شرح أسماء الله الحسنى

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري

شرح أسماء الله الحسنى

المؤلف:

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري


المحقق: طه عبدالرؤوف سعد و سعد حسن محمد علي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحرم للتراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

فصل

«من عرف اسم ربه نسى اسم نفسه»

بل من صحب اسم ربه تحقق بروح أنسه ، قبل وصوله إلى دار قدسه ، بل من عرف ربه سمت رتبته ، وعلت فى الدارين منزلته ، بل من عرف اسم ربه وسم بكى حسرته لما منى به من طلبته وحيل بينه وبين مقصوده لجلالة قدره وعزته.

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)

فصل : من عرف أسماء الله تعالى حسن اسمه فى الدنيا والآخرة ، وجاء فى الحكاية أن بشرا الحافى كان فى بداية أمره من الشطار (١) ، فرأى يوما من الأيام قطعة من قرطاس عليها اسم الله مكتوب فأخذ القرطاس ونظفه واشترى بدرهم طيبا فطيبه ، ثم نام فرأى فيما يرى النائم كأن قائلا يقول له : يا بشر طيبت اسمى ، فو عزّتي وجلالى لأطيبن اسمك فى الدنيا والآخرة ، فإلى يوم القيامة يقولون : بشر الحافى ، كم من غنى كان لا يمشى إلا راكبا ويستنكف أن يكون حافيا مات اسمه بموته ، وهذا كان فقيرا حافيا بقى على الأحقاب ذكره ، ليعلم العاملون أنه لا يخسر أحد على الله ولا يضيع عمل عند الله.

وقيل لبشر : لم تمشى حافيا؟ فقال : الأرض بساطه ، وأنا أكره أن أباشر بساطه بواسطة بينه وبين قدمى.

وقيل : لم يخرج أحد من الدنيا كما دخل فيها مثل بشر ، فإنه كان عليه

__________________

(١) أى : قاطع طريق.

٦١

ثوب فى مرض موته فاستوهبه إنسان شيئا فأعطاه ثوبه ومات فى ثوب استعاره ، فلما آثر الله على الكل آثره الله على الجميع ، وما أصدق قول قائلهم : ليس العز بالماء والطين ، والتكبر على المساكين إنما العز بطاعة رب العالمين ، ويروى عن عليّ رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من كتاب يلقى بموضع من الأرض فيه اسم من أسماء الله تعالى إلا بعث الله إليه ملائكة يحفونه بأجنحتهم حتى يبعث الله إليه وليا من أوليائه فيرفعه من الأرض».

ومن رفع كتابا فيه اسم الله تعالى رفعه الله فى عليين وخفف عن أبويه ، وإن كانا مشركين.

ويروى عنه منصور بن عمار قال : كنت مولعا فى صباى برفع القراطيس من الأرض حتى عرفت بذلك ، وكان الصبيان أيضا أولعوا بى ، فبينما أنا ذات يوم فى صحراء إذ وجدت قرطاسا فيه : «لا إله إلا الله» فرفعته ولم يكن بإزائى حائط ولا شيء أرفعه فيه فبلعته ، فرأيت فى تلك الليلة هاتفا يهتف بى ويقول : يا منصور إن الله عزوجل سيرى لك ما فعلت.

فصل : علم الخالق سبحانه أنه ليس لك من الأسامى المرضية فقال :

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها)

ولأن تكون بأسماء ربك داعيا خير لك من أن تكون بأسماء نفسك مدعيا ، فإنك إذا كنت بك كنت بمن لم يبق ، وإذا كنت به كنت بمن لم يزل ، فشتان بين وصف ووصف.

٦٢

فصل

أسماء العبيد الحسنى

عد أسماءك الجميلة وخصالك الحميدة ثم عطف عليك وأحسن بفضله إليك وجعل لك أسماء جميلة وخصالا حميدة بعد أن لم تكن لك ، ومدحك وأطراك وأثنى عليك بما وشمك به وحلاك ، فقال عزوجل : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ) إلى قوله : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) (التوبة : ١١٢) فذكر أسماءك الحسنى ثم أمرك بأن تذكر أسماءه الحسنى.

ثم علم عجزك عن القيام بحق ذكره فناب عنك حيث عرفك ذكره فقال : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) (الحشر : ٢٣) الآية ، وسئل بعضهم متى يصير الغنى بليغا فقال إذا ذكر محبوبه وأثنى عليه.

