شرح أسماء الله الحسنى

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري

شرح أسماء الله الحسنى

المؤلف:

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري


المحقق: طه عبدالرؤوف سعد و سعد حسن محمد علي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحرم للتراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

١
٢

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم

بقلم الأستاذ الدكتور

على جمعة محمد

أستاذ علم أصول الفقه بجامعة الأزهر

الحمد لله الموفق من شاء لما يشاء من عمل الخيرات والمبرات ، والصلاة والسلام على سيد الكائنات محمد المصطفى المبعوث بالمعجزات الباهرات وعلى آله ذوى الصفا والوفاء والمكرمات.

هذا الكتاب نفيس لشرف موضوعه وهو الكلام فى الذات العلية ، ولأن مؤلفه من الجامعيين بين الشريعة والحقيقة ، ومن الذين يوقرون العلماء ويعظمونهم بسبب انهم نواب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى تبليغ الدين إلى العالمين. وآية ذلك : قوله رضى الله عنه : " لم أدخل على أستاذى أبى على إلا صائما ، وكنت اغتسل قبل ذلك ، وكنت أحضر باب مدرسته غير مرة فأرجع من الباب احتشاما من أن ادخل عليه".

وكيف لا يكون من أولياء الله. وقد هدى إلى شرح أسماء الله الحسنى ، وترك الذين يلحدون فى أسمائه؟

وموضوع الكتاب اشرف المواضيع وأعظمها. ولا يستغنى مسلم عنه لأنه به يعرب قدر الخالق وعظمته ، وما يجب له ، وما يجوز فى حقه ، وما يستحيل عليه. وقد بين أن خالق العالم المحسوس هو الله تعالى ، الّذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وحث المسلم على تنزيه أعماله عن الرياء ، وذكر أسماء الله الحسنى ، وشرح كل اسم على حدة شرحا وافيا. وبين أن الله قد كرم بنى آدم وخلقهم فى احسن تقويم. وهذا منه إحسان ، يجب عليهم أن يقابلوه بالإحسان.

ففى شرحه لقوله تعالى : "(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)" يقول المؤلف : " وقد ورد فى القصص والآثار : أن الله تعالى خلق لجبريل ستمائة جناح كلها مرصعة بالياقوت والدر والجلاجل الذهب محشوة بالمسك. لكل جلجل صوت لا يشبه الآخر ، وأن إسرافيل أخذ فى التسبيح عطل على الملائكة تسبيحهم بحسن صوته ، وطيب نغمته ، وأن نور العرش لو بدا لصار نور الشمس بالإضافة إليه كنور السراج بالإضافة إلى نور الشمس. إلى غير هذا من أوصاف المخلوقات.

٥

ثم إنه سبحانه لم يقل لشيء منها احسن صورته ، ولا قال لشيء إنى خلقته فى احسن تقويم إلا لهذا الشخص المخلوق من سلالة من طين".

ومما زاد من شرح الكتاب وعلو قدره : أنه محقق تحقيقا جيدا من عالمين كبيرين من علماء الأزهر الشريف. هما الأستاذ طه عبد الرءوف سعد ، والأستاذ سعد حسن محمد على. فهما من كبار محققى كتب التراث. ويشهد لهما بخدمة التراث ، تحقيق الأستاذ / طه لكتاب فتح البارى لشرح صحيح البخارى ، وغيره من أمهات الكتب.

"(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) ، وعمل صالحا ، وقال : (إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)". أما ولدنا ممدوح وأخوه محمد صاحبا دار الحرم للتراث بالقاهرة ، فإننا نشكرهما على اختيار هما لهذا الكتاب النفيس ، وندعو الله تعالى لهما بالتوفيق. إنه على ما يشاء قدير ، وهو يتولى الصالحين.

د / على جمعة محمد

أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر

٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة

والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.

الحمد لله رب العالمين ، الّذي اختار لنا أفضل الديانات وخاتمة الرسالات ، وأنزل علينا آياته البينات فى كتابه الكريم وقرآنه العظيم الموجه إلى الصراط المستقيم والطريق القويم.

أشكره جل فى علاه أن بعث فينا أفضل الرسل وخير الأنبياء سيدنا محمد ابن عبد الله الصادق الوعد الأمين ، والّذي ترك فينا سنته الفاضلة المنيرة التى من اتبعها نجى ، ومن حاد عنها ضل وهلك.

