الفَرق بين الفِرق

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي

الفَرق بين الفِرق

المؤلف:

عبدالقاهر بن طاهر البغدادي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨١

ويوجب أن لا يكون الصحابة رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكفاه بذلك خزيا

الفضيحة الخامسة من فضائحه قوله بأن الله لا يجوز ان يقول فيه انه قديم مع وصفه إياه بأنه موجود ازليّ

الفضيحة السادسة من فضائحه امتناعه عن القول بأن الله تعالى يعلم نفسه لا من شرط المعلوم عنده ان يكون غير العالم به وهذا يبطل عليه بذكر الذاكر نفسه. لأنه اذا جاز ان يذكر الذاكر نفسه جاز ان يعلم العالم نفسه وقد افتخر الكعبىّ فى مقالاته بان معمرا من شيوخه فى الاعتزال ومن افتخر بمثله (٦٠ ب) وهبناه منه وتمثلنا بقول الشاعر

هل مشتر والسعيد بايعه

هل بايع والسعيد من وهبا

ذكر البشرية منهم هؤلاء اتباع بشر بن المعتمر وقال اخوانه من القدرية بتكفيره في امور هو فيها مصيب عند القدرية فما كفرته القدرية فيه قوله بان الله تعالى قادر على لطف لو فعله بالكافر لآمن طوعا. وكفروه أيضا في قوله بان الله تعالى لو خلق العقلاء ابتداء في الجنة وتفضل عليهم بذلك لكان ذلك أصلح لهم. وكفروه أيضا بقوله ان الله لو علم من عبد انه لو أبقاه لآمن كان إبقاؤه اياه أصلح له من ان يميته كافرا. وكفروه أيضا

١٤١

بقوله ان الله تعالى لم يزل مريدا. وفي قوله ان الله تعالى اذا علم حدوث شيء من افعال العباد ولم يمنع منه فقد أراد حدوثه. والحق في هذه المسائل الخمس كفّرت المعتزلة البصرية فيها بشرا مع بشر. والمكفرون له فيها هم الكفرة ونحن نكفّر بشرا في أمور سواها (كذا) كل واحد منها بدعة شنعاء. أولها قول بشر بان الله تعالى ما والى مؤمنا في حال إيمانه ولا عادى كافرا في حال كفره. ويجب تكفيره في هذا على قول جميع الامة اما على قول أصحابنا. فلأنّا نقول إنّ الله تعالى لم يزل مواليا لمن علم انه يكون وليا له اذا وجد. ومعاديا لمن علم اذا وجد كفر ومات على كفره يكون معاديا له قبل كفره وفي حال كفره وبعد موته. واما على اصول المعتزلة غير بشر. فلأنهم قالوا ان الله لم يكن (٦١ ا) مواليا لاحد قبل وجود الطاعة منه فكان في حال وجود طاعته مواليا له. وكان معاديا للكافر في حال وجود الكفر منه فإن ارتد المؤمن صار الله تعالى معاديا له بعد ان كان مواليا له عندهم. وزعم بشر أن الله تعالى لا يكون مواليا للمطيع في حال وجود طاعته ولا معاديا للكافر في حال وجود كفره وانما يوالى المطيع في الحالة الثانية من وجود طاعته ويعادى الكافر في الحالة الثانية من وجود كفره. واستدلّ على ذلك بأن قال لو جاز ان يوالى المطيع في حال طاعته

١٤٢

وجاز ان يعادى الكافر في حال وجود كفره لجاز ان يثيب المطيع في حال طاعته ويعاقب الكافر في حال كفره فقال اصحابنا. لو فعل ذلك لجاز فقال. لو جاز ذلك لجاز ان يمسخ الكافر في حال كفره فقلنا له لو فعل ذلك لجاز

الفضيحة الثانية من فضائح بشر إفراطه بالقول فى التولّد حتى زعم انه يصح من الانسان ان يفعل الالوان والطعوم والروائح والرؤية والسمع وسائر الإدراكات على سبيل التولد اذا فعل اسبابها. وكذلك قوله في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وقد كفّره اصحابنا وسائر المعتزلة في دعواه ان الانسان قد يخترع الألوان والطعوم والروائح والادراكات