فصل

إما شاكرا وإما كفورا

عرفت أسماء ربك ، فليت شعرى بما تسمى غدا؟ أشقيا تدعى فتبكى اليوم حسرة ، أم سعيدا تدعى فتطيل النوم فرحة ، لا سلبكم الله ما أعطاكم من مواهبه ونعمه ولا نزع عنكم ما حلاكم به من فضله وكرمه بمنه ويمنه إنه ذو الفضل العظيم.

٦٣
٦٤

باب

فى معنى قوله تعالى

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ)

ومن معانى الدعاء

هذه الآية فى سورة بنى إسرائيل ، وهى مكية ، وسبب نزولها أن المسلمين من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه قالوا : ما لنا نسمع ذكر الرحمن فى القرآن كثيرا ، وهو فى التوراة كثير ، فأنزل الله سبحانه : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) والدعاء فى القرآن على وجوه خمسة منها :

الدعاء بمعنى العبادة : قال تعالى فى سورة يونس : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) أى ولا تعبد ، وقال تعالى فى سوره الأنعام : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) أى أنعبد.

ومنها الدعاء بمعنى الاستعانة : لقوله تعالى فى سورة البقرة : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أى استعينوا بهم.

ومنها الدعاء بمعنى السؤال : قال تعالى فى سورة المؤمن : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أى سلونى أعطكم ، وقال تعالى فى سورة البقرة (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا) الآية ، أى أسأل لنا ربك.

ومنها الدعاء بمعنى القول : لقوله سبحانه فى سورة يونس (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) إلى (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

٦٥

ومنها الدعاء بمعنى النداء : كقوله عزوجل فى بنى إسرائيل : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ) أى يناديكم.

وفى هذا الموضع الدعاء بمعنى النداء ، قال تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا) أى : نادونى إن شئتم بقولكم : يا الله ، وإن شئتم : يا رحمن ، وقوله : (أَيًّا ما تَدْعُوا) إن شئت قلت : «ما» صلة ومعناه : أيا تدعوا ، وإن شئت قلت : «ما» للتأكيد وجاز تكريره لما اختلف اللفظ.

وقوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (الإسراء : ١١٠) الصلاة فى اللغة هى الدعاء ، وفى الشرع : دعاء مخصوص على شروط ، ومن أهل اللغة من قال : الأصل فى الصلاة اللزوم ، فكأن المصلى لزم هذه العبادة المخصوصة لاستنجاح طلبته من الله تعالى ، وبعض العلماء قال : سميت هذه العبادة المخصوصة صلاة لأنها فى أكثر المواضع ثانى الإيمان وتالية فى الذكر ، كقوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) (البقرة : ٣) وأمثلته كثيرة ، قال : والعرب تسمى الفرس الّذي يتلو السابق من الخيل فى الحلبة المصلى ، لأن رأسه عند صلوى السابق.

واختلفوا فى معنى الصلاة هاهنا ، فقال كثير من المفسرين : إنه أراد : لا تجهر بالقراءة فى الصلاة ولا تخافت بها ، وذلك أن المشركين كانوا إذا سمعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ فى الصلاة آذوه ، فأمر أن لا يجهر فى صلاته جهرا يسمعه المشركون ، ولا يخافت بها ، والمخافتة السكوت ، يقال : خفت الميت خفوتا إذا برد ، وهاهنا يريد أن يقتصر فى القراءة على ذكر القلب ، لأن القراءة المأمور بها فى الصلاة محلها اللسان ، فإن اقتصر على ذكر القلب نقل الشيء عن محله إلى غير محله ، ووضع الشيء فى غير موضعه لا يجوز ، وفى الآية إشارة إلى

٦٦

المنع من ذلك ، وهو حقيقة الظلم ، فمن صرف قلبه عن الأغيار وشغل فكره بالرسوم والآثار ووسم نفسه بخدمة الأمثال ، ومحق عمره بعمارة الأطلال فقد وضع الشيء فى غير موضعه ، ومن وصف معبوده بما لا يليق بحقه من نعوت خلقه ، مما يتضمن نقصا أو يشبه شخصا أو يوجب حدوثا أو يقتضي قصورا فقد وضع الشيء فى غير موضعه.

