الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ربّ يسّر ولا تعسّر الحمد لله فاطر الخلق وموجده. ومظهر الحق ومنجده. الّذي جعل الحقّ وزرا (١) لمن اعتقده. وعمرا (٢) لمن اعتمده. وجعل الباطل مزلّا (٣) لمن ابتغاه. ومذلّا (٤) لمن اقتفاه. والصلاة والسلام على الصفوة الصافية. والقدوة الهادية. محمد وآله خيار الورى. ومنار الهدى

سألتم أسعدكم الله بمطلوبكم شرح معنى الخبر المأثور عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. في افتراق الأمّة ثلاثا وسبعين فرقة منها واحدة ناجية. تصير إلى جنّة عاليه. وبواقيها عاديه (٥). تصير إلى الهاوية. والنار الحامية. وطلبتم الفرق بين الفرقة الناجية التى لا يزلّ (٦) بها القدم. ولا تزول عنها النّعم. وبين فرق الضلال الذين يرون ظلام الظلم نورا. واعتقاد الحقّ ثبورا (٧) وسيصلون سعيرا. ولا يجدون من الله نصيرا.

__________________

(١) الوزر. السلاح لثقله على صاحبه

(٢) العمر الحياة

(٣) مزلا. من أزله اذا ازلفه او حمله على الزلة

(٤) مذلا. من اذله اي صيره ذليلا

(٥) عاديه. من عدا اذا ظلم

(٦) يزل. ينحرف

(٧) ثبورا. هلاكا

٢

فرأيت إسعافكم بمطلوبكم من الواجب فى إبانة الدّين القويم. والصراط المستقيم. وتمييزها من الأهواء المنكوسة (١) والآراء المعكوسة. ليهلك من هلك عن بيّنة. ويحيا من يحيا عن بيّنة. فأودعت مطلوبكم مضمون هذا الكتاب. وقسمت مضمونه خمسة أبواب هذه ترجمتها

باب. فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة (١ ب)

باب. فى بيان فرق الأمة على الجملة ومن ليس منها على الجملة

باب. في بيان فضائح كل فرقة من فرق الاهواء الضالة

باب. فى بيان الفرق التى انتسبت الى الإسلام وليست منها

باب. فى بيان الفرقة الناجية وتحقيق نجاتها وبيان محاسن دينه

فهذه جملة أبواب هذا الكتاب وسنذكر فى كل باب منها مقتضاه على شرطه إن شاء الله تعالى

__________________

(١) المنكوسة. المقلوبة

٣

الباب الأوّل

(فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الأمة)

أخبرنا أبو سهل بشر بن أحمد بن بشّار الأسفرائيني قال أخبرنا عبد الله بن ناجية قال حدّثنا وهب بن بقيّة عن خالد ابن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمّتى على ثلاث وسبعين فرقة : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عليّ بن زياد السميذى العدل الثقة. قال أخبرنا احمد بن الحسن بن عبد الجبّار. قال حدثنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا إسماعيل بن عباس عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليأتينّ على أمتى ما أتى على بنى إسرائيل (١ ب و ٢ ا) تفرّق بنو اسرائيل على اثنتين وسبعين ملّة وستفترق امتى على ثلاث وسبعين ملة تزيد عليهم

٤

ملة. كلهم فى النار الّا ملة واحدة. قالوا يا رسول الله من الملة الواحدة التى تنقلب (١). قال : ما أنا عليه وأصحابى : أخبرنا القاضى أبو محمد عبد الله بن عمر المالكىّ. قال حدثنا أبى عن أبيه. قال حدثنا الوليد بن مسلمة قال حدّثنا الاوزاعىّ. قال حدّثنا قتادة عن أنس عن النبىّ عليه‌السلام. قال : إنّ بنى إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإنّ امتى ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلّها فى النار إلّا واحدة وهى الجماعة : قال عبد القاهر للحديث الوارد فى افتراق الامة أسانيد كثيرة. وقد رواه عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة من الصحابة كانس بن مالك وأبى هريرة وأبى الدّرداء وجابر وأبى سعيد الخدريّ وأبىّ بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبى إمامة وواثلة بن الاسقع وغيرهم. وقد روى عن الخلفاء الراشدين أنّهم ذكروا افتراق الامة بعدهم فرقا وذكروا أنّ الفرقة الناجية منها فرقة واحدة وسائرها على الضلال فى الدنيا والبوار فى الآخرة. وروى عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذمّ القدريّة وأنهم مجوس هذه الأمة. وروى عنه ذمّ المرجئة مع القدرية. وروى عنه أيضا ذمّ المارقين وهم الخوارج. وروى عن أعلام

