاحكام وهو ان يدفن في مقابر المسلمين ويدفع إليه سهمه من الغنيمة إن غزا مع المسلمين ولا يمنع من دخول مساجد المسلمين ومن الصلاة فيها ويخرج في بعض الاحكام عن حكم امة الاسلام. وذلك أنه لا تجوز الصلاة عليه ولا الصلاة خلفه ولا تحل ذبيحته ولا تحل المرأة منهم للسنى (١) ولا يصح نكاح السنية من احد منهم. والفرق المنتسبة الى الاسلام في الظاهر مع خروجها عن جملة الامة عشرون فرقة هذه ترجمتها. سبابية وبيانية وحربية ومغيرية ومنصورية وجناحية وخطابية وغرابية ومفوّضية وحلولية واصحاب التناسخ وحائطية وحمادية ومقنعية ورزامية ويزيدية وميمونية

__________________

(١) كيف لا تحل المرأة منهم للسنى مع انهم يسمون مسلمين ومع ان المسلم السنى يصح ان يتزوج غير مسلمة ما دامت مؤمنة؟

٢٢٢

وباطنية وحلاجية وعذافرية. واصحاب إباحة. ربما انشعبت الفرقة الواحدة من هذه الفرق (٩٣ ب) اصنافا كثيرة نذكرها على التفصيل في فصول مهدية ان شاء الله عزوجل

الفصل الأوّل

(من فصول هذا الباب)

فى ذكر قول السبابية وبيان خروجها عن ملة الاسلام

السبابية اتباع عبد الله بن سبا الّذي غلا في على رضى الله عنه وزعم انه كان نبيا ثم غلا فيه حتى زعم انه إله ودعا الى ذلك قوما من غواة الكوفة ورفع خبرهم الى على رضى الله عنه فامر باحراق قوم منهم في حفرتين حتى قال بعض الشعراء في ذلك لترم بى الحوادث حيث شاءت إذا لم ترم بى في الحفرتين

ثم ان عليا رضى الله عنه خاف من احراق الباقين منهم شماتة أهل الشام وخاف اختلاف اصحابه عليه فنفى ابن سبا الى ساباط المدائن فلما قتل على رضى الله عنه زعم ابن سبا ان المقتول لم يكن عليا وإنما كان شيطانا تصور للناس في صورة على وان عليا صعد

٢٢٣

الى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم عليه‌السلام. وقال كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى كذلك كذبت النواصب والخوارج في دعواها قتل على وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى كذلك القائلون بقتل على رأوا قتيلا يشبه عليا فظنوا انه على. وعلى قد صعد الى السماء وانه سينزل الى الدنيا وينتقم من أعدائه. وزعم بعض السبابية أنّ عليا في السحاب وان الرعد صوته والبرق صوته ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال عليك السلام يا أمير المؤمنين وقد روى عن عامر بن شرجيل الشعبى ان ابن سبا قيل له ان عليا قد قتل فقال إن جئتمونا بدماغه في صرّة لم نصدق بموته لا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الارض بحذافيرها وهذه (٩٤ ا) الطائفة تزعم ان المهدي المنتظر إنما هو عليّ دون غيره وفي هذه الطائفة قال اسحاق بن سويد العدوى قصيدته بريء فيها من الخوارج والروافض والقدرية منها هذه الابيات

