شرح أسماء الله الحسنى

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري

شرح أسماء الله الحسنى

المؤلف:

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري


المحقق: طه عبدالرؤوف سعد و سعد حسن محمد علي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الحرم للتراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٢

يرحم العبد إلا إذا رحمه الحق قال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (١) ، ويروى عن ابن أبى أوفى أنه قال : خرجت أريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا أبو بكر وعمر رضى الله عنهما قاعدان وصبى صغير يبكى فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ضم إليك الصبى يا عمر» فضم عمر الصبى إلى نفسه ، فإذا بامرأة كاشفة عن رأسها تولول ، وتقول : يا بنياه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحق المرأة فإنها أم الصبى» فأخذت المرأة ولدها وضمته إلى صدرها ، والصبى يبكى فى حجرها ، فلما التفتت رأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : وا حزناها ، إنى لأرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رآنى وأنا كاشفة عن رأسى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أترون هذه رحيمة بولدها؟» فقالوا : بلى ، يا رسول الله ، كفى بهذه رحمة ، فقال : «والّذي نفسى بيده لله أرحم بالمؤمنين من هذه بولدها».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الراحمون يرحمهم الرحمن».

حكى أن الحسن البصرى سرق له إزار فقعد يبكى ، فقيل له فى ذلك فقال : إنما أبكى لأن مسلما تلحقه غدا عقوبة من أجلى ، ثم قال : اللهم إن كنت تغفر لأحد ذنبا فاغفر لسارق إزارى ذنبه.

ويحكى أن معروفا الكرخى كان قاعدا على شاطئ الدجلة ، وكان هناك جماعة من الشطار يشربون الخمر ويضربون بالأوتار ، فقيل له : أما ترى جراءة هؤلاء على الله سبحانه وتعالى ، ادع الله عليهم لعل الله يخلص المسلمين من شرهم فقال : اللهم كما فرّحت هؤلاء فى الدنيا ففرحهم فى الآخرة ، فقالوا : سألناك أن تدعو عليهم لا أن تدعو لهم ، فقال : إذا فرحهم فى الآخرة تاب عليهم فلم يضروكم.

__________________

(١) آل عمران : ١٥٩.

٣٨١

باب

فى معنى اسمه تعالى

٨٩ ـ النور (١)

جل جلاله

النور من أسمائه جل وعلا ، قال الله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) قيل: فى التفسير معناه نور السماوات والأرض ، وقيل : معناه الهادى لأهل السماوات والأرض ، وقيل : سمى النور لأن منه النور ، والعرب تسمى من منه الشيء باسم ذلك الشيء كتسميتهم المقبل والمدبر بالإقبال وبالإدبار ، قال الشاعر (٣) :

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت

فإنما هى إقبال وإدبار

أى ذات إقبال وإدبار.

فإذا كان بمعنى النور فإنما هو منور الآفاق بالنجوم والأنوار ، ومنور القلوب

__________________

(١) النور : هو الّذي نوّر قلوب الصادقين بتوحيده ونوّر أسرار المحبين بتأييده ، وقيل هو الّذي حسّن الأبشار بالتصوير ، والأسرار بالتنوير ، وقيل : هو الّذي أحيا قلوب العارفين بنور معرفته ، وأحيا نفوس العابدين بنور عبادته ، وقيل : وهو الّذي يهدى القلوب إلى إيثار الحق واصطفائه ، ويهدى الأسرار إلى مناجاته واجتبائه.

(٢) النور : ٣٥.

(٣) هى الخنساء الشاعرة ترثى أخاها صخرا فى الجاهلية وتشبه نفسها فى البيت ببقرة فقدت ولدها.

٣٨٢

بفنون الدلائل وصنوف الحجج والملاطفات ، ومنور الأبدان بآثار العبادات ، فالطاعات زينة النفوس والأشباح ، والمعارف زينة القلوب والأرواح ، والتأييد بالموافقات نور الظواهر ، والتوحيد بالمواصلات نور السرائر ، وأن الله سبحانه يزيد قلب العبد نورا على نور يؤيده بنور البرهان ثم يمده بحسن البيان ، قال الله سبحانه (نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) (١) ، وقد يهدى القلوب إلى محاسن الأخلاق لتؤثر الحق وتصطفيه ، وتترك الباطل وتدع ما يستدعيه.