الفضيحة الثالثة من فضائحه قوله بأن الله تعالى قد يغفر للانسان ذنوبه ثم يعود فيما غفر له فيعذبه عليه اذا عاد الى معصيته فسئل على هذا. عن كافر تاب عن كفره ثم شرب الخمر بعد توبته عن كفره من غير استحلال منه للخمر وغامضه الموت قبل (٦١ ب) توبته عن شرب الخمر هل يعذّبه الله تعالى في القيمة على الكفر الّذي قد تاب منه فقال. نعم. فقيل له. يجب على هذا أن يكون عذاب من هو على ملة الاسلام مثل عذاب الكافر فالتزم ذلك

الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله بأن الله تعالى يقدر على ان

١٤٣

يعذّب الطفل ظالما له في تعذيبه اياه فانه لو فعل ذلك لكان الطفل بالغا عاقلا مستحقا للعذاب. وهذا في التقدير كأنه يقول ان الله تعالى قادر على ان يظلم ولو ظلم لكان بذلك الظلم عادلا. واوّل هذا الكلام ينقض آخره. واصحابنا يقولون ان الله تعالى قادر على تعذيب الطفل ولو فعل ذلك كان عدلا منه فلا يناقض قولهم في هذا الباب. وقول بشر فيه متناقض

الفضيحة الخامسة من فضائحه قوله بان الحركة تحصل وليس بالجسم في المكان الاول ولا في المكان الثاني ولكن الجسم يتحرك به من الاول الى الثاني. وهذا قول غير معقول في نفسه واختلف المتكلمون قبله في الحركة هل هو معنى أم لا فنفاها بقاء الاعراض. واختلف الذين اثبتوا الاعراض في وقت وجود الحركة. فمنهم من زعم انها توجد في الجسم وهو في المكان الاول فينتقل بها عن الاول الى الثاني. وبه قال النظام وابو شمر المرجئ. ومنهم من قال ان الحركة تحصل في الجسم وهو في المكان الثاني لأنها اوّل كون في المكان الثاني. وهذا قول ابى الهذيل والجبائى وابنه ابى هاشم وبه قال شيخنا ابو الحسن الاشعرىّ (٦٢ ا) رحمه‌الله. ومنهم من قال ان الحركة كونان في مكانين. احدهما يوجد في المتحرك وهو في المكان الاول. والثانى يوجد فيه وهو في المكان الثانى. وهذا قول

١٤٤

الراوندي وبه قال شيخنا ابو العباس القلانسى. وقد خرج قول بشر بن المعتمر عن هذه الاقوال بدعواه أن الحركة تحصل وليس الجسم فى المكان الاول ولا فى الثاني مع علمنا بأنه لا واسطة بين حالى كونه فى المكان الاول وكونه فى المكان الثاني. وقوله هذا غير معقول له. فكيف يكون معقولا لغيره؟

ذكر الهشامية منهم هؤلاء اتباع هشام بن عمرو القوطى وفضائحه بعد ضلالته بالقدر تترى. منها أنه حرّم على الناس أن يقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل من جهة تسميته بالوكيل. وقد نطق القرآن بهذا الاسم لله تعالى. وذكر ذلك فى السنّة الواردة فى تسعة وتسعين اسما من الله تعالى. فاذا لم يجز اطلاق هذا الاسم على الله تعالى مع نزول القرآن به ومع ورود السنة الصحيحة به فأى اسم بعده يطلق عليه؟ وقد كان اصحابنا يتعجبون من المعتزلة البصرية فى إطلاقها على الله عزوجل من الاسماء ما لم يذكر فى القرآن والسنة اذا دلّ عليه القياس. وزاد هذا التعجب بمنع القوطى عن اطلاق الله تعالى بما قد نطق به القرآن والسنّة واعتذر الخياط عن القوطى بأن قال ان هشاما كان يقول حسبنا الله ونعم المتوكّل عليه بدلا من الوكيل. وزعم ان وكيلا يقتضي موكّلا فوقه. وهذا من علامات جهل هشام والمعتذر (٦٢ ب) عنه