برئت من الخوارج لست منهم

من الغزّال منهم وابن باب

ومن قوم اذا ذكروا عليا

يردون السلام على السحاب

ولكنى أحبّ بكل قلبى

واعلم ان ذاك من الصواب

رسول الله والصديق حبا

به أرجو غدا حسن الثواب

٢٢٤

وقد ذكر الشعبى ان عبد الله بن السوداء كان يعين السبابية على قولها. وكان ابن السوداء في الاصل يهوديا من اهل الحيرة فاظهر الاسلام واراد ان يكون له عند اهل الكوفة سوق ورئاسة فذكر لهم انه وجد في التوراة ان لكل نبى وصيا وان عليّا وصيّ محمد وانه خير الأوصياء كما ان محمدا خير الأنبياء. فلما سمع ذلك منه شيعة عليّ قالوا لعلىّ انه من محبيك فرفع عليّ قدره واجلسه تحت درجة منبره. ثم بلغه عنه غلوه فيه فهم بقتله فنهاه ابن عباس عن ذلك وقال له ان قتلته اختلف عليك اصحابك وانت عازم على العود الى قتال اهل الشام وتحتاج الى مداراة اصحابك. فلما خشى من قتله ومن قتل ابن سبا الفتنة التى خافها ابن عباس نفاهما الى المدائن فافتتن بهما الرعاع بعد قتل على رضى الله عنه وقال لهم ابن السوداء والله لينبعنّ لعلى في مسجد الكوفة عينان تفيض إحداهما عسلا والاخرى سمنا ويغترف منهما شيعته. وقال المحققون من أهل السنة ان ابن السوداء كان على هوى دين اليهود واراد ان يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في على واولاده (٩٤ ب) لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى عليه‌السلام فانتسب الى الرافضة السبابية حين وجدهم أعرف أهل الاهواء في الكفر. ودلس ضلالته في تأويلاته قال عبد القاهر.

٢٢٥

كيف يكون من فرق الاسلام قوم يزعمون أنّ عليّا كان آلها او نبيّا؟ ولئن جاز ادخال هؤلاء فى جملة فرق الاسلام جاز ادخال الذين ادعوا نبوة مسيلمة الكذاب فى فرق الاسلام. قلنا للسبابية. ان كان مقتول عبد الرحمن بن ملجم شيطانا تصور للناس في صورة عليّ فلم لعنتم ابن ملجم. وهلّا مدحتموه. فإنّ قاتل الشيطان محمود على فعله غير مذموم به. وقلنا لهم كيف يصح دعواكم ان الرعد صوت عليّ والبرق صوته وقد كان صوت الرعد مسموعا والبرق محسوسا في زمن الفلاسفة قبل زمان الاسلام ولهذا ذكروا الرعد والبرق في كتبهم واختلفوا في علتهما؟ ويقال لابن السوداء ليس عليّ عندك وعند الذين تميل إليهم من اليهود اعظم رتبة من موسى وهارون ويوشع بن نون وقد صح موت هؤلاء الثلاثة ولم ينبع لهم من الارض عسل ولا سمن بحال نبوع الماء العذب من الحجر الصلد لموسى وقومه في التيه فما الّذي عصم عليا من الموت وقد مات ابنه الحسين واصحابه بكربلاء عطشا ولم ينبع لهم ماء فضلا عن عسل وسمن؟

٢٢٦

الفصل الثانى

(من فصول هذا الباب)

في ذكر البيانية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام

هؤلاء اتباع بيان بن سمعان التميمى وهم الذين زعموا ان الامامة صارت من محمد بن الحنفية الى ابنه ابى هاشم عبد الله ابن محمد ثم صارت من ابى هاشم الى بيان بن سمعان بوصيته إليه واختلف هؤلاء في بيان زعيمهم. فمنهم من زعم انه كان نبيا وانه نسخ بعض شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومنهم من زعم انه كان إلها. وذكر هؤلاء ان بيانا قال لهم ان روح الإله (٩٥ ا) تناسخت فى الأنبياء والائمة حتى صارت الى ابى هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية ثم انتقلت إليه منه يعنى نفسه فادعى لنفسه الربوبية على مذاهب الحلولية وزعم أيضا انه هو المذكور فى القرآن فى قوله (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران ١٣٩) وقال انا البيان وانا الهدى والموعظة. وكان يزعم أنه يعرف الاسم الاعظم وانه يهزم به العساكر وانه يدعو به الزهرة

