الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

في الدرك الاسفل من النار مخلدا فيها وانه مع ذلك مسلم مؤمن ثم انه طرد قوله في هذه البدعة فقال في عليّ وطلحة والزبير ان ذنوبهم كانت كفرا وشركا غير انهم كانوا مغفورا لهم. لما روى في الخبر ان الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ومن ضلالاته أيضا ما عاند فيه العقلاء فزعم أن الاطفال فى المهد لا يألمون وان قطعوا او حرقوا وأجاز ان يكونوا فى وقت الضرب والقطع والاحراق متلذذين مع ظهور البكاء والصياح منهم. ومنها انه أبدع فى الفقه تحريم اكل الثوم والبصل وأوجب الوضوء من قرقرة البطن ولا اعتبار عند أهل السنّة بخلاف اهل الاهواء فى الفقه

واما الضرارية. فهم اتباع ضرار بن عمرو الّذي وافق اصحابنا فى ان افعال العباد مخلوقة لله تعالى واكساب للعباد وفى ابطال القول بالتولد ووافق المعتزلة فى ان الاستطاعة قبل الفعل وزاد عليهم بقوله انها قبل الفعل ومع الفعل وبعد الفعل وانها بعض المستطيع ووافق النجار فى دعواهما ان الجسم اعراض (٨٦ ا) مجتمعة من لون وطعم ورائحة ونحوها من الاعراض التى لا يخلو الجسم منها وانفرد باشياء منكرة منها قوله بان الله تعالى يرى فى القيامة بحاسّة سادسة يرى بها المؤمنون ماهية الإله. وقال لله

٢٠١

تعالى ماهية لا يعرفها غيره يراها المؤمنون بحاسة سادسة. وتبعه على هذا القول حفص القرد وانه أنكر حرف ابن مسعود وحرف ابى بن كعب وشهد بأن الله تعالى لم ينزلهما فنسب هذين الامامين من الصحابة الى الضلالة فى مصحفيهما. ومنها أنه شك فى جميع عامة المسلمين وقال لا أدرى لعل سرائر العامة كلها شرك وكفر. ومنها قوله ان معنى قولنا ان الله تعالى عالم حي هو انه ليس بجاهل ولا ميت. وكذلك قياسه فى سائر اوصاف الله تعالى من غير إثبات معنى أو فائدة سوى نفى الوصف بنقيض تلك الأوصاف عنه

الفصل السابع

(من هذا الباب)

فى ذكر مقالات الكرامية وبيان أوصافها

الكرامية بخراسان ثلاثة أصناف حقائقية وطرائقية واسحاقية. وهذه الفرق الثلاث لا يكفر بعضها بعضا وان أكفرها سائر الفرق. فلهذا عددناها فرقة واحدة. وزعيمها المعروف محمد بن كرام كان مطرودا من سخستان الى غرجستان. وكان أتباعه فى وقته أوغاد شورين وافشين ووردوا مع نيسابور

٢٠٢

فى زمان ولاية محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وتبعه على بدعته من أهل سواد نيسابور شرذمة من حوكة القرى والدتهم. وضلالات أتباعه اليوم متنوعة أنواعا لا نعدها أرباعا ولا اسباعا لكنا نزيد على الآلاف آلافا ونذكر منها المشهور الّذي هو بالقبح مذكور فمنها ان ابن كرام دعا اتباعه الى تجسيم (٨٦ ب) معبوده. وزعم أنه جسم له حدّ ونهاية من تحته والجهة التى منها يلاقى عرشه. وهذا شبيه بقول الثنوية إن معبودهم الّذي سموه نورا يتناهى من الجهة التى يلاقى الكلام وان لم يتناه من خمس جهات. وقد وصف ابن كرام معبوده فى بعض كتبه بأنه جوهر كما زعمت النصارى ان الله تعالى جوهر. وذلك أنه قال فى خطبة كتابه المعروف بكتاب عذاب القبر «إن الله تعالى احدى الذات احدى الجواهر» وأتباعه اليوم لا يبوحون بإطلاق لفظ الجوهر على الله تعالى عند العامة خوفا من الشناعة عند الاشاعة. واطلاقهم عليه اسم الجسم اشنع من اسم الجوهر. وامتناعهم من تسميته جوهرا مع قولهم بأنه جسم كامتناع تسمية شيطان الطاق الرافض من تسميته الاله جسما مع قوله بأنه على صورة الانسان. وليس على الخذلان فى سوء الاختيار قياس وقد ذكر ابن كرام فى كتابه ان الله تعالى مماس لعرشه وان العرش مكان له وأبدل أصحابه