(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)

والقول فى معانيها

وإلى هذه الجملة أشار سيد هذه الطائفة (١) أبو القاسم الجنيد ، رحمه‌الله تعالى ، لما سئل عن التوحيد فقال : إفراد القديم عن الحدوث ، وإذا أخذ بهذا التأويل ففيه إشارة إلى تسلية أصحاب المحن إذا استولى عليهم أهل الفتن وتنبيه لهم على السكون إلى أن تنقضى عنهم أوقات البلا ، فإن سيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه قيل له : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) محاماة عن الدين وصبرا على ما كان يقاسيه من المشركين.

وفى بعض الكتب أن نبيّا شكا إلى الله تعالى من امرأة سلطت على أهل عصرها فأوحى الله تعالى إليه فر من أمامها حتى تنقضى أيامها.

ونكتة أخرى : وهو أن الأعداء لما لم يعرفوا قدر ما سمعوه وقابلوه بالتكذيب أمرصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن لا يسمعهم فى بعض الأحوال تنبيها على أنهم لا يستحقون ذلك ، وإن كان قد قال تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (الحجر : ٩٤).

وأخرى : وهو أنه قال : إذا وقفت على بساط القربة مع المنتخبين للصحبة فاستر المناجاة مع الحبيب خوفا من اطلاع الرقيب.

__________________

(١) جموع السادة المتصوفين.

٦٧

وفى معناه أنشدوا :

عذيرى سولى أن أرى منك خلوة

فأشكو الّذي بى من هواك وتسمع

تمنى أناس ما أحبوا وإنما

تمنيت أن أشكو إليك فتسمع

وفى خلافه قال بعض من شكا من بلاء الرقيب :

لم ترد ماء وجهه العين

إلا شرفت قبل ربها برقيب

وقد قيل فى تأويل الآية عن الحسن البصرى : لا تحسن صلاتك فى العلانية وتسىء فى السر ، فعلى هذا التأويل ، الخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به أمته ، وفيه الأمر بالإخلاص فى الطاعات ، وترك التصنع للمخلوقات ونفى التزين للمصنوعات ، والاكتفاء برؤية رب الأرضين والسماوات ، وتصفية الأعمال من الآفات وتنقية الأحوال من المكدورات.

وسئل الشبلى عن مثل هذا فقال : أن لا يكون بكلام غيره لافظا ، ولا يكون لغير ربه لاحظا ، ولا يرى لنفسه دون ربه حافظا.

وروى عن عائشة رضى الله عنها وعن ابن عباس وجماعة من المفسرين أن تأويل الآية : لا تجهر بدعائك ، قالوا : هو أن يذنب العبد سرّا ، فقيل له لا تظهر للناس تفصيل توبتك فيطلعوا على ما سترت عليك من زلتك ، ولا تخافت بها أى لا تترك الاستغفار ، وفارق الإصرار ولا تأمن الاغترار ، فلمعبودك فاعتذر ومن مجهودك لا تدخر ، أى أسمعنا خطابك تصر زلتك مغفورة ، ولا تفش سرك تبق حالتك مستورة.

ومن كمال كرمه أن يستر على المنهمكين ، ويسبل ستر عفوه على

٦٨

المتهتكين ، ويسحب ذيل حلمه على الخاطئين ، أما تخشى هتك سترك فى عقباك ، أما تحذر كشف سترك لما سلف من خطاياك ، أين أنت من لطف مولاك لما اقترفت ما نهاك ، حيث ناداك فقال : لا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها.

وفى معناه أنشد بعضهم :

ارخ سترا على حقارة فعلى

هتك ستر المحب ليس يحل

ربما قصر الفقير المقل

فى حقوق بهن لا يستقل

ولئن قل خدمة ووفاء

فولاء وحرمة لا تقل

وقال عطاء الخرسانى : إن الصّدّيق رضى الله عنه كان يخافت فى صلاته بالليل ، فلا يرفع صوته بقراءته ، وكان عمر رضى الله عنه يجهر فى صلاته ، فسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر عن فعله فقال : أسمع من أناجى ، وقال عمر : أوقظ الوسنان ، وأطرد الشيطان ، وأرضى الرحمن ، فأمر أبا بكر حتى رفع قليلا وأمر عمر حتى خفض قليلا.

وفى الخبر إشارة إلى أن الصواب والحسن ما حصل بالإذن والأمر ما استحسنه الإنسان بعقله واستصوبه من ذات نفسه ، وفيه إشارة إلى أن الشيء قد يكون حسنا وغيره أحسن منه فيدعى إلى الأحسن عن الأول ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينكر عليهما لكنه أوقفهما على ما هو الأحسن والأصوب.