اللهم صل وسلم وبارك وكرم على حبيبك وحبيبنا خير الخلق وأفضلهم فى الآفاق ، وأرفعهم فى معالى الأخلاق ، وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطيبات ، وآل بيته العظماء ، وعلى من آثر عملهم وسار على طريقهم ، وصار شبيها لهم.

وبعد ... فيسعدنا أن وفقنا الله تعالى ـ وكلّ موفق لما خلق الله ـ أن نقدم للقارئ المسلم هذا العمل الفاضل والكتاب الطيب الّذي يأتى فضله وطيبه من موضوعه العظيم ، وهو شرح أسماء الله تعالى الحسنى إذ كل أسمائه حسنى ، وكل صفاته عليا.

وإذا كنا قد قدمنا أكثر من كتاب فى هذا الموضوع لأكثر من مؤلف فإنا نرى وقد قدمنا من براعة الاستهلال أن يكون حسن الختام تقديم هذا الكتاب الكريم :

٧

شرح أسماء الله تعالى الحسنى ـ للإمام الكبير القشيرى

ونحن نرجو ممن قرأ فاستفاد ـ وهو إن شاء الله مستفيد ـ أن يدعو الله له ولنا أن يحشرنا فى زمرة العلماء العاملين ، وإن لم نكن منهم ، ولكنا ـ والله نحبهم ونجلهم ونحترمهم ونحاول أن نتبع خطاهم ـ فالمرء يحشر مع من أحب ، وإن لم يصل عمله إلى حسن عملهم.

اللهم واجعل أفضل نعيمنا وأكرمه وأحسنه النظر إلى وجهك فى جنات عرضها الأرض والسماوات أعدت للمتقين.

وفى الختام نقول :

اللهم يا رفيع الدرجات ، يا عالم السر والنجوى ، ارزقنا من درجات الجنة أعلاها ، واكفنا شر النار ، ومن دركاتها نجنا وأعذنا ، واجعلنا من الذين يقولون فيفعلون ، ويفعلون فيخلصون ، ويخلصون فيقبلون.

والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.

وسلام على المرسلين

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المحققان

٨

التعريف بالمؤلف الإمام القشيرى

المولود فى ربيع الأول ٣٧٦ ه‍ يوليو ٩٨٦ م.

المتوفى فى ربيع الآخر ٤٦٥ ه‍ ١٠٧٢ م.

هو : الإمام عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد القشيرى ، زين الدين أبو القاسم.

من بنى قشير بن كعب أبا ، أما أمه فهى من بنى سليم ، فهو عربى أصيل من جهتيه.

نشأ القشيرى وتربى وتعلم وتوفى فى نيسابور ، ومن صغره وهو منقطع إلى العلم ، لا يعرف غيره من أمور الدنيا لهوا ولعبا.

وقد تتلمذ أولا على الإمام الأسفرائيني الّذي كان معجبا بتلميذه القشيرى فأفاده من علمه وفضله ، ولم يبخل عليه بكل ما جمع من ثقافة.

ثم ساقته الأقدار ـ ونعم ما ساقته ـ إلى رجل من أولياء الله كان قد جمع بين الشريعة والحقيقة ، هو الشيخ العارف بالله أبو على الدقاق ، شيخ الصوفية فى عصره ، وقد التزمه الإمام القشيرى ، وأخذ عنه فانتفع به علما وعملا.

ومن حبه لشيخه وحب شيخه له أن تزوج ابنة شيخه ، فازداد ارتباطهما بهذا النسب المبارك.

إلا أن هذا لم يجعل القشيرى يرفع التكليف بينه وبين أستاذه ، بل زاده ذلك احتراما لشيخه وحبا له واتباعه فى عبادته ومعرفته بالله تعالى.

يقول القشيرى ، رحمه‌الله تعالى :

لم أدخل على أستاذى أبى على إلا صائما ، وكنت أغتسل قبل ذلك ، وكنت

٩

أحضر باب مدرسته غير مرة فأرجع من الباب احتشاما من أن أدخل عليه ، فإذا تجاسرت مرة ودخلت كنت إذا بلغت وسط المدرسة يصحبنى شبه خدر ، حتى لو غرزت فىّ إبرة لعلى كنت لا أحس بها ، ثم إذا قعدت لواقعة وقعت لى لم أحتج أن أسأله بلسانى عن المسألة فكنت كلما جلست كان يبتدئ بشرح واقعتى.