٢٠٣

لفظ المماسة بلفظ الملاقاة منه للعرش وقالوا. لا يصح وجود جسم بينه وبين العرش إلا بان يحيط العرش الى اسفل وهذا معنى المماسة التى امتنعوا من لفظها واختلف أصحابه فى معنى الاستواء المذكور فى قوله «الرحمن على العرش استوى» (طه ٥) فمنهم من زعم أن كل العرش مكان له وانه لو خلق بإزاء العرش عروشا موازية لعرشه لصارت العروش كلها مكانا له لانه أكبر منها كلها. وهذا القول يوجب عليهم ان يكون عرشه اليوم كبعضه فى عرضه. ومنهم من قال إنه لا يزيد على عرشه فى جهة المماسة (٨٧ ا) ولا يفضل منه شيء على العرش وهذا يقتضي ان يكون عرضه كعرض العرش. وكان من الكرامية بنيسابور رجل يعرف بابراهيم ابن مهاجر ينصر هذا القول ويناظر عليه. وزعم ابن كرام وأتباعه أن معبودهم محل للحوادث. وزعموا أن أقواله وارادته وإدراكاته للمرئيات وإدراكاته للمسموعات وملاقاته للصحيفة العليا من العالم أعراض حادثة فيه وهو محل لتلك الحوادث الحادثة فيه. وسموا قوله للشىء «كن» خلقا للمخلوق وإحداثا للمحدث واعلاما للذى يعدم بعد وجوده. ومنعوا من وصف الأعراض الحادثة فيه بأنها مخلوقة او مفعولة او محدثة. وزعموا أيضا أنه لا يحدث فى العالم جسم ولا عرض إلا بعد حدوث أعراض كثيرة فى ذات معبودهم

٢٠٤

منها إرادة لحدوث ذلك الحادث. ومنها قوله لذلك الحادث «كن» على الوجه الّذي علم حدوثه عليه. وذلك القول فى نفسه حروف كثيرة كل حرف منها عرض حادث فيه. ومنها رؤية تحدث فيه يرى بها ذلك الحادث ولو لم يحدث فيه الرؤية لم ير ذلك الحادث. ومنها استماعه لذلك الحادث ان كان مسموعا. وزعموا أيضا أنه لا يعدم من العالم شيء من الاعراض الا بعد حدوث أعراض كثيرة فى معبودهم. منها إرادة لعدمه. ومنها قوله لما يريد عدمه «كن معدوما» او «افن». وهذا القول فى نفسه حروف كل حرف منها عرض حادث فيه فصارت الحوادث الحادثة فى ذات الاله عندهم أضعاف أضعاف الحوادث من اجسام العالم وأعراضها. واختلفت الكرامية فى جواز العدم على تلك الحوادث الحادثة فى ذات الإله بزعمهم. فأجاز بعضهم (٨٧ ب) عدمها وأجاز عدمها أكثرهم واجمع الفريقان منهم على أن ذات الاله لا يخلو فى المستقبل عن حلول الحوادث فيه وان كان قد خلا منها فى الأزل. وهذا نظير قول اصحاب الهيولى إن الهيولى كانت فى الازل جوهرا خاليا من الاعراض ثم حدثت الاعراض فيها وهى لا تخلو منها فى المستقبل. واختلفت الكرامية فى جواز العدم على أجسام العالم فأحال ذلك اكثرهم وضاهوا بذلك من زعم من