__________________

(١) اى تنقلب راجعة عن النار

٥

الصحابة ذمّ القدريّة والمرجئة والخوارج المارقة. وقد ذكرهم عليّ رضى الله عنه فى خطبته المعروفة بالزهراء وبرئ فيها (٢ ا و ٢ ب) من اهل الاديموات. وقد علم كلّ ذى عقل من أصحاب المقالات المنسوبة الى (٢) أنّ النبىّ عليه‌السلام لم يرد بالفرق المذمومة التى (٣) أهل النار فرق الفقهاء الذين اختلفوا فى فروع الفقه مع اتفاقهم على اصول الدّين لانّ المسلمين فيما اختلفوا فيه من فروع الحلال والحرام على قولين (أحدهما) قول من يرى تصويب المجتهدين كلهم فى فروع الفقه. وفرق الفقه كلها عندهم مصيبون (والثانى) قول من يرى فى كل فرع تصويب واحد من المختلفين فيه وتخطئة الباقين من غير تضليل منه للمخطئ فيه وإنما فصّل النبىّ عليه‌السلام بذكر الفرق المذمومة فرق أصحاب الأهواء الضالة الذين خالفوا الفرقة الناجية فى أبواب العدل والتوحيد أو فى الوعد والوعيد أو فى بابى القدر والاستطاعة أو فى تقدير الخير والشرّ أو فى باب الهداية والضلالة أو فى باب الإرادة والمشيئة أو فى باب الروية والإدراك أو فى باب صفات

__________________

(٢) هنا بياض بالاصل ولعل الساقط (الاسلام)

(٣) هنا بياض بالاصل ولعل الساقط (عدّها من)

٦

الله عزوجل وأسمائه وأوصافه أو في باب من أبواب التعديل والتجويز أو في باب من أبواب النّبوّة وشروطها ونحوها من الأبواب التى اتفق عليها أهل السّنة والجماعة من فريقى الرأى والحديث على أصل واحد خالفهم فيها أهل الأهواء الضالة من القدرية والخوارج والرّوافض والنّجّارية والجهمية والمجسمة والمشبّهة ومن جرى (١) من فرق الضلال فانّ المختلفين فى العدل والتوحيد (٢ ب و ٣ ا) والقبور والاسلاف متّحد والرّوية والصفات والتعديل والتجويز. وفى شروط النّبوّة والإمامة يكفّر بعضهم بعضا فصحّ تأويل الحديث المروىّ فى افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة الى هذا النوع من الاختلاف دون الانواع التى اختلفت فيها ائمّة الفقه من فروع الاحكام فى أبواب الحلال والحرام. أو ليس فيما بينهم تكفير ولا تضليل فيما اختلفوا فيه من احكام الفروع وسنذكر الفرق التى رجع إليهم تأويل الخبر المروىّ فى افتراق الامة فى الباب الّذي يلى ما نحن فيه إن شاء الله عزوجل

__________________

(١) هنا بياض بالاصل ولعل الساقط (مجراهم)

٧

الباب الثانى

(من ابواب هذا الكتاب)

فى كيفية افتراق الامة ثلاثا وسبعين وفى ضمنه بيان الفرق الذين يجمعهم اسم ملة الاسلام فى الجملة. يقع فى هذا الباب فصلان أحدهما فى بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة فى اسم ملة الاسلام فى الجملة. والفصل الثانى فى بيان (١) كيفية اختلاف الامة وتحصيل عدد فرقها الثلاث وسبعين وسنذكر فى كلّ واحد من هذين الفصلين مقتضاه ان شاء الله عزوجل

الفصل الأوّل

فى بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة فى اسم ملة الاسلام على الجملة. قبل التفصيل اختلف المنتسبون الى الاسلام فى الذين يدخلون بالاسم العامّ فى ملة الاسلام. فزعم أبو القاسم (٣ ا و ٣ ب) الكعبى فى مقالاته أنّ قول القائل امة الاسلام تقع على كلّ مقرّ بنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وان كل ما

__________________

(١) الاصل (باب)