ودل هذا الخير على مزية الصديق ، وبلوغه رتبة التحقيق حيث أخبر عن التوحيد فقال : أسمع من أناجى ، وعمر أخبر أنه يجاهد الشيطان ويوقظ

٦٩

الوسنان ، وبين الحالتين وإن صفتا ، والمنزلتين وإن علتا بون ، عبد هو بوصف مجاهدته ، وعبد هو بعين مشاهدته ، الفاروق قال : أطرد الشيطان ، وهو صفة المجاهدين ، والصّدّيق قال : أسمع من أناجى ، وهو نعت العارفين.

وقال بعضهم : تأويل الآية : لا تجهر بجميع صلاتك ولا تخافت بالكل ، أى اجهر صوتك ببعض الصلوات : المغرب والعشاء والصبح ، وأسر فى البعض الظهر والعصر ، وهذا روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «صلاة النهار عجماء» وفى هذا تنبيه على فساد قول الباطنية حيث يطلبون الأسباب فى تفصيل العبادات ، فإن الشرع غير معلل (١) ، بل أمرنا برفع الصوت فى بعض الصلوات والإسرار فى بعض ، ولو كان الأمر بالعكس لكان سائغا.

وكذلك القول فى تثنية السجود وإفراد الركوع ، وعدد الصلوات ، وغير ذلك من العبادات ، وفيه إشارة إلى ترك ما عليه العادة ، لأن عادة الناس التصرف والحركة بالنهار ، والسكون بالليل ، فأمرنا بترك الجهر بالنهار خلافا للعادة ، وبرفع الصوت بالليل خلافا للعادة ، ولهذا قيل : الإرادة ترك ما عليه العادة.

وروى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : نزلت هذه الآية فى التشهد ، أى لا ترفع صوتك فى قراءتك التشهد ، ولا تخافت بها أى : اذكر ذلك بلسانك وأسمع نفسك ، فتكون الصلاة هاهنا بمعنى الدعاء على هذا ، والإشارة فيه أن التشهد فى حال الجلوس ، والقعود بحضرة الملوك يدل على القربة ، والقربة توجب الهيبة.

قال الله تعالى : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً)

__________________

(١) ما دمت آمنت بالله تعالى ربا وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبيا ورسولا فلا تقل لما أمراك به : لم كان هذا؟ ولم كان هذا؟ ولكن استجب وافعل.

٧٠

(طه : ١٠٨) والّذي يشهد لهذه الجملة أن التشهد إخبار عن ثناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ربه ليلة المعراج حيث قال : «التحيات لله المباركات ، والصلوات الطيبات لله».

وفى هذا إشارة إلى الفرق بين الحبيب والخليل ، فإن إبراهيم عليه‌السلام قال : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) (الأنعام : ٧٩) فجعل محل قوله القيام وجعل محل قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم القعود ، فكم بين من يتكلم قائما فى نطاق الخدمة ، وبين من يثنى جالسا على بساط القربة ، وقوله تعالى : (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) كان الواجب أن يكون بين ذينك ولكن اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر ومثاله كثير كقوله عزوجل (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) ولم يقل وإنهما ، وغير ذلك ، وأراد : وابتغ بين الجهر والمخافتة سبيلا ، وبهذا تأدب أهل الحق حيث آثروا فى كل شيء طريقا بين طريقين : تجنبوا التقصير وتنكبوا الغلو ، وهذا ظاهر فى أحوالهم واعتقاداتهم ، وربما نشرح ذلك فى غير هذا الموضع ، إن شاء الله تعالى.

* * *

٧١

باب

فى معنى قوله تعالى

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ

وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)

الكلام فى هذه الآية من وجوه منها قوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ) (مريم : ٦٥) الآية ، تدل على قول أهل الحق : إن اكتسابات العباد مخلوقة لله سبحانه ، لأن الرب فى هذا الموضع لا يمكن حمله على معنى من معانيه إلا على المالك ، وإذا ثبت أنه مالك ما بين السماوات والأرض دخل فى ذلك اكتساب الخلق ، وإذا ثبت أن اكتساب الخلق ملك له دل على أنه خلقه لأن حقيقة الملك القدرة على الإيجاد ، ومعنى كون الشيء فعلا لفاعله أنه بقدرته وجد.