٢٠٥

الدهرية والفلاسفة أن الفلك والكواكب طبيعة خامسة لا تقبل الفساد والفناء. وكان الناس يتعجبون من قول المعتزلة البصرية إن الله تعالى يقدر على افناء الاجسام كلها دفعة واحدة ولا يقدر على افناء بعضها مع بقاء بعض منها. وزال هذا التعجب بقول من زعم من الكرامية انه لا يقدر على إعدام جسم بحال. وأعجب من هذا كله أن ابن كرام وصف معبوده بالثقل وذلك انه قال فى كتاب عذاب القبر فى تفسير قول الله عزوجل (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (الانفطار ١) انها انفطرت من ثقل الرحمن عليها ثم إن ابن كرام واكثر أتباعه زعموا ان الله تعالى لم يزل موصوفا باسمائه المشتقة من افعاله عند أهل اللغة مع استحالة وجود الافعال فى الأزل. فزعموا أنه لم يزل خالفا رازقا منعما من غير وجود خلق ورزق ونعمة منه. وزعموا أنه لم يزل خالقا بخالقيّة فيه ورازقا برازقية فيه. وقالوا ان خالقيته قدرته على الخلق ورازقيته قدرته على الرزق. والقدرة قديمة والخلق والرزق حادثان فيه بقدرته. وقالوا بالخلق يصير المخلوق من العالم مخلوقا. وبذلك الرزق الحادث فيه يصير المرزوق مرزوقا. وأعجب من هذا فرقهم بين المتكلم والقائل وبين الكلام والقول. وذلك أنهم قالوا ان الله تعالى لم يزل متكلما قائلا ثم فرقوا بين الاسمين فى المعنى. فقالوا انه لم يزل متكلما

٢٠٦

بكلام هو قدرته على القول ولم يزل قائلا بقائلية لا يقول والقائلية قدرته (٨٨ ا) على القول وقوله حروف حادثة فيه. فقول الله تعالى عندهم حادث فيه. وكلامه قديم قال عبد القاهر ناظرت بعضهم فى هذه المسألة فقلت له اذا زعمت ان الكلام هو القدرة على القول والساكت عندك قادر على القول فى حال سكوته لزمك على هذا القول ان يكون الساكت متكلما فالتزم ذلك. ومن تدقيق الكرامية فى هذا الباب قولهم انا نقول ان الله تعالى لم يزل خالقا رازقا على الاطلاق ولا نقول بالإضافة ان لم يزل خالقا للمخلوقين ورازقا للمرزوقين وانما نذكر هذه الاضافة عند وجود المخلوقين والمرزوقين. وقالوا على هذا القياس ان الله تعالى لم يزل معبودا ولم يكن فى الازل معبود العابدين وانما صار معبود العابدين عند وجود العابدين ووجود عبادتهم له. ثم ان ابن كرام ذكر فى كتابه المعروف بعذاب القبر بابا له ترجمة عجيبة فقال «باب فى كيفوفية الله عزوجل» ولا يدري العاقل مما ذا يتعجب أعن جسارته على اطلاق لفظ الكيفية فى صفات الله تعالى أم من قبح عبارته عن الكيفية بالكيفوفية؟ وله من جنس هذه العبارة أشكال منها قوله فى باب الرد على أصحاب الحديث فى الايمان. فان قالوا صحوفيتهم الايمان قول وعمل قيل لهم كذا وكذا وقد عبر عن مكان معبوده فى بعض كتبه بالحيثوثية