وفى بعض الأخبار أن الله تعالى يحب حسن الأخلاق ويكره سفاسفها (٢) ، فمن معالى الأخلاق التحرز عن رق الأشياء واستصغار قدر الدنيا والجود بها على كل أحد ، وأن الله سبحانه يحب كل جواد سخى.

وفى بعض القصص أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه‌السلام : لا تقتل السامرى (٣) فإنه سخى.

يحكى أن عبد الله بن عباس كان والى البصرة من قبل على رضى الله عنه فأتاه قراء البصرة وقالوا له : إن رجلا هاهنا صالحا مشتغلا بالعبادة ، وله بنت ، وقد زوجها من رجل وليس له ما يجهزها به ، فأدخلهم داره وأخرج ست بدارات دراهم وقال : احملوها إليه ، وحمل هو واحدة ، ومضوا إلى دار الرجل ووضعوها ، فلما انصرفوا قال لهم : ما عملنا جميلا ، شغلناه عن العبادة ، انصرفوا بنا نتولى ذلك الشغل ، فليس للدنيا من الخطر ما يشغل به عابد عن عبادته تعالى ، ولا فينا أيضا من يترفع عن القيام بأمر مسلم ، ومضى وقام يتولى ذلك الأمر بنفسه.

__________________

(١) النور : ٣٥.

(٢) السفيساف : كل ردئ حقير.

(٣) الّذي اتخذ العجل إلها ليعبده بنو إسرائيل.

٣٨٣

وقيل : السخاء أن تجود على من لا يعرفك ، والسؤدد أن تنصف من لا ينصفك ، وفى معناه أنشد.

بث النوال ولا يمنعك قلته

فكل ما سد فقرا فهو محمود

إن الكريم ليخفى عنك عسرته

حتى تراه غنيا وهو مجهود

وللبخيل على أمواله علل

زرق العيون (١) عليها أوجه سود

وفى بعض الحكايات أن عبد الله بن العباس خرج فى بعض أسفاره فنزل ليلا على حي من العرب فاستضاف شيخا فأنزله ورحب به ، وكان فقيرا ، فعمد إلى شاة له فذبحها ، فقالت امرأته : نموت إذا من الجوع ، فقال الأعرابى : الموت خير من اللوم ، فلما أصبح عبد الله بن العباس قال لغلامه : إيش معك؟ فقال : خمسمائة دينار ، فقال : ضعها عنده ، فقال يكفيه ضعف قيمة الشاة ، قال : إليك عنى ، فإنه إن لم يكن يعرفنى ، فأنا أعرف نفسى ، إن الرجل جاد علينا بجميع ماله ونحن جدنا عليه ببعض دنيانا.

__________________

(١) إذ إن أهل النار تزرق عيونهم فيها.

٣٨٤

باب

فى معنى اسمه تعالى

٩٠ ـ الهادى (١)

جل جلاله

ومن أسمائه سبحانه الهادى ، قال الله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢) وغير ذلك كثير ، والهداية فى اللغة الإمالة ، والهدية تسمى هدية لأنها تمال من ملك إلى ملك ، والهدى يسمى هديا لأنه حيوان يساق إلى بقعة مخصوصة ، وأهديت المرأة إلى بيت زوجها من ذلك ، فالهداية إسالة القلب إلى الحق.

قال الجنيد فى معنى قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) مل بقلوبنا إليك وأقم هممنا بين يديك وكن دليلنا منك عليك.

وقيل : أصله التقديم ، والعرب تسمى العنق : الهادى لتقديمه على البدن ، فالهادى فى وصفه بمعنى المقدم لأهل الخير إلى الرتبة التى يستحقونها ، والّذي يميل القلوب إلى الحق عن الباطل ، قال الله سبحانه : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ) (٣)

__________________

(١) الهادى : هو الّذي يهدى القلوب إلى معرفته ، والنفوس إلى طاعته ، وقيل : هو الّذي يهدى المذنبين إلى التوبة ، والعارفين إلى حقائق القربة ، وقيل : الهادى الّذي يشغل القلوب بالصدق مع الحق ، والأجساد بالخلق مع الخلق.

(٢) يونس : ٢٥.

(٣) يونس : ٩.