وقوله : (فَاعْبُدْهُ) وجه نظمه بما تقدم أنه لما ثبت أنه المالك على الإطلاق فله بحق ملكه أن يتعبد من شاء من خلقه بما يريد من حقه ، وحقيقة العبادة الطاعة بغاية الخضوع ، ولا يستحقها أحد سوى المعبود جلت قدرته ، وهى من قولهم : طريق معبّد إذا وطئته السابلة (السائرون على الطريق).

وقوله : (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) فيه دلالة على أن الحال وإن صفت هى لا تكتفى إلا باقتران وفاء العاقبة ، ولهذا قال بعض المشايخ : لا يغرنك صفاء الأوقات فإن تحتها عوارض الآفات.

٧٢

وفى معناه أنشدوا :

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت

ولم تخف سوء ما يأتى به القدر

وسالمتك الليالى فاغتررت بها

وعند صفو الليالى يحدث الكدر

فكم من شجرة أورقت وأزهرت ، فما أدركت ولا أثمرت ، وكم من مطيع أخلص فى طاعته ، وما تخلص فى عاقبته ، وكم من مسرور بعبادته ، مغرور لصفاء حالته ، بدت له خفايا سابقته ، بما لم يكن فى حسبانه وأمنيته.

ودلت الآية على وجوب الاستقامة ، فإن الاصطبار نهاية الصبر ، ومن صبر ظفر ، ومن لازم وصل ، وقد قيل : من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له ، وفى معناه أنشدوا :

أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

وأنشدوا أيضا :

إنى رأيت وفى الأيام تجربة

للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقل من جد فى شيء يطالبه

فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

وقوله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) جاء فى التفسير : هل تعلم له نظيرا؟ معناه : هل تعلم أحدا يستحق من الصفات ما يستحقه الله عزوجل؟ وقيل : معناه : هل تعلم أحدا يسمى الله سوى الله؟ وعن الحسن بن الفضل البلخى أنه

٧٣

قال : نظم هذه اللفظة بما قبلها أنه لما أخبر أنه مالكهم وبحق ملكه تعبّدهم ، وبملازمة طاعته أمرهم ، بيّن أنه لا منازع له ينازعه فيما أمر ، ولا مضارع يساويه فيما أثبت وأظهر ، ودلت الآية على نفى التشبيه ، وأن المعبود سبحانه لا يشبه شيئا من الموجودات ولا يشبهه شيء من المدروكات ، لأن من شرط التماثل التساوى بكل وجه ، والله صانع وما سواه مصنوع ، ويستحيل أن يكون كالمصنوع لاستحالة القول بحدوثه كما يستحيل أن يكون المخلوق كالخالق ، لفساد القول بقدمه ، وعليه دل قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) قال الواسطى : ليس كذاته ذات ، ولا كفعله فعل ، ولا كصفته صفة ، إلا من جهة موافقة اللفظ ، وجلت الذات القديمة أن تكون لها صفة حديثة ، كما استحال أن تكون الذات المحدثة لها صفة قديمة ، سبحان من ليس كمثله شيء ، وجل عن الزمان والأين.

وهذه الحكاية تشتمل على جوامع مسائل التوحيد ، وكيف تشبه ذاته ذات المحدثات وهى بوجودها مستغنية عن كل غير بكل وجه ، فهى بها قائمة وباستحقاق نعت صمديتها دائمة.

وما سواها من الأغيار إلى الإيجاد والإبداء مفتقرة حتى تكون ، وإلى الإبقاء والإدامة محتاجة حتى تدوم.

وكيف يشبه فعله فعل الخلق وهو لا لعلة فعل ما فعل.

ولا لجلب أنس أو دفع نقص حصل.

ولا بخواطر وأغراض وجد.

ولا بمباشرة أو معالجة ظهر.

وفعل الخلق لا يخرج عن هذه الوجوه ، وإليه أشار ذو النون المصرى

٧٤

حيث قال : حقيقة التوحيد أن تعرف أن قدرة الله فى الأشياء بلا علاج ، وصنعه للأشياء بلا مزاج ، وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه ، وما تصور فى وهمك فالله تعالى بخلافه.

