كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ جعفر السبحاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

الحقيقي كالأبوة والبنوة والاتفاق كالأخوة والجوار.

ثم إن هذا المضاف الحقيقي يعرض للمضاف المشهوري إما باعتبار زائد يحصل فيهما كالعاشق والمعشوق فإن في العاشق هيئة مدركة وفي المعشوق هيئة يتعلق بها الإدراك فيحصل حينئذ إضافة العشق باعتبار هذا الزائد ، وقد يكون الزائد في أحدهما إذ العالم المضاف إلى المعلوم باعتبار قيام صفة العلم به ، وقد لا يكون باعتبار زائد كالميامن والمياس ر فإنهما يتضايفان لا لأجل صفة زائدة على الإضافة هذا خلاصة ما فهمناه من هذا الكلام.

المسألة الخامسة

في مقولة الأين

قال : الرابع الأين وهي النسبة إلى المكان.

أقول : لما فرغ من البحث عن المضاف شرع في البحث عن الأين وهي نسبة الشيء إلى مكانه بالحصول فيه وهو حقيقي وهو نسبة الشيء إلى مكانه الخاص به ، وغير حقيقي وهو نسبته إلى مكان عام كقولنا زيد في الدار وهذه النسبة مغايرة للوجود ولكل واحد من الجسم والمكان ولا تقبل الشدة والضعف.

قال : وأنواعه أربعة عند قوم هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.

أقول : أنواع الكون عند المتكلمين أربعة الحركة والسكون وهما حالتا الجسم بانفراده باعتبار المكان والاجتماع والافتراق وهما حالتاه باعتبار انضمامه إلى الغير من الأجسام.

قال : فالحركة كمال أول لما بالقوة من حيث هو بالقوة أو حصول الجسم في مكان بعد آخر.

أقول : هذان تعريفان للحركة : الأول منهما للحكماء ، والثاني للمتكلمين أما التعريف

٢٦١

الأول فاعلم أن الحركة حال حصول الجسم في المكان المنتقل عنه معدومة عنه ممكنة له فهي كمال للجسم ثم إن حصوله في المكان الثاني حينئذ معدوم عنه ممكن له فهو كمال أيضا والجسم في تلك الحال بالقوة في المكان الثاني لكن الحركة أسبق الكمالين فالحركة كمال أول لما بالقوة أعني الجسم الذي هو بالقوة في المكان الثاني. وإنما قيدنا بقولنا من حيث هو بالقوة لأن الحركة تفارق سائر الكمالات بأن جميع الكمالات إذا حصلت خرج ذو الكمال من القوة إلى الفعل وهذا الكمال من حيث إنه كمال يستلزم كون ذي الكمال بالقوة. وأما الثاني فإن المتكلمين قالوا ليست الحركة هي الحصول في المكان الأول لأن الجسم لم يتحرك بعد ولا واسطة بين الأول والثاني وإلا لم يكن ما فرضناه ثانيا بثان فهي الحصول في المكان الثاني لا غير.

قال : ووجودها ضروري.

أقول : اتفق أكثر العقلاء على أن الحركة موجودة وادعوا الضرورة في ذلك وخالفهم جماعة من القدماء كزينون وأتباعه قالوا إنها ليست موجودة واستدلوا على ذلك بوجوه : أحدها أن الحركة لو كانت موجودة لكانت إما منقسمة فيكون الماضي غير المستقبل أو غير منقسمة فيلزم تركبها من الأجزاء التي لا تتجزى واللازمان باطلان.

الثاني أن الحركة ليست هي الحصول في المكان الأول لأن الجسم حينئذ لم يتحرك بعد ولا في المكان الثاني لأن الحركة انتهت وانقطعت ولا المجموع لامتناع تحقق جزأيه معا في الوجود فلا تكون موجودة.

الثالث أن الحركة ليست واحدة فلا تكون موجودة.

وهذه الاستدلالات في مقابلة الحكم الضروري فلا تكون مسموعة.

قال : يتوقف على المتقابلين والعلتين والمنسوب إليه والمقدار.

أقول : وجود الحركة يتوقف على أمور ستة : أحدها ما منه الحركة ، والثاني ما إليه الحركة أعني مبدأ الحركة ومنتهاها والظاهر أن مراده بالمتقابلين هذان لأن المبدأ والمنتهى

٢٦٢

متقابلان لا يجتمعان في شيء واحد باعتبار واحد ، الثالث ما به الحركة وهو السبب والعلة الفاعلية لوجودها ، الرابع ما له الحركة أعني الجسم المتحرك وهو العلة القابلية وهذان هما المرادان بقوله والعلتين ، الخامس ما فيه الحركة أعني المقولة التي ينتقل الجسم فيها من نوع إلى نوع والظاهر أنه المراد بقوله والمنسوب إليه إذ المقولة تنسب الحركة إليها بالتبعية ، السادس الزمان الذي تقع فيه الحركة وهو المراد بقوله والمقدار فإن الزمان مقدار الحركة.

قال : فما منه وما إليه قد يتحدان محلا وقد يتضادان ذاتا وعرضا.