٣٨٥

وكما يهديهم إلى نفسه بحسن التعريف يهديهم إلى محاسن الأخلاق ومعالى الأمور بحسن التشريف ، قال الله سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (١) يكرم قوما لما يلهمهم من جميل الأخلاق ، ويصرف قلوبهم إلى ابتغاء ما فيه رضاه ، ويهديهم إلى استصغار قدر الدنيا واستحقار كرائمها حتى لا يسترقهم ذل الأطماع ولا تستعبدهم أخطار المستحقرات ، فلا يتدنسون بالركوع إلى كل خسيسة ، ولا يتلبسون بتعاطى كل نعمة (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٢) وحكايات الأسخياء فى ذات الله أعلى منهم رتبة.

يحكى عن قيس بن سعد بن عبادة أنه مرض وقتا فلم يجد فى عواده كثرة ، فسأل عن ذلك فقالوا له : إنهم يستحيون عن عيادتك لأن لك عليهم ديونا ، فقال : لا خير فى مال يحول بيننا وبين إخواننا ، نادوا فى البلد أنه من كان لى عليه شيء فقد وهبناه ، فلما أصبح كسرت عتبة بابه من كثرة عواده.

وقيل : كان يبنه وبين رجل عداوة فأراد ذلك الرجل أن يماكره ، فمضى إلى الناس فقال : إن قيسا يدعوكم ، فحضر بابه خلق كثير ، فقال : ما بال الناس ، فقيل له : إنك دعوتهم ، ولم يكن عنده فى الوقت مال حاضر ، وكان له على الناس ديون ، فأخرج الصكوك على الناس بعشرين ألف دينار ففرقها على من حضر منهم وقال : إذا خرج العطاء فخذوا هذا من الناس واعذرونى ، إذ ليس فى يدى ما أبركم بالنقد.

وأن الهداية إلى حسن الخلق باب الهداية إلى اعتقاد الحق ، لأن الدين شيئان : صدق مع الحق ، وخلق مع الخلق ، ثم منازل الناس فى الخلق

__________________

(١) الشمس : ٧ ، ٨.

(٢) الحشر : ٩.

٣٨٦

متفاوتة ، فمن وضيع تقاصر أمره ، ومن كبير تناهى قدره ، ولهذا قال بعضهم : حسن الخلق أن لا يبقى أثر للكون.

وقيل : احتمال المكروه بحسن المداراة ، وقيل : هو بسط الوجه وكف الأذى ، وقيل : هو ترك الخيانة فى حال النعمة ورفض الشكاية فى حال المحنة.

روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «طوبى لمن بات حاجا ، وأصبح غازيا» قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : «من كثرت عياله وضاقت يده وحسن خلقه معهم ، يدخل ضاحكا ويخرج ضاحكا ، أنا منهم وهم منى ، وهم الحاجون الغازون فى سبيل الله».

وقال الفضيل بن عياض : لأن يصحبنى رجل فاجر حسن الخلق أحب إلى من أن يصحبنى عابد سيئ الخلق.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الخلق الحسن طوق من رضوان الله فى عنق صاحبه ، والطوق مشدود إلى سلسلة من الرحمة ، والسلسلة مشدودة إلى حلقة من أبواب الجنة ، حيثما ذهب الخلق الحسن جذبته السلسلة إلى نفسها فتدخله من ذلك الباب الجنة ، والخلق السوء طوق من سخط الله فى عنق صاحبه ، والطوق مشدود إلى سلسلة من عذاب الله ، والسلسلة مشدودة إلى حلق من باب النار ، من حيثما ذهب الخلق السوء جذبته السلسلة إلى نفسها فتدخله من ذلك الباب النار».

٣٨٧

باب

فى معنى اسمه تعالى

٩١ ـ البديع (١)

جل جلاله

البديع : من أسمائه تعالى ، قال الله سبحانه : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) ومعناه المبدع ، وفعيل بمعنى مفعل ، كثير وقد مضى فيما تقدم فى غير موضع ، وقيل : كان فى الأصل بدع ولكنهم أماتوا هذا التصريف ، وكل من فعل فعلا لم يسبق إليه قيل أبدع ، ولهذا سميت البدعة بدعة لأنه قول لم يسبق إليه قائله ، والله تعالى مبدع الأعيان لا على مثال تقدم ولا من أحد تعلم ، وقيل : إن البديع هو الّذي لا مثل له ، ويقال : هذا شيء بديع إذا كان عديم المثل ، والوصفان جميعا يجبان لله تعالى لأنه المنشئ لا على مثال ، وهو القديم بلا مثال.