٢٢٧

فتجيبه. ثم انه زعم ان الاله الازلى رجل من نور وانه يفنى كله غير وجهه وتأول على زعم قوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (القصص ٨٩) وقوله (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) (الرحمن ٢٦ و ٢٧) ورفع خبر بيان هذا الى خالد بن عبد الله القشرى فى زمان ولايته فى العراق فاحتال على بيان حتى ظفر به وصلبه وقال له ان كنت تهزم الجيوش بالاسم الّذي تعرفه فاهزم به اعوانى عنك. وهذه الفرقة خارجة عن جميع فرق الاسلام لدعواها الإلهية زعيمها بيان كما خرج عابدو الاصنام عن فرق الاسلام. ومن زعم منهم ان بيانا كان نبيا فهو كمن زعم ان مسيلمة كان نبيا وكلا الفريقين خارجان عن فرق الاسلام. ويقال للبيانية اذا جاز فناء بعض الاله فما المانع من فناء وجهه فاما قوله كل شيء هالك الا وجهه فمعناه راجع الى بطلان كل عمل لم يقصد به وجه الله عزوجل وقوله ويبقى معناه ويبقى ربك لانه قال بعده ذو الجلال والاكرام بالرفع على البدل من الوجه. ولو كان الوجه مضافا الى الرب لقال ذى الجلال بخفض ذى لان نعت المخفوض يكون مخفوضا وهذا واضح فى نفسه والحمد لله على ذلك

٢٢٨

الفصل الثالث

في ذكر المغيرية من الغلاة وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام

هؤلاء اتباع المغيرة بن سعيد العجلى وكان يظهر في بدء امره مولاة الامامية. ويزعم ان الامامة بعد على والحسن والحسين الى سبطه محمد بن عبد الله بن (٩٥ ب) الحسن بن الحسين بن الحسن بن على. وزعم انه هو المهدى المنتظر واستدل على ذلك بالخبر الّذي ذكر ان اسم المهدى يوافق اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسم ابيه يوافق اسم ابن النبي عليه‌السلام وقتلته الرافضة على دعوته اياهم الى انتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن ابن عليّ ثم انه أظهر لهم بعد رئاسته عليهم انواعا من الكفر الصريح. منها دعواه النبوة ودعواه علمه بالاسم الاعظم وزعم انه يحيى به الموتى ويهزم به الجيوش. ومنها افراطه فى التشبيه. وذلك انه زعم ان معبوده رجل من نور على رأسه تاج من نور وله اعضاء وقلب ينبع منه الحكمة. وزعم أيضا ان اعضاءه على صور حروف الهجاء وان الألف منها مثال قدميه والعين على صورة عينه وشبه الهاء بالفرج. ومنها انه تكلم في بدء الخلق فزعم ان الله تعالى

٢٢٩

لما اراد ان يخلق العالم تكلم باسمه الاعظم فطار ذلك الاسم ووقع تاجا على رأسه وتأول على ذلك قوله (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (سبح ١) وزعم ان الاسم الاعلى انما هو ذلك التاج ثم انه بعد وقوع التاج على رأسه كتب باصبعه على كفه اعمال عباده. ثم نظر فيها فغضب من معاصيهم فعرق فاجتمع من عرقه بحران احدهما مظلم مالح والآخر عذب نيّر. ثم اطلع فى البحر فابصر ظله فذهب ليأخذه فطار فانتزع عينى ظله فخلق منهما الشمس والقمر وافنى باقى ظله وقال لا ينبغى ان يكون معى إله غيرى. ثم خلق الخلق من البحرين فخلق الشيعة من البحر العذب النيّر فهم المؤمنون وخلق الكفرة وهم اعداء الشيعة من البحر المظلم المالح. وزعم أيضا ان الله تعالى خلق الناس قبل اجسادهم فكان اوّل ما خلق فيها ظل محمد قال فذلك قوله (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (الزخرف ٨١) قال ثم ارسل ظل محمد الى اظلال الناس ثم عرض على السماوات والجبال ان يمنعن على بن ابى طالب من ظالميه فأبين ذلك (٩٦ ا) فعرض ذلك على الناس فامر عمر أبا بكر ان يتحمل نصرة عليّ ومنعه من اعدائه وان يغدر به فى الدنيا وضمن له ان يعينه على القدرية على شرط ان يجعل له الخلافة بعده ففعل ابو بكر ذلك. قال فذلك