١٤٥

بمعانى الاسماء فى اللغة. وذلك ان الوكيل فى اللغة بمعنى الكافى لانه يكفي موكله أمر ما وكله فيه. وهذا معنى قولهم حسبنا لله ونعم الوكيل. ومعنى حسبنا كافينا وواجب ان يكون ما بعد نعم موافقا لما قبله كقول القائل. الله رازقنا. ونعم الرازق ولا يقال الله رازقنا ونعم الغافر. ولأن الله تعالى قال ومن يتوكل على الله فهو حسبه أى كافيه. وقد يكون الوكيل أيضا بمعنى الحفيظ ومنه قوله تعالى (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام ٦٦). اى حفيظ ويقال فى نقيض الحفيظ رجل وكل ووكل اى بليد. والوكال البلادة واذا كان الوكيل بمعنى الحفيظ وكان الله عزوجل كافيا وحفيظا لم يكن للمنع من إطلاق الوكيل فى اسمائه معنى. والعجب من هشام فى انه أجاز ان يكتب لله عزوجل هذا الاسم وان يقرأ به القرآن. ولم يجز أن يدعى به فى غير قراءة القرآن

الفضيحة الثانية من فضائح القوطىّ امتناعه من اطلاق كثير مما نطق به القرآن فمنع الناس من ان يقولوا ان الله تعالى عزوجل ألّف بين قلوب المؤمنين وأضلّ الفاسقين. وهذا عناد منه لقول الله عزوجل (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (الانفال ٦٣) ولقوله تعالى (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) (ابراهيم ٢٧) وقوله (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا

١٤٦

الْفاسِقِينَ) (البقرة ٢٧) ومنع ان يقول فى القرآن انه عمي على الكافرين عباد بن سليمان العمرى فى هذه الضلالة فمنع الناس أن يقولوا ان الله تعالى خلق الكافر لأن الكافر اسم لشيئين إنسان وكفره وهو غير خالق (٦٣ ا) لكفره عنده ويلزمه على هذا القياس ان لا يقول ان الله تعالى خلق المؤمن لان المؤمن اسم لشيئين انسان وايمان. والله عنده غير خالق لإيمانه ويلزمه على قياس هذا الاصل ان لا يقول إن احدا قتل كافرا او ضربه. لان الكافر اسم للانسان وكفره والكفر لا يكون مقتولا ولا مضروبا ومنع عباد من ان يقال ان الله تعالى ثالث كل اثنين ورابع كل ثلاثة. وهذا عناد منه لقول الله عزوجل (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) (المجادلة ٧) وكان يمنع ان يقال ان الله عزوجل أملى الكافرين. وفى هذا عناد منه لقوله عزوجل (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (آل عمران ١٧٩). فان كان عباد قد أخذ هذه الضلالة عن استاذه هشام فالعصا من العصيّة (١) ولن تلد الحية الا الحية وان انفرد بها دونه فقد فاس التلميذ ما منع من اطلاقه على ما منع استاذه من اطلاق اسم الوكيل والكفيل على الله تعالى

__________________

(١) قيل ان العصا اسم فرس والعصية اسم أمه وهو مثل

١٤٧

الفضيحة الثالثة من فضائح القوطى قوله بأن الأعراض لا يدلّ شيء منها على الله تعالى وكذلك قال صاحبه عباد وزعما ان فلق البحر وقلب العصا حية وانشقاق القمر ونجى السحر والمشى على الماء لا يدل شيء من ذلك على صدق الرسول فى دعواه الرسالة. وزعم القوطى ان الدليل على الله تعالى يجب ان يكون محسوسا والاجسام محسوسة فهى الأدلة على الله تعالى وهى اعراض معلوم بدلائل نظرية فلو دلت على الله (٦٣ ب) تعالى لاحتاج كل دليل منها الى دليل سواه لا الى نهاية فقيل له يلزمك على هذا الاستدلال أن تقول إن الاعراض لا تدل على شيء من الاشياء ولا على حكم من الاحكام. لانها لو دلّت على شيء او على حكم لاحتاجت فى دلالتها على مدلولها الى دلالة على صحة دلالتها عليه واحتاج كل دليل الى دليل لا الى نهاية. فان صار الى ان الاعراض لا تدل على شيء ولا على حكم ابطال دلالة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحلال والحرام والوعد والوعيد على ان من الاعراض ما يعلم وجوده بالضرورة كالالوان والطعوم والروائح والحركة والسكون فيلزمه ان تكون هذه الاعراض المعلومة بالضرورة دلالة على الله سبحانه لانها محسوسة كما دلّت الاجسام عليه لانها محسوسة فان قال ان الاعراض غير محسوسة لان نفاة