أقول : ما منه وما إليه قد يكون محلهما واحدا لكن لا باعتبار واحد كالنقطة في الحركة المستديرة فإنها بعينها مبدأ للحركة المستديرة ومنتهى لها لكن باعتبارين ، وقد يتغاير محلهما كالحركات المستقيمة ثم قد يتضاد المحل في المتكثر إما ذاتا كالحركة من السواد إلى البياض أو عرضا كالحركة من اليمين إلى الشمال.

قال : ولهما اعتباران متقابلان أحدهما بالنظر إلى ما يقالان له.

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أن لكل واحد مما منه وما إليه اعتبارين : أحدهما بالقياس إلى ما يقال له أعني ذا المبدإ وذا المنتهى ، والثاني بقياس كل واحد إلى صاحبه فالأول قياس التضايف والثاني قياس التضاد وذلك لأن المبدأ لا يضايف المنتهى لانفكاكهما تصورا بل يضايف ذا المبدإ فإن المبدأ مبدأ لذي المبدإ وكذا المنتهى وأما اعتبار المبدإ إلى المنتهى فإنه مضاد له إذ ليس مضايفا ، ولا سلبا وإيجابا ، ولا عدما وملكة فلم يبق إلا التضاد وهذان الاعتباران أعني التضايف والتضاد متقابلان (واعلم) أن هاهنا إشكالا وهو أن يقال الضدان لا يعرضان لموضوع واحد مجتمعين فيه والمبدإ والمنتهى قد يعرضان لجسم واحد.

والجواب أن الضدين قد يجتمعان في جسم واحد إذا لم يكن الجسم موضوعا قريبا لهما وحال المبدإ والمنتهى هنا كذلك لأن موضوعهما الأطراف في الحركات المستقيمة وتلك متغايرة بقي أن يقال هذا لا يتأتى في الحركات المستديرة وقد نبه المصنف ـ رحمه‌الله ـ على

٢٦٣

ذلك بقوله قد يتحدان محلا فيكون وجه الخلاص عدم اجتماع الوصفين إذ حال وصفه بكونه منتهى ينتفي عنه كونه مبدأ وفيه ما فيه.

قال : ولو اتحدت العلتان انتفى المعلول.

أقول : قد بينا أنه يريد بالعلتين هنا الفاعلية أعني المحرك والقابلية أعني المتحرك وادعى تغايرهما على معنى أنه لا يجوز أن يكون الشيء محركا لنفسه بل إنما يتحرك بقوة موجودة إما فيه كالطبيعة أو خارجة عنه لأنه لو تحرك لذاته لانتفت الحركة إذ بقاء العلة يستلزم بقاء المعلول فإذا فرضنا الجسم لذاته علة للحركة كان علة لأجزائها فيكون كل جزء منها باقيا ببقاء الجسم لكن بقاء الجزء الأول منها يقتضي أن لا يوجد الثاني لامتناع اجتماع أجزائها في الوجود فلا توجد الحركة وقد فرضناها موجودة هذا خلف وإلى نفي الحركة أشار. بقوله انتفى المعلول.

قال : وعم.

أقول : هذه حجة ثانية على أن الفاعل للحركة ليس هو القابل أعني نفس الجسمية وتقريره أن نقول الأجسام متساوية في الماهية فلو اقتضت لذاتها الحركة لزم عمومها لكل جسم فكان كل جسم متحركا (هف) ثم إن الجسمية إن اقتضت الحركة إلى جهة معينة لزم حركة كل الأجسام إليها وهو باطل بالضرورة وإن كان إلى جهة غير معينة انتفت الحركة وأشار إلى هذا الدليل بقوله (وعم) أي وعم ما فرضناه معلولا وهو الحركة إما مطلقا أو إلى جهة معينة على ما قررنا الوجهين فيه.

قال : بخلاف الطبيعة المختلفة المستلزمة في حال ما.

أقول : هذا جواب عن إشكال يورد على هذين الدليلين وتقريره أن نقول الطبيعة قد تقتضي الحركة ولا يلزم دوامها بدوام الطبيعة ولا عمومها بعمومها.

وتقرير الجواب أن نقول الطبائع مختلفة فجاز اقتضاء بعضها الحركة إلى جهة معينة

٢٦٤

بخلاف غيرها وإلى هذا أشار بقوله المختلفة.

وأيضا الطبيعة لم نقل إنها مطلقا علة للحركة وإلا لزم المحال بل إنما تقتضيها في حال ما وهو حال خروج الجسم عن مكانه الطبيعي ، أما حال بقاء الجسم في مكانه الطبيعي فلا تقتضي الحركة وإليه أشار بقوله المستلزمة في حال ما.

قال : والمنسوب إليه أربع فإن بسائط الجواهر توجد دفعة ومركباتها تعدم بعدم أجزائها.