٢٣٠

تأويل قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب ٧٢) فزعم ان الظلوم والجهول ابو بكر وتأول فى عمر قول الله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) (الحشر ١٦) والشيطان عنده عمر وكان المغيرة مع ضلالاته التى حكيناها عنه يأمر أصحابه بانتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على وسمع خالد بن عبد الله القشرى يخبره وضلالاته فطلبه فلما قتل المغيرة بقى اتباعه على انتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن فلما اظهر محمد هذا دعوته بالمدينة بعث إليها ابو جعفر المنصور بصاحب جيشه عيسى بن موسى مع جيش كثيف فقتلوا محمدا بعد غلبته على مكة والمدينة. وكان اخوه إبراهيم بن عبد الله قد غلب على ارض المغرب. فاما محمد بن عبد الله بن الحسن فقتل بالمدينة فى الحرب واما ابراهيم بن عبد الله بن الحسن فانه غره يسير الرحال واتباعه من المعتزلة وضمنوا له النصرة على جند المنصور فلما التقى الجمعان بناحمرى وهي على ستة عشر فرسخا من الكوفة قتل إبراهيم وانهزمت المعتزلة عنه ولحقه شؤمهم وتولى قتالهم من اصحاب المنصور عيسى بن موسى وسلم ابن قتيبة. واما أخوه الرئيس فانه

٢٣١

مات بارض المغرب وقيل انه سم. وذكر بعض أصحاب التواريخ ان سليمان بن جرير الزيدى سمه ثم هرب الى العراق فلما قتل محمد ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن اختلف المغيرية فى المغيرة فهربت منه فرقة منهم ولعنوه وقالوا انه كذب فى دعواه ان محمد بن عبد الله بن الحسن هو المهدى الّذي يملك الارض لانه قتل ولم يملك الارض ولا عشرها. وفرقة ثبتت على موالاة المغيرة وقالت ان صدق فى ان محمد بن عبد الله بن (٩٦ ب) الحسن هو المهدى المنتظر وانه لم يقتل بل هو فى جبل من جبال حاجر مقيم الى ان يؤمر بالخروج فاذا خرج عقدت له البيعة بمكة بين الركن والمقام ويحيى له سبعة عشر رجلا يعطى كل رجل منهم حرفا واحدا من حروف الاسم الاعظم فيهزمون الجيوش ويملكون الارض. وزعم هؤلاء ان الّذي قتله جند المنصور بالمدينة انما كان شيطانا تمثل للناس بصورة محمد بن عبد الله بن الحسين ابن الحسن وهؤلاء يقال لهم المحمدية من الرافضة لانتظارهم محمد ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن. وكان جابر الجعفي على هذا المذهب وادعى وصية المغيرة بن سعيد إليه بذلك فلما مات جابر ادعى بكر الاعور الهجرى القتات وصية جابر إليه وزعم انه لا يموت واكل بذلك اموال المغيرية على وجه السخرية منهم فلما

٢٣٢

مات بكر علموا انه كان كاذبا في دعواه فلعنوه قال عبد القاهر كيف يعد في فرق الاسلام قوم شبهوا معبودهم بحروف الهجاء وادعوا نبوّة زعيمهم؟ لو كان هؤلاء من الامة لصح قول من يزعم ان القائلين بنبوة مسيلمة وطلحة كانوا من الامة. ويقال للمغيرية ان انكرتم قتل محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على وزعمتم ان المقتول كان شيطانا تصور فى صورته فبم تنفصلون ممن يزعم ان الحسين بن على واصحابه لم يقتلوا بكربلاء بل غابوا وقتل شياطين تصوروا بصورتهم فانتظروا حسينا فانه اعلى رتبة من ابن اخيه محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن او انتظروا عليا ولا تصدقوا بقتله كما انتظرته السبابية فان عليا اجل من بنيه وهذا ما لا انفصال لهم عنه

الفصل الرابع

(من هذا الباب)

فى ذكر الحربية وبيان خروجهم عن فرق الامة

هؤلاء اتباع عبد الله بن عمر بن حرب الكندى وكان على دين البيانية فى دعواها ان روح الاله تناسخت فى الأنبياء والائمة

٢٣٣

الى ان انتهت الى ابى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية (٩٧ ا) ثم زعمت الحربية ان تلك الروح انتقلت من عبد الله بن محمد بن الحنفية الى عبد الله بن عمرو بن حرب وادعت الحربية فى زعيمها عبد الله بن عمرو بن حرب مثل دعوى البيانية فى بيان بن سمعان وكلتا الفرقتين كافرة بربها وليست من فرق الاسلام كما ان سائر الحلولية خارجة عن فرق الاسلام