٢٠٧

وهذه العبارات السخيفة لائقة بمذهبه السخيف. ثم انه مع أصحابه تكلموا فى مقدورات الله تعالى فزعموا أنه لا يقدر الا على الحوادث التي تحدث فى ذاته من ارادته وأقواله وادراكاته وملاقاته لما يلاقيه. فاما المخلوقات من أجسام العالم وأعراضها فليس شيء منها مقدورا لله تعالى ولم يكن الله تعالى قادرا على شيء منها مع كونها مخلوقة. وانما خلق كل مخلوق من العالم بقوله «كن» لا بقدرته. وهذه بدعة لم يسبقوا إليها لان الناس قبلهم اختلفوا فى مقدورات الله تعالى على مذاهب أهل السنّة والجماعة كل مخلوق كان مقدورا لله تعالى قبل حدوثه وهو محدث جميع (٨٨ ب) الحوادث بقدرته. وزعم معمر أن الاجسام كلها كانت مقدورة له قبل أن خلقها وليست الاعراض مخلوقة له ولا مقدورة له. وقال اكثر المعتزلة ان الاجسام والالوان والطعوم والروائح وسائر أجناس الاعراض كانت مقدورة لله تعالى وانما امتنعوا من وصفه بالقدرة على مقدورت غيره. وقالت الجهمية الحوادث كلها مقدورة لله تعالى ولا قادر ولا فاعل غيره. وما قال أحد قبل الكرامية باختصاص قدرة الا له بحوادث تحدث فى ذاته بزعمهم. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. ثم انهم تكلموا فى باب التعديل والتحوير بعجائب. منها قولهم يجب ان يكون اوّل شيء خلقه

٢٠٨

الله تعالى جسما حيا يصح منه الاعتبار. وزعموا أنه لو بدأ بخلق الجمادات لم يكن حكيما وزادوا فى هذه البدعة على القدرية فى قولها. لا بد من أن يكون فى الخلق من يصح منه الاعتبار. وليس بواجب أن يكون اوّل الخلق حيا يصح منه الاعتبار وقد ردوا ببدعتهم هذه الاخبار الصحيحة. فى أن أوّل شيء خلقه تعالى اللوح والقلم ثم أجرى القلم على اللوح بما هو كائن الى يوم القيامة. وقالوا لو خلق الله تعالى الخلق وكان فى معلومه انه لا يؤمن به احد منهم لكان خلقه إياهم عبثا. وانما حسن منه خلق جميعهم لعلمه بأيمان بعضهم. وقال أهل السنة. لو خلق الكفرة دون المؤمنين او خلق المؤمنين دون الكفرة جاز ولم يقدح ذلك فى حكمته. وزعمت الكرامية أنه لا يجوز فى حكمة الله تعالى احترام الطفل الّذي يعلم أنه إن ابقاه الى زمان بلوغه آمن ولا احترام الكافر الّذي لو أبقاه الى مدة آمن. إلّا ان يكون فى احترامه إياه قبل وقت ايمانه صلاح لغيره. ويلزمهم على هذا القول ان يكون الله تعالى إنما احترم إبراهيم بن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل بلوغه لانه علم انه لو أبقاه لم يؤمن وفى هذا قدح منهم فى كل من مات من ذرارى الأنبياء طفلا. ومن جهالاتهم فى باب النبوة والرسالة قولهم بان النبوة والرسالة صفتان حالتان فى النبي (٨٩ ا)