وأما المبدئ (٣) فهو مفعل بمعنى فاعل ، يقال : بدأ الله الخلق وأبداهم ، قال تعالى : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (٤) وأن الله تعالى خالق الأعيان ومبديها

__________________

(١) البديع : هو الّذي لا عهد بمثله ، فإن لم يكن بمثله عهد ، لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله ولا فى كل أمر راجع إليه فهو البديع المطلق ، وإن كان كل شيء من ذلك معهودا فليس ببديع مطلق ، ولا يليق هذا الاسم مطلقا إلا بالله تعالى ، فإنه ليس له قبل فيكون مثله معهودا قبله ، وكل موجود بعده ، فحاصل بإيجاده وهو غير مناسب لموجده فهو بديع أزلا وأبدا.

(٢) البقرة : ١١٧.

(٣) ذكر شرح هذا الاسم فيما تقدم.

(٤) الروم : ١١.

٣٨٨

وجاعل العين عينا والذات ذاتا ، ويصبح هذا على طريقة أهل السنة دون من خالفهم من أهل الأهواء والبدعة حيث قالوا : إن البديع : الّذي أبدع التصوير وأحسن التدبير ، ولم يخلق الأكوان خامدة مملة ، بل خلقها حافلة ببدائع المصنوعات وغرائب الفنون وعجيب الحوادث ، شيقة للمتفكرين ، كثيرة الدلالات والآيات للمتوسمين ، فسبحانه وتعالى لا نهاية لكماله ولا حدّ لجلاله ولا مثيل له ، وذاكره يكون من أهل البصيرة والفهم ، وتقضى حاجته ، ويأمن الصواعق ، الحوادث كانت فى العدم أعيانا وأشياء فسدوا على أنفسهم طريق التوحيد بهذه البدعة الشنعاء وليس هذا موضع بسط الكلام فيه.

ومن آداب من عرف هذا الاسم لله تعالى أن يجتنب البدعة ويلازم السنة ، والبدعة ما ليس لها أصل فى كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا إجماع الأمة ، قال الله سبحانه : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١) وقال تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) (٢) وقال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٣) وقال أبو عثمان الحيرى : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحب سنتى فقد أحبنى ، ومن أحبنى كان معى فى الجنة» وقال سهل بن عبد الله : أصول مذهبنا ثلاثة : الاقتداء بالنبىصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الأخلاق والأفعال والأكل من الحلال وإخلاص النية فى جميع الأعمال ، وقول الله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٤) جاء فى التفسير الحكمة : السنة ، وقال تعالى : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٥) جاء فى التفسير أنه

__________________

(١) النور : ٦٣.

(٢) النور : ٥٤.

(٣) الأحزاب : ٢١.

(٤) آل عمران : ٤٨.

(٥) فاطر : ١٠.

٣٨٩

الاقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفى خبر مسند : «عمل قليل فى سنة خير من اجتهاد فى بدعة».

وقيل : رئى عمرو بن الليث فى المنام بعد موته فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لى ، فقيل : بما ذا؟ فقال : صعدت ذروة جبل يوما وفى سفح الجبل جنودى فأعجبنى كثرتهم ، فتمنيت أنى حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعنته ، فشكر الله لى ذلك فغفر لى.

ويحكى عن أحمد بن حنبل رحمه‌الله تعالى أنه قال : كنت يوما مع جماعة يتجردون ويدخلون الماء ، فاستعملت خبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر» ولم أتجرد ، فرأيت تلك الليلة فى المنام قائلا يقول لى : أبشر يا أحمد فإن الله قد غفر لك باستعمال السنة ، فقلت : من أنت؟ فقال : جبريل ، وقد جعلك لله تعالى إماما يقتدى بك.

ويحكى عن بعضهم أنه قال رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام فقلت له : يا رسول الله اشفع لى ، قال : قد شفعت لك ، فقلت متى؟ فقال : اليوم الّذي أحييت فيه سنة من سنتى وقد أميتت.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من خالف الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».