الفصل الخامس

(من هذا الباب)

فى ذكر المنصورية وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام

هؤلاء اتباع ابى منصور العجلى الّذي زعم ان الامامة دارت فى اولاد على حتى انتهت الى ابى جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على المعروف بالباقر وادعى هذا العجلى انه خليفة الباقر ثم الحد فى دعواه فزعم انه عرج به الى السماء وان الله تعالى مسح بيده على رأسه وقال له يا بنى بلغ عنى ثم انزله الى الارض وزعم انه الكسف الساقط من السماء المذكور فى قوله (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) (الطور ٤٤)

٢٣٤

وكفرت هذه الطائفة بالقيامة والجنة والنار وتأولوا الجنة على نعيم الدنيا والنار على محن الناس في الدنيا واستحلوا مع هذه الضلالة خنق مخالفيهم واستمرت فتنتهم على عادتهم الى ان وقف يوسف ابن عمر الثقفي واتى العراق في زمانه على عورات المنصورية فاخذ أبا منصور العجلي وصلبه وهذه الفرقة أيضا غير معدودة في فرق الاسلام لكفرها بالقيامة والجنة والنار

الفصل السّادس

(من هذا الباب)

فى ذكر الجناحية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام

هؤلاء اتباع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب وكان سبب اتباعهم له ان المغيرية الذين تبرّءوا من المغيرة بن سعيد بعد قتل محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على خرجوا من الكوفة الى المدينة يطلبون إماما فلقيهم عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر فدعاهم الى نفسه وزعم انه هو الامام بعد على واولاده من صلبه فبايعوه على إمامته ورجعوا الى الكوفة

٢٣٥

وحكوا لا تباعهم ان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر زعم انه رب وان روح الاله كانت فى آدم ثم في شيث ثم دارت (٩٧ ب) للناس بتلك الصورة وزعموا أيضا ان كل مؤمن يوحى إليه وتأولوا على ذلك قول الله تعالى (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (آل عمران ١٤٦) اى يوحى منه إليه واستدلوا أيضا بقوله (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) (المائدة ١١٤) وادعوا في انفسهم انهم هم الحواريون وذكروا قول الله تعالى (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) (النحل ٦٨) وقالوا اذا جاز الوحى الى النحل فالوحى إلينا اولى بالجواز. وزعموا أيضا ان فيهم من هو افضل من جبريل وميكائيل ومحمد. وزعموا أيضا انهم لا يموتون وان الواحد منهم اذا بلغ النهاية في دينه رفع الى الملكوت وزعموا انهم يرون المرفوعين منهم غدوة وعشية. والفرقة الثالثة منهم عجرية اتباع عمير بن بيان العجلى قالوا بتكذيب الذين قالوا منهم انهم لا يموتون وقالوا انا نموت ولكن لا يزال خلف منا في الارض ائمة انبياء وعبدوا جعفرا وسموه ربا. والفرقة الرابعة منهم مفضلية لانتسابهم الى رجل كان يقال له مفضل الصيرفىّ قالوا بإلهية جعفر دون نبوته وتبرّءوا من ابى الخطاب لبراءة جعفر منه. والفرقة الخامسة منهم خطابية مطلقة ثبتت على موالاة أبى الخطاب في

٢٣٦

دعاويه كلها وانكرت إمامة من بعده قال عبد القاهر ان الباضية والمنصورية والجناحية والخطابية قد اكفروا أبا بكر وعمر وعثمان واكثر الصحابة باخراجهم عليا من الامامة في عصرهم وهم قد أخرجوا الامامة عن اولاد على في اعصار زعمائهم. فيقال لهم اذا كان على في وقته اولى بالامامة من سائر الصحابة فهلا كان اولاده اولى بها من زعمائهم في اعصارهم. وليس العجب من هؤلاء الضالين وانما العجب من علوية قتلوا هؤلاء مع استبدادهم دونهم بالامامة

الفصل السابع

(من هذا الباب)