ومعنى قوله : وعلة كل شيء صنعه أنه ما ظهر حادث إلا والله صانعه ولا علة لفعله أى : لم يحمله على الفعل غرض ولا دعاه إلى الإيجاد محرك ، فهو سبحانه لا يشبهه أحد ، ولا يوجد من دونه ملتحد ، وكيف لا وهو سبحانه واحد لا يجمعه عدد ، وصمد لا يقطعه أمد ، وفى معناه أنشدوا :

يا من إذا قلت يا من لا نظير له

فى عزه قيل لى يا صادق البشر

وكان الشيخ أبو على الدقاق يقول : إن مجنون بنى عامر ادعى المحبة لشخص وتحقق فيها حتى هجر الأوطان وفارق الإخوان ، واغترب عن كل شيء حتى اسمه ، فلما خرج إلى الصحراء رأى ظبيا فقال :

فعيناك عيناها وجيدك جيدها

سوى أن عظم الساق منك دقيق

فقال له أهل التحصيل : أف لك من محب ، قاسيت ما قاسيت وتحملت ما تحملت ، وحين خرجت إلى الصحراء وجدت من أمثاله ما لا يحصى (١).

__________________

(١) أما الحب فى الله الواحد الأحد ، من ليس له شريك فى الملك فهو الحب على التحقيق ، إذ لا يشبه الله أحد من خلقه.

٧٥

فصل

فضل الله على أهل التوحيد

ولقد أعظم الله المنة على أهل التوحيد وأجزل النعمة على ذوى التحقيق حيث أعتق أسرارهم من رق عبودية ما له مثل ، والعبادة لما له شكل ، فهو الّذي اصطفاك فى القدم ، وعصمك عن سجود الصنم ، وإن لم يكن لك فى العبودية صدق قدم ، فأرجو أنك لا تحرم وجود الكرم.

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) تنفى التشبيه

فإن قيل : كيف دلت الآية على نفى التشبيه ، وقد أثبتت المثل بقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).

فالجواب : أن الكاف صلة فى قول بعضهم ، ومعناه : ليس مثله شيء ، والكاف تزاد فى كلامهم على وجه الصلة كقوله القائل :

وصاليات ككما يؤثفين

وقيل : المثل صلة ، ومعناه : ليس كهو شيء ، وقيل : مثل الشيء يذكر والمراد به نفسه ، كقول القائل : ليس هذا كلام مثلك ، يعنى نفسه.

وقيل : إن التشبيه يكون بأحد شيئين : إما بالكاف وإما بالمثل ، فجمع بين حرفى التشبيه ونفى بهما عن نفسه التشبيه ، فكأنه قال : ليس مثله شيء وليس كهو شيء ، وقد قيل هذا غاية نفى التشبيه ، إذ لو كان له مثل لكان كمثله شيء وهو نفسه ، فلما قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) دل على أنه ليس له مثل ، وعليه دل سبحانه بقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل : ١٧) أفمن

٧٦

هو كبير لم يزل كمن هو حقير لم يكن ، أفمن هو جبار لا نقص له كمن هو مجبور لا غناء به ، وكيف تشبه الحقيقة الخليقة ، وكيف تماثل القدرة الفطرة.

وبما ذا يشبه من المصنوعات بالأرض أم بالسماوات أم يشبه بالشموس والأقمار أو الرسوم والآثار ، أو الديار والأطلال ، أو الأغيار والأشكال ، والكل دان لجبروته ، وناطق بدوام ملكوته ، وأمارات الصنع على الجمع واضحة ، ودلائل النقص على الكل لائحة ، وأسرار العارفين بأنها مصنوعة مناجية.

وقوله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) قد يوافق اللفظ اللفظ والاسم الاسم ولا يقتضي التشاكل لعدم التساوى بكل وجه خلافا للباطنية فى قولهم : إن القديم لا يسمى شيئا ، ولا لا شيء كاشتراك البياض والسواد فى اسم اللون ووجوب مخالفتها على التحقيق (١).

__________________

(١) وكيف يتساوى التراب برب الأرباب جل ذكره.

٧٧

فصل

من حق الله تعالى على العباد

ولما كان المعبود سبحانه لا مثل له حق للعابدين أن لا يذروا مقدورا فيه إلا بذلوه ، ولا يغادروا ميسورا فى طلبه إلا تحملوه ، ولا يحق بذل المهج إلا فى طلب الأعزة ، فحق للدموع أن تتقطر على فوات قربته ، كما حق للقلوب أن تتعطر بنسيم محبته ، وكما حق للأرواح أن تنفطر من خوف فرقته ، وأنشدوا :

سهر العيون لغير وجهك باطل

وبكاؤهن لغير هجرك ضائع

ولغيره :

على مثل ليلى يقتل المرء نفسه

وإن بات من ليلى على اليأس طاويا

(فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) لمن تدخر مجهودك ، إذا لم تطلب معبودك ، هل تعرف أحدا يستحق ما يستحقه ، أو يوجد ما يخلفه ، إن دعوته أجابك ، وإن أطعته أثابك ، وإن تركته أمهلك ، وإن رجعت إليه واصلك ، وإن عرفته أحبك ، وبغير شفيع قربك ، وبلطفه كاشفك ، وبفضله لاطفك ، هل تعلم له سميّا ، لا إله إلا الله ، تقدس عن الأمثال ، وتعالى عن الأشكال ، وهو الكبير المتعال.