وقال ابن عباس : ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة ، حتى تحيا البدعة ، وتموت السنة.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مشى إلى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام».

وأوحى الله لموسى عليه‌السلام : لا تجالس أهل الأهواء فيحدثوا فى قلبك ما لم يكن.

٣٩٠

وقال سهل بن عبد الله : من داهن مبتدعا سلبه الله تعالى حلاوة السنن ، ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله تعالى نور الإيمان من قلبه.

سمعت الشيخ أبا على الدقاق ، رحمه‌الله تعالى ، يقول : من استهان بأدب من آداب الإسلام عوقب بحرمان السنة ، ومن ترك سنة عوقب بحرمان الفريضة ، ومن استهان بالفرائض قيض الله له مبتدعا يذكر عنده باطلا فيوقع فى قلبه شبهة.

واعلم أن بركات السنة توصل العبد إلى حقائق القربة وتجعله أهلا لخصائص الرأفة ، قال الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) وفقنا الله وإياكم لمتابعة السنة وعصمنا عن اتباع البدعة.

* * *

٣٩١

باب

فى معنى اسميه تعالى

٩٢ ، ٩٣ ـ الباقى (١) الوارث (٢)

جل جلاله

الباقى اسم من أسمائه تعالى ، والباقى صفة من صفات ذاته ، وهو تعالى باق ببقاء هو قائم به ، وبقاؤه باق لنفسه ، لأنه فى نفسه باق ، وصفات ذاته باقية ببقائه تعالى ، وحقيقة الباقى من له البقاء ، وإنما جاز أن يكون بقاؤه بقاء لصفاته ولم يجز أن يكون بقاء الجوهر بقاء لأعراضه لأن الجوهر غير العرض ، ولا يجوز أن يكون الباقى باقيا ببقاء هو غيره.

ومما يجب أن تشتد به العناية أن يتحقق العبد أن المخلوق لا يجوز أن يكون متصفا بصفات ذات الحق سبحانه ، فلا يجوز أن يكون العبد بعلم الله عالما ولا يجوز أن يكون العبد بقدرة الله قادرا ، ولا أن يكون سميعا وبصيرا

__________________

(١) الباقى : هو الّذي لا يموت ولا يفنى ، فهو واجب الوجود لذاته ، ولا حياة لغيره إلا به ، فهو غير قابل للعدم بوجه من الوجوه ، فهو الّذي لا ابتداء لوجوده ولا نهاية لوجوده ، فهو الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء.

(٢) الوارث : هو الّذي يرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك ، وذلك هو الله سبحانه ، إذ هو الباقى بعد فناء خلقه ، وإليه مرجع كل شيء ومصيره ، وهو القائل إذا ذاك : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) وهو المجيب : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) وقيل : الوارث الّذي تسربل بالصمدية بلا فناء ، وتفرد بالأحدية بلا انتفاء ، وقيل : الوارث الّذي يرث لا بتوريث أحد ، الباقى الّذي ليس لملكه أمد.

٣٩٢

بسمعه وبصره تعالى ، ولا أن يكون حيا بحياته ولا باقيا ببقائه تعالى ، لأن الصفة القديمة لا يجوز قيامها بالذات الحادثة ، كما لا يجوز قيام الصفة الحادثة بالذات القديمة ، وحفظ هذا الباب أصل التوحيد ، فإن كثيرا ممن لا تحصيل له ولا تيقن زعموا أن العبد يصير باقيا ببقاء الحق ، وأنه يكون سميعا بسمعه ، بصيرا ببصره ، حيا بحياته ، وهذا خروج عن الدين وانسلاخ عن الإسلام بالكلية ، وهذه البدعة أشنع من قول النصارى حيث قالوا : إن الكلمة القديمة اتحدت بذات عيسى ، وهذه البدعة توازى قول الحلولية حيث جوزوا على ذات الحق سبحانه الحلول فى الأشخاص المحدثة ، كذلك هؤلاء جوزوا قيام الصفة القديمة بالذات المحدثة ، وربما تعلقوا فى نصرة هذه المقالة الشنيعة بما روى فى الخبر عن الله تعالى إذ قال : «فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ، فبى يسمع وبى يبصر» ولا احتجاج لهم فى ظاهره ، لأنه ليس فيه أنه يسمع بسمعى ويبصر ببصرى ، بل قال : بى يسمع وبى يبصر ، فالاتفاق أن ذاته لا يجوز أن تكون لأحد سمعا ولا بصرا ، فإذا تركوا الظاهر لم يبق إلا التأويل ، فالواجب الاشتغال بالتأويل الصحيح دون الباطل.