١٤٨

الاعراض قد انكروا وجودها قيل فالنجارية والضرارية قد انكروا وجود جسم لا يكون عرضا لدعواهم ان الاجسام اعراض مجتمعة فيجب على قياس قولك ان لا تكون الاجسام معلومة بالضرورة وان لا (١) سبحانه

الفضيحة الرابعة من فضائح القوطى قوله بالمقطوع والموصول وذلك قوله لو أن رجلا أسبغ الوضوء وافتتح الصلاة متقربا بها الى الله سبحانه عازما على اتمامها ثم قرأ فركع فسجد مخلصا لله تعالى فى ذلك كله غير انه قطعها فى آخرها ان أول صلاته وآخرها (٦٤ ا) معصية قد نهاه الله تعالى عنها وحرّمها عليه وليس له سبيل قبل دخوله فيها الى العلم بانها معصية فيجتنبها. واجتمعت الامة قبله على أن ما مضى منها كانت طاعة لله تعالى وإن لم تكن صلاة كاملة كما لو مات فيها كان الماضى منها طاعة وان لم تكن صلاة كاملة

الفضيحة الخامسة من فضائحه إنكاره حصار عثمان وقتله بالغلبة والقهر. وزعم أنّ شرذمة قليلة قتلوه غرّة من غير حصار مشهور. ومنكر حصار عثمان مع تواتر الاخبار به كمنكر وقعتى بدر وأحد مع تواتر الاخبار بهما وكمنكر المعجزات التى تواترت الاخبار بها

الفضيحة السادسة من فضائحه قوله فى باب الأمة ان الامة

__________________

(١) بياض بالاصل

١٤٩

اذا اجتمعت كلمتها وتركت الظلم والفساد احتاجت إلى إمام بسوسها واذا عصت وفجرت وقتلت امامها لم تعقد الامامة لاحد فى تلك الحال. وانما أراد الطعن فى إمامة على لانها عقدت له فى حال الفتنة وبعد قتل امام قبله. وهذا قريب من قول الأصمّ منهم إن الامامة لا تنعقد الّا بإجماع عليه. وإنما قصد بهذا الطعن في إمامة عليّ رضى الله عنه لأنّ الامة لم تجتمع عليه لثبوت أهل الشام على خلافه الى أن مات فانكر إمامة عليّ مع قوله بامامة معاوية لاجتماع الناس عليه بعد قتل على رضى الله عنه وقرّت عيون الرافضة المائلين الى الاعتزال بطعن شيوخ المعتزلة فى إمامة على وبعد شك زعيمهم (٦٤ ب) واصل فى شهادة على وأصحابه

الفضيحة السابعة من فضائح القوطىّ قوله بتكفير من قال ان الجنة والنار مخلوقتان. وأخلافه من المعتزلة شكّوا فى وجودها اليوم ولم يقولوا بتكفير من قال انهما مخلوقان. والمثبتون لخلقهما يكفّرون من أنكرهما ويقسمون بالله تعالى ان من أنكرهما لا يدخل الجنة ولا ينجو من النار

الفضيحة الثامنة من فضائحه انكاره افتضاض الأبكار فى الجنّة. ومن انكر ذلك يحرّم ذلك بل يحرّم عليه دخول الجنة فضلا عن افتضاض الابكار فيها. وكان القوطى مع ضلالاته التى حكيناها