أقول : يريد بالمنسوب إليه ما توجد فيه الحركة على ما تقدم تفسيره والحركة تقع في أربع مقولات لا غير هي الكم والكيف والأين والوضع ولا تقع فيما سوى ذلك أما الجوهر فقسمان بسيط ومركب فالبسيط يوجد دفعة فلا تتحق فيه حركة ، والمركب يعدم بعدم أحد أجزائه فلا تقع فيه حركة إذ المتحرك باق حال الحركة والمركب ليس بباق حال الحركة فلا تقع فيه حركة أيضا.

قال : والمضاف تابع.

أقول : المضاف لا تقع فيه حركة بالذات لأنه أبدا تابع لغيره فإن كان متبوعه قابلا للشدة والضعف قبلهما هو وإلا فلا.

قال : وكذا متى.

أقول : ذكر الشيخ في النجاة أن متى يوجد للجسم بتوسط الحركة فكيف يكون فيه حركة فإن كل حركة في متى فلو كان فيه حركة لكان لمتى متى آخر وقال في الشفاء يشبه أن يكون حال متى كحال الإضافة في أن الانتقال لا يكون فيه بل يكون في كم أو كيف ويكون الزمان لازما لذلك التغير فيعرض بسببه فيه التبدل.

قال : والجدة دفعة.

أقول : مقولة الملك لا تتحق فيها حركة لأنا قد بينا أنها عبارة عن نسبة التملك فإن

٢٦٥

حصل وقع دفعة وإلا فلا حصول له فلا تعقل فيه حركة.

قال : ولا تعقل حركة في مقولتي الفعل والانفعال.

أقول : هاتان المقولتان لا توجد الحركة فيهما لأن الانتقال من التبرد إلى التسخن إن كان بعد كمال التبرد وانتهائه لم يكن الانتقال من التبرد بل من البرودة إذ التبرد قد عدم وانقطع ، وإن كان قبل كماله كان الجسم في حال واحد أعني حال الحركة متوجها إلى كيفيتين متضادتين هذا خلف.

قال : ففي الكم باعتبارين لدخول الماء القارورة المكبوبة عليه ، وتصدع الآنية عند الغليان.

أقول : لما بين أن الحركة تقع في أربع مقولات وأبطل وقوعها في الزائد شرع في تفصيل وقوع الحركة في مقولة مقولة فابتدأ بالكم وذكر أن الحركة تقع فيه باعتبارين أحدهما التخلخل والتكاثف ، والثاني النمو والذبول.

أما الأول فالمراد به زيادة مقدار الجسم ونقصانه من غير ورود أجزاء جسمانية عليه ، أو انفصال أجزاء منه بناء على أن المقدار أمر زائد على الجسم وأن الجسم قابل للانتقال من نوع منه إلى نوع آخر على التدريج ، واستدل على وقوع الحركة بهذا الاعتبار بوجهين : الأول أن القارورة إذا كبت على الماء فإن كان بعد المص دخلها الماء وإلا فلا مع أن الخلاء أو الملاء في البابين واحد فليس ذلك إلا لأن الهواء المحتقن داخل القارورة له مقدار طبيعي وبسبب المص يخرج شيء من الهواء فيكتسب الباقي لضرورة الخلاء مقدارا أكثر غير طبيعي فإذا كبت القارورة على الماء داخلها الماء فعاد الهواء إلى مقداره الطبيعي لوجود المستخلف عن الهواء الخارج بالمص.

الثاني أن الآنية إذا ملئت ماء وسد رأسها سدا محكما وغليت بالنار فإنها تنشق وليس ذلك لمداخلة أجزاء النار لعدم الثقب في الآنية فبقي أن يكون ذلك لزيادة مقدار ما فيها. وعندي في هذين الوجهين نظر وإن أفادا الظن.

٢٦٦

قال : وحركة أجزاء المغتذي في جميع الأقطار على التناسب.

أقول : هذا هو الاعتبار الثاني وهو الحركة في الكم باعتبار النمو (واعلم) أن النامي يزداد جسمه بسبب اتصال جسم آخر به وتلك الزيادة ليست مطلقا بل إذا داخلت أجزاء المزيد عليه وتشبهت به فضد هذه الحالة الذبول وقد يشتبه هذا بالسمن والفرق بينهما أن الواقف في النمو قد يسمن كما أن المتزايد في النمو قد يهزل وذلك لأن الزيادة إذا أحدثت المنافذ في الأصل ودخلت فيها وتشبهت بطبيعة الأصل واندفعت أجزاء الأصل إلى جميع الأقطار على نسبة واحدة في نوعه فذاك هو النمو والشيخ قد يسمن لأن أجزاءه الأصلية قد جفت وصلبت فلا يقوى المغتذي على تفريقها والنفوذ فيها فلا تتحرك أجزاؤه الأصلية إلى الزيادة فلا يكون ناميا وإن تحرك لحمه إلى الزيادة فيكون ذلك في الحقيقة نموا في اللحم لكن المسمى باسم النمو إنما هو حركة الأعضاء الأصلية.

قال : وفي الكيف للاستحالة المحسوسة مع الجزم ببطلان الكمون والورود لتكذيب الحس لهما.