وإنما حملنا على المبالغة فى شرح هذا الفصل ما رأينا من الواجب علينا فى نصرة الدين ، ونحن فى زمان يناظرنا فيه من ليس له تحقيق ولا تحصيل ، ولما كثر من اغترار أهل الغباوة بما قد موهوا من التلبيس وغلب عليهم من قلة التحقيق وشدة التهويس ، حتى أن منهم من يقول : إن معرفة العبد ليست بمخلوقة ، وروحه ليست بمخلوقة ، وإنما أصل هذه البدع الفاسدة والأقاويل الركيكة الباطلة قول من قال : لفظ العبد وقراءاته القرآن ليس بمخلوق ، وإنما جوز هؤلاء الحشوية أن يكون قرآن قديم يوجد على لسان العبد ويسمع من

٣٩٣

المخلوق ، وارتقى هؤلاء المهوسون وتوهموا أنهم زودوا على إخوانهم فى التدقيق وقالوا : إن العبد يكون باقيا ببقائه سبحانه ، سميعا بصيرا بسمعه وبصره.

قال النصرآذباي ، رحمه‌الله تعالى : الحق سبحانه وتعالى باق ببقائه ، والعبد باق بإبقائه.

ولقد حقق ، رحمه‌الله تعالى ، وحصل وأخبر عن نكتة المسألة وفصل.

وأما الوارث فهو الباقى بعد فناء الخلق ، يفنى الأولين والآخرين من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين ثم يقول : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ويجيب نفسه بقوله : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١).

__________________

(١) غافر : ١٦.

٣٩٤

باب

فى معنى اسمه تعالى

٩٤ ـ الرشيد (١)

جل جلاله

الرشيد من أسمائه تعالى ، ورد به الخبر الوارد فى تفصيل أسمائه ، ومعناه المرشد ، وإرشاد الله تعالى لعبده : هدايته لقلبه إلى معرفته ، هذا هو الإرشاد الأكبر الّذي خص به أولياءه من المؤمنين ، قال الله سبحانه : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢) وبعد هذا إرشاده لعباده فى الآخرة إلى الجنة ، ثم إرشاده لهم اليوم إلى اختيار طريق طاعته والتوقى عن مخالفته ، ثم إرشاده إياهم لما فيه صلاح أحوالهم من انتظام أسباب معايشهم ، قال الله سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٣).

وأمارة من يرشده الحق لإصلاح نفسه أن يلهمه حسن التوكل عليه وتفويض أموره بالكلية إليه واستجارته إياه فى كل خطب واستخارته فى كل شغل ، كما أخبر سبحانه عن موسى ، عليه‌السلام ، حيث قال : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ

__________________

(١) الرشيد : هو الّذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها عن سنن السداد من غير إشارة مشير وتسديد مسدد ، وإرشاد مرشد ، وقيل : الرشيد الّذي أسعد من شاء بإرشاده ، وأشقى من شاء بإبعاده ، وقيل : الرشيد الذي لا يوجد سهو فى تدبيره ، ولا لهو فى تقديره.

(٢) البقرة : ١٤٢.

(٣) الشمس : ٧ ، ٨.

٣٩٥

عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (١) ، هكذا ينبغى إذا أصبح ، أن يتوكل على ربه فلا يستقبله شغل إلا فزع إليه ونظر إلى ما يرد على قلبه من الإشارة من قبله فتندفع عنه الأشغال ويكفيه الله تعالى جميع الأمور ، فإن رجع بعد ما أرشده الله تعالى إلى هذا عاتبه الله تعالى بما يعلم أنه كان منه سوء أدب حتى يعود إلى سكونه وترك اختياره واحتياله.