٢٠٩

والرسول سوى الوحى إليه وسوى معجزاته وسوى عصمته عن المعصية. وزعموا أن من فعل فيه تلك الصفة وجب على الله تعالى إرساله وفرقوا بين الرسول والمرسل بان الرسول من قامت به تلك الصفة والمرسل هو المأمور باداء الرسالة. ثم انهم خاضوا فى باب عصمة الأنبياء عليهم‌السلام فقالوا. كلّ ذنب اسقط العدالة أو أوجب حدا منهم معصومون منه وغير معصومين مما دون ذلك. وقال بعضهم لا يجوز الخطأ عليهم فى التبليغ وأجاز ذلك بعضهم. وزعم أن النبي عليه‌السلام اخطأ فى تبليغ قوله (ومناة الثالثة الأخرى حتى قال بعده (تلك الغرانيق العلى شفاعتها ترتجى) (النجم ٢٠) وقال اهل السنة ان تلك الكلمة كانت من تلاوة الشيطان القاها فى خلال تلاوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد قال شيخنا ابو الحسن الأشعرىّ فى بعض كتبه إن الأنبياء بعد النبوة معصومون من الكبائر والصغائر. وزعمت الكرامية أيضا أنّ النبىّ اذا ظهرت دعوته فمن سمعها منه او بلّغه خبره لزمه تصديقه والاقرار به من غير توقف على معرفة دليله وقد سرقوا هذه البدعة من أباضية الخوارج الذين قالوا ان قول النبي عليه‌السلام انا نبى فنفسه حجة لا يحتاج معها الى برهان. وزعمت الكرامية أيضا أن من لم تبلغه دعوة الرسل لزمه أن يعتقد موجبات العقول وأنّ يعتقد أنّ الله

٢١٠

تعالى أرسل رسلا الى خلقه وقد سبقهم اكثر القدرية إلى القول بوجوب اعتقاد موجبات العقول. ولم يقل احد قبلهم بوجوب اعتقاد وجود الرسل قبل ورود الخبر عنهم بوجودهم. وزعمت الكرامية أيضا. انّ الله تعالى لو اقتصر على رسول واحد من أول زمان التكليف الى القيامة وأدام شريعة الرسول الاول لم يكن حكيما. وقال أهل السنة لو فعل ذلك جاز لما قد جاز منه (٨٩ ب) لامة شريعة خاتم النبيين الى القيامة ثم ان ابن كرام خاض فى باب الامامة فأجاز كون امامين فى وقت واحد مع وقوع الجدال وتعاطى القتال. ومع الاختلاف فى الاحكام. واشار فى بعض كتبه الى أن عليّا ومعاوية كانا إمامين فى وقت واحد. ووجب على أتباع كل واحد منهما طاعة صاحبه وإن كان احدهما عادلا والآخر باغيا. وقال أتباعه إن عليا كان إماما على وفق السنة وكان معاوية إماما على خلاف السنة. وكانت طاعة كل واحد منهما واجبة على أتباعه. فيا عجبا من طاعة واجبة خلاف السنة. ثم إن الكرامية خاضوا فى باب الايمان. فزعموا انه إقرار فرد على الابتداء وان تكريره لا يكون ايمانا الا من المرتد اذا أقرّ به بقدرته. وزعموا أيضا انه هو الاقرار السابق في الذر الاوّل فى طلب النبي عليه‌السلام وهو قولهم بلى. وزعموا ان ذلك القول

٢١١

باق ابدا لا يدون الا بالردة. وزعموا أيضا ان المقر بالشهادتين مؤمن حقا وان اعتقد الكفر بالرسالة. وزعموا أيضا أن المنافقين الذين انزل الله تعالى فى تكفيرهم آيات كثيرة كانوا مؤمنين حقا وأن ايمانهم كان كايمان الأنبياء والملائكة. وقالوا فى اهل الاهواء من مخالفيهم ومخالفى أهل السنة أن عذابهم فى الآخرة غير مؤبد. واهل الاهواء يرون خلود الكرامية فى النار. ثم ان ابن كرام ابدع فى الفقه حماقات لم يسبق إليها. منها قوله فى صلاة المسافر ان يكفيه تكبيرتان من غير ركوع ولا سجود ولا قيام ولا قعود ولا تشهّد ولا سلام. ومنها قوله بصحبة الصلاة فى ثوب كله نجس وعلى ارض نجسة ومع نجاسة ظاهر البدن. وانما أوجب الطهارة عن الأحداث دون الانجاس. ومنها قوله بأن غسل الميت والصلاة عليه سنتان غير مفروضتين وإنما الواجب كفنه ودفنه. ومنها قوله بصحة الصلاة المفروضة والصوم المفروض والحج المفروض بلا نيّة. وزعم ان نية الاسلام فى الابتداء كافية عن نية (٩٠ ا) كل فريضة من فرائض الاسلام. وكان فى عصرنا شيخ للكرامية يعرف بإبراهيم بن مهاجر اخترع ضلالة لم يسبق إليها. فزعم ان اسماء الله عزوجل كلها اعراض فيه. وكذلك اسم كل مسمى عرض فيه. فزعم ان الله تعالى عرض حال فى جسم