أقول : لما فرغ من البحث عن الحركة في الكم شرع في الحركة في الكيف أعني الاستحالة واستدل على ذلك بالحس فإنه يقضي بصيرورة الماء البارد حارا على التدريج وبالعكس وكذا في الألوان وغيرها من الكيفيات المحسوسة.

واعلم أن الآراء لم تتفق على هذا فإن جماعة من القدماء أنكروا الاستحالة وافترقوا في الاعتذار عن الحرارة المحسوسة في الماء إلى قسمين : أحدهما ذهب إلى أن في الماء أجزاء نارية كامنة فيه فإذا ورد عليه نار من خارج برزت تلك الأجزاء وظهرت للحس ، والثاني ذهب إلى أن الأجزاء النارية ترد عليه من خارج وتداخله فيحس منه بالحرارة.

والقولان باطلان فإن الحس يكذبهما أما الأول فلأن الأجزاء الكامنة يجب الإحساس بها عند مداخلة اليد لجميع أجزاء الماء وتفرقها قبل ورود الحرارة عليه ولما لم يكن كذلك دل على بطلان الكمون.

٢٦٧

وأما الثاني فلأنا نشاهد جبلا من كبريت تقرب منه نار صغيرة فيحترق مع أنا نعلم أنه لم يكن في تلك النار الصغيرة من الأجزاء النارية ما يلاقي الجبل ويغلب عليه حسا.

قال : وفي الأين والوضع ظاهر.

أقول : وقوع الحركة في هاتين المقولتين أعني الأين والوضع ظاهر لكن الشيخ ادعى أنه الذي استخرج وقوع الحركة في الوضع وقد وجد في كلام أبي نصر الفارابي وقوعها فيه (واعلم) أن الحركة في الوضع وإن استلزمت حركة الأجزاء في الأين لكن ذلك باعتبار آخر مغاير لاعتبار حركة الجميع في الوضع.

قال : وتعرض لها وحدة باعتبار وحدة المقدار والمحل والقابل.

أقول : الحركة منها واحدة بالعدد ومنها كثيرة أما الواحدة فهي الحركة المتصلة من مبدإ المسافة إلى نهايتها وقد بينا تعلق الحركة بأمور ستة والمقتضي لوحدتها إنما هو ثلاثة منها لا غير : الأول وحدة الموضوع وهو أمر ضروري في وحدة كل عرض لاستحالة قيام العرض بمحلين وإليه أشار بقوله والمحل.

الثاني وحدة الزمان وهو كذلك أيضا لاستحالة إعادة المعدوم بعينه وإليه أشار بقوله المقدار

الثالث وحدة المقولة التي فيها الحركة فإن الجسم الواحد قد يتحرك في الزمان الواحد حركتي كيف وأين وإليه أشار بقوله والقابل.

ويحتمل أن يكون القابل هو الموضوع والمحل هو المقولة. ووحدة المحرك غير شرط فإن المتحرك بقوة ما مسافة إذا تحرك بأخرى قبل انقطاع فعل الأولى اتحدت الحركة. وإذا اتحدت الأشياء الثلاثة اتحد ما منه وما إليه لكن كل واحد منهما غير كاف فإن المتحرك من مبدإ واحد قد ينتهي إلى شيئين والمنتهي إلى شيء واحد قد يتحرك من مبدءين.

قال : واختلاف المتقابلين والمنسوب إليه يقتضي الاختلاف.

أقول : إذا اختلف أحد الأمور الثلاثة أعني ما منه وما إليه وما فيه ، اختلفت الحركة

٢٦٨

بالنوع فإن الحركة في الكيف تغاير الحركة في الأين وهذا ظاهر. وأيضا الصاعدة ضد الهابطة. وأراد بالمتقابلين ما منه وما إليه وبالمنسوب إليه ما فيه ولا يشترط اختلاف الموضوع فإن الحجر والنار قد يتحركان حركة واحدة بالنوع ، ولا الفاعل لأن الطبيعية والقسرية قد تصدر عنهما حركة واحدة به ، ولا الزمان لعدم اختلافه وفي هذه المباحث نظر ذكرناه في كتاب الأسرار.

قال : وتضاد الأولين التضاد.

أقول : من الحركات ما هو متضاد وهي الداخلة تحت جنس أخير كالصاعدة والهابطة فعلة تضادهما ليس تضاد المتحرك لإمكان صعود الحجر والنار ، ولا تضاد المحرك لصدور الصعود عن الطبع والقسر ، ولا الزمان لعدم تضاده ، ولا ما فيه لاتحاد المسافة فيهما فلم يبق إلا ما منه وما إليه وإليه أشار بقوله وتضاد الأولين التضاد أي وتضاد الأولين يقتضي التضاد وعنى بالأولين ما منه وما إليه. ولا يمكن التضاد بالاستقامة والاستدارة لأنهما غير متضادين.

قال : ولا مدخل للمتقابلين والفاعل في الانقسام.

أقول : الحركة تنقسم بانقسام الزمان فإن الحركة في نصف الزمان نصف الحركة في جميعه مع التساوي في السرعة والبطء ، وبانقسام المتحرك فإنها عرض حال فيه والحال في المنقسم يكون لا شك منقسما ، وبانقسام ما فيه أعني المسافة فإن الحركة إلى منتصفها نصف الحركة إلى منتهاها ولا مدخل للمتقابلين أعني ما منه وما إليه في الانقسام ولا للفاعل وذلك كله ظاهر.