يحكى عن بعضهم أنه قال : كنت مع إبراهيم بن أدهم فى السفر وقد أصابنا الجوع فأخرج كتابا كان معه بعد ما نزلنا فى مسجد فقال لى : مر وارهن هذا الكتاب وجئنا بشيء نأكله ، فقد مسنا الجوع ، قال : فخرجت فاستقبلنى رجل بين يديه بغلة موقرة ، وكان يقول الّذي أطلبه رجل أشقر طويل يقال له : إبراهيم ابن أدهم ، فقلت له : إيش تريد منه؟ فقال : أنا غلام أبيه ، وهذه الأشياء له ، فدللته عليه ، قال : فدخل المسجد وأكب على رأسه ويديه يقبلهما ، فقال له : إبراهيم : من أنت؟ فقال : غلام أبيك ، وقد مات أبوك ومعى أربعون ألف دينار ميراثك من أبيك ، وأنا عبدك فمر بما شئت ، فقال إبراهيم : إن كنت صادقا فأنت حر لوجه الله تعالى ، والّذي معك كله وهبته لك ، انصرف عنى ، فلما خرج قال : يا رب ، كلمتك فى رغيف فصببت عليّ الدنيا ، فو حقك لئن أمتنى من الجوع لا تعرضت بعد لطلب شيء أبدا.

انظر كيف أرشده الله تعالى بحسن الإشارة على قلبه لما رأى فى إتمام ما قصده من طريق زهده.

ومن إرشاد الله تعالى للعبد تثبيته إياه على طريق الملازمة والاستقامة حتى لا ينقص عزمه ولا يفسخ مع الله عزوجل عقده.

__________________

(١) القصص : ٢٢.

٣٩٦

يحكى عن بعضهم أنه قال : صحبت إبراهيم بن أدهم فى طريق مكة وتشارطنا أن لا ننظر لأحد إلا لله تعالى ، فدخلنا الطواف يوما وكان فى الطواف غلام فتن الناس بحسن وجهه ، فإذا إبراهيم بن أدهم يديم النظر إليه ، فقلت له : أيها الشيخ أليس قد تشارطنا أن لا ننظر إلا لله تعالى؟ قال : نعم ، فقلت : فلم ذا تكثر النظر إلى هذا الصبى الّذي قد فتن الناس بوجهه؟ فقال : إنه ابنى ، فقلت : لم لا تتعرف إليه؟ فقال : شيء تركته لله لا أعود إليه ، مر أنت وسلم عليه ، ولا تخبره بشأنى ، ولا تدله على مكانى ، قال : فمررت وسلمت عليه وقلت له : من أنت؟ فقال : أنا ابن إبراهيم بن أدهم ، قيل لى : إن أبى يحج كل سنة ، فجئت لعلى أراه ، قال : فرجعت إلى إبراهيم فسمعته ينشد :

هجرت الخلق فى رضاكا

وأيتمت الوليد لكى أراكا

فلو قطعتنى فى الحب إربا

لما حن الفؤاد إلى سواكا

فصل : هو الّذي أرشد النفوس والقلوب والأرواح والأسرار :

وأنه سبحانه أرشد نفوس الزاهدين إلى طريق طاعته ، وقلوب العارفين إلى سبيل معرفته ، وأرواح الواجدين إلى حقيقة صحبته ، وأسرار الموحدين إلى حقيقة تطلع قربته ، لا حرمنا الله ما رزقهم ووفقنا لما وفقهم بمنه ولطف صنعه.

٣٩٧

باب

فى معنى اسمه تعالى

٩٥ ـ الصبور (١)

جل جلاله (٢)

الصبور مما ورد به الخبر فى أسمائه تعالى ، فإن صح ورود الرواية به فمعناه الحليم فى وصفه ، لأن معنى الصبر فى اللغة الحبس ، يقال : قتل فلان صبرا ، وسمى شهر الصوم شهر الصبر أى شهر الحبس ، والصابر يكون على وجهين : صابر عن شيء ، وصابر على شيء ، وكل واحد منهما يحبس نفسه على ما يصبر عليه ، ويحبس نفسه عما يصبر عنه.

وفى صفة القديم سبحانه لا يصح حبس النفس ، ولكن يكون بمعنى تأخير العقوبة عن العباد ، وقد مضى طرف من الكلام فى حلمه وتأخيره العقوبة عن العباد.