٢١٢

قديم والرحمن عرض آخر والرحيم عرض ثالث والخالق عرض رابع. وكذلك كل اسم لله تعالى عرض غير الآخر فالله تعالى عنده غير الرحمن والرحمن غير الرحيم والخالق غير الرازق. وزعم أيضا ان الزانى عرض في الجسم الّذي يضاف إليه الزنى والسارق عرض في الّذي يضاف إليه السرقة وليس الجسم زانيا ولا سارقا فالمجلود والمقطوع عنده غير الزانى والسارق. وزعم أيضا أن الحركة والمتحرك عرضان في الجسم وكذلك السواد والاسود عرضان في الجسم وكذلك العلم والعالم والقدرة والقادر والحىّ والحياة كل ذلك أعراض غير الاجسام. فالعلم عنده لا يقوم بالعالم وانما يقوم بمحل العالم والحركة لا تقوم بالمتحرك وانما تقوم بمحل المتحرك. قال عبد القاهر ناظرت ابن مهاجر هذا في مجلس ناصر الدولة أبى الحسن محمد بن إبراهيم بن سيمجور صاحب جيش السامانية في سنة سبعين وثلاثمائة في هذه المسألة الزمته فيها ان يكون المحدود في الزنى غير الزانى والمقطوع في السرقة غير السارق فالتزم ذلك. فالزمته أن يكون معبوده عرضا لان المعبود عنده اسم. واسماء الله تعالى عنده أعراض حالة في جسم قديم. فقال. المعبود عرض في جسم القديم وأنا اعبد الجسم دون العرض فقلت له أنت اذن لا تعبد الله عزوجل لان الله تعالى عندك عرض. وقد زعمت

٢١٣

أنك تعبد الجسم دن العرض. وفضائح الكرامية على الاعداد كثيرة الامداد وفيما ذكرنا منها في هذا الفصل كفاية والله اعلم

الفصل الثامن

(فى بيان مذاهب المشبهة من أصناف شتى (٩٠ ب))

اعلموا أسعدكم الله ان المشبهة صنفان صنف شبهوا ذات البارى بذات غيره وصنف آخرون شبهوا صفاته بصفات غيره. وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على أصناف شتى. والمشبهة الذين ضلوا فى تشبيه ذاته بغيره أصناف مختلفة. وأول ظهور التشبيه صادر عن أصناف من الروافض الغلاة. فمنهم السبّابية الذين سموا عليا إلها وشبهوه بذات الاله. ولما احرق قوما منهم قالوا له الآن علمنا انك إله لان النار لا يعذب بها الّا الله. ومنهم البيانيّة اتباع بيان بن سمعان الّذي زعم أن معبوده انسان من ثور على صورة الانسان فى اعضائه وانه يفنى كله الا وجهه. ومنهم المغيرية اتباع المغيرة بن سعيد العجلى الّذي زعم ان معبوده ذو اعضاء وأن اعضاءه على صور حروف الهجاء. ومنهم المنصورية اتباع أبى منصور العجلى الّذي شبه نفسه بربه. وزعم أنه صعد