هكذا كان التلميذ مع أستاذه ، فهل نتعلم منه؟ وهل نعلّم هذا أبناءنا وأحفادنا؟.

وعند ما بلغ القشيرى مرتبة الاجتهاد ـ علما وفقها ـ ووصل إلى مستوى أعالى الرجال صدقا ومعرفة أذن له شيخه بالتدريس وعقد له مجلسا للعلم فى مسجد المطرز ، وقد بلغ من العمر ثلاثين عاما.

ولم يشغله التدريس عن التأليف فكان يقسم وقته بينهما مما أنتج أحلى وأجل الكتب العلمية التى استفاد منها الناس ، وما زالوا يستفيدون.

هذا هو القشيرى ، الرجل الفاضل ، والمربى الكريم.

وعلى الرغم من ذلك لم يسلم ـ وهكذا عظماء الرجال الذين يسبقون عصرهم ـ نقول : لم يسلم من الأذى ، فقد قبض عليه ونفى وأهين ومنع من التدريس.

وبعد أن أفرج عنه ساح فى البلاد معلما إلى أن وصل إلى الخليفة العباسى ، القائم بأمر الله ، والّذي قربه منه وعقد له مجالس ، كان يحضرها.

سافر الإمام القشيرى إلى الحج واجتمع بالإمام الجوينى بمكة ، والّذي دعاه إلى الخطابة فى بيت الله الحرام ، فأعجب الخلق به وانتفعوا.

بعد ذلك عاد إلى بلاده خراسان ، والّذي أعجب به أميرها ألب أرسلان ، الّذي كان يقربه ويقدمه.

١٠

هكذا كان إمامنا القشيرى ، أحد الذين أسسوا علم التصوف على قواعد راسخة وأساس متين.

أما كتبه فنذكر أهمها ، وإن كانت قد بلغت أكثر من عشرين كتابا :

١ ـ التيسير فى التفسير ، ويقال له : التفسير الكبير.

٢ ـ لطائف الإشارات.

٣ ـ القصيدة الصوفية.

٤ ـ اللمع.

٥ ـ الفصول.

٦ ـ الفتوى.

٧ ـ المعراج.

٨ ـ المقامات الثلاثة.

٩ ـ الرسالة القشيرية ، وهى أهم كتبه.

١٠ ـ التحبير فى التذكير.

١١ ـ شرح أسماء الله الحسنى ، وهو الكتاب الذي نقدم له.

والله من وراء القصد ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١١

القشيرى وأولياء الله الصالحون

من المعروف أن مؤلف كتابنا هذا من أولياء الله تعالى ، فما علينا إذا عرفنا فى مقدماتنا هذه بأولياء الله سبحانه.

من المعلوم أن الله تعالى قد اختار من خلقه عبادا أفاض عليهم من نوره ورباهم على عينه ، فكان هو بصرهم الّذي يبصرون به ، وكان فى قوتهم التى يبطشون بها ، وكان مع مقاصدهم التى يتوجهون بكل خير إليها.

عبدى كن ربانيا تقل للشيء كن فيكون.

فقد اختار الله سبحانه وتعالى من عباده عبادا جعلهم له أولياء ، ولجنابه أصفياء ، وعنده أحباء ، آمنهم من خوف العباد فى الدنيا ، وجنّبهم الرعب والرهبة فى العقبى يوم القيامة.

فهم أولياء الله تعالى.

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) (يونس).

والله تعالى وليهم أيضا.

(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (البقرة : ٢٥٧).

هذه البشارة وهذا الوعد نتيجة لأعمالهم الطيبة ، أحبوا الله فأحبهم الله ، أو أن الله أحبهم فوفقهم فأحبوه ، فلا يفعلون إلا ما يرضيه تعالى.

ويا سعد من أحبهم الله فجعلهم من خلصائه ، فلا يخاف عليهم من لحوق مكروه ، ولا يحزنون من فوت مطلوب ، فهم يعبدون الله تعالى لا رغبة فى جنة ، ولا رهبة من نار ، وإنما هو الحب المتبادل والرغبة فى جواره تعالى فى الآخرة ، وأقصى ما يرغبون فيه هو التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم ، جل وعلا ،

١٢

إذ هم ليسوا من المحجوبين الذين قال الرب الجليل فيهم : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) (المطففين).