٨

جاء به حقّ كائنا قوله بعد ذلك ما كان. وزعم قوم أنّ أمة الإسلام كلّ من يرى وجوب الصلاة الى جهة الكعبة وزعمت الكرامية مجسّمة خراسان أن امة الاسلام جامعة لكلّ من أقرّ بشهادتى الاسلام لفظا. وقالوا كلّ من قال لا إله الّا الله محمد رسول الله فهو مؤمن حقّا وهو من أهل ملة الاسلام سواء كان مخلصا فيه أو منافقا مضمر الكفر فيه والزندقة. ولهذا زعموا أن المنافقين فى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا مؤمنين حقّا وكان ايمانهم كايمان جبريل وميكائيل والأنبياء والملائكة مع اعتقادهم النّفاق وإظهار الشهادتين. وهذا القول مع قول الكعبىّ فى تفسيراته الاسلام ينتقض بقول العيسوية من يهود أصبهان فانهم يقرّون بنبوّة نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأن كل ما جاء به حق. ولكنهم زعموا انه بعث الى العرب لا الى بنى اسرائيل. وقالوا أيضا محمد رسول الله وما هم معدودين فى فرق الاسلام. وقوم من شاركانيّة اليهود حكوا عن زعيمهم المعروف بشاركان أنه قال انّ محمدا رسول الله الى العرب والى سائر الناس ما خلا اليهود. وأنه قال ان القرآن حقّ وكل (١) الاذان والإقامة والصلوات (٣ ب و ٤ ا) الخمس وصيام شهر رمضان

__________________

(١) هنا كلمة في الاصل لا تقرأ

٩

وحجّ الكعبة كلّ ذلك حقّ غير أنه مشروع للمسلمين دون اليهود وربما فعل ذلك بعض الشاركانية قد أقرّوا بشهادتى ان لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وأقرّوا بانّ دينه حقّ. وما هم مع ذلك من أمة الاسلام لقولهم بانّ شريعة الاسلام لا تلزمهم. وأما قول من قال انّ اسم ملة الاسلام أمر واقع على كل من يرى وجوب الصلاة الى الكعبة المنصوبة بمكة فقد رضى بعض فقهاء الحجاز هذا القول وأنكره أصحاب الرأى لما روى عن أبى حنيفة أن صحح إيمان من أقرّ بوجوب الصلاة الى الكعبة وشك فى موضعها. وأصحاب الحديث لا يصحّحون إيمان من شك فى موضع الكعبة كما لا يصححون إيمان من شكّ فى وجوب الصلاة الى الكعبة.

والصحيح عندنا أن أمة الاسلام تجمع المقرّين بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه وصفاته وعدله وحكمته ونفى التشبيه عنه وبنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسالته الى الكافة وبتأييد شريعته وبأن كلّ ما جاء به حقّ وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة وأن الكعبة هى القبلة التي تجب الصلاة إليها فكلّ من أقرّ بذلك كله ولم يشبّه ببدعة تؤدّى الى الكفر فهو السّني الموحّد. وأن ضمّ الى الاقوال بما ذكرناه بدعة شنعاء نظر فإن

١٠

كان على بدعة الباطنية او البيانية أو المغيرة (٤ ا و ٤ ب) او الخطّابية الذين يعتقدون إلهيّة الأئمة او إلهيّة بعض الأئمّة او كان على مذاهب الحلول أو على بعض مذاهب اهل التناسخ او على مذهب الميمونية من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين أو على مذهب اليزيدية من الاباضية فى قولها بان شريعة الاسلام تنسخ فى آخر الزمان أو أباح ما نص القرآن على تحريمه أو حرّم ما أباحه القرآن نصّا لا يحتمل التأويل فليس هو من أمة الاسلام ولا كرامة له. وان كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة أو الخوارج أو الرافضة الامامية أو الزيدية أو من بدع البخارية أو الجهمية أو الضرارية أو المجسّمة فهو من الامة فى بعض الاحكام وهو جواز دفنه فى مقابر المسلمين وفى ألّا يمنع حظه من الفيء والغنيمة ان غزا مع المسلمين وفي ألّا يمنع من الصلاة فى المساجد وليس من الامة فى احكام سواها وذلك ألّا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه ولا تحلّ ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنّيّة. ولا يحلّ للسّنّى أن يتزوّج المرأة منهم اذا كانت على اعتقادهم. وقد قال عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه للخوارج. علينا ثلاث. لا نبدؤكم بقتال ولا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله. ولا نمنعكم من الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا والله أعلم

١١

الفصل الثانى

(من هذا الباب)