١٥٠

عنه يرى قتل مخالفيه فى السر غيلة. وان كانوا من أهل ملة الاسلام. وأهل السنة يقولون فى القوطى وأتباعه إن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين وفيه الخمس وليس على قاتل الواحد منهم قود ولا دية ولا كفّارة بل لقاتله عند الله تعالى القربة والزلفى والحمد لله على ذلك ذكر المردارية منهم هؤلاء اتباع عيسى بن صبيح المعروف بابى موسى المردار وكان يقال له راهب المعتزلة. وهذا اللقب لائق به ان كان المراد به مأخوذا من رهبانية النصارى ولقبه بالمردار لائق به أيضا وهو فى الجملة كما قيل

وقلّ ما أبصرت عيناك من رجل

الا ومعناه ان فكّرت فى لقبه

وكان هذا المردار يزعم ان الناس قادرون على ان يأتوا بمثل هذا القرآن وبما هو أفصح منه كما قاله النظّام وفى هذا عناد منهما لقول الله عزوجل (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ) (٦٥ ا) (يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء ٨٨) وكان المردار مع ضلالته يقول بتكفير من لا بس السلطان ويزعم انه لا يرث ولا يورث. وكان اسلافه من المعتزلة يقولون فيمن لا بس السلطان من موافقيهم فى القدر والاعتزال انه فاسق لا مؤمن ولا كافر. وافتى المردار بانه كافر والعجب من

١٥١

من سلطان زمانه كيف ترك قتله مع تكفيره إياه وتكفير من خالطه. وكان يزعم أيضا ان الله قادر على ان يظلم ويكذب. ولو فعل مقدوره من الظلم والكذب لكان إلها ظالما كاذبا. وحكى أبو زفر عن المردار انه أجاز وقوع فعل واحد من فاعلين مخلوقين على سبيل التولد مع انكاره على أهل السنة ما أجازوه من وقوع فعل من فاعلين احدهما خالق والآخر مكتسب. وزعم المردار أيضا أن من أجاز رؤية الله تعالى بالابصار بلا كيف فهو كافر والشاك فى كفره كافر وكذلك الشاك في الشاك لا الى نهاية. والباقون من المعتزلة انما قالوا بتكفير من أجاز الرؤية على جهة المقابلة أو على اتصال شعاع بصر الرائى بالمرئى والذين أثبتوا الرؤية مجمعون على تكفير المردار وتكفير الشاك فى كفره. وقد حكت المعتزلة عن المردار انه لما حضرته الوفاة اوصى أن يتصدق بماله ولا يدفع شيء منه الى ورثته. وقد اعتذر أبو الحسين الخيّاط عن ذلك بأن قال. كان فى ماله شبه وكان للمساكين فيه حق وقد وصفه فى هذا الاعتذار بانه (٦٥ ب) كان غاصبا وخائنا للمساكين. والغاصب عند المعتزلة فاسق مخلّد فى النار وقد اكفره سائر المعتزلة فى قوله بتولّد فعل واحد من فاعلين. وقد اكفر هو أبا الهذيل فى قوله بفناء مقدورات الله عزوجل. وصنّف فيه كتابا. واكفر استاذه بشر بن المعتمر فى

١٥٢

قوله بتوليد الالوان والطعوم والروائح والادراكات. واكفر النظّام فى قوله بأن المتولدات من فعل الله. وقال يلزمه ان يكون قول النصارى. المسيح ابن الله من فعل الله فهذا راهب المعتزلة. قد قال بتكفير شيوخه وقال شيوخه بتكفيره. وكلا الفريقين محقّ فى تكفير صاحبه

ذكر الجعفرية منهم. هؤلاء اتباع جعفر ابن احدهما جعفر ابن حرب والآخر جعفر بن مبشر. وكلاهما للضلالة رأس وللجهالة اساس. اما جعفر بن مبشر فأنه زعم ان فى فساق هذه الامة من هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة. هذا مع قوله بأن الفاسق موحّد وليس بمؤمن ولا كافر فجعل الموحّد الّذي ليس بكافر شرا من الثنوى الكافر. واقل ما نقابل به على هذا القول ان نقول له. انك عندنا شر من كل كافر على جديد الارض. وزعم أيضا ان إجماع الصحابة على ضرب شارب الخمر الحدّ وقع خطأ. لانهم أجمعوا عليه برأيهم فشارك ببدعته هذه نجدات الخوارج فى انكارها حد الخمر. وقد أجمع فقهاء الامة على تكفير من أنكر حد الخمر النيء وانما اختلفوا فى حد شارب النبيذ اذا لم يسكر منه. فأما اذا (٦٦ ا) سكر منه فعليه الحدّ عند فريقى الرأى والحديث على رغم من أنكر ذلك. وزعم ابن مبشر أيضا ان من سرق حبة او