وعلى الرغم من أعمالهم الطيبة هذه فهم متصفون بالخوف فى الجملة ، حتى لو كانت إحدى قدميهم فى الجنة والأخرى خارجها ، فهم بين الرجاء والخوف غير آيسين ولا آمنين ، يخشون ما قدمت أيديهم ويرجون عفو الله.

وقد عرّف الله تعالى هؤلاء الأولياء وأبان عن حليتهم بأنهم : الذين آمنوا بالله أولا ، ورسله والملائكة والنبيين وباليوم الآخر وما فيه ، وآمنوا بالقدر خيره وشره ، بل هم المؤمنون بكل ما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من العزيز الحكيم.

هم الذين اتقوا الله حق تقاته بتنزههم عن كل ما يشغل سرهم عن الحق تعالى والتبتل والرجوع فى كل أعمالهم إليه.

بهذا يحصل الشهود والحضور والقرب ، وهذا هو حال سيد الخلق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحابته الأكرمين ، وأولياء الله المخلصين على الدين القويم.

ذلك أن الشأن فى التبتل والعبادة والتقرب والتنزه درجات متفاوتة حسب درجات العباد واستعداداتهم الروحية ، وأقصى تلك الدرجات ما انتهت إليه همم الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ حتى جمعوا بذلك بين رئاسة النبوة ونعمة الرسالة مع منصب الولاية.

وأقل ما يفعله المؤمن ليكون وليا صالحا أن يتقرب إلى الله تعالى بالفرائض ، مؤديها بأركانها وآدابها ، مع القيام بالسنن والنوافل وامتثال الأوامر مع اجتناب النواهى ، فلا يفتقدك الله ورسوله حيث أمراك ، ولا يجداك فى أمر قد نهيناك عنه.

هؤلاء هم أولياء الله.

١٣

يروى الإمام البخارى فى صحيحه الحديث الإلهي القدسى الشريف :

«من عادى لى وليّا فقد آذنته بالحرب».

ويا ويل من آذنه الجبار بالحرب.

«وما تقرب إلى عبدى بشيء أحب مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به ، وبصره الّذي يبصر به ، ويده التى يبطش بها ، ورجله التى يمشى بها ... ولئن سألنى لأعطينه ...».

فهو حافظ حواسه محافظ على جوارحه ، فلا يسمع ولا يبصر ولا يأخذ ولا يمشى إلا فيما يرضى الله تعالى ، وينقلع عن الشهوات ، ويستغرق فى الطاعات ، ويوفق فى الأعمال التى يباشرها بهذه الأعضاء ، وييسر عليه فيها سبيل ما يحبه ويعصمه عن موافقة ما يكرهه.

فالله تعالى يسلب عنه الاهتمام بشيء غير ما يقربه إليه تعالى ، فيصير متخليا عن اللذات الفانية ، متجنبا عن الشهوات الزائلة ، متى ما يتقلب وأينما يتوجه لقى الله تعالى بمرأى له ، ومسمع منه ، ويأخذ الله تعالى بمجامع قلبه فلا يسمع ولا يرى ولا يفعل إلا ما يحبه الله تعالى ، مع كون الله له فى ذلك عونا ومؤيدا وحسيبا ووكيلا ، يحمى جوارحه وحواسه.

هؤلاء هم أولياء الله الذين يجب علينا تعظيمهم واحترامهم والتأدب معهم والكف عن إيذائهم أمواتا وأحياء بأى شيء من أنواع الإيذاء التى لا مسوغ لها شرعا ، كالإنكار عليهم ، عنادا كان هذا الإنكار ، أو حسدا ، لأنهم هم الذين عرفهم سيد البشر : «الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى».

يروى الإمام أحمد عن أبى مالك الأشعرى رضى الله عنه «إن لله عبادا ليسوا بأنبياء

١٤

ولا شهداء ، يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله تعالى» قال أعرابى : يا رسول الله ، انعتهم لنا ، قال : «هم أناس من أفناء الناس ونوازع القبائل ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا فى الله وتصافوا فى الله ، يضع لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها ، يفزع الناس وهم لا يفزعون ، وهم أولياء الله ، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

ولا نقول : إنهم يفضلون الأنبياء والرسل ، ولكنهم يكونون مستريحين مما يعترى الأنبياء والرسل من الاشتغال بالمذنبين من أممهم.