٢١٤

الى السماء. وزعم أيضا أن الله مسح يده على رأسه وقال له يا نبى بلّغ عنى. ومنهم الخطابية الذين قالوا بإلهية الائمة وبإلهية أبى الخطاب الاسدى. ومنهم الذين قالوا بإلهية عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر. ومنهم الحلولية الذين قالوا بحلول الله في أشخاص الائمة وعبدوا الائمة لاجل ذلك. ومنهم الحلولية الحكمانية المنسوبة الى أبى حكمان الدمشقى الّذي زعم أن الاله يحل في كل صورة حسنة وكان يسجد لكل صورة حسنة. ومنهم المقنعية المبيضة بما وراء نهر جيحون فى دعواهم ان المقنع كان إلها وانه مصوّر فى كل زمان بصورة مخصوصة. ومنهم العذاقرة الذين قالوا بإلهية ابن أبى العذاقر المقتول ببغداد. وهذه الاصناف الذين ذكرناهم فى هذا الفصل كلهم خارجون عن دين الاسلام وان انتسبوا (٩١ ا) فى الظاهر إليه وسنذكر تفصيل مقالة كل صنف منهم فى الباب الرابع من أبواب هذا الكتاب اذا انتهينا إليه ان شاء الله عزوجل. وبعد هذا فرق من المشبهة عدّهم المتكلمون فى فرق الملة لاقرارهم بلزوم أحكام القرآن واقرارهم بوجوب أركان شريعة الاسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج عليهم واقرارهم بتحريم المحرمات عليهم وان ضلوا وكفروا فى بعض الاصول العقلية. ومن هذا الصنف هشامية منتسبة الى هشام بن الحكم الرافضى

٢١٥

الّذي شبه معبوده بالانسان. وزعم لاجل ذلك أنه سبعة أشبار بشبر نفسه وأنه جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وذو لون وطعم ورائحة وقد روى عنه ان معبوده كسبيكة الفضة وكاللؤلؤة المستديرة. وروى عنه أنه أشار الى ان جبل ابى قبيس أعظم منه. وروى عنه انه زعم ان الشعاع من معبوده متصل بما يراه ومقالته فى هذا التشبيه على التفصيل الّذي ذكرناه فى تفصيل أقوال الامامية قبل هذا. ومنهم الهشامية المنسوبة إلى هشام بن سالم الجواليقى الّذي زعم ان معبوده على صورة الانسان وان نصفه الأعلى مجوّف ونصفه الاسفل مصمت وأن له شعرة سوداء وقلبا تنبع منه الحكمة. ومنهم اليونسية المنسوبة الى يونس بن عبد الرحمن القمّى الّذي زعم ان الله تعالى يحمله حملة عرشه. وان كان هو أقوى منهم كما ان الكركى تحمله رجلاه وهو أقوى من رجليه. ومنهم المشبهة المنسوبة الى داود الجوارى الّذي وصف معبوده بجميع أعضاء الانسان الا الفرج واللحية. ومنهم الابراهيمية المنسوبة الى إبراهيم بن أبى يحيى الاسلمى وكان من جملة رواة الاخبار غير أنه (٩١ ب) ضل في التشبيه ونسب الى الكذب في كثير من رواياته. ومنهم الحائطية من القدرية وهم منسوبون الى احمد بن حائط وكان من المعتزلة المنتسبة الى

٢١٦

النظام ثم انه شبه عيسى بن مريم بربه وزعم انه الاله الثانى وأنه هو الّذي يحاسب الخلق فى القيامة. ومنهم الكرامية فى دعواها أن الله تعالى جسم له حد ونهاية وأنه محل الحوادث وأنه مماس لعرشه. وقد بيّنا تفصيل مقالاتهم قبل هذا بما فيه كفاية فهؤلاء مشبهة لله تعالى بخلقه فى ذاته. فأما المشبهة لصفاته بصفات المخلوقين فاصناف. منهم الذين شبهوا إرادة الله تعالى بإرادة خلقه. وهذا قول المعتزلة البصرية الذين زعموا ان الله تعالى عزوجل يريد مراده بإرادة حادثة. وزعموا أن ارادته من جنس ارادتنا ثم ناقضوا هذه الدعوى بأن قالوا يجوز حدوث إرادة الله عزوجل لا فى محل ولا يصح حدوث إرادتنا الا فى محل. وهذا ينقض قولهم إن ارادته من جنس ارادتنا. لأن الشيئين اذا كانا متماثلين ومن جنس واحد جاز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر. واستحال فى كل واحد منهما ما يستحيل على الآخر. وزادت الكرامية على المعتزلة البصرية فى تشبيه إرادة الله تعالى بإرادات عباده وزعموا ان ارادته من جنس ارادتنا وانها حادثة فيه كما تحدث ارادتنا فينا وزعموا لاجل ذلك ان الله تعالى محل للحوادث تعالى الله عن ذلك. علوا كبيرا. ومنهم الذين شبهوا كلام الله عزوجل بكلام خلقه فزعموا ان كلام الله تعالى اصوات