١٥٣

ما دونها فهو فاسق مخلد فى النار. وخالف بذلك اسلافه الذين قالوا بغفران الصغائر عند اجتناب الكبائر. وزعم أيضا ان تأييد المذنبين فى النار من موجبات العقول. وخالف بذلك اسلافه الذين قالوا ان ذلك معلوم بالشرع دون العقل. وزعم أيضا ان رجلا لو بعث الى امرأة يخطبها ليتزوجها وجاءته المرأة فوثب عليها فوطئها من غير عقد انه لا حدّ عليها. لأنها جاءته على سبيل النكاح واوجب الحد على الرجل لانه قصد الزنى. ولم يعلم هذا الجاهل ان المطاوعة للزانى زانية اذا لم تكن مكرهة. وانما اختلف الفقهاء فيمن أكره امرأة على الزنى. فمنهم من أوجب للمرأة مهرا وأوجب على الرجل حدا وبه قال الشافعى وفقهاء الحجاز. ومنهم من أسقط الحد عن الرجل لأجل وجوب المهر عليه ولم يقل احد من سلف الامة بسقوط الحد عن المطاوعة للزانى كما قاله ابن مبشر. وكفاه بخلاف الاجماع خزيا. واما جعفر بن حرب فانه جرى على ضلالات استاذه المردار وزاد عليه قوله بان بعض الجملة غير الجملة. وهذا يوجب عليه ان تكون الجملة غير نفسها اذ كان كل بعض منها غيرها. وكان يزعم ان الممنوع من العقل قادر على العقل وليس يقدر على شيء. هكذا حكى عنه الشعبى فى مقالاته ويلزمه على هذا الاصل ان يجيز كون العالم

١٥٤

ليس غير عالم بشيء. قال عبد القاهر. لابن حرب (٦٦ ب) كتاب فى بيان ضلالاته وقد نقضنا عليه وسمينا نقضنا عليه بكتاب الحرب على ابن حرب وفيه نقض اصوله وفصوله بحمد الله ومنّه

ذكر الاسكافية منهم. هؤلاء اتباع محمد بن عبد الله الاسكافى وكان قد أخذ ضلالته فى القدر عن جعفر بن حرب ثم خالفه فى بعض فروعه. وزعم ان الله تعالى يوصف بالقدرة على ظلم الاطفال والمجانين ولا يوصف بالقدرة على ظلم العقلاء. فخرج عن قول النظّام بانه لا يقدر على الظلم والكذب وخرج عن قول من قال من أسلافه انه يقدر على الظلم والكذب ولكنه لا يفعلهما لعلمه بقبحهما وغناه عنهما. وجعل بين القولين منزلة فزعم انه انما يقدر على ظلم من لا عقل له ولا يقدر على ظلم العقلاء. واكفره أسلافه فى ذلك واكفرهم هو فى خلافه. ومن تدقيقه فى ضلالته قوله بانه يجوز ان يقال ان الله يكلم العباد ولا يجوز ان يقال انه يتكلم وسماه مكلما ولم يسمه متكلما. وزعم ان متكلما يوهم ان الكلام قام به ومكلم لا يوهم ذلك. كما ان متحركا يقتضي قيام الحركة به ومتكلما يقتضي قيام الكلام به فصحيح عندنا وكلام الله تعالى عندنا قائم به. واما أسلافه من القدرية فانهم يقولون له ان اعتلالك هذا يوجب عليك ان يكون المتكلم من بدن الانسان