قال : وتعرض لها كيفية تشتد فتكون الحركة سريعة ، وتضعف فتكون بطيئة ولا تختلف بهما الماهية.

أقول : تعرض للحركة كيفية واحدة تشتد تارة وتضعف أخرى فتكون الحركة باعتبار

٢٦٩

شدتها سريعة وباعتبار ضعفها بطيئة وتلك الكيفية هي السرعة والبطء ولا تختلف ماهية الحركة بهاتين الكيفيتين لوجهين : الأول أن هذه الكيفية واحدة وإنما تختلف بالقياس إلى غيرها فما هو سريع بالنسبة إلى شيء قد يكون بطيئا بالنسبة إلى غيره ، الثاني أنا نقسم الجنس الواحد من الحركة إلى الصاعد والهابط مثلا ونقسمه أيضا إلى السريع والبطيء وهاتان قسمتان ليستا مرتبتين حتى يكون عروض إحداهما للجنس بواسطة الأخرى بل يعرضان أولا لذلك الجنس وقد تبين أن الجنس الواحد لا يعرض له فصلان من غير ترتيب بل الفصل أحدهما خاصة.

قال : وسبب البطء الممانعة الخارجية أو الداخلية لا تخلل السكنات وإلا لما أحس بما اتصف بالمقابل.

أقول : اعلم أن المتكلمين ذهبوا إلى أن تخلل السكنات بين أجزاء الحركة سبب للإحساس بالبطء والأوائل لما امتنع عندهم وجود جزء لا يتجزى في الحركة امتنع إسناد البطء إلى تخلل السكنات بل أسندوه إلى الموانع الخارجية كالملاء في الحركات الطبيعية ، وإلى الداخلية كالميول الطبيعية في الحركات القسرية لأنه لو كان تخلل السكنات سبب البطء لما أحس بما اتصف بالمقابل يعني أنه يلزم عدم الإحساس بالحركات المتصفة بالسرعة التي هي مقابلة البطء لما تقدم في مسألة الجزء الذي لا يتجزى.

قال : ولا اتصال لذوات الزوايا والانعطاف لوجود زمان بين آني الميلين.

أقول : يريد أن كل حركتين مستقيمتين مختلفتين فإن بينهما زمان سكون كما بين الصاعدة والهابطة وعبر عن ذلك بذوات الزوايا وهي الحركة الحاصلة على خطين أحدهما متصل بالآخر على غير الاستقامة ، والانعطاف وهي الحركة الراجعة من المنتهى إلى المبدإ. وإنما وجب السكون بينهما لأن لكل حركة علة تقتضي إيصال الجسم إلى المطلوب والوصول موجود آنا فعلته كذلك وهذا الآن الذي يوجد فيه الميل المقتضي للوصول ليس هو آن الميل الذي يقتضي المفارقة لاستحالة اجتماع الميلين ولا يتصل الآنان فلا بد من

٢٧٠

فاصل هو زمان عدم الميل فيكون الجسم ساكنا فيه وهو المطلوب.

قال : والسكون حفظ النسب فهو ضد.

أقول : اختلف الناس في تحقيق ماهية السكون وأنها هل هي وجودية أو عدمية فالمتكلمون على الأول فجعلوه عبارة عن حصول الجسم في حيز واحد أكثر من زمان واحد والحكماء على الثاني قالوا إنه عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك والمصنف ـ رحمه‌الله ـ اختار قول المتكلمين وهو أنه وجودي وأن مقابلته للحركة تقابل الضدية لا تقابل العدم والملكة وجعله عبارة عن حفظ النسب بين الأجسام الباقية على حالها.

قال : يقابل الحركتين.

أقول : يمكن أن يفهم من هذا الكلام معنيان : أحدهما أنه إشارة إلى الصحيح من الخلاف الواقع بين الأوائل من أن المقابل للحركة هو السكون في مبدإ الحركة لا نهايتها ، أو أن السكون مقابل للحركة من مكان السكون وإليه. والحق هو الأخير لأن السكون ليس عدم حركة خاصة وإلا لكان المتحرك إلى جهة ساكنا في غير تلك الجهة بل هو عدم كل حركة ممكنة في ذلك المكان واحتج الأولون بأن السكون في النهاية كمال للحركة وكمال الشيء لا يقابله.

والجواب أن السكون ليس كمالا للحركة بل للمتحرك. الثاني أن السكون ضد يقابل الحركة المستقيمة والمستديرة معا وذلك لأنه لما بين أن السكون عبارة عن حفظ النسب وكان حفظ النسب إنما يتم ببقاء الجسم في مكانه على وضعه وجب أن يكون السكون مقابلا للحركة المستقيمة والمستديرة معا لانتفاء حفظ النسب فيهما.

قال : وفي غير الأين حفظ النوع.