٢١٧

وحروف من جنس الاصوات والحروف المنسوبة الى العباد. وقالوا بحدوث كلامه واحال جمهورهم سوى الجبائى بقاء كلام الله تعالى وقال النظام منهم ليس في نظم كلام الله (٩٢ ا) سبحانه اعجاز كما ليس فى نظم كلام العباد اعجاز. وزعم اكثر المعتزلة ان الزنج والترك والخزر قادرون على الاتيان بمثل نظم القرآن وبما هو افصح منه وانما عدموا العلم بتأليف نظمه وذلك العلم مما يصح ان يكون مقدورا لهم. وشاركت الكرامية المعتزلة فى دعواها حدوث قول الله عزوجل مع فرقها بين القول والكلام فى دعواها ان قول الله سبحانه من جنس اصوات العباد وحروفهم وان كلامه قدرته على احداث القول وزادت على المعتزلة قولها بحدوث قول الله عزوجل فى ذاته بناء على اصلهم فى جواز كون الاله محلا للحوادث. ومنهم الزرارية اتباع زرارة بن اعين الرافضى فى دعواها حدوث جميع صفات الله عزوجل وانها من جنس صفاتنا وزعموا ان الله تعالى لم يكن فى الازل حيا ولا عالما ولا قادرا ولا مريدا ولا سميعا ولا بصيرا وانما استحق هذه الاوصاف حين احدث لنفسه حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا كما ان الواحد منا يصير حيا قادرا سميعا بصيرا مريدا عند حدوث الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر فيه. ومنهم الذين قالوا من الروافض بأن الله

٢١٨

تعالى لا يعلم الشيء حتى يكون فاوجبوا حدوث علمه كما يجب حدوث علم العالم منا. وهذا باب ان اطلناه طال ونشر الاذيال. وقد بيّنا تفصيل اقوال المعتزلة والمشبهة واقوال سائر الاهواء في كتابنا المعروف بكتاب الملل والنحل وفيما ذكرنا منها في هذا الباب كفاية والله اعلم

٢١٩

الباب الرابع

(من ابواب هذا الكتاب)

في بيان الفرق التى انتسبت الى الاسلام وليست منها

الكلام فى هذا الباب يدور على اختلاف المتكلمين فيمن (٩٢ ب) يعدّ من امة الاسلام وملته. وقد ذكرنا قبل هذا ان بعض الناس زعم ان اسم ملة الاسلام واقع على كل مقرّ بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وان كل ما جاء به حق كائنا قوله بعد ذلك ما كان. وهذا اختبار الكعبى فى مقالته. وزعمت الكرامية ان اسم امة الاسلام واقع على كل من قال لا آله الا الله محمد رسول الله سواء أخلص فى ذلك او اعتقد خلافه. وهذان الفريقان يلزمهما ادخال العيسوية من اليهود والشاذكانية منهم فى ملة الاسلام لانهم يقولون لا آله الا الله محمد رسول الله ويزعمون ان محمدا كان مبعوثا الى العرب وقد أقروا بان ما جاء به حق. وقال بعض فقهاء اهل الحديث. اسم امة الاسلام واقع على كل من اعتقد وجوب الصلوات الخمس الى الكعبة وهذا غير صحيح لان اكثر

٢٢٠