ها هم أولياء الله الذين وصفهم المسيح عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا الصلوات والتسليم ، فقد أخرج الإمام أحمد فى الزهد :

«هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها ، وأماتوا من الدنيا ما يخشون أن يميتهم ، وتركوا ما علموا أنه سيتركهم ، فصار استكثارهم منها استقلالا ، وذكرهم إياهم فواتا ، وفرحهم مما أصابوا منها حزنا ، وما عارضهم من نائلها رفضوه ، وما عارضهم من رفعتها بغير حق وضعوه.

تقطعت الدنيا عندهم فلا يجددونها ، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها ، وماتت فى صدورهم فليسوا يحيونها ، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم.

رفضوها فكانوا برفضها هم الفرحين ، وباعوها فكانوا ببيعها هم الرابحين.

ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت من قبلهم المثلات فأحيوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة.

يحبون الله تعالى ويستضيئون بنوره ، لهم خبر عجيب وعندهم الخبر

١٥

العجيب ، بهم قام الكتاب وبه قاموا ، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا ، وبهم علم الكتاب وبه علموا ، ليس يرون نائلا مع ما نالوا ولا أمانى دون ما يرجون ولا خوفا دون ما يحذرون».

هكذا هم أولياء الله تعالى ، وكأن السيد المسيح ، عليه‌السلام ، يصفهم بالضبط.

غير أنى لا أقول لك : اترك الدنيا كلها وراء ظهرك ، فما تقدم غير المسلمين عليهم إلا بالعلم والعمل ، فأمسك بطرف من الدنيا واعمل فيها للآخرة ، فاعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ، وقل : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (البقرة : ٢٠١).

واعبد الله تعالى عبادة رجل مودع من هذه الحياة الدنيا.

هؤلاء هم أولياء الله (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (يونس : ٦٤) بما أولاهم الكريم اللطيف العليم الخبير الرءوف الرحيم من خير الدارين بعد أن وقاهم الله من شرورهما.

أما بشرى الدنيا أن تأتيهم الملائكة عند الموت بالرحمة ، يقول تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت : ٣٠) والبشرى أيضا فى الدنيا هى النصر وهى الفتح والثناء الحسن والذكر الجميل.

وأما البشرى فى الآخرة فتلقى الملائكة إياهم مسلّمين مبشرين بالفوز والكرامة وما يرون من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم وما يقرءون فيها من حسن أعمالهم ، وغير ذلك من البشارات.

والبشرى عموما فى الدارين هى البشارة بما يحقق نفى الخوف والحزن كائنا ما كان ، ذلك الفوز العظيم الذي لا فوز فوقه ولا وراءه.

١٦

تعريف

بأسمائه تعالى فى القرآن والسنة

جاء فى القرآن الكريم قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)

(طه : ٨)

وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف : ١٨٠).

والأسماء الحسنى بمعنى أنها صفات علا ، ونعوت كمال وجلال وجمال كثيرة ، لأن معالم العظمة ليست لها نهاية ، وهى مبثوثة فى القرآن الكريم ، ويغلب أن تختم بها آياته ، ويختار الاسم أو الأسماء الخاتمة من السياق الّذي جاءت به الآيات.

وأسماء الله تعالى التى يجب على المسلم عرفانها تسع وتسعون اسما وهى التى اشتملت عليها رواية أبى هريرة إذ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، إنه وتر يحب الوتر ، من أحصاها دخل الجنة ، هو الله الّذي لا إله إلا هو الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلى ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ،

١٧

الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوى ، المتين ، الولى ، الحميد ، المحصى ، المبدئ ، المعيد ، المحيى ، المميت ، الحى ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالى ، المتعالى ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفو ، الرءوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغنى ، المغنى ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادى ، البديع ، الباقى ، الوارث ، الرشيد ، الصبور».

وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبى هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا نعلم فى شيء من الروايات له إسنادا صحيحا فى ذكر الأسماء إلا فى هذا الحديث.

وقد روى آدم بن إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح (الترمذي ٥ / ٥٣١ : ٥٣٢).