أقول : لما بين أن السكون عبارة عن حفظ النسب وكان ذلك إنما يتحقق في السكون في المكان لكن ليس كل سكون في مكان ، وجب عليه أن يفسر السكون في غير الأين من

٢٧١

المقولات فجعله عبارة عن حفظ النوع في المقولة ، التي تقع فيها الحركة.

قال : ويتضاد لتضاد ما فيه.

أقول : قد يعرض في السكون التضاد كما يعرض في الحركة فإن السكون في المكان الأعلى يضاد السكون في المكان الأسفل فعلة تضاده ليست تضاد الساكن ولا المسكن ولا الزمان لما تقدم في الحركة ولا تعلق له بما منه وما إليه فوجب أن تكون علة تضاده هو تضاد ما فيه.

قال : ومن الكون طبيعي وقسري وإرادي.

أقول : الكون يريد به هنا الجنس الشامل للحركة والسكون كما اصطلح عليه المتكلمون وقسمه إلى أقسام ثلاثة وذلك لأنه عبارة عن حصول الجسم في الحيز وذلك الحصول قد بينا أنه لا يجوز استناده إلى ذات الجسم فلا بد من قوة يستند إليها وتلك القوة إما أن تكون مستفادة من الخارج وهي القسرية ، أو لا وهي الطبيعية إن لم تقارن الشعور ، والإرادية إن قارنته.

قال : فطبيعي الحركة إنما يحصل عند مقارنة أمر غير طبيعي.

أقول : الطبيعة أمر ثابت والحركة غير ثابتة فلا تستند إليها لذاتها بل لا بد من اقتران الطبيعة بأمر غير طبيعي ويفتقر في الرد إليه إلى الانتقال فيكون ذلك الانتقال طبيعيا أما في الأين فكالحجر المرمي إلى فوق ، وأما في الكيف فكالماء المسخن ، وأما في الكم فكالذابل بالمرض.

قال : ليرد الجسم إليه فيقف

أقول : غاية الحركة الطبيعية إنما هي حصول الحالة الملائمة الطبيعية التي فرضنا زوالها حتى اقتضت الطبيعة الحركة ورد الجسم إليها بعد عدمها عنه ، لا الهرب عن الحالة غير

٢٧٢

الطبيعية قيل لعدم الاختصاص وهو ممنوع إذ كل طريق غير طبيعي مهروب عنه فيختص بالطبيعي ، وعلى كل تقدير فإذا حصلت الحالة الطبيعية وقف الجسم وعدمت الحركة الطبيعية لزوال الشرط وهو عدم الحالة غير الطبيعية.

قال : فلا تكون دورية

أقول : هذا نتيجة ما تقدم فإن الحركة الطبيعية تطلب استرداد الحالة الطبيعية بعد زوالها والحركة الدورية تطلب بالحركة عين ما هربت عنه فلا تكون طبيعية وهو ظاهر.

واعلم أن الحركة الطبيعية قد بينا أنها إنما تصدر عن الطبيعة لا بانفرادها بل بمشاركة الأحوال الغير الطبيعية ولتلك الأحوال درجات متفاوتة في القرب والبعد فإذا حركت الطبيعة الجسم إلى نقطة معينة كانت مع حال مخصوصة غير ملائمة فإذا وصل الجسم إلى تلك النقطة لم تبق تلك الحالة بل حصلت حالة أخرى هي الحصول في حد آخر فعلة الحركة الأولى التامة غير علة الحركة الثانية فلا يقال الطبيعة في منتصف المسافة مثلا تهرب عما طلبته بالطبيعة.

قال : وقسريها مستند إلى قوة مستفادة قابلة للضعف.

أقول : الحركة القسرية إما أن تكون مع ملازمة المتحرك أو مع مفارقته والأول لا إشكال فيه وإنما البحث في الثاني فالمشهور أن المحرك كما يفيد المقسور حركة كذلك يفيده قوة فاعلة لتلك الحركة قابلة للضعف بسبب الأمور الخارجية والطبيعة المقاومة وكلما ضعفت القوة القسرية بسبب المصادمات قويت الطبيعة إلى أن تفنى تلك القوة بالكلية.

وعندي هنا إشكال فإن الواحد بالشخص لا يبقى حال ضعفه فالقوة القسرية إذا عدمت عند ضعفها افتقر المتجدد منها إلى علة كافتقار الحركة والأقرب هنا أن نثبت في المتحرك قسرا أمورا ثلاثة الحركة القسرية والميل القسري وهو القابل للشدة والضعف والقوة المستفادة من القاسر وهي باقية لا تشتد ولا تضعف وتجدد الميول ما لم يحصل للهواء الذي يتحرك فيه المتحرك تلبد وتصلب يمنع عن النفوذ فيه فتبطل القوة القسرية

٢٧٣

بالكلية.

قال : وطبيعي السكون يستند إلى الطبيعة مطلقا.

أقول : السكون منه طبيعي كاستقرار الأرض في المركز ، ومنه قسري كالحجر الواقف في الهواء قسرا ، ومنه إرادي كسكون الحيوان بإرادته في مكان ما والطبيعي من السكون ما يستند إلى الطبيعة مطلقا بخلاف الحركة الطبيعية المستندة إلى الطبيعة لا مطلقا بل عند مقارنة أمر غير ملائم.