١٥٥

لسانه فحسب لان الكلام عندك يحل فيه. بل يوجب عليك احالة اجراء اسم المتكلم على شيء لان الكلام عندك وعند سائر المعتزلة له حروف ولا يصح ان يكون حرف واحد كلاما ومحل كل حرف من حروف الكلام غير محل الحرف الآخر فيعنى على اعتلالك ان لا يكون الانسان (٦٧ ا) متكلما ولا جزء منه على قود اعتلالك ان الله تعالى لم يكن متكلما لان الكلام لا يقوم به عندك. وقد فخم بعض المعتزلة من الاسكافي بان زعم ان محمد بن الحسن رآه ماشيا فنزل عن فرسه. وهذا كذب من قائله لان الاسكافى لم يكن فى زمان محمد بن الحسن. ومات محمد بن الحسن بالرى فى خلافة هارون الرشيد ولم يدرك الاسكافى زمان الرشيد ولو أدرك زمان محمد لم يكن محمد ينزل لمثله عن فرسه مع تكفيره اياه. وقد روى هشام بن عبيد الله الرازى عن محمد بن الحسن ان من صلى خلف المعتزلىّ يعيد صلاته. وروى هشام أيضا عن يحيى ابن اكثم عن أبى يوسف انه سئل عن المعتزلة فقال. هم الزنادقة. وقد أشار الشافعى فى كتاب القياس الى رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة وأهل الاهواء. وبه قال مالك وفقهاء المدينة. فكيف يصح من ائمة الاسلام اكرام القدرية بالنزول لهم مع قولهم بتكفيرهم؟

١٥٦

ذكر الثماميّة منهم. هؤلاء اتباع ثمامة بن اشرس النميرى من مواليهم. وكان زعيم القدرية فى زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل انه هو الّذي اغوى المأمون بان دعاه الى الاعتزال. وانفرد عن سائر اسلاف المعتزلة ببدعتين اكفرته الامة كلّها فيها. احداهما انه لما شاركه أصحاب المعارف فى دعواهم ان المعارف ضرورية زعم ان من لم يضطره الله تعالى الى معرفته لم يكن مأمورا بالمعرفة ولا منهيّا عن الكفر وكان مخلوقا للسحرة والاعتبارية فحسب كسائر الحيوانات التى ليست (٦٧ ب) بمكلفة. وزعم لاجل ذلك ان عوام الدهرية والنصارى والزنادقة يصيرون فى الآخرة ترابا. وزعم ان الآخرة انما هى دار ثواب او عقاب وليس فيها لمن مات طفلا ولا لمن يعرف الله تعالى بالضرورة طاعة يستحقون بها ثوابا ولا معصية يستحقون عليها عقابا فيصيرون حينئذ ترابا اذ لم يكن لهم حظ فى ثواب ولا عقاب. والبدعة الثانية من بدع ثمامة قوله بان الافعال المتولدة افعال لا فاعل لها. وهذه الضلالة تجر الى انكار صانع العالم لانه لو صح وجود فعل بلا فاعل لصح وجود كل فعل بلا فاعل. ولم يكن حينئذ فى الافعال دلالة على فاعلها ولا كان في حدوث العالم دلالة على صانعه كما لو أجاز انسان وجود كتابة لا من كاتب. ووجود منسوخ ومبنيّ لا من بان

١٥٧

وناسخ. ويقال له اذا كان كلام الانسان عندك متولدا ولا فاعل له عندك فلم تلوم الانسان على كذبه وعلى كلمة الكفر؟ وهو عندك غير فاعل للكذب ولا لكلمة الكفر. ومن فضائح ثمامة أيضا انه كان يقول فى دار الاسلام انها دار شرك وكان يحرم السبى لان المسبىّ عنده ما عصى ربه اذا لم يعرفه. وانما العاصى عنده من عرف ربه بالضرورة ثم جحده او عصاه. وفى هذا اقرار منه على نفسه بانه ولد زنى لانه كان من الموالى وكانت أمه مسبية ووطء من لا يجوز سبيها على حكم السبى الحرام (٦٨ ا) زنى. والمولود منه ولد زنى. فبدعة ثمامة على هذا التقدير لائق بنسبه. وقد حكى أصحاب التواريخ عن سخافة ثمامة ومجونه أمورا عجيبة. منها ما ذكره عبد الله بن مسلم عن كتيبه فى كتاب مختلف الحديث ذكر فيه ان ثمامة بن اشرس رأى الناس يوم جمعة يتعادون الى المسجد الجامع لخوفهم فوت الصلاة. فقال لرفيق له. انظر الى هؤلاء الحمير والبقر ثم قال ما ذا صنع ذاك العربى بالناس؟ يعنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وحكى الجاحظ فى كتاب المضاحك ان المأمون ركب يوما فرأى ثمامة سكران قد وقع في الطين فقال له. ثمامة. قال أى والله. قال ألا تستحى. قال لا والله. قال عليك لعنة الله. قال تترى ثم تترى. وذكر الجاحظ أيضا ان غلام