فى بيان كيفية اختلاف الامة وتحصيل (٤ ب و ٥ ا) عدد فرقها الثلاث والسبعين. كان المسلمون عند وفاة رسول الله عليه‌السلام على منهاج واحد فى اصول الدين وفروعه غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا. وأول خلاف وقع منهم اختلافهم فى موت النبىّ عليه‌السلام. فزعم قوم منهم أنه لم يمت وإنما أراد الله تعالى رفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم إليه وزال هذا الخلاف وأقرّ الجميع بموته حين تلا عليهم أبو بكر الصدّيق قول الله لرسوله عليه‌السلام : إنّك ميّت وإنهم ميّتون : وقال لهم من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد رب محمد فانه حيّ لا يموت. ثم اختلفوا بعد ذلك فى موضع دفن النبىّ عليه‌السلام فأراد أهل مكة رده الى مكة لانها مولده ومبعثه وقبلته وموضع نسله وبها قبر جده إسماعيل عليه‌السلام وأراد اهل المدينة دفنه بها لأنها دار هجرته ودار أنصاره. وقال آخرون بنقله الى ارض القدس

١٢

ودفنه (١) ببيت المقدس عند قبر جدّه إبراهيم الخليل عليه‌السلام. وزلل هذا الخلاف بأن روى لهم أبو بكر الصدّيق عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون) فدفنوه فى حجرته بالمدينة. ثمّ اختلفوا بعد ذلك فى الامامة وأذعنت الانصار الى البيعة لسعد بن عبادة الخزرجيّ. وقالت قريش ان الإمامة لا تكون الا في قريش ثم أذعنت الانصار لقريش لما روى لهم قول النبىّ عليه‌السلام. الأئمة من قريش : (٥ ا و ٥ ب) وهذا الخلاف باق الى اليوم لان ضرارا او الخوارج قالوا بجواز الإمامة فى غير قريش. ثم اختلفوا بعد ذلك في شأن فدك (٢) وفى توريث التركات عن الأنبياء عليهم‌السلام. ثم نفذ فى ذلك قضاء ابي بكر بروايته عن النبىّ عليه‌السلام (ان الأنبياء لا يورثون) ثم اختلفوا بعد ذلك فى ما نعى وجوب الزكاة ثم اتفقوا على رأي ابي بكر في وجوب قتالهم ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال طليحة حين تبنى وارتدّ حتى انهزم الى الشام ثم رجع فى أيام عمر الى الاسلام وشهد مع سعد بن أبى وقّاص حرب القادسية وشهد بعد ذلك حرب نهاوند وقتل بها شهيدا. ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال مسيلمة الكذّاب الى ان كفى الله تعالى أمره

__________________

(١) الاصل تدفنه

(٢) فدك قرية بخيبر

١٣

وأمر سجاح المتنبية وأمر الاسود بن زيد العنسىّ. ثمّ اشتغلوا بعد ذلك بقتل سائر المرتدّين الى أن كفى الله تعالى أمرهم ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال الروم والعجم وفتح الله تعالى لهم الفتوح وهم فى اثناء ذلك كله على كلمة واحدة فى أبواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد وفى سائر اصول الدين. وانما كانوا يختلفون فى فروع الفقه كميراث الجدّ مع الاخوة والأخوات مع الأب والأمّ او مع الأب وكمسائل العدل والكلالة والردّ وتعصيب الأخوات من الأب والأمّ او من الأب مع البنت او بنت الابن وكاختلافهم فى جر الولا وفى مسئلة الحرام ونحوها مما لم يورث اختلافهم فيه تضليلا ولا تفسيقا. وكانوا على هذه الجملة فى ايام أبى بكر وعمر وستّ سنين من خلافة عثمان. ثم اختلفوا (٥ ب و ٦ ا) بعد ذلك فى أمر عثمان لأشياء نقموها منه حتى أقدم لاجلها ظالموه على قتله ثم اختلفوا بعد قتله فى قاتليه وخاذليه اختلافا باقيا الى يومنا هذا. ثم اختلفوا بعد ذلك فى شأن عليّ واصحاب الجمل وفى شأن معاوية واهل صفّين وفى حكم الحكمين أبى موسى الأشعرىّ وعمرو بن العاص اختلافا باقيا الى اليوم ثم حدث فى زمان المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية فى القدر والاستطاعة من معبد الجهنىّ وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم

١٤

وتبرّأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبى هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله ابن ابى او فى وعقبة بن عامر الجهنيّ وأقرانهم واوصوا اخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلّوا على جنائزهم ولا يعودوا مرضاهم ثم اختلفت الخوارج بعد ذلك فيما بينها فصارت مقدار عشرين فرقة كلّ واحدة تكفّر سائرها ثمّ حدث فى ايام الحسن البصريّ خلاف واصل بن (١) عطا الغزّال في القدر وفى المنزلة بين المنزلتين وانضمّ إليه عمرو بن عبيد بن باب فى بدعته فطردهما الحسن عن مجلسه فاعتزلا عن سارية من سواري مسجد البصرة فقيل لهما ولاتباعهما معتزلة لاعتزالهم قول الامة فى دعواها ان الفاسق من امة الاسلام لا مؤمن ولا كافر.