قال : وتعرض البساطة ومقابلها للحركة خاصة.

أقول : من الحركات ما هو بسيط كحركة الحجر إلى أسفل ، ومنها ما هو مركب كحركة النملة على الرحى إذا اختلفتا في المقصد فإن حركة كل من النملة والرحى وإن كانت بسيطة لكن إذا نظر إلى حركة النملة الذاتية باعتبار حصولها في محل متحرك بالعرض حصل لها تركيب ، ثم إن كانت إحدى الحركتين مساوية للأخرى حدث للنملة ثبات بالنسبة إلى الأمور الثابتة وإن فضلت إحداهما الأخرى حصل لها حركة بقدر فضل إحداهما على الأخرى وهذا إنما يكون في متحرك يتحرك بالعرض إذ يستحيل تحرك الجسم الواحد بالذات حركتين إلى جهة أو جهتين.

قال : ولا يعلل الجنس ولا أنواعه بما يقتضي الدور.

أقول : الذي خطر لنا في تفسير هذا الكلام الرد على أبي هاشم حيث قال إن حصول الجسم في المكان معلل بمعنى وإن الحركة معللة بمعنى والدليل على بطلانه أن المعنى الذي جعل علة في الحصول إما أن يوجد قبل الحصول أو لا فإن كان الثاني لزم الدور ، وإن كان الأول فإن اقتضى اندفاع الجسم إلى مكان ما فهو الميل وهو ثابت ، وإلا لم يكن علة.

٢٧٤

المسألة السادسة

في المتى

قال : الخامس المتى وهو النسبة إلى الزمان أو طرفه.

أقول : لما فرغ من البحث عن مقولة الأين شرع في البحث عن المتى والمراد بها نسبة الشيء إلى الزمان أو طرفه بالحصول فيه وهو إما حقيقي وهو الذي لا يفضل عن كون الشيء كالصيام في النهار ، وإما غير حقيقي كالصلاة فيه.

والفرق بين المتى الحقيقي والأين الحقيقي في النسبة أن المتى الواحد قد يشترك فيه كثيرون بخلاف الأين الحقيقي.

قال : والزمان مقدار الحركة من حيث التقدم والتأخر العارضين لها باعتبار آخر.

أقول : الحركة يعرض لها نوعان من التقدم والتأخر وتتقدر باعتبارهما فإن الحركة لا بد لها من مسافة تزيد بزيادتها وتنقص بنقصانها ولا بد لها من زمان كذلك ويعرض لأجزائها تقدم وتأخر باعتبار تقدم بعض أجزاء المسافة على بعض فإن الجزء من الحركة الحاصل في الحيز المتقدم من المسافة متقدم على الحاصل في المتأخر منها ، وكذلك الحاصل في المتقدم من الزمان متقدم على الحاصل في متأخره لكن الفرق بين تقدم المسافة وتقدم الحركة أن المتقدم من المسافة يجامع المتأخر بخلاف أجزاء الحركة ، ويحصل للحركة عدد بالاعتبارين فالزمان هو مقدار الحركة وعددها من حيث التقدم والتأخر العارضين لها باعتبار المسافة لا باعتبار الزمان وإلا لزم الدور وإلى هذا أشار بقوله باعتبار آخر أي باعتبار آخر مغاير لاعتبار الزمان.

قال : وإنما تعرض المقولة بالذات للمتغيرات ، وبالعرض لمعروضها.

أقول : هذه المقولة التي هي المتى إنما تعرض بالذات للمتغيرات كالحركات ، وإنما تعرض لغيرها بالعرض وبواسطتها فإن ما لا يتغير لا تعرض له هذه النسبة إلا باعتبار

٢٧٥

عروض صفات متغيرة له كالأجسام التي تعرض لها الحركات فتلحقها هذه النسبة.

قال : ولا يفتقر وجود معروضها وعدمه إليه.

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أمران : (أحدهما) أن وجود معروض المتغيرات وعدمه لا يفتقر إلى الزمان لأنه متأخر عن المتغيرات لأنه مقدارها وهي متأخرة عن المتغيرات التي هي معروضها فلو افتقر وجود المعروض وعدمه إليه لزم الدور.

الثاني أن هذه النسبة التي هي المقولة عارضة للمنتسبين اللذين أحدهما الزمان فالزمان معروض لهذه النسبة ووجود هذا المعروض وعدمه لا يفتقران إلى الزمان وإلا لزم التسلسل.

قال : والطرف كالنقطة وعدمه في الزمان لا على التدريج.

أقول : الطرف يعني به الآن فإنه طرف الزمان ووجوده فرضي على ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من نفي الجوهر الفرد كوجود النقطة في الجسم ، وعدمه في جميع الزمان الذي بعده لا على التدريج وذلك لأن عدم الشيء قد يكون في آن كالأجسام وغيرها من الأعراض القارة ، وقد يكون في زمان وهذا على قسمين : الأول أن يكون العدم على التدريج كعدم الحركة ، والثاني أن يكون لا على التدريج كاللامماسة وكعدم الآن.