وقال فى الزوائد : لم يخرج أحد من الأئمة الستة عدد أسماء الله الحسنى من هذا الوجه ولا من غيره غير ابن ماجه والترمذي مع تقديم وتأخير ، وطريق الترمذي أصح شيء فى الباب.

قال : وإسناد طريق ابن ماجه ضعيف ، لضعف عبد الملك بن محمد.

وقد تتبع الحافظ العلامة ابن حجر العسقلانى هذا الحديث تتبعا واسع النطاق سندا ومتنا فى كتابه الجليل (فتح البارى بشرح صحيح البخارى) (١).

ومعنى الحديث أن هذه التسعة والتسعين اسما من أسماء الله من أحصاها دخل الجنة ، لا أن أسماء الله تعالى هى ذلك العدد فقط ، ومعنى الإحصاء أن

__________________

(١) انظره من تحقيقنا فى طبعاته الأربع / مصر / بيروت.

١٨

لا يقتصر فى الثناء على الله ودعائه على بعضها ولكن لا بد من الاستقامة والعمل بمقتضاها ومعرفة معانيها والتخلق بما توحى به.

ـ وقد استدل الأستاد الكبير أحمد يوسف الدقاق ، نفع الله به ونفعه ، على أن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ليست محصورة فى العدد تسعة وتسعين ، وبيّن مواطن أسماء الله تعالى التى وردت فى القرآن والسنة كما يلى :

أسماؤه تعالى الواردة فى سور القرآن الكريم :

(أ) ما ورد منها فى القرآن الكريم (وقد وضعت أرقام الآيات فى السور بين قوسين):

سورة الفاتحة : «الله ، الرب (١) «الرحمن ، الرحيم» (٢) المالك (٣).

سورة البقرة : المحيط (١٩) القدير (٢٠) العليم (٣٢) الحكيم (٣٣) التواب (٣٧) البارئ (٥٤) البصير (٩٦) الواسع (١١٥) السميع (١٢٧) العزيز (١٢٩) الرءوف (١٤٣) الشاكر (١٥٨) الإله (١٦٣) الواحد (١٦٣) الغفور (١٧٣) القريب (١٨٦) الحكيم (١٢٥) الحى (٢٥٥) القيوم (٢٥٥) العلى (٢٥٥) العظيم (٢٥٥) الغنى (٢٦٣) الولى (٢٥٧) الحميد (٢٦٧) الخبير (٢٣٤) البديع (١١٧).

سورة آل عمران : الوهاب (٨) الناصر (١٥٠) الجامع (٩).

سورة النساء : الرقيب (١) الحسيب (٦) الشهيد (٣٣) الكبير (٣٤) النصير (٤٥) الوكيل (٨١) المقيت (٨٥) العفو (٤٣).

سورة الأنعام : القاهر (١٨) اللطيف (١٠٣) الحاسب (٦٢) القادر (٦٥) الحكيم (٧٣).

سورة الأعراف : الفاتح (٨٩).

١٩

سورة الأنفال : القوى (٥٢) المولى (٤٠).

سورة التوبة : العالم (٩).

سورة هود : الحفيظ (٥٧) المجيب (٦١) المجيد (٧٣) الودود (٩٠).

سورة يوسف : المستعان (١٨) القهار (٣٩) الغالب (٢١).

سورة الرعد : المتعالى (٩) الوالى (١١).

سورة الحجر : الحافظ (٩) الوارث (٢٣) الخلاق (٨٦).

سورة الكهف : المقتدر (٤٥).

سورة مريم : الحفى (٤٧).

سورة طه : الغفار (٨٢) الملك (١١٤) الحق (١١٤).

سورة الحج : الهادى (٥٤).

سورة النور : المبين (٢٥) النور (٣٥).

سورة النمل : الكريم (٤٠).

سورة الروم : المحيى (٥٠).

سورة سبأ : الفتاح (٢٦).

سورة فاطر : فاطر (١) الشكور (٣٠).

سورة الزمر : الكافى (٣٦).

سورة غافر : الخالق (٦٢).

سورة الدخان : المنتقم (١٦).

سورة الذاريات : الرزاق (٥٨) المتين (٥٨).

سورة الطور : البر (٢٨).

سورة القمر : المليك (٥٥).

٢٠