١٥٨

ثمامة قال يوما لثمامة قم صل. فتغافل. فقال له قد ضاق الوقت فقم وصل واسترح. فقال انا مستريح إن تركتنى. وذكر صاحب تاريخ المراوزة ان ثمامة بن أشرس سعى الى الواثق باحمد بن نصر المروزى وذكر له ان يكفّر من ينكر رؤية الله تعالى ومن يقول بخلق القرآن فاعتصم من بدعة القدرية فقتله ثم ندم على قتله. وعاتب ثمامة وابن داود وابن الزيات فى ذلك وكانوا قد أشاروا عليه بقتله. فقال له ابن الزيات وان لم يكن قتله صوابا فقتلنى الله تعالى بين الماء والنار. وقال ابن أبى داود. حبسنى الله تعالى فى جلدى ان لم يكن قتله صوابا. وقال ثمامة. سلط الله تعالى عليّ السيوف ان لم تكن أنت مصيبا فى قتله فاستجاب الله تعالى (٦٨ ب) دعاء كل واحد منهم فى نفسه. أما ابن الزيات فانه قتل في الحمام وسقط فى اثوابه فمات بين الماء والنار. وأما ابن أبى داود فان المتوكل رحمه‌الله حبسه فاصابه فى حبسه الفالج فبقى فى جلده محبوسا بالفالج الى ان مات. وأما ثمامة فانه خرج الى مكة فرآه الخزاعيون بين الصفا والمروة فنادى رجل منهم فقال يا آل خزاعة. هذا الذي سعى بصاحبكم احمد بن فهر وسعى فى دمه فاجتمع عليه بنو خزاعة بسيوفهم حتى قتلوه. ثم اخرجوا جيفته من الحرم فاكلته السباع خارجا من الحرم. فكان كما قال الله تعالى (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها

١٥٩

وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) (الطلاق ٩)

ذكر الجاحظية منهم. هؤلاء اتباع عمرو بن يحيى الجاحظ وهم الذين اغتروا بحسن بذله (هكذا) الجاحظ فى كتبه التي لها ترجمة تروق بلا معنى واسم يهول. ولو عرفوا جهالاته في ضلالاته لاستغفروا الله تعالى من تسميتهم اياه انسانا فضلا عن ان ينسبوا إليه احسانا. فمن ضلالاته المنسوبة إليه ما حكاه الكعبى عنه فى مقالاته مع افتخاره به من قوله. ان المعارف كلها طباع وهى مع ذلك فعل للعباد وليست باختيار لهم. قالوا ووافق ثمامة فى ان لا فعل للعباد الا الإرادة وان سائر الافعال تنسب الى العباد على معنى انها وقعت منهم طباعا وانها وجبت بإرادتهم. قال وزعم أيضا انه لا يجوز ان يبلغ احد فلا يعرف الله تعالى. والكفار عنده من معاند ومن عارف قد استغرقه حبه لمذهبه فهو لا يشكر (٦٩ ا) بما عنده من المعرفة بخالقه ويصدق رسله فان صدق الكعبىّ على الجاحظ فى أن لا فعل للانسان الا الإرادة لزمه ان لا يكون الانسان مصليا ولا صائما ولا حاجا ولا زانيا ولا سارقا ولا قاذفا ولا قاتلا. لانه لم يفعل عنده صلاة ولا صوما ولا حجا ولا زنى ولا سرقة ولا قتلا ولا قذفا. لان هذه الافعال عنده غير الإرادة واذا كانت هذه الافعال التى ذكرناها عنده طباعا لا كسبا لزمه

١٦٠