واما الروافض فان السبّابية منهم اظهروا بدعتهم فى زمان عليّ رضى الله عنه فقال بعضهم لعلىّ انت الامة فاحرق عليّ (٦ ا و ٦ ب) قوما منهم ونفى ابن سبا الى ساباط المدائن. وهذه الفرقة ليست من فرق امة الاسلام لتسميتهم عليّا إلها. ثم افترقت الرافضة بعد زمان عليّ رضى الله عنه أربعة اصناف زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة وافترقت الزيدية فرقا والامامية فرقا

__________________

(١) الاصل بين

١٥

والغلاة فرقا كلّ فرقة منها تكفّر سائرها. وجميع فرق الغلاة منهم خارجون عن فرق الاسلام. فاما فرق الزيدية وفرق الامامية فمعدودون فى فرق الامة. وافترقت البخارية بناحية الرىّ بعد الزعفرانىّ فرقا يكفّر بعضها بعضا وظهر خلاف البكرية من بكر من اخت عبد الواحد بن زياد وخلاف الضرارية من ضرار بن عمرو وخلاف الجهمية من جهم بن صفوان وكان ظهور جهم وبكر وضرار فى ايام ظهور واصل بن عطا فى ضلالته وظهرت دعوة الباطنية فى ايام المأمون من حمران قومط ومن عبد الله بن ميمون القداح. وليست الباطنية من فرق ملة الاسلام بل هى من فرق المجوس على ما نبينه بعد هذا. وظهروا فى ايام محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان خلاف الكرّامية المجسّمة

فاما الزيدية من الرافضة فمطمعها ثلاث فرق وهى الجارودية والسليمانية. وقد يقال الحريرية أيضا والبترية وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابى طالب في ايام خروجه وكان ذلك فى زمان هشام بن عبد الملك. والكيسانية منهم فرق كثيرة ترجع عن التحصيل (٦ ب و ٧ ا) الى فرقتين إحداهما تزعم ان محمد بن الحنفيّة

١٦

حىّ لم يمت وهم على انتظاره ويزعمون انه المهدىّ المنتظر. والفرقة الثانية منهم مقرون باماميته فى وقته وبموته وينقلون الإمامة بعد موته الى غيره ويختلفون بعد ذلك فى المنقول إليه

واما الامامية المفارقة للزيدية والكسائية والغلاة فانها خمس عشرة فرقة وهنّ المحمدية والباقرية والنّاووسيّة والشميطية والعمّارية والاسماعيلية والمباركية والموسوية والقطعية والاثنى عشرية والهشامية من اتباع هشام بن الحكم او من اتباع هشام بن سالم الجواليقى والزرارية من اتباع زرارة بن أعين واليونسية من اتباع يونس القمىّ والشيطانية من اتباع شيطان الطاق والكاملية من اتباع أبى كامل وهو أفحشهم قولا فى عليّ وفى سائر الصحابة رضى الله عنهم فهذه عشرون فرقة من فرق الروافض منها ثلاث زيدية وفرقتان من الكيسانية وخمس عشرة فرقة من الإمامية. فاما غلاتهم الذين قالوا بإلهيّة الائمة وأباحوا محرّمات الشريعة واسقطوا وجوب فرائض الشريعة كالبيانية والمغيرية والجناحية والمنصورية والخطّابية والحلولية ومن جرى مجراهم فما هم من فرق الاسلام وان كانوا منتسبين إليه وسنذكرها فى باب مفرد بعد هذا الباب واما الخوارج فانها لما اختلفت صارت عشرين فرقة وهذه أسماؤها. المحكّمة الاولى والازارقة ثم النجدات ثم الصّفرية

(٣)