في ذكر الغرابية والمفوضة والذمية وبيان خروجهم عن فرق الامة

الغرابية قوم زعموا ان الله عزوجل (٩٨ ا) ارسل جبريل عليه‌السلام الى على فغلط فى طريقه فذهب الى محمد لانه كان يشبهه وقالوا كان اشبه به من الغراب بالغراب والذباب بالذباب. وزعموا ان عليا كان الرسول واولاده بعده هم الرسل وهذه الفرقة تقول لاتباعها العنوا صاحب الريش يعنون جبريل عليه‌السلام

٢٣٧

وكفر هذه الفرقة اكثر من كفر اليهود الذين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يأتيك بالوحى من الله تعالى. فقال جبريل فقالوا انّا لا نحب جبريل لانه ينزل بالعذاب وقالوا لو اتاك بالوحى ميخائيل الّذي لا ينزل الا بالرحمة لآمنا بك. فاليهود مع كفرهم بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومع عداوتهم لجبريل عليه‌السلام لا يلعنون جبريل وانما يزعمون انه من ملائكة العذاب دون الرحمة. والغرابية من الرافضة يلعنون جبريل ومحمدا عليهما‌السلام وقد قال الله تعالى (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (البقرة ٩٩) فى هذا تحقيق اسم الكافر لمبغض بعض الملائكة ولا يجوز ادخال من سماهم الله كافرين فى جملة فرق المسلمين. واما المفوضة من الرافضة فقوم زعموا ان الله تعالى خلق محمدا ثم فوض إليه تدبير العالم وتدبيره فهو الّذي خلق العالم دون الله تعالى ثم فوض محمد تدبير العالم الى على بن أبى طالب فهو المدبر الثالث. وهذه الفرقة شر من المجوس الذين زعموا ان الاله خلق الشيطان ثم ان الشيطان خلق الشرور. وشر من النصارى الذين سموا عيسى عليه‌السلام مدبرا ثانيا فمن عد مفوّضة الرافضة من فرق الاسلام فهو بمنزلة من عد المجوس والنصارى من فرق الاسلام. واما الذمية منهم فقوم زعموا ان عليّا

٢٣٨

هو الله وشتموا محمدا وزعموا ان عليا بعثه ليثنى عنه فادعى الامر لنفسه وهذه خارجة عن فرق الاسلام لكفرها بنبوة محمد من الله تعالى (٩٨ ب)

الفصل الثامن

(من هذا الباب)

في ذكر الشريعية والنميرية من الرافضة

الشريعية اتباع رجل كان يعرف بالشريعي وهو الّذي زعم ان الله تعالى حل في خمسة اشخاص وهم النبي وعلى وفاطمة والحسن والحسين. وزعموا ان هؤلاء الخمسة آلهة ولها اضداد خمسة واختلفوا في اضدادها فمنهم من زعم انها محمودة لانه لا يعرف فضل الاشخاص التى فيها الاله الا باضدادها. ومنهم من زعم ان الاضداد مذمومة وحكى عن الشريعى انه ادعى يوما ان الاله حل فيه. وكان بعده من اتباعه رجل يعرف بالنميرى حكى عنه انه ادعى في نفسه ان الله تعالى حل فيه فهذه ثمانى فرق من الروافض الغلاة خارجة عن جميع فرق الاسلام لاثباتهم الى غير الله. ومن اعجب الاشياء ان الخطابية زعمت ان جعفرا الصادق قد اودعهم

٢٣٩

جلدا فيه علم كل ما يحتاجون إليه من الغيب وسموا ذلك الجلد جعفرا. وزعموا انه لا يقرأ ما فيه الا من كان منهم وقد ذكر ذلك هارون بن سعد العجلي في شعره فقال

ألم تر ان الرافضين تفرقوا

فكلهم من جعفر قال منكرا

فطائفة قالوا إله ومنهم

طوائف سمته النبي المطهّرا

ومن عجب لم افضه جلد جعفر

برئت الى الرحمن ممن يجعفرا

برئت الى الرحمن من كل رافض

يصير بباب الكفر في الدين اعورا

اذا كف اهل الحق عن بدعة مضوا

عليها وان يمضوا الى الحق قصرا

ولو قيل ان الفيل ضب لصدقوا

ولو قيل زنجى تحول احمرا

واخلف من يوم البعير فانه

اذا هو للاقبال وجّه ادبرا

فقبح اقوام رموه بعزبة

كما قال فى عيسى القرا من تنصرا

٢٤٠