قال : وحدوث العالم يستلزم حدوثه.

أقول : قد بينا فيما تقدم أن العالم حادث والزمان من جملته فيكون حادثا بالضرورة والأوائل نازعوا في ذلك وقد تقدم كلامهم والجواب عنه.

المسألة السابعة

في الوضع

قال : السادس الوضع وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار نسبتين.

أقول : الوضع من جملة الأعراض النسبية واعلم أن لفظة الوضع تقال على معان

٢٧٦

بالاشتراك : أحدها كون الشيء بحيث يشار إليه إشارة حسية أنه هنا أو هناك فالنقطة ذات وضع بهذا الاعتبار دون الوحدة. وثانيها هيئة تعرض للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض. والثالث هيئة تعرض للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض وبسبب نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه وهذا هو المقولة المذكورة هنا كالقيام فإنه يفتقر إلى حصول نسبة الأجزاء ونسبة لها إلى الأمور الخارجية مثل كون رأس القائم من فوق ورجلاه من أسفل ولو لا هذه النسبة لكان الانتكاس قياما وإلى هذا أشار بقوله باعتبار نسبتين أي باعتبار نسبة الأجزاء بعضها إلى بعض وباعتبار نسبة الأجزاء إلى الأمور الخارجية.

قال : وفيه تضاد وشدة وضعف.

أقول : قد يقع في الوضع تضاد كالقيام والانتكاس فإنهما هيئتان وجوديتان بينهما غاية الخلاف متعاقبتان على موضوع واحد فيكونان متضادين وقد يقع فيه أيضا شدة وضعف فإن الانتصاب والانتكاس قد يقبلان الشدة والضعف.

المسألة الثامنة

في الملك

قال : السابع الملك وهو نسبة التملك.

أقول : قال أبو علي إن مقولة الملك لم أحصلها إلى الآن ويشبه أن تكون عبارة عن نسبة الجسم إلى حاو له أو لبعض أجزائه كالتسلح والتختم فمنه ذاتي كحال الهرة عند إهابها ، ومنه عرضي كبدن الإنسان عند قميصه وأما المصنف ـ رحمه‌الله ـ فإنه حصل هذه المقولة وبين أنها عبارة عن نسبة التملك قال ـ رحمه‌الله ـ ولخفائها عبر المتقدمون عنها بعبارات مختلفة كالجدة والملك وله.

٢٧٧

المسألة التاسعة

في مقولتي الفعل والانفعال

قال : الثامن والتاسع أن يفعل وأن ينفعل.

أقول : هاتان مقولتان ذهب الأوائل إلى أنهما ثابتان عينا وهما عبارة عن تأثير الشيء في غيره وتأثره عنه ما دام التأثير والتأثر موجودين ، وإذا انقطعا قيل لهما فعل وانفعال فإن الجسم ما دام في الاحتراق قيل له هو ذا يحترق فإذا انقطع احتراقه واستقر أطلق عليه لفظة المصدر.

قال : والحق ثبوتها ذهنا وإلا لزم التسلسل.

أقول : المصنف ـ رحمه‌الله ـ ذهب هنا إلى ما ذهب إليه المتكلمون وخالف الأوائل في ذلك وجعل هاتين المقولتين أمرين ذهنيين لا ثبوت لهما عينا وإلا لزم التسلسل. ووجه اللزوم أن ثبوتهما يستدعي علة مؤثرة فيهما فتلك العلة نسبة التأثير إليهما ولهما نسبة التأثر عنها وذلك يستدعي ثبوت نسبتين أخريين وهكذا إلى ما لا يتناهى.

٢٧٨

المقصد الثالث في :

إثبات الصانع تعالى وصفاته وآثاره

وفيه

فصول : الأول في وجوده تعالى

قال :

٢٧٩

المقصد الثالث في إثبات الصانع تعالى وصفاته وآثاره وفيه فصول :

الأول في وجوده تعالى الموجود إن كان واجبا وإلا استلزمه لاستحالة الدور والتسلسل.

أقول : يريد إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبيان أفعاله وآثاره وابتدأ بإثبات وجوده لأنه الأصل في ذلك كله والدليل على وجوده أن نقول هنا موجود بالضرورة فإن كان واجبا فهو المطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود بالضرورة فذلك المؤثر إن كان واجبا فالمطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود فإن كان واجبا فالمطلوب وإن كان ممكنا تسلسل أو دار وقد تقدم بطلانهما وهذا برهان قاطع أشير إليه في الكتاب العزيز بقوله(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وهو استدلال لمي.

والمتكلمون سلكوا طريقا آخر فقالوا العالم حادث فلا بد له من محدث فلو كان محدثا تسلسل أو دار وإن كان قديما ثبت المطلوب لأن القدم يستلزم الوجوب وهذه الطريقة إنما تتمشى بالطريقة الأولى فلهذا اختارها المصنف ـ رحمه‌الله ـ على هذه.

٢٨٠