٧٨

باب (١)

فى معنى قوله تعالى

(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)

اختلفوا فى نزول هذه الآية ، فروى ابن عباس والضحاك : أنها مكية ، وروى عن مقاتل أنها مدنية ، وقرأ ابن عامر : «ذو الجلال» بواو والباقون : (ذِي الْجَلالِ) بياء ، والكلام فى هذه الآية من وجوه : منها القول فى معنى : (تَبارَكَ) ومنها فى معنى قوله : (اسْمُ رَبِّكَ) ومنها فى معنى قوله : (ذِي الْجَلالِ).

__________________

(١) الدعاء باسمه تبارك وتعالى :

الدعاء : الرغبة إلى الله تعالى ، وقد دعا يدعو دعاء ودعوى ، والدعاء كالنداء أيضا ، لكن النداء قد يقال إذا قيل يا ، وأيا ، ونحو ذلك ، من غير أن يضم إليه الاسم.

والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم بنحو يا فلان ، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ، ويستعمل أيضا استعمال التسمية نحو : دعوت ابنى محمدا ، أى سميته ، قال تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) (النور : ٦٣) حثا على تعظيمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك مخاطبة لمن يقول : يا محمد.

ودعوته : إذا سألته ، وإذا استغثته ، قال تعالى : (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) (الأنعام : ٤٠) تنبيها أنكم إذا أصابتكم شدة لم تفزعوا إلا إليه ، وقوله : (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) (١٤) (الفرقان) لأهل النار وهو أن يقول : يا لهفاه ، وا حسرتاه ، ونحو ذلك من ألفاظ التأسف ، والمعنى : يحصل لكم غموم كثيرة ، وقوله تعالى : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) (البقرة : ٦٨) أى سله.

والدعاء إلى الشيء : الحث على قصده ، وقوله تعالى : (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) (غافر : ٤٣) أى رفعة وتنويه : و «لهم الدعوة على غيرهم» أى يبدأ بهم فى الدعاء ، وتداعوا عليهم : تجمعوا.

٧٩

__________________

والداعية : صريخ الخيل فى الحروب ، ودعاه الله بمكروه : أنزله به ، وادعى كذا : زعم أنه له ، حقا كان أو باطلا.

والاسم الدّعوة والدّعاوة والدّعوة والدّعاوة ، والدّعوة الحلف ، والدعاء إلى الطعام ، ويضم كالمدعاة ، والدّعوى : الادّعاء ، قال تعالى : (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) (الأعراف : ٥).

والدعوى أيضا كقوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠) (يونس) وقال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (٣٢) (فصلت) أى ما تطلبون : معانى لفظ الدعاء فى القرآن الكريم :

والدعاء يرد فى القرآن على وجوه :

الأول : بمعنى القول : (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) (الأنبياء : ١٥) أى قولهم.

الثانى : بمعنى العبادة ، قال تعالى : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) (الأنعام : ٧١) أى أنعبد.

الثالث : بمعنى النداء ، قال تعالى : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) (النمل : ٨٠) أى النداء.

والرابع : بمعنى الاستعانة والاستغاثة ، قال تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) (البقرة : ٢٣) أى استعينوا بهم.

الخامس : بمعنى الاستعلام والاستفهام ، قال تعالى : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا) (البقرة : ٦٨) أى استفهم.

السادس : بمعنى العذاب والعقوبة ، قال تعالى : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) (١٧) (المعارج) أى تعذب.

السابع : بمعنى العرض ، قال تعالى : (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) أى أعرضها عليكم (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) (٤١) (غافر) أى تعرضونها عليّ.

الثامن : دعوة نوح قومه : (إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) (٥) (نوح).

التاسع : دعوة خاتم الأنبياء لكافة الخلق : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل: ١٢٥).

٨٠