__________________

(١) الصبور : هو الّذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه ، بل ينزل الأمور بقدر معلوم ، ويجريها على سنن محدودة ، لا يؤخرها عن آجالها المقدرة لها تأخير متكاسل ، ولا يقدمها على أوقاتها تقديم مستعجل ، بل يودع كل شيء فى أوانه على الوجه الّذي يجب أن يكون ، وكما ينبغى ، وكل ذلك من غير مقاساة داع على مضادة الإرادة ، وقيل : الصبور : الّذي لا تزعجه كثرة المعاصى إلى كثرة العقوبة ، وقيل : الصبور الّذي إذا قابلته بالجفاء قابلك بالعطية والوفاء ، وإذا أعرضت عنه بالعصيان أقبل إليك بالغفران.

(٢) يلاحظ أن المؤلف رضى الله عنه قدّم فى أسمائه الحسنى البعض وأخّر البعض ، وزاد بعض الأسماء ، ولم يذكر بعض الأسماء ، وقد استدركنا عليه ما فاته فشرحناها شرحا موجزا فى الهامش.

٣٩٨

فأما رتبة العبادات فى الصبر فعلى أقسام :

أولها : التصبر وهو تكلف الصبر ومقاساة الشدة فيه ، وبعد ذلك الصبر وهو سهولة تحمل ما يستثقله غيره من فنون القضاء وضروب البلاء ، وبعد ذلك الاصطبار ، وهو النهاية فى الباب ، ويكون ذلك بأن يألف الصبر ، فلا يجد مشقة بل يجد روحا وراحة.

قال الشاعر :

تعودت حسن الصبر حتى ألفته

وأسلمنى حسن العزاء إلى الصبر

وأنشدوا :

صابر الصبر فاستغاث به الصبر

فصاح المحب يا صبر صبرا

سمعت أبا على الدقاق ، رحمه‌الله تعالى ، يقول : إن محنة أيوب عليه‌السلام ، إنما كانت من عجز الصبر عن مقاومته ، ومثل هذا إنما يقال على سبيل ضرب المثل والإخبار عن نهاية حال العبد فى الصبر ، وإلا فالصبر صفة ولا توصف بالعجز والقدرة ، وقد قيل : المحنة إذا دامت ألفت.

سمعت الدقاق يقول : ليس الصبر أن لا تذكر البلاء لفظا ونطقا ، إنما الصبر أن لا تعترض على قدرته استقباحا لذلك ونكرا ، وشاهده ما أخبر الله تعالى عن أيوب بقوله : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ثم قال تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) (١) وكان يقول ، رحمه‌الله تعالى : علم الله ضعف هذه الأمة وأنهم لا يطيقون تحمل البلاء فجعل قصة أيوب سلوة لكل ممتحن يخبر عن شدة محنته ، ومقاساة صبره.

__________________

(١) ص : ٤٤.

٣٩٩

وقال جماعة : من شرط الصبر أن لا تتنفس بخلاف الإذن تحت جريان حكمه ، وأنشدوا :

إن كنت للسقم أهلا

فأنت للشكر أهلا

عذب فلم يبق قلب

يقول للسقم مهلا

قالوا : حقيقة الصبر ترجيع البلاء من غير تعبيس.

وقيل : إن أيوب ، عليه‌السلام ، أنّ يوما أنّة فأوحى الله إليه : يا أيوب شكوتنى! فقال : إلهى ، إلى من ولم تسمع أنّتي؟ فقال : شكوتنى إلى أعدى عدو لك ، وهى نفسك.

سمعت الدقاق يقول فى آخر عمره ، وقد قربت وفاته ، وهو فى ألم شديد : من علامات التأييد حفظ التوحيد فى أوقات المحنة ، ثم قال : معنى هذا الحديث أن يقطعك إربا إربا وأنت ساكن تحت جريان حكمه ، راض بنفوذ تقديره فيك وأمره.

وقيل : ينبغى أن يكون الصابر فى حكمه كالميت بين يدى الغاسل ، يقلبه كيف يشاء.

وقيل : فرق ما بين الحليم وبين الصبور فى صفة الخلق أن الحليم من يتجاوز عن غيره بلا تكلف ولا مقاساة مشقة ، والصبور هو الّذي يراود نفسه عن أخلاقها فيحتمل كرهها.

يحكى عن الأحنف بن قيس أنه قال : أنا صبور ولست بحليم ، وكان يضرب به المثل فى الحلم.

حكى أنه كان يأتى من موضع وإنسان يتسفه عليه وهو يصبر ، فلما قارب

٤٠٠