١٧

ثم العجاردة وقد افترقت العجاردة فيما بينها فرقا كثيرة (٧ ا و ٧ ب) منها الخازمية والشّعيبيّة والمعلومية والمجهولية والمعبدية والرشيدية والمكرّمية والحمزية والابراهيمية والواقفة وافترقت الأباضية منها فرقا حفصية وحارثية ويزيدية واصحاب طاعة لا يراد الله بها. واليزيدية منهم اتباع ابن يزيد بن أنيس ليست من فرق الاسلام لقولها بان شريعة الاسلام تنسخ فى آخر الزمان بنبىّ يبعث من العجم وكذلك فى جملة العجاردة فرقة يقال لها الميمونية ليست من فرق الاسلام لانها أباحت نكاح بنات البنات وبنات البنين كما أباحته المجوس وسنذكر اليزيدية والميمونية فى جملة الذين انتسبوا الى الاسلام وما هم منهم ولا من فرقهم واما القدرية المعتزلة عن الحق فقد افترقت عشرين فرقة كل فرقة منها تكفّر سائرها وهذه اسماء فرقها ـ واصلية وعمرية والهذيلية والنظامية والاموارية والعمرية والثمامية والجاحظية والحائطية والحمارية والخيّاطية والسحامية وأصحاب صالح قبة والمويسية والكعبية والجبائية والبهشيمية المنسوبة الى أبى هاشم ابن الجبّائىّ. فهى ثنتان وعشرون فرقة ثنتان منها ليستا من فرق الاسلام وهما الحائطية والحمارية وسنذكرهما فى الفرق التى انتسبت الى الاسلام وليست منها

١٨

واما المرجئة فثلاثة أصناف صنف منهم قالوا بالإرجاء فى الايمان وبالقدر على مذاهب القدرية فهم معدودون فى القدرية والمرجئة كأبي شمر المرجئ ومحمد بن شبيب البصرى والخالدىّ وصنف (٧ ب و ٨ ا) منهم قالوا بالإرجاء فى الايمان ومالوا الى قول جهم فى الاعمال والاكساب فهم من جملة الجهمية والمرجئة وصنف منهم خالصة فى الإرجاء من غير قدر وهم خمس فرق يونسية وغسانية وثوبانية وتومنية ومريسية. وأما النجّارية فانها اليوم بالرّىّ اكثر من عشر فرق ومرجعها فى الاصل الى ثلاث فرق برغوثية وزعفرانية ومستدركة. وأما البكرية والضّرارية فكل واحدة منها فرقة واحدة ليس لها تبع كثير والجهمية أيضا فرقة واحدة والكرامية بخراسان ثلاث فرق حقائقية وطرائقية وإسحاقية لكن هذه الفرق الثلاث منها لا يكفر بعضها بعضا فعددناها كلها فرقة واحدة فهذه الجملة التى ذكرناها تشتمل على ثنتين وسبعين فرقة منها عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وعشر مرجئة وثلاث نجّارية وبكرية وضرارية وجهمية وكرامية فهذه ثنتان وسبعون فرقة. فاما الفرقة الثالثة والسبعون فهى أهل السنة والجماعة من فريقى الرأى والحديث دون من يشترى لهو الحديث. وفقهاء هذين الفريقين وقرّاؤهم ومحدّثوهم ومتكلمو

١٩

أهل الحديث منهم كلّهم متّفقون على مقالة واحدة فى توحيد الصانع وصفاته وعدله وحكمته وفى اسمائه وصفاته وفى ابواب النبوة والإمامة وفى احكام العقبى وفى سائر اصول الدين وانما يختلفون فى الحلال والحرام من فروع الاحكام وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم الفرقة الناجية ويجمعها الاقرار بتوحيد الصانع وقدمه وقدم (٨ ا و ٨ ب) صفاته الأزلية واجازة رؤيته من غير تشبيه ولا تعطيل مع الاقرار بكتب الله ورسله وبتأييد شريعة الاسلام وإباحة ما أباحه القرآن وتحريم ما حرّمه القرآن مع قيود ما صحّ من سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واعتقاد الحشر والنشر وسؤال الملكين فى القبر والاقرار بالحوض والميزان فمن قال بهذه الجهة التى ذكرناها ولم يخلط ايمانه بها بشيء من بدع الخوارج والروافض والقدرية وسائر اهل الاهواء فهو من جملة الفرقة الناجية ان ختم الله له بها وقد دخل فى هذه الجملة جمهور الامة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعىّ وأبى حنيفة والأوزاعىّ والثورىّ وأهل الظاهر فهذا بيان ما اردنا بيانه فى هذا الباب ونذكر فى الباب الّذي يليه تفصيل مقالة كلّ فرقة من فرق الاهواء الذين ذكرناهم ان شاء الله عزوجل

٢٠